إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ذكريات هناك

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ذكريات هناك

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدمة

    الحقيقة أنها لم تكن تجربة عادية أبدا !!!!
    على الأقل بالنسبة لشاب مثلي في مقتبل عمره كانت تحمل الكثير و الكثير من المعاني و المشاعر و الهواجس و الآمال و ... و .... , كانت تحمل في طياتها معنى الحياة كانت لي مشاهدات كثيرة و أحلام و أغراض . كانت تجربة إنسانية فريدة لأسباب كثيرة سوف تطلعون معي بإذن الله عليها كانت أشبه بحلم مرت سريعا لكنها تركت أثرا عميقا , و حين أتذكرها أندهش كيف جاءت و كيف عشتها و هي الآن تمر أمام عيني فأرى منها ومضات فتارة أضحك و تارة أبكي و تارة أدهش و لا أدري حتى متى أستطيع الحفاظ عليها لذا قررت سردها و لا أدري هل تستق أما لا فهي تجربة خاصة للغاية لكني أرى أني أريد أن أخطها و أطلعكم عليها و قد أغير بعض الأسماء و ربما لا أستطيع سرد كل شئ لأسباب خاصة ، لكني سوف أحاول أن أستخدم أسلوبي البسيط لأنقل لكم أكبر قدر من هذه التجربة فأرجو ن تعذروني و تتحملوا معي حتى النهاية و أرجو أن تكون هذه الكلمات ذات فائدة لكم فلا تضيع أوقاتكم هباء .
    بالطبع الكثير منكم قد ارتسمت ملامح الدهشة على وجهه و يسأل نفسه في دهشة ماذا يريد هذا.............. بل أن بعضكم قد لا يعرف حتى أسمي و أرى أنه لا يشكل فارق كبير لكني سوف أميط اللثام عن جاني من التجربة التي سوف أتكلم عنها كما ذكرت آنفا هي لم تكن تجربة عادية أبدا و قد استغرقت عامان تقريبا بالطبع البعض قد يضحك فما قيمة عامان في عمر الزمن و ما هي تلك التجربة التي يريد صاحبها أن يصيبنا بدوار طوال قراءتها فأقول أيها الأعزاء أمها فترة عشتها من حياتي خارج بلادي سيقول قائل و ما الغريب في ذلك فهناك الملايين ممن تركوا بلادهم و سافروا للخارج و قد تكون لهم تجارب أكثر نجاحا وقوة و خاصة أنك عدت بخفي حنين و لم تكن تجربتك ذات فائدة مادية كبيرة فأقول لم تنتظر أخي الحبيب حتى تنتهي من قراءة تلك الذكريات ثم لتحكم في الآخر فلا تتعجل و ربما تجد في تلك الكلمات ما يفيدك سوف أحاول أن أنقل كل ما شعرت به في تلك الفترة .
    و منذ اللحظة قررت أن أصحبكم في رحلتي الخاصة فهي قدري و قدركم و قد سميتها (( ذكريات هناك )) حول تجربتي في العمل في المملكة العربية السعودية فآسف على هذا الصداع الذي سوف أسببه لكم

    خالد الرفاعي
    15/6/2008
    التعديل الأخير تم بواسطة homaas; الساعة 27-06-2008, 12:58 AM.
    (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)


  • #2
    رد: ذكريات هناك

    امرنا لله هنسمع قصتك يخالد بس مطولش (ابتسامه) متابعين ان شاء الله
    عباد اعرضوا عنا بلا جرم ولا معني اساءوا ظنهم فينا فهلا احسنوا ظنا؟؟
    فان خانوا فما خنا وان عادوا فقد عدنا وان كانوا قد استغنوا فان عنهم اغني

    تعليق


    • #3
      رد: ذكريات هناك

      حاضر يا د.خالد منتظرينك ربنا يبارك فيك

      تعليق


      • #4
        رد: ذكريات هناك

        أسجل متابعه بإذن الله

        بس

        خالد الرفاعي
        15/7/2008
        الشهور عندك مقدمة شهر يا حبيب
        فنحن في شهر 6
        وأقوال الرسول لنا كتابا وجدنا فيه أقصا مبتغانا
        وعزتنا بغير الدين ذل وقدوتنا شمائل مصطفانا
        صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

        تعليق


        • #5
          رد: ذكريات هناك

          المشاركة الأصلية بواسطة ابي بن كعب مشاهدة المشاركة
          امرنا لله هنسمع قصتك يخالد بس مطولش (ابتسامه) متابعين ان شاء الله
          لا يا عم الموضوع حيطول حبتين استحمل بقى


          المشاركة الأصلية بواسطة الا رسول الله مشاهدة المشاركة
          حاضر يا د.خالد منتظرينك ربنا يبارك فيك
          جزاكم الله خيرا المهم حضر 2 حبة باندول عشان الصداع :(ضحك):
          المشاركة الأصلية بواسطة dr_Muslim مشاهدة المشاركة
          الشهور عندك مقدمة شهر يا حبيبفنحن في شهر 6
          أنا كلمت حسام باشا و وعد يحل المشكلة دي ربنا يسهل
          (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

          تعليق


          • #6
            رد: ذكريات هناك

            بداية مملة ............ لابد منها


            جئت للدنيا كما يأتي غالب الأطفال و كانت ولادتي طبيعية و الحمد لله بالطبع لا أتذكر الكثير عن تلك الحقبة لأني كنت صغيرا جدا !!!!!!!!!!

            الحقيقة أنني حين قررت الكتابة عن فترة عملي خارج مصر تحيرت من أين أبدأ و قد وجدت أنه لابد للقارئ الكريم من أن يعيش التجربة كما عاشها صاحبها بالضبط لذا كان لابد من بداية قد تكون مملة قليلا لإعطاء الجميع خلفية عن مبرراتي للسفر في هذا الوقت و حتى يفهم كل من يطلع على تلك الكلمات تصرفاتي في العديد من المواقف و فلسفتي الخاصة للتعامل مع مسألة السفر لذا فأنني مضطر لأن أصحبك أيها الحبيب في رحلة سريعة لتتعرف على كاتب تلك الكلمات ، الحقيقة أنني نشأت في أسرة متوسطة عادية من أصل طيب فأبي – رحمه الله – كان محاسبا عمل فترة من عمره في الكويت و عاد إلى مصر بسبب حرب الخليج و التي حضرت أحدائها حيث أنني كنت في زيارة لوالدي في ذلك الوقت ربما أكتب ن تلك التجربة ذات يوما من الأيام ، أما أمي فهي مهندسة كهرباء و لي أخ يصغرني بعام واحد فقط و هو طبيب بيطري .

            المهم و حتى لا نطيل النفس في هذا الأمر تلك كانت و لا تزال أسرتي و منذ صغري قرر والدي إلحاقي بمدارس اللغات فقد كانت في وقتها أفضل مدرسة في مدينة المنصورة , و لا أستطيع أن أنكر أبدا فضل والدي رحمه الله -بعد الله سبحانه و تعالى – علي في شد أزري و الحرص على دراستي و حبه الشديد لي و الذي سوف يتضح من خلال ما سوف أقصه عليكم و ربما لم أتفهم قسوته علي في كثير من الأحيان إلى بعد رحل عن الحياة رحمه الله . و قد دخلت المدرسة في فترة الحضانة طفلا صغيرا وغادرتها بعد انتهاء المرحلة الثانوية شابا يافعا ، ثم التحقت بكلية الصيدلة و التي سوف ندردش حولها قليلا . في الحقيقة أنني مثل المئات من أبناء وطني لم أختر مجال عملي لأني أحبه بل اخترته بسبب المجموع الذي حصلت عليه في الثانوية العامة علما بأنه كان يحق لي الالتحاق بكليات أخرى أحب إلى قلبي مثل كلية الهندسة فقد كنت و منذ صغري بارع للغاية و هذا من فضل الله علي في مادة الرياضيات و قد أشاد كل من درس لي تلك المادة بمستواي فيها و كنت بفضل الله قادر على حل أصعب المعادلات الرياضية لكن إرادة الله شاءت بعد مناقشات و مداولات كثيرة أن ألتحق بكلية الصيدلة و التي أقول لكم بكل صراحة أن مجال دراستها لم يستهويني كثيرا !!!!!!!!! .

            المهم يا شباب أني أصبحت طالب في كلية الصيدلة و منذ اللحظات الأولى قررت أن أشترك في أنشطة الكلية حتى أفرغ الطاقة الداخلية الهائلة التي بداخلي فكنت عضو في اتحاد الطلبة و قمت بتنظيم العديد من الرحلات و حفلات الكلية و أنشطة أخرى كثيرة كنت كما يقول الشباب الآن عايش حياتي ثم حدث انقلاب هائل في حياتي ليس مجال تفصيله الآن لكن المحصلة النهائية أني أطلقت لحيتي و أصبحت لي اهتمامات أخرى ( و لا أريد الناس أن تفهم أن إطلاق اللحية كان هو التغيير فما اللحية إلا جزء من الدين بل كان التغيير و إن شئت قلت انقلاب في تصوراتي و أهدافي و طموحاتي وانقلاب في كل شئ ) فقد اكتشفت فجأة أنني لست على الطريق و أن حياتي ليس لها معنى و أن حقيقة أسمها الموت لم ألقي لها بالا قط و أشياء أخرى لعلي أقصها لاحقا و كأنني الآن أبصر هذا الشاب الروش الذي دخل كلية الصيدلة ناقما عليها و قد قرر أن تكون رحلته معها عابثة فإذا به يخرج بغير الوجه الذي دخل به .

            اللطيف في الأمر أني حصلت على تقدير جيد و هذا الأمر له قصة لطيفة ففي السنة الأولى حصلت على تقدير جيد و كان والدي في غاية الضيق فالمفترض أني كنت طالبا متفوق ثم حدث أنني لم أرى هذا التقدير مرة أخرى على دار الثلاث سنوات التالية بل كان تقديري هو المقبول المتعارف عليه فلما من الله علي بالهداية قررت أن أغير هذا الوضع و أن أحصل على تقدير في السنة الأخيرة و لا أخفيكم سرا أنه كان أمرا شاقا و لكني حصلت على تقدير جيد فكان مجموع التقديرات على مدار السنوات الخمسة جيد و لقد ضحكت كثيرا يوم النتيجة لما رأيته من ملامح الدهشة التي ارتسمت على وجوه الكثيرين و هم يطلعون على تقديري العام و الذي لم يكن متوقعا أبدا .

            انتهت سنوات الكلية بحلوها و مرها و بقيت منها عشرات الذكريات و وجدت نفسي في مواجهة الحياة للمرة الأولى فبعد 18 عاما من الاعتماد على أسرتك تجد نفسك فجأة مطالب بأن تعمل و تتحمل مسئولية نفسك أضف إلى ذلك أن قررت أن ترسم خطا محددا في الحياة و أصبحت لك أهداف و طموحات كبرى و زينت وجهك لحية كثة و لم يكن الأمر سهلا بالمرة و كان علي أن اتخذ العديد من القرارات لكن هذا الأمر يحتاج لحديث آخر في وقت لاحق و قد أطلت النفس طويلا في تلك المقدمة التي قلت لكم أنها قد تكون مملة لكن لابد منها فإلى لقاء قريب .
            (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

            تعليق


            • #7
              رد: ذكريات هناك

              الخريطة و المنطقة و .... أشياء كثيرة !! (2)


              الخريطة ليست المنطقة أو إن الخريطة هي إدراكك بينما المنطقة هي الحياة ….. أطلق العالم الرياضي "الفرد كورزبسكي " هذا التعبير لوضع التأكيد على أن الإدراك غيرا لواقع بذلك تطرق كورزبسكي إلى نقطة أساسية ، إلا وهي أنه بتغير إدراكك لموقف ما، تتغير نظرتك للواقع من حولك. أي أنه هناك فارق كبير بين ما تراه و تظنه و بين الواقع من حولك. سؤال أيها القارئ العزيز هل فهمت شئ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

              مرحبا بك أيها العزيز مرة أخرى ضيفا على ذلك الركام من الذكريات و أجو ألا يكون قد أصابك الضجر مبكرا فمازلنا في البداية و الأمر سوف يطول فأرجو أن تخرج بفائدة و ألا يضيع و قتك الثمين هباء و أنت تقرأ تلك الكلمات . كنا قد توقفنا في المرة الماضية عند خروجي إلى الواقع الحقيقي و بين ما اعتقده و ما قائم بالفعل من حولك باختصار شديد بين أحلامك و تصورات و قيم المجتمع من حولك فالحقيقة أنها كانت مفاصلة تامة و كان لابد من العثور على الحل . أظن أن كلامي اليوم يبدو مبهما بداية بمسألة الخرائط و المناطق مرورا بالمفاصلة لكن كما قال الأولون إذا عرف السبب بطل العجب , الحقيقة أيها الشباب أن هذا التمهيد الذي أكتبه و قد يستغرق حلقة أخرى و ربما أكثر الغرض الرئيسي منه هو أن تعيش معي التجربة كاملة و أن تتنفس معي هذا لأجواء التي أحاطت بي قبل السفر و الذي سيكون عامل أساسي في كل تصرفاتي و انفعالاتي أثناء تلك التجربة التي أظنها كانت شيقة . للآسف أيها الشباب أننا نفتقد و بحق لبيئات تربوية و إرشادية تستطيع أن تشكل لدينا الوعي الكامل لمواجهة أنواء و تقلبات الحياة و لا يمكن أبدا إذا كنا منصفين إلا أن نقول أن الواقع من حولنا يعيش شكل من أشكال الجاهلية سواء كانت الثقافية أو الدينية أو الخلقية أو التعليمية و الخلاصة أنها جاهلية في كل شئ و المقصود بهذا اللفظ هي الجاهلية التي و صف بها الرسول صلى الله عليه و سلم الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري حين قال له (( إنك امرؤ فيك جاهلية )) المقصود أننا و حين ننظر للواقع الذي نشأنا فيه نجد أننا و منذ نعومة أظفارنا للآسف لم نتربى في أوساط إسلامية بما تحمله الكلمة من معنى بل الواقع أن العالم الآن للآسف إلا ما رحم الله يمضي حثيثا إلا هوة خلقية واضحة لا ينكرها إلا معاند . طبعا أنا ربما أكون قد أثقلت كاهلك أيها الكريم بما جعلتك تقرأه لكن حتى نستطيع أن نتغير يجب أن ندرك تماما كيف يدور العالم من حولنا أنني و قد عملت فترة من الزمن في حقل الدعوة الإسلامية و إن كانت تجربتي كانت قصيرة أشبه بطفل يتعلم كيف يحبو إلا أنها و لغرض لا يعلمه إلا الله كانت غنية للغاية فقد اقتربت كثيرا من مختلف الفصائل الإسلامية العاملة في حقل الدعوة الإسلامية و قد رأيت - و هو رأي خاص بالطبع – أن غالب التكتلات العاملة لدين الله تفتقد وجود المربي الحقيقي حتى وإن تناثر في كتب تلك الجماعات على اختلاف مشاربها الحديث حول وجود المربي و دور التربية الإسلامية في حرة البعث الإسلامي الجدية , نعم هناك بعض المحاولات الفردية الجادة لكن لا ترقي و تقارب أبدا ما كان عليه الرسول صلى الله عليه و سلم مع أصحابه.



              بالطبع أنت تتساءل الآن عن علاقة ما سبق برحلة السفر فأقول كل أيها العزيز أنني كنت قد اتخذت قرار الالتزام و نبذ أفكاري السابقة التي ليس لها علاقة بمراد الله مني و من البشر و قد عشت فترة من عمري أتقلب بين صفحات الكتب و الأفكار و الفلسفات فقد كانت هواية القراءة و المطالعة هي شغلي الشاغل فما وجدت في تلك الكتب ما يسد الرمق و لا يشبع حالة الجوع العاطفي التي كانت تنتابني حتى أبصرت الطريق .أدركت أنه لا يوجد أشرف و لا أعظم من العمل و التضحية لدين الله و لا يعني هذا أبدا نبذ الدنيا بل أن أسمى المطالب هو تطويع هذه الدنيا لخدمة الدين و لكن كيف ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!



              إن المشكلة التي واجهتني بعد التخرج كانت الفارق بين ما أريده و بين الواقع فالواقع كان بالنسبة لي خريطة صغيرة فلما خرجت إلا هذا الواقع و أبصره عن كثب و جدت أن الخريطة ليست أبدا هي المنطقة بل الآمر مخالف تماما فعندما تتخرج تلقى عليك مسئوليات و أعباء كثيرة فلما تصبح ذلك الصبي الذي يبسط يده لوالده ليعطيه المصروف اليومي بل أنت الآن رجل مسئول تريد أن تبني مستقبلك بيدك و تحفر الطريق وحدك تريد أن تكون أسرة كبيرة و تريد أشياء كثيرة قد تصطدم مع أحلامك التي طالما عشتها حول العمل الدعوي و الاشتراك في حركة البعث التي طالما روادك في منامتك .

              أرى أننا قد خرجنا عن الموضوع قليلا لذا فأننا نعود مرة أخرى لنستكمل الأحداث. لقد مررت أيها الحبيب بعدة المراحل بعد التخرج ففي المرحلة الأولى و التي تليت التخرج مباشرا كان شغلي الشاغل هو إنهاء مسألة الجيش و قد استغرق الأمر حوالي ثلاث شهور و لم يكن يجول في خاطري في تلك الفترة أي من الكلمات التي أرهقتك أيها القارئ العزيز بقراءتها في الفقرات السابقة . فلما انتهت تلك الفترة و حصلت على تأجيل من الجيش بفضل الله بدأت العمل بأحد الصيدليات الكبرى في مدينتي و كانت داخل الجامعة و هي تخدم في الأصل العاملين بالجامعة و قد يسر لي هذا المكان ممارسة أنشطتي الدعوية و لكني لم أحبه فأنا لا أستطيع الجلوس في مكان مغلق لفترات طويلة فهذا يصبيني بالملل و إن أشد الأعمال علي فعلا هي تلك المهنة و أنا حين اخترت كلية الصيدلة بعد أن عجزت عن الالتحاق بكلية الهندسة فوجدت أن كلية الصيدلة أقرب لقلبي من دراسة الطب الذي كان من الممكن أن ينغص علي حياتي لذا اخترت كلية الصيدلة و كانت عيني مسلطة على العمل كمندوب دعاية في شركات الأدوية و لما أطلقت لحيتي وجدت أن هذا الأمر تبخر تماما لأني كنت أعلم أن مسألة اللحية مرفوضة تماما في شركات الدواء لكن حدث ما لم أكن أتوقعه و كان هذا منعطف آخر فقد كان العمل في الصيدلية كفيلا بإصابتي باكتئاب و كنت بالفعل على حافة الانهيار فلا عائد مادي مرجو و لأن الشخص الذي عرفت قبل التخرج.



              وإذا بمفاجأة جديدة لكن لهذا الأمر قصة مجالها في مرة قادمة أرجو أيها العزيزأن أراك حين أقصها........
              التعديل الأخير تم بواسطة homaas; الساعة 27-06-2008, 12:49 AM. سبب آخر: تكبير الخط قليلاً بناءاً على طلب الكاتب ..
              (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

              تعليق


              • #8
                رد: ذكريات هناك

                بكل بساطة كان يجب أن أسافر


                لكل هذه الأسباب الظاهرة الواضحة و ربما لغيرها مما خفي عني لحكمة إلهية قد غابت عني كان يجب علي أن أسافر !!!


                مرة جديدة أرحب بك أيها العزيز ضيفا على ذكرياتي المتواضعة و أرى أني قد أثقلت رأسك في المرة السابقة و استخدمت العديد من الرموز مما جعلك تصاب بالدوار فاعذرني على هذا و أنا كفيل بإماطة اللثام عن كل ما أبهم في المرة السابقة قبل أن ندخل في التفاصيل الجديدة .

                الحقيقة يا أخي أنني مررت بمرحلتين في فترة الدراسة الجامعية المرحلة الأولى كانت مرحلة الضياع الفكري و التشتت بين ما يصدره لنا الغرب من تجربته الخاصة التي جعلته يتقدم في شتى ميداين الحياةالبشرية و إن كان قد انحدر في مجال القيم و الأخلاق إلى مرتبة البهائم و في المقابل معلوماتي الضئيلة حول ديني و التي لا تتعدى سوى بعض القراءات البسيطة و التي يغلب عليها السطحية الشديدة في تناول قضايا الإسلام الكبرى . ثم فجأة حدث في الإجازة الصيفية و بعد مرور ثلاث سنوات من بدء الدراسة الجامعية أن أبصرت النور و كما ذكرت فإن هذه الذكريات التي أخطها سوف تتحدث عن فترة عملي خارج مصر فلا داعي لإطالة النفس في أحداث التزامي و عودتي إلا طريق الحق غاية ما هناك أني أبصرت الطريق فإذا الله سبحانه و تعالى قد مهده لنا تمهيدا و يسره لنا و إذا هو طريق العزة و المجد و الشرف لمن أراد أن يتبوأ تلك المكانة السامقة لكن .......... في المقابل هو طريق التضحيات و البذل الذي لا حدود له و قد كان الأمر سهل يسير في مرحلة الدراسة فلا أنا ملزم بنفقة و لا أنواء الحياة و تقلباتها تشغلني لكن بعد التخرج وجدت أن الأمر أكبر من ذلك فرؤيتي و أفكاري الخاصة حول الحياة تصطدم مع الواقع فإن البذل و التضحية و كل المعاني النبيلة التي عشتها قد يكون ثمن السعي وراءها هو خسارة الدنيا بكل ما تحمله الكلمة و في المقابل فإن الدنيا أيها الحبيب لم تكن مقبلة بهذه الصورة خاصة مع شاب ملتحي مثلي فأنت تعرف كم التضييق الذي يواجههالشاب عامة للحصول على عمل كريم فما بالك بأمثالي ثم أنني عملت فترة في مجال لا أحبه مما جعلني أبتعد كثيرا عن أحلامي السابقة التي كنت أصبو إليها فأصبحت أنكر نفسي التي بين جوانحي فليست هي تلك الصورة الوضاءة التي عرفتها في الجامعة في مرحلة التزامي و بينما أنا في تلك الحالة حدثت مفاجأة سارة .


                قابلت أحد أصدقائي و سوف أرمز له ب ( ت.ر ) و كان يقضي فترة الخدمة في الجيش فشكوت له حالي فقال لي أن أحد شركات الأدوية الكبرى لا تمانع في وجود ملتحين بين جنابتها و لا يمكنك أبدا يا صديقي القارئ أن تتخيل مدى سعادتي بهذا الأمر فبحثت عن الطريقة المثلى للتعرف على مدير مكتب المدينة التي أعيش بها فكانت مفاجأة أسعد حيث أن أحد الدعاة الشباب و هو صديق لي يعرف هذا الرجل معرفة جيدة حيث أنه كان زميله في المرحلة الدراسية, فكلمه بشأني و مرت الأحداث سريعا و وجدت نفسي أحمل الحقيبة و أخوض هذا المضمار الذي أحبه فإذا بهمتي تعلو مرة أخرى فعدت لممارسة أنشطتي الدعوية و زاد حبي لتلك الأعمال , و لن أنسى أبدا اليوم الذي تركت فيه عملي في الصيدلية و كأني حصلت على إفراج من سجن رهيب نعم كان مدير الصيدلية شخص لطيف و كانت الأمور جيدة لكني لم أتحمل تلك المهنة فقد شعرت و هذا رأي خاص أنها مهنة تقتل الإبداع فلا جديدفيها عمل رتيب يومي مكرر لا تقدم فيه و ليعذرني الأخوة الصيادلة على رأي هذا .


                لكن تأتي الرياح بما لا يشتهي السفن. و سوف أذكر هنا في عجالة جانب من علاقتي بأبي الحبيب رحمه الله , يجب أن تعرف أيها الأخ الكريم أن أنني كنت أحب أبي للغاية و إن اختلفنا في كثير من الأشياء فقد كان رحمه الله عاطفي للغاية شديد الغضب يعشق مساعدة الآخرين و كان فيه الكثير من الصفات الحميدة ربما أبرزها هو حبه و تفانيه في تربية أولاده حتى قضى نحبه رحمه الله في سبيل هذاو سوف يأتي ذكر هذا لاحقا , و لم يعكر صفو تلك العلاقة إلا مسألة واحدة و هي إعفائي للحيتي فقد كانت سببا في صراع مرير طويل و كنت أشفق على أبي لأنه مريض بالقلب و في نفس الوقت لم أستطع أن استجب لطلبه في هذه المسألة و كان هذا الصراع أعنف من كل التصورات التي قد تدور بخلد القارئ الآن و كان هذا ينغص علي الدنيا بأكملها و يصيبني أيضا بإحباط و لقد أستمر هذا الصراع ثلاث سنوات كاملة مما جعلني أعجز عن الحركة لخدمة ديني و حتى مع العمل الجديد و بدايته المشرقة طفا هذا الصراع على سطح الأحداث مرة ثانية , وهنا ظهرت فكرة السفر للمرة الأولى.


                لي خال يعمل منذ حوالي 25 عام في المملكة العربية السعودية كاستشاري جراحة و قد عمل في العديد من المستشفيات الكبرى و انتهى به المطاف في مستشفى الملك فهد التخصصي ببريده و هي عاصمة إمارة القصيم و سوف يكون هذا المكان هو محور الذكريات التي نحن بصددها . كان خالي في مصر لقضاء الإجازة الصيفية فسألته للمرة الأولى عن رؤيته الخاصة حول عمل الصيادلة في السعودية فلم يرحب خالي بفكرة العمل في الصيدليات الخاصة و رأى فيها شكل من أشكال الاستغلال فسألته عن عمل المستشفيات فرحب بهذا الأمر و مدحه لكن أشار إلى مسألة الخبرة التي تنقصني و طلب مني إعطاءه السيرة الذاتية و أنه سوف يقوم بمحاولة و يرد علي . بكل بساطة أيها الحبيب كان يجب أن أسافر لأسباب كثيرة منها أنني شعرت بأنني لا أحقق ذاتي لا في مجال العمل و لا على صعيد الالتزام و قد فكرت مليا في مسألة العمل في المستشفيات لأنها تعطي الكثير من وقت الفراغ الذي يمكن للإنسان إذا أحسن استغلاله أن يحقق الكثير مما يربو إليه أضف إلى هذا شهرة منطقة القصيم بالأجواء العلمية فهي موطن الشيخ السعدي و الشيخ ابن العثيمين وهي تعج بطلبة العلم , أضف إلى ذلك فرصتي لحج بيت لله الحرام و لا يمكن أبدا أن أغفل أحد أهم أسباب فكرة السفر و هو الصراع مع والدي و الذي كنت أحبه و أخشى عليه و كان رحمه الله يشعر أنني سوف أتعرض لمصيبة رهيبة في القريب العاجل .

                عند عودة خالي إلى عمله أجرى العديد من المحاولات لاستقدامي و الحصول على عقد عمل مناسب لي في نفس المستشفى التي يعمل بها لكن باءت تلك المحاولات بالفشل لصغر مدة خبرتي و كان لدى مدير الصيدلية تحفظ على عمل المصريين لأسباب كثيرة سوف أذكرها لاحقا و كان قد مضى على محاولاته تلك ثلاثة شهور ثم فوجئت به يتصل بي ذات يوم ليخبرني أن مدير الصيدلية قد وافق لكن المشكلة أنه لا توجد فيزا صيدلي و مشاكل أخرى فنية لكني وافقت فقد كان الصراع الذي يدور بداخلي على أشده و قد أُضيف لكل هذا أنني تقدمت لخطبة أحد الفتيات عندما ظننت أني أوشكت على السفر و باء الأمر بالفشل و كانت غلطة رهيبة فلم تكن تصلح لي لا لعيب في دينها و لكن أسباب أخرى و أنا أحمد الله أن هذا الأمر لم يتم و الحمد لله على أشياء قد نكرهها في وقتها ثم نكتشف بعد ذلك أن فيها من الخير الكثير ما لا يمكننا أن نحصيه.


                انتظرت أن يخبرني خالي بتفاصيل أكثر حول الموضوع لكن الأمر هدأ و عرفت أن تلك المحاولة باءت بالفشل أيضا لأسباب فنية و قد حمدت الله كثيرا بعد ذلك فقد كان هذا العقد فيه أضرار كثيرة كانت من الممكن أن تمنعني من إحضار والدتي لأداء الحج و كأنها قصة الخضر عليه السلام مع نبي الله موسى فالسفينة تُخرق و الطفل يُقتل و نحن نرى في هذا سوء و أمر لا يمكننا تقبله فإذا هي الرحمة و الخير كله و كما قلت الخريطة ليست دائما هي المنطقة . مرت عدة شهور و عاد خالي ليقضي بعض الأشياءالخاصة في مصر و في أحد الأيام رأى لي رؤية جميلة فلما استيقظ من النوم تحدث إليه مدير شئون الموظفين في الشركة المسئولة عن المستشفى و أخبره بأن الفيزا الخاصة بي توجد الآن في أحد مكاتب القاهرة و ما علي إلا التوجه للحصول عليها . و في اليوم المحدد ذهبت للمكتب للحصول على الفيزا الخاصة بي و أريد هنا أن أوجه عناية الكثير من الشباب أن بعض تلك المكاتب تمتهن النصب بأشكال مختلفة فقد كانت التأشيرة موجودة باسمي و لم تكن هناك أي حجة لدى المكتب لتعطيل أوراقي لكني شعرت بأمر غريب في نفسي منذ اللحظة الأولى لدخولي هذا المكتب فقد طلبوا مني أن أملي استمارة و هذا أمر مضحك فالتأشيرة موجودة فعلا لكني أجبت طلبهم و أنا أشعر بالغيظ ثم قالوا لي أن هناك مقابلة فأخبرتهم أن التأشيرة باسمي ثم من هذا الذي سوف يجري معي المقابلة ؟!, فوجدتها سيدة متبرجة فأشحت عنها بوجهي و جلست و أن متأفف لهذا النصب المباشر فلم يكن لتلك السيدة أي خلفية علمية أبدا و علمت أن المكتب يريد الحصول مني على مبلغ زائد من المال و هذا ليس حقهم فالتأشيرة باسمي فعلا و كان ظني صادقا فقد أخبرتني أنه لم يمر على تخرجي عامان فكيف أسافر فأخبرتها أن أوراقي في السعودية أصلا و هم أدرى منك فقالت لي لا تقلق سوف نحل لك تلك المشكلة !!!!!!!!

                عدت إلى مدينتي و الغيظ يملأ قلبي و كان خالي قد عاد للسعودية و أخبرته بما جرى فطمأني و وعد بحل المشكلة . مرت عدة أسابيع دون أي أخبار جديدة و بينما أقود سيارتي ذات يوم جاءني اتصال من المكتب التقطت جهاز المحمول لأجيب المكالمة فسقط من يدي في انحنيت لالتقطه و عندما عدت مرة أخرى كان أمامي سيارة و كانت سرعتي عالية جدا دست على مكابح السيارة بكل ما أملك من قوة و أدرت مقود السيارة و .....


                أعتقد أني لا أستطيع أن أكتب أكثر من هذا اليوم فإذا أردت أن تكمل معنا ما حدث فكنا معنا المرة القادمة .
                (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

                تعليق


                • #9
                  رد: ذكريات هناك

                  إلى اللقاء (4)

                  كم أنت غالي يا وطن فيك الذكريات و الأحلام و الأيام السعيدة و الأهل فيك الطفولة البريئة كم ضحكت و كم بكيت و شريط الذكريات يمر سريعا فأجد الدموع تنهمر من مقلتي لكن للآسف...... كان يجب أن نفترق.

                  هانحن نلتقي مرة أخرى يا صديقي العزيز و أرى أنك لم تمل مني بعد فمرحى بك مرة بعد مرة صديقا عزيز تشاطرني ذلك القبس من ذكرياتي الخاصة. أين توقفنا في المرة السابقة ؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!

                  آآه تذكرت و أعذرني يا حبيب فمشاغل الدنيا قد تنسيك فلا مانع من أن تذكرني كنا نتحدث عن تلك المكالمة الهاتفية التي جاءتني و كيف أنني أنحيت لألتقط جهاز المحمول الذي سقط من يدي لأجيب على المتحدث و لا يفوتني هنا أنا أنصح القارئ بعدما استخدام المحمول أثناء القيادة علما بأني للآسف من أكثر مستخدمي المحمول أثناء القيادة !!!!!!

                  المهم شاء قدر الله ألا يقع حادث مروع و لا أدري ما حدث فقد فعلت كل ما بوسعي و لا أخفيك سرا أني أغلقت عيناي و انتظرت كارثة محققة و إذا بالسيارة تتوقف على جانب الطريق دون أن يحدث أي شئ , تنفست الصعداء و كان مازالت رنة المحمول تتكرر مما أثار سخطي فقد كادت تلك الرنة أن تقتلني منذ لحظات قليلة رفعت المحمول إلى أذني و أنا في شدة الغضب و على الطرف الآخر جاء صوت المرأة التي أجرت معي المقابلة في مكتب القاهرة.

                  قالت :د/ خالد لماذا لم تحضر حتى الآن لننهي إجراءات السفر الخاصة بك حتى الآن ألا ترغب في السفر ؟!

                  علمت على الفور أن الإدارة في السعودية قد مارست على المكتب ضغط ليكفوا عن أسلوب النصب المتبع لديهم فأخبرتها و قد ارتسمت على شفتي ابتسامة النصر أن العقد في جملته لم يعجبني لكن سوف أوافق لأنها مستشفى ضخمة فقط !!

                  مرت الأحداث سريعا و أجريت عدة اتصالات مع صاحب المكتب نفسه و كانت هناك محاولة لنقل التأشيرة لمكتب آخر في مدينتي لأن صاحب مكتب القاهرة كان ليزال في محاولاته لإتمام عملية النصب علي و الحصول على مبلغ لا يستحقه و ذلك بإيهامي أنه من قام بحل مشكلة الخبرة لدي !! , تفاصيل كثرة لا طائل منها انتهت بإتمام أوراقي لدى هذا المكتب و لم أعطيه سوى ما يستحقه و قد سافر معي والدي رحمه الله في ذلك اليوم و لن أنسى أبدا ملامح الفرحة التي علت وجهه الحبيب عندما رأى التأشير على جواز السفر الخاص بي ، و بتلك المناسبة قام بدعوتي لتناول العشاء في أحد المطاعم الشهيرة بمدينة القاهرة , كم كان حنونا غفر الله له كان يحب بقائي بجانبه و لا يرغب في فراقي لكنه كان يشعر بالخوف الشديد علي مما حمله على التعجيل بإنهاء مسألة السفر .

                  عندما عدت إلى بلدتي كان شهر رمضان العظيم يدق الأبواب بقوة وفكرنا هل الأفضل أن أسافر مباشرة أم أن أبقى حتى نهاية الشهر كنت أرغب و بشدة في أن تكون بدايتي في المملكة القيام بعمرة في العشر الأواخر من رمضان و كان أبي و أمي يرغبان في بقائي حتى ثالث أيام العيد و لم يسعني سوى تلبية تلك الرغبة الكريمة و قد كانت منة من الله عز وجل فقد اعتكفت في هذا الشهر في أحد أكبر المساجد و كنت مشرف على الاعتكاف و سوف أسرد لكم بعض الأحداث السريعة التي دارت قبيل سفري.

                  منها أنني اعتكفت كم ذكرت من قبل في أحد المساجد الكبرى وكنت من مشرفي الاعتكاف وكانت لي كلمة وعظية يوميا في المسجد و كانت لي جلسات خاصة مع شباب المعتكف و كان كثير من هؤلاء الشباب من حديثي الالتزام أو من الشباب غير الملتزم أصلا , و كانت منة عظيمة من الله فقد امتاز هذا المسجد نظرا لوجوده في مكان متميز تقطنه الطبقة الراقية بإمكانيات ضخمة للغاية مكنتنا من تيسير الاعتكاف لعدد كبير من الشباب كما أنه كان مركز لدعوة الشباب غير الملتزم لشهرة هذا المسجد في الأوساط الراقية !!

                  و كان من رحم الله سبحانه و تعالى أن جعلني سبب في هداية عدد ليس بقليل من هؤلاء الشباب و كان من دواعي فرحي بتلك المنة أنه بعد عودتي إلى مدينتي بعد مرور عامان من الغربة أن قابلت الكثير من الشباب الملتزم الذي لا أعرفه فإذا بهؤلاء الأعزاء يشدون على يدي و يشكرونني أن استعملني الله فكنت سبب في ردهم إلى طريق الحق فلله وحده الحمد و المنة , و كان من بركة هذا المعتكف أني ألقيت كلمة في أحد الليالي الفردية في العشر الأواخر أثناء صلاة التهجد فلاقت ترحيبا كبيرا و أيضا كانت لي كلمة عن وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم مازال الكثير ممن حضروا تلك الكلمة يذكرونها و قد يرى البعض في تلك الكلمات السابقة نوع رياء و حب ظهور و أسال الله أن يعافيني من هذا البلاء فما أنا فعلا إلا عبد فقير إنما أردت أن أعرض عليك أيها العزيز جانب مما فتح الله علي به لأسألك و أسأل نفسي هل كان السفر يستحق ترك هذا الميدان الذي من الله علي به ؟؟

                  إننا أيها الشباب و أرجو المعذرة أيها الكريم إن كنت أوجه حديثي دوما للشباب لكن تلك الكلمات الأصل أن المخاطب بها الشباب الذي تنتابه الحيرة بعد التخرج فلا يدري كيف يجمع بين ما يحب أيا ما كان و بين الحصول على الجانب المادي المريح ، فقد كان العديد من الشباب من أصحاب الإبداعات الرائعة فإذا هي تتلاشى في خضم أحداث الحياة كم من شباب هذا الجيل كان من الممكن أن يصبح شاعرا فذا أو أديبا مرموقا أو عالما من العلماء المشار إليهم بالبنان فإذا بتلك الموهبة تزول و تتلاشى , أعود فأقول أننا في تلك المرحلة العمرية نقف عند مفترق الطرق -غالبا- بين ما نريده و نهواه و ما هو متوفر في واقعنا فعلا. إن من أخطر المشاكل التي تواجه الآن ملايين الشباب العربي أن يعرف حقا ماذا يريد و لا يعني هذا أن كاتب تلك الكلمات قد وصل بر الأمان وجلس يستريح عليه ثم أخذ يلقي على كل عابر سبيل نصائح إرشادية تدله إلى ما وصل إليه بل إنني مازالت أبحث و لا أدري كم سيستغرق مني هذا البحث و هل سأصل إلى هذا الشاطئ الساحر أما سأظل أبحث دون طائل ، قد يقول البعض دعنا من تلك الفلسفة الجدلية و لننظر إلى الواقع من حولنا فإن الجري و راء السراب عبث فتلك المواهب التي تتكلم عنها ليست خبزا نأكله و لا ملبسا يسترنا فما قيمة أن نظل العمر كله نلهث خلف تلك الأحلام ، ربما ليس هذا مجال تقصي لكن انظروا أيها الشباب إلى تاريخ العظماء و المصلحين كم سهروا الليالي و كم افنوا الأعمار فما كان هذا عبثا و لهوا إنما كانت تلك التضحيات هي المداد الذي خطوا بها أسماءهم في سجل الشرف و العزة فلله در المصلحين و المبدعين الأوفياء و أين تضحيات هؤلاء و أحلامهم في مقابل تضحياتنا نحن و أحلامنا ؟؟

                  لا نريد الخروج كثيرا عن سياق الحديث نعود لنكمل تلك الفترة القصيرة الباقية لي في مصر, فقبل نهاية الاعتكاف بيومين جاء والدي إلى المعتكف و وجهه ممتقع شاحب اللون و أخبرني و الألم يعتصره أنه يتوجب علي أن أذهب إلى أحد الأجهزة الأمنية للحصول على جواز سفري فطمأنته و كنت اعلم مدى قلقه , و بالفعل ذهبت في اليوم التالي و كان الناس هناك في غاية الظرف فلم يجعلوني أنتظر كثيرا حتى أقابل الضابط المسئول, فقد استغرق انتظاري خمس ساعات فقط بالطبع هذه الرحمة الشديدة كانت لأننا في آخر أيام رمضان !!

                  كان الضابط لطيف للغاية لم يسألني كثيرا و قد وعدته بأن أدعوه و أدعو كل ضباط الإدارة على حفل زواجي يوما ما و لا أدري هل أستطيع أن أفي بهذا الوعد أم لا ؟؟؟ , و عندما غادرت كان والدي في انتظاري رحمه الله و كان الخوف و القلق يعلو وجهه فأخبرته أن الناس كانوا في غاية السعادة للقائي و أنه يمكنني السفر دون أدنى مشكلة. هناك موقفان أريد أن أذكرهما قبل أن استقل الطائرة المتوجهة للسعودية, الموقف الأول فيه طرفة فقبيل سفري بساعات جاء بعض أقاربي لزيارتنا فأخبرهم الوالد أن السبب في هذه المنحة الإلهية التي من الله علي بها – فقد كنت أول من سافر خارج البلاد في كل دفعتي تقريبا – هي محافظتي على الصلاة و .... إعفائي للحيتي !! .

                  أما الموقف الآخر فقبل سفري بليلة ذهبت لزيارة بعض أصدقائي بعد صلاة الفجر و كان الإفطار معد وكدت أصاب بعسر هضم من كثرة الأكل فقد كان الطعام شهي للغاية و بعد مغادرتي المكان تم إيقافي من قبل حملة و قالوا أن هذه السيارة قد تم الإبلاغ عنها طبعا يمكنكم أن تتخيلوا مشاعري في تلك اللحظة قلت لنفسي الموت علينا حق و إن لله و إن إليه راجعون, و أخذ الضابط يتحدث عبر جهاز اللاسلكي فترة من الزمن و هو ينظر إلى رخصتي و رخصة السيارة نظرات متفحصة ثم فوجئت أن الأمر كله لا يتعدى مروري على عسكري المرور دون وضع حزام الأمان فأبلغ عن السيارة و رفض الضابط إعطائي رخصة القيادة حتى بعد إبلاغه أنني سوف أسافر خلال ساعات لكن أبي استطاع أن يحضرها في نفس اليوم!! .

                  توجهت إلى المطار و كان معي أبي و أمي التي ظلت تقبلني طوال الطريق و أخي الأصغر و كان لتوه قد تخرج من الجامعة و عندما وصلت المطار طلبت من أخي طلب خاص أنه إذا أشتد مرض أبي لأي سبب من الأسباب أن يتصل بي على الفور و للآسف لم ينفذ ما طلبته منه , لم أكن أعلم أنها المرة الأخيرة التي سوف أرى فيها والدي رحمه الله يتكلم فقد رأيته قبل موته بسويعات قليلة و سوف يأتي معنا لاحقا أحداث هذا الأمر المؤلم . تجاوزت منطقة التفتيش و أخذت أشير لهم كثيرا حتى غابوا عن بصري و بعد مروري من منطقة الجوازات اتصلت للاطمئنان عليهم ثم قمت بتغير ملابسي لارتداء ملابس الإحرام فقد كانت نيتي أن أقوم بعمرة أولا و أجلس في مكة لعدة أيام قبل الذهاب لمدينة بريده و كانت سعادتي غامرة و مع النداء الأول للطائرة توجهت إليها و جلست في مقعدي و أخرجت كتاب الله لأقرأ فيها و كان موقعي بجانب جناح الطائرة و سبحان الله غالبا ما يكون هذا هو موقعي في الطائرات ، لم أعرف من سيكون رفيقي في الطائرة و قد منيت نسي أن يكون شخص لطيف فلا يقطع علي خلوتي و يمنعنني من التأمل في المشاهد الخلابة خارج الطائرة, جلست انتظر قليلا فإذا برفيقي .......

                  نكمل في المرة القادمة بإذن الله
                  (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

                  تعليق


                  • #10
                    رد: ذكريات هناك

                    يا ترى مين اللى كان جنبك فى الطيارة يا د.خالد ؟؟
                    مين مين مين ميييييييييييييييييييييييييييينن ؟؟ !!!!
                    الفضول هيقتلنى هههههههههه

                    ماشاء الله قصة رائعة جدا واستمتعت جدا بقرائتها واكيد هنستفيد منها بإذن الله
                    بس ياريت متغيبش علينا يا دكتور .. يعنى 4 حلقات فى اليوم مثلا (: .. أو نزل الحلقات كلها النهاردة
                    جزاكم ربى كل الخير وجعله فى موازين حسناتكم

                    ملحوظة مهمة :
                    واضح أن الحبيب حسام عدّل الموضوع ولكنه نسى تعديل التاريخ !!!
                    أتردّني وتردّ صادقَ توبتِي ؟؟
                    حاشاكَ ترفضُ تائباً حاشاكَ

                    تعليق


                    • #11
                      رد: ذكريات هناك


                      مكة... و ما أدراك ما مكة (5)


                      يا مكةيا مكة ما أبهى لقيانا ...
                      لبينا والسعد وافانا ...
                      للحرم شددت رحالي...
                      وبطيبة روحي في إنشغالي ...
                      والأقصى ما غاب عن بالي...
                      يا ربي بلغنا منانا ...

                      كانت الطائرة تستعد للإقلاع و نفسي تكاد تحلق هي الأخرى في السماء و قلبي تتسارع دقاته مع قرب موعد إقلاع الطائرة فمع مرور الدقائق كنت اقترب من تحقيق أحد أكبر أحلامي و هي زيارة بيت الله الحرام و لم يكدر صفو تلك المشاعر إلا رفيقي في الطائرة أو بمعنى أصح ...... رفيقتي, كانت امرأة خليجية لم أستطع تحديد عمرها لأني لم أنظر إليها و لا معرفة جنسيتها لكنها كانت تتحدث بلكنة أهل الخليج .الحقيقة أنها لم تكن إنسانة مبتذلة حتى لا يسئ القارئ الفهم لكن المشكلة أنها كانت تحمل معها طفل صغير لم يتجاوز السنتين على أحسن تقدير و هذا الأخير كان مزعج للغاية و قد حملته معظم الرحلة فوق قدمي و أخذ هذا المخلوق الرقيق يبعثر لحيتي و تكفل بوضع الطعام الذي كان يأكله على ملابس إحرامي فتحول لونها الأبيض الناصع إلى ألوان أخرى كثيرة !!.

                      استغرقت الرحلة ساعة ونصف شعرت أنها الدهر كله و كان جلوسي بجانب امرأة و معها طفل صغير أمر محرج للغاية و غير متوقع وضاعت علي فرصة التدبر في هذا الملكوت العريض و عندما سمعت أننا سوف نهبط بسلام إلى مطار جدة لم أتمالك نفسي من الفرح. من أكثر المظاهر التي ضايقتني و أثارت الحزن في نفسي أن أرى نساء متبرجات في مطار جدة و كانوا يرتدون ملابس لا تتناسب مع الأجواء المحيطة و علمت بعدها أن هذا الأمر يوجد في بعض مدن المملكة و التي يغلب عليها وجود الأجانب !! , عندما وصلت للمطار كان في انتظاري صديق مصري من مدينتي و معه أخ سعودي مهذب للغاية و كنت أحمل أمانة خاصة لهذا الصديق المصري فقمت بإعطائه إياها و طلبت منهم أن يقوما بتوصيلي إلى أقرب محطة لسيارات الأجرة حتى أصل مكة في أسرع وقت ممكن . ذهبنا لموقف السيارات و بجانه كان يوجد مسجد غاية في الروعة و هذه سمة غالبة في مساجد المملكة العربية السعودية و من أبرز ما يميز مساجد المملكة أن دورات المياه خارج المسجد تماما و رائحة البخور الجميل و ذلك المسند العريض الموجود غالبا في الصف الأول في كل مسجد و الذي يسمح للمصلي بالجلوس فترة طويلة في وضع مريح ليتمكن من قراءة القرآن . أجريت اتصال هاتفي بأبي و أمي و أخبرتهم أني في طريقي لمكة و أريد أن أنوه هنا أيها الحبيب أنني منذ وصولي المملكة كنت حريص جدا على التحدث هاتفيا يوميا تقريبا مع والدي و والدتي فهما أغلى ما يملك كل إنسان.

                      ركبت سيارة الأجرة و ودعت صديقي و نسيت أن أخذ منه رقم المحمول الخاص به و كان هو الآخر في رحلة عمرة و سوف يغادر في وقت قريب ثم كان من تصاريف القدر الشيقة أن قابلته قدرا في صحن الحرم بعد صلاة الفجر في اليوم الثالث من دخولي مكة و كنت سعيد للغاية فهو من أفضل الشباب و أكثرهم دماثة في الأخلاق .

                      مدينة جدة وهي للعلم من أجمل مدن المملكة و أكثرها رقيا تقع على البحر و غالب سكانها حتى السعوديين منهم ليسوا من أصول سعودية و قد زرتها مرات قليلة ربما ثلاث مرات على ما أظن و كانت في عجالة شديدة فعلى الرغم من جمال المدينة و رقيها لكنني من هواة المدن الصغيرة و كان من تيسير الله أن قضيت مدة عملي في المملكة في مدينة بريده و هي من أحب المدن إلى قلبي و كثيرا ما أحن إليها عموما دعونا لا نستطرد كثيرا في هذه الأمور و سوف يأتي تفصيل ذلك لاحقا. انطلقت السيارة تنهب الطريق و السرعات في المملكة تكاد تكون جنونية و هذا لقوة السيارات و جودة الطرق خاصة التي تربط المدن الكبرى و الطريق بين جدة و المدينة شيق ملئ بالجبال و هو أمر غير معتاد لي فقد أعتدت رؤية المزارع و القرى على جانبي الطرق السريعة في مصر و إن كانت لي تجربة شيقة أتمنى أن أقصها عليك يوما يا صديقي العزيز عندما كنت في الثامنة من عمري إبان حرب الخليج حيث عدنا مع الوالد رحمه الله في سيارته بعد بداية الحرب عن طريق العراق ثم الأردن , و في الأردن رأيت جبال من أروع ما تكون هي من بديع خلق المولى سبحانه و تعالى. وصلت مكة قبل صلاة المغرب بفترة وجيزة و مكة لمن لم يزرها من قبل مدينة جبلية ترى فيها الكثير من البيوت فوق الجبال و تشعر منذ اللحظ الأولى بدخولك برهبة عجيبة تجتاح جوانحك و يتراءى لك الحرم المكي فتشعر بسعادة غامرة يخالطها الخوف من هذا اللقاء المثير , و كلما اقتربنا كان ذلك الشعور يتزايد. وصلنا بجانب الحرم و غادرت سيارة الأجرة و اضطررت لركوب سيارة أخرى لتنقلني إلى الفندق و هنا يجب أن أذكر معلومة قد نسيت أن أذكرها لك أيها الحبيب فإنني و لحسن الحظ لي جار وهو صديق مقرب من أبي يملك عدة فنادق في مكة و هو رجل كريم و غالبا ما كنت أقيم عنده كلما جئت لقضاء عمرة و كان يحزن أشد الحزن إذا علم أني ذهبت لمكة دون الاتصال به و كنت أتحرج منه لكنه كان يصر على هذا. ذهبت إلى الفندق و هو في موقع متميز قريب من باب المروة و كان هذا الموقع كفيل بجعل العمرة تزداد متعة.

                      وضعت حقائبي داخل الغرفة و رفضت تناول أي طعام أو شراب و أصررت على المضي سريعا حتى أدرك صلاة الجماعة و الحمد لله أدركتها لكني لم أستطع دخول الحرم و كان القارئ يقرأ بسورة الصف مما جعل لهذه السورة أثر ضخم في قلبي لأنها أول سورة سمعتها هناك . لا أعلم أيها القارئ العزيز هل تشعر هذه المرة بالملل لكثرة التفاصيل لكن الحقيقة أنني أريد أن أنقل لمن لم يتمكن بعد من زيارة تلك الأماكن المقدسة روعة و جلال تلك الأماكن فهذا عذري الذي أقدمه بين يديك على كثرة التفاصيل هذه المرة.

                      دخلت الحرم لأول مرة و مهما فعلت فسوف يعجز قلمي المتواضع و أسلوبي البسيط أن يصف روعة هذا المكان و لا تلك المشاعر الراقية التي تنتاب زوار هذا البيت العتيق الذي بناه أبو الأنبياء بيده الشريفة , بيت الله مغناطيس أفئدة الرجال و قبلة المسلمين في كل مكان أحب أرض إلى رب العباد , إن النور الذي يعلو هذا المكان و تلك الجموع الذليلة المنكسرة و هذه الهمسات و التضرعات و ذلك الأنين و النحيب تنظر من حولك فترى قراءة خاشعة و تلاوة عطرة و دعاء منكسر لصاحب حاجة و تلتفت فتقع عينك على الساجد الباكي و الراكع الخاشع , و قد جئت أنت بخطايا ومعاصي السنين جئت لأقف بين يديك يا مولاي عبد ذليلا خاضعا لا يملك من أمره شئ , من ذا الذي دعاك فرددته خائبا من ذا الذي رجاك فصرفته حائرا , إليك المشتكى يا أكرم الأكرمين أرحمنا برحمتك التي وسعت كل شئ , لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا هب لنا نورنا و بصيرة تكشف لنا هذا الطريق الموحش كن لنا صاحب في هذا السفر الطويل و أعنا بزاد التقوى الذي لا ينضب . إن تلك المشاعر الإيمانية العميقة التي تدور في حس المسلم فتأخذ بتلابيب نفسه و تحلق به بعيدا في مكان آخر عن تصورات البشر و أحلامهم و أهدافهم التي تتضاءل تماما في هذا المكان حتى تكاد تتلاشى , إن منظر هذا البيت الأسود المهيب و تلك الجموع الذليلة التي تطوف حول هذا البيت أشبه بطفل صغير يبحث عن منفذ يلج منه إلى داخل دار يأمن فيها على نفسه من عوامل و تقلبات الزمن , إن قلبك يكاد ينخلع من مكانه حين ترى تلك المشاهد فتقارنها بأحلامك و تصوراتك عن الدنيا فتجدها صغيرة حقيرة, يدور بخلدك في تلك اللحظات صورة الناس وهي تلهث خلف الدنيا و تمر الأعوام فإذا هم محرمون من النعمة الحقيقة و التي ذكرها ملك الملوك في كتابه الكريم و هي نعمة الإيمان , نعم أيها الأحبة أنه الإيمان الذي صار عملة نادرة في هذا الزمان إنه الإيمان الذي هز أرجاء هذا الكون و الذي ملأ قلوب هذا الجيل القرآني الفريد الذي تربى في المدرسة النبوية فخرج إلى هذا الكون الفسيح فملأه نورا و عدلا , هذا الإيمان الذي تتضح معه حقيقة الحياة فإذا بركة العمر الحقيقة في العمل لهذا الدين و الحرص على نشره و الموت في سبيله فإذا الأعمار القصيرة قد صارت عظيمة و إذا التضحيات المباركة قد أثمرت في دنيا الناس نورا يفيض على تلك البشرية التائهة و التي دخلت منذ سنوات طويلة في تيه من الضلال حول حياتها لجحيم تلك البشرية البائسة التي تطورت في كل نواحي البشرية و نسيت ذلك الجانب العلوي الرفيع فإذا بها تنحدر في مستنقع آسن شهواني , فمن لتلك البشرية البائسة و من لهؤلاء الحيارى يخرجهم من ظلمات التيه فيريهم تلك المشاهد التي تسقط أمامها تلك الشهوات الهابطة و تنكسر أمامها تلك التصورات الساذجة عن حقيقة الكون و التي ارتضاها قطاع هائل من البشر في هذا الزمان .

                      مكة و ما أدراك ما مكة عندما تعيش فيها فترة تدرك مدى حزن الرسول صلوات ربي و سلامه عليه لفراقها, و لما لا وهي تحتضن ذلك البيت الحرام و إليها تهفو أشواق أهل الأرض و إنك لتلمح نظرة الشوق في عيون هؤلاء لبشر من شتى بقاع الأرض على اختلاف اللغات و العادات فإذا هي نفس النظرة لملهوفة ، نظرة المحب الذي طال فراقه لمحبوبه فلما حانت الحظة التي طالما انتظرها طويلا أبى الشوق إلا أن يفضحه و طفت تلك المشاعر فعلت وجه هذا المحب و تصاعدت أنفاسه و تأججت مشاعره . حب ملأ هذا الكون الفسيح و ملأت رائحته الزكية الأنوف فما عاد هذا المحب المشتاق يرى في هذا الكون إلى هذا البيت الحرام و ما هذا الحب إلا من لوازم محبته للخالق المنعم . انتهيت من الطواف و السعي و كانت عيني تراقب من حولي فاشعر بالحسرة على ما فات من الأعمار بعيدا عن رحمة أرحم الراحمين ترى ذنوبك ماثلة بين يديك فتعجب لستر الله و رحمته بك طوال تلك السنوات و لا تملك إلا تسأل المولى أن يعافيك من تلك الغفلة التي عشتها سنوات طويلة .

                      بعد نهاية العمرة ذهبت للبحث عن نعلي فلم اجده و كان هذا أمر طبيعي لذا قررت أن أعود للفندق دون نعل فقد و كانت تلك المرة الأولى في حياتي التي أسير فيها حافي القدمين !! . قمت بتقصير شعري ثم عدت للفندق لأستريح قليلا من عناء السفر الذي تلته تلك الرحلة الإيمانية الرائعة بين أرجاء الحرم و استلقيت على الفراش لأنام حتى أستطيع أن أدرك صلاة الفجر. و في اليوم التالي كان علي أن أشتري جهاز محمول جديد و بهذا القرار الخطير سوف تبدأ سلسلة عجيبة لا تخلو من الطرفة مع أجهزة المحمول أقصها بإذن الله عليك في الحلقة القادمة .
                      (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

                      تعليق


                      • #12
                        حذاء أبو القاسم الطنبوري!!(6)

                        حذاء أبو القاسم الطنبوري!!(6)




                        أبو القاسم الطنبوري بخيل من البخلاء و كانت له نوادر كثيرة و لا أدري إن كانت حقيقية أم لا , و لعل أشهر تلك النوادر هي حذاءه القديم وقد سمعنا تلك القصة و نحن صغار , و لقد كان هذا الحذاء نعم الرفيق للطنبوري فظل هذا المسكين يتحمل بخل صاحبه لسنوات طويلة و كانت الرقع تضاف يوما بعد يوم لهذا الحذاء الضعيف فما اشتكى يوما بل كان على العهد مع صاحبه إلا أن قرر صاحبه البخيل ناكر الجميل التخلص من الحذاء الوفي فانتفض الحذاء غاضبا و كما قال الأولون (( اتقي شر الحليم إذا غضب )) فكان من أمر هذا الحذاء أن جر على صاحبه ويلات و مصائب فما استطاع صاحبه أن يفارقه أبدا بل انتهى الأمر أن صار أبو القاسم و الحذاء رفيقان في زنزانة واحدة و القصة طويلة و مثيرة و ساذجة لكن ما علاقتي أنا بكل هذا ؟




                        سلام عليكم و رحمة الله و بركاته هذه المرة أيها الرفاق أنقل لكم ذكرياتي من قلب الحدث أقصد من داخل المملكة العربية السعودية , ربما لا أكون هناك الآن بجسدي لكني أعيش تلك الذكريات و كأنها واقع حي يتمثل الآن أمام عيني و صوره شاخصة تتنفس و تتحرك فكأنما تلك اللحظات و الذكريات التي أرويها جزء لا ينفصل أبدا عما يدور الآن من حولي فتجارب الإنسان أيها الكرام لا تغادره إلا بمفارقة الروح الجسد . اليوم أيها الشباب سوف أحكي لكم قصة لطيفة و أحداثها بدأت من اليوم الأول لوصولي المملكة و انتهت نهاية درامية مؤثرة بعد عودتي إلى مصر و قد قررت أن أجمع فصول تلك الكوميديا السوداء حتى لا تنفلت بين سطور الذكريات فيضيع مذاقها الخاص و هي أشبه بقصة الحذاء الذي حول حياة صاحبه إلى جحيم مع فارق أن الصاحب في قصتي و هو أنا بالطبع كان حريص على صاحبه و هو جهاز المحمول الخاص لكن .... أرى أن نبدأ و سوف تفهم يا صديقي العزيز.




                        قبل سفري أعطاني الوالد الحبيب مبلغ من المال جيد و أصر ألا أصحب معي جهاز المحمول القديم و أوصاني بشراء جهاز محترم من الأجهزة الحديثة بمجرد وصولي لأرض المملكة العربية السعودية حتى أظهر بظهر لائق أمام أقراني في العمل , و بمجرد وصولي و أدائي العمرة أجريت مكالمة مع أبي و بعد أن طمأنتهم علي و على صحتي و أني الآن في الفندق وجدت أبي يؤكد وصيته بشراء المحمول فوعدته بإجابة طلبه و السعي في ذلك من الصباح الباكر , انطلقت مع مطلع اليوم التالي لشراء خط جديد و مازلت احتفظ بهذا الرقم حتى الآن لعلي أحتاجه يوما ما , و انطلقت لأكبر محلات الجولات في مكة و بالفعل اشتريت جهاز جوال لطيف وحديث لكنه لم يكن من الأنواع المشهورة التي جرت العادة على وجودها في أيدي الناس , فلما علم أبي بهذا حزن و أخبرني أنني دائما أحب مخالفة الناس و أني أسير عكس الاتجاه و لم يكن في وسعي استبدال الجهاز فوعدت أبي بحل تلك المشكلة , فلما ذهبت لبريده و بعد أول مرتب تقاضيته من المستشفى عمدت لأقرب محل جولات فبعت جوالي وخسرت مبلغ من المال ليس بقليل - و كانت تلك هي الغلطة التي جرت علي الويلات – و قمت بشراء جهاز محمول من نوع الباندا و هو من أنواع النوكيا و فرحت به جدا و قد ظل يعمل بانتظام و كفاءة عالية حتى موسم الحج فلما انتهى موسم الحج و كان لهذا الجهاز مغامرة عجيبة سوف تأتي لاحقا فقد تسبب في إشاعة خبر مقتلي , عموما بعد عودتي من الحج بيوم كان من أمر هذا الجهاز أن سكت إلى الأبد دون مقدمات فانطلقت به إلى أحد محلات الجولات محاولا إنقاذه من تلك الأزمة الصحية الطارئة التي أصابته لكن كل محاولات الإنقاذ باءت بالفشل و اكتشفت أن الرجل الذي باعه لي قد نصب علي فقد كان الجهاز مدمر قبل شرائي له و هنا يجب أن أسدي نصيحة لكل شاب مقبل على السفر إياك أن تشتري شئ مستعمل في الغربة فغالبا ما تكون هذه الأشياء المستعملة معبئة بأنواع من العفاريت الخفية التي لا تظهر إلا بعد فترة من الاستعمال و هي كافية بأن تقلق مضجعك و تطير النوم من عينك . المهم أني خرجت بالجهاز و قد لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي فقابلت رجل تبدو على ملامحه سمات الطيبة و كان معه طفل ممتلئ قليلا رأيت في عينيه كل معاني البراءة , فلما علم هذا الرجل ما كان من حالي قال لي لا تحمل أي هم سوف آخذ أنا جهازك و أعطيك جهاز أبني لأنه بالإنجليزية و لا يستطيع أبني التعامل معه و كان جهاز جيد مخصص أصلا للألعاب و هو من نوع النوكيا أيضا فقلت للرجل لكن جهازي لا يعمل فتبسم و قال لا عليك أنا أستطيع أن أصلحه , أعطيته الجهاز و انطلقت غير مصدق و قلت في نفسي إن الدنيا لتزال بخير لوجود مثل هذا الرجل فلما يمضي يومان حتى اكتشفت أنه كان نصاب هو الآخر و وجدت العفاريت تداهمني مرة أخرى و قد تطلب إصلاح هذا الجهاز الكثير من المال و انتهى بمعركة بيني و بين صاحب المحل الذي حاول استغلالي هو الآخر و في النهاية بعت هذا الجهاز بخسارة مادية كبيرة.




                        قررت أن أستريح من عناء تلك المعارك الدامية فترة و اشتريت جهازان متواضعان و لم يكلفاني شئ و كان هناك سبب قوي لأن يكون معي خطان في نفس الوقت سوف يأتي ذكره عندما أتحدث عن عيوب اعدم الزواج في الغربة , فلما تقدمت لامتحان هيئة التخصصات السعودية - و كان قد مر عدة أشهر دون أي خسائر في الأرواح أقد في أجهزة المحمول – قررت مكافأة نفسي لأني اجتزت الامتحان بشراء جهاز محمول غالي مما يسمى بالكمبيوتر الكفي و قد كان نعم الرفيق فقد وضعت عليه بعض الموسوعات العلمية و الكتب الهامة و المحاضرات ثم ذهبت لأداء عمرة و باختصار شديد سرق هذا المحمول فاسترجعت و حمدت الله ثم وجدت شخص سوري – للعلم من أكثر الجنسيات التي أحببت التعامل معها هم الأخوة السوريين و سوف يأتي تفصيل ذلك لاحقا - يتصل بي و يخبرني أنه استطاع التحايل على من سرق الجهاز و أخبره أنه لا قيمة له فأخذه منه و بحث في الأرقام حتى عثر على رقم جوالي الثاني و اتصل بي فورا حتى يعيده لي , شكرته كثيرا و كان هذا الشخص يقيم في الطائف فطلبت منه إعطاء الجهاز لأحد معارفي في مدينة الطائف و هو يعمل مندوب دعاية في أحد شركات الدواء الكبرى و استطاع بالفعل أن يتقابل معه وكان هناك محاولة من الرجل الذي قام بالاستيلاء عليه أول مرة بأن يسرقه مرة أخرى لكنه لم يستطيع , أخذ صديقي المقيم في الطائف الجهاز و وضعه في سيارته و أخبرته بدوري أنني سوف أرسل له شخص ما في القريب العاجل للحصول على المحمول و هنا مثل قصة حذاء الطنبوري كان لابد أن يحدث شئ ما , و في هذه المرة كانت بالفعل مفاجأة من العيار الثقيل كنت قد أخبرتكم أن صديقي وضع المحمول في سيارته لأن عمله كمندوب دعاية يتطلب وجوده خارج البيت لفترات طويلة لذا أراد أن يحفظه في السيارة حتى يتمكن من إعطائه للشخص الذي أخبرته عنه أظن أن ما يدور في أذهانكم الآن أن المحمول قد سرق من السيارة أليس كذلك ؟؟ , لكن الحقيقة أن ما حدث كان أكثر غرابة فقد غادر صديقي هذا البيت كعادته متجها لعمله فلم يجد السيارة و لا المحمول بالطبع لقد سرقت سيارته و لم يجدها على حد علمي حتى يومنا هذا !!.




                        أردت أن تنتهي مغامراتي مع أجهزة المحمول فاشتريت جهاز أخير معقول و ظل معي حتى عدت إلى مصر لكن يبدو أن حذاء الطنبوري كان لي بالمرصاد ففي أحد الأيام و كنت مرهق للغاية أعتقد أني كنت عائد من سفر وضعت ملابسي في الغسالة سريعا لأني أحب أن أغسل ملابسي بنفسي و بعد ثواني من تشغيل الغسالة سمعت صوت غريب داخلها فأوقفتها على الفور و كان ما كان كالعادة فقد عثرت على آخر محمول لي داخل الغسالة لتنتهي هذه المأساة .




                        في المرة القادمة بإذن الله سوف أصحبكم بإذن الله لمنطقة القصيم و التي سوف تكون موطن غالب الأحداث القادمة . أعرف أني قد أطلت قليلا لكن أخيرا وبعد طول انتظار سوف نذهب إلى هناك مباشرة أرجو أن تكونوا في انتظاري.
                        (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

                        تعليق


                        • #13
                          رد: ذكريات هناك

                          جزاك الله خيرا أخى العزيز ..
                          تمنياتى لك بالتوفيق فى طرح المميز من الموضوعات ..
                          الشهور عندك مقدمة شهر يا حبيبفنحن في شهر 6
                          ملحوظة مهمة :
                          واضح أن الحبيب حسام عدّل الموضوع ولكنه نسى تعديل التاريخ !!!
                          عذراً .. لم أنتبه بالفعل إلى هذا الأمر ..
                          جل من لا يسهو

                          جزيتم خيراً للتنبيه أخواى الكريمين .
                          أخى الكريم : فرق شاسع جدا فى المعنى بين الإرادة وبين الخلق أوالصنع
                          فاحرص على أن تكتبها ( إن شاء الله ) لا أن تكتبها ( إنشاء الله )
                          ثم تدبر معى قوله تعالى
                          (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ**الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
                          (آل عمران :190-191)
                          __________________________
                          C O M I N G S O O N ... A L L A H W I L L I N G
                          ________________________________
                          أعتذر لقلة الردود حالياً نظراً للانشغال الشديد .....

                          تعليق


                          • #14
                            رد: ذكريات هناك

                            المشاركة الأصلية بواسطة homaas مشاهدة المشاركة
                            جزاك الله خيرا أخى العزيز ..

                            تمنياتى لك بالتوفيق فى طرح المميز من الموضوعات ..

                            بارك الله فيك و نفع بك اخي الحبيب
                            (إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبَّت فيها الروح وكُتبت لها الحياة)

                            تعليق


                            • #15
                              رد: ذكريات هناك

                              أخي الحبيب
                              أتابعك بشوق
                              بارك الله فيك
                              من أجمل ما سمعت


                              تعليق

                              يعمل...
                              X