إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    الإخْوَةُ والأخَوَاتُ الكِرَامُ
    السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ

    إنَّ أخْطَرَ مَا يَكُونُ عَلَى عَقِيدَةِ المُسْلِمِ هُوَ تَلْبِيسُ الحَقِّ بالبَاطِلِ، ومَظَنَّةُ الخَطَأِ صَوَابًا والصَّوَابُ خَطَأً، وخُطُورَةُ هذا التَّلْبِيسِ أنَّهُ يُوقِعُ الفَرْدَ في حِيرَةٍ بَيْنَ الأمْرَيْنِ، ويُشَكِّكُهُ في النُّصُوصِ والأدِلَّةِ، فَيَضْطَرُّهُ إلى تَرْكِهَا واسْتِخْدَامِ العَقْلِ المُجَرَّدِ مِنَ العِلْمِ، وهُنَا يَلْعَبُ الهَوَى والجَهْلُ دَوْرًا أسَاسِيًّا في هَدْمِ عَقِيدَةِ المُسْلِمِ، إذْ أنَّ الهَوَى لا يَأتِي بخَيْرٍ، والجَهْلَ لا يَجُرُّ إلاَّ للشَّرِّ، ولا يُمْكِنُ أنْ يُقَامَ دِينٌ قَوِيمٌ مُهَيْمِنٌ حَقٌّ عَلَى أُسُسٍ عِمَادُهَا الهَوَى والجَهْل، لِذَا دَعَا اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى في كِتَابِهِ إلى التَّدَبُّرِ والتَّفَقُّهِ، وفَرَضَ طَلَبَ العِلْمِ، وذَمَّ الهَوَى والجَهْلَ والجَهَالَةَ، قَالَ تَعَالَى [ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا]، وقَالَ تَعَالَى [ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ]، وقَالَ تَعَالَى [ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً 43 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً 44]، والكَثِيرُ مِنَ الآيَاتِ الَّتِي تُثْبِتُ فَرْضِيَّةَ التَّدَبُّرِ والتَّعَلُّمِ وتَذُمُّ الجَهْلَ والهَوَى، ومَعْرُوفٌ أنَّ أعْدَى الأعْدَاءِ هُوَ الشَّيْطَانُ، وهُوَ لا يَنْتَظِرُ مِنَّا غَيْرَ الجَهْلِ والهَوَى لنَفْتَحَ لَهُ بَابَ عَمَلِهِ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ، يَقُولُ الإمَامُ ابْنُ الجَوْزِيِّ في كِتَابِهِ المَاتِعِ تَلْبِيسُ إبْلِيسَ [ اعْلَمْ أنَّ الآدَمِيَّ لَمَّا خُلِقَ رُكِّبَ فِيهِ الهَوَى والشَّهْوَةُ ليَجْتَلِبَ بذَلِكَ مَا يَنْفَعُهُ، ووُضِعَ فِيهِ الغَضَبُ ليَدْفَعَ بِهِ مَا يُؤْذِيهِ، وأُعْطِيَ العَقْلُ كَالمُؤَدِّبِ؛ يَأمُرُهُ بالعَدْلِ فِيمَا يَجْتَلِبُ ويَجْتَنِبُ، وخُلِقَ الشَّيْطَانُ مُحَرِّضًا لَهُ عَلَى الإسْرَافِ في اجْتِلاَبِهِ واجْتِنَابِهِ، فَالوَاجِبُ عَلَى العَاقِلِ أنْ يَأخُذَ حِذْرَهُ مِنْ هذا العَدُوِّ الَّذِِي قَدْ أبَانَ عَدَاوَتَهُ مِنْ زَمَنِ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وقَدْ بَذَلَ عُمْرَهُ ونَفْسَهُ في فَسَادِ أحْوَالِ بَنِي آدَمَ، وقَدْ أمَرَ اللهُ تَعَالَى بالحَذَرِ مِنْهُ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ 168 إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ 169)، وقَالَ تَعَالَى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِوقَالَ تَعَالَى (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًاوقَالَ تَعاَلى (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَوقَالَ تَعَالَى (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌوقَالَ تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِوقَالَ تَعَالَى (وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُوقَالَ تَعَالَى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)، وفي القُرْآنِ مِنْ هذا كَثِيرُ التَّحْذِيرِ مِنْ فِتَنِ إبْلِيسَ ومَكَايِدِهِ]، ونَحْنُ الآنَ بصَدَدِ مَكِيدَةٍ مِنْ هذه المَكَايِدِ.

    لَقَدْ بُحَّ صَوْتُ شُيُوخِ وعُلَمَاءِ الأُمَّةِ الإسْلاَمِيَّةِ؛ ومِنْ وَرَائِهِمْ طَلَبَةِ العِلْمِ وغَيْرِهِمْ مِمَّنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ بنِعْمَةِ الإتِّبَاعِ عَلَى بَصِيرَةٍ؛ لتَوْضِيحِ الفَرْقِ بَيْنَ النَّصَارَى والمَسِيحِيِّين، والنَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَةِ النَّصَارَى بـ (المَسِيحِيِّين)، وأثَرِ ذَلِكَ في عَقِيدَةِ المُسْلِمِ، ولَكِنْ أبَدًا مَا يَرْجِعُ المُكَابِرُونَ، ولا يَرْتَدِعُ المُقَلِّدُونَ، والنَّتِيجَةُ أنْ يَفْرَحَ المُتَرَبِّصُونَ، ويَأثَمَ المُتَعَالِمُونَ، ويَجُرُّ الخَطَأُ الوَاحِدُ إلى أخْطَاءٍ أُخْرَى، فَنَرَى مِنَ المُسْلِمِينَ مَنْ يَرْفَعُ الصَّلِيبَ شِعَارًا، وكَأنَّهُ مَا عَرَفَ ولا قَرَأَ يَوْمًا في قُرْآنِنَا أنَّ اللهَ كَفَّرَهُمْ بسَبَبِ تَثْلِيثِهِمْ هَذا، وليَصْدُقْ قَوْلُ اللهِ فِيهِ وفي أمْثَالِهِ مِنَ المُعَانِدِينَ في الحَقِّ المُكَابِرِينَ في العِلْمِ [ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ]، وحَسْبُنَا الله ونِعْمَ الوَكِيلُ.

    إنَّ الفَرْقَ بَيْنَ النَّصَارَى والمَسِيحِيِّينَ هَامٌّ جِدًّا، مِنْ نَاحيَةٍ لأنَّهُ مُرْتَبِطٌ بصِحَّةِ عَقِيدَةِ المُسْلِمِ في البَرَاءِ مِنَ الكُفَّارِ وعَدَمِ مُوَالاَتِهِمْ، ومِنْ نَاحِيَةٍ لأنَّهُ يُحَقِّقُ للكُفَّارِ مَكَاسِبَ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يُحَقِّقُوهَا بأنْفُسِهِمْ، ومِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى لأنَّ هُنَاكَ مَنْ يَتَصَدَّرُونَ الصُّحُفَ والقَنَوَاتِ والمُؤْتَمَرَاتِ وكُلَّ وَسَائِلِ الإعْلاَمِ؛ بَلْ ومِنْهُمْ مَنْ يَتَقَلَّدُونَ المَنَاصِبَ في وِلاَيَةِ أُمُورِ المُسْلِمِينَ ولا يَعْرِفُونَ الفَرْقَ بَيْنَ الكَلِمَتَيْن، أو رُبَّمَا يَعْرِفُونَ الفَرْقَ ويُصِرُّونَ عَلَى تَجَاهُلِهِ إمَّا لمُوَالاَةِ الكُفَّارِ ليَضْمَنُوا لَهُمْ بَقَاءَهُمْ في مَنَاصِبِهِمْ أو اسْتِعْلاَءً واسْتِكْبَارًا وإتِّبَاعًا لفِكْرٍ فَاسِدٍ ومَا أكْثَرُهُ؛ بحُجَجٍ وَاهِيَةٍ وبزَعْمِ الخَيْرِ، قَالَ الإمَامُ ابْنُ الجَوْزِيِّ في كِتَابِهِ تَلْبِيسُ إبْلِيسَ [ أخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ أبِي القَاسِمِ؛ نَا أحْمَدُ بْنُ أحْمَدَ؛ نَا أبُو نُعَيْمَ الحَافِظِ؛ نَا أبُو مُحَمَّدٍ بْنِ حَيَّانَ؛ ثَنَا أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ يَعْقُوبَ؛ ثَنَا مُحَمَّدٌ بْنُ يُوسُفَ الجَوْهَرِيِّ؛ ثَنَا أبُو غَسَّانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ صَالِحٍ رَحِمَهُ الله يَقُولُ (إنَّ الشَّيْطَانَ ليَفْتَحُ للعَبْدِ تِسْعَةَ وتِسْعِينَ بَابًا مِنَ الخَيْرِ؛ يُرِيدُ بِهِ بَابًا مِنَ الشَّرِّ ]، ويَنْتُجُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ نَشْرُ الضَّلاَلِ في المُجْتَمَعِ المُسْلِمِ بمُخْتَلَفِ طَبَقَاتِهِ بأمْرِ وسُلْطَةِ وَلِيِّ الأمْرِ الجَاهِلِ المُكَابِرِ، الأمْرُ الَّذِي يَعْمَلُ عَلَى هَدْمِ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ واسْتِبْدَالِهَا بأُخْرَى بَاطِلَةٍ مِنْ صُنْعِ الأهْوَاءِ والجَهْلِ والجَهَالَةِ والفِكْرِ الفَاسِدِ مُدَّعِيِّ العِلْمِ، فَيَضِيعُ بُسَطَاءُ النَّاسِ وعَامَّتُهُمْ الَّذِينَ لا عِلْمَ لَهُمْ، ويُشَكَّكُ طَالِبُ العِلْمِ فِيمَا تَعَلَّمَهُ، ويُحَارَبُ العَالِمُ في عِلْمِهِ، ويُفْتَحُ البَابُ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ أمَامَ الفِرَقِ الضَّالَّةِ وأعْدَاءِ الدِّينِ لبَثِّ شُرُورِهِمْ وضَلاَلاَتِهِمْ، فَتَضِيعُ الأُمَّةُ بأسْرِهَا، وإنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ ذَلِكَ مُحَارَبَةٌ للهِ ولرَسُولِهِ ولدِينِهِ فَمَاذَا يَكُونُ؟! لِذَا كَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ والوَاجِبِ والمَفْرُوضِ تِكْرَارُ كَلاَمِ العُلَمَاءِ ونَقْلُ أقْوَالِهِمْ في هذه المَسْألَةِ، وتَأصِيلُهَا بَيْنَ الحِينِ والآخَرِ لصَدِّ هَذا النَّوْعِ مِنَ الحَرْبِ العَقَائِدِيَّةِ الخَفِيَّةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا أكْثَرُ النَّاسِ بتَفْرِيطِهِمْ في طَلَبِ العِلْمِ والعَمَلِ بِهِ، وبتَسَاهُلِهِمْ في تَصْدِيقِ الكَاذِبِ وتَكْذِيبِ الصَّادِقِ وسُؤَالِ غَيْرِ ذِي الصِّفَةِ وإتِّبَاعِهِ، وكَأنَّهُمْ مَا سَمِعُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خُدَّاعَاتٌ؛ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ, وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ, وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَةِ]، واللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُونَ.
    هَلْ هُنَاكَ فَرْقٌ لُغَوِيٌّ أو فِقْهِيٌّ بَيْنَ كَلِمَةِ (مَسِيحِيٍّ - نَصْرَانِيٍّ – قِبْطِيٍّ) أمْ أنَّ كُلَّهَا مُصْطَلَحَاتٌ دَالَّةٌ عَلَى نَفْسِ المَعْنَى وبالتَّالِي يُمْكِنُ أنْ تَحِلَّ مَحَلَّ بَعْضِهَا البَعْضِ:
    يَقُولُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ فَرَجِ الأصْفَر مُجِيبًا عَلَى هَذا السُّؤَالِ:
    لَقَدِ اخْتَلَطَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَهْمُ بَعْضِ المُصْطَلَحَاتِ أو الخَلْطُ بَيْنَهُمْ؛ سَوَاءٌ كَانَ هَذا الخَلْطُ لُغَوِيًّا أو اصْطِلاَحِيًّا أو فِقْهِيًّا؛ ومِنْ بَابِ تَصْحِيحِ المَفَاهِيمِ لبَعْضِ الألْفَاظِ والمُصْطَلَحَاتِ أعْرِضُ هُنَا مُصْطَلَحَيْنِ اثْنَيْنِ:
    1- مَا هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ كَلِمَةِ مَسِيحِيٍّ ونَصْرَانِيٍّ.
    2- مَا هُوَ المَعْنَى الحَقِيقِيِّ لكَلِمَةِ قِبْطِيٍّ.

    أوَّلاً: الفَرْقُ بَيْنَ كَلِمَةِ مَسِيحِيٍّ ونَصْرَانِيٍّ:
    المَسِيحِيُّ: هُوَ مَنْ كَانَ عَلَى المَسِيحِيَّةِ الصَّحِيحَةِ؛ شَرِيعَةُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الَّذِي أُرْسِلَ بِهَا؛ والَّتِي مِنْهَا أنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَبِيٌّ ورَسُولٌ؛ والاعْتِقَادُ بوَحْدَانِيَّةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى؛ ومَنْ مَاتَ عَلَى هَذا الاعْتِقَادِ فَهُوَ مُسْلِمٌ مُوَحِّدٌ بشَرْطِ قَبْلَ ظُهُورِ الإسْلاَمِ؛ ولَكِنْ هذه العَقِيدَةُ انْدَثَرَتْ وحُرِّفَتْ ونُسِخَتْ بظُهُورِ الإسْلاَمِ، قَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ الحَوَارِيِّينَ في (سُورَةِ المَائِدَة: 111) [ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ].

    النَّصْرَانِيُّ: قِيلَ بأنَّهُ نِسْبَةٌ إلى قَرْيَةِ النَّاصِرَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وقِيلَ مَأخُوذَةٌ لأنَّ المَسِيحَ قَالَ لليَهُودِ: مَنْ أنْصَارِي إلى اللهِ؟ قَالَ الحَوَارِيُّونَ: نَحْنُ أنْصَارُ اللهِ، فَسُمُّوا بالنَّصَارَى (تَعْلِيقٌ بَسِيطٌ عَلَى كَلاَمِ الشَّيْخِ: كَلِمَةُ أنْصَارِ النِّسْبَةُ إلَيْهَا تَكُونُ أنْصَارِيًّا ولَيْسَ نَصْرَانِيٌّ، وأنْصَارُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ هُمُ الحَوَارِيُّونَ المُسْلِمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ، قَالَ تَعَالَى (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، أمَّا النَّصَارَى فَهُمُ الَّذِينَ حَرَّفُوا دِيَانَتَهُ وكَفَرُوا بِمَا جَاءَ فِيهَا واتَّخَذُوهُ إلَهًا وابْنَ إلَهٍ، قَالَ تَعَالَى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)، وعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَصِحُّ تَفْسِيرُ كَلِمَةِ النَّصَارَى بأنَّهُمْ أنْصَارُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ لاخْتِلاَفِ المَعْنَى لُغَةً وشَرْعًا)، وفي المُجْمَلِ فَإنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَرِيءٌ مِنَ النَّصَارَى والمَسِيحِيِّينَ الَّذِينَ حَرَّفُوا الإنْجِيلَ والَّذِينَ عَرَفُوا الإسْلاَمَ ولَمْ يَتَّبِعُوهُ، قَالَ تَعَالَى [ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ 116 مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 117 إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 118 قَالَ ٱللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 119 للَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 120 ] (المَائِدَة: 116 – 120)، بَلْ إنَّهَا تَسْمِيَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى لَهُمْ؛ قَالَ تَعَالَى [ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 111 بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 112 وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ 113 ] (البَقَرَةُ: 111 – 113).

    وعَلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ في الوَقْتِ الحَاضِرِ إطْلاَقُ كَلِمَةِ مَسِيحِيٍّ عَلَى أحَدٍ مِنَ النَّصَارَى لأنَّ هذا يُخَالِفُ تَسْمِيَةَ اللهِ لَهُمْ؛ ولَعَلَّ في هَذا يَكُونُ إثْمًا، وكَلِمَةُ مَسِيحِيٍّ فِيهَا إلْحَاقٌ وتَبَاعِيَةٌ للمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؛ وهَذا في حَدِّ ذَاتِهِ تَشْرِيفٌ هُمْ لا يَسْتَحِقُّونَهُ وهُوَ مِنْهُم بَرِيءٌ لِمَا اعْتَقَدُوهُ فِيهِ مِنْ أنَّهُ إلَهٌ أو ابْنُ إلَهٍ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ المَسِيحِيَّةَ الصَّحِيحَةَ.

    ثَانِيًا: المَعْنَى الحَقِيقِيُّ لكَلِمَةِ قِبْطِيٍّ:
    لُغَةً: قَالَ الفَرَاهِيدِي في العَيْنِ [ القِبْطُ: أهْلُ مِصْرَ وبُنْكُهَا؛ أَي: أَصْلُهَا وخَالِصُهَا، والنِّسْبَةُ إلَيْهِمْ: قِبْطيٌّ، وقِبْطيَّةٌ ]، وقَالَ ابْنُ فَارِسٍ في مُعْجَمِ مَقَايِيسِ اللُّغَةِ [ القِبْطُ: أهْلُ مِصْرَ، والنِّسْبَةُ إلَيْهِمْ: قِبْطِيٌّ ]، وقَالَ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ في المُحِيطِ في اللُّغةِ [ القِبْطُ: هُمْ بُنْكُ مِصْرَ، والنِّسْبَةُ إلَيْهِمْ قِبْطِيٌّ ]، وقَالَ ابْنُ دُرَيْدَ في جَمْهَرَةِ اللُّغَةِ [ والقِبْطُ: جِيلٌ مِنَ النَّاسِ مَعْرُوفٌ ]، وقَالَ الجَوْهَرِيُّ في الصِّحَاحِ [ القِبْطُ: أهْلُ مِصْرَ ]، وقَالَ الأَزْهَرِيُّ في تَهْذِيبِ اللُّغَةِ [ قَالَ اللَّيْثُ: القِبْطُ هُمْ أهْلُ مِصْرَ وبُنْكُهَا، والنِّسْبَةُ إلَيْهِمْ: قِبْطِيٌّ ]، وفي لِسَانِ العَرَبِ لابْنِ مَنْظُورٍ [ والقِبْطُ: جِيلٌ بمِصْرَ، وقِيلَ: هُمْ أَهْلُ مِصْرَ وبُنْكُهَا، ورَجُلٌ قِبْطِيٌّ ].

    هَذا هُوَ مَعْنَى القِبْطُ، أمَّا نَسَبُهُمْ، فَكَمَا قَالَ الزُّبَِيْدِيُّ في تَاجِ العَرُوسِ [ واخْتُلِفَ في نَسَبِ القِبْطِ، فقِيلَ: هُوَ القِبْطُ بْنُ حَام بْنُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وذَكَرَ صَاحِبُ (الشَّجَرَةِ) أنَّ مِصْرَايِمَ بْنَ حَام أَعْقَبَ مِنْ لوذيم، وأَنَّ لوذيم أَعْقَبَ قِبْطَ مِصْرَ بالصَّعِيدِ، وذَكَرَ أَبُو هَاشِم - أَحْمَدُ بنُ جَعْفَرَ العَبَّاسِيِّ الصَّالِحِيِّ النَّسَّابَةِ – قِبْطَ مِصْرَ في كِتابِهِ فقالَ: هُمْ وَلَدُ قِبْطِ بْنِ مِصْرَ بْنِ قُوطِ بْنِ حَام، كَذَا حَقَّقَهُ ابْنُ الجَوَّانِيِّ النَّسَّابَةُ في (المُقَدِّمَةِ الفَاضِلِيَّةِ)، وإِلَيْهِمْ تُنْسَبُ الثِّيَابُ القُبْطِيَّةُ بالضَّمِّ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ].

    إنَّ كَلِمَةَ (قِبْطِيٍّ) مُشْتَقَّةٌ مُبَاشَرَةً مِنَ الكَلِمَةِ العَرَبِيَّةِ (قِبْط)، وهذه بدَوْرِهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الكَلِمَةِ اليُونَانِيَّةِ (إجِيبْتُوس)، بمَعْنَى مِصْرِيٌّ، وكَانَ الإغْرِيقُ يُحَاوِلُونَ نُطْقَ الكَلِمَةِ المِصْرِيَّةِ القَدِيمَةِ (حكابتاح)، وهي تُمَثِّلُ أحَدَ أسْمَاءِ العَاصِمَةِ القَدِيمَةِ (مَنْف) والَّذِي كَانَ جَارِيَ الاسْتِعْمَالِ عِنْدَمَا بَدَأَ الإغْرِيقُ في الاسْتِقْرَارِ في مِصْرَ في القَرْنِ السَّابِعِ قَبْلَ المِيلاَدِ (ومَعْنَى حكابتاح أيْ أرْضُ الإلَهِ بتاح، ويُعْتَقَدُ أنَّهَا حُرِّفَتْ إلى حاكبت ثُمَّ إيجبت ثُمَّ قِبْط)، وهَاتَانِ الكَلِمَتَانِ (قِبْطِيٌّ ومِصْرِيٌّ) لَهُمَا نَفْسُ المَعْنَى ومُشْتَقَّتَانِ مِنْ نَفْسِ المَصْدَرِ، ويَتَدَاخَلُ المُصْطَلَحَانِ، ومَعَ ذَلِكَ لا يُوجَد تَبَايُنٌ في اسْتِعْمَالِهِمَا.

    وكَلِمَةُ قِبْطِيٍّ شَاعَتْ عِنْدَمَا كَانَتْ مِصْرُ تَحْتَ الحُكْمِ البِيزَنْطِيِّ، وهذه الكَلِمَةُ يُقْصَدُ بِهَا سُكَّانُ مِصْرَ مِنْ أهْلِهَا الأصْلِيِّينَ، مَهْمَا اخْتَلَفَتْ دِيَانَتُهُم، ومَا يَسْعَى إلَيْهِ البَعْضُ مِنْ تَخْصِيصِ هذا الإطْلاَقِ عَلَى نَصَارَى مِصْرَ يُخَالِفُ الحَقِيقةَ التَّارِيخِيَّةَ المُثْبَتَةَ لِمَا ذَكَرْنَا؛ وإنَّمَا كَانَ هَدَفُهُمْ مِنْ ذَلِكَ إثْبَاتُ أنَّ المُسْلِمِينَ غُزَاةٌ مُحْتَلُّونَ، اغْتَصَبُوا مِصْرَ مِنَ النَّصَارَى.

    وحَقِيقَةُ القَوْلِ: أنَّهُ عِنْدَمَا فَتَحَ المُسْلِمُونَ العَرَبُ مِصْرَ؛ كَانَ مُعْظَمُ المِصْرِيِّينَ نَصَارَى؛ نَتِيجَةً لأنَّهَا كَانَتِ الدِّيَانَةَ الرَّئِيسَةَ في مِصْر قَبْلَ دُخُولِ الإسْلاَمِ فِيهَا؛ وكَنَتِيجَةٍ للاحْتِلاَلِ الرُّومَانِيِّ الَّذِي كَانَ يُجْبِرُ شَعْبَ مِصْرَ عَلَى اعْتِنَاقِ النَّصْرَانِيَّةِ؛ حَيْثُ كَانُوا يَرْسُفُونَ في أغْلاَلِ الاحْتِلاَلِ الرُّومَانِيِّ وضَرَائِبِهِ وقَسْوَتِهِ، وعَلَيْهِ يَظْهَرُ لَنَا بأنَّ جَمِيعَ الأقْبَاطِ مِصْرِيُّونَ، بمَعْنَى: أيُّ مِصْرِيٍّ فَهُوَ قِبْطِيٌّ بحُكْمِ المَوْلِدِ في المَكَانِ؛ ولا يُشْتَرَطُ أنْ يَكُونَ هذا المِصْرِيُّ القِبْطِيُّ مُتَّبِعًا عَقِيدَةٍ بعَيْنِهَا؛ وقَدْ سَمَّى المُسْلِمُونَ فَاتِحُو مِصْرَ الَّذِينَ قَدِمُوا مِنْ شِبْهِ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ عَامَ 641 م؛ السُّكَّانَ المَحَلِّيِّينَ باسْمِهِمُ اليُونَانِيِّ (إيجبتيوس)، وحَيْثُ أنَّ جَمِيعَ سُكَّانِ القُطْرِ كَانُوا نَصَارَى فَقَدِ اسْتَعْمَلَ المُسْلِمُونَ العَرَبُ كَلِمَةَ (قِبْطٍ) للإشَارَةِ إلى كُلِّ المِصْرِيِّينَ، قَالَ تَعَالَى [ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ] (القَصَصُ: 20)، قَالَ القُرْطُبِيُّ [ إِنَّ الْمَلَأَ يَأَتمِرُونَ بِكَ: أَيْ يَتَشَاوَرُونَ فِي قَتْلِكَ بِالْقِبْطِيِّ الَّذِي قَتَلْتَهُ بِالأَمْسِ ].

    هذا هُوَ مَعْنَى كَلِمَةِ قِبْطِيٍّ في الأصْلِ، وهذا هُوَ نَسَبُهُمْ، وإنَّمَا ذَكَرْنَاهُ لِتَبْيِينِ حَقِيقَةٍ تَارِيخِيَّةٍ يُرِيدُ البَعْضُ أنْ يَطْمِسَهَا، أو يُشَوِّهَهَا، أو يُغَالِطَ فِيهَا؛ لِيَتَوَصَّلَ بذَلِكَ إلى إثْبَاتِ أنَّ هُوِيَّةَ مِصْرَ نَصْرَانِيَّةٌ في عَقِيدَتِهَا وشَرِيعَتِهَا، مَعَ أنَّ الأدِلَّةَ تُنَادِي بِخِلاَفِ ذَلِكَ.

    ومَعَ هَذا فَقَدْ دَرَجَ عُرْفُ النَّاسِ في العُصُورِ المُتَأخِّرَةِ عَلَى تَخْصِيصِ نَصَارَى مِصْرَ بهذه اللَّفْظَةِ، بحَيْثُ إذا قِيلَ: القِبْطِيُّ؛ فَهِمَ السَّامِعُ أنَّ المُتَكَلِّمَ يَقْصُدُ بِهَا النَّصْرَانِيَّ مِنْ أهْلِ مِصْرَ، واشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى أصْبَحَ التَّفْرِيقُ فِيهَا بَيْنَ الصَّوَابِ والخَطَأ عَزِيزًا، لا يَعْلَمُهُ إلاَّ طَائِفَةٌ مَحْدُودَةٌ مِنَ النَّاسِ، وقَدْ دَرَجَ عَلَى هَذا النَّقْلِ العُرْفِيِّ لمَعْنَى الكَلِمَةِ الفَيُّومِيُّ؛ حَيْثُ قَالَ في المِصْبَاحِ المُنِيرِ [ القِبْطُ - بالكَسْرِ -: نَصَارَى مِصْر، الوَاحِدُ: قِبْطِيٌّ ]، لَكِنْ وَاضِعِي المُعْجَمِ الوَسِيطِ أرَادُوا أنْ يَزْدَادَ الأمْرُ وُضُوحًا، فَجَمَعُوا بَيْنَ المَعْنَيَيْنِ: اللُّغَوِيِّ والعُرْفِيِّ؛ لِيَتَنَبَّهَ النَّاسُ للحَقِيقَةِ الثَّابِتَةِ، مَعَ إحَاطَتِهِمْ بالمَعْنَى العُرْفِيِّ المَشْهُورِ، جَاءَ في المُعْجَمِ الوَسِيطِ [ القِبْطُ: كَلِمَةٌ يُونَانِيَّةُ الأصْلِ، بمَعْنَى سُكَّانُ مِصْرَ، ويُقْصَدُ بِهِمُ اليَوْمَ المَسِيحِيُّونَ مِنَ المِصْرِيِّينَ، جَمْعُهَا: أقْبَاطٌ ].

    سُؤَالٌ: مَا حُكْمُ تَخْصِيصِ النَّصَارَى مِنْ أهْلِ مِصْرَ بهذا الاسْمِ؟ ومَا حُكْمُ إِطْلاَقِ هذا الاسْمِ عَلَى أهْلِ مِصرَ جَمِيعًا؟
    والجَوَابُ:
    أنَّ هذه الكَلِمَةَ (القِبْطِيَّ) صَارَتْ كَلِمَةً مُشْتَرَكَةً، تُطْلَقُ عَلَى صِنْفَيْنِ مِنْ بَنِي آدَمَ: المِصْرِيِّينَ جَمِيعًا، ونَصَارَى مِصْرَ خَاصَّةً، وذَلِكَ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ المُثَقَّفِينَ والمُتَعَلِّمِينَ، وصَارَتْ ذَاتَ مَعْنًى وَاحِدٍ عِنْدَ عَوَامِّ النَّاسِ ودَهْمَائِهِمْ، فَلاَ يُفْهَمُ مِنْهَا لَدَى العَوَامِّ سِوَى نَصَارَى مِصْرَ.

    ولَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مُشتَرَكًا عِنْدَ البَعْضِ، ومُوهِمًا عِنْدَ البَعْضِ الآخَرِ، كَانَ الرَّاجِحُ مِنْ جِهَةِ النَّصِ والعَقْلِ: أنَّ المُسْلِمَ المِصْرِيَّ لا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَقُولَ عَنْ نَفْسِهِ إنَّهُ قِبْطِيٌّ ويَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ؛ إلاَّ إذا كَانَ السَّامِعُ يَفْهَمُ مَا يَقْصُدُ مِنْ قَوْلِهِ، وهُوَ أنَّهُ مُسْلِمٌ يَنْتَمِي إلى أُصُولٍ مِصْرِيَّةٍ، أو يُتْبِعُ ذَلِكَ بقَوْلِهِ: مُسْلِمٌ، فَيَقُولُ: قِبْطِيٌّ مُسْلِمٌ؛ وذَلِكَ لِغَلَبَةِ العُرْفِ في اسْتِعْمَالِ هذه الكَلِمَةِ عِنْدَ العَوَامِّ بِخُصُوصِ النَّصْرَانِيِّ المِصْرِيِّ، والحَقِيقَةُ العُرْفِيَّةُ إذا غَلَبَتْ في الاسْتِعْمَالِ قُدِّمَتْ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الحَقَائِقِ الأُخْرَى، وقَدْ نَهَى اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ عَنْ مُشَابَهَةِ الكَافِرِينَ في النُّطْقِ بِبَعْضِ الكَلِمَاتِ المُشْتَرَكَةِ في المَعْنَى، المُتَّحِدَةِ في اللَّفْظِ؛ وذَلِكَ فِرَارًا مِنْ هَذا المَعْنَى المُوهِمِ، وهَذا مِنْ كَمَالِ الوَلاَءِ والبَرَاءِ، ومَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ؛ لأنَّ اللَّفْظَةَ الَّتِي نَتَكَلَّمُ عَنْهَا صَارَتْ عِنْدَ جُمْهُورِ النَّاسِ مِنَ الألْفَاظِ الخَاصَّةِ بِغَيْرِ المُسْلِمِينَ، ولَيْسَتْ مُشْتَرَكَةً فَحَسْبُ كَمَا يَفْهَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ المُثَقَّفِينَ والمُتَعَلِّمِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ] (البَقَرَةُ: 104)، قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِير [ نَهَى اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ أنْ يَتَشَبَّهُوا بالكَافِرِينَ في مَقَالِهِمْ وفِعَالِهِمْ؛ وذَلِكَ أنَّ اليَهُودَ كَانُوا يُعَانُونَ مِنَ الكَلاَمِ مَا فِيهِ تَوْرِيَةٌ؛ لِمَا يَقْصُدُونَهُ مِنَ التَّنْقِيصِ - عَلَيْهم لَعَائِنُ اللهِ - فَإذَا أرَادُوا أنْ يَقُولُوا (اسْمَعْ لَنَا) قَالُوا (رَاعِنَا)، ويُوَرُّونَ بالرُّعُونَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النِّسَاء: 46) ]، وقَالَ شَيْخُ الإسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عِنْ هذه الآيَةِ مَا مُخْتَصَرُهُ [ قَالَ قَتَادَةُ وغَيْرُهُ (كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُهُ اسْتِهْزَاءً، فَكَرِهَ اللهُ للمُؤْمِنِينَ أنْ يَقُولُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ)، وقَالَ أيْضًا (كَانَتِ اليَهُودُ تَقُولُ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: رَاعِنَا سَمْعَكَ، يَسْتَهْزِئُونَ بذَلِكَ، وكَانَتْ في اليَهُودِ قَبِيحَةً)، فَهَذَا يُبَيِّنُ أنَّ هذه الكَلِمَةَ نُهِيَ المُسْلِمُونَ عَنْ قَوْلِهَا؛ لأنَّ اليَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَهَا، وإنْ كَانَتْ مِنَ اليَهُودِ قَبِيحَةً ].

    الخُلاَصَةُ:
    بَعْدَ هَذا المَبْحَثِ يَتَبَيَّنُ لَنَا بأنَّهُ لا يَجُوزُ تَسْمِيَةَ النَّصَارَى بأنَّهُم مَسِيحِيُّونَ؛ وبأنَّ كَلِمَةَ قِبْطِيٍّ تَعْنِي مِصْرِيًّا ولَيْسَ مَسِيحِيٌّ أو نَصْرَانِيٌّ؛ وبذَلِكَ نَرُدُّ كَيْدَ الكَائِدِينَ في نُحُورِهِمْ ونُبَيِّنُ كَذِبَ الكَاذِبِينَ وافْتِرَاءَ المُفْتَرِينَ بأنَّ مِصْرَ دَوْلَةٌ للأقْبَاطِ؛ وأنَّ النَّصَارَى هُمُ الأقْبَاطُ، وأنَّ المُسْلِمِينَ ضُيُوفٌ فِيهَا ولَيْسَ مِنْ أهْلِهَا.
    والحَمْدُ للهِ عَلَى إظْهَارِ الحَقِّ ورَدِّ البَاطِلِ إلى أهْلِهِ. انْتَهَى
    لا يُوجَدُ نَصٌّ صَحِيحٌ مِنْ كِتَابٍ أو سُنَّةٍ يُثْبِتُ تَسْمِيَتَهُمْ مَسِيحِيِّينَ، والعَكْسُ هُوَ الصَّحِيحُ:
    يَقُولُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السَّحيم حَوْلَ كَلِمَةِ (مَسِيحِيٍّ – مَسِيحِيّةٍ - إخْوَانِنَا المَسِيحِيِّينَ):
    وهذه الأُخْرَى مِمَّا يَكْثُرُ تِرْدَادُهَا عَلَى ألْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ الصُّحُفِيِّينَ والإعْلاَمِيِّينَ عُمُومًا، بَلْ عَلَى ألْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إذا تَحَدَّثُوا عَنِ النَّصَارَى، بَلْ إنَّنِي سَمِعْتُ أحَدَهُمْ وهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنِ النَّصَارَى فَقَالَ (إخْوَانُنَا النَّصَارَى).

    والنَّصَارَى قَدْ سَمَّاهُمُ اللهُ كَذَلِكَ، أعْنِي سَمَّاهُمْ (نَصَارَى)؛ كَمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى [ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى] الآيَةُ، وكَمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى [ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى ] الآيَةُ، وكَمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء ] الآيَةُ، والآيَاتُ في هَذا كَثِيرَةٌ، وكَذَلِكَ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (نَصَارَى)، كَمَا في قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ؛ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؛ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ؛ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ؛ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ] رَوَاهُ مُسْلِمُ، وكَمَا في قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ لا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلا النَّصَارَى بِالسَّلامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ ] رَوَاهُ مُسْلِمُ أيْضًا، وقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ] رَوَاهُ البُخَارِيُّ، والأحَادِيثُ في هَذا كَثِيرَةٌ.

    ولَمْ يُسَمِّهِمُ اللهُ ولا رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلاَّ بهذه التَّسْمِيَةِ، أو بأهْلِ الكِتَابِ، أو الرُّومِ، لَكِنْ لَمْ يَرِدْ في الكِتَابِ ولا في السُّنَّةِ تَسْمِيَتُهُمْ بـ (المَسِيحِيِّينَ)، لأنَّ المَسِيحِيِّينَ عَلَى الحَقِيقَةِ هُمْ أتْبَاعُ المَسِيحِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وهُمُ الَّذِينَ شَهِدُوا أنَّ المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ، وهُمُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أنَّهُ مَا صُلِبَ ولا قُتِلَ بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إلَيْهِ، وهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا ببِشَارَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ [ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ]، أمَّا مَنْ يَعْتَقِدُونَ أنَّهُ إلَهٌ أو ابْنُ اللهِ فَأيْنَ هُمْ ودِينُ المَسِيحِ؟ بَلْ إنَّ المَسِيحَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بَرِيءٌ مِنْهُمْ، فَإنَّهُ يَنْزِلُ في آخِرِ الزَّمَان – كَمَا أخْبَرَ بذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ – فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ ويَقْتُلُ الخِنْزِيرَ ويَضَعُ الجِزْيَةَ كَمَا في الصَّحِيحَيْنِ، لأنَّ هذه الأشْيَاءَ مِمَّا أُلْصِقَتْ بشَرِيعَتِهِ وهُوَ بَرَاءٌ مِنْهَا، فَلاَ تَصِحُّ تَسْمِيَةُ النَّصَارَى بـ (المَسِيحِيِّينَ)، بَلْ يُسَمَّوْنَ كَمَا سَمَّاهُمُ اللهُ ورسَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (نَصَارَى). انْتَهَى

    ومِنْ مَجْمُوعَةِ رَسَائِلِ الشَّيْخِعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ آلِ مَحْمُودٍ رَئِيسُ المَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ والشُّؤُونِ الدِّينِيَّةِ بدَوْلَةِ قَطَر - سَابِقًا -؛ مِنَ المُجَلَّدِ الثَّالِثِ تَحْتَ عُنْوَانِ (هُمُ اليَهُودُ اسْمًا ورَسْمًا ولَيْسُوا بَنِي إسْرَائِيلَ، وتَسْمِيَةُ النَّصَارَى بالمَسِيحِيِّينَ بِدْعَةٌ مِنَ القَوْلِ) قَالَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ [ إنَّ تَسْمِيَةَ النَّصَارَى بالمَسِيحِيِّينَ هي نَظِيرُ تَسْمِيَةِ اليَهُودِ بإسْرَائِيلَ، فَهُمَا في البُطْلاَنِ سَوَاءٌ، فَإنَّ النَّصَارَى وإنْ تَشَدَّقُوا بأنَّهُمْ أتْبَاعُ المَسِيحِ؛ لَكِنَّهُمْ بالحَقِيقَةِ أعْدَاؤُهُ المُخَالِفِينَ لأمْرِهِ، فَلاَ يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُمْ عَلَى تَسْمِيَتِهِمُ الكَاذِبَةِ الخَاطِئَةِ الَّتِي لَمْ يَثْبُتْ لَهَا أصْلٌ في الكِتَابِ ولا في السُّنَّةِ ولا عَنِ الصَّحَابَةِ، ولَمْ يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ بهذه التَّسْمِيَةِ لَدَى كَافَّةِ المُؤَرِّخِينَ المُتَقَدِّمِينَ ]. انْتَهَى
    هَلْ يَجُوزُ لَنَا تَسْمِيَتُهُمْ بالمَسِيحِيِّينَ لانْتِسَابِهِمْ إلى المَسِيحِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وإتِّبَاعِهِمْ لدِيَانَتِهِ:
    مِنْ مَوْقِعِ: الإسْلاَمُ سُؤَالٌ وجَوَابٌ؛ بإشْرَافِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ صَالِحِ المُنَجِّدِ حَفِظَهُ اللهُ:
    السُّؤَالُ: هَلْ يُسَمَّى أتْبَاعُ الدِّيَانَةِ النَّصْرَانِيَّةِ (نَصَارَى) أو (مَسِيحِيِّينَ)؟
    الجَوَابُ:
    الحَمْدُ لله؛؛
    لا شَكَّ أنَّ الأفْضَلَ أنْ يُسَمَّوْنَ (نَصَارَى)، وبهذا الاسْمِ جَاءَ القُرْآنُ الكَرِيمُ، ولَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِمْ ولَوْ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أنَّهُمْ (مَسِيحِيُّونَ)، ولَفْظُ (مَسِيحِيٍّ) نِسْبَةً إلى المَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وهذه النِّسْبَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ في الوَاقِعِ، لأنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أتْبَاعَ المَسِيحِ حَقًّا لآمَنُوا أنَّهُ عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، ولآمَنُوا بالنَّبِيِّ الخَاتَمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَمَا بَشَّرَهُمْ بذَلِكَ المَسِيحُ نَفْسُهُ وأمَرَهُمْ بالإيِمَانِ بِهِ،قَالَ اللهُ تَعَالَى [ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ] (الصَّفّ/6)، فَتَبَيَّنَ بذَلِكَ أنَّهُم لَيْسُوا أتْبَاعًا للمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَقِيقَةً.

    فَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَاز رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ (شَاعَ مُنْذُ زَمَنٍ اسْتِخْدَامُ كَلِمَةِ مَسِيحِيٍّ، فَهَلِ الصَّحِيحُ أنْ يُقَالَ مَسِيحِيٌّ أو نَصْرَانِيٌّ؟)، فَأجَابَ [ مَعْنَى (مَسِيحِيٌّ) نِسْبَةً إلى المَسِيحِ بْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وهُمْ يَزْعُمُونَ أنَّهُمْ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ، وهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وقَدْ كَذَبُوا؛ فَإنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُمْ أنَّهُ ابْنُ اللهِ، ولَكِنْ قَالَ: عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، فَالأوْلَى أنْ يُقَالَ لَهُمْ (نَصَارَى) كَمَا سَمَّاهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، قَالَ تَعَالَى (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ) (البَقَرَة/113) ] فَتَاوَى الشَّيْخِ ابْنِ بَاز (5/387).

    وسُئِلَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ بْنُ صَالِحِ العُثَيْمِين رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ (يَرِدُ عَلَى ألْسِنَةِ بَعْضِ المُسْلِمِينَ كَلمَةُ مَسِيحِيَّةٍ، حَتَّى أنَّهُمْ لا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ كَلِمَتَيْ نَصْرَانِيٍّ ومَسِيحِيٍّ، حَتَّى في الإعْلاَمِ الآنَ يَقُولُونَ عَنِ النَّصَارَى: مَسِيحِيِّينَ، فَبَدَلَ أنْ يَقُولُوا: هَذا نَصْرَانِيٌّ، يَقُولُونَ: هذا مَسِيحِيٌّ، فَنَرْجُو التَّوْضِيحَ لكَلِمَةِ المَسِيحِيَّةِ هذه، وهَلْصَحِيحٌ أنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى مَا يَنْتَهِجُهُ النَّصَارَى اليَوْمَ؟) فَأجَابَ [ الَّذِي نَرَى أنْ نُسَمِّيَ النَّصَارَى بـ (النَّصَارَى)، كَمَا سَمَّاهُمُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، وكَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ في كُتُبِ العُلَمَاءِ السَّابِقِينَ، كَانُوا يُسَمُّونَهُمُ (اليَهُودُ والنَّصَارَى)؛ لَكِنْ لَمَّا قَوِيَتِ الأُمَّةُ النَّصْرَانِيَّةُ بتَخَاذُلِ المُسْلِمِينَ: سَمَّوْا أنْفُسَهُمْ بالمَسِيحِيِّينَ؛ ليُضْفُوا عَلَى دِيَانَتِهِمُ الصِّبْغَةَ الشَّرْعِيَّةَ، ولَوْ باللَّفْظِ، وإلاَّ فَأنَا عَلَى يَقِينٍ أنَّ المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وسَيَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ إذا سَألَهُ اللهُ (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) (المَائِدَة/116)، سَيَقُولُ (سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ 116 مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) (المَائِدَة/116 - 117) إلى آخِرِ الآيَةِ، سَيَقُولُ هَذا في جَانِبِ التَّوْحِيدِ، وإذا سُئِلَ عَنِ الرِّسَالَةِ فَسَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إنِّي قُلْتُ لَهُمْ (يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْبَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الصَّفّ/6)،فَهُوَ مُقَرِّرٌ للرِّسَالاَتِ قَبْلَهُ، وللرِّسَالَةِ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، فَأمَرَ أُمَّتَهُ بمَضْمُونِ شَهَادَةِ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؛ ولَكِنْ أُمَّتُهُ كَفََرَتْ ببِشَارَتِهِ، وكَفَرَتْ بِمَا أتَى بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ، فَقَالُوا (إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) (المَائِدَة/73)، وقَالُوا (الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) (التَّوْبَة/30)، وقَالُوا (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المَائِدَة/17)، نَسْألُ اللهَ العَافِيَةَ، الحَاصِلُ: أنِّي أقُولُ: إنَّ المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ، ومِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ اليَوْمَ، وعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يُلْزِمُهُمْ بمُقْتَضَى رِسَالَتِهِ مِنَ اللهِ أنْ يُؤْمِنُوا بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ؛ ليَكُونُوا عِبَادًا لله، قَالَ اللهُ تَعَالَى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عِمْرَان/64) ] لِقَاءَاتُ البَابِ المَفْتُوحِ (43/ السُّؤَالُ رقم 8). انْتَهَى

    وقَالَ فَضِيلَتُهُ في فَتَاوَاهُ (الفَتْوَى رَقْم 715):
    لا شَكَّ أنَّ انْتِسَابَ النَّصَارَى إلى المَسِيحِ بَعْدَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ انْتِسَابٌ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لآمَنُوا بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَإنَّ إيِمَانَهُمْ بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إيِمَانٌ بالمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ؛ لأنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ [ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ] (الصَّفّ: 6)، ولَمْ يُبَشِّرْهُمُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلاَّ مِنْ أجْلِ أنْ يَقْبَلُوا مَا جَاءَ بِهِ؛ لأنَّ البِشَارَةَ بِمَا لا يَنْفَعُ لَغْوٌ مِنَ القَوْلِ لا يُمْكِنُ أنْ تَأتِيَ مِنْ أدْنَى النَّاسِ عَقْلاً؛ فَضْلاً مِنْ أنْ تَكُونَ صَدَرَتْ مِنْ عِنْدِ أحَدِ الرُّسُلِ الكِرَامِ أُولِي العَزْمِ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وهَذا الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ بَنِي إسْرَائِيلَ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقَوْلُهُ [ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ] هَذا يَدُلُّ عَلَى أنَّ الرَّسُولَ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ قَدْ جَاءَ ولَكِنَّهُمْ كَفَرُوا بِهِ وقَالُوا: هذا سِحْرٌ مُبِينٌ.

    فإذا كَفَرُوا بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَإنَّ هذا كُفْرٌ بعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ الَّذِي بَشَّرَهُمْ بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ؛ وحِينَئِذٍ لا يَصِحُّ أنْ يَنْتَسِبُوا إلَيْهِ فَيَقُولُوا إنَّهُمْ مَسِيحِيُّونَ؛ إذْ لَوْ كَانُوا حَقِيقَةً لآمَنُوا بِمَا بَشَّرَ بِهِ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ؛ لأنَّ عِيسَى وغَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ قَدْ أخَذَ اللهُ عَلَيْهِمُ العَهْدَ والمِيثَاقَ أنْ يُؤْمِنُوا بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَمَا قَالَ تَعَالَى [ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ] (آل عِمرَان: 81)، والَّذِي جَاءَ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ؛ لقَوْلِهِ تَعَالَى [ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ] (المَائدة: 48).

    وخُلاَصَةُ القَوْلِ: أنَّ نِسْبَةَ النَّصَارَى إلى المَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمَ نِسْبَةٌ يُكَذِّبُهَا الوَاقِعُ؛ لأنَّهُمْ كَفَرُوا ببِشَارَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ؛ وهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وكُفْرُهُمْ بِهِ كُفْرٌ بالمَسِيحِ. انْتَهَى
    هَلْ أصْلُ تَسْمِيَتِهِمْ نَصَارَى تَشْفَعُ لتَسْمِيَتِهِمْ مَسِيحِيِّينَ؟ وهَلْ يُقَالُ لَهُمْ إخْوَةٌ؟
    جُزْءٌ مِنْ إجَابَةِ سُؤَالٍ مِنْ مَوْقِعِ: الإسْلاَمُ سُؤَالٌ وجَوَابٌ؛ بإشْرَافِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ صَالِحِ المُنَجِّدِ حَفِظَهُ اللهُ:
    السُّؤَالُ: هَلْ يَجُوزُ تَسْمِيَةُ مُنْتَدَى إسْلاَمِيٍّ باسْمِ (العَرَّابِ)؟ مَعَ العِلْمِ أنَّ (العَرَّابَ) هُوَ الأبُ الرُّوحِيُّ للإخْوَةِ المَسِيحِيِّينَ، أو الأشْبِينُ الَّذِي يَحْضُرُ مَرَاسِيمَ الزِّفَافِ كَذَلِكَ للإخْوَةِ المَسِيحِيِّينَ.
    الجَوَابُ:
    الحَمْدُ للهِ؛؛
    هُنَاكَ مُلاَحَظَتَانِ عَلَى مَا وَرَدَ في السُّؤَالِ، يَحْسُنُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِمَا أوَّلاً، ثُمَّ نُثَنِّي بالجَوَابِ عَلَى أصْلِ السُّؤَالِ:
    1)قَوْلُكَ (مَسِيحِيِّينَ): الأوْلَى الالْتِزَامُ بتَسْمِيَتِهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اللهُ ورَسُولُهُ بِهِ، فَنَقُولُ عَنْهُمْ (نَصَارَى)، وهُوَ اللَّقَبُ الَّذِي لا يَدُلُّ عَلَى تَزْكِيَةِ أُولَئِكَ الكُفَّارِ، أو نِسْبَتِهِمْ للمَسِيحِ الَّذِي كَفَرُوا بِهِ في وَاقِعِ أمْرِهِمْ، وادَّعَوْا أنَّهُ إلَهٌ، أو ابْنُ إلَهٍ!! وقَدْ سَمَّاهُمُ اللهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ الكَرِيمِ (أهْلُ الكِتَابِ)، و(النَّصَارَى) نِسْبَةً لقَرْيَةِ النَّاصِرَةِ في فِلَسْطِينَ، أو لأنَّهُمْ نَصَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ الإمَامُ الطَّبَرِيُّ [ سُمُّوا (نَصَارَى) لنُصْرَةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وتَنَاصُرُهُمْ بَيْنَهُمْ، وقَدْ قِيلَ: إنَّهُمْ سُمُّوا (نَصَارَى) مِنْ أجْلِ أنَّهُمْ نَزَلُوا أرْضًا يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةٌ ] تَفْسِيرُ الطَّبَرِيُّ (2/144)، وقَالَ شَيْخُ الإسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ [ وكَانَ المَسِيحُ مِنْ سَاعِيرَ أرْضِ الخَلِيلِ، بقَرْيَةٍ تُدْعَى نَاصِرَةً، وباسْمِهَا يُسَمَّى مَنِ اتَّبَعَهُ نَصَارَى ] الجَوَابُ الصَّحِيحُ لِمَنْ بَدَّلَ دِينَ المَسِيحِ(5/200).

    2)قَوْلُكَ عَنْهُمْ (إخْوَةٌ): فهَذا لا يَجُوزُ، قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَاز [ الكَافِرُ لَيْسَ أخًا للمُسْلِمِ، واللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحُجُرَات/10)، ويَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ)، فَلَيْسَ الكَافِرُ (يَهُودِيٌّ أو نَصْرَانِيٌّ أو وَثَنِيٌّ أو مَجُوسِيٌّ أو شُيُوعِيٌّ أو غَيْرُهُمْ) أخًا للمُسْلِمِ، ولا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ صَاحِبًا وصَدِيقًا ] فَتَاوَى الشَّيْخِ ابْنِ بَاز (6/392)، وسُئِلَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ بْنُِ صَالِحِ العُثَيْمِين عَنْ وَصْفِ الكَافِرِ بأنَّهُ (أخٌ) فَأجَابَ [ لاَ يَحِلُّ للمُسْلِمِ أنْ يَصِفَ الكَافِرَ - أيًّا كَانَ نَوْعُ كُفْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ نَصْرَانِيًّا، أمْ يَهُودِيًّا، أمْ مَجُوسِيًّا، أمْ مُلْحِدًا - لا يَجُوزُ لَهُ أنْ يَصِفَهُ بالأخِ أبَدًا، فَاحْذَرْ يَا أخِي مِثْلَ هَذا التَّعْبِيرِ؛ فَإنَّهُ لا أُخُوَّةَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وبَيْنَ الكُفَّارِ أبَدًا، الأُخُوَّةُ هِيَ الأُخُوَّةُ الإيِمَانِيَّةُ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ] مَجْمُوعُ فَتَاوَى الشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِين (3/43). انْتَهَى

    ومِنْ فَتَاوَى مَوْقِعِ صَوْتِ السَّلَفِ؛ بإشْرَافِ الشَّيْخِ يَاسِرَ بُرْهَامِي حَفِظَهُ اللهُ:
    السُّؤَالُ: أخٌ يَتَكَلَّمُ مَعَ النَّصَارَى عَلَى شَبَكَةِ الإنْتَرْنِتْ بقَوْلِهِ (الإخْوَةِ المَسِيحِيِّينَ)، ولَمَّا نَصَحْتُهُ أنَّهُ لا تُوجَدُ أُخُوَّةٌ بَيْنَنَا قَالَ لِي: إنَّهُ تُوجَدُ أُخُوَّةٌ في الدِّينِ والوَطَنِ والنَّسَبِ، واسْتَدَلَّ بقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا) (هُود:50)، (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا) (هُود:61).
    الجَوَابُ:
    الحَمْدُ للهِ، والصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أمَّا بَعْدُ؛
    فَلاَبُدَّ مِنَ الانْتِبَاهِ إلى أنَّ هذه الأُخُوَّةَ في الوَطَنِ والنَّسَبِ والإنْسَانِيَّةِ لا تَقْتَضِي مَوَدَّةً ولا مُوَالاَةً، فإذا كَانَ يُخَاطِبُهُمْ بذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ يُخْبِرُهُمْ بكُفْرِهِمْ؛ ويَدْعُوهُمْ إلى التَّوْحِيدِ والإيِمَانِ، وتَبَرَّأَ مِنْ شِرْكِهِمْ فَلاَ بَأسَ، أمَّا أنْ يُكَلِّمَهُمْ بالأُخُوَّةِ سَاكِتًا عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّعْوَةِ والبَيَانِ ليَفْهَمُوا مِنْ ذَلِكَ المَحَبَّةِ والمَوَدَّةِ؛ فَهُوَ مُبْطَلٌ.(تَعْلِيقٌ بَسِيطٌ عَلَى الكَلاَمِ الوَارِدِ في السُّؤَالِ: إنَّ كَلِمَةَ (أخٍ) هي مِنَ الكَلِمَاتِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا (المُشْتَرَكُ اللَّفْظِيُّ)، أي تَأتِي بمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ:
    θ فَكَلِمَةُ (أخٍ) تَعْنِي مَنْ جَمَعَكَ وإيَّاهُ صُلْبٌ أو بَطْنٌ أو كِلاَهُمَا مَعًا، وهُوَ الأخُ مِنَ النَّسَبِ البَعِيدِ لجَدٍّ أو الأخُ لأبٍ أو لأبَوَيْنِ.
    θ وتُطْلَقُ أيْضًا عَلَى شَرِيكِ الرَّضَاعَةِ، فَيُقَالُ عَنْهُ (أخُو الرَّضَاعَةِ)، وجَاءَ الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ في أُخُوَّةِ الرَّضَاعَةِ مُوَافِقًا للمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
    θ و(أخُو الشَّيْءِ) أيْ صَاحِبُهُ ومُلاَزِمُهُ، كَأنْ يُقَالَ (فُلاَنٌ أخُو كُرْبَةٍ) أيْ صَاحِبُ كُرْبَةٍ، ومِنْهَا جَاءَتْ (أُخُوَّةُ الإسْلاَمِ) كِنَايَةً عَنْ مُلْتَزِمِي الإسْلاَمِ ومُتَّبِعِيهِ، وهُوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)، وكَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهُوَ يَحْكِي عَنْ مُرُورِهِ عَلَى الأنْبِيَاءِ في السَّمَاوَاتِ مَعَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَقُولُ لَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ (مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ)، وقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (ولَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلاَمِ ومَوَدَّتُهُ).
    θ وتُطْلَقُ عَلَى الصَّدِيقِ والصَّاحِبِ.
    θ وتَأتِي لتَدُلَّ عَلَى الكَثْرَةِ، فَيُقَالُ (هُوَ أخُو أسْفَارٍ) أيْ كَثِيرُهَا.
    θ و(أخُو القَبِيلَةِ) أي أحَدُ رِجَالِهَا.
    θ وتَأتِي أيْضًا بالمَعْنَى المُضَادِّ، فَيُقَالُ (تَرَكْتُهُ بأَخِ الخَيْرِ) أيْ تَرَكْتُهُ بشَرٍّ.

    وعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يُمْكِنُ تَفْسِيرُ الكَلِمَةِ بمَعْنًى وَاحِدٍ فَقَطْ وحَصْرُهَا فِيهِ وهي تَشْمَلُ مَعَانٍ كَثِيرَةٍ، ويَجِبُ تَفْسِيرُهَا وِفْقَ السِّيَاقِ الَّتِي هِيَ فِيهِ، وسِيَاقُ الآيَاتِ الَّتِي اسْتَقْوَى بِهَا المُجَادِلُ عَلَى السَّائِلِ كَمَا وَرَدَ في السُّؤَالِ لا تُثْبِتُ صِحَّةَ اسْتِخْدَامِ لَفْظَةِ (الأُخُوَّةِ) مِنَ المُسْلِمِ للكَافِرِ، وذَلِكَ لعِدَّةِ أسْبَابٍ:
    الأوَّلُ: أنَّ الكَلاَمَ في الآيَاتِ مَنْسُوبٌ إلى الكُفَّارِ ولَيْسَ إلى الأنْبِيَاءِ، فَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ (إلى ... أخَاهُمْ)، فَالنَّبِيُّ بالنِّسْبَةِ للقَوْمِ مَازَالَ أخُوهُمْ وهُوَ يَدْعُوهُمْ في بِدَايَةِ دَعْوَتِهِ حَتَّى قَبْلَ أنْ يَنْبُذُوهُ هُمْ، ولَكِنَّهُمْ لَيْسُوا بأُخْوَةٍ لَهُ مُنْذُ أوَّلِ لَحْظَةٍ عُرِفَ فِيهَا أنَّهُ نَبِيٌّ وهُمْ كُفَّارٌ، الشَّاهِدُ أنَّ الكَلاَمَ الَّذِي يَحْكِيهِ رَبُّ العَالَمِينَ مَعْنَاهُ أنَّ النَّبِيَّ الَّذِي أرْسَلَهُ اللهُ إلى قَوْمِهِ كَانَ أخَاهُم يَوْمًا مَا، ولَكِنَّهُ لَمْ يَعُدْ بَعْدَ نُبُوَّتِهِ وكُفْرِهِمْ.

    الثَّانِي: الأمْثِلَةُ المَضْرُوبَةُ في الآيَاتِ يَخْلُصُ مَعْنَى الأُخُوَّةِ فِيهَا إلى أحَدِ المَعْنَيَيْنِ: إمَّا أُخُوَّةُ نَسَبٍ، وهذه وَاقِعَةٌ فِعْلاً مِنَ النَّسَبِ البَعِيدِ بَيْنَهُمْ مِنَ الأجْدَادِ، أو أُخُوَّةٌ بمَعْنَى أنَّهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يَعْرِفُونَهُ، وهذا هُوَ مَا يَحْدُثُ للأنْبِيَاءِ جَمِيعًا، وحَدَثَ لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، فَمِنْ حِكْمَةِ الشَّارِعِ أنْ يُرْسِلَ النَّبِيَّ أوِ الرَّسُولَ إلى قَوْمِهِ، ليَكُونَ أصْدَقَ لَهُمْ، ورَغْمَ ذَلِكَ يُكَذِّبُوهُ، فَمَا بَالُنَا لَوْ كَانَ النَّبِيُّ أوِ الرَّسُولُ يَنْتَسِبُ إلى قَوْمٍ آخَرِينَ لا يَعْرِفُونَهُمْ أصْلاً؟؟!! قَالَ الزَّجَّاجُ (قِيلَ في الأَنْبِيَاءِ: أخُوهُمْ وإِنْ كَانُوا كَفَرَةً، لأَنَّهُ إنَّمَا يَعْنِي أنَّهُ قَدْ أتَاهُمْ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ مِنْ وَلَدِ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وهُوَ أحَجُّ، وجَائِزٌ أنْ يَكُونَ أخَاهُمْ لأنَّهُ مِنْ قَوْمِهِمْ فَيَكُونُ أفْهَمَ لَهُمْ بأَنْ يَأخُذُوهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ).

    الثَّالِثُ: أنَّ مَعْنَى الأُخُوَّةِ في الآيَاتِ حَتَّى لَوْ أخَذْنَاهُ جَدَلاً كَمَا يُرِيدُ أهْلُ الأهْوَاءِ أنَّهُ أُخُوَّةٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وكَافِرٍ (وهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ في الحَقِيقَةِ)، فَهُوَ مَعْنى مَنْسُوخٌ بقَوْلِ اللهِ تَعَالَى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، وقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ بْنُ صَالِحِ العُثَيْمِين رَحِمَهُ اللهُ عَنْ حُكْمِ قَوْلِ (أخِي) لغَيْرِ المُسْلِمِ؟ فَأجَابَ: أمَّا قَوْلُ يَا أخِي لغَيْرِ المُسْلِمِ: فهذا حَرَامٌ، ولا يَجُوزُ، إلاَّ أنْ يَكُونَ أخًا لَهُ مِنَ النَّسَبِ أو الرَّضَاعِ؛ وذَلِكَ لأنَّهُ إذا انْتَفَتْ أُخُوَّةُ النَّسَبِ والرَّضَاعِ لَمْ يَبْقَ إلاَّ أُخُوَّةُ الدِّينِ، والكَافِرُ لَيْسَ أخًا للمُؤْمِنِ في دِينِهِ، وتَذَكَّرْ قَوْلَ نَبِيِّ اللهِ تَعَالَى نُوحٍ (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ).

    الرَّابِعُ: لا يُوجَدُ أيُّ نَصٍّ في الكِتَابِ أو السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ يُثْبِتُ أو يُشِيرُ مِنْ قَرِيبٍ أو مِنْ بَعِيدٍ أنَّ الكَافِرَ أخًا للمُسْلِمِ في شَيْءٍ، بَلِ الأدِلَّةُ كُلُّهَا تُثْبِتُ العَكْسَ، وأقَلُّ الأدِلَّةِ - مِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبِ – هُوَ قَوْلُ الفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، رَوَى الإمَامُ أحْمَدُ عَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ (قُلْتُ لعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لِي كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ، قَالَ: مَالَكَ قَاتَلَكَ اللهُ، أمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ) (المَائِدَةُ: 51)؟ ألاَ اتَّخَذْتَ حَنِيفًا؟! قُلْتُ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ؛ لِي كِتَابَتُهُ ولَهُ دِينُهُ، قَالَ: لا أُكْرِمُهُمْ إذْ أهَانَهُمُ اللهُ، ولا أُعِزُّهُمْ إذْ أذَلَّهُمُ اللهُ، ولا أُدْنِيهِمْ إذْ أقْصَاهُمُ اللهُ)، وقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سُنَّةٌ تُتَّبَعُ لقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (فَعَلَيْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفَاءِ المَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وعُضُّوا عَلَيْهَا بالنَّوَاجِذِ).

    الخَامِسُ: أنَّ اللهَ تَعَالَى وَصَّفَ الكُفَّارَ والمُشْرِكِينَ بأنَّهُمْ نَجَسٌ، قَالَ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا)، والآيَةُ تُثْبِتُ بَقَاءَ الصِّفَةِ مُلاَزِمَةً لَهُمْ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، ولَمْ تَرِدْ كَلِمَةُ الأُخُوَّةِ ومُشْتَقَّاتِهَا في القُرْآنِ أو السُّنَّةِ إلاَّ مُرْتَبِطَةً بمَعَانٍ طَيِّبَةٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أو مُرْتَبِطَةً بالدِّينِ نَفْسِهِ، أيْ أنَّهَا مَعْنَى كَرِيمٌ طَيِّبٌ، ولا يَصِحُّ أنْ تُقَالَ مَعَانٍ طَيِّبَةٌ - أعْلاَهَا الأُخُوَّةُ - عَلَى مَنْ وَصَّفَهُمُ اللهُ بأنَّهُمْ نَجَسٌ، فَفَوْقَ مَا فِيهَا مِنْ سُوءِ تَقْدِيرٍ ومُغَالَطَةٍ؛ هي مُخَالَفَةٌ لِمَا قَضَاهُ اللهُ.

    السَّادِسُ: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ (لا تَقُولُوا للمُنَافِقِ سَيِّدًا، فَإنَّهُ إنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وجَلَّ)، وإذا كَانَ هَذا الحُكْمُ في المُنَافِقِ؛ فَالْكَافِرُ مِثْلُهُ، وقَدْ جَعَلَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ هَذا الحُكْمَ شَامِلاً للفَاسِقِ والظَّالِمِ والمُبْتَدِعِ، فَقَدْ بَوَّبَ في كِتَابِهِ (رِيَاضُ الصَّالِحِينَ) فَقَالَ (بَابُ النَّهْيِ عَنْ مُخَاطَبَةِ الفَاسِقِ والمُبْتَدِعِ ونَحْوِهِمَا بـ سَيِّدٍ ونَحْوِهِ)، وقَالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ في كِتَابِهِ (أحْكَامُ أهْلِ الذِّمَّةِ) (3/1322) تَحْتَ فَصْلِ (خِطَابُ الكِتَابِيِّ بسَيِّدِي ومَوْلاَيْ) (وأمَّا أنْ يُخَاطَبَ بـ سَيِّدِنَا ومَوْلاَنَا ونَحْوِ ذَلِكَ: فَحَرَامٌ قَطْعًا)، وقَالَ الشَّيْخُ حَمُودُ التُّويجري رَحِمَهُ اللهُ في كِتَابِهِ (تُحْفَةُ الإخْوَانِ بِمَا جَاءَ في المُوَالاَةِ والمُعَادَاةِ والحُبِّ والبُغْضِ والهُجْرَانِ) (ولا يَجُوزُ وَصْفُ أعْدَاءِ اللهِ تَعَالَى بصِفَاتِ الإجْلاَلِ والتَّعْظِيمِ كَالسَّيِّدِ والعَبْقَرِيِّ والسَّامِيِّ ونَحْوِ ذَلِكَ، لَمَا رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ والنَّسَائِيُّ والبُخَارِيُّ في الأدَبِ المُفْرَدِ عَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (لا تَقُولُوا للمُنَافِقِ سَيِّدًا، فَإنَّهُ إنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وجَلَّ)، وقَدْ قَلَّتِ المُبَالاَةُ بشَأْنِ هَذا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، حَتَّى صَارَ إطْلاَقُ اسْمِ (السَّيِّدِ) ونَحْوِهِ عَلَى كُبَرَاءِ الكُفَّارِ والمُنَافِقِينَ مَألُوفًا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ في هذه الأزْمَانِ، ومَثَلُ السَّيِّدِ (المِسْتَر) باللُّغَةِ الإفْرَنْجِيَّةِ، وأشَدُّ النَّاسِ مُخَالَفَةً لهذا الحَدِيثِ أهْلُ الإذَاعَاتِ؛ لأنَّهُمْ يَجْعَلُونَ كُلَّ مَنْ يَسْتَمِعُ إلى إذَاعَاتِهِمْ مِنْ أصْنَافِ الكُفَّارِ والمُنَافِقِينَ سَادَةٌ، وسَوَاءٌ عِنْدَهُمْ في ذَلِكَ الكَبِيرُ والصَّغِيرُ والشَّرِيفُ والوَضِيعُ والذَّكَرُ والأُنْثَى، بَلِ الإنَاثُ هُنَّ المُقَدَّمَاتُ عِنْدَهُمْ في المُخَاطَبَةِ بالسِّيَادَةِ، وفي الكَثِيرِ مِنَ الأُمُورِ خِلاَفًا لِمَا شَرَعَهُ اللهُ مِنْ تَأخِيرِهِنَّ، وبَعْضُ أهْلِ الأمْصَارِ يُسَمُّونَ جَمِيعَ نِسَائِهِمْ (سَيِّدَاتٍ)، وسَوَاءٌ عِنْدَهُمْ في ذَلِكَ المُسْلِمَةُ والكَافِرَةُ والمُنَافِقَةُ والصَّالِحَةُ والطَّالِحَةُ، ويَلِي أهْلُ الإذَاعَاتِ في شِدَّةِ المُخَالَفَةِ لحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أهْلُ الجَرَائِدِ والمِجَلاَّتِ ومَا شَابَهَهَا مِنَ الكُتُبِ العَصْرِيَّةِ؛ لأنَّهُمْ لا يَرَوْنَ بمُوَالاَةِ أعْدَاءِ اللهِ ومَوَادَّتِهِمْ وتَعْظِيمِهِمْ بَأسًا، ولا يَرَوْنَ للحُبِّ في اللهِ والبُغْضِ في اللهِ والمُوَالاَةِ فِيهِ والمُعَادَاةِ فِيهِ قَدْرًا وشَأنًا)، الشَّاهِدُ في كُلِّ هَذا الكَلاَمِ أنَّ تَعْظِيمَ الكَافِرِ مُحَرَّمٌ شَرْعًا ولا خِلاَفَ فِيهِ، وكَلِمَةُ أخٍ اخْتَصَّ اللهُ بِهَا المُؤْمِنِينَ، ولا يَجُوزُ تَعْظِيمُ الكُفَّارِ بقَوْلِهَا لَهُمْ.

    السَّابِعُ: جَوَّزَ بَعْضُ العُلَمَاء لِمَنْ كَانَ لَهُ أخٌ مِنْ نَسَبٍ أو رَضَاعٍ أنْ يُنَادِيَهُ بلَفْظَةِ (أخٍ)، في حِينِ مَنَعَ آخَرُونَ، وسَوَاءٌ اتَّبَعْنَا رَأيَ مَنْ جَوَّزَ أو مَنْ مَنَعَ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا وبَيْنَ النَّصَارَى أُخُوَّةُ نَسَبٍ أو رَضَاعٍ، فَغَالِبًا شَعْبُ مِصْرَ وُلِدَ مِنْ نَسْلٍ عَرَبِيٍّ مُسْلِمٍ مِمَّنْ فَتَحُوا مِصْرَ واسْتَقَرُّوا فِيهَا أو أتَوْا إلَيْهَا، والنَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا يَسْكُنُونَ مِصْرَ وَقْتَ فَتْحِهَا قَدْ دَخَلَ مُعْظَمُهُمُ الإسْلاَمَ، فَصَارُوا مُسْلِمِينَ، يُنْسَبُ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ عَلَى أنَّهُ مِنْ نَسْلٍ مُسْلِمٍ ولَيْسَ مِنْ نَسْلٍ نَصْرَانِيٍّ، أمَّا البَقِيَّةُ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَى دِينِهَا إلى اليَوْمِ فَلَيْسَ بَيْنَنَا وبَيْنَهُمْ نَسَبٌ أو رَضَاعٌ أو دِينٌ لنُنَادِيَهُمْ بأُخُوَّتِهِ.

    لكُلِّ مَا سَبَقَ، فَإنَّهُ لا يَصِحُّ مُنَادَاةُ الكَافِرِ بالأخِ لعَدَمِ وُجُودِ الدَّلِيلِ المُبِيحِ، ولتَضَافُرِ أدِلَّةِ المَنْعِ والتَّحْرِيمِ، ولعَدَمِ صِحَّةِ القِيَاسِ عَلَى بَعْضِ الآيَاتِ، وإنَّمَا أوْرَدْنَا فَتْوَى مَوْقِعِ صَوْتِ السَّلَفِ لبَيَانِ أنَّهُ حَتَّى مَنْ أجَازَ قَوْلَ هذه الكَلِمَةِ فَقَدْ شَرَطَهَا بشَرْطٍ لا يَقُومُ بِهِ أغْلَبُ النَّاسِ إنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّهُمْ، وعَلَى ذَلِكَ يَبْقَى المَنْعُ مِنْ قَوْلِهَا قَائِمًا، وهذا مَا أعْلَمُ؛ واللهُ تَعَالَى أعْلَى وأعْلَمُ).
    هَلْ نُنْكِرُ عَلَى مَنْ يُسَمِّيهِمْ مَسِيحِيِّينَ؟
    نَقْلاً عَنْ فَتَاوَى مَوْقِعِ طَرِيقِ الإسْلاَمِ:
    السُّؤَالُ: هَلْ يُنْكَرُ عَلَى مَنْ يَقُولُ للنَّصَارَى: مَسِيحِيِّينَ؟
    المُفْتِي: الشَّيْخُ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الرَّاجحِيِّ
    الجَوَابُ:
    نَعَم، الأوْلَى أنْ يُقَالَ (نَصَارَى)، لَيْسُوا مَسِيحِيِّينَ، لأنَّهُمْ مَا اتَّبَعُوا المَسِيحَ، هذه مِنْ أخْطَاءِ الكُتَّابِ وغَيْرِهِمْ، يُسَمُّونَهُمْ مَسِيحِيِّينَ، وهُمْ – أيْ النَّصَارَى - يَرْغَبُونَ في هَذا، يُرِيدُونَ أنْ يُقَالَ لَهُمْ مَسِيحِيِّينَ، لَكِنْ هُمْ نَصَارَى، لَوْ كَانُوا مَسِيحِيِّينَ لاتَّبَعُوا المَسِيحَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَّبِعُوا المَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. انْتَهَى
    هَلْ يَجُوزُ اتِّخَاذُ النَّصَارَى أصْدِقَاءَ؟
    مِنْ مَوْقِعِ: الإسْلاَمُ سُؤَالٌ وجَوَابٌ؛ بإشْرَافِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ صَالِحِ المُنَجِّدِ حَفِظَهُ اللهُ:
    السُّؤَالُ: أنَا مُسْلِمٌ؛ ولِي الكَثِيرٌ مِنَ الأصْدِقَاءِ النَّصَارَى مِنَ الذُّكُورِ والإنَاثِ، هُنَاكَ أحَدُ الأصْدِقَاءِ الَّذِي أعْتَبِرُهُ صَدِيقًا بحَقٍّ واكْتَشَفْتُ مُؤَخَّرًا بأنَّهُ مُخَنَّثٌ، أنَا لا أُرِيدُ أنْ أُعَامِلَهُ بشَكْلٍ مُخْتَلِفٍ؛ ولَكِنْ أُرِيدُ أنْ أعْرِفَ هَلْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِي صَدِيقٌ مُخَنَّثٌ؟
    الجَوَابُ:
    الحَمْدُ للهِ؛؛
    الوَاجِبُ عَلَى المُسْلِمِ أنْ يَحْرِصَ عَلَى اتِّخَاذِ الرِّفْقَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي تُعِينُهُ عَلَى الخَيْرِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ] أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمُ عَنْ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    ولا يَجُوزُ لَهُ اتِّخَاذُ أصْدِقَاءَ مِنَ النَّصَارَى ولا مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الكُفَّارِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ] (المَائِدَة/51)، وقَالَ تَعَالَى [ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ] (آل عِمْرَان/118)، قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ [ هذا تَحْذِيرٌ مِنَ اللهِ لعِبَادِهِ عَنْ وِلاَيَةِ الكُفَّارِ واتِّخَاذِهِمْ بِطَانَةً أو خِصِّيصَةً وأصْدِقَاءَ ] تَفْسِيرُ السَّعْدِيِّ (ص 198)، وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ لا تُصَاحِبْ إلاَّ مُؤْمِنًا، ولا يَأكُلْ طَعَامَكَ إلاَّ تَقِيٌّ ] أخْرَجَهُ أبُو دَاوُدَ وحَسَّنَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ أبِي دَاوُدَ، وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ ] أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ.

    فَاتْرُكْ مُصَاحَبَةَ النَّصَارَى، واسْتَبْدِلْ بِهِمْ مُسْلِمِينَ، واحْرِصْ عَلَى صُحْبَةِ الصَّالِحِينَ، واعْلَمْ أنَّهُ لا يَجُوزُ للرَّجُلِ مُصَاحَبَةُ الإنَاثِ ولا المُخَنَّثِينَ، سَوَاءٌ كَانُوا مُسْلِمِينَ أمْ نَصَارَى؛ لِمَا في ذَلِكَ مِنَ الفِتْنَةِ، ولِمَا يَكُونُ مَعَهُ مِنَ المَحَاذِيرِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ الخُلْوَةِ أو المُصَافَحَةِ أو مَا هُوَ أشَدُّ مِنْ ذَلِكَ. انْتَهَى
    خَطَرُ الخَلْطِ بَيْنَ المُسَمَّيَاتِ الثَّلاَثَةِ (نَصْرَانِيٍّ – مَسِيحِيٍّ - قِبْطِيٍّ) والتَّسَاهُلِ في أمْرِهَا:
    مِنْ عَظَمَةِ دِينِ الإسْلاَمِ؛ ومِنْ حِكْمَةِ اللهِ ورَحْمَتِهِ بِنَا؛ أنَّ الإسْلاَمَ جَاءَ ليَشْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ؛ ولا يَتْرُكُ أيَّ شَيْءٍ إلاَّ وضَبَطَهُ بضَوَابِطَ تَنْفَعُ النَّاسَ وتَحْفَظُ لَهُمْ دِينَهُمْ، ولَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الاسْتِهَانَةِ بصَغَائِرِ الأُمُورِ، فَمِنْ نَاحِيَةٍ الصَّغِيرُ يَجْتَمِعُ مَعَ بَعْضِهِ حَتَّى يُصْبِحَ كَبِيرًا، ومِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى لا يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ أنْ يُدَرِّبَ نَفْسَهُ عَلَى التَّهَاوُنِ في شَيْءٍ والاسْتِخْفَافِِ بِهِ، لأنَّ مَنْ يَسْتَهِينُ بالصَّغِيرَةِ اليَوْمَ، فَسَيَسْتَهِينُ غَدًا بالكَبِيرَةِ، ولأنَّ النَّاسَ لا تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ؛ فَلاَ يَجِبُ الاسْتِهَانَةُِ بصَغِيرٍ، فَرُبَّمَا هُوَ صَغِيرٌ عِنْدِي لجَهْلِي، ولَكِنَّهُ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ، لِذَا قَالَ تَعَالَى [ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ] (النُّورُ: 15)، وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ إيَّاكُمْ ومُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإنَّمَا مَثَلُ مُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بعُودٍ، وجَاءَ ذَا بعُودٍ، حَتَّى حَمَلُوا مَا أنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُمْ، وإنَّ مُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذُ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ ]، وقَالَ أنَسٌ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [ إنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أعْمَالاً؛ هي أدَقُّ في أعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، إنْ كُنَّا لَنَعُدُهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ المُوبِقَاتِ، قَالَ أبُو عَبْدِ اللهِ: يَعْنِي بذَلِكَ المُهْلِكَاتِ ] رَوَاهُ البُخَارِيُّ، حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ:

    لا تُحَقِّرَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ صَغِيرًا *** إنَّ الصَّغِيرَ غَدًا يَعُودُ كَبِـيرَا
    إنَّ الصَّغِيرَ ولَوْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ *** عِنْدَ الإلَهِ مُسَطَّرٌ تَسْطِيرَا
    فَازْجُرْ هَوَاكَ عَنِ البِطَالَةِ لا تَكُنْ *** صَعْبُ القِيَادِ، وشَمِّرَنَّ تَشْمِيرَا

    ومِنْ صُوَرِ هذه الاسْتِهَانَةِ وهذا الاسْتِخْفَافِ: عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ المُسَمَّيَاتِ الثَّلاَثَةِ ومَدْلُولاَتِهنَّ ومَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الخَلْطِ بَيْنَهُنَّ مِنْ أخْطَارٍ عَقَائِدِيَّةٍ، مِنْهَا:
    مُخَالَفَةُ اللهِ ورَسُولِهِ في تَسْمِيَتِهِمْ بالنَّصَارَى: وقَدْ قَالَ تَعَالَى [ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ] (النُّورُ: 63).

    الاعْتِقَادُ في أنَّهُمْ أتْبَاعُ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ونَحْنُ نُؤْمِنُ بِمَا جَاءَ بِهِ المَسِيحُ، وهذا مَعْنَاهُ أنَّنَا نُؤْمِنُ بِمَا يَقُولُونَهُ اليَوْمَ ونُوَافِقهُمْ في كَذِبِهِمْ عَلَى المَسِيحِ بنِسْبَتِهِمْ ونِسْبَةِ أكَاذِيبِهِمْ إلَيْهِ، وهَذا يَجُرُّ إلى الاعْتِقَادِ الخَاطِئِ في عَدَمِ كُفْرِهْمُ الَّذِي أثْبَتَهُ اللهُ بقَوْلِهِ تَعَالَى [ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ 72 لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 73 أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 74 مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 75] (المَائِدَةُ: 72-75)، وخُطُورَةُ هَذا الأمْرِ تَكْمُنُ فِيمَا قَالَهُ العُلَمَاءُ بأنَّ (مَنْ شَكَّ في كُفْرِ الكَافِرِ كَفَرَ)، قَالَ القَاضِي عِيَاض في الشِّفَا بتَعْرِيفِ حُقُوقِ المُصْطَفَى (2/1071) [ قَالَ تَعَالَى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)؛ ولهذا نُكَفِّرُ كُلَّ مَنْ دَانَ بغَيْرِ مِلَّةِ المُسْلِمِينَ مِنَ المِلَلِ أو وَقَفَ فِيهِمْ أو شَكَّ أو صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ، وإنْ أظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الإسْلاَمَ واعْتَقَدَهُ واعْتَقَدَ إبْطَالَ كُلِّ مَذْهَبٍ سِوَاهُ، فَهُوَ كَافِرٌ بإظْهَارِهِ مَا أظْهَرَ مِنْ خِلاَفِ ذَلِكَ ]، وقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ [ اعْلَمْ أنَّ مِنْ أعْظَمِ نَوَاقِضِ الإسْلاَمِ عَشْرَةٌ: .... الثَّالِثُ: مَنْ لَمْ يُكَفِّرِ المُشْرِكِينَ أو شَكَّ في كُفْرِهِمْ أو صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ كَفَرَ إجْمَاعًا ]، وبَعْدَ أنْ عَدَّدَ النَّوَاقِضَ العَشْرَةِ قَالَ [ ولا فَرْقَ في جَمِيعِ هذه النَّوَاقِضِ بَيْنَ الهَازِلِ والجَادِّ والخَائِفِ، إلاَّ المُكْرَهَ، وكُلُّهَا مِنْ أعْظَمِ مَا يَكُونُ خَطَرًا؛ ومِنْ أكْثَرِ مَا يَكُونُ وُقُوعًا، فَيَنْبَغِي للمُسْلِمِ أنْ يَحْذَرَهَا ويَخَافَ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ ] مُؤَلَّفَاتُ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ (ص 212، 213)، ومِثْلُ ذَلِكَ أيْضًا مَنْ يَتَوَدَّدُ إلَيْهِمْ برَفْعِ شِعَارِ الهِلاَلِ مَعَ الصَّلِيبِ، وكَأنَّهُ يُثْبِتُ لَهُمُ الصَّلِيبَ وقَدْ كَفَرُوا بسَبَبِهِ، وهذا الشِّعَارُ تَحْدِيدًا لَنَا مَعَهُ وَقْفَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِيمَا بَعْدُ في مَوْضُوعٍ خَاصٍّ.

    تَحْقِيقُ مَكَاسِبَ يَسْعَوْنَ إلَيْهَا بمُحَاوَلَةِ صَبْغِ أكَاذِيبِهُمْ بالمَسِيحِيَّةِ الصَّحِيحَةِ: وهذا عَامِلٌ مُهِمٌّ جِدًّا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ في أنْشِطَتِهِمُ التَّبْشِيرِيَّةِ، يَفْشَلُونَ فِيهِ كَثِيرًا، ويَخْرُجُ مِنْهُمْ مَنْ يُثْبُتُ بُطْلاَنَهُ وضَلاَلاَتِهِ، ولأهَمِّيَّتِهِ في العَمَلِ التَّبْشِيرِيِّ فَهُمْ يُرِيدُونَ تَحْقِيقَهُ بأيِّ شَكْلٍ، لذا يَسْتَغِلُّونَ جَهْلَ العَامَّةِ مِنَ المُسْلِمِينَ في تَحْقِيقِهِ، وخَاصَّةً في عَمَلِيَّاتِ غَسِيلِ المُخِّ الَّتِي يَقُومُونَ بِهَا سَوَاءً للمُسْلِمِينَ المُتَنَصِّرِينَ أو الَّذِينَ يُفَكِّرُونَ في التَّنَصُّرِ، أو للنَّصَارَى الَّذِينَ أسْلَمُوا وقَبَضُوا عَلَيْهِمْ أو الَّذِينَ عُرِفَ عَنْهُمْ أنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ في الإسْلاَمِ، وأيْضًا لَنَا عَوْدَةٌ بإذْنِ اللهِ لكَشْفِ تَفَاصِيلِ عَمَلِيَّاتِ غَسِيلِ المُخِّ الَّتِي تَتِمُّ للفَرْدِ دَاخِلَ الكَنِيسَةِ وخَارِجَهَا للمُجْتَمَعِ كَكُلٍّ، الشَّاهِدُ أنَّنَا لَنْ نَجِدَ إنْسَانًا عَاقِلاً لَدَيْهِ شَيْءٌ مِنَ العِلْمِ يُقِرُّ مُسْلِمًا عَلَى نُصْرَةِ الكَافِرِ حَتَّى ولَوْ بكَلِمَةٍ، لأنَّ هَذا مِنَ المُوَالاَةِ للكُفَّارِ ومُنَاقِضٌ للبَرَاءِ مِنْهُمْ، قَالَ تَعَالَى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 51 فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ 52] (المَائِدَةُ: 51، 52).

    تَلْبِيسُ الأُمُورِ عَلَى النَّاسِ خَاصَّةً العَامَّةِ مِنْهُمْ، وفَتْحُ البَابِ للمُنَافِقِينَ ليَنْدَسُّوا بَيْنَهُمْ دُونَ أنْ يُمَيَّزُوا: والمُنَافِقُونَ كَثِيرُونَ في زَمَانِنَا هَذا، يَنْدَسُّونَ بَيْنَ النَّاسِ ويَبُثُّونَ فِيهِمُ السُّمُومَ، فَمِنْ عِلْمَانِيٍّ إلى لِيبْرَالِيٍّ إلى وَثَنِيٍّ، والوَثَنِيَّةُ هُنَا لَيْسَتْ وَثَنِيَّةَ أصْنَامِ الحِجَارَةِ، بَلْ وَثَنِيَّةَ أصْنَامِ الهَوَى، فَكُلُّ مُتَّبِعٍ لهَوَاهُ يَصْنَعُ لنَفْسِهِ صَنَمًا يَعْبُدُهُ، فهَذا يَعْبُدُ المَالَ ويُرِيدُ الحِفَاظَ عَلَيْهِ وتَكْثِيرَهُ، وهذا يَعْبُدُ مَنْصِبَهُ ويَرْغَبُ في الاحْتِفَاظِ بِهِ بأيِّ شَكْلٍ، وهذا يَعْبُدُ سُلْطَتَهُ ويُرِيدُ البَقَاءَ فِيهَا بأيِّ ثَمَنٍ، وهذا يَعْبُدُ الأضْوَاءَ والشُّهْرَةَ ولا يُرِيدُ مُفَارَقَتَهَا بأيِّ وَسِيلَةٍ، وتَعَدَّدَتِ الأصْنَامُ والوَثَنِيَّةُ وَاحِدَةٌ، وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ هَؤُلاَءِ [ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ]، وفي كَثْرَتِهِمْ وتَنَوُّعِ مَنَاصِبِهِمْ وأهَمِّيَّتِهَا ومَدَى تَأثِيرِهِمْ عَلَى النَّاسِ تَكْمُنُ الخُطُورَةُ، إذْ أنَّ أكْثَرَهُمْ إنْ لَمْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ يُدَاهِنُونَ ويُنَافِقُونَ ويُوَالُونَ مِنْ أجْلِ الاحْتِفَاظِ بأصْنَامِهِمْ، ولبَيَانِ نِفَاقِهِمْ لاَبُدَّ مِنْ شَيْءٍ مُمَيِّزٍ في هَذا الجَانِبِ، فَمَا أكْثَرَ جَوَانِبَ نِفَاقِهِمْ، ولَوْ أنَّ كُلَّ النَّاسِ عَرَفَتِ الحَقَّ واتَّبَعَتْهُ لَظَهَرَ مِنْهُمُ الصَّادِقُ مِنَ المُنَافِقِ جَلِيًّا، فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى مُوَضِّحًا خُطُورَتِهِمْ [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ 118 هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ 119 إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ 120 ]، وقَالَ تَعَالَى أيْضًا [ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ 47 لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ 48 وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ 49 إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ 50 قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ 51 قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ 52 قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ 53 وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ 54 فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ 55 وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ 56 لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ 57 ]، وهذا هُوَ حَالُهُمُ اليَوْمَ لِمَنْ تَدَبَّرَ ووَعَى، ولَكِنَّنَا لا نَقْرَأُ كِتَابَ مَنْهَجِ حَيَاتِنَا ومُقَوِّمِهَا، وإنْ قَرَأنَا لا نَتَدَبَّرُ.
    الإخْوَةُ والأخَوَاتُ الكِرَامُ
    في نِهَايَةِ هذه المُشَارَكَةِ؛ أوَدُّ الإشَارَةَ إلى نُقْطَةٍ غَايَةً في الأهَمِّيَّةِ، وهي الَّتِي تَجْعَلُ أكْثَرَ النَّاسِ يَصُدُّونَ عَنِ الامْتِثَالِ لكَلاَمِ العُلَمَاءِ السَّابِقِ وغَيْرِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بالنَّصَارَى وغَيْرِهِمْ، وهذه النُّقْطَةُ هي عَدَمُ التَّفْرقَةِ بَيْنَ مُوَالاَةِ الكَافِرِ ومُعَامَلَتِهِ بالحُسْنَى، ولأهَمِّيَّةِ هذه النُّقْطَةِ أفْرَدَ لَهَا الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ بْنُ سَعِيدٍ القَحْطَانِيِّ أكْثَرَ مِنْ فَقْرَةٍ في كِتَابِهِ الحُجَّةُ الوَلاَءُ والبَرَاءُ، أنْصَحُكُمْ بقِرَاءَتِهَا وقِرَاءَةِ الكِتَابِ كُلِّهِ، فَهُوَ مِنْ أنْفَسِ الكُتُبِ، ولتَحْمِيلِ الكِتَابِ (اضْغَط هُنَا)، وخُلاَصَةُ القَوْلِ أنَّ النَّهْيَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ المُطَهَّرَةُ في أُمُورٍ تَخُصُّ النَّصَارَى لا يَعْنِي عَدَمَ مُعَامَلَتِهِمْ بالحُسْنَى، كَمَا لا تَعْنِي مُعَامَلَتَهُمْ بالحُسْنَى أنْ نُوَافِقَهُمْ في مُسَمَّيَاتٍ أو أعْيَادٍ أو أُمُورٍ خَاصَّةٍ بِهِمْ تُخَالِفُ مَا جَاءَ بِهِ الإسْلاَمُ أو نَهَى عَنْهُ.

    جَعَلَنَا اللهُ وإيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ؛ فَيَتَدَبَّرُونَهُ؛ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ الَّذِي يُوَافِقُ شَرْعَ اللهِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الأدِلَّةُ مِنَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ والإجْمَاعِ المُعْتَبَرِ.

    وهذا مَا أعْلَمُ،واللهُ تَعَالَى أعْلَى وأعْلَمُ.
    والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ

  • #2
    رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

    جزاكم الله خيرا لنقلكم الطيب لكلمات العلماء ..
    الخلاصة من كلام العلماء ( بما فهمته ) :
    أن المسيحين هم من اتبعوا سيدنا عيسى عليه السلام ونصروه وأمنوا بأنه عبد الله وسوله فوحدوا ربهم ..
    أما النصارى فهم من بدلوا الدين واتخذوا رهبانهم ألهة لهم من دون الله فجعلوا يتبعون تشريعهم من دون الله فكانت هذه عبادتهم لهم ,, ولو كان منهم عاقلا لوجد اختلافا بين كتبهم فأي كتاب سماوي هذا الذي تجده محرفا وبنسخ عدة يحوي ألفاظ لا تليق ببشر فكيف تطلق على إله ( فيما يزعمون ) عبارات يتنزه كل عفيف عن قراءتها ..
    أما الأقباط فهم المصريين عامة , أي لفظ عام يشمل الجميع لكن نظرا للفهم السائد عنه بين العوام فيترك إطلاقه على المسلمين حتى لا يحدث إلتباس عند أحد ..
    ---------------
    وطالما أن الموضوع فيه نهي عن إطلاق إسم مسيحي على النصراني لوجود فرق بينهم نبين نقطة فقط ألا وهي من قالها جاهلا بالفرق بينهما يٌعذر بجهله حتى نبين له الأمر فإن أصر بعدها فأمره إلى الله ..
    ---------------
    نقطة أخرى :
    الكثير ممن يسمعون قول علماء السلفية الصريح ( هذه الأيام على القنوات ) في أن النصارى كفار يفزع من ذلك ..
    ونريد أن نكرر ما قاله العلماء أنه هناك فرق بين أنني أقول أنهم كفار وبين التعامل معهم .. فعقيدتنا واضحة ولن نداهن أحد على حساب عقيدتنا وديننا فهم كفار بلا خلاف لأنهم بدلوا والمسيح عليه السلام برئ منهم ,, لكن هذا لا يعني أننا سنقاتلهم وهم في عهد معنا ,, لا لم يأمرنا ديننا بذلك بل أمرنا ببرهم ومعاملتهم معاملة حسنة وإن كنا نكرههم في الله ..

    رحمك الله أبي الحبيب, لا تنسوه من الدعاء , الله المستعان

    تعليق


    • #3
      رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

      بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
      الأُخْتُ الفَاضِلَةُ / محبة السلف
      السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
      بَارَكَ اللهُ لَكِ في فَهْمِكِ وعَقْلِكِ، وبَارَكَ لَنَا في العُلَمَاءِ الَّذِينَ لَوْلاَهُم بَعْدَ الأنْبِيَاءِ لضَاعَت الأُمَم، مِصْدَاقًا لقَوْلِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَمَا في صَحِيحِ البُخَارِيّ [ إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضِ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالا، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ].

      أمَّا بالنِّسْبَةِ لمَسْألَةِ العُذْر بالجَهْلِ، فهذه مَسْألَة فِيهَا تَفْصِيلٌ كَثِيرٌ وكَلاَمٌ أكْثَر للعُلَمَاءِ، لَيْسَ لَهُ مَجَال لآن، ولَكِنَّ الشَّاهِد مِنْ وَرَاءِهِ أنَّ هذا البَحْث وغَيْره لطَلَبَةِ العِلْم ومُؤَلَّفَات العُلَمَاء وكَثْرَة العُلَمَاء وسُهُولَة التَّوَاصُل مَعَهُم ووُجُود السُّبُل المُتَنَوِّعَة التي تُوصِل العِلْم حتى البَيْت؛ كُلّ ذَلِكَ يُضَيِّق فَجْوَة العُذْر بالجَهْلِ الَّذِي قَدْ يُعْذَر بِهِ صَاحِبهُ، فَلَيْسَ كُلّ مَنْ يَدَّعِي الجَهْل بأمْرٍ يُعْذَر فِيهِ، لأنَّهُ قَدْ يَكُون هُوَ المُقَصِّر في تَطْبِيقِ فَرْض الله عَلَيْهِ بطَلَبِ العِلْم بالقَدْرِ الَّذِي يَكْفِيهِ في دِينِهش ودُنْيَاه وخَاصَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بأُمُورِ العَقِيدَة، لِذَا يَجِبُ التَّفْرِقَة بَيْنَ مَنْ يُعْذَر فِعْلاً بجَهْلِهِ ومَنْ تَسَاهَلَ وفَرَّطَ.

      ولأنَّنَا لا نُلْقِ بالأحْكَامِ جُزَافًا، ولأنَّ اللهَ لا يُعَذِّب أحَدًا حتى يَبْعَثَ رَسُولاً، فَنَحْنُ نُبَيِّن ونُوَضِّح لنَرْفَع الجَهْل، فَمَنْ أصَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ أقَامَ الحُجَّة عَلَى نَفْسِهِ بنَفْسِهِ ونُعْذَرُ فِيهِ.

      أما قولك
      الكثير ممن يسمعون قول علماء السلفية الصريح ( هذه الأيام على القنوات ) في أن النصارى كفار يفزع من ذلك

      فَأنَا أكَادُ أجْزمُ أنَّ هذا الَّذِي يَفْزَع مَا قَرَأ القُرْآنَ مَرَّة وَاحِدَة في عُمْرِهِ، وإنْ كَانَ فَعَلَ فَهُوَ مُجَرَّد تَمْرِير للبَصَرِ دُونَ تَدَبُّر، ليَحِقَّ عَلَيْهِ قَوْل رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ لا يَفْقَهُهُ مَنْ يَقْرَؤُهُ في أقَلِّ مِنْ ثَلاَثٍ ] أي لا يَفْقَه القُرْآن مَنْ يَقْرَؤُهُ كَامِلاً في أقَلِّ مِنْ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ، وإلاَّ لَكَانَ هذا المَفْزُوع قَدْ عَلِمَ أنَّ العُلَمَاء والدُّعَاة لَيْسُوا هُمْ مَنْ كَفَّرُوا النَّصَارَى، بَلِ الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَكَمَ بكُفْرِهِم في أكْثَرِ مِنْ آيَةٍ صَرِيحَة اللَّفْظ والمَعْنَى لا تَقْبَل التَّأوِيل مِنْ أهْلِ الضَّلاَل الَّذِينَ يُرِيدُونَ صَرْفهَا عَنْ مَعْنَاهَا، وكَذَا حَكَمَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في أكْثَرِ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ لا يَقْبَل التَّشْكِيك في سَنَدِهِ أو مَتْنِهِ، وأوْلَى بهذا المَفْزُوع أنْ يَفْزَعَ مِنْ جَهْلِهِ ومِنَ المُفَاجَأة التي اسْتَيْقَظَ عَلَيْهَا مِنْ ثُبَاتٍ كَانَ يُمَنِّي بِهِ نَفْسَهُ طَوِيلاً، وبَدَلاً مِنْ أنْ يَتَّهِمَ العُلَمَاء أنَّهُم هَبَطُوا عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ وقَالُوا في الدِّينِ مَا لَمْ يَقُلْهُ أحَد، عَلَيْهِ أنْ يَحْمَد الله أنْ أنْعَمَ عَلَيْهِ بهذه الإفَاقَة مِنَ الغَفْلَة ولَمْ يَقْبِضْهُ عَلَى غَفْلَتِهِ، وأنْ أنْعَمَ عَلَيْهِ بوُجُود عُلَمَاء يَقُولُونَ بنَفْسِ مَا في كِتَابِ الله وسُنَّةِ رَسُوله دُونَ تَحْرِيفٍ أو تَأوِيلٍ يُخْرِجُ الدِّين عَنْ مَعْنَاه ومُرَادِ الله فِيهِ.

      أمَّا بَقِيَّة الكَلاَم، فَلاَ فُضَّ فُوكِ فِيهِ، وهُوَ نَفْسهُ مَا أشَرْتُ إلَيْهِ بالنُّصْحِ بقِرَاءَةِ كِتَاب الوَلاَء والبَرَاء الَّذِي تَكَلَّمَ فِيهِ الشَّيْخ كَلاَمًا نَفِيسًا يُثْبِتُ أنَّ البَرَاءَ مِنَ الكُفَّارِ لا يَتَعَارَض أبَدًا مَعَ مُعَامَلَتِهِم بالحُسْنَى، وأنَّ مُعَامَلَتَهُم بالحُسْنَى لا تَدْفَعنَا بشَكْلٍ مِنَ الأشْكَالِ إلى مُوَالاَتِهِم وعَدَمِ البَرَاء مِنْهُم.

      بَارَكَ اللهُ فِيكِ، أحْسَنْتِ وأجَدْتِ، عَلَّمَنَا اللهُ وإيَّاكِ مَا يَنْفَعنَا، ونَفَعَنَا بِمَا عَلَّمَنَا، ونَفَعَ النَّاسَ مِنَّا خَيْرًا، اللَّهُمَّ آمِينَ.

      وهذا مَا أعْلَمُ، واللهُ تَعَالَى أعْلَى وأعْلَمُ.
      والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ

      تعليق


      • #4
        رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

        جزاك الله خيرا أخي الكريم "محارب الشيطان" بما قدمت وأثابك

        هذا هو الواجب علينا كما وضحتَ وبيَّنت أن نطلق على كل من آمن بالمسيح عيسى بن مريم
        أنه إله أو ابن الله (تعالى الله عما يقولون) نصرانيا وليس مسيحي، فعندما نقول مسيحي فإننا نخالف ما قاله الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
        لذا يجب علينا تعليم أبنائنا هذا الأمر الخطير ونشره بين كافة المسلمين.

        وفقك الله وأسعدك في الدارين
        اللهم إني أسألك باسمك العظيم الذي إذا دعيت به أجبت أن تجعل أمي من أهل الفردوس الأعلى وجميع أموات المسلمين
        إنك ولي ذلك والقادر عليه

        تعليق


        • #5
          رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

          بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
          الأُخْتُ الفَاضِلَةُ / نقابي تميزي
          السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
          جَزَاكِ اللهُ خَيْرًا عَلَى كَلاَمِكِ الطَّيِّبِ، الَّذِي ذَكَّرَنِي بفِتْنَةٍ حَذَّرَ مِنْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ؛ ألاَ وهي فِتْنَةُ تَغْيِيرِ المُسَمَّيَات، فَبَعْضُ النَّاسِ يُغَيِّرُونَ أسْمَاء الأشْيَاء ظَنًّا مِنْهُم بأنَّ مُجَرَّد تَغْيِير الاسْم سَيُغَيِّر الحُكْم مِنَ التَّحْرِيمِ ودَرَجَاتِهِ إلى الإبَاحَةِ، والعَكْس، وهذا وَهْمٌ، ولَقَدْ حَذَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ هذه الفِتْنَةِ وضَرَبَ لَنَا المِثَال بالخَمْرِ.

          أخْرَجَ أبُو دَاوُد في سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا أحْمَد بْن حَنْبَل؛ثَنَا زَيْد بْن الحُبَابِ؛ ثَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح؛ عَنْ حَاتِم بْن حُرَيْث؛ عَنْ مَالِك بْن أبِي مَرْيَم قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنْمٍ فَتَذَاكَرْنَا الطِّلاَءَ فَقَالَ: ثَنَا أبُو مَالِك الأشْعَرِيّ أنَّه سَمِعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم يَقُول [ ليَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بغَيْرِ اسْمِهَا ]، وصَدَقَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ؛ حَيْثُ تَحَقَّقَ مَا تَنَبَّأ بِهِ في هذا الزَّمَان الَّذِي انْتَشَرَت فِيهِ الخُمُور وتَنَوَّعَت وظَهَرَت في صُوَرٍ مُتَفَرِّقَةٍ وأسْمَاءٍ مُخْتَلِفَة، كَمَا ظَهَرَ نَاسٌ تَمَسَّكُوا بهذه الأسْمَاء ووَجَدُوا بذَلِك سَبِيلاً إلى قَضَاءِ الشَهَوَات وإرْضَاءِ الأهْوَاء، وصَارَت قَاعِدَة ووَسِيلَة عِنْدَ أهْلِ البَاطِلِ في كُلِّ شَيْءٍ يُرِيدُونَ نَشْرهُ عَلَى النَّاسِ دُونَ أنْ يُمْنَعُوا مِنْهُ بأحْكَامِ الدِّين، ومِنْ أمْثِلَةِ ذَلِكَ دُونَ حَصْر:
          θ تَسْمِيَةُ الخَمْرِ: وِيسْكِي؛ شَامْبَانْيَا؛ فُودْكَا؛ بِيرَة؛ مَشْرُوبَات رَوْحِيَّة ... الخ.
          θ تَسْمِيَةُ الرَّقْصِ: بَالِيه؛ فَنّ رَاقِي، رِسَالَة.
          θ تَسْمِيَةُ التَّمْثِيلِ والإبَاحِيَّةِ: رِسَالَة مُجْتَمَعِيَّة سَامِيَة.
          θ تَسْمِيَةُ صَوْتِ الشَّيْطَان: غِنَاء؛ مُوسِيقَى؛ غِذَاء الرُّوُح، تَهْذِيب للنَّفْس.
          θ تَسْمِيَةُ الزِّنَا: زَوَاج عُرْفِيّ؛ زَوَاج الدَّمّ ... الخ.
          θ تَسْمِيَةُ التَّبْذِيرِ: رَفَاهِية.
          θ تَسْمِيَةُ العُرِيِّ والتَّشَبُّهِ: مُوضَة.
          θ تَسْمِيَةُ إتِّبَاعِ الأهْوَاء والشَّهَوَات: حُرِّيَّة شَخْصِيَّة.
          θ تَسْمِيَةُ الخُرُوجِ عَنْ تَعَالِيمِ الدِّين: تَطْوِير؛ تَقَدُّم؛ مَدَنِيَّة؛ حَضَارَة ... الخ.
          θ تَسْمِيَةُ الابْتِدَاع والتَّحْرِيف في الدِّين: اجْتِهَاد.
          θ تَسْمِيَةُ تَفْرِيغِ الدِّين عَنْ مُحْتَوَاه وتَفْسِيرِهِ بِمَا يُخَالِفُ مُرَاد الله فِيهِ: تَجْدِيدُ الخِطَابِ الدِّينِيِّ.
          θ تَسْمِيَةُ البَاطِلِ مِنَ القَوْلِ: الرَّأي الآخَر.
          θ تَسْمِيَةُ النَّصْرَانِيَّة: المَسِيحِيَّة.

          وفي كُلِّ مَجَالٍ يُمْكِنُ أنْ نَرَى أمْثِلَة كَثِيرَة لا تُحْصَى، فَأهْلُ الأهْوَاءِ لَمْ يَتْرُكُوا شَيْئًا إلاَّ وحَاوَلُوا تَغْيِير اسْمَهُ ومُسَمَّاه ومُحْتَوَاه، كي لا يَبْقَى مِنَ الدِّينِ شَيْئًا، ولِمَ العَجَب، فَأصْلُ هذا البَاطِل قَوْمٌ حَرَّفُوا دِينَهُم بأنْفُسِهِم، ولَكِنْ لا يَجِب السَّمَاح لَهُم بأنْ يُحَرِّفُوا دِيننَا أيْضًا، ولا نَعْتَمِدُ عَلَى أنَّ اللهَ تَكَفَّلَ بحِفْظِ هذا الدِّين، فَمِنْ طُرُقِ حِفْظِهِ أنَّهُ مَحْفُوظٌ في صُدُورِ المُؤْمِنِينَ وبالتَّطْبِيقِ، لا بالسُّكُوتِ عَنْ تَضْلِيلِ النَّاس فِيهِ والتَّوَاكُل عَلَى الله، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَصِفُون.

          وهذا مَا أعْلَمُ؛ واللهُ تَعَالَى أعْلَى وأعْلَمُ.
          والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ

          تعليق


          • #6
            رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

            فَأنَا أكَادُ أجْزمُ أنَّ هذا الَّذِي يَفْزَع مَا قَرَأ القُرْآنَ مَرَّة وَاحِدَة في عُمْرِهِ، وإنْ كَانَ فَعَلَ فَهُوَ مُجَرَّد تَمْرِير للبَصَرِ دُونَ تَدَبُّر، ليَحِقَّ عَلَيْهِ قَوْل رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ لا يَفْقَهُهُ مَنْ يَقْرَؤُهُ في أقَلِّ مِنْ ثَلاَثٍ ] أي لا يَفْقَه القُرْآن مَنْ يَقْرَؤُهُ كَامِلاً في أقَلِّ مِنْ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ، وإلاَّ لَكَانَ هذا المَفْزُوع قَدْ عَلِمَ أنَّ العُلَمَاء والدُّعَاة لَيْسُوا هُمْ مَنْ كَفَّرُوا النَّصَارَى،
            للأسف الشديد ليست المشكلة في عوام النصارى أنفسهم فقط وطاعتهم لرهبانهم وإن خالفوا كتابهم , ففي الوقت الذي يتعرضون فيه لغسيل مخ من الكنائس ونقل صور مشينة عن الاسلام لهم ( وبالطبع سيصدقون لأنهم علمائهم مصدر التلقي الموثوق به وإن خالف حتى تفسيرهم كتابهم الذي يؤمنون به ) , في نفس الوقت يخرج ممن ينتسبون للدين ويداهنون بأن المسيحين ( كما يقولون ) ليسوا بكفار بدعوى أن الاسلام يدعو للمعاملة الحسنة ( وكأن هناك تعارض بين كونهم كفار وبين معاملتهم بما أمرنا به ربنا من إحسان وبر دون موالاة لهم ) وبأنهم أهل كتاب وليسوا بكفار ..
            سمعت بالأمس فيديو لإحدى المناظرات على القنوات الفضائية فيها مهاجمة كبيرة للشيخ عبد المنعم الشحات بأنهم سمعوا عن الشيخ عبد المنعم بأنه يقول بأن المسيحين ( هكذا يقولون ) كفار ويريدون قوله هل ما سمعوه بصحيح ويعلنها أمام الناس فأي فتنة هذه يريدون هؤلاء ! وما أهميتها في الحوار الآن ! هكذا ليشعروا الناس بالرعب وبأنه سيتم قتل هؤلاء لأنهم كفار .. والمؤسف أن يكون من بينهما واحد يمثل الأزهر الشريف يخرج هو الآخر ليهاجم الشيخ ويشعره بأنه إرهابي وإيهام الناس بأنهم وراء هدم الأضرحة وقطع أذن رجل قنا ووو ..
            في الوقت نفسه يوضح شيخ الأزهر سماحة الاسلام وبأن المسيحين ( على حد قولهم ) ليسوا بكفار ظانين بذلك بأنه بتكفيرهم سيتم قتلهم وإيهام الناس بأن الشيخ يقصد ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله وأن الاسلام برئ من هذا وسماحة الاسلام وكذا وكذا وكأن السلفيين مجرمين حرب ,, و سبحان الله صاحب الحق حجته بالغة عندما ذكر لهم آية ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) وبماذا تفسرونها تلعثموا وكأنه ألقمهم حجرا في فمهم .. وأخذوا يتفلتون من الجواب ..
            فأين هؤلاء من كتاب الله وآياته الصريحة لم المداهنة في ديننا أين هم من كتاب الله يوم يقوم الأشهاد ,, ماذا سيقولون وقتها وكلامهم يعارض صريح القرآن , ماذا سيقولون عن كل نصراني سيظن أنه على عقيدة صحيحة ! وماذا سيقولون عن كل مسلم يأخذ بفتواهم ليترك جانب الولاء والبراء ! ولم هذا كله ألجهل ! لا يمكن أن يكون عن جهل أبدا فالمسألة واضحة .. ألم يقراوا كتاب الله وآياته الواضحة فلم الدنية من ديننا أآمن أجل عرض الدنيا الزائل نبيع آخرانا ! اللهم إليك المشتكى ..
            ثم هم يختارون الفتاوى التي لا ترضي العوام ويسلطوا الضوء عليها دون إعطاء فرصة للشيخ للتعبير عن وجهة نظره والحكمة من ذلك من منظور شرعي ,, في المجمل كانت حلقة سخيفة وأسلوب قذر في الحوار ..
            ---------
            اللهم انصر عبادك الموحدين وأصلح قلوبنا لنكون أهلا لصلاح ..

            رحمك الله أبي الحبيب, لا تنسوه من الدعاء , الله المستعان

            تعليق


            • #7
              رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

              بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
              الأُخْتُ الفَاضِلَةُ / محبة السلف
              السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
              بِدَايَةً: أعْتَذِرُ لَكِ شَدِيد الاعْتِذَار عَنْ تَأخُّرِي في الرَّدِّ عَلَيْكِ، فالتمسي لي اعذر أختي الكريمة، وبمُنَاسَبَةِ الْتِمَاس الأعْذَار، يَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ قَوْلُهُم [ الْتَمِسُ لأخِيكَ بِضْعٌ وسَبْعُونَ عُذْرًا ] أو [ بِضْعٌ وسِتُّونَ عُذْرًا ]، ويَتَوَهَّمُونَ أنَّهُ حَدِيث نَبَوِيّ، وهُوَ لَيْسَ بحَدِيثٍ، بَلْ هُوَ مِنَ المَوْضُوعَاتِ المَكْذُوبَاتِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولا يَصِحُّ قَوْلُهُ إلاَّ مَقْرُونًا ببَيَانِ وَضْعِهِ، لَكِنْ مَعْنَاهُ طَيِّب قَالَ بِهِ بَعْضُ السَّلَف الصَّالِح، كَقَوْلِهِم [ الْتَمِسُ لأخِيكَ حتى سَبْعِينَ عُذْرًا، فَإنْ لَمْ تَجِدْ لَهُ عُذْر فَقُلْ: لَعَلَّ لَهُ عُذْرا لَمْ أُدْرِكْهُ ]، والشَّيْءُ بالشَّيْءِ يُذْكَرُ.

              للأسف الشديد ليست المشكلة في عوام النصارى أنفسهم فقط وطاعتهم لرهبانهم وإن خالفوا كتابهم, ففي الوقت الذي يتعرضون فيه لغسيل مخ من الكنائس ونقل صور مشينة عن الاسلام لهم (وبالطبع سيصدقون لأنهم علمائهم مصدر التلقي الموثوق به وإن خالف حتى تفسيرهم كتابهم الذي يؤمنون به)

              صَدَقْتِ أُخْتِي الكَرِيمَة، فَعَمَلِيَّات غَسِيل المُخّ القَذِرَة التي تَتِمّ تَجْعَلهُم فِعْلاً يُصَدِّقُونَهُم فِيمَا هُوَ أكْبَر وأفْظَع مِنْ مُجَرَّدِ تَشْوِيه صُورَة الإسْلاَم (بالنِّسْبَةِ لَهُم)، ولَيْسَ أدَلّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ عَمَلِيَّاتِ تَطْهِير النَّفْس والجَسَد التي يَدَّعِيهَا قَسَاوِسَتهم ويَقُومُونَ بِهَا سَوَاء مَعَ الرِّجَالِ أو النِّسَاءِ أو الأطْفَالِ، وتَبْدَأ مِنَ التَّطْهِيرِ بمُخْتَلَفِ أنْوَاع وأشْكَال ودَرَجَات التَّعْذِيب حتى تَصِل إلى الاغْتِصَابِ الَّذِي لا يُفَرِّق بَيْنَ رَجُلٍ وامْرَأةٍ وطِفْلٍ، ويَكُون برِضَاهُم واقْتِنَاعِهِم وأحْيَانًا كَثِيرَة بطَلَبِهِم، ولِمَ لا وهُمْ تَحْتَ تَأثِير عَمَلِيَّات غَسِيل المُخّ، والتي مِنْ خُطُورَتِهَا أنَّ مَنْ خَضَعَ لَهَا لا يَعْرِف أنَّهُ قَدْ خَضَعَ، ولا يَذْكُر ولا يَقْتَنِع مَهْمَا حَاوَلْنَا إقْنَاعهُ، لذا كَانَ خُرُوج كَامِيليَا شِحَاتَة بَعْدَ كُلّ هذه المُدَّة واعْتِرَافهَا بأنَّهَا مَازَالَت عَلَى نَصْرَانِيَّتِهَا لا يُعْتَدُّ بِهِ، لأنَّهَا وَاقِعَة تَحْتَ تَأثِيرِ عَمَلِيَّات غَسِيل المُخّ التي أُجْرِيَت لَهَا باعْتِرَافَاتِهِم، وكَانَت سَذَاجَة مِنَ المُسْلِمِينَ (مَعَ الأسَفِ) أنْ يَرْبُطُوا القَضِيَّة بمُجَرَّدِ ظُهُورهَا مِنْ عَدَمِهِ، لأنَّهُم كَانُوا يُخَطِّطُونَ لذَلِكَ ويَدْفَعُونَ النَّاسَ نَحْوَهُ، كي تَظْهَر وتَقُول مَا يُرِيدُونَ فَنَسْكُت، وكَأنَّهُم يَقُولُونَ وهُمْ يَضْحَكُون (ألَمْ يَكُن هذا طَلَبكُم: دَعُوهَا تَخْرُج، هَا هي قَدْ خَرَجَت، لَيْسَ لَكُم شَيْء عِنْدَنَا الآن).
              ومِنْ خُطُورَةِ عَمَلِيَّات غَسِيل المُخّ أيْضًا أنَّهُ في بِدَايَتِهَا يَكُون الخَاضِع في كَامِلِ وَعْيه، ويَكُون كَارِهًا لِمَنْ يُشْرِف عَلَى العَمَلِيَّة (أقْصِد في حَالَةٍ مِثْل حَالَةِ كَامِيليَا)، لَكِنْ مَعَ مُرُورِ الوَقْت وخُضُوعه لكُلِّ مَرَاحِل العَمَلِيَّة؛ فَإنَّهُ يَتَحَوَّل إلى شَخْصٍ مُحِبٍّ للَّذِي كَانَ يُشْرِف عَلَى العَمَلِيَّةِ حتى لَوْ كَانَ يَقُومُ بتَعْذِيبِهِ، فَسَيُحِبّهُ لدَرَجَةِ الجُنُون ويَكُون عَلَى اسْتِعْدَادٍ لفِعْلِ أيّ شَيْءٍ يُرْضِيه مَهْمَا كَانَ مُخَالِفًا للدِّينِ أو الفِطْرَةِ أو العَقْلِ أو رَغْبَةِ الشَّخْص الضَّحِيَّة، فَمَا بَالنَا وأنَّهُم يَخْضَعُونَ لبَعْضِ هذه العَلَمِيَّات برِضَاهُم في الأسَاسِ؟؟!! وهذا يُثْبِت أنَّهُم يُصَدِّقُونَ أيّ شَيْء يُقَال بدَرَجَةٍ يَصْعُبُ مَعَهَا إقْنَاعهُم بشَيْءٍ مُخَالِف إلاَّ بَعْدَ إفَاقَتهم أوَّلاً وإزَالَة آثَار غَسِيل المُخّ مِنْهُم، وهذا يُثْبِتُ صِدْق كَلاَمكِ الَّذِي تَفَضَّلْتِ بِهِ.

              وكأن هناك تعارض بين كونهم كفار وبين معاملتهم بما أمرنا به ربنا من إحسان وبر دون موالاة لهم

              هذه هي سِيَاسَةُ التَّلْبِيسِ التي يُرِيدُونَ أنْ تَشِيعَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وهي نَفْسهَا سِيَاسَة اليَهُود (فَرِّق تَسُد)، لأنَّ سِيَاسَةَ التَّلْبِيس تُؤَدِّي إلى التَّشَتُّتِ وتَضَارُبِ الأقْوَال واخْتِلاَفِ الآرَاء، وبالتَّالِي بِمَا أنَّهُم أصْحَاب الإعْلاَم والقُوَّة والمُؤَسَّسَات، يُمْكِنُهُم فَرْض الرَّأي الَّذِي يُرِيدُون، بالضَّبْطِ كَمَا هي سِيَاسَة (فَرِّق تَسُد)، فَكِلا السِّيَاسَتَان هَدَفهمَا وَاحِد: عَدَم اجْتِمَاع النَّاس عَلَى كَلِمَةِ حَقٍّ وَاحِدَةٍ.

              سمعت بالأمس فيديو لإحدى المناظرات على القنوات الفضائية فيها مهاجمة كبيرة للشيخ عبد المنعم الشحات بأنهم سمعوا عن الشيخ عبد المنعم بأنه يقول بأن المسيحين ( هكذا يقولون ) كفار ويريدون قوله هل ما سمعوه بصحيح ويعلنها أمام الناس فأي فتنة هذه يريدون هؤلاء ! وما أهميتها في الحوار الآن ! هكذا ليشعروا الناس بالرعب وبأنه سيتم قتل هؤلاء لأنهم كفار

              هذه سِيَاسَة الفَزَّاعَة يَا أُخْتَاه، يُرِيدُونَ أنْ يَفْزَعَ النَّاس مِنْ أيِّ شَخْصٍ يَتَكَلَّم في الدِّينِ عَلَى مُرَادِ الله ورَسُولِهِ، حتى لا يَقْبَلَ النَّاسُ إلاَّ رَأيَهُم هُمْ فَقَط، وكَلاَمَهُم هُمْ فَقَط، وإسْلاَمَهُم هُمْ فَقَط، الإسْلاَمُ اللِّيبْرَالِيّ الَّذِي يُرْضِي اليَهُود والنَّصَارَى المُمَثَّلِينَ في مَامَا أمْرِيكَا والعَمَّة إسْرَائِيل.

              والمؤسف أن يكون من بينهما واحد يمثل الأزهر الشريف يخرج هو الآخر ليهاجم الشيخ ويشعره بأنه إرهابي وإيهام الناس بأنهم وراء هدم الأضرحة وقطع أذن رجل قنا ووو ..

              يَبْدُو أُخْتِي الكَرِيمَة أنَّ مَعْلُومَاتكِ السِّينِمَائِيَّة والمَطْبَخِيَّة ضَعِيفَة، فهذه أُصُول اللُّعْبَة، هذه الحَبْكَة الدِّرَامِيَّة للفِيلْم، والمِلْح اللاَّزِم للطَّبْخَةِ، فَلِكَيّ يَنْجَح الفِيلْم ويُحَقِّق أعْلَى إيِرَادَات لاَبُدَّ أنْ يَسْتَعِينُوا فِيهِ بأُنَاسٍ ذُو مَكَانَة في المُجْتَمَعِ لكَيّ يَقْتَنِع النَّاس بضَلاَلِهِم وزَيْفِهِم، فَتَجِدِي صُحَفِيّ وكَاتِب وفِنَّان ولاَعِب وشَيْخ تَايْوَانِي وكَثِير جِدًّا مِنْ حَمَلَةِ الدُّكْتُورَاة؛ ولا يُتْشَرَط تَخَصُّصهم في الدُّكْتُورَاة؛ المُهِمّ أنَّ النَّاس سَتَسْتَمِع إلى دُكْتُور يَتَكَلَّم، وحتى الرَّاقِصَات صَارَ لَهُم دَوْر، ولَكِنْ هَؤُلاَء يُمْكِن أنْ يَرْفُضَهُم النَّاس أو في أقَلِّ الأحْوَال لَنْ يُحَقِّقُوا المَطْلُوب بأكْمَلِهِ، لِذَا، لاَبُدَّ مِنْ دَعْمِهِم وعَمَلِ الحَبْكَة الدِّرَامِيَّة ووَضْعِ المِلْح المُنَاسِب، فَيَأتُونَ بالوُزَرَاءِ وشُيُوخ الأزْهَر والمُفْتِي وأعْضَاء مَجْلِس الشَّعْب، لتَكْتَمِل الدَّائِرَة حَوْلَ رِقَاب عَامَّة النَّاس وبُسَطَائِهِم الَّذِينَ مَازَالُوا يَعِيشُونَ عَلَى مُعْتَقَدَاتٍ قَدِيمَةٍ لَمْ تَعُد مَوْجُودَة اليَوْم مِثْل (الكَبِير يُصَدَّق عَنِ الصَّغِير) (هذه المَنَاصِب لا يَرْتَقِيهَا إلاَّ أفَاضِل النَّاس) (لا يَتَكَلَّم في هذه الأُمُور إلاَّ أعْلَم النَّاس بِهَا)، وحَسْبُنَا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيل.

              في الوقت نفسه يوضح شيخ الأزهر سماحة الاسلام وبأن المسيحين ( على حد قولهم ) ليسوا بكفار ظانين بذلك بأنه بتكفيرهم سيتم قتلهم وإيهام الناس بأن الشيخ يقصد ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله وأن الاسلام برئ من هذا وسماحة الاسلام وكذا وكذا وكأن السلفيين مجرمين حرب

              هذا هُوَ المَطْلُوب أُخْتِي الكَرِيمَة والَّذِي يَسْعَوْنَ لتَحْقِيقِهِ بأيِّ ثَمَنٍ، وعَلَيْنَا أنْ نَعِي جَيِّدًا أنَّ الفَتْرَةَ التي نَعِيشُهَا هي فَتْرَة فِتْنَة حَقِيقِيَّة، طَرَفهَا الإسْلاَم وطَرَفهَا الآخَر البَاطِل بكُلِّ مُسَمَّيَاته، مَنْ لا يَقْتَنِع بذَلِكَ فَهُوَ وَاهِم، وسَيَضِلّ نَفْسَهُ وغَيْرَه، والمَعْرَكَة الحَقِيقِيَّة الآن إمَّا أنْ يَنْتَصِر الإسْلاَم ويُزْهِق البَاطِل، وهذا لَنْ يَحْدُث إلاَّ بوُجُودِ رِجَال (ذُكُور وإنَاث – كِبَار وصِغَار) يَحْمِلُونَ الدِّينَ ويُدَافِعُونَ عَنْهُ، وإمَّا أنْ يَنْتَصِرَ البَاطِل مُؤَقَّتًا، ويَكُون ذَلِكَ بسَبَبِ ذُنُوبنَا، وسَيَسْتَبْدِلنَا الله بقَوْمٍ آخَرِينَ يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَهُ ولا يَخَافُونَ في اللهِ لَوْمَة لاَئِم، يَنْصُرُونَ الدِّينَ فَيَنْصُرهُم اللهُ بِهِ ولَهُ.

              فأين هؤلاء من كتاب الله وآياته الصريحة لم المداهنة في ديننا أين هم من كتاب الله يوم يقوم الأشهاد ماذا سيقولون وقتها وكلامهم يعارض صريح القرآن , ماذا سيقولون عن كل نصراني سيظن أنه على عقيدة صحيحة ! وماذا سيقولون عن كل مسلم يأخذ بفتواهم ليترك جانب الولاء والبراء ! ولم هذا كله ألجهل ! لا يمكن أن يكون عن جهل أبدا فالمسألة واضحة ..

              هُنَاكَ فَرْقٌ أُخْتِي الكَرِيمَة بَيْنَ الجَهْلِ والجَهَالَة، فَالجَهْل بالذَّنْبِ أي عَدَم المَعْرِفَة بِهِ مُطْلَقًا، أمَّا الجَهَالَة بالذَّنْبِ فَهِيَ فِعْلهُ رَغْمَ المَعْرِفَة بِهِ، وعَلَى ذَلِكَ فَهُمْ يَتَصَرَّفُونَ بجَهَالَةٍ ولَيْسَ بجَهْلٍ، أعَاذَنَا اللهُ وإيَّاكُمْ مِنْ كُلِّ جَاهِلٍ جَهَّالٍ مِجْهَالٍ جَهُولٍ جَهِلٍ.

              ألم يقراوا كتاب الله وآياته الواضحة فلم الدنية من ديننا أآمن أجل عرض الدنيا الزائل نبيع آخرانا !

              بَلَى؛ قَرَءُوه، ولَكِنَّهُم كَمَنْ يَدْرُس القَانُون ليَخْرُجَ عَلَيْهِ ويَعْمَل بالثَّغَرَاتِ، ولأنَّ دِينَنَا كَامِلٌ وقَوِيمٌ ولَيْسَ بِهِ ثَغَرَات، فَهُمْ يَفْتَعِلُونَهَا تَارَّة، ويَتَلاَعَبُونَ بِهِ تَارَّةً أُخْرَى، وكَمَا يَنْسَى المُتَذَاكِي دَائِمًا أنَّ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أذْكَى مِنْهُ، أيْضًا يَنْسَى المُتَعَالِم أنَّ هُنَاكَ مَنْ هُوَ أعْلَم مِنْهُ، لِذَا تَجِدِيهم يَسْتَقْوُونَ بأشْيَاءٍ وبأشْخَاصٍ لا بأدِلَّةٍ وعِلْمٍ، لأنَّ بِضَاعَتَهُم رَخِيصَة وأسْلِحَتَهُم هَشَّة وقُوَاهُم ضَعِيفَة وَاهِنَة.

              ثم هم يختارون الفتاوى التي لا ترضي العوام ويسلطوا الضوء عليها دون إعطاء فرصة للشيخ للتعبير عن وجهة نظره والحكمة من ذلك من منظور شرعي ,, في المجمل كانت حلقة سخيفة وأسلوب قذر في الحوار..

              هذه هي طَرِيقَتهُم دَائِمًا في البَرَامِجِ الحِوَارِيَّةِ المُوَجَّهَةِ التي تُعْطِي صَاحِب البَاطِل كُلّ الفُرَص وكُلّ الحُقُوق، وتُضَيِّق كُلّ التَّضْيِيق عَلَى المُنَاظِرِ لَهُ بحَقٍّ، حتى يَظْهَر الأوَّل بصُورَةِ المُجَادِل ذُو الحُجَّة القَوِيَّة والفِكْر الصَّحِيح، ويَظْهَر الثَّانِي بصُورَةِ قَلِيل الحِيلَة ضَعِيف الحُجَّة هَشّ الفِكْر الَّذِي لَمْ يُكْمِل رَدّ سُؤَال وَاحِد مِمَّا وُجِّهَ لَهُ، وبالمُنَاسَبَةِ: هذا أحَد أسَالِيب غَسِيل المُخّ للجُمْهُور.

              واللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا يَصِفُونَ.

              وهذا مَا أعْلَمُ؛ واللهُ تَعَالَى أعْلَى وأعْلَمُ.
              والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ

              تعليق


              • #8
                رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم
                وجعل جميع اعمالكم خالصة لوجهه الكريم وثقلا في ميزان حسناتكم

                اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

                تعليق


                • #9
                  رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

                  الأخ الفاضل / محارب الشيطان
                  للأمانة كنت سمعت الشيخ ياسر برهامي يطلق عليهم لفظ مسيحين فهلا وضحت لنا السبب ؟

                  رحمك الله أبي الحبيب, لا تنسوه من الدعاء , الله المستعان

                  تعليق


                  • #10
                    رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

                    جزاكم الله خيرًا ...

                    موضوع قيم ...

                    {ياليت قومي يعلمون}


                    وكما قالت الأخت .. هناك مشايخ فعلًا ... يطلقون عليهم (مسيحيين) ...

                    ولا ندري عن هذه الأيام إلا اختلاط الحابل بالنابل والصالح بالطالح، ولا نجد لها تفسيرًا إلا <فتن كقطع الليل المظلم>
                    نسأل الله السلامة ،،،

                    تعليق


                    • #11
                      رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

                      بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
                      الأُخْتُ الفَاضِلَةُ / محبة السلف
                      والأُخْتُ الفَاضِلَةُ / في سبيل الله يا نفس
                      السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
                      بِدَايَةً: أَنَا لَمْ أَسْمَعْ أَوْ أَرَ كَلاَمًا للشَّيْخِ ياسر برهامي حَفِظَهُ اللهُ يَقُولُ فِيهِ لَفْظَة (مَسِيحِيِّينَ)، لِذَا رُبَّمَا فُهِمَ مِنْ كَلاَمِهِ مَا هُوَ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاه، كَأَنْ يَكُونَ اقْتُطِعَ مِنْ سِيَاقٍ أَوْ كَأَنْ يَقُولَ مَا يَقُولهُ النَّاس عَنْهُمْ مَثَلاً أَوْ مَا شَابَهَ.

                      ثَانِيًا: وَرَدَتِ الفَتْوَى التَّالِيَة في مَوْقِعِ صوت السلف الَّذِي يُشْرِفُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ ياسر برهامي:
                      السُّؤَالُ: هَلْ يَجُوزُ اسْتِخْدَام لَفْظَة المَسِيحِيِّينَ والمَسِيحِيّ أَوْ غَيْر المُسْلِمِ بَدَلاً مِنْ نَصْرَانِيٍّ؟
                      الجَوَابُ:
                      الحَمْدُ للهِ، والصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ؛
                      فَالأَوْلَى اسْتِعْمَالُ لَفْظِ النَّصَارَى عَلَى مَنْ يَدِينُونَ بالمِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ؛ لأَنَّ هَذَا هُوَ اللَّفْظ في القُرْآنِ، وإِنْ كَانَ لا يَحْرُمُ اسْتِعْمَال لَفْظ المَسِيحِيِّينَ لا باعْتِبَارِ صِحَّة النِّسْبَة إِلَى المَسِيحَِلَيْهِ السَّلاَمِ-، بَلْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ وهُمْ مِنْهُ أَبْرِيَاء؛ لاخْتِلاَفِ المِلَّة، ولَكِنْ شُيُوع اللَّفْظ في هَذِهِ المِلَّة كَافٍ في اعْتِبَارِهِ مُجَرَّد تَعْرِيفٍ كَمَا يُقَالُ: "لُوطِيّ"، وقَدِ اسْتَعْمَلَهُ العُلَمَاء سَلَفًا وخَلَفًا في مُرْتَكِبِ فَاحِشَة إِتْيَان الذُّكُور مَعَ بَرَاءَة لُوطَلَيْهِ السَّلاَم- مِنْهُمْ، والتَّقْدِير أَنَّهُمْ مِثْل قَوْم لُوط.
                      بَلْ أَصْلُ كَلِمَة اليَهُود والَّذِينَ هَادُوا لا تَدُلّ الآن عَلَى حَقِيقَةِ تَوْبَتهم [ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ] (الأَعْرَافُ:156)، وكَلِمَةُ النَّصَارَى أَصْلُهَا عَلَى الرَّاجِحِ: "النُّصْرَة"، مَعَ أَنَّهُم الآن لا يَنْصُرُونَ دِينَ المَسِيح الحَقّ، ومَعَ ذَلِكَ اسْتُعْمِلَ اللَّفْظَانِ في القُرْآنِ للشُّهْرَةِ عَلَى المَعْنَى المَقْصُود.انْتَهَتِ الفَتْوَى

                      والشَّاهِدُ في الفَتْوَى مَا يَلِي:
                      1- أَنَّ الأَوْلَى هُوَ اسْتِعْمَالُ التَّسْمِيَة الَّتِي وَرَدَتْ في القُرْآنِ والسُّنَّةِ: النَّصَارَى.
                      2- أَنَّ تَسْمِيَتَهُمْ مَسِيحِيِّينَ لا تَحْرُم إِذَا كَانَتْ مِنْ بَابِ اسْتِخْدَام شُيُوع اللَّفْظ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ عَنِ اعْتِقَادٍ في أَنَّهُمْ أَتْبَاع المَسِيح عَلَيْهِ السَّلاَم فَهِي الَّتِي تَحْرُم.

                      ونَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ ونَقُولُ:
                      أَمَّا النُّقْطَةُ الأُولَى، فَنَتَّفِقُ فِيهَا، وهِيَ أَنَّ الأَوْلَى هُوَ اسْتِخْدَام التَّسْمِيَة الَّتِي وَرَدَتْ في القُرْآنِ والسُّنَّةِ.
                      أَمَّا النُّقْطَةُ الثَّانِيَةُ، فَهِيَ مَحَطُّ الخِلاَفِ، ويُرَدُّ عَلَيْهَا مِنْ وُجُوهٍ:
                      الوَجْهُ الأَوَّل: مَسْأَلَةُ القِيَاسِ عَلَى لَفْظِ (لُوطِيّ) لا يَصِحّ الاسْتِدْلاَل بِهَا، إِذْ أَنَّ تَسْمِيَة فَاعِل الفَاحِشَة (لُوطِيّ) لا عِلاَقَةَ لَهَا باسْمِ نَبِيِّ الله لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَاسْمُ (لُوطٍ) أَعْجَمِيٌّ، قَالَ السُّيُوطِيُّ في إِتْقَانِ عُلُومِ القُرْآنِ [ قَالَ الجَوَالِيقِيُّ (أَسْمَاءُ الأَنْبِيَاءِ كُلّهَا أَعْجَمِيَّةٌ إِلاَّ أَرْبَعَة: آدَم وصَالِح وشُعَيْب ومُحَمَّد) ]، أَمَّا (اللِّوَاط) فَأَصْلهُ الفِعْل العَرَبِيّ (لاَطَ) أَي: لَصَقَ، ومِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَمَا في صَحِيحِ مُسْلِمِ [ ...، ثُمَّ يُنْفَخُ في الصُّورِ، فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَصْغَى لَيْتًا ورَفَعَ لَيْتًا. قَالَ: وأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبلِهِ. قَالَ: فَيُصْعَقُ، ويُصْعَقُ النَّاسُ،... ]، وفي صَحِيحِ التَّرْغِيبِ للأَلْبَانِيِّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ ...، ولتَقُوم السَّاعَة يَلُوطُ حَوْضَهُ لا يَسْقِيه، ولتَقُوم السَّاعَة وقَدْ رَفَعَ لُقْمَتَهُ إِلَى فِيهِ لا يَطْعَمهَا ]، والشَّاهِدُ في الحَدِيثَيْنِ أَنَّ الحَوْضَ هُوَ المَكَانُ الَّذِي يُجْمَع فِيهِ المَاء لتُسْقَى الإِبِل, ومَعْنَى الفِعْل (يَلُوطُ) هُنَا هُوَ إِصْلاَحُ مَحَلّ المَاء ومَوْضِعه، فَهُوَ يَلْصِقُ الطِّينَ بَعْضَهُ ببَعْضٍ ليَصْنَعَ حَوْضًا يَكُون صَالِحًا لوَضْعِ المَاء فِيهِ, ومِنْ هُنَا جَاءَتْ تَسْمِيَة فَاحِشَة إِتْيَان الذُّكُور باللِّوَاطِ، إِذْ أَنَّ لُوطَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَرَادَ أَنْ يُصْلِحَ مَوْضِع مَاءَ الرِّجَال بَدَلاً مِنِ الْتِصَاقِ الرِّجَال بَعْضهُمْ ببَعْضٍ وعَمَل الفَاحِشَة قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَهُمْ [ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ], لأَنَّ المَرْأَةَ هِيَ المَوْضِعُ الصَّحِيحُ الصَّالِحُ لمَاءِ الرَّجُل ليَنْبُت مِنْ ذَلِكَ الإِنْسَان ويُولَد [ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْحَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ]، ثُمَّ إِنَّ اللِّوَاطَ مَصْدَرٌ، ومَنْ تعلَّمَ العَرَبِيَّة يَعْرِفُ أَنَّ الأَفْعَالَ وأَسْمَاءَ الأَفْعَالِ وأَسْمَاءَ الفَاعِلِينَ والصِّفَةَ المُشَبَّهَةَ وأَفْعُلَ التَّفْضِيلِ كُلُّ ذَلِكَ مُشْتَقٌّ مِنَ المَصْدَرِ، ذَكَر بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِيُّ في كِتَابِهِ تَشْنِيفُ المَسَامِع (ص 87) مَا نَصُّهُ [ إِنَّ الأَفْعَالَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ المَصَادِر عَلَى الصَّحِيحِ، والأَفْعَالُ أَصْلٌ للصِّفَاتِ المُشْتَقَّةِ مِنْهَا فَتَكُونُ المَصَادِرُ أَصْلاً لَهَا أَيْضًا ]، وقَالَ أَبُو القَاسِم الحَرِيرِيُّ في مُلْحَةِ الإِعْرَاب مَا نَصُّهُ [ والمَصْدَرُ الأَصْلُ وأَيُّ أَصْلِ ** ومِنْهُ يَا صَاحِ اشْتِقَاقُ الفِعْلِ ]، فَلاَ يَصِحُّ بَعْدَ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ اللِّوَاطِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ مُشْتَقًّا مِنْ اسْمِ نَبِيِّ الله لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ولاسِيَّمَا وهُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ قِيَاسَ قَوْل (مَسِيحِيّ) عَلَى قَوْلِ (لُوطِيّ) غَيْرُ صَحِيحٍ.

                      الوَجْهُ الثَّانِي: مَسْأَلَةُ شُيُوعِ اللَّفْظِ، نَقُولُ فِيهَا أَنَّهُ لَيْسَ كُلّ مَا شَاعَ أُبِيحَ اسْتِخْدَامه، فَمَثَلاً اسْم (يَسُوع) مِنَ الأَسْمَاءِ الشَّائِعَةِ عِنْدَ النَّصَارَى، فَهَلْ يَجُوزُ إِطْلاَقه عَلَى رَسُولِ اللهِ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ؟ نَجِدُ إِجَابَة هَذَا السُّؤَال في فَتْوَى أَيْضًا في مَوْقِعِ صوت السلف الَّذِي يُشْرِفُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ ياسر برهامي:
                      السُّؤَالُ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ عَنِ المَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- أَنَّهُ يَسُوع كَمَا يَقُولُ النَّصَارَى؟ وهَلْ يَسُوع هُوَ المَسِيح عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-؟ لأَنَّ هُنَاكَ بَعْضُ الشَّبَابِ في المُنْتَدَيَاتِ يَتَهَكَّمُونَ بيَسُوع ويَسْخَرُونَ مِنْهُ أَثْنَاء مُنَاقَشَاتِهِمْ مِنَ النَّصَارَى؟
                      الجَوَابُ:
                      الحَمْدُ للهِ، والصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ؛
                      فَنَحْنُ بَعْدَ أَنْ أَغْنَانَا اللهُ -تَعَالَى- بالعَرَبِيَّةِ لا نَحْتَاجُ إِلَى أَنْ نُغَيِّرَ لِسَاننَا بِمَا دُونِهَا وأَنْ يَعْوَجَّ لِسَاننَا بالأَعْجَمِيَّةِ، وقَدْ ذَكَرَ اللهُ -تَعَالَى- أَسْمَاءَ الأَنْبِيَاء في القُرْآن ِعلَىَ مَا أَرَادَ تَسْمِيَتهم، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ نَعْدِلَ إِلَى لَفْظٍ مُعْوَجٍّ بالنِّسْبَةِ إِلَى اللِّسَانِ العَرَبِيِّ المُبِينِ الَّذِي تَكَلَّمَ اللهُ -تَعَالَى- بِهِ بحُرُوفِهِ ومَعَانِيهِ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ نَقُولَ عَنِ المَسِيح -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- أَنَّهُ "يَسُوع"، أَوْ أَنْ نَقُولَ: "يَسُوع" -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-.
                      أَمَّا إِنْ كُنَّا نُخَاطِبهُمْ أَوْ نُلْزِمهُمْ بأَشْيَاءٍ مَنْقُولَةٍ عَنْهُمْ مِمَّا يُوَافِق كِتَاب اللهِ -تَعَالَى- وسُنَّة نَبِيِّهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-؛ فَلاَ بَأْسَ أَنْ نَقُولَ: "في كِتَابِكُمْ قَالَ يَسُوع كَذَا، أَوْ فَعَلَ يُوحَنَّا كَذَا -وهُوَ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، أَوْ قَالَ يُونَان كَذَا -وهُوَ يُونُس عَلَيْهِ السَّلاَمُ-"، لَكِنْ مَعَ إِصْلاَحِ اللِّسَانِ بِمَا وَرَدَ في القُرْآنِ الكَرِيمِ.
                      والمَسِيحُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- الَّذِي أُرْسِلَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل، والَّذِي مِنْ مُعْجِزَاتِهِ إِحْيَاء المَوْتَى وإِبْرَاء الأَكْمَه والأَبْرَص، والَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ الإِنْجِيل؛ هُوَ المُسَمَّى عِنْدَهُمْ "يَسُوع"، ولَيْسَ "يَسُوع" شَخْصًا آخَر -كَمَا يَقُولُ البَعْض- فيُتَهَكَّم بِهِ أَوْ يُسْخَر مِنْهُ كَمَا يَصْدُر مِنْ عَدَدٍ مِنَ الجُهَّالِ مِمَّنْ يَكْتُب في المُنْتَدَيَاتِ ونَحْوِهَا.
                      ومِثَالُ ذَلِكَ في تَرْجَمَةِ اسْم النَّبِيّ مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- قَدْ تُسْتَبْدَل الهَاء في النُّطْقِ بالحَاءِ، فَلاَ يُعْقَل أَنْ نَقُولَ مَنْ سَبَّ "مُحَمَّدًا" بالهَاءِ الَّذِي صِفَتُهُ أَنَّهُ وُلِدَ بمَكَّةَ وأُنْزِلَ عَلَيْهِ القُرْآن وكَانَ مِنْ شَأْنِهِ كَذَا وكَذَا أَنْ لا بَأْسَ بذَلِكَ مَا دَامَ لا يَسُبّ "مُحَمَّدًا" بالحَاءِ!
                      ونَخْشَى عَلَى مَنْ وَقَعَ في سَبِّ "يَسُوع" أَنْ يَكُونَ قَدْ وَقَعَ في سَبِّ الأَنْبِيَاء الَّذِي هُوَ مِنَ الكُفْرِ المُخْرِجِ مِنَ المِلَّةِ، ولَكِنْ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَقْصِد سَبّ المَسِيح، وأَنَّهُ يَقُول أَنَّ هَذَا شَخْصٌ آخَر، لَكِنْ هَذَا لا يَعْفِيهِ؛ لأَنَّ الشَّخْصَ المُسَمَّى "يَسُوع" تَتَّفِق سِيرَتُهُ في القُرْآنِ والإِنْجِيلِ مَعَ الاخْتِلاَفِ في بَعْضِ الأُمُورِ الَّتِي بَيَّنَ القُرْآن كَذِب النَّصَارَى فِيهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَّخْص هُوَ هَذَا الشَّخْص. انْتَهَتِ الفَتْوَى

                      وبالتَّالِي، فَطَالَمَا أَنَّ القَاعِدَةَ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا الشَّيْخ في مَنْعِ تَسْمِيَة المَسِيح صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بيَسُوع هي [ وقَدْ ذَكَرَ اللهُ -تَعَالَى- أَسْمَاءَ الأَنْبِيَاء في القُرْآن ِعلَىَ مَا أَرَادَ تَسْمِيَتهم، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ نَعْدِلَ إِلَى لَفْظٍ مُعْوَجٍّ بالنِّسْبَةِ إِلَى اللِّسَانِ العَرَبِيِّ المُبِينِ الَّذِي تَكَلَّمَ اللهُ -تَعَالَى- بِهِ بحُرُوفِهِ ومَعَانِيهِ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ نَقُولَ عَنِ المَسِيح -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- أَنَّهُ "يَسُوع"، أَوْ أَنْ نَقُولَ: "يَسُوع" -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- ] رَغْمَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ عِيسَى ويَسُوع شَخْصٌ وَاحِدٌ، فَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ تَسْمِيَة النَّصَارَى بالمَسِيحِيِّينَ بزَعْمِ شُيُوعِ اللَّفْظِ، ولَوْ أَنَّ اللهَ ورَسُولَهُ أَرَادَا لَهُمْ هَذِهِ التَّسْمِيَة لَسَمُّوهُم بِهَا، ومَا شَاعَتْ هَذِهِ التَّسْمِيَة إِلاَّ في السَّنَوَاتِ المُتَأَخِّرَةِ فَقَطْ ولَمْ يُعْرَف لَهَا الشُّيُوع مِنْ قَبْل، بَلِ المُتَوَاتِر تَسْمِيَتهم بالنَّصَارَى، ونَنْقِلُ هُنَا فَتْوَى للشَّيْخِ ابْن جِبْرِين رَحِمَهُ اللهُ:
                      السُّؤَالُ: هَلْ يَجُوزُ تَسْمِيَة النَّصَارَى بالمَسِيحِيِّينَ؟
                      الجَوَابُ:
                      الاسْمُ الَّذِي وَرَدَ في الكِتَابِ والسُّنَّةِ هُوَ النَّصَارَى كَمَا قَالَ تَعَالَى [ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ]، وقَالَ تَعَالَى [ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ]، وقَالَ تَعَالَى [ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ]، وقَالَ تَعَالَى [ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ]، وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِد ]، وغَيْر ذَلِكَ مِنَ الأَدِلَّةِ، فَعَلَى هَذَا يُعَرَّفُونَ بالاسْمِ الَّذِي وَرَدَ في كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
                      فَأَمَّا تَسْمِيَتُهُمْ بالمَسِيحِيِّينَ فَيُفْهَم مِنْهُ أَنَّهُمْ أَتْبَاع المَسِيح أَوْ عَلَى دِينِهِ، ولَيْسُوا كَذَلِكَ حَيْثُ غَلَوْا فِيهِ فَكَفَّرَهُمُ اللهُ بذَلِكَ، كَمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى [ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ]، فَقَدْ حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنِ المَسِيح -عَلَيْهِ السَّلاَم- دَعْوَتهُ إِلَى عِبَادَةِ الله والاعْترَافِ بأَنَّهُ رَبّهُ ورَبّكُمْ، وتَحْذِيره مِنَ الشِّرْكِ، فَالنَّصَارَى لَيْسُوا عَلَى مِلَّةِ المَسِيح ولا هُمْ أَتْبَاعه، فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ، فَكَيْفَ يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ، وهُمْ قَدْ خَالَفُوا دَعْوَتَهُ وسُنَّتَهُ؟
                      ولَعَلَّ اشْتِهَارهمْ بهَذَا الاسْمِ صَدَرَ مِنْ بَعْضِ المُتَأَخِّرِينَ لَمَّا رَأَوْا انْتِمَاءهم إِلَيْهِ وكَثْرَة ذِكْره في كُتُبِهِم.
                      ثُمَّ إِنَّ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلاَم- يُعْرَف في كُتُبِهِم باليَسُوعِ ويُسَمُّونَ الآنَ أَنْفُسَهُمْ باليَسُوعِيِّينَ، وهَذَا الاسْمُ للمَسِيح مُخَالِفٌ للاسْمِ الَّذِي وَرَدَ في الكِتَابِ والسُّنَّةِ، فَيُنْهَى عَنِ اسْتِعْمَالِهِ أَيْضًا، ولَوِ اشْتُهِرَ فِيمَا بَيْنَهُمْ. انْتَهَتِ الفَتْوَى

                      الوَجْهُ الثَّالِثُ: نِسْبَةُ النَّصَارَى إِلَى كَلِمَةِ (نُصْرَة)، تَكَلَّمْنَا فِيهَا سَابِقًا وأَثْبَتْنَا أَنَّهَا غَيْر صَحِيحَةٍ.

                      ومِنْ ثَمَّ لا يَبْقَى في الفَتْوَى المَوْجُودَة بمَوْقِعِ الشَّيْخ ياسر برهامي إِلاَّ الجُزْء الأَوَّل فِيهَا وهُوَ مَا نَتَّفِقُ مَعَهُ عَلَيْهِ وهُوَ أَنَّ الأَوْلَى تَسْمِيَتهم بالنَّصَارَى كَمَا في القُرْآنِ والسُّنَّة، ومِنْ بَابِ التَّأَدُّب مَعَ الفَتْوَى وحَمْل الكَلاَم فِيهَا عَلَى أَحْسَن المَعَانِي فَإِنَّ القَوْل بالجَوَازِ انْقَسَمَ إِلَى قِسْمَيْنِ:
                      الأَوَّلُ: شَرِيطَةَ أَلاَّ يَكُون باعْتِقَادٍ في نِسْبَتِهِمْ إِلَى المَسِيح صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ بَرَاء.
                      الثَّانِي: يُحْمَل هَذَا الجَوَاز عَلَى مَا في الفَتْوَى الثَّانِيَة وهُوَ [ أَمَّا إِنْ كُنَّا نُخَاطِبهُمْ أَوْ نُلْزِمهُمْ بأَشْيَاءٍ مَنْقُولَةٍ عَنْهُمْ مِمَّا يُوَافِق كِتَاب اللهِ -تَعَالَى- وسُنَّة نَبِيِّهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-؛ فَلاَ بَأْسَ أَنْ نَقُولَ: "في كِتَابِكُمْ قَالَ يَسُوع كَذَا، أَوْ فَعَلَ يُوحَنَّا كَذَا -وهُوَ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، أَوْ قَالَ يُونَان كَذَا -وهُوَ يُونُس عَلَيْهِ السَّلاَمُ-"، لَكِنْ مَعَ إِصْلاَحِ اللِّسَانِ بِمَا وَرَدَ في القُرْآنِ الكَرِيمِ. ] لا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ هِيَ التَّسْمِيَة المُطْلَقَة لَهُمْ في العُمُومِ، خَاصَّةً وأَنَّ بِدَايَةَ الفَتْوَى كَانَتْ بالتَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّ الأَوْلَى هُوَ عَدَمُ الاسْتِخْدَامِ، لِذَا يُحْمَلُ الكَلاَم في النِّهَايَةِ عَلَى تَخْصِيص مَوْقِفٍ بعَيْنِهِ دُونَ إِطْلاَقٍ.


                      وهذا مَا أعْلَمُ، واللهُ تَعَالَى أعْلَى وأعْلَمُ
                      إِنْ أَخْطَأْتُ فَمِنْ نَفْسِي، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ، وإِنْ أَصَبْتُ فَمِنْ عِنْدِ اللهِ، والحَمْدُ للهِ
                      والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ

                      تعليق


                      • #12
                        رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

                        جزاكم الله خير الجزاء
                        استفدت كثيرا والحمد لله
                        اشهد ان لااله الا الله واشهد ان محمد عبده ورسوله¨


                        تعليق


                        • #13
                          رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

                          وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                          جزاكم لله كل خير
                          بارك الله فيكم ونفع بكم


                          قال الحسن البصري - رحمه الله :
                          استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                          [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                          تعليق


                          • #14
                            رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

                            وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                            جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم

                            تعليق


                            • #15
                              رد: هل النصارى هم المسيحيون هم الأقباط؟ هل هم ثلاثة أم واحد؟ أخطاء تاريخية ولغوية وأخطار عقائدية

                              جزاكم ربنا خيرا كثيرا
                              نقاش طيب وهادف
                              ومعلومات مفيدة
                              بارك الله فيمن.كتب وفيمن علق
                              هذة أمتّي هذا حآلها وإن قعدت أنا فمن يقوم هذي بلادي وليس لي غيرها فإن لم أجاهد أنا فمن يذود هذا عرضي ...... ذاك ديني وأعاهدالله على النضآل فأعنّا يا الله وتقبّل منّا وانصرنا بمعيّتك

                              تعليق

                              يعمل...
                              X