بسم الله الرحمن الرحيم
للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه....أما بعد: فإنه لما كانت الشهادتان الركن الأساسي لدين الإسلام ومفتاح الجنة والتحريم على النار... كان لزاما على كل مسلم ومسلمة معرفة شروطهما حتى ينفعه تلفظه بهما ونطقه لهما وإليكموها مجتزئة من كتاب (الشهادتان معناهما وما تستلزمه كل منهما) لفضيلة الشيخ د. عبدالله بن عبدا لرحمن الجبرين رفع الله درجته وأعلى منزلته -آمين- قال الشيخ: ذكر العلماء لكلمة الإخلاص سبعة شروط نظمها بعضهم بقوله: "علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها".
وهذه الشروط مأخوذة بالاستقراء والتتبع للأدلة من الكتاب والسنة، وقد أضاف بعضهم إليها شرطاً ثامناً ونظمه بقوله:
وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأنداد قد ألها.
وأخذ هذا الشرط من قوله صلى الله عليه وسلم «من قال لا اله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه» [رواه مسلم] وذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد ثم قال بعده: وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ به عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها والتلفظ بها، بل ولا الإقرار بذلك بل كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ولا دمه....الخ، ومعنى هذا الشرط أن يعتقد بطلان عبادة من سوى الله وأن كل من صرف شيء من خالص حق الله لغيره فهو ضال مشرك، وأن كل المعبودات سوى الله من قبور وقباب وبقاع وغيرها نشأت من جهل المشركين وخرافاتهم، فمن أقرهم على ذلك أو تردد في خطئهم أو شك في بطلان ما هم عليه فليس بموحد، ولو قال لا إله إلا الله ولو لم يعبد غير الله، ومع ذلك فإن الشروط السبعة هي المشهورة في كتب أئمة الدعوة -رحمهم الله- فنذكر عليها بعض الأدلة للتوضيح.
فأولها العلم: ودليله قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] وروى مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة» [رواه مسلم]والمراد العلم الحقيقي بمدلول الشهادتين وما تستلزمه كل منهما من العمل، وضد العلم والجهل، وهو الذي أوقع المشركين من هذه الأمة في مخالفة معناها، حيث جهلوا معنى الإله ومدلول النفي والإثبات، وفاتهم أن القصد من هذه الكلمة معناها وهو الذي خالفه المشركون العالمون بما تدل عليه حيث قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:5] وقالوا: {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} [ص:6].
وثانيها اليقين: وضده الشك و التوقف أو مجرد الظن والريب والمعنى أن من أتى بالشهادتين فلا بد أن يوقن بقلبه ويعتقد صحة ما يقوله، من أحقية إلهية الله تعالى، وصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبطلان إلهية غير الله بأي نوع من التأله، وبطلان قول كل من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم فإن شك في صحة معناها أو توقف في بطلان عبادة غير الله لم تنفعه هاتان الشهادتان، ودليل هذه الشروط رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشهادتين: «لا يلقي الله بهما عبد، غير شاك فيهما، إلا دخل الجنة» [رواه مسلم] وفي الصحيح عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة» [رواه مسلم].
وقد مدح الله تعالى المؤمنين بقوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:15] وذم المنافقين بقوله: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة:45].
وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله" ولا شك أن من كان موقنا بمعنى الشهادتين فإن جوارحه تنبعث لعبادة الرب وحده ولطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام.
وثالثها القبول: المنافي للرد، فإن هناك من يعلم معنى الشهادتين ويوقن بمدلولها ولكنه يردهما كبرا وحسدا، وهذه حالة علماء اليهود أو النصارى فقد شهدوا بإلهية الله وحده، وعرفوا محمد صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبنائهم ومع ذلك لم يقبلوه {حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة :109].
وهكذا كان المشركون يعرفون معنى لا إله إلا الله وصدق محمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم يستكبرون عن قبوله، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [ الصافات :35] وقال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام :33].
ورابعها الانقياد: ولعل الفرق بينه وبين القبول أن الانقياد هو الاتباع بالأفعال، والقبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول، ويلزم منهما جميعا الاتباع، ولكن الانقياد هو الاستسلام والإذعان، وعدم التعقب لشيء من أحكام الله، قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [ الزمر:54] وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء:125] وقال تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [ لقمان :22].
فهذا هو الانقياد لله تعالى بعبادته وحده، فأما الانقياد للنبي صلى الله عليه وسلم بقبول سنته واتباع ما جاء به والرضا بحكمه، فقد ذكره الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء :65] فاشترط في صحة إيمانهم أن يسلموا تسليماً لحكمه، أي ينقادوا ويذعنوا لما ما جاء به من ربه.
وخامسها الصدق: وضده الكذب وقد ورد اشتراط ذلك في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه، دخل الجنة» [رواه ابن عبد البر]فأما من قالها بلسانه و أنكر مدلولها بقلبه فإنها لا تنجيه، كما حكى الله عن المنافقين أنهم قالوا: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون :1] وقال تعالى :{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون :1] وهكذا كذبهم بقوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة :8].
وسادسها الإخلاص: وضده الشرك قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ . أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر :2-3] وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} [الزمر:11] وقال: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي} [الزمر :14].
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قبل نفسه» [رواه البخاري] وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عتبان : «فإن الله حرم على النار من قال لا اله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» [رواه البخاري] فالإخلاص أن تكون العبادة لله وحده، دون أن يصرف منها شئ لغيره، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، وكذا الإخلاص في إتباع محمد صلى الله عليه وسلم بالاقتصار على سنته، وتحكيمه وترك البدع والمخالفات، وكذا ترك التحاكم إلى ما وضع البشر من قوانين وعادات ابتكروها وهي مصادمة للشريعة، فإن من رضيها أو حكم به لم يكن من المخلصين.
وسابعها المحبة: المنافية لضدها من الكراهية والبغضاء، فيجب على العبد محبة الله ومحبة أوليائه وأهل طاعته، فهذه المحبة متى كانت صحيحة ظهرت آثارها على البدن، فترى العبد الصادق يطيع الله ويتبع رسوله صلى الله عليه وسلم ويعبد الله حق عبادته ويتلذذ بطاعته ويسارع الى كل ما يحبه مولاه من الأقوال والأعمال، وتراه يحذر المعاصي ويبتعد عنها، ويمقت أهلها ويبغضهم، ولو كانت تلك المعاصي محبوبة للنفس ولذيذة في العادة، لعلمه أن النار حفت بالشهوات، والجنة حفت بالمكاره، فمتى كان ذلك فهو صادق المحبة، ولهذا سئل ذو النون المصري -رحمه الله- متى أحب ربي؟ فقا : إذا كان ما يبغضه أمر عندك من الصبر، ويقول بعضهم: من ادعى محبة الله ولم يوافقه فدعواه باطلة، وقد شرط الله لعلامة محبته إتباع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [ آل عمران:31].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعليق