رد: لباس المرأة المسلمة وزينتها
أدلة من السنة المطهرة على سفور وجه المرأة 1
بعض الأدلة التي نسوقها هنا من السنة المطهرة ليست صريحة كل الصراحة في دلالتها على المقصود ولكنا يمكن أن نتبين هذه الدلالة من سياق الأحاديث ومن تناول العلماء لها.
قال الألباني : (قد جاءت أحاديث كثيرة في كشف النساء لوجوههن وأيديهن يبلغ مجموعها مبلغ التواتر المعنوي عند أهل العلم فلا جرم عمل بها جمهور العلماء ولكن المقلدين المتعصبين قد سلَّطوا عليها أيضاً معاول التخريب والتهديم بتأويلها وتعطيلها وإبطال معانيها ودالاتها الظاهرة البينة).
وفى هذا المعنى قال ابن القطان : ( فإنها - أي الأحاديث المذكورة ـ إما أن تدل على إبدائها جميع ذلك – أي الوجه والكفين- أو بعضه , دلاله يمكن الإنصراف عنها , بتحميل اللفظ أو القصة غير ذلك , لكن الإنصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ , أوسياق القصة , لا يكون جائزاً إلا بدليل عاضد , يصير الإنصراف تأويلاً , وإذا لم يكن هناك دليل , كان الإنصراف تحكماً , فعلى هذا يجب القول بما تظاهرت به هذه الظواهر, وتعاضدت على جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها.)
1- أمر الخاطب أن ينظر الى المخطوبة:
• عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلي الله عليه وسلم : أنظر إليها فإنه أحري أن يؤدم بينكما. (رواه الترمذي)
• عن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها لخطبة وإن كانت لاتعلم. (رواه أحمد)
• عن جابر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل قال جابر: فخطبت امرأة من بني سلمة فكنت أختبئ لها حتى رأيت منها بعض ما دعاني إليها. (رواه أبو داود)
فيه دليل على أنه ينظر إليها على غفلتها وإن لم تأذن له.
قال الشيرازي (ت سنة 476 هـ): ( وإذا أراد نكاح امرأة فله أن ينظر وجهها وكفيها ولا ينظر إلى ما سوى وجهها وكفيها لأنه عورة).
عورة المرأة : القدر الذى يجب أن يُستر من المرأة أمام الأجنبي أي من يحل له أن يتزوج المرأة ، ولو بعد حين.
وقال ابن قدامة (ت سنة 620 هـ) : ( وينظر الخاطب إلي الوجه لأنه مجمع المحاسن وموضع النظر وليس بعورة).
وهذا القول من ابن قدامة يفيد أن الشارع عندما أمر الخاطب بالنظر إلى المرأة لم يأمره بالنظر إلى عورة مستورة بل أمره أن ينظر منها إلى الوجه والكفين فقط.
وورد في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: ( وإذا قصد نكاحها... سن نظره إليها.. وذلك قبل الخطبة لا بعدها.. وإن لم تأذن هي ولا وليها إكتفاء بإذن رسول الله صلي الله عليه وسلم , ففي رواية: ( وإن كانت لا تعلم) , بل قال الأوزاعي: الأولي عدم علمها لأنها قد تتزين له بما يغره).
كيف ينظر دون إذنها ولا إذن وليها إن كانت ساترة وجهها بنقاب أو غيره ؟ اذن لابد أن يكون شأن غالب نساء المؤمنين أن يخرجن إلى الطريق مكشوفات الوجوه.
2- تحريم الزينة على المرأة الحادة:
• عن أم عطية قالت: قال النبي صلي الله عليه وسلم : لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج , فإنها لاتكتحل ولاتلبس ثوبا صبيغا إلا ثوب عصب... ولاتمس طيبا.. (رواه البخاري ومسلم)
ثوبا صبيغا : ثوبا مصبوغا
قال ابن قدامة : ( باب الإحداد وهو اجتناب الزينة وما يدعو إلى المباشرة , وهو واجب في عدة الوفاة.... ويحرم على الحادة الكحل بالإثمد للخبر ولأنه يحسن الوجه... وتحرم عليها الحلي للخبر ولأنه يزيد حسنها ويدعو الى مباشرتها).
قوله يدعو إلى المباشرة يعني أن الرجال يمكن أن يروا المرأة بزينتها في الوجه والكفين فينجذبوا إليها.
قال ابن رشد (ت سنة 595 هـ): ( الحادة تمتنع عند الفقهاء بالجملة من الزينة الداعية للرجال إلى النساء , وذلك كالحلي والكحل, إلا مالم تكن فيه زينة ، ولباس الثياب المصبوغة إلا السواد... وبالجملة فأقاويل الفقهاء فيما تجتنب الحادة متقاربة وذلك ما يحرك الرجال بالجملة إليهن).....وقال أيضا: ( ... ومن ألحق المطلقات بالمتوفي عنها زوجها فمن طريق المعني وذلك أنه يظهر من معني الإحداد أن المقصود به أن لايتشوف إليها الرجال).
إنما يقع تشوف الرجال إلى المرأة المعتدة إذا كانت سافرة الوجه متزينة. ولو كان عامة نساء المؤمنين يسترن وجوههن من الرجال في عامة الأحوال , ولا يبدين إلا عينا واحدة عند الحاجة الماسة , لما كان هناك مجال للتخوف من رؤية الرجال زينة وجه المرأة الحادة , ومن ثم تشوفهم إليها وكيف يتشوفون إليها وهم لايرون منها شيئا فيه فتنة؟!.
3- خروج المؤمنات لصلاة الفجر كاشفات الوجوه:
• عن عائشة قالت: كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغَلَس. (رواه البخاري ومسلم)
متلفعات : التلفع يستعمل في الالتحاف مع تغطية الرأس وقد يجئ بمعني تغطية الرأس فقط.
الغلس : ظلمة آخر الليل بعد طلوع الفجر.
المروط جمع مرْط: وهو كل ثوب غير مخيط تتلفع به المرأة أو تجعله حول وسطها.
( أ ) قول السيدة عائشة رضي الله عنها: (لا يعرفهن أحد من الغَلَس) معناه: لا يُعرفن من هن من النساء من شدة الغلس وإن عرف أنهن نساء,وهذا يقتضي أنهن سافرات عن وجوههن,ولو كن غير سافرات لمنع النقاب وتغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس.
(ب) وذكر البخاري تحت باب ( سرعة انصراف النساء من الصبح ) عن عائشة: ( أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغلس فينصرفن نساء المؤمنين لايعرفن من الغلس , أو لا يعرف بعضهن بعضا ). وهو يدل بمفهومه على أنه لا يعرفن بسبب الظلمة لا بسبب ستر الوجوه ولو كانت الوجوه مغطاه لما كان هناك معنى لقول عائشة رضي الله عنها ( لا يعرف بعضهن بعضا ) وهذا يعني أن عامة النساء كن كاشفات الوجوه.
(ج) وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ ( وما يعرف بعضنا وجوه بعض) رواه أبو يعلي في مسنده بسند صحيح , وصححها الألباني.
• عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه أنها قالت: لو رأى رسول الله صلي الله عليه وسلم من النساء ما نرى لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها لقد رأيتنا نصلي مع رسول الله صل الله عليه وسلم الفجر في مروطنا و ننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض.
(د) وقد وردت روايات في هذا المعني نفسه ولكن تتعلق بالرجال:
• فقد أخرج ابنه أبي شيبة بسند صحيح عن عبد الله بن أياس الحنفي عن أبيه قال: (كنا نصلي مع عثمان الفجر فننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض ).(إرواء الغليل للألباني)
• وأورد الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد عن علي بن أبي طالب قال: (كنا نصلي مع رسول الله ثم ننصرف وما يعرف بعضنا بعضا).
• حديث أبي برزة رواية مسلم: (وكان يقرأ صلي الله عليه وسلم في صلاة الفجر من المائة إلى الستين، وكان ينصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض)**
فمن فهم أن وجوه النساء كانت مغطاه لزمه أن يقول أن وجوه الرجال أيضا كانت مغطاه!!!
**الحديث يدل على أن النبي صلي الله عليه وسلم كان تارة يُصلي الفجر بغلس وتارة يُسفر بها.
(و) ولا حجة لمن يقول كان هذا قبل الحجاب لأن لفظ (كن) تفيد استمرار العمل دون قيد بزمن. ولو كان الأمر نسخ بنزول آية الحجاب لذكرت ذلك عائشة.
4- الإذن الصريح للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها :
• عن عائشة : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله وقال لها: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يري منها إلا هذا وهذا وأشار إلي وجهه وكفيه.
قال أبو داود: ( وهذا مرسل , خالد بن دريك لم يدرك عائشة)
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: ( الحديث قد جاء من طرق أخرى يتقوي بها ) ذكرها في تحقيقه لسند هذا الحديث وقد أورده في صحيح سنن أبي داود، وقال: صحيح.
وقد قوّاه من حفاظ الحديث ونقاده:البيهقي في "سننه" والمنذري في "ترغيبه" والذهبي في " تهذيبه".
5- حديث المرأة سفعاء الخدين:
• عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد ... ثم مضي حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم. فقامت امرأة من سِطَة النساء سفعاء الخدين فقالت:لما يارسول الله.قال:لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير. قال:فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.(رواه مسلم)
من سطة النساء: أي من وسط النساء.
السفعة: سواد مشرب بحمرة.
هنا امرأة تصلي العيد خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم وتسمع العظة وتحرص على مزيد من طلب العلم فتسأله عما خفي عليها , والصحابي راوي الحديث يرى وجهها ويصفها بأنها سفعاء الخدين.
والنساء إنما كن يخرجن إلى العيد في جلابيبهن لحديث أم عطية رضي الله عنها : أن النبي صلي الله عليه وسلم لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد، قالت أم عطية : إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لِتُلْبِسَها أختُها من جلبابها )) . متفق عليه .
وعليه فالمرأة سفعاء الخدين كانت متجلببة,لأن القصة كانت سنة 6 هـ وآية {يدنين عليهن من جلابيبهن} سنة 5 هـ.
6- تجمل سبيعة للخطاب:
• عن سبيعة بنت الحارث أنها كانت تحت سعد بن خولة... فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته , فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ( وعند الإمام أحمد اكتحلت واختضبت وتهيأت) فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال لها: مالي أراك تجملت للخطاب؟ ترجين النكاح؟ فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر , قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله فسألته عن ذلك , فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي.(رواه البخاري ومسلم)
وفي روايه فخطبها أبو السنابل بن بعكك, فأبت أن تنكحه.
لم تنشب : لم تلبث
هنا صحابية ظهرت متجملة أمام أبي السنابل – الكحل في عينيها والخضاب في يديها – وهو ليس بمحرم لها ، ولم يأت خاطباً بل زائراً: (ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر) وكان قد خطبها فلم ترضه.
والحديث صريح الدلالة علي أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة وكذا الوجه أو العينين علي الأقل.
7- حديث الواهبة:
• عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم (وهو في المسجد) فقالت: يارسول الله جئت أهب لك نفسي , قال : فنظر إليها رسول الله فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رسول الله رأسه, فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست , فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها...(رواه البخاري ومسلم)
هنا امرأة استمعت لقول الله تعالى : {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين}الاحزاب 50 فرغبت في رسول الله فعرضت عليه نفسها أمام الناس, وأخذ النبي صلي الله عليه وسلم ينظر إليها مما يشير إلى أن المرأة كانت مكشوفة الوجه , ثم رغب عن تزوجها واختارها أحد الصحابة الحضور وتزوجها.
قال الحافظ في الفتح: (وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها وإن لم تتقدم الرغبة في تزويجها ولا وقعت خطبتها..).
8- حديث المرأة التي تصرع:
• عن عطاء بن رباح قال:قال لي ابن عباس:ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت:بلي,قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلي الله عليه وسلم قالت:إني أصرع,وإني أتكشف فادع الله لي قال:إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت: أصبر, فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها.(وفي رواية للبخاري عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء: أنه رأي أم زفر تلك المرأة الطويلة السوداء علي ستر الكعبة). (رواه البخاري ومسلم)
هنا امرأة مؤمنة بشرها رسول الله بالجنة , يراها ابن عباس فيعرفها ثم يدعو عطاء بعد سنين لينظر إليها , ويتضح من سياق الحديث أن المرأة كانت سافرة الوجه يوم خاطبت رسول الله فعرفها ابن عباس , ولابد أنها كانت سافرة أيضا يوم أراها ابن عباس لعطاء.
9- حديث الخثعمية والفضل ابن العباس:
عن عبد الله ابن عباس قال: أردف النبي صلي الله عليه وسلم الفضل ابن العباس يوم النحر خلفه علي عجز راحلته وكان الفضل رجلا وضيئاً فوقف النبي صلي الله عليه وسلم للناس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة ( وفي رواية: وكانت امرأة حسناء) تستفتي رسول الله فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها, فالتفت النبي صل الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لايستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال:نعم(وفي رواية: فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر اليه).(رواه البخاري ومسلم)
عجز راحلته : مؤخرها
وضيئة : من الوضاءة وهي الحسن والبهجة
قال الحافظ ابن حجر: وكان الفضل رجلاً وضيئًا أي جميلاً
وروي هذه القصة علي بن أبي طالب وذكر أن الاستفتاء كان عند المنحر بعد ما رمي رسول الله الجمرة وزاد: ( فقال له العباس يارسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما)
وفي رواية لأحمد:... قال الفضل: ... ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثاً وأنا لا أنتهي.
قال ابن حزم : ( فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس ولأمرها أن تسبل عليه من فوق , ولو كان وجهها مغطي ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء).
وقال الشوكاني : ( وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة , حيث لم يأمرها بتغطية وجهها , فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل , ولو لم يكن ما فهمه جائزاً ما أقره عليه صل الله عليه وسلم ).
وقال في ( نيل الأوطار): ( وهذا الحديث يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب بزوجات النبي صل الله عليه وسلم لأن قصة الفضل في حجة الوداع وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة).
قال ابن بطال (ت سنة 449هـ) : ( في الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة , ومقتضاه أنه اذا أمنت الفتنة لم يمتنع. ويؤيده أنه صلي الله عليه وسلم لم يحول وجه الفضل حتي أدمن النظر لإعجابه بها , فخشي الفتنة عليه, وفيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلي الله عليه وسلم إذ لو يلزم ذلك جميع النساء لأمر النبي صلي الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل , وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا , لإجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ولو رأه الغرباء).
الحديث دليل على الآتي:
** الوجه ليس عورة ولا يحرم كشفه حتى بالنسبة للمرأة الجميلة.
** لا يحرم على المرأة الجميلة كشف وجهها عند خشية الفتنة العابرة.
** لا يكره كشف المرأة الجميلة وجهها عند خشية الفتنة العابرة.
10- حديث فاطمة بنت قيس: سنة 9 هـ
• عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمر بن حفص طلقها .. فجاءت رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكرت ذلك له .. فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك .. فقال : لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان , فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيري القوم منك بعض ما تكرهين, ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله ابن أم مكتوم. (رواه مسلم)
النبي صلي الله عليه وسلم أقر ابنة قيس على أن يراها الرجال وعليها الخمار - وهو غطاء الرأس- فدل هذا على أن الوجه منها ليس بالواجب ستره كما يجب ستر رأسها ولكنه خشي عليها أن يسقط الخمار عنها فيظهر منها ما هو محرم بالنص فأمرها صلي الله عليه وسلم بما هو أحوط لها وهو الإنتقال إلى دار ابن أم مكتوم الأعمي.
11- حديث بريرة و مغيث:
• عن ابن عباس : أن زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث , كأني أنظر اليه يطوف خلفها يبكي ودموعة تسيل على لحيته , فقال النبي صلي الله عليه وسلم لعباس : يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيث؟ فقال النبي صلي الله عليه وسلم لو راجعته؟ قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع , قالت : فلا حاجة لي فيه. (رواه البخاري)
هنا امرأة مسلمة أعتقت فاختارت نفسها , وكان زوجها يتبعها في سكك المدينة حين يراها يبكي عليها وبسبب كشف بريرة وجهها كان مغيث يتعرف عليها وهي تمشي في الطريق , وبسبب كشف وجهها كان ابن عباس يعرف أن التي يمشي خلفها مغيث هي بريرة.
والواقعة بعد نزول آية الحجاب.
قال الحافظ في الفتح : فيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة , أو العاشرة , لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف، وكان ذلك في أواخر سنة ثمان, ويؤيده قول ابن عباس أنه شاهد ذلك , وهو إنما قدم المدينة مع أبويه.
بعض الأدلة التي نسوقها هنا من السنة المطهرة ليست صريحة كل الصراحة في دلالتها على المقصود ولكنا يمكن أن نتبين هذه الدلالة من سياق الأحاديث ومن تناول العلماء لها.
قال الألباني : (قد جاءت أحاديث كثيرة في كشف النساء لوجوههن وأيديهن يبلغ مجموعها مبلغ التواتر المعنوي عند أهل العلم فلا جرم عمل بها جمهور العلماء ولكن المقلدين المتعصبين قد سلَّطوا عليها أيضاً معاول التخريب والتهديم بتأويلها وتعطيلها وإبطال معانيها ودالاتها الظاهرة البينة).
وفى هذا المعنى قال ابن القطان : ( فإنها - أي الأحاديث المذكورة ـ إما أن تدل على إبدائها جميع ذلك – أي الوجه والكفين- أو بعضه , دلاله يمكن الإنصراف عنها , بتحميل اللفظ أو القصة غير ذلك , لكن الإنصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ , أوسياق القصة , لا يكون جائزاً إلا بدليل عاضد , يصير الإنصراف تأويلاً , وإذا لم يكن هناك دليل , كان الإنصراف تحكماً , فعلى هذا يجب القول بما تظاهرت به هذه الظواهر, وتعاضدت على جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها.)
1- أمر الخاطب أن ينظر الى المخطوبة:
• عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلي الله عليه وسلم : أنظر إليها فإنه أحري أن يؤدم بينكما. (رواه الترمذي)
• عن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها لخطبة وإن كانت لاتعلم. (رواه أحمد)
• عن جابر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل قال جابر: فخطبت امرأة من بني سلمة فكنت أختبئ لها حتى رأيت منها بعض ما دعاني إليها. (رواه أبو داود)
فيه دليل على أنه ينظر إليها على غفلتها وإن لم تأذن له.
قال الشيرازي (ت سنة 476 هـ): ( وإذا أراد نكاح امرأة فله أن ينظر وجهها وكفيها ولا ينظر إلى ما سوى وجهها وكفيها لأنه عورة).
عورة المرأة : القدر الذى يجب أن يُستر من المرأة أمام الأجنبي أي من يحل له أن يتزوج المرأة ، ولو بعد حين.
وقال ابن قدامة (ت سنة 620 هـ) : ( وينظر الخاطب إلي الوجه لأنه مجمع المحاسن وموضع النظر وليس بعورة).
وهذا القول من ابن قدامة يفيد أن الشارع عندما أمر الخاطب بالنظر إلى المرأة لم يأمره بالنظر إلى عورة مستورة بل أمره أن ينظر منها إلى الوجه والكفين فقط.
وورد في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: ( وإذا قصد نكاحها... سن نظره إليها.. وذلك قبل الخطبة لا بعدها.. وإن لم تأذن هي ولا وليها إكتفاء بإذن رسول الله صلي الله عليه وسلم , ففي رواية: ( وإن كانت لا تعلم) , بل قال الأوزاعي: الأولي عدم علمها لأنها قد تتزين له بما يغره).
كيف ينظر دون إذنها ولا إذن وليها إن كانت ساترة وجهها بنقاب أو غيره ؟ اذن لابد أن يكون شأن غالب نساء المؤمنين أن يخرجن إلى الطريق مكشوفات الوجوه.
2- تحريم الزينة على المرأة الحادة:
• عن أم عطية قالت: قال النبي صلي الله عليه وسلم : لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج , فإنها لاتكتحل ولاتلبس ثوبا صبيغا إلا ثوب عصب... ولاتمس طيبا.. (رواه البخاري ومسلم)
ثوبا صبيغا : ثوبا مصبوغا
قال ابن قدامة : ( باب الإحداد وهو اجتناب الزينة وما يدعو إلى المباشرة , وهو واجب في عدة الوفاة.... ويحرم على الحادة الكحل بالإثمد للخبر ولأنه يحسن الوجه... وتحرم عليها الحلي للخبر ولأنه يزيد حسنها ويدعو الى مباشرتها).
قوله يدعو إلى المباشرة يعني أن الرجال يمكن أن يروا المرأة بزينتها في الوجه والكفين فينجذبوا إليها.
قال ابن رشد (ت سنة 595 هـ): ( الحادة تمتنع عند الفقهاء بالجملة من الزينة الداعية للرجال إلى النساء , وذلك كالحلي والكحل, إلا مالم تكن فيه زينة ، ولباس الثياب المصبوغة إلا السواد... وبالجملة فأقاويل الفقهاء فيما تجتنب الحادة متقاربة وذلك ما يحرك الرجال بالجملة إليهن).....وقال أيضا: ( ... ومن ألحق المطلقات بالمتوفي عنها زوجها فمن طريق المعني وذلك أنه يظهر من معني الإحداد أن المقصود به أن لايتشوف إليها الرجال).
إنما يقع تشوف الرجال إلى المرأة المعتدة إذا كانت سافرة الوجه متزينة. ولو كان عامة نساء المؤمنين يسترن وجوههن من الرجال في عامة الأحوال , ولا يبدين إلا عينا واحدة عند الحاجة الماسة , لما كان هناك مجال للتخوف من رؤية الرجال زينة وجه المرأة الحادة , ومن ثم تشوفهم إليها وكيف يتشوفون إليها وهم لايرون منها شيئا فيه فتنة؟!.
3- خروج المؤمنات لصلاة الفجر كاشفات الوجوه:
• عن عائشة قالت: كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغَلَس. (رواه البخاري ومسلم)
متلفعات : التلفع يستعمل في الالتحاف مع تغطية الرأس وقد يجئ بمعني تغطية الرأس فقط.
الغلس : ظلمة آخر الليل بعد طلوع الفجر.
المروط جمع مرْط: وهو كل ثوب غير مخيط تتلفع به المرأة أو تجعله حول وسطها.
( أ ) قول السيدة عائشة رضي الله عنها: (لا يعرفهن أحد من الغَلَس) معناه: لا يُعرفن من هن من النساء من شدة الغلس وإن عرف أنهن نساء,وهذا يقتضي أنهن سافرات عن وجوههن,ولو كن غير سافرات لمنع النقاب وتغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس.
(ب) وذكر البخاري تحت باب ( سرعة انصراف النساء من الصبح ) عن عائشة: ( أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغلس فينصرفن نساء المؤمنين لايعرفن من الغلس , أو لا يعرف بعضهن بعضا ). وهو يدل بمفهومه على أنه لا يعرفن بسبب الظلمة لا بسبب ستر الوجوه ولو كانت الوجوه مغطاه لما كان هناك معنى لقول عائشة رضي الله عنها ( لا يعرف بعضهن بعضا ) وهذا يعني أن عامة النساء كن كاشفات الوجوه.
(ج) وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ ( وما يعرف بعضنا وجوه بعض) رواه أبو يعلي في مسنده بسند صحيح , وصححها الألباني.
• عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه أنها قالت: لو رأى رسول الله صلي الله عليه وسلم من النساء ما نرى لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها لقد رأيتنا نصلي مع رسول الله صل الله عليه وسلم الفجر في مروطنا و ننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض.
(د) وقد وردت روايات في هذا المعني نفسه ولكن تتعلق بالرجال:
• فقد أخرج ابنه أبي شيبة بسند صحيح عن عبد الله بن أياس الحنفي عن أبيه قال: (كنا نصلي مع عثمان الفجر فننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض ).(إرواء الغليل للألباني)
• وأورد الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد عن علي بن أبي طالب قال: (كنا نصلي مع رسول الله ثم ننصرف وما يعرف بعضنا بعضا).
• حديث أبي برزة رواية مسلم: (وكان يقرأ صلي الله عليه وسلم في صلاة الفجر من المائة إلى الستين، وكان ينصرف حين يعرف بعضنا وجه بعض)**
فمن فهم أن وجوه النساء كانت مغطاه لزمه أن يقول أن وجوه الرجال أيضا كانت مغطاه!!!
**الحديث يدل على أن النبي صلي الله عليه وسلم كان تارة يُصلي الفجر بغلس وتارة يُسفر بها.
(و) ولا حجة لمن يقول كان هذا قبل الحجاب لأن لفظ (كن) تفيد استمرار العمل دون قيد بزمن. ولو كان الأمر نسخ بنزول آية الحجاب لذكرت ذلك عائشة.
4- الإذن الصريح للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها :
• عن عائشة : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله وقال لها: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يري منها إلا هذا وهذا وأشار إلي وجهه وكفيه.
قال أبو داود: ( وهذا مرسل , خالد بن دريك لم يدرك عائشة)
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: ( الحديث قد جاء من طرق أخرى يتقوي بها ) ذكرها في تحقيقه لسند هذا الحديث وقد أورده في صحيح سنن أبي داود، وقال: صحيح.
وقد قوّاه من حفاظ الحديث ونقاده:البيهقي في "سننه" والمنذري في "ترغيبه" والذهبي في " تهذيبه".
5- حديث المرأة سفعاء الخدين:
• عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد ... ثم مضي حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم. فقامت امرأة من سِطَة النساء سفعاء الخدين فقالت:لما يارسول الله.قال:لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير. قال:فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.(رواه مسلم)
من سطة النساء: أي من وسط النساء.
السفعة: سواد مشرب بحمرة.
هنا امرأة تصلي العيد خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم وتسمع العظة وتحرص على مزيد من طلب العلم فتسأله عما خفي عليها , والصحابي راوي الحديث يرى وجهها ويصفها بأنها سفعاء الخدين.
والنساء إنما كن يخرجن إلى العيد في جلابيبهن لحديث أم عطية رضي الله عنها : أن النبي صلي الله عليه وسلم لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد، قالت أم عطية : إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ قال : لِتُلْبِسَها أختُها من جلبابها )) . متفق عليه .
وعليه فالمرأة سفعاء الخدين كانت متجلببة,لأن القصة كانت سنة 6 هـ وآية {يدنين عليهن من جلابيبهن} سنة 5 هـ.
6- تجمل سبيعة للخطاب:
• عن سبيعة بنت الحارث أنها كانت تحت سعد بن خولة... فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته , فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ( وعند الإمام أحمد اكتحلت واختضبت وتهيأت) فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك فقال لها: مالي أراك تجملت للخطاب؟ ترجين النكاح؟ فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر , قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله فسألته عن ذلك , فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي.(رواه البخاري ومسلم)
وفي روايه فخطبها أبو السنابل بن بعكك, فأبت أن تنكحه.
لم تنشب : لم تلبث
هنا صحابية ظهرت متجملة أمام أبي السنابل – الكحل في عينيها والخضاب في يديها – وهو ليس بمحرم لها ، ولم يأت خاطباً بل زائراً: (ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر) وكان قد خطبها فلم ترضه.
والحديث صريح الدلالة علي أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة وكذا الوجه أو العينين علي الأقل.
7- حديث الواهبة:
• عن سهل بن سعد قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم (وهو في المسجد) فقالت: يارسول الله جئت أهب لك نفسي , قال : فنظر إليها رسول الله فصعد النظر فيها وصوبه ثم طأطأ رسول الله رأسه, فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست , فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها...(رواه البخاري ومسلم)
هنا امرأة استمعت لقول الله تعالى : {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين}الاحزاب 50 فرغبت في رسول الله فعرضت عليه نفسها أمام الناس, وأخذ النبي صلي الله عليه وسلم ينظر إليها مما يشير إلى أن المرأة كانت مكشوفة الوجه , ثم رغب عن تزوجها واختارها أحد الصحابة الحضور وتزوجها.
قال الحافظ في الفتح: (وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها وإن لم تتقدم الرغبة في تزويجها ولا وقعت خطبتها..).
8- حديث المرأة التي تصرع:
• عن عطاء بن رباح قال:قال لي ابن عباس:ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت:بلي,قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلي الله عليه وسلم قالت:إني أصرع,وإني أتكشف فادع الله لي قال:إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت: أصبر, فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها.(وفي رواية للبخاري عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء: أنه رأي أم زفر تلك المرأة الطويلة السوداء علي ستر الكعبة). (رواه البخاري ومسلم)
هنا امرأة مؤمنة بشرها رسول الله بالجنة , يراها ابن عباس فيعرفها ثم يدعو عطاء بعد سنين لينظر إليها , ويتضح من سياق الحديث أن المرأة كانت سافرة الوجه يوم خاطبت رسول الله فعرفها ابن عباس , ولابد أنها كانت سافرة أيضا يوم أراها ابن عباس لعطاء.
9- حديث الخثعمية والفضل ابن العباس:
عن عبد الله ابن عباس قال: أردف النبي صلي الله عليه وسلم الفضل ابن العباس يوم النحر خلفه علي عجز راحلته وكان الفضل رجلا وضيئاً فوقف النبي صلي الله عليه وسلم للناس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة ( وفي رواية: وكانت امرأة حسناء) تستفتي رسول الله فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها, فالتفت النبي صل الله عليه وسلم والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لايستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال:نعم(وفي رواية: فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر اليه).(رواه البخاري ومسلم)
عجز راحلته : مؤخرها
وضيئة : من الوضاءة وهي الحسن والبهجة
قال الحافظ ابن حجر: وكان الفضل رجلاً وضيئًا أي جميلاً
وروي هذه القصة علي بن أبي طالب وذكر أن الاستفتاء كان عند المنحر بعد ما رمي رسول الله الجمرة وزاد: ( فقال له العباس يارسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما)
وفي رواية لأحمد:... قال الفضل: ... ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثاً وأنا لا أنتهي.
قال ابن حزم : ( فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس ولأمرها أن تسبل عليه من فوق , ولو كان وجهها مغطي ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء).
وقال الشوكاني : ( وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة , حيث لم يأمرها بتغطية وجهها , فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل , ولو لم يكن ما فهمه جائزاً ما أقره عليه صل الله عليه وسلم ).
وقال في ( نيل الأوطار): ( وهذا الحديث يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب بزوجات النبي صل الله عليه وسلم لأن قصة الفضل في حجة الوداع وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة).
قال ابن بطال (ت سنة 449هـ) : ( في الحديث الأمر بغض البصر خشية الفتنة , ومقتضاه أنه اذا أمنت الفتنة لم يمتنع. ويؤيده أنه صلي الله عليه وسلم لم يحول وجه الفضل حتي أدمن النظر لإعجابه بها , فخشي الفتنة عليه, وفيه دليل على أن نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم أزواج النبي صلي الله عليه وسلم إذ لو يلزم ذلك جميع النساء لأمر النبي صلي الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل , وفيه دليل على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا , لإجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ولو رأه الغرباء).
الحديث دليل على الآتي:
** الوجه ليس عورة ولا يحرم كشفه حتى بالنسبة للمرأة الجميلة.
** لا يحرم على المرأة الجميلة كشف وجهها عند خشية الفتنة العابرة.
** لا يكره كشف المرأة الجميلة وجهها عند خشية الفتنة العابرة.
10- حديث فاطمة بنت قيس: سنة 9 هـ
• عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمر بن حفص طلقها .. فجاءت رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكرت ذلك له .. فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك .. فقال : لا تفعلي إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان , فإني أكره أن يسقط خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك فيري القوم منك بعض ما تكرهين, ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله ابن أم مكتوم. (رواه مسلم)
النبي صلي الله عليه وسلم أقر ابنة قيس على أن يراها الرجال وعليها الخمار - وهو غطاء الرأس- فدل هذا على أن الوجه منها ليس بالواجب ستره كما يجب ستر رأسها ولكنه خشي عليها أن يسقط الخمار عنها فيظهر منها ما هو محرم بالنص فأمرها صلي الله عليه وسلم بما هو أحوط لها وهو الإنتقال إلى دار ابن أم مكتوم الأعمي.
11- حديث بريرة و مغيث:
• عن ابن عباس : أن زوج بريرة كان عبدا يقال له مغيث , كأني أنظر اليه يطوف خلفها يبكي ودموعة تسيل على لحيته , فقال النبي صلي الله عليه وسلم لعباس : يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيث؟ فقال النبي صلي الله عليه وسلم لو راجعته؟ قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع , قالت : فلا حاجة لي فيه. (رواه البخاري)
هنا امرأة مسلمة أعتقت فاختارت نفسها , وكان زوجها يتبعها في سكك المدينة حين يراها يبكي عليها وبسبب كشف بريرة وجهها كان مغيث يتعرف عليها وهي تمشي في الطريق , وبسبب كشف وجهها كان ابن عباس يعرف أن التي يمشي خلفها مغيث هي بريرة.
والواقعة بعد نزول آية الحجاب.
قال الحافظ في الفتح : فيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة , أو العاشرة , لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف، وكان ذلك في أواخر سنة ثمان, ويؤيده قول ابن عباس أنه شاهد ذلك , وهو إنما قدم المدينة مع أبويه.
تعليق