إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

    المشاركة الأصلية بواسطة tears of heart مشاهدة المشاركة
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    أرى من وجهة نظرى أنها ممكن تكون إتنين فى الأسبوع وليس كل اسبوع مره
    وبهذا جمعنا بين الأمرين إذا تم وضع فتوتان فى الأسبوع سيكون الأمر يسيراً على من يتابع الموضوع وفى نفس الوقت فى فترات متباينه قريبه من بعضها ولكن فتوى واحده كل اسبوع أرى ان المده طويله بعض الشئ
    وجزاكم الله خيراً.
    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    الأُخْتُ الفَاضِلَةُ / tears of heart
    السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه
    جَزَاكُم اللهُ خَيْرًا عَلَى هذا الاقْتِرَاحِ الطَّيِّبِ، وبإذْنِ الله ألْتَزِمُ بِهِ.
    والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه

    تعليق


    • #17
      رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

      جزيتم خيرااا

      تعليق


      • #18
        رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

        مَسَائِلٌ في الإفْتَاءِ والاسْتِفْتَاءِ والتَّقْلِيدِ


        السُّؤَالُ: قَرَأتُ في مَسْألَةِ الاخْتِلاَفِ السَّائِغِ: عَلَيَّ النَّظَرُ في الدَّلِيلِ، ثُمَّ إتِّبَاعُ العَالِمِ الَّذِي أرَاهُ أعْلَمَ وأوْثَقَ.
        لَكِنَّ لِيَ بَعْضُ التَّسَاؤُلاَتِ:
        1. هَلْ أنَا مُؤَهَّلٌ للنَّظَرِ في الأدِلَّةِ أمْ لا؟ فَإنِّي في بِدَايَةِ طَلَبِ العِلْمِ الَّذِي يَنْفَعُنِي ولَمْ أبْدَأْ بحِفْظِ القُرْآنِ ودِرَاسَةِ أُصُولِ الفِقْهِ؟
        2. هَلْ يَجُوزُ لِي أنْ أتَّبِعَ مَوْقِعَ إنْتَرْنِت ثِقَةً يُشْرِفُ عَلَيْهِ عَالِمٌ ثِقَةٌ عِوَضًا عَنِ اتِّباعِ عَالِمٍ؟
        3. في حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ الحُكْمِ في مَسْألَةٍ مُعَيَّنَةٍ عِنْدَ العَالِمِ الَّذِي أتَّبِعُهُ: هَلْ يَجُوزُ لِي أنْ آخُذَ الحُكْمَ مِنْ عَالِمٍ آخَرٍ؟
        4. في حَالَةِ وُجُودِ الحُكْمِ في مَسْألَةٍ مُعَيَّنَةٍ عِنْدَ عَالِمٍ ثِقَةٍ؛ لَكِنْ لَيْسَ الَّذِي أتَّبِعُهُ، هَلْ عَلَيَّ البَحْثُ عَلَى الحُكْمِ عِنْدَ العَالِمِ الَّذِي أتَّبِعُهُ أمْ أكْتَفِي بهذا العَالِمِ الثِّقَةِ؟
        5. هَلْ يَجُوزُ اخْتِيَارُ العَالِمِ الَّذِي أقْرَبُ إلى (فِقْهِ الوَاقِعِ) و (تَيَسَّرَ الوُصُولُ إلَيْهِ) ولَيْسَ الَّذِي أرَاهُ أعْلَمَ وأوْثَقَ؟
        6. إذا كَانَ العَالِمُ الَّذِي أرَاهُ أعْلَمَ وأوْثَقَ قَدْ تُوُفِّيَ - رَحِمَ اللهُ جَمِيعَ عُلَمَاءِ أهْلِ السُّنَّةِ - هَلْ يَجُوزُ اخْتِيَارُ عَالِمٍ حَيٍّ خَاصَّةً للاسْتِفْتَاءِ؟
        7. وهَلْ أُعِيدُ أخْذَ الفَتَاوَى الَّتي أخَذْتُهَا سَابِقًا مِنَ العَالِمِ الَّذِي أتَّبِعُهُ؟
        8. في الاسْتِفْتَاءِ - خَاصَّةً في المُعَامَلاَتِ - هَلْ يَجُوزُ اسْتِفْتَاءُ عِدَّةِ عُلَمَاءٍ أمِ الأفْضَلُ اسْتِفْتَاءُ عَالِمٍ وَاحِدٍ فَقَطْ لمَعْرِفَةِ هذا العَالِمِ بِي عَلَى العَكْسِ عِنْدَ اسْتِفْتَاءِ عِدَّةِ عُلَمَاءٍ؟ وهَلْ في هذا تَأثِيرٌ عَلَى الفَتْوَى مِنْ بَابِ المَصَالِحِ والمَفَاسِدِ أو فِقْهِ الأوْلَوِيَّاتِ أو فِقْهِ النَّفْسِ؟
        فَأفْتُونِي بَارَكَ اللهُ فِيكُمْ وجَزَاكُمُ اللهُ خَيْرَ الجَزَاءِ.
        الجَوَابُ:
        الحَمْدُ للهِ؛؛
        أوَّلاً: إذا كُنْتَ في أوَّلِ طَلَبِ العِلْمِ، ولَمْ تَبْدَأْ بَعْدُ بحِفْظِ القُرْآنِ، ولا أنْتَ عَلَى عِلْمٍ بعُلُومِ الآلَةِ، فَالَّذِي يَنْبَغِي عَلَيْكَ أنْ تَبْدَأَ أوَّلاً بحِفْظِ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وإتْقَانِ تِلاَوَتِهِ، ومَعْرِفَةِ مَعَانِي كَلِمَاتِهِ، ثُمَّ الاهْتِمَامِ بتَعَلُّمِ تَفْسِيرِهِ، ومَعْرِفَةِ فِقْهِهِ وأحْكَامِهِ، وهذا كُلُّهُ يَتَطَلَّبُ مِنْكَ إلْمَامًا مُنَاسِبًا بعُلُومِ الآلَةِ: اللُّغَةُ وعُلُومُهَا، وأُصُولُ الفِقْهِ، ونَحْوِ ذَلِكَ.

        فإذا فَرَغْتَ مِنْ حِفْظِ القُرْآنِ فَاجْتَهِدْ في أنْ تَحْفَظَ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، خَاصَّةً أحَادِيثُ الأحْكَامِ؛ ويُفَضَّلُ أنْ تَبْدَأَ أوَّلاً بحِفْظِ شَيْءٍ يَسِيرٍ، كَالأرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ، ثُمَّ بَعْدهَا تَشْرَعُ في حِفْظِ مَا هُوَ أكْبَرُ، إمَّا مِنْ مُتُونِ أحَادِيثِ الأحْكَامِ، كَعُمْدَةِ الأحْكَامِ للحَافِظِ عَبْدُ الغَنِيِّ المَقْدِسِيِّ، أو بُلُوغِ المرَامِ للحَافِظِ ابْنُ حَجَرٍ، أو مُنْتَقَى الأخْبَارِ لمَجْدِ الدِّين ابْنِ تَيْمِيَّةَ، ولَوْ شَرَعْتَ في حِفْظِ الأحَادِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنَ اللُّؤْلُؤِ والمَرْجَانِ أو الجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فَهُوَ حَسَنٌ.

        والَّذِي يَنْبَغِي عَلَيْكَ أنْ تَشْغَلَ بِهِ نَفْسَكَ في هذه المَرْحَلَةِ: أنْ تَحْفَظَ، وتُحَصِّلَ مَا تَسْتَطِيعُهُ مِنَ العُلُومِ، وأنْتَ في سِنِّ الطَّلَبِ والتَّحْصِيلِ، قَبْلَ أنْ تَتَقَدَّمَ سِنُّكَ، وتَكْثُرَ مَشَاغِلُكَ، ويَضْعُفَ حِفْظُكَ.

        وأمَّا أنْ تَشْغَلَ نَفْسَكَ بالبُحُوثِ المُطَوَّلَةِ في المَسَائِلِ الخِلاَفِيَّةِ، والنَّظَرِ في أدِلَّةِ كُلِّ قَوْلٍ: فهذا مِمَّا لا يُفِيدُك كَبِيرَ شَيْءٍ في هَذه المَرْحَلَةِ، ولا أنْتَ مُؤَهَّلٌ لَهُ، وسَوْفَ يَفُوتُ عَلَيْكَ بسَبَبِهِ مَا هُوَ أوْلَى بِكَ مِنْهُ.

        عَلَى أنَّ هُنَاكَ مِنَ المَسَائِلِ الوَاضِحَاتِ الَّتي تَعْتَرِضُ طَالِبَ العِلْمِ، رُبَّمَا لا يَحْتَاجُ فِيهَا إلى كَبِيرِ اجْتِهَادٍ، أو تَضْيِيعِ زَمَانٍ في تَتَبُّعِ أقْوَالِ المَذَاهِبِ، ودَلاَلَةُ النُّصُوصِ عَلَيْهَا ظَاهِرَةٌ، مَثَلُ كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ السُّنَنِ المُسْتَحَبَّاتِ، وفَضَائِلِ العِبَادَاتِ، والأحْكَامِ الوَاضِحَةِ: فهذه لا يَسْتَغْنِي طَالِبُ العِلْمِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا، ومُرَاجَعَةِ أدِلَّتِهَا، مَعَ أنَّهُ في ذَلِكَ كُلِّهِ سَوْفَ يَكُونُ آخِذًا مِنْ أهْلِ العِلْمِ الَّذِينَ مَهَّدُوا لَهُ الطَّرِيقَ؛ فَمُجَرَّدُ تَرْجَمَةِ العَالِمِ عَلَى الحَدِيثِ أو الآيَةِ: بَابُ اسْتِحْبَابِ كَذَا أو وُجُوبُ كَذَا أو كَرَاهَةُ كَذَا أو تَحْرِيمُ كَذَا؛ كُلُّ ذَلِكَ هُوَ نَوْعُ دِلاَلَةٍ، وتَمْهِيدٌ لَهُ لفَهْمِ النَّصِّ ومَعْرِفَةِ مَدْلُولِهِ.


        ثَانِيًا: الوَاجِبُ عَلَى العَامِيِّ، أو طَالِبِ العِلْمِ الَّذِي لَمْ يَتَأهَّلْ للنَّظَرِ أنْ يَرْجِعَ في أمْرِ دِينِهِ والنَّوَازِلِ الَّتي تُوَاجِهُهُ إلى أهْلِ العِلْمِ الثِّقَاتِ، فَيَسْأَلُهُمْ ويُصَدِّرُ عَنْ كَلاَمِهِمْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى [ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 43 بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 44 ] (النَّحْلُ/43-44)، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ سَعْدِيٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ [ وعُمُومُ هذه الآيَةِ فِيهَا مَدْحُ أهْلِ العِلْمِ، وأنَّ أعْلَى أنْوَاعِهِ العِلْمُ بكِتَابِ اللهِ المُنَزَّلِ؛ فَإنَّ اللهَ أمَرَ مَنْ لا يَعْلَمُ بالرُّجُوعِ إلَيْهِمْ في جَمِيعِ الحَوَادِثِ، وفي ضِمْنِهِ تَعْدِيلٌ لأهْلِ العِلْمِ وتَزْكِيَةٌ لَهُمْ حَيْثُ أمَرَ بسُؤَالِهِمْ، وأنَّ بذَلِكَ يَخْرُجُ الجَاهِلُ مِنَ التَّبِعَةِ، فَدَلَّ عَلَى أنَّ اللهَ ائْتَمَنَهُمْ عَلَى وَحْيِهِ وتَنْزِيلِهِ ... ] مِنْ تَفْسِيرِ السَّعْدِيِّ (ص441)، وقَالَ شَيْخُ الإسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ [ واجْتِهَادُ العَامَّةِ هُوَ طَلَبُهُمُ العِلْمِ مِنَ العُلَمَاءِ، بالسُّؤَالِ والاسْتِفْتَاءِ، بحَسْبِ إمْكَانِهِمْ ] جَامِعُ الرَّسَائِلِ (2/318).

        والرُّجُوعُ إلى المَوَاقِعِ العِلْمِيَّةِ المَوْثُوقَةِ، والَّتي يَقُومُ عَلَيْهَا مَنْ تَثِقُ فِيهِ مِنْ أهْلِ العِلْمِ: هُوَ نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ الرُّجُوعِ إلى أهْلِ العِلْمِ، واسْتِفْتَائِهِمْ، غَيْرَ أنَّهُ في الوَاقِعِ لا يُغْنِي عَنِ الرُّجُوعِ المُبَاشِرِ إلى أهْلِ العِلْمِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُمْكِنُكَ الوُصُولُ إلَيْهِمْ، والتَّعَلُّمُ مِنْهُمْ، ومُنَاقَشَتُهُمْ بصُورَةٍ مُبَاشِرَةٍ فِيمَا يَنْزِلُ بِكَ أو تَسْتَشْكِلُهُ، وهذا كُلُّهُ – بالطَّبْعِ - بحَسْبِ اسْتِطَاعَةِ كُلِّ إنْسَانٍ، ومَا تَسْمَحُ بِهِ ظُرُوفُ بَلَدِهِ، وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى [ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ] (التَّغَابُن/16).


        ثَالِثًا: في حَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ الحُكْمِ في مَسْألَةٍ مَا عِنْدَ مَنْ تَسْتَفْتِيهِ في دِينِكَ مِمَّنْ تَرْضَى دِينَهُ وعِلْمَهُ: فَإنَّهُ لا حَرَجَ في الانْتِقَالِ إلى مُفْتٍ آخَرٍ يَتَّصِفُ بمُوَاصَفَاتِ المُفْتِيِّ الأوَّلِ الَّذِي ارْتَضَيْتَ دِينَهُ وعِلْمَهُ – فِيمَا تَرَى وتَعْلَمُ عَنْهُ -، وإنَّمَا المَحْظُورُ هُوَ أنْ يَكُونَ الانْتِقَالُ لمُجَرَّدِ الهَوَى والبَحْثِ عَنِ الرُّخْصَةِ؛ فَإنَّ هَذا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، قَالَ شَيْخُ الإسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ [ مَنِ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا ثُمَّ فَعَلَ خِلاَفَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لعَالِمٍ آخَرٍ أفْتَاهُ، ولا اسْتِدْلاَلٍ بدَلِيلٍ يَقْتَضِي خِلاَفَ ذَلِكَ، ومِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ: فَإنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لهَوَاهُ، وعَامِلاً بغَيْرِ اجْتِهَادٍ ولا تَقْلِيدٍ، فَاعِلاً للمُحَرَّمِ بغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، فهذا مُنْكَرٌ ] مَجْمُوع الفَتَاوَى (20/220).


        رَابِعًا: الأصْلُ في المُقَلِّدِ أنْ لا يَتَحَوَّلَ عَنْ إمَامِهِ الَّذِي يُقَلِّدُهُ إلاَّ إنْ كَانَ ثَمَّةُ عُذْرٍ لَهُ في ذَلِكَ، كَأنْ تَكُونَ المَسْألَةُ لَمْ يَتَطَرَّقْ لَهَا عَالِمُهُ – كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا -، أو يَكُونُ رَأى غَيْرَهُ أعْلَمَ مِنْهُ في هَذِهِ المَسْألَةِ تَحْدِيدًا، فَمِثْلُ هذا يَكُونُ مَعْذُورًا في البَحْثِ عَنِ الفَتْوَى عِنْدَ عَالِمٍ آخَرٍ غَيْرَ الَّذِي يُقَلِّدُهُ في الأصْلِ، قَالَ شَيْخُ الإسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ [ فإذا تَرَجَّحَ عِنْدَ المُسْتَفْتِي أحَدُ القَوْلَيْنِ: إمَّا لرُجْحَانِ دَلِيلِهِ - بحَسْبِ تَمْيِيزِهِ - وإمَّا لكَوْنِ قَائِلِهِ أعْلَمَ وأوْرَعَ: فَلَهُ ذَلِكَ وإنْ خَالَفَ قَوْلُهُ المَذْهَبَ ] مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (33/168)، وقَالَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ [ وأمَّا إنْ كَانَ انْتِقَالُهُ مِنْ مَذْهَبٍ إلى مَذْهَبٍ لأمْرٍ دِينِيٍّ، مِثْلُ أنْ يَتَبَيَّنَ رُجْحَانُ قَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ، فَيَرْجِعُ إلى القَوْلِ الَّذِي يَرَى أنَّهُ أقْرَبُ إلى اللهِ ورَسُولِهِ: فَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ؛ بَلْ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أحَدٍ إذا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللهِ ورَسُولِهِ في أمْرٍ ألاَّ يَعْدِلَ عَنْهُ ولا يَتَّبِعَ أحَداً في مُخَالَفَةِ اللهِ ورَسُولِهِ؛ فَإنَّ اللهَ فَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى كُلِّ أحَدٍ في كُلِّ حَالٍ ... ] مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (20/223).


        خَامِسًا: إنَّ العَالِمَ الشَّرْعِيَّ الَّذِي يَكُونُ أهْلاً لأنْ يُسْتَفْتَى لا يَكُونُ كَذَلِكَ وهُوَ يَجْهَلُ وَاقِعَ مَا يُفْتِي بِهِ؛ فَإنَّ العِلْمَ بالوَاقِعِ مِنْ شُرُوطِ الفَتْوَى، قَالَ العَلاَّمَةُ ابْنُ القَيِّمِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ [ ولا يَتَمَكَّنُ المُفْتِي ولا الحَاكِمُ مِنَ الفَتْوَى والحُكْمِ بالحَقِّ إلاَّ بنَوْعَيْنِ مِنَ الفَهْمِ: أحَدُهُمَا: فَهْمُ الوَاقِعِ والفِقْهِ فِيهِ، واسْتِنْبَاطُ عِلْمِ حَقِيقَةِ مَا وَقَعَ، بالقَرَائِنِ، والأمَارَاتِ، والعَلاَمَاتِ، حتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا، والنَّوْعُ الثَّانِي: فَهْمُ الوَاجِبِ في الوَاقِعِ, وهُوَ فَهْمُ حُكْمِ اللهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ، في كِتَابِهِ، أو عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ في هَذا الوَاقِعِ، ثُمَّ يُطَبِّقُ أحَدَهُمَا عَلَى الآخَر ] إعْلاَمُ المُوَقِّعِينَ (1/87)، فإذا كَانَ قَصْدُ السَّائِلِ هُوَ مَا فَهِمْنَا عَنْهُ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ مَلاَمَةٌ ولاَ حَرَجٌ، وأمَّا إنْ كَانَ يَقْصِدُ بـ (فِقْهِ الوَاقِعِ) مَنْ يَشْتَغِلُ بمُتَابَعَةِ الأخْبَارِ السِّيَاسِيَّةِ ويُحَلِّلُهَا ويُنَاظِرُ فِيهَا: فهَذِهِ الأُمُورُ لا تُؤَهِّلُ صَاحِبَهَا للحُكْمِ في مَسَائِلِ الشَّرْعِ إنْ كَانَ خَالِيًا مِنَ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ، فَالعِلْمُ بالأخْبَارِ العَالَمِيَّةِ السَّبْقِ فِيهِ للمُتَفَرِّغِ لمُتَابَعَتِهَا، والتَّحْلِيلُ السِّيَاسِيُّ يُحْسِنُهُ الكُفَّارُ كَمَا يُحْسِنُهُ المُسْلِمُونَ، فَلَيْسَ هذا مِمَّا يَجْعَلُ العَالِمَ بذَلِكَ الوَاقِعِ مُؤَهَّلاً للإفْتَاءِ، ولَيْسَ لَكَ أنْ تُقَدِّمَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أهْلِ العِلْمِ الثِّقَاتِ، وإنَّ هَؤُلاَءِ العُلَمَاءَ الثِّقَاتِ يَتَوَرَّعُونَ عَنِ القَوْلِ فِيمَا لاَ يَعْرِفُونَهُ، فَإمَّا تَكُونُ مِنْهُمْ إحَالَةٌ عَلَى شَخْصٍ بعَيْنِهِ أو هَيْئَةٍ بعَيْنِهَا، أو تَخْتَارُ أنْتَ غَيْرَهُ لَكِنْ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الشُّرُوطِ وهُوَ أنْ يَكُونَ في ظَنِّكَ أكْثَرَ عِلْمًا وأكْثَرَ دِيَانَةً.


        سَادِسًا: إذا كَانَ العَالِمُ الَّذِي تَتَّبِعُ فَتْوَاهُ وتَأخُذُ مِنْهُ العِلْمَ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ أو عِلْمٌ مَنْقُولٌ مَحْفُوظٌ أو أشْرِطَةٌ مُسَجَّلَةٌ: فَلاَ فَرْقَ أنْ يَكُونَ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ أو مَيْتًا، ولاَ حَاجَةَ إلى إعَادَةِ اسْتِفْتَاءِ عَالِمٍ آخَرٍ حَيٍّ في نَفْسِ النَّازِلَةِ، قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ [ وَلَهُ - أَيْ وَلِلْعَامِّيِّ – تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ مَيِّتٍ كَتَقْلِيدِ حَيٍّ؛ لأَنَّ قَوْلَهُ بَاقٍ فِي الإِجْمَاعِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَفِيهِ يَقُولُ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (الْمَذَاهِبُ لا تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا) ] شَرْحُ الكَوْكَبِ المُنِيرِ (4/513)، وأمَّا إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، أو احْتَجْتَ لمَسْألَةٍ لَمْ تَجِدْهَا عِنْدَهُ في كِتَابٍ ولَمْ تَسْمَعْهَا مِنْهُ مِنْ قَبْلُ: فَكَيْفَ سَيَكُونُ طَرِيقُ مَعْرِفَتِكَ لحُكْمِ اللهِ إلاَّ بسُؤَالِ عَالِمٍ تَثِقُ بدِينِهِ وعِلْمِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ، فَتَسْألُهُ، فَيُجِيبُكَ.

        وهُنَا نُؤَكِّدُ للأخِ السَّائِلِ – ولغَيْرِهِ – لَيْسَ في دِينِ اللهِ تَعَالَى مَا يُوجِبُ عَلَيْكَ إتِّبَاعُ عَالِمٍ بعَيْنِهِ، بَلْ كُلُّ مَنْ تَسْمَعُ مِنْهُ حُكْمَ اللهِ في مَسْألَةٍ وتَرَى أنَّهُ يَصْلُحُ للفَتْوَى: فَخُذْ بقَوْلِهِ إذا كَانَ عِنْدَكَ مِنْ أهْلِ العِلْمِ والدِّينِ، قَالَ شَيْخُ الإسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ [ وإذا نَزَلَتْ بالمُسْلِمِ نَازِلَةٌ: فَإنَّهُ يَسْتَفْتِي مَنِ اعْتَقَدَ أنَّهُ يُفْتِيهِ بشَرْعِ اللهِ ورَسُولِهِ مِنْ أيِّ مَذْهَبٍ كَانَ، ولا يَجِبُ عَلَى أحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ تَقْلِيدُ شَخْصٍ بعَيْنِهِ مِنَ العُلَمَاءِ في كُلِّ مَا يَقُولُ، ولا يَجِبُ عَلَى أحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ الْتِزَامُ مَذْهَبِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في كُلِّ مَا يُوجِبُهُ ويُخْبِرُ بِهِ، بَلْ كُلُّ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ويُتْرَكُ إلاَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وإتِّبَاعُ شَخْصٍ لمَذْهَبِ شَخْصٍ بعَيْنِهِ لعَجْزِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ: إنَّمَا هُوَ مِمَّا يَسُوغُ لَهُ لَيْسَ هُوَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أحَدٍ إذا أمْكَنَهُ مَعْرِفَةُ الشَّرْعِ بغَيْرِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ، بَلْ كُلُّ أحَدٍ عَلَيْهِ أنْ يَتَّقِيَ اللهَ مَا اسْتَطَاعَ ويَطْلُبُ عِلْمًا مَا أمَرَ اللهُ بِهِ ورَسُولُهُ، فَيَفْعَلُ المَأمُورَ ويَتْرُكُ المَحْظُورَ ] مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (20/208، 209).


        سَابِعًا: إذا انْتَقَلْتَ إلى عَالِمٍ حَيٍّ، وصِرْتَ تَأخُذُ مِنْهُ الفَتْوَى: فَلا تُعِدْ مَسَائِلَكَ الَّتي أخَذْتَهَا مِنَ الأوَّلِ عَلَى هذا الثَّانِي، إلاَّ بالشُّرُوطِ الَّتي ذَكَرْنَاهَا سَابِقًا، وهُوَ أنَّكَ تَرَى أنَّ هذا الثَّانِيَّ أعْلَمُ مِنَ الأوَّلِ، فَإنْ كُنْتَ تَرَاهُ أعْلَمَ عُمُومًا فَلَكَ إعَادَةُ المَسَائِلِ الَّتي أخَذْتَهَا عَنِ الأوَّلِ عَلَيْهِ، وإنْ كُنْتَ تَرَاهُ أعْلَمَ في جَوَانِبٍ مُعَيَّنَةٍ – كَالمُعَامَلاَتِ الاقْتِصَادِيَّةِ – فَلاَ تُعِدْ إلاَّ المَسَائِلَ مِنْ هذا الجِنْسِ دُونَ غَيْرِهَا، وهَكَذَا تُشْرَعُ الإعَادَةُ إذا وَقَعَتْ في الصَّدْرِ حَزَازَةٌ وتَرَدُّدٌ مِنْ فَتْوَى الأوَّلِ، والمُهِمُّ في كُلِّ مَا سَبَقَ أنْ لا يَكُونَ إعَادَةُ المَسَائِلِ عَلَى الآخَرِ والانْتِقَالُ إلَيْهِ دَافِعَهُ الهَوَى وتَتَبُّعَ الرُّخَصِ، وإنَّمَا لعُذْرٍ ولِمَا تَرَاهُ أنَّهُ أعْلَمُ وأوْثَقُ. انْتَهَى


        نَقْلاً عَنْ مَوْقِعِ الإسْلاَم سُؤَال وجَوَاب

        تعليق


        • #19
          رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

          بَلْ كُلُّ أحَدٍ عَلَيْهِ أنْ يَتَّقِيَ اللهَ مَا اسْتَطَاعَ ويَطْلُبُ عِلْمًا مَا أمَرَ اللهُ بِهِ ورَسُولُهُ، فَيَفْعَلُ المَأمُورَ ويَتْرُكُ المَحْظُورَ

          جزاكم الله خيراً على هذا العلم النافع
          بارك الله فيكم ونفع بكم وننتظر لنتعلم كل ماهو مفيد.علمنا الله بما ينفعنا ورزقنا العمل بما علمنا وزادنا علما,
          اللهم آمين.

          اللهم ردنا إليك رداً جميلاً واصنعنا على أعينك
          وجعلنا لك كما تحب وترضى

          اللهم املأ قلبي حبا لك وإقبالا عليك وحياء منك
          اللهم ارزقنا حسن أتباع الرسول صل الله عليه وسلم فى الدين والخلق..والحمدلله رب العالمين

          سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

          تعليق


          • #20
            رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

            بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
            الإخْوَةُ والأخَوَاتُ الكِرَامُ
            السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه
            أعْتَذِرُ لَكُم شَدِيد الاعْتِذَار عَنْ تَأخُّرِي في وَضْعِ الفَتْوَى أمْس، فَلَقْد شُغِلْتُ اليَوْم بطُولِهِ، وسَأضَعُهَا الآن بإذْنِ الله، فَالْتَمِسُوا لِيَ العُذْر، وبمُنَاسَبَةِ الْتِمَاس العُذْر، يَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ قَوْلُهُم [ الْتَمِسَ لأخِيكَ بِضْعٌ وسَبْعُونَ عُذْرًا ] أو [ بِضْعٌ وسِتُّونَ عُذْرًا ]، ويَتَوَهَّمُونَ أنَّهُ حَدِيث نَبَوِيّ، وهُوَ لَيْسَ بحَدِيثٍ، بَلْ هُوَ مِنَ المَوْضُوعَاتِ المَكْذُوبَاتِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولا يَصِحُّ قَوْلُهُ إلاَّ مَقْرُونًا ببَيَانِ وَضْعِهِ، لَكِنْ مَعْنَاهُ طَيِّب قَالَ بِهِ بَعْضُ السَّلَف الصَّالِح، كَقَوْلِهِم [ الْتَمِسَ لأخِيكَ حتى سَبْعِينَ عُذْرًا، فَإنْ لَمْ تَجِدْ لَهُ عُذْر فَقُلْ: لَعَلَّ لَهُ عُذْرًا لَمْ أُدْرِكْهُ ]، والشَّيْءُ بالشَّيْءِ يُذْكَرُ.
            والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه

            تعليق


            • #21
              رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

              هَلْ أُغْلِقَ بَاب الاجْتِهَاد؟



              السُّؤَالُ: هَلْ مَا زَالَ بَاب الاجْتِهَاد مَفْتُوحًا؟
              الجَوَابُ:
              الحَمْدُ لله؛
              الاجْتِهَاد لُغَةً: مَأخُوذ مِنَ الجَهْدِ، وهُوَ المَشَقَّة، أو الوِسْع، أو الطَّاقَة.

              وأمَّا الاجْتِهَاد عِنْدَ عُلَمَاء الفِقْه أو الأُصُول: فَقَدْ عَرَّفُوه بتَعَارِيفٍ مُتَقَارِبَةٍ في ألْفَاظِهَا ومَعَانِيهَا، وكُلّهَا تَدُور حَوْلَ بَذْل الجَهْد والطَّاقَة لمَعْرِفَة الحُكْم الشَّرْعِيّ مِنْ دَلِيلِهِ، وأدَقُّ مَا قِيلَ في تَعْرِيفِهِ أنَّ الاجْتِهَاد هُوَ [ بَذْل الطَّاقَة مِنَ الفَقِيهِ في تَحْصِيلِ حُكْم شَرْعِيّ ظَنِّيّ ] المَوْسُوعَة الفِقْهِيَّة (1/18).

              ولَمْ تَزَل الأُمَّة تَمُرّ عَلَيْهَا النَّوَازِل، ويَحْتَاج المُسْلِمُون إلى مَعْرِفَةِ حُكْم الله تَعَالَى فِيهَا، ولا يَتِمّ ذَلِكَ إلاَّ بالاجْتِهَادِ في النَّظَرِ في الأدِلَّةِ الشَّرْعِيَّة لمَعْرِفَةِ الحُكْم الشَّرْعِيّ لَهَا، وقَدْ اجْتَهَدَ الصَّحَابَة رَضِيَ الله عَنْهُم في مَعْرِفَةِ الأحْكَام الشَّرْعِيَّة، واجْتَهَدَ التَّابِعُون ومِنْ بَعْدِهِم العُلَمَاء ونُقِلَت إلَيْنَا اجْتِهَادَاتهم.

              وفي أوَائِلِ القَرْن السَّادِس ظَهَرَت الدَّعْوَة إلى غَلْقِ بَاب الاجْتِهَاد، وكَانَ مِنْ أسْبَابِ ذَلِكَ: التَّعَصُّب الَّذِي وُجِدَ في تِلْكَ العُصُور لمَذَاهِبِ الأئِمَّة، حتى قَالَ البَعْض بالمَنْعِ مِنَ الخُرُوجِ عَنْ أقْوَالِ الأئِمَّة المُدَوَّنَة في كُتُبِهِم وكُتُبِ أتْبَاعهم، فَأطْلَقُوا تِلْكَ الدَّعْوَى (غَلْق بَاب الاجْتِهَاد) حتى يَقْطَعُوا الطَّرِيق أمَامَ مَنْ يَجْتَهِد في فَهْمِ النُّصُوص ويَسْتَنْبِط أحْكَامَاً تُخَالِف مَا قَالَهُ الأئِمَّة السَّابِقُون.

              ومِمَّا لا شَكَّ فِيهِ أنَّ هذه الدَّعْوَى غَيْر صَحِيحَة، فَهُنَاكَ الكَثِير والكَثِير مِنَ المَسَائِلِ المُسْتَجَدَّات يَحْتَاج النَّاس إلى بَيَانِ حُكْم الله تَعَالَى فِيهَا، ولَمْ يَتَكَلَّم فِيهَا الأئِمَّة السَّابِقُون، لأنَّهَا لَمْ تَكُن مَوْجُودَة في زَمَنِهِم، فَالقَوْل بإغْلاقِ بَاب الاجْتِهَاد يَعْنِي أنْ يَبْقَى المُسْلِمُون لا يَعْلَمُونَ حُكْم الله في وَقَائِعٍ كَثِيرَةٍ ومَسَائِلٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ القَائِل بغَلْقِ بَاب الاجْتِهَاد إنَّمَا قَالَ هذا القَوْل اجْتِهَادَاً مِنْهُ، لَمْ يَقُل بِهِ الأئِمَّة السَّابِقُون، فَكَيْفَ يَسْمَح لنَفْسِهِ بالاجْتِهَادِ ويَجْعَل هذا آخِر اجْتِهَاد يُقْبَل مِنَ المُسْلِمِين، ويُعْلِن إغْلاق البَاب بَعْدَ اجْتِهَاده هذا؟!

              وقَدْ ذَهَبَ آخَرُون إلى هذه الدَّعْوَى (غَلْق بَاب الاجْتِهَاد) لِمَا رَأوه مِنْ جَرْأةِ البَعْض عَلَى الأحْكَامِ الشَّرْعِيَّة، وصَارُوا يَتَلاعَبُون بالنُّصُوصِ والأحْكَام بدَعْوَى الاجْتِهَاد، ولكِنَّ المَوْقِف الصَّحِيح تِجَاه هَؤُلاء: أنْ يُبَيَّن خَطَؤهُم وتَلاعُبهُم ، ويُكْشَف تَزْوِيرهُم وكَذِبهُم، لا أنْ يُغْلَق بَاب الاجْتِهَاد.

              وقَدْ وَضَعَ العُلَمَاء شُرُوطَاً وضَوَابِط للاجْتِهَادِ حتى يَكُون مَقْبُولاً، وهذه الشُّرُوط تَضْمَن لَهُ ألاَّ يَتَحَوَّل الاجْتِهَاد إلى التَّلاعُبِ بالنُّصُوصِ، فَلَيْسَت المَسْألَة فَوْضَى، يَقُول مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، بَلْ هُنَاكَ شُرُوط للاجْتِهَادِ يَجِب عَلَى المُجْتَهِدِ التَّقَيُّيد بِهَا، وإلاَّ كَانَ اجْتِهَاده نَوْعَاً مِنَ التَّلاعُبِ والعَبَث.

              قَالَ الشَّيْخ ابْن عُثَيْمِين [ الاجْتِهَاد في الإسْلامِ هُوَ بَذْل الجَهْد لإدْرَاكِ حُكْم شَرْعِيّ مِنْ أدِلَّتِهِ الشَّرْعِيَّة، وهُوَ وَاجِب عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرَاً عَلَيْه؛ لأنَّ الله عَزَّ وجَلّ يَقُول (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، والقَادِر عَلَى الاجْتِهَادِ يُمْكِنهُ مَعْرِفَة الحَقّ بنَفْسِهِ، ولكن لابُدَّ أنْ يَكُون ذَا سِعَة في العِلْمِ والإطِّلاعِ عَلَى النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّة، وعَلَى الأُصُولِ المَرْعِيَّة، وعَلَى أقْوَالِ أهْل العِلْم؛ لئلا يَقَع فِيمَا يُخَالِف ذَلِك، فَإنَّ مِنَ النَّاسِ طَلَبَة عِلْم؛ الَّذِينَ لَمْ يُدْرِكُوا مِنَ العُلُومِ إلاَّ الشَّيْء اليَسِير؛ مَنْ يُنَصِّب نَفْسَهُ مُجْتَهِدَاً، فَتَجِدهُ يَعْمَل بأحَادِيثٍ عَامَّةٍ لَهَا مَا يُخَصِّصهَا، أو يَعْمَل بأحَادِيثٍ مَنْسُوخَةٍ لا يَعْلَم نَاسِخهَا، أو يَعْمَل بأحَادِيثٍ أجْمَعَ العُلَمَاء عَلَى أنَّهَا عَلَى خِلافِ ظَاهِرهَا، ولا يَدْرِي عَنْ إجْمَاعِ العُلَمَاء، ومِثْل هذا عَلَى خَطَرٍ عَظِيم، فَالمُجْتَهِد لابُدَّ أنْ يَكُونَ عِنْدهُ عِلْم بالأدِلَّةِ الشَّرْعِيَّة، وعِنْدهُ عِلْم بالأُصُولِ التي إذا عَرَفَهَا اسْتَطَاعَ أنْ يَسْتَنْبِطَ الأحْكَام مِنْ أدِلَّتِهَا، وعِلْم بِمَا عَلَيْهِ العُلَمَاء، بأنْ لا يُخَالِف الإجْمَاع وهُوَ لا يَدْرِي؛ فإذا كَانَت هذه الشُّرُوط في حَقِّهِ مَوْجُودَة مُتَوَافِرَة فَإنَّهُ يَجْتَهِد، ويُمْكِن أنْ يَتَجَزَّأ الاجْتِهَاد بأنْ يَجْتَهِد الإنْسَان في مَسَألَةٍ مِنْ مَسَائِلِ العِلْم فَيَبْحَثهَا ويُحَقِّقهَا ويَكُون مُجْتَهِدَاً فِيهَا، أو في بَابٍ مِنْ أبْوَابِ العِلْم كَأبْوَابِ الطَّهَارَة مَثَلاً يَبْحَثهُ ويُحَقِّقهُ ويَكُون مُجْتَهِدَاً فِيهِ ] فَتَاوَى عُلَمَاء البَلَد الحَرَام (ص 508).

              وجَاءَ في المَوْسُوعَةِ الفِقْهِيَّة (1/42، 43) [ والَّذِي نَدِين الله عَلَيْهِ: أنَّهُ لابُدَّ أنْ يَكُون في الأُمَّة عُلَمَاء مُتَخَصِّصُون، عَلَى عِلْمٍ بكِتَابِ الله، وسُنَّةِ رَسُوله، ومَوَاطِن الإجْمَاع، وفَتَاوَى الصَّحَابَة، والتَّابِعِين، ومَنْ جَاءَ بَعْدَهُم، كَمَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونُوا عَلَى خِبْرَةٍ تَامَّةٍ باللُّغَةِ العَرَبِيَّة التي نَزَلَ بِهَا القُرْآن الكَرِيم، ودُوِّنَت بِهَا السُّنَّة النَّبَوِيَّة، وأنْ يَكُونُوا قَبْلَ ذَلِكَ وبَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيم، لا يَخْشَوْنَ في الله لَوْمَة لائِم، لتَرْجِع إلَيْهم الأُمَّة فِيمَا نَزَلَ بِهَا مِنْ أحْدَاثٍ، ومَا يَجِدّ مِنْ نَوَازِل، وألاَّ يُفْتَح بَاب الاجْتِهَاد عَلَى مِصْرَاعَيْه، فَيَلِج فِيهِ مَنْ لا يُحْسِن قِرَاءَة آيَة مِنْ كِتَابِ الله في المُصْحَفِ، كَمَا لا يُحْسِن أنْ يَجْمَع بَيْنَ أشْتَات المَوْضُوع، ويُرَجِّح بَعْضهَا عَلَى بَعْض، والَّذِينَ أفْتوا بإقْفَالِ بَاب الاجْتِهَاد إنَّمَا نَزَعُوا عَنْ خَوْفٍ مِنْ أنْ يَدَّعِي الاجْتِهَاد أمْثَال هَؤُلاء، وأنْ يُفْتَرَى عَلَى الله الكَذِب، فَيَقُولُونَ هذا حَلال وهذا حَرَام مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ولا بُرْهَان، وإنَّمَا يَقُولُون ذَلِكَ إرْضَاءً للحُكَّامِ، ولَقَدْ رَأيْنَا بَعْض مَنْ يَدَّعِي الاجْتِهَاد يَتَوَهَّم أنَّ القَوْلَ بكَذَا وكَذَا فِيهِ تَرْضِيَة لهَؤُلاءِ السَّادَة، فَيَسْبِقُونَهُم بالقَوْلِ، ويَعْتَمِد هَؤُلاء الحُكَّام عَلَى آرَاءِ هَؤُلاء المُدَّعِي ، فَقَدْ رَأيْنَا في عَصْرِنَا هذا مَنْ أفْتَى بحِلِّ الرِّبَا الاسْتِغْلالِي دُونَ الاسْتِهْلاكِي، بَلْ مِنْهُم مَنْ قَالَ بحِلِّهِ مُطْلَقَاً؛ لأنَّ المَصْلَحَة - في زَعْمِهِ - تُوجِب الأخْذ بِهِ، ومِنْهُم مَنْ أفْتَى بجَوَازِ الإجْهَاض ابْتِغَاءَ تَحْدِيد النَّسْل، لأنَّ بَعْض الحُكَّام يَرَى هذا الرَّأي ويُسَمِّيه (تَنْظِيم الأُسْرَة)، ومِنْهُم مَنْ يَرَى أنَّ إقَامَة الحُدُود لا تَثْبُت إلاَّ عَلَى مَنْ اعْتَادَ الجَرِيمَة المُوجِبَة للحَدِّ، ومِنْهُم ... ومِنْهُم ... فَأمْثَالِ هَؤُلاء هُمْ الَّذِينَ حَملُوا أهْل الوَرَع مِنَ العُلَمَاءِ عَلَى القَوْلِ بإقْفَالِ بَاب الاجْتِهَاد، ولكِنَّا نَقُول: إنَّ القَوْلَ بحُرْمَةِ الاجْتِهَاد وإقْفَال بَابه جُمْلَةً وتَفْصِيلاً لا يَتَّفِق مَعَ الشَّرِيعَة نَصَّاً ورَوْحَاً، وإنَّمَا القَوْلَة الصَّحِيحَة هي إبَاحَته، بَلْ وُجُوبه عَلَى مَنْ تَوَفَّرَت فِيِه شُرُوطه؛ لأنَّ الأُمَّة في حَاجَةٍ إلى مَعْرِفَةِ الأحْكَام الشَّرْعِيَّة فِيمَا جَدَّ مِنْ أحْدَاثٍ لَمْ تَقَع في العُصُورِ القَدِيمَة ].

              وسُئِلَ عُلَمَاء اللَّجْنَة الدَّائِمَة للإفْتَاء الشَّيْخ عَبْد العَزِيز بْن بَاز، الشَّيْخ عَبْد الرَّزَّاق عَفِيفِي، الشَّيْخ عَبْد الله بْن غديان، الشَّيْخ عَبْد الله بْن قعود (هَلْ يُعْتَبَر بَاب الاجْتِهَاد في الأحْكَامِ الإسْلامِيَّة مَفْتُوحَاً لكُلِّ إنْسَان، أو أنَّ هُنَاكَ شُرُوطَاً لابُدَّ أنْ تَتَوَفَّر في المُجْتَهِد؟ وهَلْ يَجُوز لأيِّ إنْسَانٍ أنْ يُفْتِي برَأيِهِ دُونَ مَعْرِفَته بالدَّلِيلِ الوَاضِح؟) فَأجَابُوا [ بَابُ الاجْتِهَاد في مَعْرِفَةِ الأحْكَام الشَّرْعِيَّة لا يَزَال مَفْتُوحَاً لِمَنْ كَانَ أهْلاً لذَلِكَ، بأنْ يَكُون عَالِمَاً بِمَا يَحْتَاجهُ في مَسْألَتِهِ التي يَجْتَهِد فِيهَا، مِنَ الآيَاتِ والأحَادِيثِ، قَادِرَاً عَلَى فَهْمهمَا، والاسْتِدْلال بهما عَلَى مَطْلُوبِهِ، وعَالِمَاً بدَرَجَةِ مَا يَسْتَدِلّ بِهِ مِنَ الأحَادِيثِ، وبمَوَاضِعِ الإجْمَاع في المَسَائِلِ التي يَبْحَثهَا حتى لا يَخْرُج عَلَى إجْمَاعِ المُسْلِمِين في حُكْمِهِ فِيهَا، عَارِفَاً مِنَ اللُّغَةِ العَرَبِيَّة القَدْر الَّذِي يَتَمَكَّن بِهِ مِنْ فَهْمِ النُّصُوص؛ ليَتَأتَّى لَهُ الاسْتِدْلال بِهَا، والاسْتِنْبَاط مِنْهَا، ولَيْسَ للإنْسَانِ أنْ يَقُولَ في الدِّينِ برَأيِهِ، أو يُفْتِي النَّاس بغَيْرِ عِلْم، بَلْ عَلَيْهِ أنْ يَسْتَرْشِد بالدَّلِيلِ الشَّرْعِيّ، ثُمَّ بأقْوَالِ أهْل العِلْم، ونَظَرهم في الأدِلَّة، وطَرِيقَتهم في الاسْتِدْلالِ بِهَا والاسْتِنْبَاط، ثُمَّ يَتَكَلَّم أو يُفْتِي بِمَا اقْتَنَعَ بِهِ ورَضِيَهُ لنَفْسِهِ دِينَاً ] فَتَاوَى اللَّجْنَة الدَّائِمَة (5/17).

              وذَكَرَ الشَّيْخ مُحَمَّد بْن صَالِح العُثَيْمِين رَحِمَهُ الله في كِتَابِهِ الأُصُول مِنْ عِلْمِ الأُصُول (ص85، 86) شُرُوط الاجْتِهَاد، فَقَالَ [ للاجْتِهَادِ شُرُوط مِنْهَا:
              1) أنْ يَعْلَمَ مِنَ الأدِلَّةِ الشَّرْعِيَّة مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ في اجْتِهَادِهِ كَآيَاتِ الأحْكَام وأحَادِيثهَا.
              2) أنْ يَعْرِفَ مَا يَتَعَلَّق بصِحَّةِ الحَدِيث وضَعْفه، كَمَعْرِفَةِ الإسْنَاد ورِجَاله، وغَيْر ذَلِكَ.
              3) أنْ يَعْرِفَ النَّاسِخ والمَنْسُوخ ومَوَاقِع الإجْمَاع حتى لا يَحْكُم بمَنْسُوخٍ أو مُخَالِفٍ للإجْمَاع.
              4) أنْ يَعْرِفَ مِنَ الأدِلَّةِ مَا يَخْتَلِف بِهِ الحُكْم مِنْ تَخْصِيصٍ أو تَقْيِيدٍ أو نَحْوِهِ حتى لا يَحْكُم بِمَا يُخَالِف ذَلِكَ.
              5) أنْ يَعْرِفَ مِنَ اللُّغَةِ وأُصُول الفِقْه مَا يَتَعَلَّق بدَلالاتِ الألْفَاظ، كَالعَامِّ والخَاصِّ والمُطْلَقِ والمُقَيَّدِ والمُجْمَلِ والمُبَيَّنِ، ونَحْوِ ذَلِك؛ ليَحْكُم بِمَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ الدَّلالات.
              6) أنْ يَكُون عِنْدهُ قُدْرَة يَتَمَكَّن بِهَا مِنْ اسْتِنْبَاطِ الأحْكَام مِنْ أدِلَّتِهَا. ].
              وبهذه الشُّرُوط يَكُون الاجْتِهَاد مُنْضَبِطَاً، بَعِيدَاً عَنْ التَّلاعُبِ والهَوَى. انْتَهَى


              نَقْلاً عَنْ مَوْقِعِ الإسْلاَم سُؤَال وجَوَاب

              تعليق


              • #22
                رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

                تَعْرِيفُ الإرْهَابِ، وحَقِيقَتُهُ في الإسْلاَمِ، وعِنْدَ الغَرْبِ


                السُّؤَالُ: سَمِعْنَا كَثِيرًا عَنِ الإرْهَابِ، فَمَا هُوَ الإرْهَابُ في نَظَرِ المُسْلِمِ؟ ومَا هُوَ الإرْهَابُ لَدَى الغَرْبِ؟ وكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ إنِ اخْتَلَفْنَا مَعَهُمْ؟
                الجَوَابُ:
                الحَمْدُ للهِ؛
                أوَّلاً: (الإرْهَابُ) مَصْدَرُ: أرْهَبَ - يُرْهِبُ - إرْهَابًا، وهي لَفْظَةٌ تَعْنِي التَّخْوِيفَ، وهِيَ في ذَاتِهَا لَيْسَتْ مَحْمُودَةً ولا مَذْمُومَةً، إلاَّ أنْ يُعْلَمَ مَعْنَاهَا عِنْدَ قَائِلِهَا، وإلاَّ أنْ يُنْظَرَ في آثَارِهَا، ومَنْ قَالَ إنَّ الإرْهَابَ في الإسْلاَمِ هُوَ رَدِيفُ القَتْلِ: فَهُوَ مُخْطِئٌ؛ لأنَّ اللَّفْظَةَ لا تُسَاعِدُ عَلَى هَذا المَعْنَى، فَالإرْهَابُ هُوَ التَّخْوِيفُ ولَيْسَ القَتْلُ، وقَدْ أمَرَنَا رَبُّنَا تَعَالَى أنْ نَرْهَبَهُ، أيْ: نَخَافُهُ، كَمَا في قَوْلِهِ تَعَالَى [ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ] (البَقَرَة:40)، كَمَا أمَرَنَا بالاسْتِعْدَادِ للعَدُوِّ الَّذِي يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الكَيْدُ والحَرْبُ، وهَذا الاسْتِعْدَادُ هُوَ لإرْهَابِهِ حَتَّى لا نَكُونَ لُقْمَةً سَائِغَةً لَهُ، وقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُوَضَّحًا في قَوْلِهِ تَعَالَى [ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ] (الأنْفَال:60).

                وقَدْ أطْلَقَتِ الدُّوَلُ المُسْتَعْمِرَةُ الآثِمَةُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَلَى الإسْلاَمِ، وأرَادَتْ تَشْوِيهَ صُورَتِهِ في نَظَرِ عَامَّةِ النَّاسِ، فَأُقِيمَتْ لذَلِكَ المُؤْتَمَرَاتُ، وعُقِدَتِ النَّدَوَاتُ، وأُنْشِئَتِ الأقْسَامُ باسْمِ مُكَافَحَةِ الإرْهَابِ، ولَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ كُلِّهِ تَعَرُّضُ لتِلْكَ الدُّوَلِ المُسْتَعْمِرَةِ المُجْرِمَةِ الجَاثِمَةِ عَلَى صُدُورِ الضُّعَفَاءِ مِنَ المُسْلِمِينَ، كَالهنْدُوس في إرْهَابِهِمُ المُسْلِمِينَ في كَشْمِير، والرُّوس في إرْهَابِهِمُ للمُسْلِمِينَ في الشِّيشَانِ، والأمْرِيكَان في إرْهَابِهِمُ للمُسْلِمِينَ في العِرَاقِ وأفْغَانِسْتَانَ، واليَهُود في إرْهَابِهِمُ للمُسْلِمِينَ في فَلَسْطِين، ورَاحَ السُّذَّجُ مِنَ المُسْلِمِينَ يُطْلِقُونَ هَذا اللَّفْظَ عَلَى كُلِّ مَنْ يَحْلُو لَهُمْ مُحَارَبَتَهُ وتَنْفِيرَ النَّاسِ مِنْهُ، وقَدْ يَكُونُونَ مُصِيبِينَ في الحُكْمِ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أو مَجْمُوعَةٍ، لَكِنْ مَا بَالُ تِلْكَ الدُّوَلِ الإرْهَابِيَّةِ، وتِلْكَ المُنَظَّمَاتِ العُنْصُرِيَّةِ المُجْرِمَةِ قَدْ نَجَتْ مِنَ الوَصْفِ بهذا اللَّفْظِ، وجُعِلَ حِكْرًا عَلَى المُسْلِمِينَ؟!

                وتَشْرِيعَاتُ الإسْلاَمِ الرَّبَّانِيَّةُ فِيهَا مَا يُحَافِظُ عَلَى عِرْضِ المُسْلِمِ ودَمِهِ ومَالِهِ، ومِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَانَ تَحْرِيمُ القَتْلِ والسَّرِقَةِ والزِّنَا والقَذْفِ، وجُعِلَتِ الحُدُودُ المُغَلَّظَةُ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ تِلْكَ المُحَرَّمَاتِ، وقَدْ يَصِلُ الأمْرُ للقَتْلِ – كَالزَّانِي المُحْصَنِ – حِفَاظًا عَلَى أعْرَاضِ النَّاسِ.

                وقَدْ جَاءَتِ العُقُوبَةُ مُغَلَّظَةً لِمَنْ أرْهَبَ النَّاسَ وأخَافَهُمْ، مِثْلُ عِصَابَاتِ قُطَّاعِ الطُّرُقِ ومَنْ يَفْعَلُ مِثْلَ فِعْلِهِمْ دَاخِلَ المَدِينَةِ، وهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ في الأرْضِ فَسَادًا، وقَدْ حَكَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ بأشَدِّ العُقُوبَاتِ كَفًّا لشَرِّهِمْ، وحِفْظًا لأمْوَالِ النَّاسِ ودِمَائِهِمْ وأعْرَاضِهِمْ، قَالَ تَعَالَى [ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ] (المَائِدَة:33).

                وأبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ: أنَّ الإسْلاَمَ حَرَّمَ عَلَى المُسْلِمِ إخَافَةَ أخِيهِ ولَوْ مَازِحًا، فَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ [ لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لاَعِبًا وَلاَ جَادًّا، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ ] رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وأبُو دَاوُد، وحَسَّنَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ، وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ [ حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نَبْلٍ مَعَهُ، فَأَخَذَهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: مَا يُضْحِكُكُمْ؟ فَقَالُوا: لا، إلاَّ أَنَّا أَخَذْنَا نَبْلَ هَذَا فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) ] رَوَاهُ أحْمَدُ واللَّفْظُ لَهُ، وأبُو دَاوُد، وصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ في صَحِيحِ أبِي دَاوُد.


                ثَانِيًا: الإرْهَابُ في الإسْلاَمِ نَوْعَانِ:
                1) مَمْدُوحٌ: وهُوَ تَخْوِيفُ العَدُوِّ خَشْيَةَ اعْتِدَائِهِ عَلَى المُسْلِمِينَ، واحْتِلاَلِ دِيَارِهِمْ، ويَكُونُ ذَلِكَ بالاسْتِعْدَادِ الكَامِلِ بالتَّسَلُّحِ بالإيِمَانِ، والوِحْدَةِ، والسِّلاَحِ، وقَدْ سَبَقَ في آيَةِ الأنْفَالِ مَا يُوَضِّحُ أنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى المُسْلِمِينَ، والإسْلاَمُ لَيْسَ بِدْعًا في هَذا الأمْرِ، فَهَا هي الدُّوَلُ تَتَسَابَقُ في الصِّنَاعَاتِ العَسْكَرِيَّةِ، وفي التَّسَلُّحِ بالأسْلِحَةِ التَّدْمِيرِيَّةِ، وبإنْشَاءِ الجُيُوشِ الجَرَّارَةِ، وبعَمَلِ الاسْتِعْرَاضَاتِ العَسْكَرِيَّةِ لجُنُودِهَا وأسْلِحَتِهَا، وكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أجْلِ إظْهَارِ قُوَّتِهَا؛ لإخَافَةِ جِيرَانِهَا وأعْدَائِهَا مِنْ أنْ تُسَوِّلَ لَهُمْ أنْفُسُهُمُ الاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا.
                2) مَذْمُومٌ: وهُوَ تَخْوِِيفٌ مَنْ لا يَسْتَحِقُّ التَّخْوِيفَ، مِنَ المُسْلِمِينَ ومِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ أصْحَابِ الدِّمَاءِ المَعْصُومَةِ، كَالمُعَاهِدِينَ والمُسْتَأمَنِينَ وأهْلِ الذِّمَّةِ.

                وقَدْ عَرَّفَ المَجْمَعُ الفِقْهِيُّ الإسْلاَمِيُّ الإرْهَابَ بأنَّهُ [ العُدْوَانُ الَّذِي يُمَارِسُهُ أفْرَادٌ أو جَمَاعَاتٌ أو دُوَلٌ؛ بَغْيًا عَلَى الإنْسَانِ (دِينِهِ، ودَمِهِ، وعَقْلِهِ، ومَالِهِ، وعِرْضِهِ)، ويَشْمَلُ صُنُوفَ التَّخْوِيفِ والأذَى والتَّهْدِيدِ والقَتْلِ بغَيْرِ حَقٍّ، ومَا يَتَّصِلُ بصُوَرِ الحَرَابَةِ وإخَافَةِ السَّبِيلِ وقَطْعِ الطَّرِيقِ، وكُلِّ فِعْلٍ مِنْ أفْعَالِ العُنْفِ أو التَّهْدِيدِ يَقَعُ تَنْفِيذًا لمَشْرُوعٍ إجْرَامِيٍّ، فَرْدِيٍّ أو جَمَاعِيٍّ، يَهْدِِفُ إلى إلْقَاءِ الرُّعْبِ بَيْنَ النَّاسِ أو تَرْوِيعِهِمْ بإيِذَائِهِمْ أو تَعْرِيضِ حَيَاتِهِمْ أو حُرِّيَّتِهِمْ أو أَمْنِهِمْ أو أحْوَالِهِمْ للخَطَرِ، ومِنْ صُنُوفِهِ: إلْحَاقُ الضَّرَرِ بالبِيئَةِ أو بأحَدِ المَرَافِقِ والأمْلاَكِ العَامَّةِ أو الخَاصَّةِ، أو تَعْرِيضُ أحَدِ المَوَارِدِ الوَطَنِيَّةِ أو الطَّبِيعِيَّةِ للخَطَرِ، فَكُلُّ هَذا مِنْ صُوَرِ الفَسَادِ في الأرْضِ الَّتِي نَهَى اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى المُسْلِمِينَ عَنْهَا في قَوْلِهِ (وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القَصَص:77) ]، وجَاءَ في البَيَانِ التَّنْبِيهُ إلى أمْرَيْنِ مُهِمَّيْنِ:
                الأوَّلُ: الرَّدُّ عَلَى مَنْ وَصَفَ الإسْلاَمَ بأنَّهُ دِينُ إرْهَابٍ: فَمِمَّا جَاءَ فِيهِ [ وقَدْ لَحَظَ أعْضَاءُ المَجْمَعِ أنَّ الحَمَلاَتِ الإعْلاَمِيَّةَ مُدَبَّرَةٌ، وهي تَنْطَوِي عَلَى أبَاطِيلٍ وتُرَّهَاتٍ، تَنْطَلِقُ مِنْ إعْلاَمٍ مَوْتُورٍ مُعَادٍ، تُسْهِمُ في تَوْجِيهِهِ مُؤَسَّسَاتُ الإعْلاَمِ الصُّهْيُونِيِّ؛ لتُثِيرَ الضَّغَائِنَ والكَرَاهِيَةَ والتَّمْيِيزَ ضِدَّّ الإسْلاَمِ والمُسْلِمِينَ، وتَلْصِقُ بدِينِ اللهِ الخَاتَمِ التُّهَمَ البَاطِلَةَ، وفي مُقَدِّمَتِهَا تُهْمَةُ الإرْهَابِ، واتَّضَحَ لأعْضَاءِ المَجْمَعِ أنَّ لَصْقَ تُهْمَةِ الإرْهَابِ بالإسْلاَمِ عَبْرَ حَمَلاَتٍ إعْلاَمِيَّةٍ إنَّمَا هُوَ مُحَاوَلَةٌ لتَنْفِيرِ النَّاسِ مِنَ الإسْلاَمِ، حَيْثُ يُقْبِلُونَ عَلَيْهِ ويَدْخُلُونَ في دِينِ اللهِ أفْوَاجًا، ودَعَا أعْضَاءُ المَجْمَعِ رَابِطَةَ العَالَمِ الإسْلاَمِيِّ وغَيْرَهَا مِنَ المُنَظَّمَاتِ الإسْلاَمِيَّةِ وكَذَلِكَ عَامَّةَ المُسْلِمِينَ إلى الدِّفَاعِ عَنِ الإسْلاَمِ، مَعَ مُرَاعَاةِ شَرَفَ الوَسِيلَةِ الَّتِي تَتَنَاسَبُ، وشَرَفَ هَذِهِ المُهِمَّةِ ]، وبَيَّنُوا في سِيَاقِ رَدِّهِمْ عَلَى الافْتِرَاءِ عَلَى الإسْلاَمِ ولَصْقِ تُهْمَةِ الإرْهَابِ بِهِ [ أنَّ الإرْهَابَ ظَاهِرَةٌ عَالَمِيَّةٌ، لا يُنْسَبُ لدِينٍ، ولا يَخْتَصُّ بقَوْمٍ، وهُوَ سُلُوكٌ نَاتِجٌ عَنِ التَّطَرُّفِ الَّذِي لا يَكَادُ يَخْلُو مِنْهُ مُجْتَمَعٌ مِنَ المُجْتَمَعَاتِ المُعَاصِرَةِ ]، وأوْضَحُوا أنَّ التَّطَرُّفَ يَتَنَوَّعُ بَيْنَ تَطَرُّفٍ سِيَاسِيٍّ، وتَطَرُّفٍ فِكْرِيٍّ، وتَطَرُّفٍ دِينِيٍّ، ولا يَقْتَصِرُ التَّطَرُّفُ النَّاتِجُ عَنِ الغُلُوِّ في الدِّينِ عَلَى أتْبَاعِ دِينٍ مُعَيَّنٍ، وقَدْ ذَكَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى غُلُوَّ أهْلِ الكِتَابِ في دِينِهِمْ، ونَهَاهُمْ عَنْهُ، فَقَالَ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ [ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ] (المَائِدَة:77).

                والثَّانِي: ذِكْرُهُمْ أنَّ مِنَ الإرْهَابِ إرْهَابَ الدُّوَلِ، والَّذِي سَكَتَتْ عَنْهُ وَسَائِلُ الإعْلاَمِ العَالَمِيَّةِ ولَمْ تَفْضَحْ أهْلَهُ: ومِمَّا جَاءَ في البَيَانِ [ ويُؤَكِّدُ المَجْمَعُ أنَّ مِنْ أنْوَاعِ الإرْهَابِ: إرْهَابَ الدَّوْلَةِ، ومِنْ أوْضَحِ صُوَرِهِ وأشَدِّهَا شَنَاعَةً: الإرْهَابُ الَّذِي يُمَارِسُهُ اليَهُودُ في فَلَسْطِين، ومَا مَارَسَهُ الصِّرْبُ في كُلٍّ مِنَ البُوْسْنَة والهرْسَك وكُوسُوفَا، واعْتَبَرَ المَجْمَعُ أنَّ هَذا النَّوْعَ مِنَ الإرْهَابِ: مِنْ أشَدِّ أنْوَاعِهِ خَطَرًا عَلَى الأمْنِ والسَّلاَمِ في العَالَمِ، واعْتَبَرَ مُوَاجَهَتَهُ مِنْ قَبِيلِ الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ والجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ ].


                ثَالِثًا: أمَّا الإرْهَابُ عِنْدَ الغَرْبِ: فَهُوَ مَا نَقْرَؤُهُ ونُشَاهِدُهُ مِنِ احْتِلاَلِهِمْ للدُّوَلِ الضَّعِيفَةِ، ونَهْبِهِمْ لخَيْرَاتِهَا، ومَا نَرَاهُ مِنَ التَّعْذِيبِ والاغْتِصَابِ والقَتْلِ، وكُلُّ ذَلِكَ مُوَثَّقٌ بالصَّوْتِ والصُّورَةِ في وَثَائِقٍ لا يُمْكِنُ إنْكَارُهَا، وهُوَ اسْتِمْرَارٌ لتَارِيخِهِمُ القَدِيمِ في احْتِلاَلِ الدُّوَلِ بالقُوَّةِ والبَطْشِ والسِّلاَحِ.

                والعَجِيبُ حَقًّا: أنَّ الدُّوَلَ الغَرْبِيَّةَ – وخَاصَّةً أمْرِيكَا – لَمْ يَضَعُوا إلى الآنَ تَعْرِيفًا للإرْهَابِ! ووَاضِحٌ أنَّهُمْ سَيُدِينُونَ أنْفُسَهُمْ بأيِّ تَعْرِيفٍ يَخْتَارُونَهُ، ولذَلِكَ جَعَلُوا اللَّفْظَةَ مُبْهَمَةَ المَعْنَى، فَتَنْصَرِفُ إلى مَنْ يُرِيدُونَ إلْصَاقَ التُّهْمَةِ بِهِ.

                قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ الفَوْزَان [ الكُفَّارُ مِنْ قَدِيمٍ يُحَارِبُونَ الإسْلاَمَ، ويَصِفُونَهُ بأقْبَحِ الصِّفَاتِ؛ تَنْفِيرًا مِنْهُ (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التَّوْبَة:32)، ومِنْ ذَلِكَ: وَصْفُهُمْ لَهُ بالإرْهَابِ، والوَحْشِيَّةِ، ويَنْسَوْنَ أنَّ الإرْهَابَ والوَحْشِيَّةَ وقَتْلَ الشُّعُوبِ والتَّسَلُّطَ عَلَى الخَلْقِ بغَيْرِ الحَقِّ؛ وكُلَّ صِفَاتِِ الذَّمِّ: إنَّمَا هِيَ في دِينِ الكُفْرِ، ومِنْ صِفَاتِ الكُفَّارِ، وكَوْنُ بَعْضِ المُنْتَسِبِينَ إلى الإسْلاَمِ تَصْدُرُ مِنْهُمْ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ الخَاطِئَةِ - إمَّا عَنْ جَهْلٍ أو عَنْ قَصْدٍ سَيِّئٍ -: فَإنَّ ذَلِكَ لا يُنْسَبُ إلى الإسْلاَمِ؛ لأنَّ الإسْلاَمَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وطَرِيقُ الخَلاَصِ مِنْ هَذا الاتِّهَامِ السَّيِّئِ للإسْلاَمِ: أنْ يُبَيَّنَ أنَّ فِعْلَ هَؤُلاَءِ الأشْخَاصِ لَيْسَ مِنَ الإسْلاَمِ، وإنَّمَا هُوَ تَصَرُّفٌ شَخْصِيٌّ، وأنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَهُوَ عُرْضَةٌ للخَطَأِ، ولَيْسَ هُنَاكَ مَعْصُومٌ إلاَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ] المُنْتَقَى مِنْ فَتَاوَى الفَوْزَان (1/416، السُّؤَال رَقْم 247). انْتَهَى

                نَقْلاً عَنْ مَوْقِعِ الإسْلاَم سُؤَال وجَوَاب

                تعليق


                • #23
                  رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

                  جزاكم الله خيراً
                  حقاً تعلمنا منكم الكثير
                  ونرجوا لو أن كل طالب علم يقرأ ويعرف من هم الأحق بالفتوى
                  والأحق بالإجتهاد وإستنباط الأحكام الشرعية من الأدلية
                  ويعطوا كل ذى قدرٍ قدره فوالله إن المسؤلية لعظيمه والحساب عليها أعظم
                  وياليت العالم بأكمله يقرأ ويعرف ماهية الأرهاب ومن هم أهله
                  لعلهم يرجعون او يتذكرون او يتدبرون فتنصرف عقولهم للحق ومن ثم اتباعه
                  نصر الله الأسلام والمسلمين وعفا الله عنهم
                  نفع الله بكم وبعلمكم.
                  اللهم ردنا إليك رداً جميلاً واصنعنا على أعينك
                  وجعلنا لك كما تحب وترضى

                  اللهم املأ قلبي حبا لك وإقبالا عليك وحياء منك
                  اللهم ارزقنا حسن أتباع الرسول صل الله عليه وسلم فى الدين والخلق..والحمدلله رب العالمين

                  سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم.

                  تعليق


                  • #24
                    رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

                    حُكْمُ مَا يُسَمَّى بـ "حُرِّيَّةِ الكَلاَمِ" و"حُرِّيَّةِ الرَّأي"


                    السُّؤَال: مَا هُوَ الحُكْمُ الشَّرْعِيّ في حُرِّيَّةِ الكَلاَمِ وحُرِّيَّةِ الرَّأي؟
                    الجَوَابُ:
                    الحَمْدُ لله؛
                    أوَّلاً: مَعْرِفَةُ الحِكْمَةِ مِنْ وُجُودِ الإنْسَان فِيهِ الجَوَابُ عَلَى هذا السُّؤَالِ, فَإنَّ مَنْ عَلِمَ المَقْصِد مِنْ خَلْقِهِ ووُجُودِهِ: يَعْلَم أنَّ فِعْلَهُ، وكَلاَمَهُ، ورَأيَهُ، مُنْضَبِطٌ بِمَا أرَادَهُ الله ورَضِيَهُ, وأمَّا المَادِّيُّونَ ودُعَاةُ التَّفَسُّخِ والانْحِلاَلِ فَيَنْطَلِقُونَ مِنْ مَبْدَأ: قُلْ مَا تَشَاء، وافْعَلْ مَا تَشَاء، واعْبُدْ مَا تَشَاء.

                    فَالحِكْمَةُ مِنْ خَلْقِ الإنْسَان ووُجُودِهِ عَلَى الأرْضِ: أنْ يَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وأنْ يَسْتَسْلِمَ لأوَامِرِ الله تَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى [ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ 56 مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ 57 إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ 58 ]، وقَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى [ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ 115 فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ 116 ]، قَالَ الشَّيْخ عَبْد الرَّحْمَن السَّعْدِي [ أي: (أَفَحَسِبْتُمْ) أيُّهَا الخَلْق، (أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) أي: سُدَى، وبَاطِلاً، تَأكُلُونَ، وتَشْرَبُونَ، وتَمْرَحُونَ، وتَتَمَتَّعُونَ بلَذَّاتِ الدُّنْيَا، ونَتْرُكُكُم لا نَأمُرُكُم، ولا نَنْهَاكُم، ولا نُثِيبُكُم، ولا نُعَاقِبُكُم؟ ولهذا قَالَ (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) لا يَخْطر هذا بِبَالِكُم، (فَتَعَالَى اللَّهُ) أي: تَعَاظَمَ وارْتَفَعَ عَنْ هذا الظَّنِّ البَاطِلِ، الَّذِي يَرْجِع إلى القَدْحِ في حِكْمَتِهِ (الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) ] تَفْسِير السَّعْدِي (ص 560).

                    فَمَنْ عَلِمَ أنَّهُ عَبْدٌ لله: فَلاَ بُدَّ أنْ يَتَقَيَّدَ بِمَا أمَرَ الله بِهِ، ويَنْتَهِي عَمَّا نَهَى الله عَنْه, وهذا يُنَافِي دَعْوَة حُرِّيَّة الكَلاَم، والرَّأي، والأفْعَال, فَالله لا يَرْضَى مِنَ العَبْدِ التَّكَلُّم بكَلِمَةِ الكُفْر, أو أنْ يَتَكَلَّمَ بالفِسْقِ، والفُجُورِ, أو أنْ يَدْعُو إلَيْهَا, وأمَّا دُعَاة الحُرِّيَّة: فَالأمْر سِيَان عِنْدَهُم، تَكَلَّم بِمَا شِئْتَ، واعْمَل مَا شِئْتَ, في حَقِّ الله، وفي حَقِّ الدِّين.

                    ثَانِيًا: لا شَكَّ أنَّ الإسْلاَمَ عَظَّمَ خُطُورَة الكَلِمَة التي يَتَكَلَّم بِهَا المَرْء, قَالَ تَعَالَى [ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ]، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ؛ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ [ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ ] رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أيْضًا قَالَ [ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمُ، قَالَ النَّوَوِيّ [ وقَدْ نَدَبَ الشَّرْع إلى الإمْسَاكِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ المُبَاحَاتِ لئلا يَنْجَرّ صَاحِبهَا إلى المُحَرَّمَاتِ أو المَكْرُوهَاتِ, وقَدْ أخَذَ الإمَام الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعْنَى الحَدِيث فَقَالَ (إذا أرَادَ أنْ يَتَكَلَّم: فَلْيُفَكِّر, فَإنْ ظَهَرَ لَهُ أنَّهُ لا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ تَكَلَّم, وإنْ ظَهَرَ لَهُ فِيهِ ضَرَر أو شَكَّ فِيهِ؛ أمْسَك ] شَرْحُ مُسْلِم (2/19).

                    ثَالِثًا: إنَّ حُرِّيَّة الكَلام لَيْسَت مُطْلَقَة - حتى عِنْدَ دُعَاتِهَا - بَلْ مُقَيَّدَة بأُمُورٍ، مِنْهَا:
                    1. القَانُون: ومِنَ العَجَبِ أنْ تَرَى اجْتِمَاع دُوَل الغَرْب عَلَى تَجْرِيمِ مَنْ يُشَكِّك في مَحْرَقَةِ اليَهُود، بَلْ يُحَاكِمُونَ مَنْ يُثْبِتهَا لكن يُشَكِّك في أرْقَامِ قَتْلاَهَا!! دُونَ أنْ يَسْمَحُوا لأهْلِ التَّارِيخ ولأهْلِ الفِكْر أنْ يَبْحَثُوا القَضِيَّة ويَتِمّ مُنَاقَشَتهَا وفْقَ الأدِلَّة والبَرَاهِين، ولا يَزَال بَعْض الكُتَّاب والمُفَكِّرِين قَابِعِين في سُجُونِ تِلْكَ البُلْدَان بسَبَبِ مَوْقِفهم مِنْ ثُبُوتِ المَحْرَقَة أو مَوْقِفهم مِنَ المُبَالَغَةِ في عَدَدِ قَتْلاهَا مِنَ اليَهُود.
                    2. ومِنْهَا العُرْف، والذَّوْق العَامّ، والاصْطِدَامِ بحُرِّيَّةِ الآخَرِين.

                    فَإنْ كُنَّا قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى تَقَيُّدِ حُرِّيَّة الكَلاَم والتَّعْبِير عَنِ الرَّأي، فَلْيَكُن الحُكْم في ذَلِكَ لحُكْمِ الله، الَّذِي هُوَ أعْدَل الأحْكَام وأحْسَنهَا، ولا يَكُون الحُكْم لقَانُونٍ مِنْ وَضْعِ البَشَر، يَعْتَرِيهِ مَا يَعْتَرِي غَيْره مِنْ أنْظِمَةِ البَشَر مِنَ الهَوَى والظُّلْمِ والجَهْلِ، وإنَّهُ لتَنَاقُض عِنْدَ هَؤُلاَءِ أنْ يَكُون القَانُون يُلْجِم أفْوَاههم عَنِ الكَلاَمِ عَنْ مَحْرَقَةِ اليَهُود وأخْبَار جُنُودهم القَتْلَى في أرْضِ المُسْلِمِين، بَيْنَمَا يَسْتَنْكِرُونَ عَلَيْنَا أنْ نَمْنَعَ مَنْ يَسُبّ اللهَ أو رَسُولَهُ أو دِينَهُ أو يَقْذِف المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ أو غَيْر ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ الله النُّطْق بِهِ لِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مِنْ مَفَاسِدٍ ومَضَارّ.

                    إنَّ المُسْلِمَ مَطْلُوبٌ مِنْهُ أنْ لا يَسْكُت عَلَى الخَطَأ والزَّلَلِ، وعَلَيْهِ وَاجِبُ التَّذْكِير والنَّصِيحَة، والأمْر بالمَعْرُوفِ، والنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ, وهذا مُنَافٍ لِدَعْوَةِ حُرِّيَّة الكَلام, فَمَنْ تَكَلَّمَ بكَلاَمٍ مُحَرَّم فَالوَاجِب مَنْعَهُ مِنْ هذا الكَلاَم، ونَهْيَهُ عَنْ هذا المُنْكَر.

                    والإسْلاَمُ لا يَمْنَع النَّاس مِنَ التَّعْبِيرِ عَنْ آرَائِهِم فِيمَا يَجْرِي حَوْلهم في السِّيَاسَةِ والاقْتِصَادِ والمَسَائِلِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، ولا يَمْنَع مِنَ الكَلاَمِ في نَقْدِ الأخْطَاء ونُصْحِ المُخْطِئِينَ، وكُلّ ذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يَكُون مُقَيَّدًا بشُرُوطِ الشَّرْع وآدَابِهِ، فَلاَ تَهْيِيج للعَامَّةِ، ولا دَعْوَة للفَوْضَى، ولا اتِّهَام للأبْرِيَاء، ولا قَذْف للأعْرَاض، وغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوف مِنْ أحْكَامِ الشَّرْع التي تَضْبُط هذه المَسَائِل.

                    وقَدْ وَجَدْنَا أنَّ أكْثَر أصْحَاب دَعَاوَى حُرِّيَّة الكَلاَم والرَّأي: مَقْصِدهمُ مِنْ ذَلِكَ: حُرِّيَّة التَّطَاوُل عَلَى الدِّينِ الإسْلاَمِيِّ وشَرَائِعِهِ, فَيَصِلُونَ إلى مَقْصِدِهِم مِنْ خِلاَلِ - حُرِّيَّة الرَّأي -، فَتَطَاوَلُوا عَلَى حُكْمِ الله بدَعْوَى حُرِّيَّة الكَلاَم, وطَعَنُوا في القُرْآنِ والسُّنَّةِ بدَعْوَى حُرِّيَّة الكَلاَم, ودَعُوا إلى الزِّنَا والفُجُورِ والخَنَا بدَعْوَى حُرِّيَّة الكَلاَم، وقَدْ تَبعَ هَؤُلاَء بَعْض المُنَافِقِينَ في بِلاَدِ الإسْلاَم، الَّذِينَ يَطْعَنُونَ في أحْكَامِ الشَّرِيعَة الإسْلامِيَّة، ويَطْعَنُونَ في القُرْآنِ وفي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الصَّحِيحَةِ، والوَاجِب عَلَى حُكَّامِ المُسْلِمِين الأخْذ عَلَى أيْدِي هَؤُلاَء، ومَنْعهم مِنْ هذا المُنْكَر، حِفَاظًا عَلَى دِينِ الأُمَّة، وقِيَامًا بِمَا أوْجَبَ الله عَلَيْهم مِنْ حِمَايَةِ الدِّين والدِّفَاع عَنْه.

                    والحَاصِل: أنَّنَا - نَحْنُ المُسْلِمِين - لَيْسَ عِنْدَنَا مَا يُسَمَّى بـ "حُرِّيَّةِ الرَّأي" أو "حُرِّيَّةِ التَّعْبِير"، وإنَّمَا عِنْدَنَا الخُضُوع لحُكْمِ الله تَعَالَى، وعَدَم الخُرُوج عَنْ شَرْعِه، فَمَنْ تَكَلَّمَ بالحَقِّ وَجَبَ أنْ يُعَان، ومَنْ تَكَلَّم بالبَاطِلِ وَجَبَ أنْ يُمْنَع، وقَدْ سُئِلَ الشَّيْخ عَبْد العَزِيز بْن بَاز (هَلْ يَجُوز أنْ يَكُون هُنَاكَ مَا يُسَمَّى بـ "حُرِّيَّةِ الرَّأي" أي: يُفْتَح المَجَال لأهْلِ الخَيْر وأهْلِ الشَّرّ، كُلٌّ يُدْلِي بدَلْوِهِ في المُجْتَمَع؟) فَأجَابَ [ هذا بَاطِلٌ، لا أصْلَ لَهُ في الإسْلاَمِ، بَلْ يَجِبُ أنْ يُمْنَع البَاطِل، ويُسْمَح للحَقّ، ولا يَجُوز أنْ يُسْمَح لأحَدٍ يَدْعُو إلي الشُّيُوعِيَّةِ، أو الوَثَنِيَّةِ، أو يَدْعُو إلى الزِّنَا، أو القِمَارِ، أو غَيْرِ ذَلِكَ، سَوَاء بالأُسْلُوبِ المُبَاشِر، أمْ غَيْر المُبَاشِر، بَلْ يُمْنَع ويُؤَدَّب، بَلْ إنَّ هذه هي "الإبَاحِيَّة المُحَرَّمَة" ]. انْتَهَى

                    نَقْلاً عَنْ مَوْقِعِ الإسْلاَم سُؤَال وجَوَاب

                    تعليق


                    • #25
                      رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)

                      بارك الله فيك اخي محارب

                      لا تبخل علينا بالمزيد

                      مواضيع رائعة وحساسة

                      بارك الله فيك ورزقك الجنة

                      تعليق


                      • #26
                        رد: سلسلة: اعلم وتعلم ثم عَلِّم؛ في دقائق (متجدد إن شاء الله)
                        جزاكم الله خيراً ونفع بكم

                        لا تدع مصاعب الحياة تسلب منك أجمل ما فيك !
                        بل اسلب من آلامها التى تُميتك أمالك التى تُحييك ..}
                        فالألم والأمل حروفهما واحدة ,, فقط تحتاج للترتيب !

                        تعليق

                        يعمل...
                        X