بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الإخْوَةُ والأخَوَاتُ الكِرَامُ
السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
عَنَاصِرُ المَوْضُوعِ:
العُنْصُرُ الأوَّلُ: مُقَدِّمَةٌ تَوْضِيحِيَّةٌ للغَرَضِ مِنَ المَوْضُوعِ:
أعْلَمُ مِثْلكُم –بَلْ أنْتُم تَعْلَمُونَ أكْثَر مِمَّا أعْلَم- مَا نَمُرُّ بِهِ ومَا يُحَاكُ ضِدّنَا جَمِيعًا، ولا خِلاَفَ بَيْننَا عَلَى أنَّهَا مُؤَامَرَة مُدَبَّرَة بكُلِّ صُوَرِهَا وأبْعَادِهَا، انْجَرَفَ بَعْضنَا فِيهَا وهُوَ لا يَدْرِي، فَضْلاً عَنِ البَعْضِ الَّذِي انْجَرَفَ وهُوَ يَدْرِي، وفي ظِلِّ هذه الظُّرُوف يَجِبُ الالْتِزَام بالدِّينِ أكْثَر مِنْ أيِّ وَقْتٍ، وإعْمَال سُنَّة التَّنَاصُح بالخَيْرِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ هذا وَقْتها فَمَتَى تَكُون، وإنِّي لأكْتُبُ لَكُم هذا المَوْضُوع انْطِلاَقًا مِنْ قَوْلِ الله تَعَالَى [ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ]، وقَوْلِهِ تَعَالَى [ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى 9 سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى 10 وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى 11 الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى 12 ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى 13 قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى 14 وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى 15 ]، وقَوْلِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يُعْبَدَ بأرْضِكُم، ولَكِنْ رَضِيَ أنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَاقِرُونَ مِنْ أعْمَالِكُم، فَاحْذَرُوا، إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُم مَا إنِ اعْتَصَمْتُم بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أبَدًا، كِتَاب الله وسُنَّة نَبِيِّهِ ] صَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيبِ، وحَقِيقَةً كُنْتُ أنْوِي كِتَابَة هذا المَوْضُوع مُنْذُ فَتْرَةٍ، بَلْ بالفِعْلِ كَتَبْتُ مِنْهُ أشْيَاءً مُتَفَرِّقَة، لَكِنْ لَمَّا قَرَأتُ المُشَارَكَة التَّالِيَة للأخِ الكَرِيمِ مهندس خالد خِفْتُ فِعْلاً أنْ أكُونَ مِمَّنْ يُؤْخَذ الجَمِيع بذُنُوبِهِ، وخِفْتُ أيْضًا عَلَيْكُم إخْوَتِي وأخَوَاتِي، فَكَتَبْتُ لَكُمْ هذا المَوْضُوع، وقَدْ قَالَ الأخُ الفَاضِلُ مهندس خالد في إحْدَى مُشَارَكَاتِهِ:
بس انا بتراوضنى من اول يوم فى الاعتصامات الاخيرة فكرة ان التمكين قريب جداً ولا يحول بيننا وبينه الا رجل كالرجل الذى كان من قوم موسى ومنع عنهم الغيث بسبب ذنوبه لعل احدنا هذا الرجل فلنستغفر الله عز وجل حتى يُمكن الله لنا
العُنْصُرُ الثَّانِي: رُؤْيَةُ السَّبَبِ الحَقِيقِيّ خَلْفَ هذه الأخْطَاء الثَّلاَثَة:
إنَّ مَا نَمُرُّ بِهِ مِنْ مُخَطَّطٍ مُدَبَّرٍ لَهُ أهْدَافٌ كَثِيرَةٌ، أوَّلُهَا قَدْ ظَهَرَ لَنَا بوُضُوحٍ وجَلاَءٍ: ألاَ وهُوَ شَقُّ الصَّفِّ والاخْتِلاَفُ والفُرْقَةُ وتَخْوِينُ الكُلِّ للكُلِّ، ولَيْسَ تكْرَارًا للكَلاَمِ إنْ أكَّدْنَا عَلَى ضَرُورَةِ نَبْذ الخِلاَف ووحْدَةِ الصَّفّ، بَلْ إنْ كَانَ تكْرَارًا فَهُوَ في مَحَلِّهِ، ولاَبُدَّ مِنْهُ.
وهذا الشَّقُّ للصَّفِّ والاخْتِلاَفُ كَانَت سِمَتُهُ الأسَاسِيَّةُ الظَّاهِرَةُ هي (التَّطَاوُلُ) عَلَى الآخَرِينَ بزَعْمِ (حُرِّيَّة التَّعْبِير) و(الدِّفَاع عَنِ الرَّأي)، وهذا التَّطَاوُل كَانَت لَهُ أشْكَال: فَتَارَّةً يَكُونُ بسَبِّهِم تَعْلِيقًا عَلَى مَوَاقِفِهِم، وتَارَّةً يَكُونُ بنَقْلِ أخْبَارٍ عَنْهُم تَدْفَعُ القَارِئ إِلَى التَّطَاوُل عَلَيْهم أو إسَاءَة الظَّنّ بِهِم، وتَارَّةً يَكُونُ بسِحْرِ القَوْل المُهَيِّج للمَشَاعِر السَّاحِر للعُقُولِ بغَيْرِ الحَقِيقَة، فَتَكُون النَّتِيجَة فِئَة تُصَدِّق، وفِئَة تَرْفُض وفِئَة تَحْتَار، فَبَعْدَ أنْ كَانُوا فِئَة وَاحِدَة، تَمَّ شَقّهم، وبَذْر بُذُور الخِلاَف بَيْنهم ليَنْمُو بأيْدِيهِم وألْسِنَتِهِم، فَيَؤُولُ الحَالُ في النِّهَايَةِ إِلَى تَطْبِيقِ قَاعِدَة اليَهُود (فَرِّق تَسُد)، وهذا مَا وَقَعْنَا فِيهِ مَعَ الأسَفِ، بَلْ وكُنَّا نَحْنُ الفَاعِلُ والمَفْعُولُ بِهِ في نَفْسِ الوَقْتِ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ.
دَائِمًا أقُولُ (إنَّ الحَمَاسَ وَحْدُهُ لا يَكْفِي بدُونِ عَقْلٍ، والعَقْلَ وَحْدُهُ لا يَكْفِي بدُونِ إيِمَانٍ، فَالحَمَاسُ يَحْتَاجُ إِلَى العَقْلِ ليُوَجِّهَهُ، والعَقْلُ يَحْتَاجُ إِلَى الإيِمَانِ ليَضْبُطَهُ، فَالعَقْلُ بدُونِ إيِمَانٍ يَضِلُّ ويُخْطِئُ، والحَمَاسُ بدُونِ عَقْلٍ يُهْلِكُ ويُفْسِد، فتكون النتيجة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً 103 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا 104))، ولَمَّا كَانَ أعْدَاءُ الإسْلاَمِ في الدَّاخِلِ والخَارِجِ يَعْلَمُونَ هذا جَيِّدًا، قَامُوا بتَوْظِيفِ كُلّ مُؤَسَّسَاتِهِم مِنْ أجْلِ كَسْبِ المَعْرَكَة مِنْ هذا الجَانِبِ، ونَجَحُوا في ذَلِكَ حَتَّى الآن أيَّمَا نَجَاح في جَوَلاَتٍ كَثِيرَةٍ، فَزَرَعُوا بُذُورَ الشَّكِّ والتَّخْوِينِ في قُلُوبِ الكُلّ نَحْوَ الكُلِّ، وأفْقَدُوا النَّاس ثِقَتَهُم في بَعْضِهِم وفي أنْفُسِهِم، وجَعَلُوهُم يَدْخُلُونَ دَائِرَة الإحْبَاط واليَأس وشَلَل التَّفْكِير، وهُنَا إِذَا تَذَكَّرْنَا مَقُولَة (فَرِّق تَسُد) عَرِفْنَا كَيْفَ كَسَبُوا الجَولاَت مِنَّا، والإجَابَةُ في يُسْرٍ: لأنَّهُم لَدَيْهم حَمَاس وَجَّهُوهُ بالعَقْلِ المَضْبُوط بإيِمَانٍ عِنْدَهُم -بغَضِّ النَّظَرِ عَنْ صِحَّةِ هذا الإيِمَان والعَقْل والحَمَاس-، أمَّا نَحْنُ فَنَعْمَلُ فَقَط بالحَمَاسِ، لا وَجَّهْنَاهُ بعَقْلٍ ولا ضَبَطْنَاهُ بإيِمَانٍ، ولا أُعَمِّمُ الكَلاَم عَلَى الكُلِّ، ولا أُعَمِّمُ عَلَى كُلِّ المَوَاقِف، ولَكِنْ للأسَفِ العِبْرَة بالخَوَاتِيم الَّتِي تَدُلُّ كَيْفَ سَارَت الأُمُورُ، ودَعُونَا نَقِفُ عَلَى بَعْضِ صُوَر تَقْصِيرنَا وانْدِفَاعنَا وَرَاء الحَمَاس فَقَط دُونَ عَقْلٍ أو إيِمَانٍ -ولا يُفْهَم عَدَم الإيِمَان هُنَا بمَعْنَى التَّكْفِير، ولَكِنْ سَبَقَ الشَّرْح بأنَّ المَعْنَى هُوَ تَحْكِيمُهُ والسَّيْرُ وِفْقَ ضَوَابِطه-، وهي قَدْ تَكُون صُوَرًا قَلِيلَةً في أعْيُنِ البَعْض، وهذا أيْضًا مِنْ عَدَمِ تَحْكِيم الإيِمَان، إذْ أنَّ دِينَنَا عَلَّمَنَا ألاَّ نَسْتَصْغِر ذَنْبًا، ولا نُحَقِّر أمْرًا، ولا نَسْتَهِين بشَيْءٍ، فَيَتَرَاكَم ويَكُونُ الهَلاَكُ فِيهِ:
ومِنْ ثَمَّ؛ فَقَدْ رَأيْتُ في مُنْتَدَانَا ثَلاَثَ صُوَرٍ مِنَ الخَطَأ النَّاتِجِ عَنِ الانْدِفَاعِ خَلْفَ الحَمَاسِ فَقَط، وَقَعَ فِيهَا البَعْضُ ومَا زَالُوا عَلَى مَدَارِ الأزَمَاتِ الَّتِي تَعَرَّضْتِ البِلاَد لَهَا، وللأسَفِ إِذَا انْتَقَدَهُمْ أحَدٌ وحَاوَلَ أنْ يُبَيِّنَ لَهُم مَا وَقَعُوا فِيهِ، لَمْ يَجِدْ إلاَّ الإصْرَارَ عَلَى الرَّأي، بَلْ وهَاجَمُوه وكَأنَّهُ هُوَ المُخْطِئ، فَلَقَدْ صَارَت أغْلَبُ النِّقَاشَاتِ تُدَار عَلَى طَرِيقَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ مَعِي؛ تَقُول مَا أقُولُ؛ وتَفْعَل مَا أفْعَلُ، وتَقْبَل مَا أقْبَلُ، وتَرْفُض مَا أرْفُضُ، فَأنَّت ضِدِّي، ورُبَّمَا وُجِدَت في القَلْبِ أشْيَاء لَمْ تَخْرُج كِتَابَةً)، وسُبْحَانَ الله، يَحْتَكِمُونَ إِلَى الشَّرْعِ إِنْ أَرَادُوا تَدْعِيم مَوْقِفهم، و إِذَا جَاءَهُم أَحَدٌ لا أَقُولُ بِمَا يَهْدِم مَوَاقِفهم، بَلْ إِذَا جَاءَهُم بِمَا يُصَحِّح مَوَاقِفهم فَقَط، هَاجَمُوه، لا أَقُولُ أَنَّهُم يُنَافِقُونَ عِيَ إِذَا باللهِ، ولا أَقُولُ أَنَّهُم مِمَّنْ يُؤْمِنُونَ ببَعْضِ الكِتَاب ويَكْفُرُونَ ببَعْضٍ مَعَاذَ الله، لا واللهِ، فَكُلُّهُم إِخْوَتِي وأَخَوَاتِي، أَفْضَلُ مِنِّي بكَثِيرٍ، ولَهُم فَضْلٌ عَلَيَّ وعَلَى غَيْرِي وسَبْقٌ، ولَكِنْ حُبِّي لَهُم في اللهِ جَعَلَنِي أَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ تَحَمُّلِ ذَنْب الخَطَأ الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ: الانْدِفَاعُ وَرَاءَ الحَمَاسِ فَقَط، وهَذَا هُوَ مَا وَقَعُوا فِيهِ، فَلَمْ يُحَكِّمُوا عُقُولَهُم في حَمَاسِهِم، ولَمْ يَضْبطُوهُ بالإِيِمَانِ، فَوَقَعُوا في زَلَلٍ أَغْلَبُ ظَنِّي أَنَّهُ غَيْر مُتَعَمَّدٍ، وكَانَ أَوْلَى بِهِمْ أَلاَّ يَفْعَلُوا، ورَحِمَ اللهُ مَنْ قَالَ [ لَوْ سَكَتَ مَنْ لا يَعْلَمْ لَسَقَطَ الخِلاَف ]، ومَنْ قَالَ [ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُم، اتَّهِمُوا رَأَيَكُم ]، ومَنْ قَالَ [ مِنْ حُسْنِ عِلْم المَرْء أَنْ يَقُولَ فِيمَا لا يَعْلَم: اللهُ أعْلَم ].
وقَبْلَ أَنْ أَبْدَأ في عَرْضِ الأَخْطَاء الثَّلاَثَة الَّتِي وَقَعَ فِيهَا بَعْضُ أَعْضَاءِ المُنْتَدَى، أَنْقِلُ إِلَيْكُم جُزْءً مِنْ مُشَارَكَةٍ كُنْتُ كَتَبْتُهَا مُنْذُ فَتْرَةٍ، أَرْجُو مِنْكُمْ قِرَاءَته بدِقَّةٍ، والتَّرْكِيز فِيمَا فِيهِ ومُحَاوَلَة الرَّبْط بَيْنَهُ وبَيْنَ الوَاقِعِ الحَاصِلِ الآن، حَتَّى إِذَا مَا تَكَلَّمْنَا عَنِ الأَخْطَاءِ الثَّلاَثَةِ، نَعْرِفُ لِمَ إِذَا وكَيْفَ وَقَعْنَا فِيهَا، ومَا هي البِيئَة الَّتِي مَهَّدَت لذَلِكَ وفَتَحَت لَهُ البَاب، وحَاوِلُوا قَدْرَ الإِمْكَانِ تَذَكُّر هَذِهِ الفَقَرَات أَوِ الرُّجُوع إِلَيْهَا عِنْدَمَا نَتَكَلَّم عَنِ الضَّوَابِط الشَّرْعِيَّةِ، لنَعْلَمَ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ مَا جَاءَت إِلاَّ بِمَا يَصُونُنَا ويَحْفَظُنَا، ومَا أَصَابَنَا ضَرَرٌ إِلاَّ بجَهْلِنَا وبُعْدِنَا عَنِ الدِّينِ وإِنِ ادَّعَيْنَا تَطْبِيقُهُ، وقَدْ قَالَ تَعَالَى [ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ] (الأنْفَالُ: 53)، وقَالَ تَعَالَى [ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ] (الصَّفُّ: 5).
والآن مَعَ الأَخْطَاءِ الثَّلاَثَةِ الَّتِي حَدَثَتْ ومَازَالَتْ في المُنْتَدَى.
الإخْوَةُ والأخَوَاتُ الكِرَامُ
السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
عَنَاصِرُ المَوْضُوعِ:
1) مُقَدِّمَةٌ تَوْضِيحِيَّةٌ للغَرَضِ مِنَ المَوْضُوعِ.
2) رُؤْيَةُ السَّبَبِ الحَقِيقِيِّ خَلْفَ هَذِهِ الأخْطَاءِ الثَّلاَثَةِ.
3) الخَطَأُ الأوَّلُ: الأَخْذُ في التَّلَفُّظِ بالسِّبَابِ والشَّتَائِم؛ والإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ.
4) الخَطَأُ الثَّانِي: الأَخْذُ في نَقْلِ الأَخْبَارِ (الصَّحِيحَةِ والكَاذِبَةِ) دُونَ تَحَرٍّ وقِيَاسٍ للمَصَالِح والمَفَاسِد.
5) الخَطَأُ الثَّالِثُ: الهُجُومُ والتَّطَاوُلُ بالتَّصْرِيحِ والتَّلْمِيحِ عَلَى طَلَبَةِ العِلْمِ والعُلَمَاءِ.
2) رُؤْيَةُ السَّبَبِ الحَقِيقِيِّ خَلْفَ هَذِهِ الأخْطَاءِ الثَّلاَثَةِ.
3) الخَطَأُ الأوَّلُ: الأَخْذُ في التَّلَفُّظِ بالسِّبَابِ والشَّتَائِم؛ والإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ.
4) الخَطَأُ الثَّانِي: الأَخْذُ في نَقْلِ الأَخْبَارِ (الصَّحِيحَةِ والكَاذِبَةِ) دُونَ تَحَرٍّ وقِيَاسٍ للمَصَالِح والمَفَاسِد.
5) الخَطَأُ الثَّالِثُ: الهُجُومُ والتَّطَاوُلُ بالتَّصْرِيحِ والتَّلْمِيحِ عَلَى طَلَبَةِ العِلْمِ والعُلَمَاءِ.
العُنْصُرُ الأوَّلُ: مُقَدِّمَةٌ تَوْضِيحِيَّةٌ للغَرَضِ مِنَ المَوْضُوعِ:
أعْلَمُ مِثْلكُم –بَلْ أنْتُم تَعْلَمُونَ أكْثَر مِمَّا أعْلَم- مَا نَمُرُّ بِهِ ومَا يُحَاكُ ضِدّنَا جَمِيعًا، ولا خِلاَفَ بَيْننَا عَلَى أنَّهَا مُؤَامَرَة مُدَبَّرَة بكُلِّ صُوَرِهَا وأبْعَادِهَا، انْجَرَفَ بَعْضنَا فِيهَا وهُوَ لا يَدْرِي، فَضْلاً عَنِ البَعْضِ الَّذِي انْجَرَفَ وهُوَ يَدْرِي، وفي ظِلِّ هذه الظُّرُوف يَجِبُ الالْتِزَام بالدِّينِ أكْثَر مِنْ أيِّ وَقْتٍ، وإعْمَال سُنَّة التَّنَاصُح بالخَيْرِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ هذا وَقْتها فَمَتَى تَكُون، وإنِّي لأكْتُبُ لَكُم هذا المَوْضُوع انْطِلاَقًا مِنْ قَوْلِ الله تَعَالَى [ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ]، وقَوْلِهِ تَعَالَى [ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى 9 سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى 10 وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى 11 الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى 12 ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى 13 قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى 14 وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى 15 ]، وقَوْلِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يُعْبَدَ بأرْضِكُم، ولَكِنْ رَضِيَ أنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَاقِرُونَ مِنْ أعْمَالِكُم، فَاحْذَرُوا، إنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُم مَا إنِ اعْتَصَمْتُم بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أبَدًا، كِتَاب الله وسُنَّة نَبِيِّهِ ] صَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيبِ، وحَقِيقَةً كُنْتُ أنْوِي كِتَابَة هذا المَوْضُوع مُنْذُ فَتْرَةٍ، بَلْ بالفِعْلِ كَتَبْتُ مِنْهُ أشْيَاءً مُتَفَرِّقَة، لَكِنْ لَمَّا قَرَأتُ المُشَارَكَة التَّالِيَة للأخِ الكَرِيمِ مهندس خالد خِفْتُ فِعْلاً أنْ أكُونَ مِمَّنْ يُؤْخَذ الجَمِيع بذُنُوبِهِ، وخِفْتُ أيْضًا عَلَيْكُم إخْوَتِي وأخَوَاتِي، فَكَتَبْتُ لَكُمْ هذا المَوْضُوع، وقَدْ قَالَ الأخُ الفَاضِلُ مهندس خالد في إحْدَى مُشَارَكَاتِهِ:
بس انا بتراوضنى من اول يوم فى الاعتصامات الاخيرة فكرة ان التمكين قريب جداً ولا يحول بيننا وبينه الا رجل كالرجل الذى كان من قوم موسى ومنع عنهم الغيث بسبب ذنوبه لعل احدنا هذا الرجل فلنستغفر الله عز وجل حتى يُمكن الله لنا
قال تعالى:
(( ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ) ))
مهندس خالد
إنَّ مَا نَمُرُّ بِهِ مِنْ مُخَطَّطٍ مُدَبَّرٍ لَهُ أهْدَافٌ كَثِيرَةٌ، أوَّلُهَا قَدْ ظَهَرَ لَنَا بوُضُوحٍ وجَلاَءٍ: ألاَ وهُوَ شَقُّ الصَّفِّ والاخْتِلاَفُ والفُرْقَةُ وتَخْوِينُ الكُلِّ للكُلِّ، ولَيْسَ تكْرَارًا للكَلاَمِ إنْ أكَّدْنَا عَلَى ضَرُورَةِ نَبْذ الخِلاَف ووحْدَةِ الصَّفّ، بَلْ إنْ كَانَ تكْرَارًا فَهُوَ في مَحَلِّهِ، ولاَبُدَّ مِنْهُ.
وهذا الشَّقُّ للصَّفِّ والاخْتِلاَفُ كَانَت سِمَتُهُ الأسَاسِيَّةُ الظَّاهِرَةُ هي (التَّطَاوُلُ) عَلَى الآخَرِينَ بزَعْمِ (حُرِّيَّة التَّعْبِير) و(الدِّفَاع عَنِ الرَّأي)، وهذا التَّطَاوُل كَانَت لَهُ أشْكَال: فَتَارَّةً يَكُونُ بسَبِّهِم تَعْلِيقًا عَلَى مَوَاقِفِهِم، وتَارَّةً يَكُونُ بنَقْلِ أخْبَارٍ عَنْهُم تَدْفَعُ القَارِئ إِلَى التَّطَاوُل عَلَيْهم أو إسَاءَة الظَّنّ بِهِم، وتَارَّةً يَكُونُ بسِحْرِ القَوْل المُهَيِّج للمَشَاعِر السَّاحِر للعُقُولِ بغَيْرِ الحَقِيقَة، فَتَكُون النَّتِيجَة فِئَة تُصَدِّق، وفِئَة تَرْفُض وفِئَة تَحْتَار، فَبَعْدَ أنْ كَانُوا فِئَة وَاحِدَة، تَمَّ شَقّهم، وبَذْر بُذُور الخِلاَف بَيْنهم ليَنْمُو بأيْدِيهِم وألْسِنَتِهِم، فَيَؤُولُ الحَالُ في النِّهَايَةِ إِلَى تَطْبِيقِ قَاعِدَة اليَهُود (فَرِّق تَسُد)، وهذا مَا وَقَعْنَا فِيهِ مَعَ الأسَفِ، بَلْ وكُنَّا نَحْنُ الفَاعِلُ والمَفْعُولُ بِهِ في نَفْسِ الوَقْتِ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ.
دَائِمًا أقُولُ (إنَّ الحَمَاسَ وَحْدُهُ لا يَكْفِي بدُونِ عَقْلٍ، والعَقْلَ وَحْدُهُ لا يَكْفِي بدُونِ إيِمَانٍ، فَالحَمَاسُ يَحْتَاجُ إِلَى العَقْلِ ليُوَجِّهَهُ، والعَقْلُ يَحْتَاجُ إِلَى الإيِمَانِ ليَضْبُطَهُ، فَالعَقْلُ بدُونِ إيِمَانٍ يَضِلُّ ويُخْطِئُ، والحَمَاسُ بدُونِ عَقْلٍ يُهْلِكُ ويُفْسِد، فتكون النتيجة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً 103 الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا 104))، ولَمَّا كَانَ أعْدَاءُ الإسْلاَمِ في الدَّاخِلِ والخَارِجِ يَعْلَمُونَ هذا جَيِّدًا، قَامُوا بتَوْظِيفِ كُلّ مُؤَسَّسَاتِهِم مِنْ أجْلِ كَسْبِ المَعْرَكَة مِنْ هذا الجَانِبِ، ونَجَحُوا في ذَلِكَ حَتَّى الآن أيَّمَا نَجَاح في جَوَلاَتٍ كَثِيرَةٍ، فَزَرَعُوا بُذُورَ الشَّكِّ والتَّخْوِينِ في قُلُوبِ الكُلّ نَحْوَ الكُلِّ، وأفْقَدُوا النَّاس ثِقَتَهُم في بَعْضِهِم وفي أنْفُسِهِم، وجَعَلُوهُم يَدْخُلُونَ دَائِرَة الإحْبَاط واليَأس وشَلَل التَّفْكِير، وهُنَا إِذَا تَذَكَّرْنَا مَقُولَة (فَرِّق تَسُد) عَرِفْنَا كَيْفَ كَسَبُوا الجَولاَت مِنَّا، والإجَابَةُ في يُسْرٍ: لأنَّهُم لَدَيْهم حَمَاس وَجَّهُوهُ بالعَقْلِ المَضْبُوط بإيِمَانٍ عِنْدَهُم -بغَضِّ النَّظَرِ عَنْ صِحَّةِ هذا الإيِمَان والعَقْل والحَمَاس-، أمَّا نَحْنُ فَنَعْمَلُ فَقَط بالحَمَاسِ، لا وَجَّهْنَاهُ بعَقْلٍ ولا ضَبَطْنَاهُ بإيِمَانٍ، ولا أُعَمِّمُ الكَلاَم عَلَى الكُلِّ، ولا أُعَمِّمُ عَلَى كُلِّ المَوَاقِف، ولَكِنْ للأسَفِ العِبْرَة بالخَوَاتِيم الَّتِي تَدُلُّ كَيْفَ سَارَت الأُمُورُ، ودَعُونَا نَقِفُ عَلَى بَعْضِ صُوَر تَقْصِيرنَا وانْدِفَاعنَا وَرَاء الحَمَاس فَقَط دُونَ عَقْلٍ أو إيِمَانٍ -ولا يُفْهَم عَدَم الإيِمَان هُنَا بمَعْنَى التَّكْفِير، ولَكِنْ سَبَقَ الشَّرْح بأنَّ المَعْنَى هُوَ تَحْكِيمُهُ والسَّيْرُ وِفْقَ ضَوَابِطه-، وهي قَدْ تَكُون صُوَرًا قَلِيلَةً في أعْيُنِ البَعْض، وهذا أيْضًا مِنْ عَدَمِ تَحْكِيم الإيِمَان، إذْ أنَّ دِينَنَا عَلَّمَنَا ألاَّ نَسْتَصْغِر ذَنْبًا، ولا نُحَقِّر أمْرًا، ولا نَسْتَهِين بشَيْءٍ، فَيَتَرَاكَم ويَكُونُ الهَلاَكُ فِيهِ:
1) قَالَ تَعَالَى مُحَذِّرًا مِنَ الاسْتِهَانَةِ بصَغَائِرِ الأُمُور [ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ] (سُورَةُ النُّورِ: 15).
2) وذَلِكَ مَا فَهِمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ مُوَافِقًا للآيَةِ [ إيَّاكُمْ ومُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإنَّمَا مَثَلُ مُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ؛ وجَاءَ ذَا بِعُودٍ؛ حتى حَمَلُوا مَا أنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُم، وإنَّ مُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ متى يُؤْخَذ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ ] صَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ الجَامِعِ وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ والسِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ، وفي الحَدِيثِ المُتَقَدِّمِ أعْلاَهُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يُعْبَدَ بأرْضِكُم، ولَكِنْ رَضِيَ أنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَاقِرُونَ مِنْ أعْمَالِكُم، فَاحْذَرُوا،... ] صَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيبِ.
3) فَفَهِمَهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فَقَالَ أنَسَ بْن مَالِك رَضِيَ اللهُ عَنْه في زَمَنِ الخِلاَفَةِ [ إنَّكُم لَتَعْمَلُونَ أعْمَالاً؛ هي أدَقُّ في أعْيُنِكُم مِنَ الشَّعْرِ، إنْ كُنَّا لنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ المُوبِقَاتِ. (قَالَ أبُو عَبْد الله: يَعْنِي بذَلِكَ المُهْلِكَات) ].
4) وفَهِمَهَا النَّاسُ، حَتَّى أنَّ أحَدَ التَّابِعِينَ أنْشَدَ قَائِلاً:
2) وذَلِكَ مَا فَهِمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ مُوَافِقًا للآيَةِ [ إيَّاكُمْ ومُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإنَّمَا مَثَلُ مُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ؛ وجَاءَ ذَا بِعُودٍ؛ حتى حَمَلُوا مَا أنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُم، وإنَّ مُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ متى يُؤْخَذ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ ] صَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ الجَامِعِ وصَحِيحِ التَّرْغِيبِ والسِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ، وفي الحَدِيثِ المُتَقَدِّمِ أعْلاَهُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يُعْبَدَ بأرْضِكُم، ولَكِنْ رَضِيَ أنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَاقِرُونَ مِنْ أعْمَالِكُم، فَاحْذَرُوا،... ] صَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ التَّرْغِيبِ.
3) فَفَهِمَهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، فَقَالَ أنَسَ بْن مَالِك رَضِيَ اللهُ عَنْه في زَمَنِ الخِلاَفَةِ [ إنَّكُم لَتَعْمَلُونَ أعْمَالاً؛ هي أدَقُّ في أعْيُنِكُم مِنَ الشَّعْرِ، إنْ كُنَّا لنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ المُوبِقَاتِ. (قَالَ أبُو عَبْد الله: يَعْنِي بذَلِكَ المُهْلِكَات) ].
4) وفَهِمَهَا النَّاسُ، حَتَّى أنَّ أحَدَ التَّابِعِينَ أنْشَدَ قَائِلاً:
لا تُحَقِّرَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ صَغِيرًا ** إنَّ الصَّغِيرَ غَدًا يَعُودُ كَبِيرَا
إنَّ الصَّغِيرَ وقَدْ تَقَادَمَ عَهْدُهُ ** عِنْدَ الإلَهِ مُسَطَّرٌ تَسْطِيرَا
فَازْجُر هَوَاكَ عَنِ البَطَالَةِ لا تَكُنْ ** صَعْب القِيَادِ وشَمِّرَنَّ تَشْمِيرَا
إنَّ المُحِبَّ إِذَا أحَبَّ إلَهَهُ ** طَارَ الفُؤَادُ وألْهَمَ التَّفْكِيرَا
فَاسْألْ هِدَايَتَكَ الإلَهُ بنِيَّةٍ ** فَكَفَى برَبِّكَ هَادِيًا ونَصِيرَا
ومِنْ ثَمَّ؛ فَقَدْ رَأيْتُ في مُنْتَدَانَا ثَلاَثَ صُوَرٍ مِنَ الخَطَأ النَّاتِجِ عَنِ الانْدِفَاعِ خَلْفَ الحَمَاسِ فَقَط، وَقَعَ فِيهَا البَعْضُ ومَا زَالُوا عَلَى مَدَارِ الأزَمَاتِ الَّتِي تَعَرَّضْتِ البِلاَد لَهَا، وللأسَفِ إِذَا انْتَقَدَهُمْ أحَدٌ وحَاوَلَ أنْ يُبَيِّنَ لَهُم مَا وَقَعُوا فِيهِ، لَمْ يَجِدْ إلاَّ الإصْرَارَ عَلَى الرَّأي، بَلْ وهَاجَمُوه وكَأنَّهُ هُوَ المُخْطِئ، فَلَقَدْ صَارَت أغْلَبُ النِّقَاشَاتِ تُدَار عَلَى طَرِيقَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ مَعِي؛ تَقُول مَا أقُولُ؛ وتَفْعَل مَا أفْعَلُ، وتَقْبَل مَا أقْبَلُ، وتَرْفُض مَا أرْفُضُ، فَأنَّت ضِدِّي، ورُبَّمَا وُجِدَت في القَلْبِ أشْيَاء لَمْ تَخْرُج كِتَابَةً)، وسُبْحَانَ الله، يَحْتَكِمُونَ إِلَى الشَّرْعِ إِنْ أَرَادُوا تَدْعِيم مَوْقِفهم، و إِذَا جَاءَهُم أَحَدٌ لا أَقُولُ بِمَا يَهْدِم مَوَاقِفهم، بَلْ إِذَا جَاءَهُم بِمَا يُصَحِّح مَوَاقِفهم فَقَط، هَاجَمُوه، لا أَقُولُ أَنَّهُم يُنَافِقُونَ عِيَ إِذَا باللهِ، ولا أَقُولُ أَنَّهُم مِمَّنْ يُؤْمِنُونَ ببَعْضِ الكِتَاب ويَكْفُرُونَ ببَعْضٍ مَعَاذَ الله، لا واللهِ، فَكُلُّهُم إِخْوَتِي وأَخَوَاتِي، أَفْضَلُ مِنِّي بكَثِيرٍ، ولَهُم فَضْلٌ عَلَيَّ وعَلَى غَيْرِي وسَبْقٌ، ولَكِنْ حُبِّي لَهُم في اللهِ جَعَلَنِي أَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ تَحَمُّلِ ذَنْب الخَطَأ الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ: الانْدِفَاعُ وَرَاءَ الحَمَاسِ فَقَط، وهَذَا هُوَ مَا وَقَعُوا فِيهِ، فَلَمْ يُحَكِّمُوا عُقُولَهُم في حَمَاسِهِم، ولَمْ يَضْبطُوهُ بالإِيِمَانِ، فَوَقَعُوا في زَلَلٍ أَغْلَبُ ظَنِّي أَنَّهُ غَيْر مُتَعَمَّدٍ، وكَانَ أَوْلَى بِهِمْ أَلاَّ يَفْعَلُوا، ورَحِمَ اللهُ مَنْ قَالَ [ لَوْ سَكَتَ مَنْ لا يَعْلَمْ لَسَقَطَ الخِلاَف ]، ومَنْ قَالَ [ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُم، اتَّهِمُوا رَأَيَكُم ]، ومَنْ قَالَ [ مِنْ حُسْنِ عِلْم المَرْء أَنْ يَقُولَ فِيمَا لا يَعْلَم: اللهُ أعْلَم ].
وقَبْلَ أَنْ أَبْدَأ في عَرْضِ الأَخْطَاء الثَّلاَثَة الَّتِي وَقَعَ فِيهَا بَعْضُ أَعْضَاءِ المُنْتَدَى، أَنْقِلُ إِلَيْكُم جُزْءً مِنْ مُشَارَكَةٍ كُنْتُ كَتَبْتُهَا مُنْذُ فَتْرَةٍ، أَرْجُو مِنْكُمْ قِرَاءَته بدِقَّةٍ، والتَّرْكِيز فِيمَا فِيهِ ومُحَاوَلَة الرَّبْط بَيْنَهُ وبَيْنَ الوَاقِعِ الحَاصِلِ الآن، حَتَّى إِذَا مَا تَكَلَّمْنَا عَنِ الأَخْطَاءِ الثَّلاَثَةِ، نَعْرِفُ لِمَ إِذَا وكَيْفَ وَقَعْنَا فِيهَا، ومَا هي البِيئَة الَّتِي مَهَّدَت لذَلِكَ وفَتَحَت لَهُ البَاب، وحَاوِلُوا قَدْرَ الإِمْكَانِ تَذَكُّر هَذِهِ الفَقَرَات أَوِ الرُّجُوع إِلَيْهَا عِنْدَمَا نَتَكَلَّم عَنِ الضَّوَابِط الشَّرْعِيَّةِ، لنَعْلَمَ عِلْمَ اليَقِينِ أَنَّ الشَّرِيعَةَ مَا جَاءَت إِلاَّ بِمَا يَصُونُنَا ويَحْفَظُنَا، ومَا أَصَابَنَا ضَرَرٌ إِلاَّ بجَهْلِنَا وبُعْدِنَا عَنِ الدِّينِ وإِنِ ادَّعَيْنَا تَطْبِيقُهُ، وقَدْ قَالَ تَعَالَى [ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ] (الأنْفَالُ: 53)، وقَالَ تَعَالَى [ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ] (الصَّفُّ: 5).
إِنَّ إِشَاعَةَ الفَوْضَى باسْمِ الحُرِّيَّة مَكِيدَةٌ يَهُودِيَّةٌ، هُمْ أوَّلُ مَنْ يَكْفُر بِهَا، ولَقَدْ ذَكَرُوا ذَلِكَ في بُرُوتُوكُولاَتِهِم صَرَاحَةً [ لَقَدْ كُنَّا أوَّل مَنْ صَاحَ في الشَّعْبِ فِيمَا مَضَى بالحُرِّيَّةِ والإخَاءِ والمُسَاوَاة، تِلْكَ الكَلِمَات الَّتِي رَاحَ الجَهَلَةُ في أنْحَاءِ المَعْمُورَةِ يُرَدِّدُونَهَا بَعْدَ ذَلِكَ دُونَ تَفْكِيرٍ أو وَعْيٍ، إنَّ نِدَاءَنَا بالحُرِّيَّةِ والمُسَاوَاةِ والإخَاءِ اجْتَذَبَ إِلَى صُفُوفِنَا مِنْ كَافَّةِ أرْكَان العَالَم بفَضْلِ أعْوَاننَا أفْوَاجًا بأكْمَلِهَا لَمْ تَلْبَث أنْ حَمَلَت لِوَاءَنَا في حَمَاسَةٍ وغَيْرَةٍ، إنَّ لَفْظَةَ الحُرِّيَّة تَجْعَل المُجْتَمَع في صِرَاعٍ مَعَ جَمِيعِ القُوَى، بَلْ مَعَ قُوَّةِ الطَّبِيعَة، وقُوَّة الله نَفْسهَا، عَلَى أنَّ الحُرِّيَّة قَدْ لا تَنْطَوِي عَلَى أيِّ ضَرَرٍ، وقَدْ تُوجَد في الحُكُومَاتِ وفي البِلاَدِ دُونَ أنْ تُسِيءَ إِلَى رَخَاءِ الشَّعْب، وذَلِكَ إِذَا قَامَت عَلَى الدِّينِ، والخَوْفِ مِنَ اللهِ، والإخَاءِ بَيْنَ النَّاسِ المُجَرَّد مِنْ فِكْرَةِ المُسَاوَاة الَّتِي تَتَعَارَض مَعَ قَوَانِينِ الخَلِيقَة، تِلْكَ القَوَانِين الَّتِي نَصَّت عَلَى الخُضُوعِ، والشَّعْبُ باعْتِنَاقِهِ هذه العَقِيدَة سَوْفَ يَخْضَع لوِصَايَةِ رِجَال الدِّين، ويَعِيش في سَلاَم، ويُسَلِّم للعِنَايَةِ الإلَهِيَّة السَّائِدَة عَلَى الأرْضِ، ومِنْ ثَمَّ يَتَحَتَّم عَلَيْنَا أنْ نَنْتَزِعَ مِنْ أذْهَانِ المَسِيحِيِّينَ فِكْرَة الله، والمُسْلِمِينَ أيْضًا، والاسْتِعَاضَة عَنْهَا بالأرْقَامِ الحِسَابِيَّة والمَطَالِب المَادِّيَّة ].
وفي مَوْضِعٍ آخَر قَالُوا [ الحُرِّيَّةُ السِّيَاسِيَّةُ إنَّمَا هي فِكْرَة مُجَرَّدَة، ولا وَاقِع حَقِيقِيّ لَهَا، وهذه الفِكْرَة وهي الطُّعْم في الشَّرَكِ، عَلَى الوَاحِدِ مِنَّا أنْ يَعْلَمَ كَيْفَ يَجِب أنْ يُطَبِّقَهَا حَيْثُ تَدْعُو الضَّرُورَة، لاسْتِغْوَاءِ الجَمَاعَات والجَمَاهِير إِلَى حِزْبِهِ، ابْتِغَاءَ أنْ يَقُومَ هذا الحِزْب فَيَسْحَق الحِزْب المُنَاوِئ لَهُ وهُوَ الحِزْب الَّذِي بيَدِهِ الحُكُومَة والسُّلْطَة.
وهذا العَمَل إنَّمَا يُصْبِح أهْوَن وأيْسَر إِذَا كَانَ الخِصْمُ المُرَاد البَطْش بِهِ قَدْ أخَذَتْهُ عَدْوَى فِكْرَة الحُرِّيَّة المُسَمَّاة باسْمِ لِيبْرَالِيَّة، وهذا الحِزْب مُسْتَعِدٌّ مِنْ أجْلِ إدْرَاك هذه الفِكْرَة المُجَرَّدَة أنْ يَنْزِلَ عَنْ بَعْضِ سُلْطَته، وهُنَا جَزْمًا يَكُون مَطْلَع انْتِصَار فِكْرَتنَا، وتَحْصُل حِينَئِذٍ حَالٍ أُخْرَى: فَمَا للحُكُومَةِ مِنْ زِمَامٍ، يَكُون قَدِ اسْتَرْخَى وأخَذَ بالانْحِلاَلِ فَوْرًا، وهذا مِنْ عَمَلِ قَانُون الحَيَاة، فَتَتَسَلَّط اليَد الجَدِيدَة عَلَى الزِّمَامِ وتَجْمَع بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ وتُقِيمهُ، لأنَّ القُوَّةَ العَمْيَاء في الأُمَّةِ لا تَقْوَى عَلَى البَقَاءِ يَوْمًا وَاحِدًا دُونَ أنْ يَكُونَ لَهَا مَوئِل يُهَيْمِنُ عَلَيْهَا بالضَّبْطِ والإرْشَادِ، ثُمَّ تَمْضِي الحُكُومَة الجَدِيدَة بالأمْرِ، وجُلّ مَا تَفْعَلهُ أنَّهَا تَحِلّ مَحَلّ الحُكُومَة السَّابِقَة الَّتِي نَهَكَتْهَا فِكْرَة اللِّيبْرَالِيَّة حَتَّى أوْدَت بِهَا.
هذا الطَّوْرُ كَانَ فِيمَا مَضَى، أمَّا اليَوْم فَالقُوَّة الَّتِي نَسَخَت قُوَّة الحُكَّام مِنْ أنْصَارِ اللِّيبْرَالِيَّة هي الذَّهَب، ولِكُلِّ زَمَانٍ إيِمَانٌ يَصِحُّ بصِحَّتِهِ، وفِكْرَة الحُرِّيَّة مُسْتَحِيلَة التَّحْقِيق عَلَى النَّاسِ، لأنَّ لَيْسَ فيهم مَنْ يَعْرِف كَيْفَ يَسْتَعْمِلهَا بحِكْمَةٍ وأنَاةٍ، وانْظُرُوا في هذا، فَإنَّكُم إِذَا سَلَّمْتُم شَعْبًا الحُكْم الذَّاتِيّ لوَقْتٍ مَا، فَإنَّهُ لا يَلْبَث أنْ تَغْشَاهُ الفَوْضَى، وتَخْتَلّ أُمُوره، ومِنْ هذه اللَّحْظَة فَصَاعِدًا يَشْتَدّ التَّنَاحُر بَيْنَ الجَمَاعَات والجَمَاهِير حَتَّى تَقَع المَعَارِك بَيْنَ الطَّبَقَات، وفي وَسطِ هذا الاضْطِرَاب تَحْتَرِق الحُكُومَات، ف إِذَا بِهَا كَوْمَة رَمَاد.
وهذه الحُكُومَة مَصِيرهَا الاضْمِحْلاَل، سَوَاءَ عَلَيْهَا أدَفَنَت هي نَفْسَهَا بالانْتِفَاضَاتِ الآكِلَة بَعْضهَا بَعْضًا مِنْ دَاخِلٍ، أمْ جَرَّهَا هذا بالتَّالِي إِلَى الوُقُوعِ في بَرَاثِن عَدُوٍّ مِنْ خَارِجٍ، فَعَلَى الحَالَتَيْنِ تُعْتَبَر أنَّهَا أُصِيبَت في مَقَاتِلِهَا، فَغَدَت أعْجَز مِنْ أنْ تَقْوَى عَلَى النُّهُوضِ لتُقِيلَ نَفْسَهَا مِنْ عَثْرَتِهَا، ف إِذَا بِهَا في قَبْضَةِ يَدنَا، وحِينَئِذٍ تَأتِي سُلْطَة رَأس المَال، وتَكُون جَاهِزَة، فَتَمُدّ هذه السُّلْطَة بطَرفِ حَبْلٍ خَفِيٍّ إِلَى تِلْكَ الحُكُومَة الجَدِيدَة لتَعْلَقَ بِهِ، طَوْعًا أمْ كَرْهًا، لحَاجَتِهَا المَاسَّة إلَيْهِ، فَإنْ لَمْ تَفْعَل هَوَت إِلَى القَعْرِ.
...
ولَعمْرِي كَيْفَ يَكُون مُمْكِنًا لَدَى أيِّ حَكِيمٍ بَصِيرٍ أنْ يَأمَلَ في إدْرَاكِ الفَلاَح والفَوْز في قِيَادَةِ الجَمَاهِير إِلَى حَيْثُ يُرِيد؛ إِذَا كَانَت عُدَّتهُ مَا هي إلاَّ الاعْتِمَاد عَلَى مُجَرَّدِ مَنْطِق الرَّأي والإرْشَاد والجَدَل والمَقَال حِينَمَا تَعْتَرِضُهُ مُقَاوَمَة، أو رَمَاهُ الخِصْم بعَوْرَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَت مِنَ التُّرَّهَات، وأصْغَت الجَمَاهِير إِلَى هذا، والجَمَاهِير لا تَذْهَب في تَحْلِيلِ الأُمُور إِلَى مَا هُوَ أبْعَد مِنَ الظَّاهِرِ السَّطْحِيّ؟... ].
...
وفي مَوْضِعٍ رَابِعٍ [ وفي جَمِيعِ جَنَبَاتِ الدُّنْيَا, كَانَ مِنْ شَأنِ كَلِمَات (حُرِّيَّة – عَدَالَة - مُسَاوَاة) أنِ اجْتَذَبَت إلي صُفُوفِنَا عَلَى يَدِ دُعَاتنَا وعُمَلاَئنَا المُسَخَّرِينَ, مَنْ لا يُحْصِيهم عَدّ مِنَ الَّذِينَ رَفَعُوا رَايَاتنَا بالهِتَافِ، وكَانَت هذه الكَلِمَات دَائِمًا هي السُّوس الَّذِي يَنْخُر في رَفَاهِيَّتِهِم ويَقْتَلِع الأمْن والرَّاحَة مِنْ رُبُوعِهِم, ويَذْهَبُ بالهُدُوءِ ويَسْلُبهُم رُوحَ التَّضَامُن, وهذا سَاعَدنَا أيْضًا في إحْرَازِ النَّصْر, فَمِمَّا أعْطَانَا: المُكْنَة الَّتِي تَوَصَّلْنَا بِهَا إِلَى الوَرَقَةِ الرَّابِحَةِ ].
وفي مَوْضِعٍ خَامِسٍ [ وكَانَ مِنْ شَأنِ المَعْنَى المُجَرَّد لكَلِمَةِ (الحُرِّيَّة) أنْ عَضَّدَنَا في إقْنَاعِ الدّهْمَاء في جَمِيعِ البُلْدَان أنَّ حُكُومَاتهم مَا هي إلاَّ حَارِس الشَّعْب، والشَّعْب هُوَ صَاحِب القَضِيَّة, فَالحَارِس يُمْكِن تَغْيِيرهُ وتَبْدِيلهُ, كَقُفَّازٍ قَدِيمٍ نُبِذَ وجِئَ بجَدِيدٍ، وإنَّمَا هي هذه المُكْنَة -مُكْنَة تَبْدِيل مُمَثِّلِي الشَّعْب- مَا جَعَلَ المُمَثِّلِينَ طَوْع أمْرنَا, وأعْطَانَا سُلْطَة تَسْخِيرهم ].
وعَلَى صَعِيدٍ آخَر يَقُولُ المُنَصِّرُ زويمر [ إنَّ الشَّجَرَة يَنْبَغِي أنْ يَقْطَعَهَا أحَدُ أعْضَائِهَا ]، ويَقُولُ مُوَضِّحًا أيْضًا [ إنَّ خِبْرَةَ الصَّيَّادِينَ تَعْرِف أنَّ الفِيَلَةَ لا يَقُودهَا إِلَى سِجْنِ الصَّيَّاد المَاكِر إلاَّ فِيلٌ عَمِيلٌ أُتْقِنَ تَدْرِيبهُ لِيَتَسَلَّلَ بَيْنَ القَطِيع فَيَألَفُهُ القَطِيعُ لأنَّ جِلْدَهُ مِثْل جِلْدهم ويَسْمَعُونَ لَهُ لأنَّ صَوْتَهُ يُشْبِهُ صَوْتهم فَيَتَمَكَّن مِنَ التَّغْرِيرِ بهم وسُوقِهم إِلَى حَظِيرَةِ الصَّيَّاد ].
وفي مَوْضِعٍ آخَر قَالُوا [ الحُرِّيَّةُ السِّيَاسِيَّةُ إنَّمَا هي فِكْرَة مُجَرَّدَة، ولا وَاقِع حَقِيقِيّ لَهَا، وهذه الفِكْرَة وهي الطُّعْم في الشَّرَكِ، عَلَى الوَاحِدِ مِنَّا أنْ يَعْلَمَ كَيْفَ يَجِب أنْ يُطَبِّقَهَا حَيْثُ تَدْعُو الضَّرُورَة، لاسْتِغْوَاءِ الجَمَاعَات والجَمَاهِير إِلَى حِزْبِهِ، ابْتِغَاءَ أنْ يَقُومَ هذا الحِزْب فَيَسْحَق الحِزْب المُنَاوِئ لَهُ وهُوَ الحِزْب الَّذِي بيَدِهِ الحُكُومَة والسُّلْطَة.
وهذا العَمَل إنَّمَا يُصْبِح أهْوَن وأيْسَر إِذَا كَانَ الخِصْمُ المُرَاد البَطْش بِهِ قَدْ أخَذَتْهُ عَدْوَى فِكْرَة الحُرِّيَّة المُسَمَّاة باسْمِ لِيبْرَالِيَّة، وهذا الحِزْب مُسْتَعِدٌّ مِنْ أجْلِ إدْرَاك هذه الفِكْرَة المُجَرَّدَة أنْ يَنْزِلَ عَنْ بَعْضِ سُلْطَته، وهُنَا جَزْمًا يَكُون مَطْلَع انْتِصَار فِكْرَتنَا، وتَحْصُل حِينَئِذٍ حَالٍ أُخْرَى: فَمَا للحُكُومَةِ مِنْ زِمَامٍ، يَكُون قَدِ اسْتَرْخَى وأخَذَ بالانْحِلاَلِ فَوْرًا، وهذا مِنْ عَمَلِ قَانُون الحَيَاة، فَتَتَسَلَّط اليَد الجَدِيدَة عَلَى الزِّمَامِ وتَجْمَع بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ وتُقِيمهُ، لأنَّ القُوَّةَ العَمْيَاء في الأُمَّةِ لا تَقْوَى عَلَى البَقَاءِ يَوْمًا وَاحِدًا دُونَ أنْ يَكُونَ لَهَا مَوئِل يُهَيْمِنُ عَلَيْهَا بالضَّبْطِ والإرْشَادِ، ثُمَّ تَمْضِي الحُكُومَة الجَدِيدَة بالأمْرِ، وجُلّ مَا تَفْعَلهُ أنَّهَا تَحِلّ مَحَلّ الحُكُومَة السَّابِقَة الَّتِي نَهَكَتْهَا فِكْرَة اللِّيبْرَالِيَّة حَتَّى أوْدَت بِهَا.
هذا الطَّوْرُ كَانَ فِيمَا مَضَى، أمَّا اليَوْم فَالقُوَّة الَّتِي نَسَخَت قُوَّة الحُكَّام مِنْ أنْصَارِ اللِّيبْرَالِيَّة هي الذَّهَب، ولِكُلِّ زَمَانٍ إيِمَانٌ يَصِحُّ بصِحَّتِهِ، وفِكْرَة الحُرِّيَّة مُسْتَحِيلَة التَّحْقِيق عَلَى النَّاسِ، لأنَّ لَيْسَ فيهم مَنْ يَعْرِف كَيْفَ يَسْتَعْمِلهَا بحِكْمَةٍ وأنَاةٍ، وانْظُرُوا في هذا، فَإنَّكُم إِذَا سَلَّمْتُم شَعْبًا الحُكْم الذَّاتِيّ لوَقْتٍ مَا، فَإنَّهُ لا يَلْبَث أنْ تَغْشَاهُ الفَوْضَى، وتَخْتَلّ أُمُوره، ومِنْ هذه اللَّحْظَة فَصَاعِدًا يَشْتَدّ التَّنَاحُر بَيْنَ الجَمَاعَات والجَمَاهِير حَتَّى تَقَع المَعَارِك بَيْنَ الطَّبَقَات، وفي وَسطِ هذا الاضْطِرَاب تَحْتَرِق الحُكُومَات، ف إِذَا بِهَا كَوْمَة رَمَاد.
وهذه الحُكُومَة مَصِيرهَا الاضْمِحْلاَل، سَوَاءَ عَلَيْهَا أدَفَنَت هي نَفْسَهَا بالانْتِفَاضَاتِ الآكِلَة بَعْضهَا بَعْضًا مِنْ دَاخِلٍ، أمْ جَرَّهَا هذا بالتَّالِي إِلَى الوُقُوعِ في بَرَاثِن عَدُوٍّ مِنْ خَارِجٍ، فَعَلَى الحَالَتَيْنِ تُعْتَبَر أنَّهَا أُصِيبَت في مَقَاتِلِهَا، فَغَدَت أعْجَز مِنْ أنْ تَقْوَى عَلَى النُّهُوضِ لتُقِيلَ نَفْسَهَا مِنْ عَثْرَتِهَا، ف إِذَا بِهَا في قَبْضَةِ يَدنَا، وحِينَئِذٍ تَأتِي سُلْطَة رَأس المَال، وتَكُون جَاهِزَة، فَتَمُدّ هذه السُّلْطَة بطَرفِ حَبْلٍ خَفِيٍّ إِلَى تِلْكَ الحُكُومَة الجَدِيدَة لتَعْلَقَ بِهِ، طَوْعًا أمْ كَرْهًا، لحَاجَتِهَا المَاسَّة إلَيْهِ، فَإنْ لَمْ تَفْعَل هَوَت إِلَى القَعْرِ.
...
ولَعمْرِي كَيْفَ يَكُون مُمْكِنًا لَدَى أيِّ حَكِيمٍ بَصِيرٍ أنْ يَأمَلَ في إدْرَاكِ الفَلاَح والفَوْز في قِيَادَةِ الجَمَاهِير إِلَى حَيْثُ يُرِيد؛ إِذَا كَانَت عُدَّتهُ مَا هي إلاَّ الاعْتِمَاد عَلَى مُجَرَّدِ مَنْطِق الرَّأي والإرْشَاد والجَدَل والمَقَال حِينَمَا تَعْتَرِضُهُ مُقَاوَمَة، أو رَمَاهُ الخِصْم بعَوْرَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَت مِنَ التُّرَّهَات، وأصْغَت الجَمَاهِير إِلَى هذا، والجَمَاهِير لا تَذْهَب في تَحْلِيلِ الأُمُور إِلَى مَا هُوَ أبْعَد مِنَ الظَّاهِرِ السَّطْحِيّ؟... ].
...
وفي مَوْضِعٍ رَابِعٍ [ وفي جَمِيعِ جَنَبَاتِ الدُّنْيَا, كَانَ مِنْ شَأنِ كَلِمَات (حُرِّيَّة – عَدَالَة - مُسَاوَاة) أنِ اجْتَذَبَت إلي صُفُوفِنَا عَلَى يَدِ دُعَاتنَا وعُمَلاَئنَا المُسَخَّرِينَ, مَنْ لا يُحْصِيهم عَدّ مِنَ الَّذِينَ رَفَعُوا رَايَاتنَا بالهِتَافِ، وكَانَت هذه الكَلِمَات دَائِمًا هي السُّوس الَّذِي يَنْخُر في رَفَاهِيَّتِهِم ويَقْتَلِع الأمْن والرَّاحَة مِنْ رُبُوعِهِم, ويَذْهَبُ بالهُدُوءِ ويَسْلُبهُم رُوحَ التَّضَامُن, وهذا سَاعَدنَا أيْضًا في إحْرَازِ النَّصْر, فَمِمَّا أعْطَانَا: المُكْنَة الَّتِي تَوَصَّلْنَا بِهَا إِلَى الوَرَقَةِ الرَّابِحَةِ ].
وفي مَوْضِعٍ خَامِسٍ [ وكَانَ مِنْ شَأنِ المَعْنَى المُجَرَّد لكَلِمَةِ (الحُرِّيَّة) أنْ عَضَّدَنَا في إقْنَاعِ الدّهْمَاء في جَمِيعِ البُلْدَان أنَّ حُكُومَاتهم مَا هي إلاَّ حَارِس الشَّعْب، والشَّعْب هُوَ صَاحِب القَضِيَّة, فَالحَارِس يُمْكِن تَغْيِيرهُ وتَبْدِيلهُ, كَقُفَّازٍ قَدِيمٍ نُبِذَ وجِئَ بجَدِيدٍ، وإنَّمَا هي هذه المُكْنَة -مُكْنَة تَبْدِيل مُمَثِّلِي الشَّعْب- مَا جَعَلَ المُمَثِّلِينَ طَوْع أمْرنَا, وأعْطَانَا سُلْطَة تَسْخِيرهم ].
وعَلَى صَعِيدٍ آخَر يَقُولُ المُنَصِّرُ زويمر [ إنَّ الشَّجَرَة يَنْبَغِي أنْ يَقْطَعَهَا أحَدُ أعْضَائِهَا ]، ويَقُولُ مُوَضِّحًا أيْضًا [ إنَّ خِبْرَةَ الصَّيَّادِينَ تَعْرِف أنَّ الفِيَلَةَ لا يَقُودهَا إِلَى سِجْنِ الصَّيَّاد المَاكِر إلاَّ فِيلٌ عَمِيلٌ أُتْقِنَ تَدْرِيبهُ لِيَتَسَلَّلَ بَيْنَ القَطِيع فَيَألَفُهُ القَطِيعُ لأنَّ جِلْدَهُ مِثْل جِلْدهم ويَسْمَعُونَ لَهُ لأنَّ صَوْتَهُ يُشْبِهُ صَوْتهم فَيَتَمَكَّن مِنَ التَّغْرِيرِ بهم وسُوقِهم إِلَى حَظِيرَةِ الصَّيَّاد ].
قَالَ تَعَالَى [ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ]
فَمَتَى نَفِيقُ؟؟
والآن مَعَ الأَخْطَاءِ الثَّلاَثَةِ الَّتِي حَدَثَتْ ومَازَالَتْ في المُنْتَدَى.
تعليق