إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ولاية المتغلب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: ولاية المتغلب

    المشاركة الأصلية بواسطة علي منهاج النبوة مشاهدة المشاركة
    كل ماكتبته هذا يهدمه حديث واحد في البخاري
    حَدَّثَنَاإِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْجُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ: "فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ". [رواه البخاري].
    ماتقرره هذا ليس من فعل السلف فالأمر ليس بالجديد بل هو مغاير لما فعل السلف الكرام

    فاتقو الله في دماء المسلمين التي تسيل من أجل كراسي
    فكم من مسلم أريق دمه من أجل عودة الرئيس السابق الذي لم ينصر الدين كما تدعون وأقل مافعله إدخال الروافض البلاد ومعروف خطرهم وتخريبهم لبلاد المسلمين

    ثانيا لو أخذنا بشروط الإمارة هذه لن تجد رئيس دولة واحد تنطبق عليه الشروط فلتخرج الشعوب وتثور وينتشر الفوضى والخراب ويتسلط علينا أعداؤنا بحق
    ثالثا من يستطيع أن يقولها أننا من بعد ثورة 25 في حال أفضل
    لن تجد إلا القتل والإغتصاب والسرقات والاعتقالات والله والمستعان
    فكفاكم تهييجا للعامة

    (حديث مرفوع) حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ ، وَتَرَوْنَ أَثَرَةً " ، قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا يَصْنَعُ مَنْ أَدْرَكَ ذَاكَ مِنَّا ؟ قَالَ : " أَدُّوا الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ ، وَسَلُوا اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ
    أنار الله بصيرتك
    قولكم:
    كل ما كتبته يهدمه حديث في البخاري...
    نعم أقل الأحاديث صحة يهدم كلامي وكلام الملايير من أمثالي، وكلا البشر كلهم، لأنه قول النبي-صلى الله عليه وسلم-
    ولكن هل يهدم أيضا ما جاء ضمن كلامي من آيات بينات وأحاديث شريفة؟؟؟؟؟
    أرجو ألأا نطلق الكلام على عواهنه.. هذه واحدة
    والثانية: ما أتيت به من نص نبوي فهو على العين والرأس وفي سويداء العين.. لكنك وضعته في غير موضوعه، وعلَّقته على غير مناطه.. ها تعرف مناط الدليل ومورد الدليل وعلة الحكم.. أم أن الأمر سبهللا لا يخضع لأصول استنباط وأصول تنزيل؟
    ثالثا: أطمئنك أني لا أقول بالخروج على الحكام، وإنما أبين أنهم ليسوا الحكام الذين أمرنا بطاعتهم، ومع ذلك فلي معارك نقاش مع من يقولون بالخروج الأهوج، والدي أضر أكثر مما نفع..
    وفي ثنايا موضوعي بيان واف لكل ما تذكرون -أيها الأحباب-، وإنما هو موضوع متسلسل أريد أن أتبعه خطوة خطوة.
    فرجائي مناقشتي في ألفاظ ما أطرح منه، دون الاستباق إلى غيره، حتى ينفعنا الله ببعضنا البعض إن شاء الله

    تعليق


    • #17
      رد: ولاية المتغلب

      ولاية المتغلب (3)


      يقودكم بكتاب الله

      الدليل الثاني: أضف إلى ذلك شرط الولاية الذي وضعه النبي-صلى الله عليه وسلم: :«إن أُمِّر عليكم عبدٌ مجدَّع - حسبتها قالت أسود- يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا»( مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة (33)، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (8)، حديث (1838)، 2، 892.). وفي ألفاظه الأخرى الصحيحة كلها:« ما قادكم بكتاب الله»، « ما أقام لكم كتاب الله».
      ووجدتُ صاحب"التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" ينسه للبخاري حيث قال:( والذي في البخاري من حديث أنس بلفظ : «ولو استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة، ما أقام فيكم كتاب الله»)، ولم أجد هذا اللفظ عند البخاري، فالله أعلم، ويكفينا أنه في صحيح مسلم كما سبق.
      وفي جامع الترمذي: « يا أيها الناس اتقوا الله وإن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله» [قال الألباني : صحيح، 4/204، حديث (1706)]
      وهذا الحديث يبين أن الحاكم المتغلب يشترط لصحة طاعته أن يقود الأمة بكتاب الله، ويدعوها إليه، وهذا واضح في كل روايات الحديث بدون استثناء: «ما قادكم بكتاب الله»، «ما أقام لكم كتاب الله»، «يقودكم بكتاب الله»، ووجه الدلالة منه أنه متغلب أن في الحديث:«أُمِّر عليكم»، ولم يقل أمرتموه، فليس باختيارنا، وإنما بالغلبة علينا، وإن كان هذا الاستدلال غير قوي، لأنه يمكن أن يقصد أمَّره عليكم أهل الحل والعقد، فوجبت طاعته على الجميع. والوجه الثاني وهو أقوى: أنه عبد حبشي، والعبيد لا يجوز للأمة أن توليهم أمرها مختارة، ولا أن تقدمهم عليها راضية، بل لا يُعدل عن القرشي ما وُجِد لذلك سبيلا، وإلا كبَّ الله مُنازعَهم على وجهه في النار كما في الحديث، فكونه عبدًا حبشيًّا متأمِّرا، فمعناه أنه شغل هذا المنصب غصبًا عن المسلمين وقهرًا لهم، فهو متغلب، ومع ذلك لا يُقَرُّ ولا يصبر عليه إلا أن يقودَنا بكتاب الله ويقيمه فينا، فعندئذ وعندئذ فقط نسمع له ونطيع، إخمادًا للفتنة، ولو استطعنا أن نغيره بغير فتنة ولا مفسدة غيرناه ونولِّي قرشيًّا، ولو قادنا بكتاب الله، حتى لا يحكمنا العبيد! فما بالك إذا كان حكامنا عبيد يهود أو عملاء لهم-أو أمهاتهم يهوديات-، ينفذون فينا مخططاتهم لا كتاب الله، ويقيمون فينا ويقودوننا بالياسق والفاسق من قوانين الكفر والضلال، كما كان قديماً جنكزخان، والآن السيسيخان ومباركخان والملكخان والأميرخان، والرئيسخان والوزيرخان وحتى الشَّيخَّان والقسيسخان.. وكل من خان؟!.. خان اللهَ ورسولَه والأمانات والمؤمنين!
      قال النووي في شرحه:( فأمر -صلى الله عليه وسلم- بطاعة ولي الأمر ولو كان بهذه الخساسة ما دام يقودنا بكتاب الله تعالى، قال العلماء : معناه ما داموا متمسكين بالإسلام والدعاء إلى كتاب الله تعالى على أي حال كانوا في أنفسهم وأديانهم وأخلاقهم، ولا يشق عليهم العصا.ا هـ). وتلاحظ في الحديث أنه يمكن أن يحكمَ المسلمين ويقودهم الأعبدُ والسودُ، مهما كانت أصولهم وألوانهم، -رغم أنها مخالفة- لكن الشرط الذي لا تنازل عنه هو الحكم بالإسلام والقيادة بكتاب الله، لا بالقوانين الوضعية المضادة له، فهو يفقد شرعيته بمجرد أن يترك كتابَ الله فلا يحكم به بين رعيته، حتى لو كان قرشيًّا.. كم في الدليل التالي:
      ما أقاموا الدين

      الدليل الثالث: حتى لو كان قرشيًّا حُرًّا– في قمة العرب الأقحاح-، كما في قوله(صلى الله عليه وسلم):« إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلا كبَّه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين»( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب المناقب(61) باب مناقب قريش (2) حديث (3500)، 2، 504.). ومع أن كثيراً من الأحاديث (جعلت الإمامة في قريش، ولكن في بعضها زيادة مقبولة تقطع بأن الأمر لم يُجعل في قريش مطلقاً من كل قيد، وإنما هو لقريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره، فإذا عصوه سقط حقهم في الإمامة)[عبد القادر عودة (-1375هـ/ 1954م)، الإسلام وأوضاعنا السياسية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1401هـ/ 1981م، 143، 144.].
      قال ابن حجر في الفتح في «ما أقاموا الدين»: ( أي مدة إقامتهم أمور الدين، قيل يحتمل أن يكون مفهومه فإذا لم يقيموه لا يسمع لهم، وقيل يحتمل أن لا يقام عليهم وإن كان لا يجوز إبقاؤهم على ذلك، ذكرهما ابن التين). وعندئذ يرجح المفضول عليهم، إذا أقام الدين وقاد بكتاب الله.
      وقال مصطفى ديب البغا:( (ما أقاموا الدين) أي تجب طاعتهم وعدم منازعتهم طالما أنهم يقيمون شرع الله -عز وجل- ويلتزمون حدوده فإن قصروا في ذلك أو تجاوزوه جازت منازعتهم وسقطت طاعتهم)[ في التعليق على البخاري:(3/1289) حديث 3309].
      فأولئك (ما) أقاموا الدين شرطاً، أي:إذا أقاموه، وهؤلاء (ما) أقاموا الدين نفيًا، أي: لم يقيموه؛ فشتان.
      وقال ابن بطال:( وقوله عليه السلام: « اسمع وأطع » يدل على أن طاعة المتغلب واجبة؛ لأنه لما قال: « حبشى »، وقد قال: « الخلافة فى قريش »، دل أن الحبشي إنما يكون متغلبًا، والفقهاء مجمعون على أن طاعة المتغلب واجبة ما أقــام على الجمعات والأعياد والجهاد وأنصف المظلوم في الأغلب)[ابن بطال، شرح صحيح البخاري:2/ 327]. فلاحظوا يا رعاكم الله- كيف أوجب طاعة المتغلب، ثم بين من هو المتغلب المطاع؛ (ما أقام على الجمعات والأعياد والجهاد وأنصف المظلوم في الأغلب) أي أقام الدين وأقام كتاب الله وقاد به كما في الأحاديث السابقة، وليس أي متغلب كما يزعم الزاعمون!
      فأي صفة من هذه الصفات أو شرط منها تحقق في هذا المنقلب المتغلب، أو في أي متغلب آخر ممن يجثمون على صدور أمة التوحيد والإسلام؟
      هل أقام الجمعة أم أنه أغلق المساجد وأحرق من فيها، وهم آمنون يدعون الله ويطالبون بحقوقهم سلميًّا؟
      هل أنصف الناس أم قسَّمهم أنصافا، وسلط بعضهم على بعض؟ بالإعلام والإعدام؟!
      هل أوقف الدخولُ تحت طاعته الدماءَ، أم أنها جرت أنهارا؟
      وقال المهلب:( قوله: « اسمع وأطع لحبشي »، يريد في المعروف لا في المعاصي، فتسمع له وتطيع في الحق، وتعفو عما يرتكب في نفسه من المعاصي ما لم يأمر بنقض شريعة، ولا بهتك حرمة لله تعالى، فإذا فعل ذلك فعلى الناس الإنكار عليه بقدر الاستطاعة، فإن لم يستطيعوا لزموا بيوتهم أو خرجوا من البلدة إلى موضع الحق إن كان موجودًا.)[انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال: 2/328]
      وهنا يقول: "ما لم يأمر بنقض الشريعة" "ولا بهتك حرمة الله تعالى"، فقل لـي بربك:
      أيّ شريعة لم ينقضوها؟ هل أقاموا منها حكما أو حدًّا واحداً؟
      وأيّ حرمة حرَّمَها الله لم ينتهكوها؟ في الأموال والأعراض والضرورات الخمس؟
      وأيّ حدٍّ من حدود الله لم يعطلوه؟
      وكم من وكرٍ للدعاة والخمر والخلاعة أغلقوه؟
      وأي شاطئ عارٍ كسوه أو كنسوه أو وكسوه ؟
      وأيّ راية للجهاد رفعوها، بل أي راية رفعها الشباب للجهاد ولم ينكسوها ويحاربوها مع الكفار الأصليين، كما في فلسطين مثلا؟
      أيّ جيوش جيَّشوها من جيوش الأمصار (العظيمة) لتحرير المعتقلات والأسيرات فضلا عن الأسرى والمعتقلين؟
      أيّ أرض مسلمة حرَّروها، من قصر الحمراء في الروس إلى الأندلس؟!
      أي قدس شريف قدَّسوه بعد أن جاء يهود فدنسوه؟
      أية علاقة مع صهيوني محارب قطعوها؟
      أي نخامة المعتصم فضلا عن نخوته، جاءوا بمثلها، والتي قال فيها القائل:
      ربّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه (الضحايا) اليُتَّمِ
      لامست أسماعهم، لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

      فأما المعتصم- رحمه الله- فقد جيَّش الجيوش(العظيمة) وجنَّد الجند الكثيرة، لصرخة امرأة... لصرخة أَمَةٍ واحدة، لا صرخة أُمَّةٍ كاملة! وأما هؤلاء (المُتَعَصِّمون المتغلبون) فالأُمَّة تصرخ تحت أقدامهم!

      هل هذا أمير رسول الله؟

      ثم نعود إلى الحديث الأول، حيث يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-:«من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني»[متفق عليه].
      فهل هذا هو أمير رسول الله الذي أمرنا بطاعته، فتكون طاعة لله-سبحانه-؟!
      هل ترضون أن تنسبوا إلى رسول الله أمثال هؤلاء الأنذال؟
      هل يرضى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أن يكون أمراءه يحاربون الشريعة، ويقتلون المطالبين بتطبيقها؟
      هل أمراء الرسول-صلى الله عليه وسلم- الذين نسبهم إلى نفسه وأمرنا بطاعتهم هم الذين يعطلون الشريعة، بحدودها وأحكامها.
      هل أمراء الرسول-صلى الله عليه وسلم- الذين نسبهم إلى نفسه وأمرنا بطاعتهم هم الذين يحرقون المساجد ويهدمونها على رؤوس من فيها، بينما هم يبنون ما انهدم من كنائس النصارى على حساب ميزانية الجيش المصري العظيم؟! بل بمال الشعب المسلم الهضيم الكضيم!
      هل أمراء الرسول-صلى الله عليه وسلم- الذين نسبهم إلى نفسه وأمرنا بطاعتهم هم الذين يعينون أمثال هؤلاء على الانقلاب على حكامهم المنتخَبين وقتل معارضيهم؟!
      وبعد أن أذكركم ونفسي بالحياء من رسول الله وإجلاله، أترك لكم الإجابة عن هذه الأسئلة وأمثالها.
      وهذا الدليل وهذا الشرط السابق يُلزِم حتى الذِّين لا يُكفِّرون بترك الحكم بما أنزل الله واستبداله بغيره من زبالات الأذهان من القوانين الوضعية. فحتى باعتبار هؤلاء الحكام بغير ما أنزل الله مسلمين فإنه يشترط للسمع لهم والطاعة حكمُهم بشريعة الله. أمَّا إذا كانت الأخرى فقد تركناها الأخيرة.

      كــــان هذا في الشرط الأول والأساس في طاعة أي حاكم، منتخباً كان أو معيَّنا فضلا عن يكون متغلبا منقلباً..
      وفي حلقتنا التالية-إن شاء الله تعالى- نستكمل مع الشروط.. ففضلا منكم انتظرونا وتَحمَّلونا ولا تُحَمِّلونا.

      تعليق


      • #18
        رد: ولاية المتغلب

        ولاية المتغلب (4)

        في بقية الشروط والضوابط

        توقفنا في الحلقة السابقة( الثانية) على الشرط الأول للطاعة.. وهو الطاعة ... طاعة الله في الولاية، والحكم بشريعته في الرعية، وإقامة دينه في الدنيا، وسياستها به.. وإلا فلا.. وألفُ لا.
        وذكرنا بعض الأدلة ومازال-إن شاء الله-..
        استتب الأمن وسكنت الدهماء

        والآن مع شرط استتباب الأمن واستقرار الأمر، وغير ذلك، وتطبيق ذلك على الواقع لتحقيق مناطه، أي: البحث عن علة الحكم هل هي موجودة في هذا التَّغَلُّب (الانقلاب) أم لا.
        يقول الإمام ابن عبد البر-رحمه الله-:( وقال أهل الفقه: إنما يكون الاختيار في بدء الأمر[أي اختيار الأمة للحاكم]، ولكن الجائر من الأئمة إذا أقام الجهاد والجُمُعة والأعياد، وسكنت له الدَّهماء، وأنصف بعضها من بعضٍ في تظالمها، لم تجب منازعته، ولا الخروج عليه، لأن في الخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء، وشنِّ الغارات، والفساد في الأرض، وهذا أعظم من الصبر على جَوْرِه وفسقه، والنظر يشهد أن أعظم المكروهين أولاهما بالتَّرك)[انظر: العواصم والقواصم لابن الوزير، 8/18].
        فلا بد من قيامه بهذه الواجبات كلها، من إقامة الدين وإقامة العدل وإنصاف الناس، ثم أن تسكن له الدَّهماء، أي عامة الناس، فهل فعل الانقلابيون عشر معشار هذا؟!
        ثم تلاحظ أن الإمام يقول ابن عبد البر( (لم تجب منازعته) ولم يقل:(لا تجوز منازعته)، وبينهما بَوْن شاسعٌ وفرقٌ كبير، حيث إن الأصل جواز منازعة الظالم والجائر، لأنه ليس أهلا للولاية، كما في الآية الكريمة:ï´؟ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَï´¾[البقرة:124]. وفي "قراءة ابن مسعود:ï´؟لا ينال عهدي الظالمونï´¾، بمعنى: أن الظالمين هم الذين لا ينالون عهد الله"[ابن جرير فيجامع البيان: 2/24].
        اللصوصية

        بل إنَّ المتغلب- في الأصل- تجب منازعته، لأنه لصٌّ مغتصب لحق غيره ظالمٌ له، مرتكب منكرًا يجب تغييره، وإن حَكَم بشريعة الله بعد ذلك، وإنما آل الحكم إلى سقوط وجوب المنازعة لِما في المنازعة من مفاسدَ عظيمةـ تربوا على مصلحة المنازعة، ومفسدة المنازعة تربوا على مفسدة الصبر والاحتمال. ولذلك عللها الإمام هنا بقوله:( لأن في الخروج عليه استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء...) فهي ممنوعة لغيرها من المفاسد لا لذاتها. أما لو كان أميرًا مبايعًا مختارًا من الأمة عن رضاً، ثم هو قد قام بما يجب عليه فإن منازعته ممنوعة لذاتها، حتى لو قُدِّر أن نزعه يكون بكلمة لَيِّنَةٍ لطيفةٍ واحدةٍ لا تبعةَ لها من مفسدة، فلا يجوز أن تقال له.
        والإمام هنا يقول:( استبدال الأمن بالخوف...) فالأمن هنا موجود متوفر، لذلك نحافظ عليه، أما لو كان الأمن مفقود والدماء تسيل والأموال تهدر والأعراض تنتهك وتُغتصب، كما يفعل هذا المتغلب اللص الغادر فعلام الصبر؟! وعلى أي مكتسب نحافظ؟!
        لكن دائما نحتفظ بسؤال الواقع: هل هذا الواقع هو المتغلب المقصود عند العلماء القدماء؟!

        * * * * *
        إن الحاكم المتغلب الذي تكلم عنه الفقهاء-رحمهم الله- هو الذي يستقر له الأمر ويستتب في دولته الأمن، ولم يعد له منازع ذو أثر، ثم هو يقوم بشرط الولاية، وهي الحكم بالإسلام والعمل بكتاب الله، كما سبق بيانه... فلا هذه ولا تلك تتوفر في السيسي ولا الانقلابيين جميعاً، وعصابة التغلب كلِّها.. لأنه قام ليحرق الحكم بما أنزل الله ويقطع الطريق إليه، ولم يستقر له الأمر بعدُ، بل مازال في هياج، بل في ازدياد.. فهو يترنح ولم يستقر ونسأل الله تعالى أن يسقط ولا يستمر، وهو يقتل على الهَوية، بل هوية الخلاف.
        قال أحمد بن محمد الصاوي المالكي:( إن المتغلب لا تثبت له الإمامة إلا إِنْ دخل عمومُ الناس تحت طاعته، وإلا فالخارج عليه لا يكون باغيًا، كقضية الحسين مع اليزيد.)[انظر: حاشية الصاوي على الشرح الصغير]. فهل دخل عموم الناس في طاعة هذا المتغلب، حتى يوصف الإخوان أو غيرهم من المحتسبين عليهم بالخوارج، ويوصف هو بالولي المتغلب المطاع؟!
        فحتى لو استتب له الأمر وهدأت أمواج الشعب المتحركة حوله، فإنه لا شرعية له، وليس هو حاكماً متغلباً، بل هو صائل يجب دفعه، ولا يجوز تأخير القيام عليه وعزله، إلا للعجز عن ذلك، فيجب عندئذ الإعداد لذلك. فلا شرعية له، لا شرعًا ولا واقعاً، لا نصًّا ولا تَفَقُّها سلفيًّا. فطاعته استثناء واضطرار لا أصل واختيار، وبشروط يأتي تلخيصها قريبا - إن شاء الله تعالى-.
        تنزيل في غير واقعه..فسلوا عن كل علم أهله

        بل هو تنزيل لأقوالهم على غير مناطاتها، وتحميلها ما لم تحتمل، وإدخال قضايا ليست داخلة تحت دلالتها، وبعبارة أخرى: خارج محل الاستدلال، إلا على طريقة أمثال ذلكم المتهالك هداه الله(حسن الترابي) في كتابه :"تجديد أصول الفقه"، حيث يرى أنه يجب أن يُستدل بكل شيء على كل شيء!!!!! ونحن نربأ بمن ينتسب إلى السلف الصالح أن يكون كذلك.
        فحين يذكرون أقوال العلماء في أمثال مروان بن الحكم أو غيره ممن تغلبوا على البشر، ولكنهم لم يتغلبوا على شريعة الله، ولم يحكموا عليها بالإلغاء والتعطيل، وإنما حكموا بها في الأمة، وإن عصوا في أنفسهم من جهة المعاصي لا من جهة التشريع العام، فإن هؤلاء المفتين يدلسون على الأمة بهذا التنزيل الخارج عن محالِّه. فإذا كانوا لا يشعرون بهذا الفرق الهائل؛ فهم ليسوا أهلا لأنْ يتصدروا للفتوى في قضايا الأمة والعامة، وليلتزموا اختصاصاتهم، وليس عيبا، فقد كان الإمام مالك-رحمه الله- يُسأل في القراءة فيقول: اسألوا نافعاً؛ فإنه أعلم بالقراءة. وقال مالك لما سُئلَ عن البسملة: سلوا عن كل علم أهله، ونافع إمام الناس في القراءة.[سير أعلام النبلاء:7/337].
        إن هذا الطاغوت المنقلب على الإسلام وأهله، لا يحكم بما أنزل الله، بل يحارب الحكم بما أنزل الله، والأخبار عنه بذلك متواترة، شهد بها خواصه قبل خصومه، ومنها التعديلات الدستورية، بل العدولات التي عدل بها عن الحق، والتي جرفت كل ما له علاقة بالشريعة وتحكيمها، واتجه إلى إقصاء الإسلاميين أصلاً من الحياة السياسية.. بل من الحياة إن استطاع! –أضف إلى ذلك إذا صدقت الأخبار التي تقول بأنه يهوديٌّ لأمه، فإنها الطامة الكبرى- .
        فهل هذا هو الحاكم المتغلب الذي ذكره الفقهاء في كتبهم؟! أم أنه التدليس والتدجيل والتدجين؟!
        الخليفة الثاني!

        الدليل الرابع: وهذا حتى لو اعتبرنا بأن تفويض قـسّ الأزهـر له وشـيخ الكنيسة وحرب النور أو حزب الظُّلمة وبعض قادة العسكر وجبهة الخراب والتمرد... لو اعتبرنا ذلك بيعة له، فإنها بيعة توجب منازعة السيسي شرعاً، بل قتالَه، ولو انتهى بقتله هدراً، لا أنها تولِّيه وتبيح له قتل الرافضين له، أو الخارجين عليه بالمظاهرات السلمية، أو المطالبين بالقصاص من قتلة المعتصمين السلميين في رابعة أو في الشوارع، أو حتى قتلهم في السجون وعربات الترحيل!.. لذلك بطلت بيعته، بل لم تثبت أصلا لأنها بيعة ظالمة ثانية بالانقلاب على إثر بيعة شرعية أولى ثابتة للدكتور مرسي بالانتخاب، أي باختيار الأمة، وفي الحديث: «إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخِر منهما»[صحيح مسلم، 1853]، قال النووي في شرحه:( هذا محمول على ما إذا لم يندفع إلا بقتله)، وفي الحديث الآخر: « من أتاكم وأمركم جميعٌ يريد أن يَشُقَّ عصاكم، ويفرِّق جماعتكم، فاقتلوه»[صحيح مسلم برقم:1852]، وفي رواية :« فاضربوه بالسيف كائناً من كان»، وفي حديث:« ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر »[مسلم: 1844] قال النووي:( فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام، أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك، وينهى عن ذلك، فإن لم ينته قوتل، وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقُتلَ كان هدرًا)[شرح صحيح مسلم].
        فحتى لو افترضنا بأن السيسي خليفةٌ ثان (وهو ليس كذلك قطعاً) فإن حكمه في الشريعة الصحيحة إقامة الحد عليه بالقتل، أو قتاله حتى ينغلب، لا أن يُقر على السلطة ولا أن نعتبره حاكما متغلبا مطاعا!
        ولو كان النائب نائبا عامًّا فعلا، ولم يكن نائباً انقلابيا عسكريًّا سيسيًّا خاصًّا لكان أول أمرٍ بالضبط والإحضار يصدره بعد الانقلاب هو للقبض على السيسي لتُفتح له أكبر محكمة وتقام له أعدل محاكمة، ولَرُمِيَ به في غياهب السجون، ثم يحكم بقتله قصاصاً لمن قتلهم.
        * * * * *
        إن حكاية (المتغلب!) والخضوع له والخنوع بأي وصف كان، مطلقا من أي قيد، لم يأت فيها آيةٌ ولا نصُّ حديثٍ ولا اتفاقُ صحابةٍ ولا غير صحابة، وإنما هو- في أحسن الأحوال- اجتهاد، لا يرقى إلى أن يشرعن حكم الطواغيت القتلة، المحادِّين لله ورسوله، بإلقائهم الشريعة وراءهم ظهريًّا، وقتل وسجن من يطالب بها! بل يجعل المفتين شركاء له في كل جرائمه.
        ومِنٍ عجَبٍ أن أهل هذه المدرسة بالذات لم يفتوا يوماً في حكومة طالبان والمُلاَّ عمر في أفغانستان بأنها حكومة متغلبة، وأن أميرها متغلبٌ تجب طاعته ويحرم الخروج عليه، رغم أنه جاء إثر جهاد شرعي لا انقلاب عسكري، وقد استتب له الأمر كما لم يستتب لمثله من الانقلابيين، ثم هو قد أعلن تطبيق الشريعة الإسلامية مبدئيًّا، وشَرَع في ذلك، يعني إقامة الدين والقيادة بكتاب الله.. ولكنّ حمزةَ لا بواكيَ له مِن هؤلاء!!!
        الطالب الحريص

        الدليل الخامس: ثم إن المسلم المتغلب بالقهر، والذي يستتب له الأمر من بعدُ ويهدأ الهرج والهياج، ويحكم بكتاب الله ويقيم الدين في الناس-وإن عصى في نفسه وظلم- فهذا يُصبَر عليه وتنفذ أحكامه الشرعية.. لا رضا عنه وموافقةً له وقبولا به.. وإنما إخمادًا للفتنة ودرءًا للمفسدة، أما أن نرضى صنيعه ونقبل بولايته من غير حرج فلا، لأن الأحاديث تمنع تولية من يطلب الولاية أو يحرص عليها: فعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: دخلتُ على النبي(صلى الله عليه وسلم) أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أَمِّرْنا على بعض ما ولاَّك الله - عز وجل-، وقال الآخر مثل ذلك؛ فقال:«إنَّا- والله- لا نولي على هذا العمل أحداً سأله، ولا أحداً حرص عليه»( البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأحكام (93)، باب ما يكره من الحرص على الإمارة (7)، حيث (7149)، 4، 330. ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة (33)، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها (3) حديث(1652)، 2، 884.).
        وكون النبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: «نحن لا نولي» فهي عامة للمسلمين كلهم، ثم إن ولاية الطالب والحريص غير مرضية في ذاتها، وهل المتغلب إلا طالب للولاية حريص عليها، لكن بأسوأ من الطلب، بل طلب بالعنف؟! وإذا كان طلب الولاية بغير عنف مشيناً، فإن طلبها بالقوة والغلبة والعنف لا يزيدها إلا شَيْناً. فكيف إذا كان لا يُحصِّلها إلا بقتل الآلاف من المعصومين، وانتهاك الأعراض، ونقض الشرائع، وخَفض الدِّين؟!
        ومن المعلوم أن مرسي لم يترشح هو، وإنما رشَّحه المسلمون لمَّا أزاح الإنقلابيون-بالوراثة- خيرت الشاطر وحازم صلاح.. وكان من بين المرجِّحات لترشيحه عند الهيئة الشرعية أنه لم يطلب ترشيح نفسه..فالذي رشَّحه المسلمون والهيئة الشرعية أولى ممن طَلب الولاية وحرص عليها؛ لا بصناديق الانتخاب فحسب، بل بصناديق الأموات والتوابيت!! فكيف يقال: متغلب يطاع؟!
        مَوْكُولٌ أو مُعان

        الدليل السادس: ثم إن الغرض من نصب الأئمة حفظ الأمة وإسعادها في معاشها ومعادها، بإجراء حياتها على سنن الهدى الربانية، ولا يقدر عليه والٍ ولا أمير إلا أن يعينه الله-تعالى- أولاً، ثم تعينه رعيته المُحِبَة له والمبايعة له، فإذا تسلط عليها بغير اختيارها كرهته قلوبُها وتركت معونتَهُ سواعدُها، والدعاءَ له ألسنتُها، فذلك سبب الخذلان، سببٌ لأَنْ يَكِلَهُ اللهُ إليها ولا يعينه عليها، فإن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال لبعضِ أصحابه:«لا تسوأل الإمارة؛ فإنك إن أوتيتها عن مسألة وُكِلْتَ إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أُعِنْتَ عليها..»[ البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأحكام (93)، باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها (5)، حديث(7146)، 4، 330. - ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة (33)، باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها (3)، حديث(1652)، 2، 884.]. وفي لفظ:«لا يَتَمَنَّيَنَّ» بصيغة النهي عن التمني مؤكّدًا بالنون الثقيلة، والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب. ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تُرِكت إعانته عليها من أجل حرصه، ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه فيدخل في الإمارةِ القضاءُ والحسبة ونحو ذلك، وأن من حرص على ذلك لا يُعان"[ انظر: ابن حجر، فتح الباري: 13، 154.]، وما الخير المرجو والبركة المأمولة من شخص ترك اللهُ إعانته؟! ما بالك إذا كانت إمارة ليست عن حرص وطلب فحسب، بل ملوثة بالدماء، متسلقة على الأشلاء!
        لو فرضنا أن هذا المتغلب صار يحكم بما أنزل الله، وأخذ يستتب له الأمر وتسكن له الدهماء، فهل ينتهي الأمر عند هذا الحد، وتثبت ولايته وتجب طاعته؟!
        لا، ليس هــذا فحسب، بل هناك أمر آخر جدُّ مهم، له تعلُّقٌ بحقوق العباد وكرامة الأمة...

        تعليق


        • #19
          رد: ولاية المتغلب

          ولاية المتغلب (5)


          وأيُّ متغلب هو، بعد هذه الشروط؟

          لو فرضنا أن هذا المتغلب صار يحكم بما أنزل الله، وأخذ يستتب له الأمر وتسكن له الدهماء، فهل ينتهي الأمر عند هذا الحد، وتثبت ولايته وتجب طاعته؟ّ
          لصوص تغلَّب بعضُها على بعض

          لا، ليس هــذا فحسب، بل هناك أمر آخر جدُّ مهم... فقد ذهب العلماء إلى أن المتغلب الذي يطاع بعد تطبيقه الشرع وإقامة الكتاب هو المتغلب على المتغلب قبله، فكونهما متغلبَيْن، يجوز إبقاء الثاني، لأن اللصوص سطا بعضها على بعض، والجزاء من جنس العمل، ولا حرمة للمتغلب الأول لكونه لِصًّا اغتصب حق الإمام المبايَع والمنتخب والمختار قبله، فجاء المتغلب الثاني فسرق المسروق، وغصب المغتصَب من المغتصِب. فعثمان-رضي الله عنه- لما قالوا له: "اخلع نفسك من هذا الأمر "، قال:" لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله عز وجل"[تاريخ الطبري:3/408]، فالقميص الذي هو الخلافة أو الولاية حق للأول، فإذا أخذه من آخر سطوا وغصبا، ثم لبسه غلبة، فإن ذلك لا يصَيِّرُه حقا له، ولذلك إذا جاء غاصب آخر فغصبه منه، لا نطالب الغاصب الثاني بأن يردَّهُ إلى الغاصب الأول، لأن كلاهما غاصب، ولأن صاحبه هو المالك الأول بالرضى لا بالغصب، فاختار أهل العلم الصبرَ على المتغلب (اللص) الثاني موازنة بين المصالح والمفاسد، ولأن المتغلب (اللص) الأول لا حق له في القميص، فلا يجب علينا ردُّه إليه.. أما المبايَع (المنتخب) الأول فهو حقه المغتصب ويجب على الأمة إرجاعه إليه.. إلا لعارض المفسدة الأعظم.
          كذلك لو تغلب المتغلب بعد فراغ المنصب من إمام مبايَع، كما لو مات الإمام فتغلب أحد، على الوضع من غير أن يحل محلَّ غيره، واستتب له الأمر وأقام كتاب الله في الناس، فهذا يسمع له ولو بغير بيعة، لدرء المفاسد وحقن الدماء، لأنه لم يأخذها من سابقه غصباً، ولأن في القيام عليه مفسدة أكبر من الصبر.
          قال في :( الطريق الثالث من الطرق التي تنعقد بها الإمامة القهر والاستيلاء فإذا مات الخليفة فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير عهد إليه من الخليفة المتقدم ولا بيعة من أهل الحل والعقد انعقدت إمامته لينتظم شمل الأمة وتتفق كلمتهم وإن لم يكن جامعا لشرائط الخلافة بأن كان فاسقا أو جاهلا فوجهان لأصحابنا الشافعية أصحهما انعقاد إمامته أيضا لأنا لو قلنا لا تنعقد إمامته لم تنعقد أحكامه ويلزم من ذلك الإضرار بالناس من حيث إن من يلي بعده يحتاج أن يقيم الحدود ثانيا ويستوف الزكاة ثانيا ويأخذ الجزية ثانيًا.
          والثاني لا تنعقد إمامته لأنه لا تنعقد له الإمامة بالبيعة إلا باستكمال الشروط فكذا بالقهر)[مآثر الإنافة في معالم الخلافة، لأحمد بن عبد الله القلقشندي، مطبعة حكومة الكويت ، 1985، ط2، 1/30)]. ولا أظن قائلا يقول بأن علماء المذاهب الأربعة ليسوا من علماء السلف وفقه السنة.
          وتلاحظ أن إمام القهر والغلبة هو الذي يتغلب وليس للأمة إمام مبايَع، وإنما بعد فقده بموت أو استقالة منه بخلع نفسه لسبب يلجئه إلى ذلك، أو بخلع (إقالة) من أهل الحل والعقد، وهم مجالس المسلمين من شورى وبرلمانيين، وليس بانقلاب عسكري، أتت خطته من يهود ونصارى وعملائهم من العرب من خارج البلاد قلب داخلها، ثم نُفِّذَت بعسكر الداخل وسلاحه!
          تغلب على حي حقيق

          أما من تغلَّب على إمام حيِّ مبايَعٍ قبله(منتخب) فلا طاعة له، ولو وفَّى ببقية الشروط، ووجبت منازعته لرد الحق إلى صاحبه ونصابه: (أما الاستيلاء على الحي فإن كان الحي متغلباً انعقدت إمامة المتغلب عليه، وإن كان إمامًا ببيعةٍ أو عهدٍ لم تنعقد إمامة المتغلب عليه)[ حواشي الشرواني الشافعي: 9/78].
          ويقول محمد الشربيني الخطيب في " مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للنووي الشافعي" في طرائق انعقاد الإمامة، قال:(ثالثها: ( باستيلاء ) شخص متغلب على الإمامة ( جامع الشروط ) المعتبرة في الإمامة على الملك بقهر وغلبة بعد موت الإمام لينتظم شمل المسلمين. أما الاستيلاء على الحي فإن كان الحي متغلباً انعقدت إمامة المتغلب عليه، وإن كان إمامًا ببيعة أو عهد لم تنعقد إمامة المتغلب عليه)[].
          وفيه أيضًا:( وكذا تنعقد لمن قهره، أي قهر ذا الشوكة عليها؛ فينعزل هو بخلاف ما لو قهر عليها من انعقدت إمامته ببيعة أو عهدفلا تنعقد له ولا ينعزل المقهور. ا هـ)، فلا تنعقد للسيسي ولا ينعزل بها مرسي، لأن تغلُّب السيسي على مُبايَعٍ وليس على متغلب مثله. فما زالت بيعة الدكتور مرسي في أعناق المصريين جميعاً، لأنه لم ينعزل شرعا بهذا الانقلاب. بل يجب عليهم تحريرُه من الأسر مِن عند الكذّاب الأشِر. وإما أن يكونوا لم ينصبوا لهم إمامًا، بل كانوا فوضى لا إمام لهم ففي هذه الحالة يكون (الإمام المأسور في أيديهم على إمامته، لأن بيعتهم له لازمة وطاعته عليهم واجبة، فصار معهم كمصيره مع أهل العدل إذا صار تحت الحجر، وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه ناظرًا يخلفه إن لم يقدر على الاستنابة، فإن قدر عليها كان أحق باختيار من يستنيبه منهم)[انظر:الأحكام السلطانية، للماوردي" 20، والأحكام السلطانية، لأبي يعلى:ص 23].
          وإن هم عجزوا عن تحرير رئيسهم الشرعي وفك أسرِهِ، فعليهم أن ينصبوا لهم إماماً (حاكما) مسلماً يقودهم بكتاب الله، على سبيل الدَّوام، أو على سبيل التأقيت حتى يعيدوا رئيسهم. وأبعد شيء شرعاً أن يتركوا هؤلاء المتغلبون(الانقلابيون)، لا للتغلب فحسب، بل لأنهم أساساً لا يقودونهم بكتاب الله ولا يقيمون الدين.
          وأنا على شبه اليقين أن كثيرًا من المفتين أدعياء الانتساب إلى العلم أو إلى السلف يُشرعنون عودة (المخلوع) أكثر من عودة (المعزول) بخزعبلات من الفقه البارد، الشاذ الشارد عن فقه السلف-رحمهم الله تعالى!
          وقال الزمخشري :( وكان أبو حنيفة رحمه الله يفتي سراً بوجوب نُصرة زيد بن عليّ رضوان الله عليهما، وحمل المال إليه، والخروج معه على اللص المتغلب المتسمي بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه... يقصد هشام بن عبد الملك)[الكشاف: 1/318].
          رغم إنّ أولئك الحكام والأمراء كانوا إذا تغلبوا وقهروا حكموابالشريعة لا بالقوانين والوضعية، وتأمن بهم الأمة على أموالها وأعراضها.. فكانوايسرقون السلطة ولا يسطون على الحــــاكمية... فشتان شتان أن يقاس عليهم هؤلاء...
          يتبع إن شاء الله

          تعليق


          • #20
            رد: ولاية المتغلب

            ولاية المتغلب (6)


            هم ليسوا منا

            الدليل السابع: هم (ليسوا مـنا) ولا يطاع في الأمة من أولي الأمر إلا من كان منها.. كما في الآية:)أولي الأمر منكم(، فهل هؤلاء مِنَّا؟! فإذا أعلن رسول الله–صلى الله عليه وسلم- أنهم ليسوا منا؛ فكيف يطاع من ليس منا، ممن حمل عليها السلاح من إرهابيي الحكم أو ممن غشها في كتم الحق والتدليس من عملائهم من أدعياء العلم، وقد نطق النبي-صلى الله عليه وسلم- أنهم ليسوا منا:« من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا»[صحيح مسلم: 101]، فهؤلاء (المتغلبون) حملوا السلاح على الأمة ووضعوه فيها فقتلوهم ركعا وسجدا ومعتصمين، وأولئك (المفتون والخطباء) غشُّوا الجميع بتزيين الباطل وتولية القاتل وشرعنة عمله وتأمين الخائن، وتخوين الأمين... وإنكار المعروف، وتعريف المنكر والمُنَكَّر!
            وطبعا كما يذكر الأئمة في هذا الحديث أن المُسْتَحِلّ لحمل السلاح على المسلمين كافر.
            قال ابن حجر:( أي ليس على طريقتنا، أو ليس متبعا لطريقتنا، لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله، ونظيره: " من غشنا فليس منا"، و"ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب"، وهذا في حق من لا يستحل ذلك، فأما من يستحله فإنه يكفر باستحلال المحرم بشرطه لا مجرد حمل السلاح، والأَولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر).
            وقال النووي:( فأما تأويل الحديث فقيل: هو محمول على المستحل بغير تأويل فيكفر ويخرج من الملة، وقيل : معناه ليس على سيرتنا الكاملة وهدينا. وكان سفيان بن عيينة رحمه الله يكره قول من يفسره بليس على هدينا، ويقول بئس هذا القول، يعني بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر. والله أعلم ). فكيف وهم يفتونهم بقتل المسلمين بحجة أنهم خوارج، يحل قتلهم!! فهذه لا تترك للقاتل المستحِل ولا للمفتي (المحلل) شبهة يتعلق بها.
            فيلتق الله أقوامٌ أفتوْا هؤلاء الطواغيت بقتل المخالفين بحجة أنهم خوارج، خرجوا على الحاكم المتغلب، فإنهم باستحلالهم لقتل المسلمين والمعصومين بهذه الشبه الباطلة، فإنهم على باب الكفر جميعاً، يطرقونهم بأيديهم.
            ولا توجد شبهة تستحق أن تكون تأويلا سائغا يبيح قتل المسلمين السلميين والساجدين، ولا أن تكون تأويلا ينجي القتلة والمفتين من كونهم مستحلين لدماء المسلمين بغير حق، فهم: ليسوا منا، فضلا عن أن تعطيه حق الطاعة ومنصب الولاية.
            والخوارج المبتدعة والخارجون بشبهة لا يجوز قتالهم فضلا عن قتلهم ولو كان معهم سلاح، مــا لم يبدأوا بقتال جماعة المسلمين، بل يُنصحون ويُبيَّن لهم الأمر، ويُناقشون بالحسنى والحكمة، فما كان حقا من مطالبهم وجب على ولي الأمر تلبيته لهم وتنفيذه، وما كان باطلا وخطأ بيَّنه لهم، فإن أصروا على رأيهم، وعلى استعمال السلاح فعندئذ يُقاتلون..فقدروى ابن أبي شيبة بسنده إلى مغيرة قال:( خاصم عمرُ بن عبد العزيز الخوارجَ، فرجع من رجع منهم، وأبت طائفة منهم أن يرجعوا، فأرسل عمر رجلا على خيل وأمره أن ينزل حيث يرحلون، ولا يحركهم ولا يهيجهم، فإن قتلوا وأفسدوا في الأرض فاسط عليهم وقاتلهم، وإن هم لم يقتلوا ولم يفسدوا في الأرض فدعهم يسيرون.)[المصنف (7/ 557/37908)]
            وبأوضح من ذلك تنزيلا على الواقع: حتى لو سلَّمنا بأن المتظاهرين في رابعة أو غيرها كانوا على خطأ، بل كانوا خوارج أو خارجون؛ فإنه لا يحل قتالهم قبل النظر في مطالبهم، ومحاورتهم، ثم مقابلة قتالهم بقتال، لا صلاتهم بقتال، أو هتافهم بنصال، أو وقوفهم بتوقيفات، أو دبيبهم بدبَّابات!!!
            وإن ضرب ظهرك...!

            وحتى حديث : «تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع»[مسلم: 1847]، فإنه اقتصر على ضياع حقوقٍ شخصية، ومادية دنيوية... ضرب الظهر وأخذ المال، ولم يقل الحديث: وإن عطَّلوا الشريعة، أو وإن حكموا فيكم بزبالات الأذهان، أو وإن جعلوا الحلال حراما، والحرام حلالا بالقانون، أو وإن اغتصب بناتكم في السجون، بل وهتك أعراض الذكور، ما لم يفعله فرعون الأول في مصر الأقدم..
            ولو فرضنا أن مرسي لا يحكم بما أنزل الله، أو حتى لا يسعى للحكم بما أنزل الله في عهدته هذه، والسيسي لا يحكم بما أنزل الله قطعا، وهو يسعى لئلا يحكم به، فالذي اختاره الشعبُ وولاَّه أولى من الذي لم يختره.
            والذي رشَّحه المسلمون والهيئة الشرعية أولى ممن طَلب الولاية وحرص عليها، لا بصناديق الانتخاب فحسب، بل بصناديق الأموات والتوابيت!!
            والذي لا يحكم بما أنزل الله ولكن لا يُظلم عنده أحد؛ أخفّ ضررًا من الذي لا يحكم بما أنزل الله ولا ينجو عنده ولا منه أحد..

            ولذلك بَعَث النبي-صلى الله عليه وسلم- صحابته إلى الحبشة، حيث يوجد فيها النجاشي؛ ملك لا يظلم عنده أحد، قائلا لهم«إن بأرض الحبشة ملِكا لا يُظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه»[السيرة النبوية لابن كثير]. وكان نصرانيا ليس مسلما أصلا، فضلا عن أنه لا يحكم بما أنزل الله!
            فرسولنا-صلى الله عليه وسلم- وهو الأتقى لله والأعلم به وبشرعه، وهو الأرحم بهذه الأمة من أَرحمِ واحد فيها، ومع ذلك يقول عن أمثال هؤلاء: ليسوا منا، ويأتي أدعياء يعارضون هديه فيقولون عنهم: بل هم منا، بل أولياء أمورنا.. اللهم إني أستغفرك وأعتذر لرسولك الكريم مما يرُدُّ به عليه هؤلاء، وإن لم يشعروا؟!
            وقد شرحتُ ماهية حكم المتغلب، وذكرت شرائطها، وأظهرت أدلَّتها-ما استطعت إلى ذلك سبيلاً-، ونقلتُ كلام العلماء من مختلف المذاهب شارحة ومبيِّنة، ومشترِطة.. ولعلي في الحلقة القادمة-إن شاء الله تعالى- أقوم بتلخيصها لمن أراد استيعابها، ثم إمساك بإحسان أو تسريح بمعروف.
            ويتبع إن شاء الله تعالى

            تعليق


            • #21
              رد: ولاية المتغلب

              السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
              جزاك الله خيراً أخي الفاضل
              لي عودة لاحقاً بإذن الله لقراءة الموضوع
              وفقك الله لما يُحِب ويرضى


              قال الحسن البصري - رحمه الله :
              استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
              [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


              تعليق


              • #22
                رد: ولاية المتغلب

                متابع بإذن الله
                وفقك الله أخي عبدالإله


                قال الحسن البصري - رحمه الله :
                استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                تعليق


                • #23
                  رد: ولاية المتغلب

                  ولاية المتغلب (7)

                  أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ

                  قال الله تعالى:﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ(37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾[القلم: 38].
                  يــا قوم! ما لكم؟.. كيف تحكمون؟! مــا لم تَنَاقَضون؟!
                  وفي واقع الأمر إنه هو نفسه-السيسي المتغلب الفعلي- يقول أنا لستُ حاكماً ولا أريد أن أكون حاكماً لا متغلباً ولا مختاراً (وهو غادرٌ كذوب).. فكأنه يقول كذب المفتون وعلماء أصحابنا الملوك، وكذب الملوك أيضا في قولهم عنى بأني الحاكم المتغلب... فعنئذ هو –بانقلابه على الحاكم والخروج عليه- كان أولى أن يُصنَّف فئة باغية على الأقل، وكان على هؤلاء العلماء حينها أن يفتوا بما يجب تجاه الفئة الباغية والخارجة على الحاكم وعلى الأمة، لا أن يدلسوا على الأمة دينها، ويكسروا رقابها ليخضعوها له باسم المتغلب، خاصة أنه خرج على الحاكم فعزله واختطفه، ثم تبرأ من الحكم ولما يُغَلِّب حاكما بعدُ..
                  ذاك التناقض العجيب، يعتبرون السيسي متغلباً، بينما رئيس الدولة المزعوم هو (ظُلمي مهزوم.. أقصد المسمى عدلي منصور)، فأيهما الحاكم المطاع؟!
                  وهل ترون أن المسمى (عدلي منصور) له من اسمه نصيب ولو قَلَّ؟... أين العدل في حكمه، وأين الانتصار في ولايته.. وهل له ما يتغلب به أصلا؟! وهل أنتم في قرارة نفوسكم ترونه كذلك؟! هل يملك من أمره شيئاً، أم جاء به قرار من وراء الستار؟!
                  عفوا.. ربما يكون قد عدل، لكن في توزيع الظلم على المصريين الأحرار.. ويكون قد انتصر؛ لكن على الحرائر بقتل وسجن فلذات أكبادهن..
                  في ضــوء هذا التناقض، بل في ظلمة هذا التناقض اسألوا كل طائع للمتغلب: أيهما ولي أمرك الذي تطيع؟! السيسي المحكوم أم عدلي المحتوم؟!
                  المتغلب هو السيسي الحاكم بأمره، لكنه ليس حاكماً!!
                  والرئيس المؤقت جالس على كرسي الحكم وليس متغلباً، ولا منتخباً، بل هو مغلوب من السيسي؟! فأيهما تطيعون وتوالون؟!
                  يعتقد ثم يستدل

                  لا ينقضي عجبي لإسلاميين صاروا كالصوفية المخرفين الذين يعتقدون ثم يستدلون... وكالنصارى في قولهم في العقيدة بأن الثلاثة واحد( 3=1)!!، رغم إنها في الحساب الرياضي عندهم لا تساويها؟! ورغم إن هؤلاء الإسلاميين يتعلقون بشرفِ ثُريَّا الانتساب؛ السلف الصالح- رحمهم الله ورضي عنهم وحشرنا معهم-.
                  لقد انهدم دين أوروبا لمَّا كان (رجال الدين) يُبَرِّرُون طغيانَ الملوك، وقام التحالف المشبوه بين القساوسة والملوك.. فكفرت أوروبا بالقساوسة والملوك جميعاً.. وقالوا: اشنقوا آخِرَ ملك بأمعاء آخِرِ قِسّيس.. فمتى تقول الجماهير: اشنقوا آخر ملك وولي أمر لا يحكم بما أنزل الله؛ بأمعاء آخر مفتٍ وخطيب يدور في ركابهم.. يشوه الإسلام ويحاربه باسمه.. ويحامي عن الطغيان لقاء رضاء أو دراهم، هي معدودة مهما كانت ممدودة؟! :" وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا"[الأحزاب:16]
                  وكما يقول توماس جفرسن:"إن القسيس في كل بلد وفي كل عصر من أعداء الحرية، وهو دائماً حليف الحاكم المستبد؛ يُعينه على سيئاته في نظير حمايته لسيئاته هو الآخر"( انظر: كرين برنتن، أفكار ورجال، قصة الفكر الغربي، 502.)، لذلكم وقلت في مطلع البحث:(... تفويض قـِسّ الأزهر وشيخ الكنيسة...).
                  قـِسّ الأزهر وشيخ الكنيسة

                  فبعض علماء الفتنة ودعاة التدجيل والتدجين تشبَّه بالقساوسة فأنزل نصوصَ طاعةِ وُلاَّةِ الأمر الذين يحكمون بشريعة الله، ويعدلون في حكمهم، على الذين يتركونها ويستبدلونها بقوانين وضعية مخالفة لشريعة الله –سبحانه- قلباً وقالباً؛ فأجلبوا بخيلهم ورَجْلِهم وطفقوا يبحثون في التاريخ ليحرفوه، وفي النصوص ليلْوُوا أعناقها، أو يبتروها لتوافق ما ذهبوا إليه. فويلٌ للمصلين، لكن هذه المرة لمصلين لم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، وهم يراءون الحكام.
                  فهم تكريساً لطاعة الحكام يأتون بحديث طاعة الحبشي:«اسمعوا وأطيعوا وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة»(- البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأذان (10)، باب إمامة العبد والمولى (54)، حديث (693)، 1، 230.)، ولا يذكرون حديث العبد الآخر:«إن أُمِّر عليكم عبدٌ مجدَّع - حسبتها قالت أسود- يقودكم بكتاب الله تعالى فاسمعوا له وأطيعوا»(- مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة (33)، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية (8)، حديث (1838)، 2، 892.).
                  والفرْقُ أن النص الثاني يشترط في الطاعة أن يكون الحكم بما أنزل الله، والقيادة بكتاب الله، بينما النص الأول يعفيهم من ذلك كله، وبذلك هم وقعوا فيما وقعت فيه الكنيسة، من الحكم باسم الدين لا بالدين نفسه! وطوَّعوا المظلومين للظلمة باسم الدين، وحققوا مقولة:"الدين أفيون الشعوب"! وقد صدق من نطق بها فيما يتعلق بذلك الدين المحَرَّف في أوروبا، لأنه يخدر الشعوب، وصدق فيما يتعلق بالأفهام المغلوطة والمنحرفة للدين الإسلامي الصحيح المحفوظ، التي صدرت وتَصْدُر من علماء بلاط أو مصالح شخصية وضيقة مِن أناس ابتاعوا دينهم بدنيا غيرهم، واشتروا بآيات الله ثمنا قليلاً، لأنها أفهام منحرفة خدّرت الشعوب أيضاً، وعبَّدتها للملوك باسمها، وهي تظنها الدين!.
                  يتشبهون بيهود

                  بل هؤلاء يتشبهون ببني إسرائيل لما أخفَوا حكم الزنا في كتابهم، حيث وضع أحدُهم يده على الكلمة وقرأ ما قبلها وما بعدها، فعن عبد الله بن عمر : أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟" فقالوا: نفضحهم ويُجْلَدون. قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا صدق يا محمد، فيها آية الرجم! فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فرأيت الرجل يَحْني على المرأة يقيها الحجارة"[متفق عليه]. ألا يكون متشبها بهم من يضع يده على جملة من آية قرآنية، أو من حديث نبوي فيجحدها عن الناس، مثل« يقودكم بكتاب الله»، وفيها فصل الخطاب؟!
                  ما الهدف الذي من أجله يترك (بعض علماء) عبارات:«يقودكم بكتاب الله» و«ما أقاموا الدين» ولا يذكرونها للناس في دروسهم وخطبهم ومؤلفاتهم.. ويتركون ما يفيد تحميم الحق بالشبهات، والدس والتدليس فما لا يُدرى ما هو؟! وما لهم يحنون على أوليائهم من الطغاة يحمونهم بالفتاوى كما يحنو ذلكم الزاني على مزنيته؟!
                  فإن كانوا لا يدرون فتلك مصيبة وإن كانوا يدرون فالمصيبة أعظم
                  فهل ترون أن أي حاكم في بلاد المسلمين بالانقلاب أو تزوير الانتخاب يقودوننا بكتاب الله ويقيمون فينا الدين حتى تكون لهم ولاية أصلا بالاختيار والرضى فضلا عن التغلب واللظى؟!
                  هل ترونه تولى أو تغلب بعد فراغ المنصب من إمام، فملأه بغلبة، أو أنه انقلب على منقلب قبله، فلو أنه كان انقلب السيسي على حسني مبارك قبله، لربما كان للسكوت عنه وجه! أولا : لأن حسني المخلوع لم يكن حاكما شرعيًّا أصلا، لأنه منقلب ولأنه لا يحكم بما أنزل الله. وثانيا لأنهما صنوان، وكما يقال في المثل عندنا: الذي تختاره من جِرى الكلبة جرو، أو وما أفضلُ بَعْرِ البعير إلاَّ بعرة!.. فلا تجد خير الجِرى أسداً، ولا أفضل بعرة تكون نَواة ذهب!
                  ومِن ذا وهذا وذاك وذلك.. يتبين أن الحاكم ليس له بيعة ولا طاعة لا في معروف ولا في معصية حتى يكون منطلقه تطبيق الشريعة ومبتغاه تحكيمها وسلوكه اتِّباعها.. وإلا فلا سمع ولا طاعة.. بل الطاعة ركون وولاء للظلمة، ومن وراءها مسيس النار، والله تعالى يقول:" وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ"[هود، 113] ويقول:" فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا"[الفرقان،52].
                  ومن هنا أيضا يجب البيان بأن ما يحدث في مصر ولا في غير مصر من تحكم طواغيت في الأمة بالحديد والنار وينفذون فيهم قوانين الجنكزخان ليس له علاقة بما يسمى الحاكم المتغلب، فضلا عن ولي الأمر المطاع.. بل حكمهم في الشرع أنه إذا بويع لخليفة وقد حدث لمحمد مرسي بأكثرية الشعب، وجاء الإنقلابيون ببيعتهم لأنفسهم ومن صنعوهم من حفنة التمرد.. فحتى لو كان السيسي خليفة ثانٍ ببيعة التمرد القلة لوجب قتله لأجل بيعة الأول.. فما بالك بأنه في حقيقته خليفة الغرب في بلاد المسلمين؟!
                  واجب المصريين

                  ومقتضاه أن يقوم المصريون جميعا، فضلا عمن يُسَمَّون بالأحزاب الإسلامية.. فضلا عن الأحزاب (السلفية!!) فضلا عن (ولي أمر المسلمين) في بلد (يزعم أمراؤها)أنها هي راعية أهل السنة في العالم! عليهم جميعا أن يتناصروا ضد السيسي الخارج عن الدستور.. الناقض لعهده.. الناكث لأيمانه الغادر برئيسه.. وأن يُعتبر خارجا عن الدستور.. والشريعة والشرعية .. وخارجا على الأمة وعلى ولي أمرها الشرعي، حاملا عليها السلاح.. لا أن يُعتبر حاكما متغلبا تجب طاعته كما يفتي به الدراويش من علماء السلطة في قطر.. الذين طالما صدَّعوا رؤوس الأمة وفَتُّوا عضد الشباب وشرعنوا حرب الطواغيت لدعاة الشريعة بفتاوى طاعة ولي الأمر.. ورمَوْا دعاة الإسلام بالخارجية!
                  ولا أقول بأن السيسي وأشياعه من الخوارج الذين خرجوا على ولي الأمر المسلم، كلا ! بل هو شر وأقبح وأظلم وأبعد عن الإسلام من الخوارج.. فالخوارج-لا بارك الله فيهم ولا أقام لهم دولة ولا رفع لهم راية ولا جمع لهم جماعة- ينصرون الإسلام بطريقة بدعية ضالة خاطئة مرفوضة.. فهم ضلوا من حيث أرادوا الهدى.. أما الطواغيت – ومنهم السيسي- فهم يحاربون الإسلام والمسلمين نيابة عن اليهود والنصارى.. فهم وإن لم يُطعن في دينهم بكونهم يحكمون بغير ما أنزل الله.. فإنه يُطعن فيه بولائهم لليهود والنصارى وحربهم للإسلام وأهله...والله أعلم.
                  إنهم مسرفون

                  لا يشك أحد في أن هؤلاء الحكام مسرفون، وأنهم يفسدون ولا يصلحون، فقد أفسدوا دين الناس وأخلاقهم ومعاشاتهم، ولم يصلحوا في شيء منها، وهؤلاء لا ينبغي أن يدان لهم بطاعة، لأن >لط ينافي التقوى ويناقض طاعة الله، كما قال نبي الله صالح-صلى الله عليه وسلم-: ) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (150) وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152)([الشعراء].

                  تعليق


                  • #24
                    رد: ولاية المتغلب

                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
                    جزاك الله خيراً أخي الفاضل

                    وفقك الله لكل خير

                    قال الحسن البصري - رحمه الله :
                    استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                    [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                    تعليق


                    • #25
                      رد: ولاية المتغلب

                      المشاركة الأصلية بواسطة أبوساجد الشامي مشاهدة المشاركة
                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
                      جزاك الله خيراً أخي الفاضل

                      وفقك الله لكل خير
                      آمين وجزاكم الله خيرا
                      تزيد من عزمنا

                      تعليق


                      • #26
                        رد: ولاية المتغلب

                        ولاية المتغلب (8)


                        ملخص شروط الصبر على المتغلب:

                        مما سبق جميعُه يمكن أن نستخلص صفاتٍ للمتغلب وشروطاً للصبر عليه، مراعاة لقواعد المصالح والمفاسد المعتبرة شرعاً، مع التنبيه على أن أول مصلحة هي موافقة الشرع ذاته، وأول مفسدة هي مخالفة الشرع ذاته.
                        وهذه الشروط مرتبة من الأخف إلى الأشد والآكد، وهي:
                        1. ألا ينقلب هو أو يتغلب على حاكم شرعي حيٍّ، فإن فعل ذلك فحكمه أن يقاتَل ولو اقتضى قَتلَه، لحديث «إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخِر منهما»[صحيح مسلم، 1853]، والمفرق لجماعة المسلمين بعد اجتماعها:« من أتاكم وأمركم جميعٌ يريد أن يَشُقَّ عصاكم، ويفرِّق جماعتكم، فاقتلوه»[صحيح مسلم برقم:1852] وفي رواية : « فاضربوه بالسيف كائناً من كان »، وفي حديث آخر:« ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع. فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر »[مسلم: 1488]، ولحديث:«إنَّا- والله- لا نولي على هذا العمل أحداً سأله، ولا أحداً حرص عليه»( متفق عليه)، وهذا للطامع المطالب، فكيف بالطاغي المغالب؟! وحديث: :« من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا»[صحيح مسلم: 101]، وقد نقلنا في أصل هذا البحث أقوال العلماء القدماء.

                        ولأن المسارعة في شرعنة طاعة المتغلب تورث تسلسلَ المتغلبين وإغراءَهم بالتغلب والانقلاب، لطمعهم في تسليم الأمة لهم وطاعتهم، وأمنهم جانب الخروج عليهم ومنازعتهم ومنازلتهم، فتظل الأمة تعيش أحداث المتغلبين القاهرين، أما منازعتهم والأخذ على أيديهم فإنه يقطع الطمع أمامهم فلا يفكرون فيه، فتستقر الأمور وتُؤْمَن الشرور والفجور. كما في علة الحدود الشرعية تماماً، ليكونوا عبرة لغيرهم، والحدُّ حدٌّ لذلك. وكما قال إبراهيم النخعي : (لأن في عدم الانتصار إغراء المتغلب على الظلم)، وإغراء الظلمة بالاقتداء به في تَغَلُّبِهِ وانقلابه .
                        ((ولا يكفي هذا الشرط وحده، بل يستلزم كلَّ ما يأتي، ولا يُعني عن شيء منها أو بدونها))
                        1. أن يتغلب فِعْلاً، ويغلب الجميعَ، ويستقر له الأمر، ويستتب له الأمن، وتسكن له العامة والدهماء، وتأمن به الطرقات، وتصان به الحرمات، وإلا لم يعد متغلباً، بل يكون موقظاً فتنة كانت نائمة، ومقيماً حرباً على شعب أعزل، حاملا للسلاح على أُمَّةٍ آمنة! لأن العلة للدخول في طاعته ألا نقوض الأمن وقد ساد، وألا نثير الخوف وقد باد، أما والأمير غير متحكِّم، والأمر غير مستقر، والأمن غير مبسوط، والطرق غير آمنة، فما علة الدخول تحت طاعته؟! وقد نقلنا في أصل هذا البحث أقوال العلماء القدماء.

                        وهذه ليس فيها دليل خاص، أعني طاعة الباغي المتغلب، بل الدليل على خلافه كما سيأتي، وإنما مراعاة لمقصد الشريعة في ارتكاب أخف الضررين وأقل المفسدتين، وتفويت أكبرهما، يُصبر على فعله وإن كان هو آثم بفعله هذا. وقد صبر النبي-صلى الله عليه وسلم- على أئمة الشرك والكفر في مكة ولم يخرج عليهم بسلاح، لا ولاءً لهم وطاعة، ولكن لأن مفسدة الخروج أكبر من مفسدة الصبر حتى يفتح الله. ولا تلازم بين تكفيره لهم وخروجه عليهم، فقد تخرج ولم يكفر، وقد يكفر ولا تخرج.
                        وأما الأحاديث الآمرة بالصبر على أئمة الظلم والجور بالنسبة لهذا الشرط؛ فهي في أئمة كانوا فجاروا وظلموا، أي طرأ عليهم الظلم بعد التولية، والقاعدة أنه: يُغتفر في الاستدامة ما لا يُغتفر في الاستئناف، أما تولية الفاسق ابتداءً فمحرمة إجماعاً.((ولا يكفي هذا الشرط وحده، بل يستلزم ما سبق وما سيأتي)).
                        1. أن يقيم الدين في الدولة، ويسوسها به، ويقود الأمة بكتاب الله، ويحكمها بشريعته، لحديث :«إن أُمِّر عليكم عبدٌ مجدَّع - حسبتها قالت أسود- يقودكم بكتاب اللهتعالى فاسمعوا له وأطيعوا»(مسلم،: 1838). وفي ألفاظه الأخرى الصحيحة كلها:« ما قادكم بكتاب الله»، «ما أقام لكم كتاب الله». والفاء في «فاسمعوا له وأطيعوا» تعليلية، فتفيد أن ما قبلها علة لما بعدة، يعني أن إقامة الكتاب والقيادة به، وتحكيمه علة للسمع الطاعة، فإذا زالت العلة زال المعلول، والقاعدة أن "الحكم يدور مع علته، وجودا وعدماً"، وكذلكم حديث:« إنّ هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحدٌ إلا كبَّه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين»( البخاري، حديث (3500)، وإلا وجب عزله والخروج عليه-عند تحقق القدرة- ولو كان مبايَعا أصلا، فضلا عن أن يكون لصًّا متغلباً. وقبل ذلك آية النساء وفيها:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"[النساء:59].

                        قال مصطفى ديب البغا في تعليقه على صحيح البخاري:( (ما أقاموا الدين) أي تجب طاعتهم وعدم منازعتهم طالما أنهم يقيمون شرع الله عز وجل، ويلتزمون حدوده؛ فإن قصروا في ذلك أو تجاوزوه جازت منازعتهم وسقطت طاعتهم)[ (3/1289) حديث 3309]. وقد نقلنا في أصل هذا البحث أقوال العلماء القدماء.
                        وأما الأحاديث الآمرة بالصبر على أئمة الظلم والجور والفسوق بالنسبة لهذا الشرط؛ فهي في أئمة لم يصل ظلمهم وفسقهم إلى ترك العمل بكتاب الله في الأمة وتعطيل شريعته في حياتها، واستبدالها بقوانين الكفر، حتى ولو قيل بأن فاعلها غير كافرٍ.((ولا يكفي هذا الشرط وحده، وإن كان على رأس ما سبق)).
                        الجنكزخــان

                        1. أن يكون مسلماً، بإجماع جميع المسلمين، وهذا الشرط في المبايَع فضلا عن المتغلب أو المنقلب! لقوله تعالى:" وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا"[النساء:141]، وأي سبيل أكبر من أن يُحَكِّموهم في دينهم ودنياهم؟

                        ((وقد أخَّرتُ هذا الشرطَ عمداً، لأنه مربط الفرس في الحكام المعاصرين، وابتدأت بالمذكور أولا، وهو اشتراط الحكم بكتاب الله، حتى يكون حجةً حتى على الذين لا يجعلون من نواقض الإسلام الحكم بغير ما أنزل الله من القوانين الوضعية الوضيعة في التشريع العام، وكأني أردت أن أقول هناك: حتى لو قيل عن الحاكم بغير الشرع أنه مسلم، فشرط طاعته أن يحكم بما أنزل الله، لأن العلة التي من أجلها نُصبت الإمامة، واجتمعت حوله الجماعة، هي حفظ الأمة دينا ودنيا، ولا يتم ذلك إلا بالتمسك بالشريعة،وما وراء ترك تحكيم الشريعة إلا الضيق والضنك والضلال، كما نطقت بذلك الآياتُ والأيَّـامُ ... لهذا الإلزام والحجاج أخَّرتُ الشرط الرابع وإن كان هو الأساس الأول والأشد اشتراطاً)).
                        فلو أرجعناها إلى لبِّ المسألة، فإننا نناقش هنا قضية ترك الحكم بما أنزل الله والحكم بغيره، والتي هي بذاتها موجبة لمنازعتهم والخروج عليهم بلا خلاف عن العلماء الأولين والسلف الصالحين، ولو طرأت على حاكم مبايعٍ منتخب، فكيف بمتغلب ثم لا يحكم بشريعة الله، لأنه يبتغي حكم الجاهلية، وما سوى حكم الإسلام فهو جاهلية، وما بعد الحق إلا الضلال، وقد قال الله تعالى: " أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ"[59].
                        يقول الإمام السلـفي ابن كثير-رحمه الله- في تفسيرها:( ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير.)[تفسير ابن كثير: 3/131، تحقيق سامي سلامة، نشر دار طيبة]
                        فهل يجتمع- مع هذا- وجوبُ قتالهم مع وجوبِ طاعتهم.. يا سادة؟!
                        وهذا على مقتضى قول النبي-صلى الله عليه وسلم-:« وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان»[البخاري: 7056، ومسلم: (1709)]، وما هذا التشريع من دون الله إلا ذلك الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان.
                        وأما الأحاديث الآمرة بالصبر على أئمة الظلم والجور بالنسبة لهذا الشرط؛ فهي في أئمة لم يصل ظلمهم وفسقهم إلى الكفر البواح، والشرك الصُّراح بالتشريع من دونه وبما لم يأذن به الله، وإدخال الناس قسرا وقهرا في دين غير دين الله.
                        قال الشيخ ابن باز-رحمه الله-:(فمن خضع لله-سبحانه- وتحاكم إلى وَحْيِهِ, فهو العابد له, ومن خضع لغيره, وتحاكم إلى غير شرعه, فقد عبد الطاغوت, وانقاد له, كما قال الله تعالى-:﴿ألم تَرَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزِل إليك وما أُنزِل من قَبْلِكَ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمِروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا﴾[النساء:60]( وجوب تحكيم شريعة الله..ص:7-8)
                        وهذا العلامة القرآني الشنقيطي-رحمه الله تعالى-يقول:(الإشراك بالله في حكمه, والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد, لا فرق بينهما البتة, فالذي يتبع نظاما غير نظام الله, وتشريعا غير تشريع الله, كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن, لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه, وكلاهما مشرك بالله)( أضواء البيان:7/162)
                        وقال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-(فقال عليه الصلاة والسلام:" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه"، الإمام العادل هو الذي عدل في رعيته، ولا عدْل أقوم ولا أوجب من أن يُحَكّم فيهم شريعة الله ، هذا رأس العدل، لأن الله يقول:"إن الله يأمر بالعدل والإحسان"؛ فمن حكم في شعبه بغير شريعة الله، فإنه ما عدل، بل هو كافر والعياذ بالله، لأن الله قال:" من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" فإذا وضع هذا الحاكم لشعبه قوانين تخالف الشريعة، وهو يعلم أنها تخالف الشريعة ، ولكنه عدل عنها وقال: أنا لا أعدل عن القانون؛ فإنه كافر، ولو صلى، ولو تصدَّق، ولو صام، ولو حج، ولو ذكر الله، ولو شهد للرسول بالرسالة، ولو زعم أنه مسلم، فإنه كافر ، مخلد في نار جهنم يوم القيامة).

                        وهذا رابط المقطع السمعي لمن شاء سماعه:
                        http://www.youtube.com/watch?v=wmVUq2bwRTM

                        وموقطع آحر
                        http://www.youtube.com/watch?v=sjXBLORtuNE
                        ويقول محمد محمود شاكر:( وإذن ، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام، بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفرٌ لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه. والذي نحن فيه اليوم، هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء، وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله...)[تعليقا على تفسير الطبري: 10/ 348].
                        وغير ذلك من أقوال العلماء الكثيرين الذين عرفوا حقيقة القوانين، وحكم الحاكم بها.
                        إذا ثبت بأن تبديل شرع الله بالقوانين الوضعية، حتى تكون هي المصدر الحقيقي للتشريع هو كفر أكبر مخرج من الملة، كفر صراح بواح، قام عليه البرهان من كلام الله تعالى ومن كلام رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بفهم العلماء الربانيين الناصحين، فعندئذ نقول:
                        قال القاضي عياض: (أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه كفروتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر) [انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (12/ 229)]. وقال الحافظ ابن حجر: (أنه - أي الإمام - ينعزل بالكفر إجماعًا، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض)[ فتح الباري:(13/ 123)].
                        وقال السفاقسي: (أجمعوا على أن الخليفة إذا دعا إلى كفر أو بدعة يثار عليه)[إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري)) (10/ 217)].
                        وذكر العلامة القرآني الشنقيطي في الأضواء آيات كثيرة في الحُكم، ثم قال:(ويفهم من هذه الآيات كقوله )وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً( أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنه ذبيحة الله:)وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ([الأنعام:121]، فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتّباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى - هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى:)أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعبدوني هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ([ يس:60-61 ]، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم :)يا أبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان إِنَّ الشيطان كَانَ للرحمن عَصِيّاً([ مريم: 44]، وقوله تعالى:")ِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً([النساء:117] أي ما يعبدون إلا شيطاناً، أي وذلك باتّباع تشريعه. ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى:)وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ([الأنعام:137]الآية. وقد بين النَّبي- صلى الله عليه وسلم- هذا لعدي بن حاتم- رضي الله عنه- لما سأله عن قوله تعالى:)اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله([ التوبة:31] الآية - فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرّموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أرباباً. ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في قوله تعالى :)أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً([النساء:60 ] .
                        وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله- صلى الله عليهم وسلم-، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم.)[حرفيا بطوله من أضواء البيان:4/107-109]
                        وعلى هذا –أيضاً- فإنه لا تثبت ولاية المنقلِب على المنتَخَب تحت أية ذريعة ولا تحت أية تسمية! وهو عند أبي حنيفة لص، وعند الشافعية والمالكية لا تثبت له ولاية ولا تجب لهم طاعة، بينما هو عند هؤلاء المفتونين ولي أمرٍ مطاع، فبئس التفقه تفقههم وبئس الفتاوى ذات البلاوى التي يقولون ويذيعون
                        !
                        *********
                        يتبع إن شاء الله تعالى

                        تعليق


                        • #27
                          رد: ولاية المتغلب

                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
                          ما شاء الله
                          الله يعطيك كل عافية
                          وجزاك الله خيراً
                          تابع .. وفقك الله لكل خير


                          قال الحسن البصري - رحمه الله :
                          استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                          [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                          تعليق


                          • #28
                            رد: ولاية المتغلب

                            المشاركة الأصلية بواسطة أبوساجد الشامي مشاهدة المشاركة
                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
                            ما شاء الله
                            الله يعطيك كل عافية
                            وجزاك الله خيراً
                            تابع .. وفقك الله لكل خير

                            وعيكم السلام ورحمة الله وبركاته
                            جزاك الله خرا على المتابعة والتشجيع..
                            حاولت أن أراسلك على الخاص وإذا بالمراسلة معطلة إداريا...
                            أرجو من الله أن ييسر ذلك

                            تعليق


                            • #29
                              رد: ولاية المتغلب

                              المشاركة الأصلية بواسطة عبد الإله طَهور مشاهدة المشاركة
                              وعيكم السلام ورحمة الله وبركاته
                              جزاك الله خرا على المتابعة والتشجيع..
                              حاولت أن أراسلك على الخاص وإذا بالمراسلة معطلة إداريا...
                              أرجو من الله أن ييسر ذلك
                              وكذا عندي معطلة فالصلاحيات للمشرفين فقط
                              الله المستعان


                              قال الحسن البصري - رحمه الله :
                              استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                              [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                              تعليق


                              • #30
                                رد: ولاية المتغلب

                                وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                                جزاكم الله ورحمة الله وبركاته ونفع بكم

                                تعليق

                                يعمل...
                                X