رد: (( رموز لا بد أن تسقط )) ... فرقعة البالونات !!
وكانت على صلة وثيقة بحركة تحرير المرأة المصرية كما كانت موضع إعجاب النابهين في مصر من رواد هذه الحركة وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين الذي كانت تعجب به كثيراً وتأسف لعدم تقدير المصريين له التقدير اللائق برسالته " وكانت كثيراً ما تقص على صفيتها هدى شعراوي ما كان يدور بينها وبين هؤلاء الثلاثة الكبار من حديث " (9) تشعل به كيانها وتدفعها إلى التطلع إلى تحسين أحوال المرأة المصرية والسير بحركتها إلى الأمام .
وكانت كثيراً ما تحدث هدى شعراوي " حول البحث عن الطريقة العملية المجدية للوصول إلى تحسين حال المرأة المصرية والترفيه عنها وكانت توجهها إلى أن تبدأ مشروعها بتوجيه المرأة المصرية إلى ممارسة الرياضة البدنية أولاً قبل تنبيهها إلى خوض الحياة الاجتماعية وترغيبها في دراسة الفنون و الآداب وعقد اجتماعات تجمع بين الرياضة الفكرية والرياضة البدنية وكذا إعداد ملعب " للتنس " في حديقة مصطفى رياض باشا ) (10) .
قالت ( وداد السكاكيني ) في ترجمة " هدى شعراوي " : ( .. وقد توقد فيها الذكاء والإباء فتأبت على هذه التقاليد التي كانت تضطر نظائرها من بنات الصعيد إلى التزام الحجاب (11) والبعد عن السياسة ولو كانت تدار من بيوتهن ) (12 ) .
وقالت : ( لما عادت هدى شعراوي للمرة الأولى من الغرب كانت تفكر في هذه التقاليد الموروثة التي لا تسمح لها بالظهور سافرة في بلادها فثارت عليها وما كادت تطل على الإسكندرية (13) حتى ألقت الحجاب جانباً ودخلت مصر مع صديقتها ( سيزا نبراوي ) بدون نقاب (14) فلقيتا من جراء هذا السبق بالسفور لغطاً و تعنتاً من المتزمتين ولم يكن هذا الأمر من رائدة النهضة النسوية بدعاً أو خروجاً على الحشمة والوقار بل كان منها سلوكاً مثالياً في السفور السليم " ؟ ! " واستنكاراً للانحراف والتبرج " ! ! " اللذين ظهرت فيهما بعض السافرات المتطرفات ) (15) ا هـ .
تقول " درية شفيق " :
وقد شجعت ( هدى ) عدداً من الفتيات على السفر إلى أوربة ( كي تعود الطالبات حاملات إلى الوطن عناصر الثقافية الغربية ومثلها العليا في الحياة الاجتماعية ) (16 ) .
( كانت " هدى " لا تزال تفكر في النظرة التي تقابل بها المصرية كلما سافرت إلى أوربا إن القوم هناك يسخرون من ذلك الحجاب الذي يغطي وجوه المصريات حتى إنهم كانوا - إذ يرون هدى شعراوي وزميلاتها بلا يشامك ولا براقع – يشككون في مصريتهن وفي ذلك المؤتمر الأخير بالذات كانت مندوبات الدول المختلفة ينكرن على "هدى" مصريتها ولا يكدن يعترفن إلا بمصرية واحدة كانت تصر على حضور تلك المؤتمرات محجبة لا تكشف شيئاً من وجهها وهي السيدة " نبوية موسى " ) (17) اهـ
تقول " هدى شعراوي " في حديث لها : و " .. ورفعنا النقاب أن وسكيرتيرتي " سيزا نبراوي " وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه وتلفتنا لنرى تأثير الوجه الذي يبدو سافراً لأول مرة بين الجموع فلم نجد له تأثيراً أبداً لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو " سعد " متشوقين إلى طلعته " (18) اهـ .
وقد دفعت بعد ذلك مباشرة ثمن جرأتها ورأت تأثير الوجه السافر حينما واجهتها هي وزميلاتها كثير من التعليقات الساخرة كلما سرن في الطريق وعرضن أنفسهن حتى للعبارات النابية والصفات المؤذية (19 ) .
وهذه " الزعيمة " هي التي قادت مع زوجة " الزعيم " سعد المظاهرة النسائية المشهورة سنة 1919 تقول في مذكراتها :
( وبينما كنت أتأهب لمغادرة منزلي في ذلك اليوم للاشتراك في المظاهرة بادرني زوجي بالسؤال : إلى أين تذهبين والرصاص يدوي ويتساقط في أنحاء المدينة ؟
فأجبت : للقيام بالمظاهرة التي قررتها اللجنة !!
فأراد أن يمنعني فقلت له : هل الوطنية مقصورة عليكم معشر الرجال فقط وليس للنساء نصيب فيها ؟
فأجابني : هل يرضيك إذا تحرش بكن الإنجليز أن يفزع بعض النساء ويولولن " يا أمي ... يا لهوتي !! " .
فقلت له إن النساء لسن أقل منكم شجاعة ولا غيرة قومية أيها الرجال وتركته وانصرفت لألحق بالسيدات اللاتي كن في انتظاري ... ) (20 ) .
في ذمة الفضـلى هدى ... جـيـل إلـى هـاد فـقـيـر
أقبلن يسألن الحضـارة ... مــا يـفـيـد ومــا يـضـير
ما الـســبـل بـيـنـه ولا ...كـل الهـداة بـهـا بـصـير (21)
وتقول وداد السكاكيني :
( وكانت هدى اليد اليمنى لصفية زغلول والمفكرة المتحررة لنسوة الطليعة الواعية بمصر والبلاد العربية وقد استجابت لدعوة المؤتمرات النسوية في الشرق والغرب فلما عقد أول مؤتمر دولي للمرأة في روما عام 1923 م حضرته " هدى شعراوي " مع " نبوية موسى " و " سيزا نبراوي " صديقتها و أمينة سرها .. وقد توالت بعدئذ رحلات " هدى شعراوي " للشرق والغرب ممثلة نساء بلادها رافعة علمها بين أعلام الدول الوافدات على المؤتمر ) (22) اهـ .
لقاء ( هدى ) و ( موسوليني ) :
قالت ( هدى ) في ( مذكراتها ) :
( كان من بين ما حققه مؤتمر روما الدولي أننا التقينا بالسنيور موسوليني ثلاث مرات وقد استقبلنا و صافح أعضاء المؤتمر واحدة واحدة وعندما جاء دوري وقدمت إليه كرئيسة وفد مصر عبر عن جميل عواطفه ومشاعره نحو مصر وقال إنه يراقب باهتمام حركات التحرير في مصر ، .. ثم كررت رجائي الخاص بمنح المرأة الإيطالية حقوقها السياسية ) (23) اهـ .
ولما عادت هدى من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي المذكور كونت الاتحاد النسائي المصري سنة 1923 ووضعت الحجر الأساسي له في إبريل 1942 م وبطبيعة الحال عمل ذلك الاتحاد بقيادتها لتحقيق الأهداف التي حرص الاستعمار على الوصول إليها وردد نفس المبادئ التي نادى بها من قبل ( مرقص فهمي ) ونقلها عنه ( قاسم أمين ) وفي مقدمتها تعديل قوانين الطلاق ومنع تعدد الزوجات علاوة على المطالبة للمرأة بالحقوق الاجتماعية والسياسية المزعومة التي وصلت أخيراً (24) إلى حد المطالبة بالمساواة في الميراث ) (25 ) .
وقفة مع الاتحاد النسائي :
وقد اهتمت الدوائر الأجنبية بأمر ذلك الاتحاد النسائي عند قيامه حتى أن الدكتورة ( ريد ) رئيسة الاتحاد النسائي الدولي حضرت بنفسها إلى مصر لتدرس عن كثب تطور الحركة النسائية ولتناصر الحركة بنفوذها في المحيط الأوربي وبتصريحاتها التي ترمي إلى المساعدة بإعطاء المرأة المصرية الحقوق السياسية المزعومة .
وبعد عشرين عاماً من تكوين هذا الاتحاد استطاع بالنفوذ الأجنبي و أذناب الاستعمار أن يمهد لعقد ما سمي بالمؤتمر النسائي العربي سنة 1944 م وقد حضرت مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة (26) واتخذت فيه القرارات "المعتادة " وفي مقدمتها بالطبع :
- المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية مع الرجل وعلى الأخص الانتخاب .
- تقييد حق الطلاق .
- الحد من سلطة الولي أياً كان وجعلها مماثلة لسلطة الوصي .
- تقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء في حالة العقم أو المرض غير القابل للشفاء
- الجمع بين الجنسين في مرحلتي الطفولة و التعليم الابتدائي .
ثم في نهاية القرارات :
( اقتراح : تقديم طلب بواسطة رئيسة المؤتمر إلى المجمع اللغوي في القاهرة والمجامع العلمية العربية بأن تحذف نون النسوة من اللغة العربية ) (27 ) .
( هدى شعراوي ) .. و الأديان :
{ وطالبت هدى شعراوي في المؤتمر الثاني عشر للاتحاد النسائي الدولي في مدينة استانبول ( 18 إبريل 1935 م ) بإزالة الفوارق الجنسية والدينية بين الشعوب } (28) .
وتجلى موقفها في هذه القضية من قبل حينما صورت في ( مذكراتها ) العلاقة بين ممثلي الأديان خلال ثورة 19 فقالت :
( .. وكان أن تآخى الجميع وصاروا يجتمعون في الكنائس والمساجد والمعابد وهم شيع مختلفة وكان الشيخ يتأبط ذراع القسيس أو الحاخام أمام عدسات المصورين ليظهروا للملأ اتحاد الجميع على الثورة ضد الإنجليز ) (29 ) .
وفي الخطبة التي ألقتها ( هدى ) بمناسبة الاحتفال بالعيد العشرين للاتحاد النسائي قالت :
( .. ومنذ ذلك اليوم - أي يوم قبلت عضوية مصر في الاتحاد النسائي الدولي - قطعنا على أنفسنا عهداً أن نحذو حذو أخواتنا الغربيات في النهوض بجنسنا مهما كلفنا ذلك و أن نساهم بأمانة وإخلاص في تنفيذ برامج الاتحاد النسائي الدولي الذي يشمل أغراضنا المشتركة .
وهنا يطيب لي أن أذكر حادثاً كان له تأثيره عند افتتاح ذلك المؤتمر وهو إننا لما دخلنا قاعة الاجتماع قبل انعقاده ووجدنا أعلام الدول المشتركة ترفرف على جدرانها ولم نكن قد أخذنا الأهبة لذلك لعدم معرفتنا بهذا التقليد كلفنا طلاب البعثة المصرية بتحضير علم مصري يتعانق فيه الهلال والصليب فصنعوه و إذا به أكبر الأعلام الموجودة حجماً .. ولما رأت رئيسة المؤتمر الصليب يعانق الهلال تأثرت تأثراً عظيماً و أمرت بوضعه على يسار المنصة معادلاً لعلم الدولة المنعقد المؤتمر بأرضها فشغل بذلك محلاً ممتازاً وقدمتنا الرئيسة عند الافتتاح بعبارات ملؤها التأثر و التقدير وكانت أكبر عامل في إزالة الفكرة الخاطئة التي شابت حركتنا الوطنية بوصفها بالتعصب الديني ) (30 ) .
لقاء ( هدى ) و ( أتاتورك ) :
عقد المؤتمر النسائي الدولي الثاني عشر في استانبول في 18 إبريل 1935 م وتكون من هدى شعراوي رئيسة وعضوية اثنتي عشر سيدة – وقد انتخب المؤتمر " هدى " نائبة لرئيسة الاتحاد النسائي الدولي تقول ( هدى ) في مذكراتها :
( وبعد انتهاء مؤتمر استانبول وصلتنا دعوة لحضور الاحتفال الذي أقامه " مصطفى كمال أتاتورك " محرر تركيا الحديثة .. وفي الصالون المجاور لمكتبه وقفت المندوبات المدعوات على شكل نصف دائرة وبعد لحظات قليلة فتح الباب ودخل " أتاتورك " تحيطه هالة من الجلال والعظمة وسادنا شعور بالهيبة والإجلال ، ... وعندما جاء دوري تحدثت إليه مباشرة من غير ترجمان وكان المنظر فريداً أن تقف سيدة شرقية مسلمة وكيلة عن الهيئة النسائية الدولية وتلقي كلمة باللغة التركية تعبر فيها عن إعجاب وشكر سيدات مصر بحركة التحرير التي قادها في تركيا (31*) ، وقلت : إن هذا المثل الأعلى من تركيا الشقيقة الكبرى للبلاد الإسلامية شجع كل بلاد الشرق على محاولة التحرر والمطالبة بحقوق المرأة ، وقلت : إذا كان الأتراك قد اعتبروك عن جدارة أباهم و أسموك " أتاتورك " فأنا أقول إن هذا لا يكفي بل أنت بالنسبة لنا "أتاشرق" فتأثر كثيراً بهذا الكلام الذي تفردت به ولم يصدر معناه عن أي رئيسة وفد و شكرني كثيراً في تأثر بالغ ثم رجوته في إهدائنا صورة لفخامته لنشرها في مجلة " الإجيبسيان " .
وذكرت هدى في حديث لها مع جريدة المقطم بعد عودتها إلى مصر ما معناه :
( إن ما أحدثه الغازي العظيم بلا ريب من نعمة الأقدار على أخواتنا في استانبول ) (32 ) .
من كتاب عودة الحجاب / الشيخ د. محمد إسماعيل المقدم حفظه الله ورعاه
ضيفنا اليوم
صاحب
بل صاحبة
أسماء المساجد فى شتى الارض
بل مراكز طبية
بل ايضا
مدارس التربية والتعليم
" هدى شعراوي " ( ت 1947 م ) :
هي نور الهدى بنت محمد سلطان باشا – التي تسمت فيما بعد على الطريقة الأوربية بهدى شعراوي إلحاقاً لها باسم زوجها " على باشا شعراوي " بواسطة حرم حسين باشا رشدي الفرنسية وقد اعترفت هدى شعراوي بنفسها في مواضع كثيرة من مذكراتها بفضل هذه السيدة عليها (1) و أبوها " محمد سلطان باشا " (2) الذي كان يرافق جيش الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة والذي كان يدعو الأمة إلى استقباله وعدم مقاومته و يهيب بها علانية أن تقدم له كافة المعاونات والمساعدات وقد سجل التاريخ فوق هذه الصفحة السوداء صفحة أخرى أشد سواداً حينما تقدم هذا الخائن مع فريق من الكبراء بهدية من الأسلحة الفاخرة إلى قادة جيش الاحتلال شكراً لهم على " إنقاذ البلاد " .. وهكذا لم يكن عجباً أن يفرض الاحتلال على الخديوي أن يمنح أمثال هذا الخائن عشرة آلاف من الجنيهات الذهبية اعترافاً من بريطانيا له بالجميل .. ليس هذا فحسب بل لقد أنعمت عليه إنجلترا بنيشان " سان ميشيل " و " سان جورج " الذي يلقب حامله بلقب " سير " (3) وهي زوجة " علي شعراوي " باشا ابن عمتها وتلميذ محمد عبده (4*) ورفيق سعد زغلول وعبد العزيز فهمي أصدقاء الإنكليز والصديق الوفي للطفي السيد وأحد أعضاء " حزب الأمة " الذين أطلق عليهم " الإنكليز " اسم " الرجال المعتدلون " لأنهم حاربوا في سبيل بريطانيا " مصطفى كامل " وناوءوه ووصفوه بالرجل العنيف وقد كان هذا الحزب المشبوه ينكر الجامعة الإسلامية ويحاربها داعياً إلى وطنية تقوم على المصلحة المتبادلة والمنفعة المادية لا على الإسلام وهو الحزب الذي عرف فيما بعد باسم ( حزب الوفد ) (5) والذي كان ( علي شعراوي ) نفسه وكيلاً له (6 ) .
وهي أيضاً رفيقة " صفية زغلول " ابنة " مصطفى فهمي " تلقفتها جماعات تحرير المرأة في روما وأمستردام ومرسيليا واستانبول وباريس وبرلين وبروكسل وبودابست وكوبنهاجن وجنيف وحيدر أباد ونيو دلهي لتقود حركة " تحطيم المرأة المسلمة " في مصر .
وهي أيضاً تلميذة وفية لزوجة " حسين رشدي " باشا الفرنسية التي كانت " هدى " تكبرها وتفيض في ذكر مبررات إعجابها بها واتخاذها مثلها الأعلى فقالت :
( لم تكن تعني بظروفي وحالتي واسمي فقط و إنما كانت أيضاً تجتهد في تثقيفي في اللغة الفرنسية وكانت ترشدني إلى أثمن الكتب وأنفعها وكانت تناقشني فيما قرأت وتفسر لي ما يصعب عليّ فهمه وكانت تغذي عقلي وروحي بكل أنواع الجمال والكمال وتحتم عليّ حضور صالونها كل يوم سبت وتقول لي : أنت زهرة صالوني ) (7 ) .
وكانت هذه المرأة الفرنسية الأصل التي أعدت "هدى شعراوي" إعداداً خاصاً لمهمتها قد ألفت كتابين الأول بعنوان " حريم ومسلمات مصر " وكتاب " المطلقات " تعبر فيهما – على حد قولها – عن مدى الألم والتعاسة التي تعانيها من " أجل تعاسة المصرية وظلم الرجل لها " (8 ) .
صاحب
بل صاحبة
أسماء المساجد فى شتى الارض
بل مراكز طبية
بل ايضا
مدارس التربية والتعليم
" هدى شعراوي " ( ت 1947 م ) :
هي نور الهدى بنت محمد سلطان باشا – التي تسمت فيما بعد على الطريقة الأوربية بهدى شعراوي إلحاقاً لها باسم زوجها " على باشا شعراوي " بواسطة حرم حسين باشا رشدي الفرنسية وقد اعترفت هدى شعراوي بنفسها في مواضع كثيرة من مذكراتها بفضل هذه السيدة عليها (1) و أبوها " محمد سلطان باشا " (2) الذي كان يرافق جيش الاحتلال الإنكليزي في زحفه على العاصمة والذي كان يدعو الأمة إلى استقباله وعدم مقاومته و يهيب بها علانية أن تقدم له كافة المعاونات والمساعدات وقد سجل التاريخ فوق هذه الصفحة السوداء صفحة أخرى أشد سواداً حينما تقدم هذا الخائن مع فريق من الكبراء بهدية من الأسلحة الفاخرة إلى قادة جيش الاحتلال شكراً لهم على " إنقاذ البلاد " .. وهكذا لم يكن عجباً أن يفرض الاحتلال على الخديوي أن يمنح أمثال هذا الخائن عشرة آلاف من الجنيهات الذهبية اعترافاً من بريطانيا له بالجميل .. ليس هذا فحسب بل لقد أنعمت عليه إنجلترا بنيشان " سان ميشيل " و " سان جورج " الذي يلقب حامله بلقب " سير " (3) وهي زوجة " علي شعراوي " باشا ابن عمتها وتلميذ محمد عبده (4*) ورفيق سعد زغلول وعبد العزيز فهمي أصدقاء الإنكليز والصديق الوفي للطفي السيد وأحد أعضاء " حزب الأمة " الذين أطلق عليهم " الإنكليز " اسم " الرجال المعتدلون " لأنهم حاربوا في سبيل بريطانيا " مصطفى كامل " وناوءوه ووصفوه بالرجل العنيف وقد كان هذا الحزب المشبوه ينكر الجامعة الإسلامية ويحاربها داعياً إلى وطنية تقوم على المصلحة المتبادلة والمنفعة المادية لا على الإسلام وهو الحزب الذي عرف فيما بعد باسم ( حزب الوفد ) (5) والذي كان ( علي شعراوي ) نفسه وكيلاً له (6 ) .
وهي أيضاً رفيقة " صفية زغلول " ابنة " مصطفى فهمي " تلقفتها جماعات تحرير المرأة في روما وأمستردام ومرسيليا واستانبول وباريس وبرلين وبروكسل وبودابست وكوبنهاجن وجنيف وحيدر أباد ونيو دلهي لتقود حركة " تحطيم المرأة المسلمة " في مصر .
وهي أيضاً تلميذة وفية لزوجة " حسين رشدي " باشا الفرنسية التي كانت " هدى " تكبرها وتفيض في ذكر مبررات إعجابها بها واتخاذها مثلها الأعلى فقالت :
( لم تكن تعني بظروفي وحالتي واسمي فقط و إنما كانت أيضاً تجتهد في تثقيفي في اللغة الفرنسية وكانت ترشدني إلى أثمن الكتب وأنفعها وكانت تناقشني فيما قرأت وتفسر لي ما يصعب عليّ فهمه وكانت تغذي عقلي وروحي بكل أنواع الجمال والكمال وتحتم عليّ حضور صالونها كل يوم سبت وتقول لي : أنت زهرة صالوني ) (7 ) .
وكانت هذه المرأة الفرنسية الأصل التي أعدت "هدى شعراوي" إعداداً خاصاً لمهمتها قد ألفت كتابين الأول بعنوان " حريم ومسلمات مصر " وكتاب " المطلقات " تعبر فيهما – على حد قولها – عن مدى الألم والتعاسة التي تعانيها من " أجل تعاسة المصرية وظلم الرجل لها " (8 ) .
وكانت على صلة وثيقة بحركة تحرير المرأة المصرية كما كانت موضع إعجاب النابهين في مصر من رواد هذه الحركة وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين الذي كانت تعجب به كثيراً وتأسف لعدم تقدير المصريين له التقدير اللائق برسالته " وكانت كثيراً ما تقص على صفيتها هدى شعراوي ما كان يدور بينها وبين هؤلاء الثلاثة الكبار من حديث " (9) تشعل به كيانها وتدفعها إلى التطلع إلى تحسين أحوال المرأة المصرية والسير بحركتها إلى الأمام .
وكانت كثيراً ما تحدث هدى شعراوي " حول البحث عن الطريقة العملية المجدية للوصول إلى تحسين حال المرأة المصرية والترفيه عنها وكانت توجهها إلى أن تبدأ مشروعها بتوجيه المرأة المصرية إلى ممارسة الرياضة البدنية أولاً قبل تنبيهها إلى خوض الحياة الاجتماعية وترغيبها في دراسة الفنون و الآداب وعقد اجتماعات تجمع بين الرياضة الفكرية والرياضة البدنية وكذا إعداد ملعب " للتنس " في حديقة مصطفى رياض باشا ) (10) .
قالت ( وداد السكاكيني ) في ترجمة " هدى شعراوي " : ( .. وقد توقد فيها الذكاء والإباء فتأبت على هذه التقاليد التي كانت تضطر نظائرها من بنات الصعيد إلى التزام الحجاب (11) والبعد عن السياسة ولو كانت تدار من بيوتهن ) (12 ) .
وقالت : ( لما عادت هدى شعراوي للمرة الأولى من الغرب كانت تفكر في هذه التقاليد الموروثة التي لا تسمح لها بالظهور سافرة في بلادها فثارت عليها وما كادت تطل على الإسكندرية (13) حتى ألقت الحجاب جانباً ودخلت مصر مع صديقتها ( سيزا نبراوي ) بدون نقاب (14) فلقيتا من جراء هذا السبق بالسفور لغطاً و تعنتاً من المتزمتين ولم يكن هذا الأمر من رائدة النهضة النسوية بدعاً أو خروجاً على الحشمة والوقار بل كان منها سلوكاً مثالياً في السفور السليم " ؟ ! " واستنكاراً للانحراف والتبرج " ! ! " اللذين ظهرت فيهما بعض السافرات المتطرفات ) (15) ا هـ .
تقول " درية شفيق " :
وقد شجعت ( هدى ) عدداً من الفتيات على السفر إلى أوربة ( كي تعود الطالبات حاملات إلى الوطن عناصر الثقافية الغربية ومثلها العليا في الحياة الاجتماعية ) (16 ) .
( كانت " هدى " لا تزال تفكر في النظرة التي تقابل بها المصرية كلما سافرت إلى أوربا إن القوم هناك يسخرون من ذلك الحجاب الذي يغطي وجوه المصريات حتى إنهم كانوا - إذ يرون هدى شعراوي وزميلاتها بلا يشامك ولا براقع – يشككون في مصريتهن وفي ذلك المؤتمر الأخير بالذات كانت مندوبات الدول المختلفة ينكرن على "هدى" مصريتها ولا يكدن يعترفن إلا بمصرية واحدة كانت تصر على حضور تلك المؤتمرات محجبة لا تكشف شيئاً من وجهها وهي السيدة " نبوية موسى " ) (17) اهـ
تقول " هدى شعراوي " في حديث لها : و " .. ورفعنا النقاب أن وسكيرتيرتي " سيزا نبراوي " وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه وتلفتنا لنرى تأثير الوجه الذي يبدو سافراً لأول مرة بين الجموع فلم نجد له تأثيراً أبداً لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو " سعد " متشوقين إلى طلعته " (18) اهـ .
وقد دفعت بعد ذلك مباشرة ثمن جرأتها ورأت تأثير الوجه السافر حينما واجهتها هي وزميلاتها كثير من التعليقات الساخرة كلما سرن في الطريق وعرضن أنفسهن حتى للعبارات النابية والصفات المؤذية (19 ) .
وهذه " الزعيمة " هي التي قادت مع زوجة " الزعيم " سعد المظاهرة النسائية المشهورة سنة 1919 تقول في مذكراتها :
( وبينما كنت أتأهب لمغادرة منزلي في ذلك اليوم للاشتراك في المظاهرة بادرني زوجي بالسؤال : إلى أين تذهبين والرصاص يدوي ويتساقط في أنحاء المدينة ؟
فأجبت : للقيام بالمظاهرة التي قررتها اللجنة !!
فأراد أن يمنعني فقلت له : هل الوطنية مقصورة عليكم معشر الرجال فقط وليس للنساء نصيب فيها ؟
فأجابني : هل يرضيك إذا تحرش بكن الإنجليز أن يفزع بعض النساء ويولولن " يا أمي ... يا لهوتي !! " .
فقلت له إن النساء لسن أقل منكم شجاعة ولا غيرة قومية أيها الرجال وتركته وانصرفت لألحق بالسيدات اللاتي كن في انتظاري ... ) (20 ) .
في ذمة الفضـلى هدى ... جـيـل إلـى هـاد فـقـيـر
أقبلن يسألن الحضـارة ... مــا يـفـيـد ومــا يـضـير
ما الـســبـل بـيـنـه ولا ...كـل الهـداة بـهـا بـصـير (21)
وتقول وداد السكاكيني :
( وكانت هدى اليد اليمنى لصفية زغلول والمفكرة المتحررة لنسوة الطليعة الواعية بمصر والبلاد العربية وقد استجابت لدعوة المؤتمرات النسوية في الشرق والغرب فلما عقد أول مؤتمر دولي للمرأة في روما عام 1923 م حضرته " هدى شعراوي " مع " نبوية موسى " و " سيزا نبراوي " صديقتها و أمينة سرها .. وقد توالت بعدئذ رحلات " هدى شعراوي " للشرق والغرب ممثلة نساء بلادها رافعة علمها بين أعلام الدول الوافدات على المؤتمر ) (22) اهـ .
لقاء ( هدى ) و ( موسوليني ) :
قالت ( هدى ) في ( مذكراتها ) :
( كان من بين ما حققه مؤتمر روما الدولي أننا التقينا بالسنيور موسوليني ثلاث مرات وقد استقبلنا و صافح أعضاء المؤتمر واحدة واحدة وعندما جاء دوري وقدمت إليه كرئيسة وفد مصر عبر عن جميل عواطفه ومشاعره نحو مصر وقال إنه يراقب باهتمام حركات التحرير في مصر ، .. ثم كررت رجائي الخاص بمنح المرأة الإيطالية حقوقها السياسية ) (23) اهـ .
ولما عادت هدى من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي المذكور كونت الاتحاد النسائي المصري سنة 1923 ووضعت الحجر الأساسي له في إبريل 1942 م وبطبيعة الحال عمل ذلك الاتحاد بقيادتها لتحقيق الأهداف التي حرص الاستعمار على الوصول إليها وردد نفس المبادئ التي نادى بها من قبل ( مرقص فهمي ) ونقلها عنه ( قاسم أمين ) وفي مقدمتها تعديل قوانين الطلاق ومنع تعدد الزوجات علاوة على المطالبة للمرأة بالحقوق الاجتماعية والسياسية المزعومة التي وصلت أخيراً (24) إلى حد المطالبة بالمساواة في الميراث ) (25 ) .
وقفة مع الاتحاد النسائي :
وقد اهتمت الدوائر الأجنبية بأمر ذلك الاتحاد النسائي عند قيامه حتى أن الدكتورة ( ريد ) رئيسة الاتحاد النسائي الدولي حضرت بنفسها إلى مصر لتدرس عن كثب تطور الحركة النسائية ولتناصر الحركة بنفوذها في المحيط الأوربي وبتصريحاتها التي ترمي إلى المساعدة بإعطاء المرأة المصرية الحقوق السياسية المزعومة .
وبعد عشرين عاماً من تكوين هذا الاتحاد استطاع بالنفوذ الأجنبي و أذناب الاستعمار أن يمهد لعقد ما سمي بالمؤتمر النسائي العربي سنة 1944 م وقد حضرت مندوبات عن الأقطار العربية المختلفة (26) واتخذت فيه القرارات "المعتادة " وفي مقدمتها بالطبع :
- المطالبة بالمساواة في الحقوق السياسية مع الرجل وعلى الأخص الانتخاب .
- تقييد حق الطلاق .
- الحد من سلطة الولي أياً كان وجعلها مماثلة لسلطة الوصي .
- تقييد تعدد الزوجات إلا بإذن من القضاء في حالة العقم أو المرض غير القابل للشفاء
- الجمع بين الجنسين في مرحلتي الطفولة و التعليم الابتدائي .
ثم في نهاية القرارات :
( اقتراح : تقديم طلب بواسطة رئيسة المؤتمر إلى المجمع اللغوي في القاهرة والمجامع العلمية العربية بأن تحذف نون النسوة من اللغة العربية ) (27 ) .
( هدى شعراوي ) .. و الأديان :
{ وطالبت هدى شعراوي في المؤتمر الثاني عشر للاتحاد النسائي الدولي في مدينة استانبول ( 18 إبريل 1935 م ) بإزالة الفوارق الجنسية والدينية بين الشعوب } (28) .
وتجلى موقفها في هذه القضية من قبل حينما صورت في ( مذكراتها ) العلاقة بين ممثلي الأديان خلال ثورة 19 فقالت :
( .. وكان أن تآخى الجميع وصاروا يجتمعون في الكنائس والمساجد والمعابد وهم شيع مختلفة وكان الشيخ يتأبط ذراع القسيس أو الحاخام أمام عدسات المصورين ليظهروا للملأ اتحاد الجميع على الثورة ضد الإنجليز ) (29 ) .
وفي الخطبة التي ألقتها ( هدى ) بمناسبة الاحتفال بالعيد العشرين للاتحاد النسائي قالت :
( .. ومنذ ذلك اليوم - أي يوم قبلت عضوية مصر في الاتحاد النسائي الدولي - قطعنا على أنفسنا عهداً أن نحذو حذو أخواتنا الغربيات في النهوض بجنسنا مهما كلفنا ذلك و أن نساهم بأمانة وإخلاص في تنفيذ برامج الاتحاد النسائي الدولي الذي يشمل أغراضنا المشتركة .
وهنا يطيب لي أن أذكر حادثاً كان له تأثيره عند افتتاح ذلك المؤتمر وهو إننا لما دخلنا قاعة الاجتماع قبل انعقاده ووجدنا أعلام الدول المشتركة ترفرف على جدرانها ولم نكن قد أخذنا الأهبة لذلك لعدم معرفتنا بهذا التقليد كلفنا طلاب البعثة المصرية بتحضير علم مصري يتعانق فيه الهلال والصليب فصنعوه و إذا به أكبر الأعلام الموجودة حجماً .. ولما رأت رئيسة المؤتمر الصليب يعانق الهلال تأثرت تأثراً عظيماً و أمرت بوضعه على يسار المنصة معادلاً لعلم الدولة المنعقد المؤتمر بأرضها فشغل بذلك محلاً ممتازاً وقدمتنا الرئيسة عند الافتتاح بعبارات ملؤها التأثر و التقدير وكانت أكبر عامل في إزالة الفكرة الخاطئة التي شابت حركتنا الوطنية بوصفها بالتعصب الديني ) (30 ) .
لقاء ( هدى ) و ( أتاتورك ) :
عقد المؤتمر النسائي الدولي الثاني عشر في استانبول في 18 إبريل 1935 م وتكون من هدى شعراوي رئيسة وعضوية اثنتي عشر سيدة – وقد انتخب المؤتمر " هدى " نائبة لرئيسة الاتحاد النسائي الدولي تقول ( هدى ) في مذكراتها :
( وبعد انتهاء مؤتمر استانبول وصلتنا دعوة لحضور الاحتفال الذي أقامه " مصطفى كمال أتاتورك " محرر تركيا الحديثة .. وفي الصالون المجاور لمكتبه وقفت المندوبات المدعوات على شكل نصف دائرة وبعد لحظات قليلة فتح الباب ودخل " أتاتورك " تحيطه هالة من الجلال والعظمة وسادنا شعور بالهيبة والإجلال ، ... وعندما جاء دوري تحدثت إليه مباشرة من غير ترجمان وكان المنظر فريداً أن تقف سيدة شرقية مسلمة وكيلة عن الهيئة النسائية الدولية وتلقي كلمة باللغة التركية تعبر فيها عن إعجاب وشكر سيدات مصر بحركة التحرير التي قادها في تركيا (31*) ، وقلت : إن هذا المثل الأعلى من تركيا الشقيقة الكبرى للبلاد الإسلامية شجع كل بلاد الشرق على محاولة التحرر والمطالبة بحقوق المرأة ، وقلت : إذا كان الأتراك قد اعتبروك عن جدارة أباهم و أسموك " أتاتورك " فأنا أقول إن هذا لا يكفي بل أنت بالنسبة لنا "أتاشرق" فتأثر كثيراً بهذا الكلام الذي تفردت به ولم يصدر معناه عن أي رئيسة وفد و شكرني كثيراً في تأثر بالغ ثم رجوته في إهدائنا صورة لفخامته لنشرها في مجلة " الإجيبسيان " .
وذكرت هدى في حديث لها مع جريدة المقطم بعد عودتها إلى مصر ما معناه :
( إن ما أحدثه الغازي العظيم بلا ريب من نعمة الأقدار على أخواتنا في استانبول ) (32 ) .
من كتاب عودة الحجاب / الشيخ د. محمد إسماعيل المقدم حفظه الله ورعاه
تعليق