بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الإخْوَةُ والأخَوَاتُ الكِرَامُ
السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
الإخْوَةُ والأخَوَاتُ الكِرَامُ
السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
يَزْعُمُ البَعْضُ أَنَّ هُنَاكَ حَدِيثًاَ يَقُولُ بِأَنَّ المُعَوِّذَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنَ القُرْآنِ، وَأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله عَنْهُ هُوَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ، حَيْثُ أَنَّ المُصْحَفَ الَّذِي كَانَ لَدَيْهِ لَمْ تُكْتَبْ فِيهِ المُعَوِّذَتَانِ، وهذا مِنْ كَذِبِ الشِّيعَةِ وافْتِرَائِهِمِ وتَلْفِيقِهِمْ، وهُوَ أمْرٌ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ مِنْهُمْ، كَمَا أنَّهُ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ أنْ نَجِدَ النَّصَارَى قَدْ تَلَقَّفَتْ هذه الشُّبْهَةَ وفَرِحَتْ بِهَا وصَارَتْ تَنْشُرُهَا وتُحَدِّثُ بِهَا وكَأنَّهَا وَجَدَتْ كَنْزًا أو انْتَصَرَتِ انْتِصَارًا لَمْ يَسْبِقْهَا إلَيْهِ أحَدٌ، لَكِنْ مِنَ الغَرِيبِ والمُسْتَبْعَدِ والمَرْفُوضِ شَكْلاً ومَوْضُوعًا أنْ نَجِدَ بَعْضَ مَنْ يَنْتَسِبُونَ إلى الإسْلاَمِ اسْمًا فَقَطْ يَسْمَعُ لمِثْلِ هذه الشُّبُهَاتِ؛ ويُصَدِّقُهَا؛ بَلْ ويُجَادِلُ فِيهَا؛ وبَدَلاً مِنْ أنْ يَتَّهِمَ قَائِلُوهَا نَجِدُهُ يَتَّهِمُ عُلَمَاءَ المُسْلِمِينَ بسَيْلٍ مِنَ الاتِّهَامَاتِ، فَتَارَةً يَقُولُ بلِسَانِ الحَالِ والمَقَالِ (طَالَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنَ العُلَمَاءِ مَنْ يَرُدُّ عَلَى هذه الشُّبْهَةِ ويُكَذِّبُهَا فَهِيَ حَقِيقَةٌ)، وتَارَةً يَقُولُ (هَؤُلاَءِ العُلَمَاءُ جُهَلاَءُ ولا يَسْتَطِيعُونَ الرَّدَّ عَلَيْهَا لجَهْلِهِمْ)، وتَارَةً يَقُولُ (هُمْ مُدَلِّسُونَ، دَلَّسُوا عَلَيْنَا الدِّينَ طوَالَ السَّنَوَاتِ السَّابِقَةِ)، والمُشْكِلَةُ أنَّ هذه النَّوْعِيَّةَ أصْبَحَتْ كَثِيرَةً وفي كُلِّ مَكَانٍ، وخَاصَّةً في المُنْتَدَيَاتِ الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا رِقَابَةٌ شَرْعِيَّةٌ، والمُشْكِلَةُ الأكْبَرُ أنَّ أعْدَاءَ الدِّينِ وَجَدُوا في هذه النَّوْعِيَّةِ مَجَالاً خِصْبًا وعَوْنًا لَهُمْ عَلَى تَدْمِيرِ العَقِيدَةِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ، فَيَكْفِي أنْ يَدْخُلَ عُضْوٌ سَمَّى نَفْسَهُ باسْمٍ إسْلاَمِيٍّ أو اسْمٍ لا تُعْرَفُ لَهُ هَوِيَّةٌ، ويَكْتُبُ مَوْضُوعًا يَحْمِلُ مِثْلَ هذه الشُّبْهَةِ، ويَسْتَخْدِمُ طَرِيقَةَ عَرْضٍ نَفْسِيَّةٍ مَدْرُوسَةٍ تَجْذبُ بَقِيَّةَ الأعْضَاءِ لقِرَاءَةِ المَوْضُوعِ والتَّفَاعُلِ مَعَهُ والتَّصْدِيقِ فِيهِ، وأكْثَرُ هذه الطُّرُقِ اسْتِخْدَامًا أنْ يَنْشُرَ شُبْهَتَهُ في قَالِبِ المُفَاجَآتِ مِثْلَ (حَصْرِيًّا – خَبَرٌ لا يُصَدَّقُ – مَعْلُومَةٌ مُدْهِشَةٌ – اكْتِشَافٌ جَدِيدٌ ... الخ)، ثُمَّ يَسْتَعْرِضُ مَوْضُوعَهُ دُونَ أنْ يُشِيرَ إلى أنَّهَا شُبْهَةٌ، فَتَبْدَأُ هذه النَّوْعِيَّةُ مِنَ المُنْتَسِبِينَ إلى الإسْلاَمِ اسْمًا فَقَطْ بالتَّفَاعُلِ مَعَ هذا المَوْضُوعِ والتَّصْدِيقِ فِيهِ ونَشْرِهِ عَبْرَ البَرِيدِ الإلِكْتِرُونِيِّ وكَأنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، فيُضِلُّونَ غَيْرَهُمْ كَمَا أضَلُّوا أنْفُسَهُمْ، لِذَا؛ كَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ أنْ يَكُونَ هُنَاكَ رَدًّا وَاضِحًا عَلَى هذه الشُّبْهَةِ يُخْرِسُ ألْسِنَةَ القَائِلِ بِهَا، ويُخْرِقُ سَمْعَ المُصَدِّقِ لَهَا، ويُنِيرُ الطَّرِيقَ للمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ مُوَاجَهَةَ مِثْلَ هذه الشُّبُهَاتِ ويَحْتَاجُونَ الدَّلِيلَ، وهذا الرَّدُّ لَيْسَ بالجَدِيدِ، فَهُوَ مَعْرُوفٌ ومَوْجُودٌ مِنْ قَبْلُ، لَكِنْ طَالَمَا زَاغَ الفِكْرُ في اتِّجَاهِ البَاطِلِ ورَآهُ حَسَنًا فَلَنْ يَرَ غَيْرَ مَا يُرِيدُ أنْ يَرَاهُ فَقَطْ، وللرَّدِّ عَلَى هذه الشُّبْهَةِ نَقُولُ بإذْنِ اللهِ:
بِدَايَةً: لاَ يُوجَدُ في كُلِّ نُسَخِ كُتُبِ السُّنَّةِ الصِّحَاحِ المُعْتَمَدَةِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ يُنْكِرُ فِيهِ أنَّ المَعُوذَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنَ القُرْآنِ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ في بَعْضِ النُّسَخِ الَّتِي طُبِعَتْ بَعِيدًا عَنْ رِقَابَةِ الهَيْئَاتِ المُخْتَصَّةِ بمُرَاجَعَةِ مِثْلَ هَذِهِ الكُتُبِ والتَّحَقُّقِ مِنْهَا، أَوْ في بَعْضِ الكُتُبِ غَيْرِ المُحَقَّقَةِ الَّتِي تَرْوِي الأكَاذِيبَ والأحَادِيثَ الَّتِي بِلاَ سَنَدٍ عَنْ عَمْدٍ؛ كَكُتُبِ الشِّيعَة والصُّوفِيَّة، وَكَذَا الحَالُ في المُنْتَدَيَاتِ التي تَنْقِلُ بِلاَ ضَابِطٍ للنَّقْلِ أو تَحَرٍّ لصِحَّةِ المَنْقُول.
ثَانِيًا: مِنَ الثَّابِتِ في عَقِيدَةِ المُسْلِمِ المُؤْمِنِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ بحِفْظِ الدِّينِ كَامِلاً؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى [ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ]، وَالسُّؤَالُ لِمَنْ لَهُمْ عَقْل فَقَطْ بِلاَ عِلْمٍ: كَيْفَ تَرَكَ اللهُ القُرْآنَ طِوَالَ هَذِهِ القُرُونِ وَبِِهِ سُوَرٌ لَيْسَتْ مِنْهُ؟ فَإنْ قَالُوا أنَّ اللهَ قَدْ حَفِظَ الدِّينَ، فَقَدْ أسْقَطُوا هَذِهِ الشُّبْهَةَ بِأنْفُسِهِمْ ونَقُولُ لَهُمْ (قُمْ فَقَدْ أفْتَيْتَ نَفْسَكَ)، أَمَّا إذَا أَصَرُّوا عَلَى شُبْهَتِهِمْ، فَهُمْ بذَلِكَ يَتَّهِمُونَ اللهَ صَرَاحَةً بِالعَجْزِ عَنْ حِفْظِ الدِّينِ، وهذا مُحَالٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَجَالٌ ثَالِثٌ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ.
ثَالِثًا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أرْبَعَةٍ، عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وسَالِمٍ مَوْلَى أبِي حُذَيْفَة، وأُبَيِّ بْن كَعْب، ومُعَاذِ بْن جَبَل ]، فَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ لمََكَانَتِهِ عِنْدَ اللهِ ورَسُولِهِ، وَإذَا تَقَرَّرَ لَدَى المُسْلِمِ المُؤْمِنِ أَنَّ اللهَ قَدْ تَكَفَّلَ بحِفْظِ الدِّينِ، فَيَكُونُ يَقِينًا أَنَّ مَنِ اصْطَفَاهُمُ اللهُ لحََمْلِ هَذَا الدِّينِ وتَبْلِيغِهِ مِنْ رُسُلٍ وأصْحَابِ الرُّسُلِ هُمْ بمَنْأى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الشُّبُهَاتِ، وَذَلِكَ يَعْنِي أَنَّ التَّشْكِيكَ في أَحَدٍ مِنْهُمْ هُوَ تَشْكِيكٌ في اخْتِيَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِصَحَابَتِهِ، وَتَشْكِيكٌ في تَرْبِيَتِهِ لَهُمْ عَلَى الإسْلاَمِ، وَهُوَ تَشْكِيكٌ أكْبَرٌ في حِكْمَةِ اللهِ في تَدْبِيرِ وتَصْرِيفِ أُمُورِ الكَوْنِ بِمَا يَحْفَظُ الدِّينَ الَّذِي اخْتَارَهُ لنََِفْسِهِ، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ عَقْلاً وشَرْعًا.
رَابِعًا: كَيْفَ يُصَلِّي هَؤُلاَءِ - المُتَشَدِّقُونَ بِمَا لاَ يَفْهَمُونَ - صَلاةَ الوِتْرِ؟ وَمِنْ أيْنَ جَاءُوا بالسُّوَرِ الَّتِي تُقْرَأُ فِيهَا ومِنْ بَيْنِهَا المُعَوِّذَتَيْنِ؟ وَمَاذَا يَقُولُونَ في الرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ؟
خَامِسًا: إنْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي أَنْكَرَ هَذا الأمْرَ، فَأيْنَ كَانَ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ؟ وَمَاذَا كَانَ مَوْقِفُهُمْ مِنْهُ؟ هَلْ مَنْ يَقُولُ بِهَذا القَوْلِ الفَارِغِ مِنَ المَنْطِقِ يَجْرُؤُ عَلَى تَقْدِيمِ الدَّلِيل بِأنَّ الصَّحَابَةَ رضْوَانَ اللهِ عَلَيْهِمْ وَافَقُوا ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى إنْكَارِهِ هَذَا وَأنَّهُمْ كَانُوا يَحْفَظُونَ القُرْآنَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِدُونِ المُعَوِّذَتَيْنِ؟ نَحْنُ لَدَيْنَا الدَّلِيلُ عَلَى العَكْسِ، أوَّلاً: لاَ يُوجَدُ أيُّ خَبَرٍ صَحِيحٍ وَرَدَ في الكُتُبِ الصِّحَاحِ المُعْتَبَرَةِ أَنَّ أحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ رضْوَانَ اللهِ عَلَيْهِمْ تَكَّلَمَ في هَذا الأمْرِ أَوْ وَافَقَ عَلَيْهِ أَوْ أنْكَرَهُ، وَهُوَ أَمْرٌ لَيْسَ بِالهَيِّنِ ليَتْرُكَهُ صَحَابَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِلاَ بَيَانٍ أَوْ رَدٍّ، وثَانِيًا: الاحْتِجَاجُ بأَنَّ نُسْخَةَ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ بِِهَا المَعُوذَتَيْنِ احْتِجَاجٌ مَرْدُودٌ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَإنْ قُبِلَ هَذا الاحْتِجَاجُ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَكَيْفَ يُقْبَلُ في حَيَاتِهِ؟ فَإنْ كَانَتِ المَعُوذَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنَ القُرْآنِ فَكَيْفَ أقَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى ذَلِكَ وتَرَكَ بَقِيَّةَ الصَّحَابَةِ يَكْتُبُونَهُمَا في نُسَخِ مَصَاحِفهِمْ ويَحْفَظُونَهُمَا عَلَى أنَّهُمَا مِنَ القُرْآنِ؟ وثَالِثًا: أنَّ الكُتْبَةَ الأُولَى في عَهْدِ أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ والثَّانِيَةَ في عَهْدِ عُثْمَان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تَمَّتْ مُرَاجَعَتُهَا مَعَ كِبَارِ الحُفَّاظِ وكِبَارِ الصَّحَابَةِ وكَتَبَةِ الوَحْيِ، وَلَمْ يَقُلْ أحَدٌ مِنْهُمْ بأَنَّ المُعَوِّذَتَيْنِ لَيْسَتَا مِنَ القُرْآنِ، وَتَمَّتْ كِتَابَةُ المُصْحَفِ في عَهْدِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِسُوَرِهِ كَامِلَةً كَمَا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَكَمَا هِيَ بَيْنَ أيْدِينَا اليَوْمَ باتِّفَاقِ كُلِّ الصَّحَابَةِ دُونَ خِلاَفٍ.
سَادِسًا: الكَلاَمُ في هَذِهِ الشُّبْهَةِ كَلاَمٌ قَدِيمٌ يَتَنَاقَلُهُ الجُهَلاَءُ وَمُتَّبِعِي الشُّبُهَاتِ بَيْنَ الحِينِ والآخَرِ، وَقَدْ ذَكَرَتْهُ بَعْضُ كُتُبِ التَّفْسِيرِ، وَنُسِبَ إِلَى عَبْدِِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ القُرْطُبِيّ في تَفْسِيرِهِ (ج25 - ص251) [ زَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أنَّهُ: مَا (قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَق - وقُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس) إلاَّ دُعَاءٌ تَعَوَّذَ بِهِالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ سَحَرَتْهُ اليَهُودُ، ولَيْسَتَا مِنَ القُرْآنِ، خَالَفَ بِهِ الإجْمَاعُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأهْلِ البَيْتِ ]، وَهَذا الكَلاَمُ يَعْنِي أنَّ المُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ القُرْآنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ هُوَ الإجْمَاعُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأهْلِ البَيْتِ، ثُمَّ ذَكَرَ القُرْطُبِيّ مُبَرِّرَاتٍ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرَ أنَّ ابْنَ قُتَيْبَة قَالَ [ لَمْ يَكْتُبْعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ في مُصْحَفِهِ المُعَوِّذَتَيْنِ لأنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَيُعَوِّذُ الحَسَن والحُسَيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-بِهِمَا، فَقَدَّرَ أنَّهُمَا بمَنْزِلَةِ: أُعِيذُكُمَابكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ ]، وَمِنَ المَعْلُومِ أنَّ المُصْحَفَ الرَّسْمِيَّ المُعَوَّلَ عَلَيْهِ هُوَ مَا كَانَ يُمْلِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى كُتَّابِ الوَحْيِ، وَكَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَكْتُبُ لِنَفْسِهِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ في مُصْحَفٍ خَاصٍّ كابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ تُكْتَبُ فِيهِ تَعْلِيقَاتٍ وَتَوْضِيحَاتٍ وَهَوَامِشٍ يَرَاهَا صَاحِبُ المُصْحَفِ هَامَّةً عِنْدَهُ، وَعَلَى فَرْضِ أنَّ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَكْتُبْهُمَا في مُصْحَفِهِ؛ فَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ، لأنَّ القُرْآنَ لَمْ يَكُنْ قَدْ جُمِعَ في مُصْحَفٍ وَاحِدٍ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ كَانَ مُفَرَّقًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ مَنْ كَتَبَ بَعْضَهُ في صُحُفٍ أَوْ عَلَى حَجَرٍ، وَرُبَّمَا كَانَتِ السُّوَرُ اَّلتِي في صُحُفِ هَذا غَيْرَ الَّتِي في صُحُفِ ذَاكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ وَعَاهُ في صَدْرِهِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ الجَمْعُ في عَهْدِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلَوْ أنَّ القُرْآنَ كَانَ مَجْمُوعًا مِنْ قَبْلِ عِنْدَ شَخْصٍ أَوْ شَخْصَيْنِ لَمَا احْتَاجَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى تَخْصِيصِ لَجْنَةٍ لِلإشْرَافِ عَلَى جَمْعِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ؛ وَلَمَّا اسْتَقَرَّ الأمْرُ وَجُمِعَتْ كُلُّ سُوَرِ القُرْآنِ وَتَمَّتْ مُرَاجَعَتُهَا مَعَ كِبَارِ الحُفَّاظِ وَعَلَى رَأسِهِمْ مَنْ أمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ بِأخْذِ القُرْآنَ عَنْهُمْ وَأوَّلُهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، نَسَخَ مِنْهُ عِدَّةَ نُسَخٍ وَأرْسَلَ بَعْضَهَا إِلَى الأمْصَارِ لِتَكُونَ إمَامًا للنَّاسِ؛ وَأمَرَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِإحْرَاقِ كُلَّ مَا عَدَا المُصْحَفِ الَّذِي جَمَعَهُ حَتَّى يَكُونَ المُصْحَفُ الرَّسْمِيُّ وَاحِدًا لاَ خِلاَفَ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ، وَقَدْ اسْتَجَابَ لَهُ كُلُّ الصَّحَابَةِ رضْوَانَ اللهِ عَلَيْهمْ بِلاَ اسْتِثْنَاءٍ بِمَا فِيهِمْ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أيُّ خِلاَفٍ في ذَلِكَ.
وَأبُو بَكْرِالأنْبَارِي لاَ يَرْضَى قَوْلَ ابْنِ قُتَيْبَة فِيمَا نُسِبَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ ويُؤَكِّدُ أنَّ المُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ كَلاَمِ رَبِّ العَالَمِينَ المُعْجِزِ لجَمِيعِ المَخْلُوقِينَ، وَأنَّ (أُعِيذُكُمَا بكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ) وَاضِحٌ أنَّهُ مِنْ قَوْلِ البَشَرِ، وَكَلاَمُ اللهِ الخَالِقِ الَّذِي هُوَ مُعْجِزَةٌ لخَاتَمِ الأنْبِيَاءِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَحُجَّةٌ بَاقِيَةٌ عَلَى الكَافِرِينَ لاَ يَلْتَبِسُ بِكَلاَمِ الآدَمِيِّينَ عَلَى مِثْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ العَالِمِ باللُّغَةِ وأفَانِين الكَلاَمِ.
ثُمَّ يَذْكُرُ القُرْطُبِيّ أنَّ تَرْكَ عَبْدُ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ لِكِتَابَتِهِمَا سَبَبُهُ كَمَا قَالَ البَعْضُ [ أنَّهُ آمنَ عَلَيْهِمَا مِنَ النِّسْيَانِ، كَمَا أسْقَطَ فَاتِحَةَ الكِتَابِ مِنْ مُصْحَفِهِ لذَلِكَ، مَعَ أنَّهُ حَافِظٌ مُتْقِنٌ ]، وَلَكِنَّ هَذا التَّعْلِيلَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، لأنَّهُ كَتَبَ (إذا جَاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْحُ، وإنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَر، وقُلْ هُوَ اللهُ أحَد)، وَهُنَّ كَالمُعَوِّذَتَيْنِ في عَدَمِ الطُّولِ وفي سُرْعَةِ الحِفْظِ، ونِسْيَانُهُنَّ مَأمُونٌ.
وذَكَرَ ابْنُ كَثِير في تَفْسِيرِهِ عِدَّةَ رِوَايَاتٍ تُثْبِتُ أنَّ المُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ القُرْآنِ، وَأنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا في الصَّلاةِ ويُرَغِّبُ في قِرَاءَتِهِمَا لِمَا لَهُمَا مِنَ الثَّوَابِ العَظِيمِ، وأكْثَرُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ في مُسْنَدِ أحْمَد وفي سُنَنِ النَّسَائِيّ، ورَوَى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِر أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ [ ألَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلَهُنَّ قَطٌّ، قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَق وقُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس ]، وكَمَا جَاءَ في تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِير أنَّ البُخَارِيّ رَوَى عَنْ زِرِّ بْن حُبَيْشٍ أنَّهُ سَألَ أُبَيّ بْن كَعْب [ يَا أبَا المُنْذِرِ؛ إنَّ أخَاكَ ابْن مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: إنِّي سَألْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ (قِيلَ لِي فَقُلْتُ)، فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ]، وَالحَافِظُ ابْن حَجَر ذَكَرَ كَثِيرًا مِمَّا تَقَدَّمَ يُؤَكِّدُ الإجْمَاعَ عَلَى أنَّ المُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ كَلاَمِ اللهِ تَعَالَى وَقُرْآنِهِ الكَرِيمِ، الشَّاهِدُ في هَذا الكَلاَمِ أنَّ المُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ كَلاَمِ اللهِ وَمِنْ سُوَرِ المُصْحَفِ، وَعَدَمُ كِتَابَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ لَهُمَا لاَ يَلْزَمُ مِنْهُ أنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنَ القُرْآنِ، بِصَرْفِ النَّظَرِ عَمَّا جَاءَ مِنْ تَعْلِيلٍ لِذَلِكَ، فَالإجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ مِنْ أيَّامِ الصَّحَابَةِ عَلَى أنَّهُمَا مِنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَمُصْحَفُ عُثْمَانِ هُوَ الإمَامُ لِكُلِّ المَصَاحِفِ لإجْمَاعِ كُلَّ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، ولا نَعْلَمُ أيْنَ هُمْ ومَا مَوْقِفهُم مِنَ الفَاتِحَةِ التي أسْقَطَهَا ابْن مَسْعُود أيْضًا مِنْ صُحُفِهِ؟
سَابِعًا: قَالَ الإمَامُ ابْن حَزْم في المُحَلَّى [ وَكُلُّ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَأُمَّ الْقُرْآنِ لَمْ تَكُنْ في مُصْحَفِهِ فَكَذِبٌ مَوْضُوعٌ لاَ يَصِحُّ; وَإِنَّمَا صَحَّتْ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْن حُبَيْشٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ وَفِيهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ ]، وَقَالَ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ المُهَذَّب [ أجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى أنَّ المُعَوِّذَتَيْن والفَاتِحَةَ مِنَ القُرْآنِ، وَأنَّ مَنْ جَحَدَ مِنْهُمَا شَيْئًا كَفَرَ، وَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَاطِلٌ لَيْسَ بصَحِيحٍ ]، ولِمَ لا وقَدْ قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ نَفْسِهِ حَقًّا وصِدْقًا [ واللهِ الَّذِي لا إلَهَ غَيْرهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةً مِنْ كِتَابِ الله إلاَّ أنَا أعْلَمُ أيْنَ أُنْزِلَت، ولا أُنْزِلَت آيَةً مِنْ كِتَابِ الله إلاَّ أنَا أعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَت، ولَوْ أعْلَمُ أحَدًا أعْلَمَ مِنِّي بكِتَابِ الله تَبْلُغهُ الإبِلْ لرَكِبْتُ إلَيْهِ ] رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
ثَامِنًا: دُونَ الدُّخُولِ في القَوَاعِدِ الفِقْهِيَّةِ؛ نَسْألُ سُؤَالاً يُجِيبُهُ ذُو الفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَالإيِمَانِ الصَّحِيحِ وَالعَقْلِ الَّذِي لَمْ تَشُبْهُ شَائِبَةُ الشُّبُهَاتِ: إذا عُرِضَ عَلَيْكَ حَدِيثٌ نَبَوِيٌّ صَحِيحٌ وَقَوْلٌ صَحِيحٌ لِصَحَابِيٍّ، وَكَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ يُخَالِفُ الحَدِيثَ، فَبِأيِّهِمَا تَأخُذُ؟ الإجَابَةُ المَنْطِقِيَّةُ المُجَرَّدَةُ عَنْ كُلِّ هَوَى هِيَ: سَآخُذُ بالحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، فَلاَ يُقَارَنُ كَلامُ نَبِيٍّ مَعَ كَلاَمِ أيٍّ مِنَ البَشَرِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ثُمَّ يُفَضَّلُ الأخِيُرَ عَلَى النَّبِيِّ، فَمَا بَالُكَ إذا كَانَ الكَلاَمُ المَنْسُوبُ إلى الصَّحَابِيِّ أَصْلاً غَيْرَ صَحِيحٍ، وَيُخَالِفُ كُلَّ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ أحَادِيثٍ صَحِيحَةٍ ثَابِتَةٍ، فَأيُّ عَقْلٍ يَقْبَلُ الجِدَالَ في ذَلِكَ؟ وَإلَى أيِّ نَتِيجَةٍ يَهْدِفُ؟
والآنَ نُقَدِّمُ لَكَ الأحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي تُثْبِتُ أنَّ المُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ القُرْآنِ لنَقْضِي عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ تَمَامًا:
θعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ [ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ إذا أوَى إلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأ فِيهمَا (قُلْ هُوَ اللهُ أحَد) و(قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَق) و(قُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس) ثُمَّ يَمْسَح بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِه، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ] صَحِيحُ البُخَارِيّ.
θعَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ [ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ إذا أوَى إلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأ فِيهمَا (قُلْ هُوَ اللهُ أحَد) و(قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَق) و(قُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس) ثُمَّ يَمْسَح بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِه، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ] صَحِيحُ البُخَارِيّ.
θعَنْ عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ [ ألَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلَهُنَّ قَطٌّ، قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَق وقُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس ]صَحِيحُ مُسْلِم.
θعَنْ عُقْبَةَ ابْن عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ [ اتَّبَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِب، فَوَضَعْتُ يَدي عَلَى قَدَمِهِ، فَقُلْتُ: أقْرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ سُورَةَ هُود وسُورَة يُوسُف، فَقَالَ: لَنْ تَقْرَأَ شَيْئًا أبْلَغَ عِنْدَ اللهِ مِنْ (قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَق) و(قُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس) ] صَحِيحُ النَّسَائِيّ للألْبَانِيّ.
θعَنْ عُقْبَةَ ابْن عَامِر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ [ كُنْتُ أقُودُ برَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَاقَتَهُ في السَّفَرِ، فَقَالَ لِي: يَا عُقْبَة؛ ألاَ أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْن قُرِئَتَا، فَعَلَّمَنِي (قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَق) و(قُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس)، قَالَ: فَلَمْ يَرَنِي سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلاَةَ الصُّبْحِ للنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الصَّلاَةِ الْتَفَتَ إلَيَّ فَقَالَ: يَا عُقْبَة؛ كَيْفَ رَأيْتَ؟ ] صَحِيحُ أبِي دَاوُد للألْبَانِيّ.
θعَنْ عُقْبَة ابْن عَامِر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ [ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: قُلْ، قُلْتُ: ومَا أقُولُ؟ قَالَ: قُلْ هُوَ اللهُ أحَد، قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَق، قُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس، فَقَرَأَهُنَّ رَسُولُ اللهِ ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَتَعَوَّذِ النَّاسُ بمِثْلِهِنَّ– أو- لا يَتَعَوَّذُ النَّاسُ بمِثْلِهِنَّ ] صَحِيحُ النَّسَائِيّ للألْبَانِيّ.
θعَنْ جَابِرِ بْن عَبْد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ [ قَالَ رَسُولُ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: اقْرَأْ يَا جَابِر، قُلْتُ: وماذا أقْرَأُ بأبِي أنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: اقْرَأْ (قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَق) و(قُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس)، فَقَرَأتُهُمَا؛ فَقَالَ: اقْرَأْ بِهِمَا؛ وَلَنْ تَقْرَأَ بمِثْلِهِمَا ] صَحِيحُ النَّسَائِيّ للألْبَانِيّ.
θعَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ [ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ، وعَيْنِ الإنْسَانِ، حَتَّى نَزَلَتِ المَعُوذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أخَذَ بِِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا ]، صَحِيحُ التِّرْمِذِيّ؛ صَحِيحُ النَّسَائِيّ؛ صَحِيحُ ابْن مَاجَه؛ صَحِيحُ الجَامِع للألْبَانِيّ.
θعَنْ ابْنِ عَابِس الجُهَنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ [ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: يَا ابْنَ عَابِس؛ ألاَ أُخْبِرُكَ بأفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ بِهِ المُتَعَوِّذُونَ؟(قُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَق) و(قُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاس) هَاتَيْن السُّورَتَيْن ] صَحِيحُ الجَامِع للألْبَانِيّ.
θعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْن جُرَيْجٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ [ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقْرَأُ في الرَّكْعَةِ الأُولَى بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وفي الثَّانِيَةَ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي الثَّالِثَةِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ ] صَحِيحُ أبِي دَاوُد للألْبَانِيّ.
وعَلَى ذَلِكَ؛ وبفَضْلٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى نَكُونُ قَدْ رَدَدْنَا عَلَى هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَدَحَضْنَا فِكْرَ القَائِلِ بِهَا والسَّمَّاعِ لَهَا الَّذِي لَوْ قَرَأ القُرْآنَ مَرَّة وَاحِدَة في عُمْرِهِ بتَدَبُّرٍ لَمَا قَالَ بمِثْلِ هذه الأقَاوِيل، ولَوْ قَرَأ السُّنَّةَ ولَوْ مَرَّة وَاحِدَة مِنْ كِتَابٍ للمُبْتَدِئِينَ لَمَا صَدَّقَ في مِثْلِ هذه السَّخَافَات، فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذا، وَمُا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أنْ هَدَانَا اللهُ، قَالَ تَعَالَى [ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ 29 فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ 30 مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ 31 مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ 32 ].
وهذا مَا أعْلَم؛ والله تَعَالَى أعْلَى وأعْلَم.
والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
تعليق