السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله وبارك في جهدكم
المبحث الأول:
فصل في ضوابط الأسماء عموما
أقول ستعينا بالله :
أنه مما اتفق عليه اهل اللغة أن الاسم يدل على المسمى بالمطابقة والتضمن والالتزام، ولذلك استحب شرعا أن نختار لأنفسنا أسماء وصفات لا تطابق محرما ولا تدعو إليه وألا تتضمن محرما أو تدعو إليه ، وأن نراعي أن (الأسماء قوالب للمعاني).
قال القرطبي رحمه الله تعالى :
في تفسير قوله سبحانه :( لم نجعل له من قبل سميا ) - مريم 7 - ، ( وفي هذه الآية دليل وشاهد على أن الأسامي الجميلة - جديرة بالأثرة ، ومن المشهور في كلام الناس : الألقاب تنزل من السماء، فلا تكاد تجد الاسم الغليظ الشنيع إلا على مسمى يناسبه وعكسه بعكسه.
وقيل : وقل إن أبصرت عيناك ذا لقب .*. إلا ومعناه في اسم منه أو لقب
قلت (أبو أنس):
كما أن الآثار والتاريخ والسير يشهدون أن للمرء من اسمه نصيب ، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يغير الاسم القبيح.
ولهذا لا بد للإنسان أن يختار الإسم الجميل والصفة الحسنة فقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسن اختيار الأسماء ... و غيّر صلى الله عليه وسلم أيضاً بعض الأسماء من { حرب إلى سلم, ومن حزن إلى سهل , ومن عاصي إلى عبد الله }
روى البخاري في صحيحه عن عبدالحميد بن جبير بن شعبة قال : جلست الى سعيد بن المسيب , فحدثني أن جده حزناً قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك ؟ قال : اسمي حزن . قال له رسول الله : بل أنت (سهل) قال : ما أنا بمغير اسما سمانيه أبي .. قال ابن المسيب : فمازالت فينا الحزونة بعد ...
وعند أبي داؤد أن رجلا يقال له أصرم جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما اسمك ؟ قال : انا أصرم قال : بل أنت زرعة
ويروى عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال لرجل : ما اسمك؟ قال : جمرة قال : ابن من؟ قال : ابن شهاب قال عمر : ممن؟ قال: من الحُرقة قال عمر: أين مسكنك ؟ قال : بحرة النار قال عمر :بأيتها قال : بذات لظى قال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا !!!!!!!!!!! فرجع الى أهله فوجدهم قد احترق عامتهم (رواه مالك في الموطأ)...
وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم بنت كانت تسمى عاصية فسماها جميلة
قلت (أبو أنس):
فإذا تأملنا العلة التي أرادها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من تغيير الأسماء لوجدناها تدور حول :
- البعد عن الأسماء التي تحوي صفات سئية كالغرور والعجب والكبر .
-البعد عن الأسماء التي توحي بالوله والغرام والعشق وما إلى ذلك .
- البعد عن الأسماء التي فيها تزكية للنفس .
أضف إلى ذلك:
البعد عن أسماء الكفرة والملحدين والزنادقة والفسقة ؛ لأن في التسمي بهم رفعة لشأنهم إضافة إلى أن التشبة بالكفار مما نهي عنه في الشرع وجاء الزجر عليه .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
(أكثر السفلة أسماؤهم تناسبهم ، وأكثر الشرفاء والعلية أسماؤهم تناسبهم ) .
وأختم بتفصيل من رسالة ( تسمية المولود ) للعلامة / بكر بن عبدالله أبوزيد - رحمه الله -:
قال: الأصل الثامن : في الأسماء المكروهة .. يمكن تصنيفها على ما يلي :
* تكره التسمية بما تنفر منه القلوب، لمعانيها، أو ألفاظها، أو لأحدهما، لما تثيره من سخرية وإحراج لأصحابها وتأثير عليهم، فضلاً عن مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم بتحسين الأسماء :
ومنها : حرب، مرة، خنجر، فاضح ...
* ويكره التسمي بأسماء فيها رخوة وميوعة
* ويكره تعمد التسمي بأسماء الفساق
* ويكره التسمية بأسماء فيها معان تدل على الإثم والمعصية، كمثل ( ظالم بن سراق )
فقد ورد أن عثمان بن أبي العاص امتنع عن تولية صاحب هذا الاسم لما علم أن اسمه هكذا .
* ويكره التسمي بأسماء الطغاة
* وتكره التسمية بكل اسم مضاف من اسم أو مصدر أو صفة مشبهة مضافة إلى لفظ ( الدين) ولفظ ( الإسلام ) مثل : نور الدين، ضياء الدين، سيف الإسلام، نور الإسلام ... وذلك لعظيم منزلة هذين اللفظين ( الدين ) و ( الإسلام ) ،
* وتكره التسمية بالأسماء المركبة ،مثل : محمد أحمد، محمد سعيد، فأحمد مثلاً فهو الاسم،
محمد للتبرك ... وهكذا. وهي مدعاة إلى الاشتباه والالتباس، ولذا لم تكن معروفة في هدي السلف،
وهي من تسميات القرون المتأخرة، كما سبقت الإشارة إليه.
* ويلحق بها المضافة إلى لفظ الجلالة ( الله )، مثل : حسب الله، رحمة الله ، جبره الله،
* أو المضافة إلى لفظ الرسول، مثل : حسب الرسول، وغلام الرسول
* وكره جماعة من العلماء التسمي بأسماء الملائكة عليهم السلام ! مثل : جبرائيل، ميكائيل، إسرافيل.
* أما تسمية النساء بأسماء الملائكة ، فظاهر الحرمة ، لأن فيها مضاهاة للمشركين في جعلهم للملائكة بنات الله ، تعالى الله عن قولهم.
وقريب من هذا تسمية البنت : ملاك، ملكة.
* وكره جماعة من العلماء التسمية بأسماء سور القرآن الكريم، مثل : طه، يس ، حم ...
" وأما ما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، فغير صحيح " انتهى
- تنبيه :
على ما يروى في الأثر المشهور : "خير الأسماء ما عبد وحمد" ، فلا يصح حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وانظر " المقاصد الحسنة " ( 39 و 205 ) ، "الدرر المنتثرة" ( 217 ).
المبحث الثاني:
فصل في عدم جواز التحدث أو كتابة الأسماء بغير العربية إلا لضرورة شرعية:
والذي دعاني للحديث والتأصيل في هذا الأمر هو ما لاحظته من كتابة بعض أحبتنا الأعضاء أسماءهم المستعارة بحروف لاتينية (إنجليزية) ونحن هنا لسنا بصدد التحدث عن النوايا لأن ذلك علمه عند الله تعالى ولا نظن بأحبابنا الأعضاء إلا الخير فلهم منا التحية والتقدير والشكر على جهدهم في نشر الدعوة والاهتمام بأهلها.
وهنا أأكد على خطورة المسألة فإنها ليست مجرد أسماء مستعارة إن كانت أجنبية أو مجرد حروف مكتوبة إن كانت في أصلها عربية ، بل الأمر أكبر من ذلك وهو قد يكون مدخلا لظاهرة غزو اللغات الغربية إلى بلاد المسلمين بما يدخلنا في مسألة التشبه بغير المسلمين والتحلي بغير لغة القرآن والله المستعان.
حقيقة المسألة جديرة بالتأمل والتفكر لأن لهذا الفكر خطره الشديد على إيمان الإنسان.
أما عن الكلام بغير العربية من غير محوج شرعي فقد تقدم بيانه في موضوعنا:
حكم التحدث باللغة الانجليزية دون الحاجة لذلك
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ (اقتضاء الصراط المستقيم) ص203: (وأما الخطاب بها ـ أي باللغة الأجنبية ـ من غير حاجة في أسماء الناس والشهور كالتواريخ ونحو ذلك فهو منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب . وأما مع العلم به: فكلام أحمد بيّن في كراهته أيضا. فإنه كره "آذرماه" ونحوه ومعناه "ليس محرما".
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كراهة إقحام بعض الألفاظ الأجنبية بين الكلام فقال : (كراهة أن يتعود الرجل النطق بغير العربية . فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون).
وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: (وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن، حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار ، وللرجل مع صاحبه، ولأهل السوق ... فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم...
و قال ـ رحمه الله ـ في موضع آخر: (واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا . ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين . ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.
وقال : (وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب . فإن فهم الكتاب والسنة فرض . ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب).
هذا ما تيسر جمعه وبيانه ، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذين يسمعون ويقرأون فيتبعون أحسنه ... وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والله أعلم
جمعه ورتبه
أبو أنس أمين بن عباس
عفا الله عنه وعنكم
تعليق