السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حبيت اقلكم علي الدعاء دا وان شاء الله يتقبل الله منا ومنكم
ورد في الأثر عن الإمام محمد بن واسع انه كان يدعوا الله كل يوم
بدعاء خاص -- فجاءه شيطان وقال له يا إمام أعاهدك أنى لن أوسوس لك أبدا ولم آتيك
ولن أمرك بمعصية ولكن بشرط أن لا تدعوا الله بهذا الدعاء ولا تعلمه لأحد
فقال له الإمام كلا -- سأعلمه لكل من قابلت وافعل ما شئت هل تريد معرفه هذا الدعاء ؟؟؟؟
كان يدعوا فيقول :" اللهم انك سلطت علينا عدوا عليما بعيوبنا - يرانا هو وقبيلة من حيث
لانراهم اللهم أيأسه منا كما آيأستـه من رحمتك ، وقنطه منا كما قنطـته من عـفوك - وباعــدبيننا وبينه كما باعـدت بينه وبين رحمتك وجنتك "
بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم
ورد في الأثر عن الإمام محمد بن واسع انه كان يدعوا الله كل يوم
بدعاء خاص -- فجاءه شيطان وقال له يا إمام أعاهدك أنى لن أوسوس لك أبدا ولم آتيك
ولن أمرك بمعصية ولكن بشرط أن لا تدعوا الله بهذا الدعاء ولا تعلمه لأحد
فقال له الإمام كلا -- سأعلمه لكل من قابلت وافعل ما شئت هل تريد معرفه هذا الدعاء ؟؟؟؟
كان يدعوا فيقول :" اللهم انك سلطت علينا عدوا عليما بعيوبنا - يرانا هو وقبيلة من حيث
لانراهم اللهم أيأسه منا كما آيأستـه من رحمتك ، وقنطه منا كما قنطـته من عـفوك - وباعــدبيننا وبينه كما باعـدت بينه وبين رحمتك وجنتك "
بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم
وَرَدَ هذا السُّؤَال إلى مَوْقِعِ الإسْلاَم سُؤَال وجَوَاب الَّذِي يُشْرِفُ عَلَيْهِ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ مُحَمَّد صَالِح المُنَجِّد:
السُّؤَالُ: أوَدُّ السُّؤَال عَنْ دُعَاءٍ يُتَنَاقَل الآن في المُنْتَدَيَاتِ بعُنْوَانِ (دُعَاءٌ يَسْتَغِيثُ مِنْهُ الشَّيْطَان)، وهُوَ وَرَدَ في الأثَرِ عَنِ الإمَامِ مُحَمَّد بْن وَاسِع [ أنَّهُ كَانَ يَدْعُو الله كُلّ يَوْمٍ بدُعَاءٍ خَاصٍّ، فَجَاءَهُ شَيْطَانٌ وقَالَ لَهُ: يَا إمَام؛ أُعَاهِدُكَ أنِّي لَنْ أُوَسْوِسُ لَكَ أبَدًا، ولَنْ آتِيكَ ولَنْ آمُرُكَ بمَعْصِيَةٍ، ولَكِنْ بشَرْطٍ أنْ لا تَدْعُو الله بهذا الدُّعَاء، ولا تُعَلِّمهُ لأحَدٍ، فَقَالَ لَهُ الإمَام: كَلاَّ، سَأُعَلِّمُهُ لكُلِّ مَنْ قَابَلْتُ وافْعَل مَا شِئْتَ ]، هَلْ تُرِيد مَعْرِفَه هذا الدُّعَاء؟ كَانَ يَدْعُو فَيَقُول (اللَّهُمَّ إنَّكَ سَلَّطْتَ عَلَيْنَا عَدُوًّا عَلِيمًا بعُيُوبِنَا، يَرَانَا هُوَ وقَبِيله مِنْ حَيْثُ لا نَرَاهُم، اللَّهُمَّ آيِسْهُ مِنَّا كَمَا آيَسْتَهُ مِنْ رَحْمَتِكَ، وقَنِّطْهُ مِنَّا كَمَا قَنَّطْتَهُ مِنْ عَفْوِكَ، وبَاعِد بَيْنَنَا وبَيْنَهُ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَهُ وبَيْنَ رَحْمَتِكَ وجَنَّتِكَ)، فَهَلْ يَصِحُّ هذا الأثَر؟ وجَزَاكَ اللهُ الجَنَّة.
الجَوَابُ:
الحَمْدُ للهِ؛؛
في هذه الحِكَايَةِ جَانِبَانِ اثْنَانِ لاَبُدَّ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِمَا:
أوَّلاً: شَرْعِيَّة كَلِمَات الدُّعَاء المَذْكُورَة عَنْ مُحَمَّد بْن وَاسِع رَحِمَهُ الله، فَهِيَ جُمَلٌ صَحِيحَةُ المَعَانِي، مُسْتَقِيمَةُ المَقَاصِدِ، لَيْسَ فِيهَا مَا يُسْتَنْكَر ولا مَا يُسْتَغْرَب، فَالدُّعَاء بتَقْنِيطِ الشَّيْطَان مِنْ إغْوَائِكَ وإضْلاَلِكَ لَهُ مَا يَشْهَد لَهُ، ولَيْسَ اعْتِدَاءً في الدُّعَاءِ، فَقَدْ أخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ الشَّيْطَانَ يُصِيبُهُ اليَأسَ مِنَ العِبَادِ في بَعْضِ الأزْمَانِ والأحْيَانِ، فَقَالَ [ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2821)، ولَيْسَ بمُسْتَنْكَرٍ أنْ يَسْألَ العِبَادُ رَبَّهُم أنْ يُحَقِّقَ لَهُم ذَلِكَ ويَعْصِمَهُم مِنَ الشَّيْطَانِ، وهُوَ مِنْ جِنْسِ الاسْتِعَاذَة بالله تَعَالَى مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ دَعَا بِهِ وسَألَ الله تَعَالَى بِمَا جَاءَ فِيهِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ فَضْلٍ خَاصٍّ أو أثَرٍ مُعَيَّنٍ لكَلِمَاتِهِ، بَلْ يَعْتَقِدُ أنَّهَا كَغَيْرِهَا مِنْ كَلِمَاتِ الدُّعَاء، الصِّدْقُ والإخْلاَصُ فِيهَا هُوَ سَبَبُ قَبُولِهَا، ولَيْسَ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ.
ثَانِيًا: أمَّا عَنْ وُقُوعِ الحَادِثَة المَذْكُورَة ومَجِيء الشَّيْطَان إلى مُحَمَّد بْن وَاسِع ومُخَاطَبَته بذَلِكَ الكَلاَم، فهذا لا نَسْتَطِيعُ أنْ نُؤَكِّدَهُ، ولا نَنْفِيهِ أيْضًا، والسَّبَبُ أنَّنَا لَمْ نَجِدْ سَنَد هذه القِصَّة في كُتُبِ الأثَر والرِّوَايَة، كَمَا أنَّنَا لا نَرَى في مَقْصُودِهَا شَيْئًا مُسْتَنْكَرًا يَسْتَحِقُّ التَّكْذِيب: فَكَلِمَات الدُّعَاء مَقْبُولَة شَرْعًا وهي كَالاسْتِعَاذَة، والشَّيْطَان يَتَصَاغَر عِنْدَ الاسْتِعَاذَة بالله، وأشَدّ مَا يَجِدْهُ إذا حَالَت رَحْمَةُ الله بَيْنَهُ وبَيْنَ العِبَادِ، فَقَدِ اسْتَكْبَرَ هُوَ عَنْهَا فَلاَ يُرِيدُ أنْ تَنَالَ أحَدًا مِنَ الخَلْقِ.
أمَّا تَفَاصِيل القِصَّة فَلَعَلَّ الأقْرَب أنَّهَا رُؤْيَا مَنَام، ولَيْسَت حَقِيقَة وَاقِعَة، وإنْ كَانَ الشَّيْطَانُ يُعْرَض للبَشَرِ بصُورَةِ رَجُل، كَمَا (عُرِضَ لأبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ وَكَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بحِفْظِ مَالِ الصَّدَقَة) رَوَاهُ البُخَارِيُّ مُعَلَّقًا (3275)، وفي كُتُبِ السِّيَر كَثِيرٌ مِنَ القِصَصِ المُشَابشهَة، ولَمْ نَرَ أحَدًا مِنْ أهْلِ العِلْم يُعَقِّب عَلَيْهَا بالتَّكْذِيبِ والنَّفْي - انْظُر كِتَاب: سِلاَحُ اليَقْظَانِ لطَرْدِ الشَّيْطَان للشَّيْخِ عَبْدُ العَزِيزِ السَّلْمَان (ص/15) - ومُحَمَّد بْن وَاسِع مِنْ أئِمَّةِ العِلْم والدِّين، تُوُفِّيَ سَنَة (123هـ) وكَانَ مِنْ عُبَّادِ أهْل البَصْرَة وأفْضَلِهِم، حتى قَالَ فِيهِ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ [ مَا أحَدٌ أُحِبُّ أنْ ألْقَى الله بمِثْلِ صَحِيفَتِهِ مِثْل مُحَمَّد بْن وَاسِع ] انْظُر تَرْجَمَتَهُ في سِيَرِ أعْلاَم النُّبَلاَء (6/119)، فَلاَ يُسْتَبْعَد أنَّ الشَّيْطَانَ يَئِسَ مِنْ إغْوَائِهِ وإضْلاَلِهِ فَجَاءَ يَطْلُبُ مِنْهُ الكَفَّ عَنِ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ.
ورَغْمَ ذَلِكَ فَالجَزْمُ بثُبُوتِهَا خَطَأ أيْضًا، إذْ لَمْ نَرَ مَنْ ذَكَرَهَا إلاَّ أبُو حَامِد الغَزَّالِي في إحْيَاءِ عُلُوم الدِّين (3/38)، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ كِتَابَ الإحْيَاء يَحْوِي الكَثِير مِنَ الأحَادِيثِ والآثَارِ والقِصَصِ الضَّعِيفَةِ والمَوْضُوعَةِ، فَلاَ يُرْكَن إلى نَقْلِهِ.
جَاءَ في فَتَاوَى الشَّيْخ ابْن بَاز رَحِمَهُ الله (26/129-130):
السُّؤَالُ: قَالَ مُحَمَّد بْن وَاسِع رَحِمَهُ الله (كُنْتُ أقُولُ صَبَاحًا ومَسَاءً: اللَّهُمَّ إنَّكَ سَلَّطْتَ عَلَيْنَا عَدُوًّا بَصِيرًا بعُيُوبِنَا، مُطَّلِعًا عَلَى عَوْرَاتِنَا، يَرَانَا هُوَ وقَبِيلهُ مِنْ حَيْثُ لا نَرَاهُم, اللَّهُمَّ فَآيِسْهُ مِنَّا كَمَا آيَسْتهُ مِنْ رَحْمَتِكَ, وقَنِّطْهُ مِنَّا كَمَا قَنَّطْتهُ مِنْ عَفْوِكَ, وبَاعِد بَيْنَنَا وبَيْنَهُ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَهُ وبَيْنَ جَنَّتِكَ)، قَالَ مُحَمَّد بْن وَاسِع (فَرَأيْتُ إبْلِيس في المَنَامِ فَقَالَ: لا تُعَلِّم هذا الدُّعَاء لأحَدٍ، فَقُلْتُ: واللهِ لا أمْنَعُهُ مِنْ مُسْلِمٍ)، فَمَا رَأيُ سَمَاحَتكُم بهذا الدُّعَاء؟ وهَلْ يَجُوز الدُّعَاء بِهِ؟
فَأجَابَ عَنْهُ سَمَاحَته بتَارِيخ 18/ 12/ 1414هـ:
مُحَمَّد بْن وَاسِع الأُزْدِيّ البَصْرِيّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، ومِنَ الثِّقَاتِ العُبَّادِ رَحِمَهُ الله، وهذا الدُّعَاء لا بَأسَ بِهِ، ولَمْ أقِفْ عَلَيْهِ في تَرْجَمَةِ مُحَمَّد المَذْكُور في البِدَايَةِ لابْن كَثِير.
ويَكْفِي عَنْ ذَلِكَ التَّعَوُّذ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ [ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ] (الأعْرَافُ/200)، وقَالَ سُبْحَانَهُ [ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ] (النَّحْلُ/98)، وكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَتَعَوَّذَ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ في صَلاَتِهِ وغَيْرِهَا بقَوْلِهِ [ أعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ] ورُبَّمَا قَالَ [ أعُوذُ باللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ ونَفْثِهِ ونَفْخِهِ ]، وقَدْ فَسَّرَ أهْلُ العِلْمِ الهَمْز بالصَّرَعِ، والنَّفْخ بالكِبْرِ، والنَّفْث بالشِّعْرِ، يَعْنُونَ بذَلِكَ المَذْمُوم، واللهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. انْتَهَى.
والخُلاَصَة: أنَّهُ لا يَنْبَغِي الجَزْم بثُبُوتِ مِثْل هذه القِصَّة؛ إذ لَمْ تَرِدْ مُسْنَدَة في كِتَابٍ، ولَمْ تَرِدْ أيْضًا في كِتَابٍ يَتَحَرَّى الدِّقَّة، وإنْ كَانَ الدُّعَاءُ لا بَأسَ بِهِ، ولا نَكَارَةَ في مَعَانِيهِ ولا ألْفَاظِهِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ أنْ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَضِيلَة مُعَيَّنَة، لا مَا جَاءَ في القِصَّةِ ولا غَيْرهَا مِنَ الفَضَائِلِ، ومِنْ غَيْرِ أنْ يُتَّخَذ أيْضًا وِرْدًا ثَابِتًا كَالأوْرَادِ التي وَرَدَت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
السُّؤَالُ: أوَدُّ السُّؤَال عَنْ دُعَاءٍ يُتَنَاقَل الآن في المُنْتَدَيَاتِ بعُنْوَانِ (دُعَاءٌ يَسْتَغِيثُ مِنْهُ الشَّيْطَان)، وهُوَ وَرَدَ في الأثَرِ عَنِ الإمَامِ مُحَمَّد بْن وَاسِع [ أنَّهُ كَانَ يَدْعُو الله كُلّ يَوْمٍ بدُعَاءٍ خَاصٍّ، فَجَاءَهُ شَيْطَانٌ وقَالَ لَهُ: يَا إمَام؛ أُعَاهِدُكَ أنِّي لَنْ أُوَسْوِسُ لَكَ أبَدًا، ولَنْ آتِيكَ ولَنْ آمُرُكَ بمَعْصِيَةٍ، ولَكِنْ بشَرْطٍ أنْ لا تَدْعُو الله بهذا الدُّعَاء، ولا تُعَلِّمهُ لأحَدٍ، فَقَالَ لَهُ الإمَام: كَلاَّ، سَأُعَلِّمُهُ لكُلِّ مَنْ قَابَلْتُ وافْعَل مَا شِئْتَ ]، هَلْ تُرِيد مَعْرِفَه هذا الدُّعَاء؟ كَانَ يَدْعُو فَيَقُول (اللَّهُمَّ إنَّكَ سَلَّطْتَ عَلَيْنَا عَدُوًّا عَلِيمًا بعُيُوبِنَا، يَرَانَا هُوَ وقَبِيله مِنْ حَيْثُ لا نَرَاهُم، اللَّهُمَّ آيِسْهُ مِنَّا كَمَا آيَسْتَهُ مِنْ رَحْمَتِكَ، وقَنِّطْهُ مِنَّا كَمَا قَنَّطْتَهُ مِنْ عَفْوِكَ، وبَاعِد بَيْنَنَا وبَيْنَهُ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَهُ وبَيْنَ رَحْمَتِكَ وجَنَّتِكَ)، فَهَلْ يَصِحُّ هذا الأثَر؟ وجَزَاكَ اللهُ الجَنَّة.
الجَوَابُ:
الحَمْدُ للهِ؛؛
في هذه الحِكَايَةِ جَانِبَانِ اثْنَانِ لاَبُدَّ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِمَا:
أوَّلاً: شَرْعِيَّة كَلِمَات الدُّعَاء المَذْكُورَة عَنْ مُحَمَّد بْن وَاسِع رَحِمَهُ الله، فَهِيَ جُمَلٌ صَحِيحَةُ المَعَانِي، مُسْتَقِيمَةُ المَقَاصِدِ، لَيْسَ فِيهَا مَا يُسْتَنْكَر ولا مَا يُسْتَغْرَب، فَالدُّعَاء بتَقْنِيطِ الشَّيْطَان مِنْ إغْوَائِكَ وإضْلاَلِكَ لَهُ مَا يَشْهَد لَهُ، ولَيْسَ اعْتِدَاءً في الدُّعَاءِ، فَقَدْ أخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّ الشَّيْطَانَ يُصِيبُهُ اليَأسَ مِنَ العِبَادِ في بَعْضِ الأزْمَانِ والأحْيَانِ، فَقَالَ [ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2821)، ولَيْسَ بمُسْتَنْكَرٍ أنْ يَسْألَ العِبَادُ رَبَّهُم أنْ يُحَقِّقَ لَهُم ذَلِكَ ويَعْصِمَهُم مِنَ الشَّيْطَانِ، وهُوَ مِنْ جِنْسِ الاسْتِعَاذَة بالله تَعَالَى مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ دَعَا بِهِ وسَألَ الله تَعَالَى بِمَا جَاءَ فِيهِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ فَضْلٍ خَاصٍّ أو أثَرٍ مُعَيَّنٍ لكَلِمَاتِهِ، بَلْ يَعْتَقِدُ أنَّهَا كَغَيْرِهَا مِنْ كَلِمَاتِ الدُّعَاء، الصِّدْقُ والإخْلاَصُ فِيهَا هُوَ سَبَبُ قَبُولِهَا، ولَيْسَ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ.
ثَانِيًا: أمَّا عَنْ وُقُوعِ الحَادِثَة المَذْكُورَة ومَجِيء الشَّيْطَان إلى مُحَمَّد بْن وَاسِع ومُخَاطَبَته بذَلِكَ الكَلاَم، فهذا لا نَسْتَطِيعُ أنْ نُؤَكِّدَهُ، ولا نَنْفِيهِ أيْضًا، والسَّبَبُ أنَّنَا لَمْ نَجِدْ سَنَد هذه القِصَّة في كُتُبِ الأثَر والرِّوَايَة، كَمَا أنَّنَا لا نَرَى في مَقْصُودِهَا شَيْئًا مُسْتَنْكَرًا يَسْتَحِقُّ التَّكْذِيب: فَكَلِمَات الدُّعَاء مَقْبُولَة شَرْعًا وهي كَالاسْتِعَاذَة، والشَّيْطَان يَتَصَاغَر عِنْدَ الاسْتِعَاذَة بالله، وأشَدّ مَا يَجِدْهُ إذا حَالَت رَحْمَةُ الله بَيْنَهُ وبَيْنَ العِبَادِ، فَقَدِ اسْتَكْبَرَ هُوَ عَنْهَا فَلاَ يُرِيدُ أنْ تَنَالَ أحَدًا مِنَ الخَلْقِ.
أمَّا تَفَاصِيل القِصَّة فَلَعَلَّ الأقْرَب أنَّهَا رُؤْيَا مَنَام، ولَيْسَت حَقِيقَة وَاقِعَة، وإنْ كَانَ الشَّيْطَانُ يُعْرَض للبَشَرِ بصُورَةِ رَجُل، كَمَا (عُرِضَ لأبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ وَكَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بحِفْظِ مَالِ الصَّدَقَة) رَوَاهُ البُخَارِيُّ مُعَلَّقًا (3275)، وفي كُتُبِ السِّيَر كَثِيرٌ مِنَ القِصَصِ المُشَابشهَة، ولَمْ نَرَ أحَدًا مِنْ أهْلِ العِلْم يُعَقِّب عَلَيْهَا بالتَّكْذِيبِ والنَّفْي - انْظُر كِتَاب: سِلاَحُ اليَقْظَانِ لطَرْدِ الشَّيْطَان للشَّيْخِ عَبْدُ العَزِيزِ السَّلْمَان (ص/15) - ومُحَمَّد بْن وَاسِع مِنْ أئِمَّةِ العِلْم والدِّين، تُوُفِّيَ سَنَة (123هـ) وكَانَ مِنْ عُبَّادِ أهْل البَصْرَة وأفْضَلِهِم، حتى قَالَ فِيهِ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ [ مَا أحَدٌ أُحِبُّ أنْ ألْقَى الله بمِثْلِ صَحِيفَتِهِ مِثْل مُحَمَّد بْن وَاسِع ] انْظُر تَرْجَمَتَهُ في سِيَرِ أعْلاَم النُّبَلاَء (6/119)، فَلاَ يُسْتَبْعَد أنَّ الشَّيْطَانَ يَئِسَ مِنْ إغْوَائِهِ وإضْلاَلِهِ فَجَاءَ يَطْلُبُ مِنْهُ الكَفَّ عَنِ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ.
ورَغْمَ ذَلِكَ فَالجَزْمُ بثُبُوتِهَا خَطَأ أيْضًا، إذْ لَمْ نَرَ مَنْ ذَكَرَهَا إلاَّ أبُو حَامِد الغَزَّالِي في إحْيَاءِ عُلُوم الدِّين (3/38)، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ كِتَابَ الإحْيَاء يَحْوِي الكَثِير مِنَ الأحَادِيثِ والآثَارِ والقِصَصِ الضَّعِيفَةِ والمَوْضُوعَةِ، فَلاَ يُرْكَن إلى نَقْلِهِ.
جَاءَ في فَتَاوَى الشَّيْخ ابْن بَاز رَحِمَهُ الله (26/129-130):
السُّؤَالُ: قَالَ مُحَمَّد بْن وَاسِع رَحِمَهُ الله (كُنْتُ أقُولُ صَبَاحًا ومَسَاءً: اللَّهُمَّ إنَّكَ سَلَّطْتَ عَلَيْنَا عَدُوًّا بَصِيرًا بعُيُوبِنَا، مُطَّلِعًا عَلَى عَوْرَاتِنَا، يَرَانَا هُوَ وقَبِيلهُ مِنْ حَيْثُ لا نَرَاهُم, اللَّهُمَّ فَآيِسْهُ مِنَّا كَمَا آيَسْتهُ مِنْ رَحْمَتِكَ, وقَنِّطْهُ مِنَّا كَمَا قَنَّطْتهُ مِنْ عَفْوِكَ, وبَاعِد بَيْنَنَا وبَيْنَهُ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَهُ وبَيْنَ جَنَّتِكَ)، قَالَ مُحَمَّد بْن وَاسِع (فَرَأيْتُ إبْلِيس في المَنَامِ فَقَالَ: لا تُعَلِّم هذا الدُّعَاء لأحَدٍ، فَقُلْتُ: واللهِ لا أمْنَعُهُ مِنْ مُسْلِمٍ)، فَمَا رَأيُ سَمَاحَتكُم بهذا الدُّعَاء؟ وهَلْ يَجُوز الدُّعَاء بِهِ؟
فَأجَابَ عَنْهُ سَمَاحَته بتَارِيخ 18/ 12/ 1414هـ:
مُحَمَّد بْن وَاسِع الأُزْدِيّ البَصْرِيّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ، ومِنَ الثِّقَاتِ العُبَّادِ رَحِمَهُ الله، وهذا الدُّعَاء لا بَأسَ بِهِ، ولَمْ أقِفْ عَلَيْهِ في تَرْجَمَةِ مُحَمَّد المَذْكُور في البِدَايَةِ لابْن كَثِير.
ويَكْفِي عَنْ ذَلِكَ التَّعَوُّذ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ [ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ] (الأعْرَافُ/200)، وقَالَ سُبْحَانَهُ [ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ] (النَّحْلُ/98)، وكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَتَعَوَّذَ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ في صَلاَتِهِ وغَيْرِهَا بقَوْلِهِ [ أعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ] ورُبَّمَا قَالَ [ أعُوذُ باللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ ونَفْثِهِ ونَفْخِهِ ]، وقَدْ فَسَّرَ أهْلُ العِلْمِ الهَمْز بالصَّرَعِ، والنَّفْخ بالكِبْرِ، والنَّفْث بالشِّعْرِ، يَعْنُونَ بذَلِكَ المَذْمُوم، واللهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. انْتَهَى.
والخُلاَصَة: أنَّهُ لا يَنْبَغِي الجَزْم بثُبُوتِ مِثْل هذه القِصَّة؛ إذ لَمْ تَرِدْ مُسْنَدَة في كِتَابٍ، ولَمْ تَرِدْ أيْضًا في كِتَابٍ يَتَحَرَّى الدِّقَّة، وإنْ كَانَ الدُّعَاءُ لا بَأسَ بِهِ، ولا نَكَارَةَ في مَعَانِيهِ ولا ألْفَاظِهِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ أنْ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَضِيلَة مُعَيَّنَة، لا مَا جَاءَ في القِصَّةِ ولا غَيْرهَا مِنَ الفَضَائِلِ، ومِنْ غَيْرِ أنْ يُتَّخَذ أيْضًا وِرْدًا ثَابِتًا كَالأوْرَادِ التي وَرَدَت عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
أُخْتِي الكَرِيمَة إيمان المسلمة:
بالنِّسْبَةِ لقَوْلكِ (كَتَبَ اللهُ أجْرَكَ بنِيَّتِكَ الحَسَنَة) أقُولُ في عُمُومِ الأمْر: العَمَلُ الفَاسِدُ لا تُصْلِحُهُ النِّيَّةُ الحَسَنَةُ، والنِّيَّةُ الفَاسِدَةُ لا يُصْلِحُهَا العَمَلُ الحَسَنُ، رَوَى البُخَارِيُّ؛ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ [ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) ]، والحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أنَّ الأعْمَالَ لا تَصِحُّ إلاَّ مَعَ وُجُودِ النِّيَّة الصَّالِحَة لَهَا، لأنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ في العَمَلِ، فَنَرَاهَا تُحَوِّلُ المُبَاح إلى قُرْبَةٍ وطَاعَةٍ وغُلُوٍّ، كَغُلاَة الصُّوفِيَّة والشِّيعَة الَّذِينَ يُحَوِّلُونَ حُبّ آل البَيْت مِنْ أمْرٍ مُبَاحِ إلى غُلُوٍّ مَذْمُومٍ، أو تُحَوِّلُ الطَّاعَة إلى مَعْصِيَةٍ، كَمَنْ يَفْعَلهَا رِيَاءً وسُمْعَةً أو لأجْلِ دُنْيَا يُصِيبُهَا، لكِنَّ النِّيَّة أبَدًا لا تُحَوِّلُ المَعْصِيَة إلى مُبَاحٍ كَمَا يَظُنّ أكْثَر النَّاس، قَالَ الشَّيْخُ الغَزَّالِيُّ رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ في الإحْيَاءِ (4/368) في (انْقِسَامِ الأعْمَال إلى مَعَاصٍ وطَاعَاتٍ ومُبَاحَاتٍ وتَأثِير النِّيَّة في ذَلِكَ) [ القِسْمُ الأوَّلُ: المَعَاصِي، وهي لا تَتَغَيَّر عَنْ مَوْضِعِهَا بالنِّيَّةِ، فَلاَ يَنْبَغِي أنْ يَفْهَمَ الجَاهِلُ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلاَم (إنَّمَا الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ) فَيَظُنّ أنَّ المَعْصِيَةَ تَنْقَلِب طَاعَة بالنِّيَّةِ، كَالَّذِي يَغْتَاب إنْسَانًا مُرَاعَاةً لقَلْبِ غَيْرِهِ، أو يُطْعِم فَقِيرًا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، أو يَبْنِي مَدْرَسَةً أو مَسْجِدًا أو رِبَاطًا بمَالٍ حَرَامٍ، وقَصْدهُ الخَيْر، فهذا كُلّهُ جَهْل، والنِّيَّة لا تُؤَثِّر في إخْرَاجِهِ عَنْ كَوْنِهِ ظُلْمًا وعُدْوَانًا ومَعْصِيَةً، بَلْ قَصْده الخَيْرَ بالشَّرِّ عَلَى خِلاَفِ مُقْتَضَى الشَّرْع؛ شَرٌّ آخَرٌ، فَإنْ عَرَفَهُ فَهُوَ مُعَانِدٌ للشَّرْعِ، وإنْ جَهِلَهُ فَهُوَ عَاصٍ بجَهْلِهِ؛ إذْ طَلَبُ العِلْمِ فَرِيَضة عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ]، إلى أنْ قَالَ [ فَإذَنْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلاَم: (إنَّمَا الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ) يَخْتَصُّ مِنَ الأقْسَامِ الثَّلاَثَة بالطَّاعَاتِ والمُبَاحَاتِ دُونَ المَعَاصِي؛ إذِ الطَّاعَة تَنْقَلِب مَعْصِيَة بالقَصْدِ، والمُبَاح يَنْقَلِب مَعْصِيَة وطَاعَة بالقَصْدِ، فَأمَّا المَعْصِيَة فَلاَ تَنْقَلِب طَاعَة بالقَصْدِ أصْلاً، نَعَم، للنِّيَّةِ دَخْلٌ فِيهَا، وهُوَ أنَّهُ إذا انْضَافَ إلَيْهَا قُصُود خَبِيثَة تَضَاعَفَ وِزْرهَا وعَظُمَ وَبَالهَا ]، فَلاَ يَجِبُ أنْ يَعْتَقِدَ الفَرْد أنَّهُ يَفْعَل مَا يَفْعَل وسَوْفَ يُثَابُ عَلَيْهِ طَالَمَا كَانَت نِيَّتهُ طَيِّبَة، فهذا اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ لا يَصِحّ إلاَّ في حَالاَتٍ مُحَدَّدَةٍ فَقَط، وهذا الاعْتِقَاد الفَاسِد يُورِثُ عَدَم تَحَرِّي صِحَّة القَوْل والعَمَل، والاسْتِهَانَة بالأُمُورِ وعَدَم الوُقُوف عَلَى أحْكَامِ كُلّ شَيْء، ولَمَّا كَانَ ذَلِكَ رَأيْنَا المُنْتَدَيَات كَافَّة حتى الإسْلاَمِيَّة مِنْهَا تَعُجّ بالقَصَصِ المَكْذُوبَةِ والرِّوَايَاتِ المُخْتَلَقَةِ والأحَادِيثِ المَوْضُوعَةِ والإعْجَازِ الوَهْمِيِّ، واللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُونَ.
وهذا مَا أعْلَمُ؛ واللهُ تَعَالَى أعْلَى وأعْلَمُ.
والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
بالنِّسْبَةِ لقَوْلكِ (كَتَبَ اللهُ أجْرَكَ بنِيَّتِكَ الحَسَنَة) أقُولُ في عُمُومِ الأمْر: العَمَلُ الفَاسِدُ لا تُصْلِحُهُ النِّيَّةُ الحَسَنَةُ، والنِّيَّةُ الفَاسِدَةُ لا يُصْلِحُهَا العَمَلُ الحَسَنُ، رَوَى البُخَارِيُّ؛ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ [ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) ]، والحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أنَّ الأعْمَالَ لا تَصِحُّ إلاَّ مَعَ وُجُودِ النِّيَّة الصَّالِحَة لَهَا، لأنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ في العَمَلِ، فَنَرَاهَا تُحَوِّلُ المُبَاح إلى قُرْبَةٍ وطَاعَةٍ وغُلُوٍّ، كَغُلاَة الصُّوفِيَّة والشِّيعَة الَّذِينَ يُحَوِّلُونَ حُبّ آل البَيْت مِنْ أمْرٍ مُبَاحِ إلى غُلُوٍّ مَذْمُومٍ، أو تُحَوِّلُ الطَّاعَة إلى مَعْصِيَةٍ، كَمَنْ يَفْعَلهَا رِيَاءً وسُمْعَةً أو لأجْلِ دُنْيَا يُصِيبُهَا، لكِنَّ النِّيَّة أبَدًا لا تُحَوِّلُ المَعْصِيَة إلى مُبَاحٍ كَمَا يَظُنّ أكْثَر النَّاس، قَالَ الشَّيْخُ الغَزَّالِيُّ رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ في الإحْيَاءِ (4/368) في (انْقِسَامِ الأعْمَال إلى مَعَاصٍ وطَاعَاتٍ ومُبَاحَاتٍ وتَأثِير النِّيَّة في ذَلِكَ) [ القِسْمُ الأوَّلُ: المَعَاصِي، وهي لا تَتَغَيَّر عَنْ مَوْضِعِهَا بالنِّيَّةِ، فَلاَ يَنْبَغِي أنْ يَفْهَمَ الجَاهِلُ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلاَم (إنَّمَا الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ) فَيَظُنّ أنَّ المَعْصِيَةَ تَنْقَلِب طَاعَة بالنِّيَّةِ، كَالَّذِي يَغْتَاب إنْسَانًا مُرَاعَاةً لقَلْبِ غَيْرِهِ، أو يُطْعِم فَقِيرًا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، أو يَبْنِي مَدْرَسَةً أو مَسْجِدًا أو رِبَاطًا بمَالٍ حَرَامٍ، وقَصْدهُ الخَيْر، فهذا كُلّهُ جَهْل، والنِّيَّة لا تُؤَثِّر في إخْرَاجِهِ عَنْ كَوْنِهِ ظُلْمًا وعُدْوَانًا ومَعْصِيَةً، بَلْ قَصْده الخَيْرَ بالشَّرِّ عَلَى خِلاَفِ مُقْتَضَى الشَّرْع؛ شَرٌّ آخَرٌ، فَإنْ عَرَفَهُ فَهُوَ مُعَانِدٌ للشَّرْعِ، وإنْ جَهِلَهُ فَهُوَ عَاصٍ بجَهْلِهِ؛ إذْ طَلَبُ العِلْمِ فَرِيَضة عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ]، إلى أنْ قَالَ [ فَإذَنْ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلاَم: (إنَّمَا الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ) يَخْتَصُّ مِنَ الأقْسَامِ الثَّلاَثَة بالطَّاعَاتِ والمُبَاحَاتِ دُونَ المَعَاصِي؛ إذِ الطَّاعَة تَنْقَلِب مَعْصِيَة بالقَصْدِ، والمُبَاح يَنْقَلِب مَعْصِيَة وطَاعَة بالقَصْدِ، فَأمَّا المَعْصِيَة فَلاَ تَنْقَلِب طَاعَة بالقَصْدِ أصْلاً، نَعَم، للنِّيَّةِ دَخْلٌ فِيهَا، وهُوَ أنَّهُ إذا انْضَافَ إلَيْهَا قُصُود خَبِيثَة تَضَاعَفَ وِزْرهَا وعَظُمَ وَبَالهَا ]، فَلاَ يَجِبُ أنْ يَعْتَقِدَ الفَرْد أنَّهُ يَفْعَل مَا يَفْعَل وسَوْفَ يُثَابُ عَلَيْهِ طَالَمَا كَانَت نِيَّتهُ طَيِّبَة، فهذا اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ لا يَصِحّ إلاَّ في حَالاَتٍ مُحَدَّدَةٍ فَقَط، وهذا الاعْتِقَاد الفَاسِد يُورِثُ عَدَم تَحَرِّي صِحَّة القَوْل والعَمَل، والاسْتِهَانَة بالأُمُورِ وعَدَم الوُقُوف عَلَى أحْكَامِ كُلّ شَيْء، ولَمَّا كَانَ ذَلِكَ رَأيْنَا المُنْتَدَيَات كَافَّة حتى الإسْلاَمِيَّة مِنْهَا تَعُجّ بالقَصَصِ المَكْذُوبَةِ والرِّوَايَاتِ المُخْتَلَقَةِ والأحَادِيثِ المَوْضُوعَةِ والإعْجَازِ الوَهْمِيِّ، واللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُونَ.
وهذا مَا أعْلَمُ؛ واللهُ تَعَالَى أعْلَى وأعْلَمُ.
والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
تعليق