مِنْ كِتَابِ: قَذَائِفُ الحَقِّ - للشَّيْخِ مُحَمَّدِ الغَزَالِيِّ
البَابُ الثَّالِثُ: الأقْبَاط؛ ماذا يُرِيدُونَ
الفَقْرَةُ الأُولَى: ماذا يُرِيدُونَ - الفَقْرَةُ الثَّانِيَةُ: تَقْرِيرٌ رَهِيبٌ - الفَقْرَةُ الثَّالِثَةُ: الحَقَائِقُ تَتَكَلَّم
هذا التَّقْرِير قَدِيم، ولَكِنِّي اسْتَحْلِفُكَ باللهِ أنْ تَقْرَأ كُلّ حَرْفٍ وتَرْبُط بَيْنَهُ وبَيْنَ الوَاقِع الحَالِي اليَوْم، ثُمَّ اسْتَنْتِج مَا شِئْت
الفَقْرَةُ الأُولَى .. مَاذَا يُرِيدُونَ:البَابُ الثَّالِثُ: الأقْبَاط؛ ماذا يُرِيدُونَ
الفَقْرَةُ الأُولَى: ماذا يُرِيدُونَ - الفَقْرَةُ الثَّانِيَةُ: تَقْرِيرٌ رَهِيبٌ - الفَقْرَةُ الثَّالِثَةُ: الحَقَائِقُ تَتَكَلَّم
هذا التَّقْرِير قَدِيم، ولَكِنِّي اسْتَحْلِفُكَ باللهِ أنْ تَقْرَأ كُلّ حَرْفٍ وتَرْبُط بَيْنَهُ وبَيْنَ الوَاقِع الحَالِي اليَوْم، ثُمَّ اسْتَنْتِج مَا شِئْت
Ω إذا أرَادَ الأقْبَاطُ أنْ يَعِيشُوا كَأعْدَادِهِم مِنَ المُسْلِمِينَ؛ فَأنَا مَعَهُم في ذَلِكَ، وهُمْ يُقَارِبُونَ الآنَ مِلْيُونَيْنِ ونِصْف، ويَجِبُ أنْ يَعِيشُوا كَمِلْيُونَيْنِ ونِصْف مِنَ المُسْلِمِينَ، لَهُم مَا لَهُم مِنْ حُقُوقٍ، وعَلَيْهم مَا عَلَيْهم مِنْ وَاجِبَاتٍ، أمَّا أنْ يُحَاوِلُوا فَرْض وِصَايَتهُم عَلَى المُسْلِمِينَ، وجَعْل أزِمَّة الحَيَاة الاجْتِمَاعِيَّة والسِّيَاسِيَّة في أيْدِيهِم فَلاَ.
Ω إذا أرَادُوا أنْ يَبْنُوا كَنَائِس تَسَع أعْدَادهم لصَلَوَاتِهِم وشَعَائِرِهِم الدِّينِيَّة فَلاَ يَعْتَرِضهُم أحَد، أمَّا إذا أرَادُوا صَبْغ التُّرَاب المِصْرِيّ بالطَّابِعِ المَسِيحِيّ وإبْرَاز المَسِيحِيَّة وكَأنَّهَا الدِّين المُهَيْمِن عَلَى البِلاَدِ فَلاَ.
Ω إذا أرَادُوا أنْ يَحْتَفِظُوا بشَخْصِيَّتِهِم فَلاَ تُمْتَهَن؛ وتَعَالِيمِهِم فَلاَ تُجَرَّح، فَلَهُم ذَلِكَ، أمَّا أنْ يَوَدُّوا (ارْتِدَاد) المُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِم، ويُعْلِنُوا غَضَبَهُم إذا طَالَبْنَا بتَطْبِيقِ الشَّرِيعَة الإسْلاَمِيَّة وتَعْمِيمِ التَّرْبِيَة الدِّينِيَّة؛ فهذا مَا لا نَقْبَلهُ.
إنَّ الاسْتِعْمَارَ أوْعَزَ إلى بَعْضِهِم أنْ يَقِفَ مُرَاغِمًا للمُسْلِمِينَ، ولَكِنَّنَا نُرِيدُ تَفَاهُمًا شَرِيفًا مَعَ نَاسٍ مَعْقُولِينَ، إنَّ الاسْتِعْمَارَ أشَاعَ بَيْنَ مَنْ أعْطُوهُ آذَانهم وقُلُوبهم أنَّ المُسْلِمِينَ في مِصْر غُرَبَاء، وطَارِئُونَ عَلَيْهَا، ويَجِب أنْ يَزُولُوا، إنْ لَمْ يَكُن اليَوْم فَغَدًا، وعَلَى هذا الأسَاسِ أسْموا جَرِيدَتهم الطَّائِفِيَّة (وَطَنِي).
ومِنْ هذا المُنْطَلَق شَرَعَ كَثِيرُونَ مِنَ المُغَامِرِينَ يُنَاوِشُ الإسْلاَمَ والمُسْلِمِينَ، وكُلَّمَا رَأى عَوْدَة مِنَ المُسْلِمِينَ إلى دِينِهِم هَمَسَ أو صَرَخَ (عَادَ التَّعَصُّب، الأقْبَاط في خَطَر)، ولا ذَرَّة مِنْ ذَلِكَ في طُولِ البِلاَد وعَرْضِهَا، ولَكِنَّهَا صَيحَات مُرِيبَة أنْعَشَهَا وقَوَّاهَا (بَابَا شُنُودَة) دُونَ أيِّ اكْتِرَاثٍ بالعَوَاقِبِ.
وقَدْ سَبَقَت مُحَاوَلاَت مِنْ هذا النَّوْعِ أخْمَدَهَا العُقَلاَء، نَذْكُرُ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ المِثَال لا الحَصْر كِتَابَات القُمُّص سرجيوس الَّذِي احْتَفَلَ البَابَا شُنُودَة أخِيرًا بذِكْرَاه، فَفِي العَدَد 41 مِنَ السَّنَةِ 20 مِنْ مَجَلَّةِ المَنَارَة الصَّادِر في 6/12/1947 كَتَبَ هذا القُمُّص تَحْتَ عُنْوَان (حَسَن البَنَّا يُحَرِّض عَلَى قِتَالِ الأقَلِّيَّات بَعْدَ أنْ سَلَّحَ جُيُوشه بعَلَمِ الحُكُومَة)، يَقُولُ [ نَشَرْنَا في العَدَدِ السَّابِقِ تَفْسِير الشَّيْخ حَسَن البَنَّا لآيَةِ سُورَةُ التَّوْبَةِ قَوْله (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التَّوْبَةُ: 29)، قَالَ: وقَدْ قَالَ الفُقَهَاءُ وتَظَاهَرَتُ عَلَى ذَلِكَ الأدِلَّةُ مِنَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ: أنَّ القِتَالَ فَرْضُ عَيْنٍ إذا دِيسَت أرْض الإسْلاَم، أو اعْتَدَى عَلَيْهَا المُعْتَدُونَ مِنْ غَيْرِ المُسْلِمِينَ، وهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لحِمَايَةِ الدَّعْوَة الإسْلاَمِيَّة وتَأمِينِ الوَطَن الإسْلاَمِيّ، فَيَكُون وَاجِبًا عَلَى مَنْ تَتِمُّ بِهِم هذه الحِمَايَة وهذا التَّأمِين، ولَيْسَ الغَرَض مِنَ القِتَالِ في الإسْلاَم إكْرَاه النَّاس عَلَى عَقِيدَةٍ، أو إدْخَالهم قَسْرًا في الدِّينِ، والله يَقُولُ (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البَقَرَةُ: 256)، كَمَا أنَّهُ لَيْسَ الغَرَض مِنَ القِتَالِ كَذَلِكَ الحُصُول عَلَى مَنَافِعٍ دُنْيَوِيَّةٍ أو مَغَانِمٍ دِينِيَّةٍ، فَالزَّيْتُ والفَحْمُ والقَمْحُ والمَطَّاطُ لَيْسَت مِنْ أهْدَافِ المُقَاتِل المُسْلِم الَّذِي يَخْرُجُ عَنْ نَفْسِهِ ومَالِهِ ودَمِهِ لله بأنَّ لَهُ الجَنَّة (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ) (التَّوْبَةُ: 111)، وأهْلُ الكِتَابِ يُقَاتَلُونَ كَمَا يُقَاتَلُ المُشْرِكُونَ تَمَامًا إذا اعْتَدَوا عَلَى أرْضِ الإسْلاَم، أو حَالُوا دُونَ انْتِشَار دَعْوَته ..
الرَّدُّ: للشَّيْخِ حَسَن البَنَّا أُسْلُوبهُ الخَاصّ في الكِتَابَةِ والتَّفْسِيرِ وفي الفَتَاوَى، ويُعْرَفُ بالأُسْلُوبِ المَائِعِ؛ إذْ يَتْرُك دَائِمًا الأبْوَاب مَفْتُوحَة، ليَدْخُل مَتَى شَاءَ في مَا أرَادَ دُونَ أنْ يَتَقَيَّد أو يُمْسَك، ومِنْ آيَاتِ مُيُوعَتِهِ أنَّهُ يَقُول أنَّ القِتَالَ يَكُون فَرْض عَيْن إذا دِيسَت أرْض الإسْلاَم، أو اعْتَدَى عَلَيْهَا المُعْتَدُونَ مِنْ غَيْرِ المُسْلِمِينَ، دُونَ أنْ يُبَيِّن أو يُحَدِّد مَا هي أرْض الإسْلاَم أو الوَطَن الإسْلاَمِيّ: هَلْ هي الحِجَاز فَقَط أمْ هي كُلّ بَلَد مِنْ بِلاَدِ العَالَم يَكُون فِيهَا المُسْلِمُونَ أغْلَبِيَّة أو أقَلِّيَّة أو مُتَعَادِلِين؟ وكَانَ في عَدَمِ تَحْدِيده لأرْضِ الإسْلاَم أو الوَطَن الإسْلاَمِيّ مَاكِرًا سَيِّئًا ؛ ليَكُون حُرًّا في إعْلاَنِ القِتَال عَلَى مَنْ يَشَاء مِنَ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المَسِيحِيِّينَ واليَهُود الَّذِينَ يَقْوَى عَلَى مُحَارَبَتِهِم في أيِّ بَلَدٍ كَانَ، وكَانَ أحْرَى بِهِ أنْ يَقُولهَا كَلِمَة صَرِيحَة: أنَّ أرْضَ الإسْلاَم هي الحِجَاز، أي الأرْض التي نَشَأ عَلَيْهَا الإسْلاَم ـ أي الدِّين الإسْلاَمِيّ ـ ولَيْسَت البِلاَد التي يَعِيشُ فِيهَا المُسْلِمُونَ في العَالَمِ، وسَوَاء كَانَت أرْض الإسْلاَم أو وَطَن الإسْلاَم هي الحِجَاز أمْ هي كُلّ بَلَدٍ مِنْ بِلاَدِ العَالَم يَعِيشُ فِيهِ المُسْلِمُونَ، فَلاَ يُمْكِن العَمَل بِمَا يَقُولُ بِهِ الشَّيْخ حَسَن البَنَّا بأنَّ القِتَال فَرْض عَيْن أو فَرْض كِفَايَة عَلَى المُسْلِمِينَ إذا دِيسَت أرْض الإسْلاَم أو اعْتَدَى عَلَيْهَا المُعْتَدُونَ مِنْ غَيْرِ المُسْلِمِينَ ].
وأنَا أسْألُ أيّ قَارِئ اطَّلَعَ عَلَى تَفْسِيرِ حَسَن البَنَّا: هَلِ اشْتَمَّ مِنْهُ رَائِحَة تَحْرِيض عَلَى الأقْبَاطِ أو اليَهُودِ؟ وأسْألُ أيّ مُنْصِفٍ قَرَأ الرَّدّ عَلَيْهِ: هَلْ وَجَدَ فِيهِ إلاَّ التَّحَرُّش والرَّغْبَة في الاشْتِبَاكِ دُونَ أدْنَى سَبَب؟
إنَّ هذا القُمُّص المُفْتَرِي لا يُرِيدُ إلاَّ شَيْئًا وَاحِدًا: إبْعَادُ الصِّفَةِ الإسْلاَمِيَّةِ عَنْ مِصْر، واعْتِبَار الحِجَاز وَحْدهُ وَطَنًا إسْلاَمِيًّا، أمَّا مِصْر فَلَيْسَت وَطَنًا إسْلاَمِيًّا لأنَّ سُكَّانَهَا المُسْلِمِينَ فَوْق 92 % مِنْ جُمْلَةِ أهْلهَا، ولِمَاذَا تُنْفَى الصِّفَة الإسْلاَمِيَّة عَنْ مِصْر مَعَ أنَّ هذه الصِّفَة تُذْكَر لجَعْلِ الدِّفَاع عَنْهَا فَرِيضَة مُقَدَّسَة؟ هذا مَا يُسْأل عَنْهُ القُمُّص الوَطَنِيّ، والَّذِينَ احْتَفَلُوا بذِكْرَاه بَعْدَ رُبْع قَرْنٍ مِنْ وَفَاتِهِ.
إنَّ الدِّفَاعَ عَنْ مِصْر ضِدّ الاسْتِعْمَار العَالَمِيّ يَنْبَغِي أنْ تَهْتَزَّ بَوَاعِثُهُ وأنْ تَفْتُرَ مَشَاعِرُهُ، لَقَدْ كَانَت مِصْر وَثَنِيَّة في العُصُورِ القَدِيمَة، ثُمَّ تَنَصَّرَ أغْلَبُهَا، فَهَلْ يَقُولُ الوَثَنِيُّونَ المِصْرِيُّونَ لِمَنْ تَنَصَّرَ: إنَّكَ فَقَدْتَ وَطَنكَ بتَنَصُّرِكَ؟ ثُمَّ أقْبَلَ الإسْلاَم فَدَخَلَ فِيهِ جُمْهُور المِصْرِيِّينَ، فَهَلْ يُقَالُ للمُسْلِمِ: إنَّكَ فَقَدْتَ وَطَنكَ بإسْلاَمِكَ؟ مَا هذه الرَّقَاعَة؟!
الفَقْرَةُ الثَّانِيَةُ .. تَقْرِيرٌ رَهِيبٌ:
بِيدَ أنَّ الحَمْلَة عَلَى الإسْلاَمِ مَضَت في طَرِيقِهَا، وزَادَت ضَرَاوَة وخِسَّة في الأيَّامِ الأخِيرَةِ، ثُمَّ جَاءَ (الأنْبَا شُنُودَة) رَئِيسًا للأقْبَاطِ، فَقَادَ حَمْلَة لاَبُدَّ مِنْ كَشْفِ خَبَايَاهَا، وتَوْضِيحِ مَدَاهَا؛ حتى يَدْرِكُ الجَمِيع: مِمَّ نُحَذِّر؟ ومَاذَا نَخْشَى؟ ومَا نَسْتَطِيعُ السُّكُوت ومُسْتَقْبَلنَا كُلّهُ تَعْصِفُ بِهِ الفِتَن، ويَأتَمِر بِهِ سَمَاسِرَة الاسْتِعْمَار.
كُنْتُ في الإسْكَنْدَرِيَّةِ في مَارِسِ مِنْ سَنَة 1973وعَلِمْتُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بخِطَابٍ ألْقَاهُ البَابَا شُنُودَةُ في الكَنِيسَةِ المُرْقُصِيَّةِ الكُبْرَى في اجْتِمَاعٍ سِرِّيٍّ أعَانَ اللهُ عَلَى إظْهَارِ مَا وَقَعَ فِيهِ، وإلى القُرَّاءِ تَقْرِيرُ مَا حَدَثَ كَمَا نُقِلَ مُسَجَّلاً إلى الجِهَاتِ المَعْنِيَّةِ:
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
نُقَدِّمُ لسِيَادَتِكُمْ هذا التَّقْرِيرَ لأهَمِّ مَا دَارَ في الاجْتِمَاعِ:
بَعْدَ أدَاءِ الصَّلاَةِ والتَّرَاتِيلِ طَلَبَ البَابَا شُنُودَةُ مِنْ عَامَّةِ الحَاضِرِينَ الانْصِرَافَ ولَمْ يَمْكُثْ مَعَهُ سِوَى رِجَالِ الدِّينِ وبَعْضِ أثْرِيَاءِ الإسْكَنْدَرِيَّةِ، وبَدَأ كَلِمَتَهُ قَائِلاً:
إنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ ويَجْرِي حَسَبَ الخُطَّةِ المَوْضُوعَةِ لكُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ العَمَلِ عَلَى حِدَةٍ في إطَارِ الهَدَفِ المُوَحَّدِ، ثُمَّ تَحَدَّثَ في عَدَدٍ مِنَ المَوْضُوعَاتِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أوَّلاً .. شَعْبُ الكَنِيسَةِ:
صَرَّحَ لَهُمْ (أي شُنُودَةُ) أنَّ مَصَادِرَهُمْ ـ في إدَارَةِ التَّعْبِئَةِ والإحْصَاءِ ـ أبْلَغَتْهُمْ أنَّ عَدَدَ المَسِيحِيِّينَ في مِصْرَ بَلَغَ مَا يُقَارِبُ الثَّمَانِ مِلْيُونَ (8.000.000) نَسَمَةٍ (هذا الكَلاَمُ في عَامِ 1973)، وعَلَى شَعْبِ الكَنِيسَةِ أنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ جَيِّدًا، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أنْ يَنْشُرَ ذَلِكَ ويُؤَيِّدَهُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، إذْ سَيَكُونُ ذَلِكَ سَنَدَنَا في المَطَالِبِ الَّتي سَنَتَقَدَّمُ بِهَا إلى الحُكُومَةِ الَّتي سَنَذْكُرُهَا لَكُمُ اليَوْمَ، والتَّخْطِيطُ العَامُّ الَّذِي تَمَّ الاتِّفَاقُ عَلَيْهِ بالإجْمَاعِ والَّذِي صَدَرَتْ بشَأنِهِ التَّعْلِيمَاتُ الخَاصَّةُ لتَنْفِيذِهِ وُضِعَ عَلَى أسَاسِ بُلُوغِ شَعْبِ الكَنِيسَةِ إلى نِصْفِ الشَّعْبِ المِصْرِيِّ، بحَيْثُ يَتَسَاوَى عَدَدُ شَعْبِ الكَنِيسَةِ مَعَ عَدَدِ المُسْلِمِينَ لأوَّلِ مَرَّةٍ مُنْذُ 13 قَرْنًَا، أيْ مُنْذُ الاسْتِعْمَارِ العَرَبِيِّ والغَزْوِ الإسْلاَمِيِّ لبِلاَدِنَا ـ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ ـ والمُدَّةُ المُحَدَّدَةُ وفْقًا للتَّخْطِيطِ المَوْضُوعِ للوُصُولِ إلى هذه النَّتِيجَةِ المَطْلُوبَةِ تَتَرَاوَحُ بَيْنَ 12 ـ 15 سَنَةً مِنَ الآنَ.
ولِذَلِكَ فَإنَّ الكَنِيسَةَ تُحَرِّمُ تَحْرِيمًا تَامًّا تَحْدِيدَ النَّسْلِ أو تَنْظِيمَهُ، وتَعُدُّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ خَارِجًا عَنْ تَعْلِيمَاتِ الكَنِيسَةِ، ومَطْرُودًا مِنْ رَحْمَةِ الرَّبِّ، وقَاتِلاً لشَعْبِ الكَنِيسَةِ، ومُضَيِّعًا لمَجْدِهِ، وذَلِكَ باسْتِثْنَاءِ الحَالاَتِ الَّتي يُقَرِّرُ فِيهَا الطِّبُّ والكَنِيسَةُ خَطَرَ الحَمْلِ أوِ الوِلاَدَةِ عَلَى حَيَاةِ المَرْأةِ، وقَدْ اتَّخَذَتِ الكَنِيسَةُ عِدَّةَ قَرَارَاتٍ لتَحْقِيقِ الخُطَّةِ القَاضِيَةِ بزِيَادَةِ عَدَدِهِمْ:
1) تَحْرِيمُ تَحْدِيدِ النَّسْلِ.
2) تَشْجِيعُ تَحْدِيدِ النَّسْلِ وتَنْظِيمِهِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ (خَاصَّةً وأنَّ أكْثَرَ مِنْ 65% مِنَ الأطِبَّاءِ والقَائِمِينَ عَلَى الخَدَمَاتِ الصِّحِّيَّةِ هُمْ مِنْ شَعْبِ الكَنِيسَةِ).
3) تَشْجِيعُ الإكْثَارِ مِنْ شَعْبِنَا ووَضْعُ حَوَافِزَ ومُسَاعَدَاتٍ مَادِّيَّةٍ ومَعْنَوِيَّةٍ للأُسَرِ الفَقِيرَةِ مِنْ شَعْبِنَا.
4) التَّنْبِيهُ عَلَى العَامِلِينَ بالخَدَمَاتِ الصِّحِّيَّةِ عَلَى المُسْتَوَيَيْنِ الحُكُومِيِّ وغَيْرِ الحُكُومِيِّ كَيْ يُضَاعِفُوا الخَدَمَاتِ الصِّحِّيَّةَ لشَعْبِنَا، وبَذْلُ العِنَايَةِ والجُهْدِ الوَافِرَيْنِ، وذَلِكَ مِنْ شَأنِهِ تَقْلِيلِ الوَفَيَاتِ بَيْنَ شَعْبِنَا عَلَى أنْ نَفْعَلَ عَكْسَ ذَلِكَ مَعَ المُسْلِمِينَ.
5) تَشْجِيعُ الزَّوَاجِ المُبَكِّرِ وتَخْفِيضِ تَكَالِيفِهِ، وذَلِكَ بتَخْفِيفِ رُسُومِ فَتْحِ الكَنَائِسِ ورُسُومِ الإكْلِيلِ بكَنَائِسِ الأحْيَاءِ الشَّعْبِيَّةِ.
6) تُحَرِّمُ الكَنِيسَةُ تَحْرِيمًا تَامًّا عَلَى أصْحَابِ العِمَارَاتِ والمَسَاكِنِ المَسِيحِيِّينَ تَأجِيرَ أيِّ مَسْكَنٍ أو شَقَّةٍ أو مَحَلٍّ تُجَارِيٍّ للمُسْلِمِينَ، وتَعْتَبِرُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنَ الآنَ فَصَاعِدًا مَطْرُودًا مِنْ رَحْمَةِ الرَّبِّ ورِعَايَةِ الكَنِيسَةِ، كَمَا يَجِبُ العَمَلُ بشَتَّى الوَسَائِلِ عَلَى إخْرَاجِ السُّكَّانِ المُسْلِمِينَ مِنَ العِمَارَاتِ والبُيُوتِ المَمْلُوكَةِ لشَعْبِ الكَنِيسَةِ، وإذا نَفَّذْنَا هذه السِّيَاسَةَ بقَدْرِ مَا يَسَعُنَا الجُهْدُ فَسَنُشَجِّعُ ونُسَهِّلُ الزَّوَاجَ بَيْنَ شَبَابِنَا المَسِيحِيِّ، كَمَا سَنُصَعِّبُهُ ونُضَيِّقُ فُرَصَهُ بَيْنَ شَبَابِ المُسْلِمِينَ، مِمَّا سَيُكَوِّنُ أثَرًا فَعَّالاً في الوُصُولِ إلى الهَدَفِ، ولَيْسَ بخَافٍ أنَّ الغَرَضَ مِنْ هذه القَرَارَاتِ هُوَ انْخِفَاضُ مُعَدَّلِ الزِّيَادَةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وارْتِفَاعُ هذا المُعَدَّلِ بَيْنَ المَسِيحِيِّينَ.
ثَانِيًا .. اقْتِصَادُ شَعْبِ الكَنِيسَةِ:
قَالَ شُنُودَةُ: إنَّ المَالَ يَأتِينَا بقَدْرِ مَا نَطْلُبُ وأكْثَرَ مِمَّا نَطْلُبُ، وذَلِكَ مِنْ مَصَادِرَ ثَلاثَةٍ: أمْرِيكَا، الحَبَشَةُ، والفَاتِيكَانُ، ولَكِنْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ الاعْتِمَادُ الأوَّلُ في تَخْطِيطِنَا الاقْتِصَادِيِّ عَلَى مَالِنَا الخَاصِّ الَّذِي نَجْمَعُهُ مِنَ الدَّاخِلِ، وعَلَى التَّعَاوُنِ عَلَى فِعْلِ الخَيْرِ بَيْنَ أفْرَادِ شَعْبِ الكَنِيسَةِ، كَذَلِكَ يَجِبُ الاهْتِمَامُ أكْثَرَ بشِرَاءِ الأرْضِ، وتَنْفِيذِ نِظَامِ القُرُوضِ والمُسَاعَدَاتِ لمَنْ يَقُومُونَ بذَلِكَ لمُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى البِنَاءِ، وقَدْ ثَبَتَ مِنْ وَاقِعِ الإحْصَاءَاتِ الرَّسْمِيَّةِ أنَّ أكْثَرَ مِنْ 60 % مِنْ تِجَارَةِ مِصْرَ الدَّاخِلِيَّةِ هي بأيْدِي المَسِيحِيِّينَ، وعَلَيْنَا أنْ نَعْمَلَ عَلَى زِيَادَةِ هذه النِّسْبَةِ.
وتَخْطِيطُنَا الاقْتِصَادِيُّ للمُسْتَقْبَلِ يَسْتَهْدِفُ إفْقَارَ المُسْلِمِينَ ونَزْعَ الثَّرْوَةِ مِنْ أيْدِيهِمْ مَا أمْكَنَ، بالقَدْرِ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ هذا التَّخْطِيطُ عَلَى إثْرَاءِ شَعْبِنَا، كَمَا يَلْزَمُنَا مُدَاوَمَةُ تَذْكِيرِ شَعْبِنَا والتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ تَنْبِيهًا مُشَدَّدًا مِنْ حِينٍ لآخَرٍ بأنْ يُقَاطَعَ المُسْلِمُونَ اقْتِصَادِيًّا، وأنْ يُمْتَنَعَ عَنِ التَّعَامُلِ المَادِّيِّ مَعَهُمْ امْتِنَاعًا مُطْلَقًا، إلاَّ في الحَالاَتِ الَّتي يَتَعَذَّرُ فِيهَا ذَلِكَ، ويَعْنِي ذَلِكَ مُقَاطَعَةُ: المُحَامِينَ؛ المُحَاسِبِينَ؛ المُدَرِّسِينَ؛ الأطِبَّاءِ؛ الصَّيَادِلَةِ؛ العِيَادَاتِ؛ المُسْتَشْفَيَاتِ الخَاصَّةِ؛ المَحَلاَّتِ التِّجَارِيَّةِ الكَبِيرَةِ والصَّغِيرَةِ؛ الجَمْعِيَّاتِ الاسْتِهْلاكِيَّةِ أيْضًا، وذَلِكَ مَادَامَ مُمْكِنًا لَـهُمُ التَّعَامُلُ مَعَ إخْوَانِهِمْ مِنْ شَعْبِ الكَنِيسَةِ، كَمَا يَجِبُ أنْ يُنَبَّهُوا دَوْمًا إلى مُقَاطَعَةِ صُنَّاعِ المُسْلِمِينَ وحِرَفِيِّيهِمْ والاسْتِعَاضَةِ عَنْهُمْ بالصُّنَّاعِ والحِرَفِيِّينَ النَّصَارَى، ولَوْ كَلَّفَهُمْ ذَلِكَ الانْتِقَالَ والجُهْدَ والمَشَقَّةَ.
ثُمَّ قَالَ البَابَا شُنُودَةُ: إنَّ هذا الأمْرَ بَالِغُ الأهَمِّيَّةِ لتَخْطِيطِنَا العَامِّ في المَدَى القَرِيبِ والبَعِيدِ.
ثَالِثًا .. تَعْلِيمُ شَعْبِ الكَنِيسَةِ:
قَالَ البَابَا شُنُودَةُ: إنَّهُ يَجِبُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بالتَّعْلِيمِ العَامِّ للشَّعْبِ المَسِيحِيِّ الاسْتِمْرَارُ في السِّيَاسَةِ التَّعْلِيمِيَّةِ المُتَّبَعَةِ حَالِيًا مَعَ مُضَاعَفَةِ الجُهْدِ في ذَلِكَ، خَاصَّةً وأنَّ بَعْضَ المَسَاجِدِ شَرَعَتْ تَقُومُ بمَهَامٍّ تَعْلِيمِيَّةٍ كَالَّتِي نَقُومُ بِهَا في كَنَائِسِنَا، الأمْرُ الَّذِي سَيَجْعَلُ مُضَاعَفَةَ الجُهْدِ المَبْذُولِ حَالِيًا أمْرًا حَتْمِيًّا حَتَّى تَسْتَمِرَّ النِّسْبَةُ الَّتي يُمْكِنُ الظَّفْرُ بِهَا مِنْ مَقَاعِدِ الجَامِعَةِ وخَاصَّةً الكُلِّيَّاتِ العَمَلِيَّةِ.
ثُمَّ قَالَ: إنِّي إذْ أُهَنِّئُ شَعْبَ الكَنِيسَةِ خَاصَّةً المُدَرِّسِينَ مِنْهُمْ عَلَى هذا الجُهْدِ وهذه النَّتَائِجِ، إذْ وَصَلَتْ نِسْبَتُنَا في بَعْضِ الوَظَائِفِ الهَامَّةِ والخَطِيرَةِ كَالطِّبِّ والصَّيْدَلَةِ والهَنْدَسَةِ وغَيْرِهَا أكْثَرَ مِنْ 60%، إنِّي إذْ أُهَنِّئُهُمْ أدْعُو لَـهُمْ يَسُوعَ المَسِيحَ الرَّبَّ المُخْلِصَ أنْ يَمْنَحَهُمْ بَرَكَاتِهِ وتَوْفِيقَهُ، حَتَّى يُوَاصِلُوا الجُهْدَ لزِيَادَةِ هذه النِّسْبَةِ في المُسْتَقْبَلِ القَرِيبِ.
رَابِعًا .. التَّبْشِيرُ:
قَالَ البَابَا شُنُودَةُ: كَذَلِكَ فَإنَّهُ يَجِبُ مُضَاعَفَةُ الجُهُودِ التَّبْشِيرِيَّةِ الحَالِيَةِ؛ إذْ أنَّ الخُطَّةَ التَّبْشِيرِيَّةَ الَّتي وُضِعَتْ بُنِيَتْ عَلَى أسَاسِ هَدَفٍ اتُّفِقَ عَلَيْهِ للمَرْحَلَةِ القَادِمَةِ، وهُوَ زَحْزَحَةُ أكْبَرِ عَدَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ والتَّمَسُّكِ بِهِ، عَلَى ألاَّ يَكُونَ مِنَ الضَّرُورِيِّ اعْتِنَاقُهُمُ المَسِيحِيَّةِ، فَإنَّ الهَدَفَ هُوَ زَعْزَعَةُ الدِّينِ في نُفُوسِهِمْ، وتَشْكِيكُ الجُمُوعِ الغَفِيرَةِ مِنْهُمْ في كِتَابِهِمْ وصِدْقِ مُحَمَّدٍ، ومِنْ ثَمَّ يَجِبُ عَمَلُ كُلِّ الطُّرُقِ واسْتِغْلالُ كُلِّ الإمْكَانِيَّاتِ الكَنَائِسِيَّةِ للتَّشْكِيكِ في القُرْآنِ وإثْبَاتِ بُطْلاَنِهِ وتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ.
وإذا أفْلَحْنَا في تَنْفِيذِ هذا المُخَطَّطِ التَّبْشِيرِيِّ في المَرْحَلَةِ المُقْبِلَةِ فَإنَّنَا نَكُونُ قَدْ نَجَحْنَا في إزَاحَةِ هذه الفِئَاتِ مِنْ طَرِيقِنَا، وإنْ لَمْ تَكُنْ هذه الفِئَاتُ مُسْتَقْبَلاً مَعَنَا فَلَنْ تَكُونَ عَلَيْنَا.
غَيْرَ أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يُرَاعَى في تَنْفِيذِ هذا المُخَطَّطِ التَّبْشِيرِيِّ أنْ يَتِمَّ بطَرِيقَةٍ هَادِئَةٍ وذَكِيَّةٍ، حَتَّى لا يَكُونَ سَبَبًا في إثَارَةِ حَفِيظَةِ المُسْلِمِينَ أو يَقَظَتِهِمْ.
وإنَّ الخَطَأَ الَّذِي وَقَعَ مِنَّا في المُحَاوَلاَتِ التَّبْشِيرِيَّةِ الأخِيرَةِ - الَّتي نَجَحَ مُبَشِّرُونَا فِيهَا في هِدَايَةِ عَدَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ إلى الإيِمَانِ والخَلاَصِ عَلَى يَدِ الرَّبِّ يَسُوعَ المُخْلِصِ - هُوَ تَسَرُّبُ أنْبَاءَ هذا النَّجَاحِ إلى المُسْلِمِينَ، لأنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأنِهِ تَنْبِيهِ المُسْلِمِينَ وإيِقَاظِهِمْ مِنْ غَفْلَتِهِمْ، وهذا أمْرٌ ثَابِتٌ في تَارِيخِهِمُ الطَّوِيلِ مَعَنَا، ولَيْسَ هُوَ بالأمْرِ الهَيِّنِ، ومِنْ شَأنِ هذه اليَقَظَةِ أنْ تُفْسِدَ عَلَيْنَا مُخَطَّطَاتِنَا المَدْرُوسَةَ، وتُؤَخِّرَ ثِمَارَهَا وتُضَيِّعَ جُهُودَنَا، ولِذَا فَقَدْ أُصْدِرَتِ التَّعْلِيمَاتُ الخَاصَّةُ بهذا الأمْرِ، وسَنَنْشُرُهَا في كُلِّ الكَنَائِسِ لكَيْ يَتَصَرَّفَ جَمِيعُ شَعْبِنَا مَعَ المُسْلِمِينَ بطَرِيقَةٍ وِدِّيَّةٍ تَمْتَصُّ غَضَبَهُمْ، وتُقْنِعُهُمْ بكَذِبِ هذه الأنْبَاءِ، كَمَا سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى رُعَاةِ الكَنَائِسِ والآبَاءِ والقَسَاوِسَةِ بمُشَارَكَةِ المُسْلِمِينَ احْتِفَالاَتِهِمُ الدِّينِيَّةِ، وتَهْنِئَتِهِمْ بأعْيَادِهِمْ، وإظْهَارِ المَوَدَّةِ والمَحَبَّةِ لَـهُمْ، وعَلَى شَعْبِ الكَنِيسَةِ في المَصَالِحِ والوزَارَاتِ والمُؤَسَّسَاتِ إظْهَارُ هذه الرُّوحِ لمَنْ يُخَالِطُونَهُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ.
ثُمَّ قَالَ بالحَرْفِ الوَاحِدِ: إنَّنَا يَجِبُ أنْ نَنْتَهِزَ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ نَكْسَةٍ ومِحْنَةٍ (يَقْصُدُ مَا قَبْلَ حَرْبِ 1973 ومَا بَعْدَ نَكْسَةِ يُونْيُو 1967) لأنَّ ذَلِكَ في صَالِحِنَا، ولَنْ نَسْتَطِيعَ إحْرَازَ أيَّةَ مَكَاسِبَ أو أيَّ تَقَدُّمٍ نَحْوَ هَدَفِنَا إذا انْتَهَتِ المُشْكِلَةُ مَعَ إسْرَائِيلَ سَوَاءً بالسِّلْمِ أو بالحَرْبِ.
ثُمَّ هَاجَمَ مَنْ أسْمَاهُمْ بضِعَافِ القُلُوبِ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ مَصَالِحَهُمُ الخَاصَّةَ عَلَى مَجْدِ شَعْبِ الرَّبِّ والكَنِيسَةِ، وعَلَى تَحْقِيقِ الهَدَفِ الَّذِي يَعْمَلُ لَهُ الشَّعْبُ مُنْذُ عَهْدٍ بَعِيدٍ، وقَالَ أنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلى هَلَعِهِمْ، وأصَرَّ عَلَى أنَّهُ سَيَتَقَدَّمُ للحُكُومَةِ رَسْمِيًّا بالمَطَالِبِ الوَارِدَةِ بَعْدُ، حَيْثُ أنَّهُ إذا لَمْ يَكْسَبْ شَعْبُ الكَنِيسَةِ في هذه المَرْحَلَةِ مَكَاسِبَ عَلَى المُسْتَوَى الرَّسْمِيِّ فَرُبَّمَا لا يَسْتَطِيعُ إحْرَازَ أيَّ تَقَدُّمٍ بَعْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ بالحَرْفِ الوَاحِدِ: وليَعْلَمِ الجَمِيعُ خَاصَّةً ضِعَافُ القُلُوبِ أنَّ القُوَى الكُبْرَى في العَالَمِ تَقِفُ وَرَاءَنَا ولَسْنَا نَعْمَلُ وَحْدَنَا، ولا بُدَّ مِنْ أنْ نُحَقِّقَ الهَدَفَ، لَكِنَّ العَامِلَ الأوَّلَ والخَطِيرَ في الوُصُولِ إلى مَا نُرِيدُ هُوَ وِحْدَةُ شَعْبِ الكَنِيسَةِ وتَمَاسُكُهُ وتَرَابُطُهُ، ولَكِنْ إذا تَبَدَّدَتْ هذه الوِحْدَةُ وذَلِكَ التَّمَاسُكُ فَلَنْ تَكُونَ هُنَاكَ قُوَّةٌ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ مَهْمَا عَظُمَ شَأنُهَا تَسْتَطِيعُ مُسَاعَدَتَنَا.
مَطَالِبُ البَابَا شُنُودَة:
ثُمَّ عَدَّدَ البَابَا شُنُودَةُ المَطَالِبَ الَّتي صَرَّحَ بِهَا بَأنَّهُ سَوْفَ يُقَدِّمُهَا رَسْمِيًّا إلى الحُكُومَةِ:
1) أنْ يُصْبِحَ مَرْكَزُ البَابَا الرَّسْمِيُّ في البُرُوتُوكُولِ السِّيَاسِيِّ بَعْدَ رَئِيسِ الجُمْهُورِيَّةِ وقَبْلَ رَئِيسِ الوُزَرَاءِ.
2) أنْ تُخَصَّصَ لَـهُمْ (للنَّصَارَى) ثَمَانِ وزَارَاتٍ.
3) أنْ تُخَصَّصَ لَـهُمْ رُبْعَ القِيَادَاتِ العُلْيَا في الجَيْشِ والشُّرْطَةِ.
4) أنْ تُخَصَّصَ لَـهُمْ رُبْعَ المَرَاكِزِ القِيَادِيَّةِ المَدَنِيَّةِ، كَرُؤَسَاءِ مَجَالِسِ المُؤَسَّسَاتِ والشَّرِكَاتِ والمُحَافِظِينَ ووُكَلاءِ الوِزَارَاتِ والمُدِيرِينَ العَامِّينَ ورُؤَسَاءِ مَجَالِسِ المُدُنِ.
5) أنْ يُسْتَشَارَ البَابَا عِنْدَ شَغْلِ هذه النِّسْبَةِ في الوِزَارَاتِ والمَرَاكِزِ العَسْكَرِيَّةِ والمَدَنِيَّةِ، ويَكُونُ لَهُ حَقُّ تَرْشِيحِ بَعْضِ العَنَاصِرِ والتَّعْدِيلِ فِيهَا.
6) أنْ يُسْمَحَ لَـهُمْ بإنْشَاءِ جَامِعَةٍ خَاصَّةٍ بِهِمْ، وقَدْ وَضَعَتِ الكَنِيسَةُ بالفِعْلِ تَخْطِيطَ هذه الجَامِعَةِ، وهي تَضُمُّ المَعَاهِدَ اللاَّهُوتِيَّةَ والكُلِّيَّاتِ العَمَلِيَّةَ والنَّظَرِيَّةَ، وتُمَوَّلُ مِنْ مَالِـهِمْ الخَاصِّ.
7) أنْ يُسْمَحَ لَـهُمْ بإقَامَةِ إذَاعَةٍ مِنْ مَالِـهِمُ الخَاصِّ.
ثُمَّ خَتَمَ حَدِيثَهُ بأنْ بَشَّرَ الحَاضِرِينَ وطَلَبَ مِنْهُمْ نَقْلَ هذه البُشْرَى لشَعْبِ الكَنِيسَةِ بأنَّ أمَلَهُمْ الأكْبَرَ في عَوْدَةِ البِلاَدِ والأرَاضِي إلى أصْحَابِهَا مِنَ (الغُزَاةِ المُسْلِمِينَ) قَدْ بَاتَ وَشِيكًا، ولَيْسَ في ذَلِكَ أدْنَى غَرَابَةٍ - في زَعْمِهِ - وضَرَبَ لَـهُمْ مَثَلاً بأسْبَانِيَا النَّصْرَانِيَّةِ الَّتي ظَلَّتْ بأيْدِي (المُسْتَعْمِرِينَ المُسْلِمِينَ) قُرَابَةَ ثَمَانِيَةَ قُرُونٍ (800 سَنَة)، ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا أصْحَابُهَا النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: وفي التَّارِيخِ المُعَاصِرِ عَادَتْ أكْثَرُ مِنْ بَلَدٍ إلى أهْلِهَا بَعْدَ أنْ طُرِدُوا مِنْهَا مُنْذُ قُرُونٍ طَوِيلَةٍ جِدًّا (قَالَ الشَّيْخُ: وَاضِحٌ أنَّ شُنُودَةَ يَقْصِدُ إسْرَائِيلَ)، وفي خِتَامِ الاجْتِمَاعِ أنْهَى حَدِيثَهُ ببَعْضِ الأدْعِيَةِ الدِّينِيَّةِ للمَسِيحِ الرَّبِّ الَّذِي يَحْمِيهِمْ ويُبَارِكُ خُطُوَاتِهِمْ.
الفَقْرَةُ الثَّالِثَةُ .. الحَقَائِقُ تَتَكَلَّمُ:
بَيْنَ يَدَيْ هذا التَّقْرِيرِ المُثِيرِ لاَبُدَّ مِنْ كَلِمَةٍ: إنَّ الوِحْدَةَ الوَطَنِيَّةَ الرَّائِعَةَ بَيْنَ مُسْلِمِي مِصْرَ وأقْبَاطِهَا يَجِبُ أنْ تَبْقَى وأنْ تُصَانَ، وهي مَفْخَرَةٌ تَارِيِخِيَّةٌ، ودَلِيلٌ جَيِّدٌ عَلَى مَا تُسْدِيهِ السَّمَاحَةُ مِنْ بِرٍّ وقِسْطٍ.
ونَحْنُ نُدْرِكُ أنَّ الصَّلِيبِيَّةَ تَغُصُّ بهذا المَظْهَرِ الطَّيِّبِ، وتُرِيدُ القَضَاءَ عَلَيْهِ، ولَيْسَ بمُسْتَغْرَبٍ أنْ تَفْلَحَ في إفْسَادِ بَعْضِ النُّفُوسِ، وفي رَفْعِهَا إلى تَعْكِيرِ الصَّفْوِ، وعَلَيْنَا في هذه الحَالَةِ أنْ نَرْأبَ كُلَّ صَدْعٍ، ونُطْفِئَ كُلَّ فِتْنَةٍ، لَكِنْ لَيْسَ عَلَى حِسَابِ الجُمْهُورِ الطَّيِّبِ مِنَ المُوَاطِنِينَ الأقْبَاطِ.
وقَدْ كُنْتُ أُرِيدُ أنْ أتَجَاهَلَ مَا يَصْنَعُ (البَابَا شُنُودَةُ)، الرَّئِيسُ الدِّينِيُّ للأقْبَاطِ، غَيْرَ أنِّي وَجَدْتُ عَدَدًا مِنْ تَوْجِيهَاتِهِ قَدْ أخَذَ طَرِيقَهُ إلى الحَيَاةِ العَمَلِيَّةِ:
θ فَقَدْ قَاطَعَ الأقْبَاطُ مَكَاتِبَ تَنْظِيمِ الأُسْرَةِ تَقْرِيبًا.
θ ونَفَّذُوا بحَزْمٍ خُطَّةَ تَكْثِيرِ عَدَدِهِمْ في الوَقْتِ الَّذِي تُنَفَّذُ فِيهِ بقُوَّةٍ وحَمَاسَةٍ سِيَاسَةُ تَقْلِيلِ المُسْلِمِينَ، وأعْتَقِدُ أنَّ الأقْبَاطَ الآنَ يُنَاهِزُونَ ثَلاَثَةَ مَلاَيِينَ، أي أنَّهُمْ زَادُوا في الفَتْرَةِ الأخِيرَةِ بنِسْبَةِ مَا بَيْنَ 40% و 50%.
θ ثُمَّ إنَّ الأدْيِرَةَ تَحَوَّلَتْ إلى مَرَاكِزِ تَخْطِيطٍ وتَدْرِيبٍ - خُصُوصًا أدْيِرَةُ وَادِي النَّطْرُونَ الَّتي يَذْهَبُ إلَيْهَا بَابَا الأقْبَاطِ ولَفِيفٌ مِنْ أعْوَانِهِ المُقَرَّبِينَ، والَّتي يُسْتَقْدَمُ إلَيْهَا الشَّبَابُ القِبْطِيُّ مِنْ أقَاصِيِّ البِلاَدِ لقَضَاءِ فَتَرَاتٍ مُعَيَّنَةٍ وتَلَقِّي تَوْجِيهَاتٍ مُرِيبَةٍ.
θ وفى سَبِيلِ إضْفَاءِ الطَّابِعِ النَّصْرَانِيِّ عَلَى التُّرَابِ المِصْرِيِّ، اسْتَغَلَّ (البَابَا شُنُودَةُ) وَرْطَةَ البِلاَدِ في نِزَاعِهَا مَعَ اليَهُودِ والاسْتِعْمَارِ العَالَمِيِّ لبِنَاءِ كَنَائِسٍ كَثِيرَةٍ لا يَحْتَاجُ العَابِدُونَ إلَيْهَا - لوُجُودِ مَا يُغْنِي عَنْهَا - فَمَاذَا حَدَثَ؟ لَقَدْ صَدَرَ خِلاَلَ أُغُسْطُس وسِبْتَمْبِر وأُكْتُوبَر سَنَةَ 1973 خَمْسُونَ مَرْسُومًا جُمْهُورِيًّا بإنْشَاءِ 50 كَنِيسَةً، يَعْلَمُ اللهُ أنَّ أغْلَبَهَا بُنِيَ للمُبَاهَاةِ وإظْهَارِ السَّطْوَةِ وإثْبَاتِ الهَيْمَنَةِ في مِصْرَ.
وقَدْ تَكُونُ الدَّوْلَةُ مُحْرَجَةً عِنْدَمَا أذِنَتْ بهذا العَدَدِ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَثِيلٌ في تَارِيخِ مِصْرَ، لَكِنَّنَا نُعَرِّفُ المَسْئُولِينَ أنَّ (البَابَا شُنُودَةَ) لَنْ يَرْضَى، لأنَّهُ في خِطَابِهِ كَشَفَ عَنْ نِيَّتِهِ، وهي نِيَّةٌ تُسِيءُ إلى الأقْبَاطِ والمُسْلِمِينَ جَمِيعًا.
وقَدْ نَفَى رَئِيسُ لَجْنَةِ (تَقَصِّي الحَقَائِقِ) أنْ يَكُونَ هذا الخِطَابُ صَادِرًا عَنْ رَئِيسِ الأقْبَاطِ، ولَمَّا كَانَ رَئِيسُ اللَّجْنَةِ ذَا مُيُولٍ (شِيُوعِيَّةٍ) وتَهَجُّمُهُ عَلَى الشَّرْعِ الإسْلاَمِيِّ مَعْرُوفٌ، فَإنَّ هذا النَّفْيَ لا وَزْنَ لَهُ، ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ المُتَحَدِّثَ الرَّسْمِيَّ باسْمِ الكَنِيسَةِ المِصْرِيَّةِ، ومَبْلَغُ عِلْمِي أنَّ الخِطَابَ مُسَجَّلٌ بصَوْتِ البَابَا نَفْسِهِ ومَحْفُوظٌ، ويُوجَدُ الآنَ مَنْ يُحَاوِلُ تَنْفِيذَهُ كُلِّهِ. انْتَهَى كَلاَمُ الشَّيْخِ.
اقْرَأ – فَكَّرْ – تَدَبَّرْ – اسْتَنْتِجْ – تَكَلَّمْ إنِ اسْتَطَعْتَ – افْعَلْ إنْ قَدَرْتَ
وإلى اللِّقَاءِ مَعَ المُفَاجَأةِ المُرَوِّعَة في المَوْضُوعِ القَادِمِ
الحَلَقَاتُ الثَّلاَثُ لفَضْحِ عُبَّادِ التَّثْلِيثِ
والتي تَشْرَحُ كَيْف يَتِمّ غَسِيل المُخّ للنَّاسِ عَامَّة وللنَّصَارَى الَّذِينَ أسْلَمُوا وأُودِعُوا في الأدْيِرَةِ خَاصَّةً، وتَفْضَحُ أسَالِيب التَّعْذِيب دَاخِل الكَنَائِس والأدْيِرَة وحَقَائِق أُخْرَى مُرَوِّعَة
والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
وإلى اللِّقَاءِ مَعَ المُفَاجَأةِ المُرَوِّعَة في المَوْضُوعِ القَادِمِ
الحَلَقَاتُ الثَّلاَثُ لفَضْحِ عُبَّادِ التَّثْلِيثِ
والتي تَشْرَحُ كَيْف يَتِمّ غَسِيل المُخّ للنَّاسِ عَامَّة وللنَّصَارَى الَّذِينَ أسْلَمُوا وأُودِعُوا في الأدْيِرَةِ خَاصَّةً، وتَفْضَحُ أسَالِيب التَّعْذِيب دَاخِل الكَنَائِس والأدْيِرَة وحَقَائِق أُخْرَى مُرَوِّعَة
والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
تعليق