د/أحمد صبحي منصور
بتصرف بسيط جدا
تمهيد:-
الدراسات الحديثة عن البدوى
جاء فى ( سيرة ابن هشام ) أن اشراف مكة اجتمعوا يوما عند الكعبة فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : " ما رأينا مثل صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط . سفه احلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم ".
ولقد صدق أئمة الكفر من قريش ، وقد كذبوا ..
صدقوا فى وصفهم للرسول عليه السلام بأنه سفه أحلامهم – أى عقولهم – وعاب دينهم .. فعقول تعبد الأنصاب ودين يقدس الأحجار لا تستحق تلك العقول وذلك الدين إلا أن يوصف بالسفه والعيب .
وقد كذبوا حين وصفوه صلى الله عليه وسلم بأنه يسب ويشتم فما كان عليه السلام سبابا ولا فحاشا و لا عيابا ..وكل ما هنالك أنه قال حقا .. وصف آلهة قريش بما تستحقه من أنها لا تنفع ولا تضر ولا تحس ولا تشعر ولا تملك لنفسها أو غيرها موتا ولا حياة ولا نشورا ، ولكن هذا الحق الذى نطق به محمد صلى الله عليه وسلم يعتبره كفار قريش عيبا لا عيب بعده .فأشد الزيغ عندهم أن توصف آلهتهم بصفات البشر من العجز والاحتياج ، فهم يضعون تلك الآلهة فوق مستوى البشر وما يجوز على البشر لا شأن لهم به ، وإذا فكر البعض مجرد تفكير فى وصف هذه الآلهة بصفات البشر لاعتبروه صابئا خارجا على الدين .
وتلك إحدى سمات الشرك .. أن تضاف خرافات التقديس والتمجيد إلى شخص ما من بنى الإنسان لترتفع به إلى مستوى الإله ، حتى إذا حاول باحث أن يظهره على حقيقته التاريخية كإنسان عادى له محاسن ومساوىء قامت عليه الدنيا ولم تقعد .. وكل ما اقترفه الباحث المسكين أنه قال حقاً، أى وصف ذلك الشخص المقدس عند اتباعه بصفات البشر العاديين ..إلا أنه لم يدر أنه بذلك أنزل ذلك الإله المقدس من عليائه وجعله إنسانا لا يختلف فى شىء عن باقى أتباعه ، فطعن الأتباع فى أقدس عقائدهم فاظهر أن عقولهم خرافة ودينهم لا يستحق إلا العيب ،ومما لا شك فيه أنهم سيعتبرون ذلك سبا فى آلهتهم وذما فى عقولهم وعيبا فيما اعتاده أسلافهم . بذلك نطق كفار قريش، ومن هذا الموقع نفسه سينظر أتباع البدوى لهذا الكتاب الذى يتعرض لحقيقة البدوى التاريخية وصورته الخرافية التى ملأت عقول أتباعه.
ومع أن هذا الكتاب لا يقول إلا الحقيقة المستمدة من كتابات الصوفية أنفسهم أو من كتاب الله العزيز والمصادر التاريخية الموثوق بها – مع ذلك فإن هذه الحقيقة لن تكون أمام أتباع البدوى إلا السباب والشتم والعيب، لأنهم لا يرون الحقيقة إلا فيما يؤمنون به ولو كان خرافة وفيما يعتقدونه ولو كان إفكاً وفيما نشأوا عليه ولو كان بهتاناً .
ولا أدل على تأليههم للبدوى وأعتباره شيئا مقدسا فوق مستوى البشر من اعتبار تاريخه حرما مقدسا لا يدنو منه المؤرخ إلا وفى نيته أن يكيل له الحمد والتقديس فقط ، أما إذا تجرأ وعامل البدوى كبشر يؤرخ له كما نؤرخ لسائر الناس فإن القيامة تقوم عليه وترتفع صيحات الغضب لإن " الحمى المقدس " قد تجرأ عليه البعض " سباً وشتماً وعيباً " مع أن الحقيقة لا يمكن أن تكون سباً أو عيباً بأى حال.
لماذا ؟
لأن البدوى والصوفية آلهة ويمتازون عن جميع البشر بطريقة خاصة فى التعامل، ولابد للمؤرخ إذا اراد النجاة من الأتباع الصوفية أن يعامل البدوى كإله معصوم منزه عن ضعف البشر ومساوئ بنى آدم.أما إذا تجرأ ولم يأبه بمشاعر الأتباع الصوفية وقال الحق ، فإن هذا الحق سيعتبر(عيبا فى الذات المقدسة ) ولا يستغرب حينئذ أن يعقدوا إجتماعا فى ضريح الحسين فيتذكروا الأمر ويقولوا مقالة القرشيين " ما رأينا مثل صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط ، سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم ".
منهج البحث ومصادره
1) وهذا الكتاب عن البدوى وعنوانه " السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة" :
= أى يبحث حقيقة البدوى : كداعية شيعى استغل التصوف ستارا لإرجاع الحكم الشيعى الذى إنقرض بزوال الدولة الفاطمية فى مصر على يد صلاح الدين الأيوبى ، وحين ضعفت الدولة الأيوبية إنتهز الشيعة الفرصة فأعادوا دعوتهم المتسترة بالتصوف لإرجاع الملك الزائل ،إلا أن الدولة المملوكية قامت اثر الحكم الأيوبى فأضاعت آمال الشيعة المتسترين بالتصوف فاضطروا إلى تمثيل دور المتصوفة إلى نهايته .
= ثم يبحث فى خرافة البدوى :-
فنظرا لكثرة الأتباع السريين للبدوى وزملائه فى هذه الحركة السرية المتسترة بالتصوف فإن الدعاية للبدوى بعد موته ملأت جميع الأنحاء فى مصر، ووقع عليهم عبء التأريخ للبدوى ، فحولوه من شخص إلى اسطورة ومن واقع الى خرافة ، وذلك ليجتذبوا إليهم أفواج البشر إلى مثوى البدوى فى طنطا فى (مولد البدوى ) ، أملا فى الرزق الوفير والجاه بين الناس . وأدى ذلك بالطبع إلى تأليه البدوى ورفعه فوق مستوى البشر واضفاء صفات الله عليه من تصريف فى الخلق وعلم بالغيب ، مع التقرب إليه بالتوسل والزيارة ، وكل ذلك خروج عن الإسلام الذى ينهى عن تقديس البشر
ذلكم بإختصار هو موضوع الكتاب ، وقد ظهر فيه أنه ينقسم إلى فصلين ، يبحث
الفصل الأول فى حقيقة البدوى أو نشاطه السياسى السرى المتستر بالتصوف ، ويبحث
الفصل الثانى عن خرافة البدوى ، أو ما قام به المتصوفة من تأليه للبدوى وتقديس له .
2 ـ والواقع أن حركة البدوى السياسية كانت نهاية المطاف فى مخطط حكم "شمال افريقيا" ومصر والحجاز والعراق والشام ، بدأ فى أفريقيا والمغرب ومر بالحجاز وأقام بالعراق ثم إنتقل إلى مصر ، كان رواده الأوائل والد البدوى ووالد الرفاعى وسائر الشيعة الذين هربوا من المغرب ، وعقدوا مؤتمراً بالحجاز وضعوا فيه الخطط ، ثم أقاموا أول خلية لهم فى العراق ، ما لبثت أن تطورت ونمت على يد أحمد الرفاعي فى القرن السادس الذى أرسل البعوث السرية إلى الشرق والغرب من موطنه (أم عبيدة فى واسط بالعراق) ..وكان من بين أتباعه أبو الفتح الواسطى فى مصر،والذى جاء البدوى ليخلفه فى الدعوة بعد موته فى القرن السابع ..وبفشل البدوى فى الدعوة السرية تحولت بعد موته إلى تصوف بحت رفع البدوى إلى مصاف التأليه وتحول الطموح السياسى إلى مولد وضريح ودعاية وخرافة اتسع لها الفصل الثانى.
3 ـ ولأن البدوى (قضية) مثارة على الدوام تحظى باهتمام الكثيرين على اختلاف المستوى الثقافى والعلم بالتاريخ الإسلامى ، ولأن حركة البدوى مزجت بين التشيع السياسى السرى والتصوف المعلن ، ولأن الشيعة اشتهروا بالسرية والالتواء والألغاز والمعميات ، ولأن الصوفية اشتهروا مثلهم بالرموز والتأويلات والأساطير والخرافات ، لذلك كله فإن تلمس حقيقة البدوى السياسية وسط هذه الظروف وتقريبه لغير المتخصصين فى التاريخ والتصوف والتشيع يعتبر أمرا شاقا ، أرجو أن أكون قد وفقنى الله إليه..
3 / 1 : فالكتاب فى فصله الأول يبحث قضية علمية تاريخية على أرفع مستوى من التخصص ، وهى استغلال التصوف بيد طائفة من الشيعة لغرض سياسى هو التآمر لاسقاط العروش الحاكمة فى المنطقة فى القرنين السادس والسابع الهجريين . ثم هو مطالب بعدها أن يقدم هذا البحث العلمى بصورة سهلة يستطيع القارىء غير المتخصص أن يستوعبها . وإذا كان صعبا أن نتعرف على الحقيقة التاريخية من خلال أكوام الرموز والأساطير والخرافات والحوادث التاريخية المختلفة زمنا بين القرنيين السادس والسابع والمختلفة فى المكان بين المغرب ومصر والحجاز والعراق ..إذا كان هذا صعبا من الناحية العلمية فإن الأصعب هو تقديم ذلك فى صورة سهلة مبسطة ..خدمة للقراء الذين يهمهم التعرف على حقيقة البدوى وخرافته.
3 / 2 : ويزيد من الصعوبة أن حركة التشيع السرية تلك قد نبتت على مسرح سياسى معقدة ظروفه ، أثرت فيه وأثر فيها . فالحركة حين بدأت فى المغرب تأثرت بدولة الموحدين ثم إذا انتشرت فى العراق حيث مدرسة أحمد الرفاعى كان لابد أن تتأثر بظروف الخلافة العباسية وتطورات الأمور فى المشرق الإسلامى الذى وجهت نحوه مبعوثيها.ثم إذا انتقلت الى مصر فى شخص أبى الفتح الواسطى ثم البدوى كان لابد أن تتفاعل بظروف مصر يومئذ وهى تودع الدولة الأيوبية وتتهيأ لزعامة المنطقة تحت قيادة الدولةالمملوكية.
3 / 3 : وفى نهاية الأمر فإن تلك الحركة الشيعية السرية فى القرنيين السادس والسابع والتى كان البدوى نهاية المطاف فيها – هذه الحركة الشيعية لم تكن الأولى أو الأخيرة فى جهد الشيعة السياسى السرى الذى استغل كل الظروف للكيد للدولة العباسية منذ بدايتها وحتى بعد أفول شمسها وقيام الدولة المملوكية والقوى الأخرى التى ورثت العراق والمشرق . وإن كانت الحركة الشيعية التى نحن بصدد البحث فيها لم تنجح فإن الحركات السابقة وبعض الحركات اللاحقة أفلحت فى إنشاء دول وممالك ، وهى لم تغفل عن الاستفادة بالتستر بالزهد والتصوف لتكسب بها المزيد من الأنصار والأتباع..
4 ـ لذا بدأ الفصل الأول بإشارة عامة للحركات الشيعية فى القرون الثالث والرابع والخامس من الهجرة ، وكيف استفادت بالتستر بالزهد والتصوف فى حركاتها الموجهة ضد الدولة العباسية كحركة الزنج وحركة القرامطة ، ثم قيام الدولة الفاطمية باستغلال إدعاء الزهد والتصوف أثناء قيامها بعد أن استقرت أمورها فى مصر لم تترك استغلال التصوف فى نشر مذهبا بين المصريين . وقد استفاد صلاح الدين الأيوبى من أعدائه الشيعة فحاربهم بمثل سلاحهم أى بالتصوف الموالى له.
5 ـ ثم بحثنا جذور حركة البدوى السياسية فى القرنيين السادس والسابع ودور مدرسة المغرب فى بداية الدعوة الشيعية ومساندتها حين انتقلت الدعوة للمشرق ، ودور مدرسة الرفاعى فى أم عبيدة بالعراق وسياسته مع الأتباع والمريدين وعلاقته بالخلافة العباسية وبعوثه للمشرق ثم بعوثه إلى مصر بعد انتهاء الخلافة الفاطمية الشيعية فيها.. ثم كان البدوى مبعوثا ليخلف أبا الفتح الواسطى أبرز دعاة الرفاعى فى مصر الأيوبية . وبيّنا كيف أعدّ الشيعة فى مصر المسرح وهيأوه للبدوى فاختاروا له قرية مجهولة ذات موقع هام هى طنطا ، وإليها توافد الشيعة فأخذوا العهد على البدوى منذ بدايته ، وكيف أن الأدوار توزعت على الجميع بين الشاذلى فى الأسكندرية والدسوقى فى دسوق ومدرسة أبى الفتح الواسطى فيما بين طنطا والقاهرة والأسكندرية.
6 ـ وتحدثنا عن جهود البدوى فى المرحلة الأولى ، حيث كان الاضطراب السياسى ملائما لإنجاح الدعوة ، فعرضنا لسياسة البدوى مع مريديه والآخرين ، وبعوثه الى داخل مصر وخارجها. ثم أوضحنا فى المرحلة الثانية كيف تغير المسرح السياسى فى مصر، فقد استقرت الأمور بعد توطيد الظاهر بيبرس للدولة المملوكية ، وقد كان بيبرس خبيرا بفن المؤامرات والتخفى ، وقد واجه فى بداية حكمه ثورة صوفية شيعية فى القاهرة تزعمها الكورانى ، وبعد اخمادها التفت بيبرس لخطورة الدعوة الشيعية المستترة بالتصوف ، وكان أن أحس البدوى بالخناق يضيق حوله فاضطر لتجميد دعوته السياسية والاقتصار على التصوف الذى يتستر به ، وظل هكذا إلى أن مات سنة 675 هجرية.
7 ـ ثم ختمت الفصل بتعليل فشل البدوى سياسيا، وتبيين الآثار السياسية لدعوته ، والعناصرية التآمرية فى حركته .. وتتبعت فى إيجاز الحركات الشيعية السرية بعد البدوى ، وأبرزها الحركة التى أقامت الدولة الصفوية فى المشرق (فارس والعراق) والتى استطاع زعيمها الشاه إسماعيل الصفوى أن يتسبب فى انهيار الدولة المملوكية وقتل السلطان الغورى فى مرج دابق على يد العثمانيين الذين احتلوا مصر وحولوها إلى مجرد ولاية عثمانية بعد أن كانت زعيمة المنطقة.
بتصرف بسيط جدا
تمهيد:-
الدراسات الحديثة عن البدوى
جاء فى ( سيرة ابن هشام ) أن اشراف مكة اجتمعوا يوما عند الكعبة فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : " ما رأينا مثل صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط . سفه احلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم ".
ولقد صدق أئمة الكفر من قريش ، وقد كذبوا ..
صدقوا فى وصفهم للرسول عليه السلام بأنه سفه أحلامهم – أى عقولهم – وعاب دينهم .. فعقول تعبد الأنصاب ودين يقدس الأحجار لا تستحق تلك العقول وذلك الدين إلا أن يوصف بالسفه والعيب .
وقد كذبوا حين وصفوه صلى الله عليه وسلم بأنه يسب ويشتم فما كان عليه السلام سبابا ولا فحاشا و لا عيابا ..وكل ما هنالك أنه قال حقا .. وصف آلهة قريش بما تستحقه من أنها لا تنفع ولا تضر ولا تحس ولا تشعر ولا تملك لنفسها أو غيرها موتا ولا حياة ولا نشورا ، ولكن هذا الحق الذى نطق به محمد صلى الله عليه وسلم يعتبره كفار قريش عيبا لا عيب بعده .فأشد الزيغ عندهم أن توصف آلهتهم بصفات البشر من العجز والاحتياج ، فهم يضعون تلك الآلهة فوق مستوى البشر وما يجوز على البشر لا شأن لهم به ، وإذا فكر البعض مجرد تفكير فى وصف هذه الآلهة بصفات البشر لاعتبروه صابئا خارجا على الدين .
وتلك إحدى سمات الشرك .. أن تضاف خرافات التقديس والتمجيد إلى شخص ما من بنى الإنسان لترتفع به إلى مستوى الإله ، حتى إذا حاول باحث أن يظهره على حقيقته التاريخية كإنسان عادى له محاسن ومساوىء قامت عليه الدنيا ولم تقعد .. وكل ما اقترفه الباحث المسكين أنه قال حقاً، أى وصف ذلك الشخص المقدس عند اتباعه بصفات البشر العاديين ..إلا أنه لم يدر أنه بذلك أنزل ذلك الإله المقدس من عليائه وجعله إنسانا لا يختلف فى شىء عن باقى أتباعه ، فطعن الأتباع فى أقدس عقائدهم فاظهر أن عقولهم خرافة ودينهم لا يستحق إلا العيب ،ومما لا شك فيه أنهم سيعتبرون ذلك سبا فى آلهتهم وذما فى عقولهم وعيبا فيما اعتاده أسلافهم . بذلك نطق كفار قريش، ومن هذا الموقع نفسه سينظر أتباع البدوى لهذا الكتاب الذى يتعرض لحقيقة البدوى التاريخية وصورته الخرافية التى ملأت عقول أتباعه.
ومع أن هذا الكتاب لا يقول إلا الحقيقة المستمدة من كتابات الصوفية أنفسهم أو من كتاب الله العزيز والمصادر التاريخية الموثوق بها – مع ذلك فإن هذه الحقيقة لن تكون أمام أتباع البدوى إلا السباب والشتم والعيب، لأنهم لا يرون الحقيقة إلا فيما يؤمنون به ولو كان خرافة وفيما يعتقدونه ولو كان إفكاً وفيما نشأوا عليه ولو كان بهتاناً .
ولا أدل على تأليههم للبدوى وأعتباره شيئا مقدسا فوق مستوى البشر من اعتبار تاريخه حرما مقدسا لا يدنو منه المؤرخ إلا وفى نيته أن يكيل له الحمد والتقديس فقط ، أما إذا تجرأ وعامل البدوى كبشر يؤرخ له كما نؤرخ لسائر الناس فإن القيامة تقوم عليه وترتفع صيحات الغضب لإن " الحمى المقدس " قد تجرأ عليه البعض " سباً وشتماً وعيباً " مع أن الحقيقة لا يمكن أن تكون سباً أو عيباً بأى حال.
لماذا ؟
لأن البدوى والصوفية آلهة ويمتازون عن جميع البشر بطريقة خاصة فى التعامل، ولابد للمؤرخ إذا اراد النجاة من الأتباع الصوفية أن يعامل البدوى كإله معصوم منزه عن ضعف البشر ومساوئ بنى آدم.أما إذا تجرأ ولم يأبه بمشاعر الأتباع الصوفية وقال الحق ، فإن هذا الحق سيعتبر(عيبا فى الذات المقدسة ) ولا يستغرب حينئذ أن يعقدوا إجتماعا فى ضريح الحسين فيتذكروا الأمر ويقولوا مقالة القرشيين " ما رأينا مثل صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط ، سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم ".
1) وهذا الكتاب عن البدوى وعنوانه " السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة" :
= أى يبحث حقيقة البدوى : كداعية شيعى استغل التصوف ستارا لإرجاع الحكم الشيعى الذى إنقرض بزوال الدولة الفاطمية فى مصر على يد صلاح الدين الأيوبى ، وحين ضعفت الدولة الأيوبية إنتهز الشيعة الفرصة فأعادوا دعوتهم المتسترة بالتصوف لإرجاع الملك الزائل ،إلا أن الدولة المملوكية قامت اثر الحكم الأيوبى فأضاعت آمال الشيعة المتسترين بالتصوف فاضطروا إلى تمثيل دور المتصوفة إلى نهايته .
= ثم يبحث فى خرافة البدوى :-
فنظرا لكثرة الأتباع السريين للبدوى وزملائه فى هذه الحركة السرية المتسترة بالتصوف فإن الدعاية للبدوى بعد موته ملأت جميع الأنحاء فى مصر، ووقع عليهم عبء التأريخ للبدوى ، فحولوه من شخص إلى اسطورة ومن واقع الى خرافة ، وذلك ليجتذبوا إليهم أفواج البشر إلى مثوى البدوى فى طنطا فى (مولد البدوى ) ، أملا فى الرزق الوفير والجاه بين الناس . وأدى ذلك بالطبع إلى تأليه البدوى ورفعه فوق مستوى البشر واضفاء صفات الله عليه من تصريف فى الخلق وعلم بالغيب ، مع التقرب إليه بالتوسل والزيارة ، وكل ذلك خروج عن الإسلام الذى ينهى عن تقديس البشر
ذلكم بإختصار هو موضوع الكتاب ، وقد ظهر فيه أنه ينقسم إلى فصلين ، يبحث
الفصل الأول فى حقيقة البدوى أو نشاطه السياسى السرى المتستر بالتصوف ، ويبحث
الفصل الثانى عن خرافة البدوى ، أو ما قام به المتصوفة من تأليه للبدوى وتقديس له .
2 ـ والواقع أن حركة البدوى السياسية كانت نهاية المطاف فى مخطط حكم "شمال افريقيا" ومصر والحجاز والعراق والشام ، بدأ فى أفريقيا والمغرب ومر بالحجاز وأقام بالعراق ثم إنتقل إلى مصر ، كان رواده الأوائل والد البدوى ووالد الرفاعى وسائر الشيعة الذين هربوا من المغرب ، وعقدوا مؤتمراً بالحجاز وضعوا فيه الخطط ، ثم أقاموا أول خلية لهم فى العراق ، ما لبثت أن تطورت ونمت على يد أحمد الرفاعي فى القرن السادس الذى أرسل البعوث السرية إلى الشرق والغرب من موطنه (أم عبيدة فى واسط بالعراق) ..وكان من بين أتباعه أبو الفتح الواسطى فى مصر،والذى جاء البدوى ليخلفه فى الدعوة بعد موته فى القرن السابع ..وبفشل البدوى فى الدعوة السرية تحولت بعد موته إلى تصوف بحت رفع البدوى إلى مصاف التأليه وتحول الطموح السياسى إلى مولد وضريح ودعاية وخرافة اتسع لها الفصل الثانى.
3 ـ ولأن البدوى (قضية) مثارة على الدوام تحظى باهتمام الكثيرين على اختلاف المستوى الثقافى والعلم بالتاريخ الإسلامى ، ولأن حركة البدوى مزجت بين التشيع السياسى السرى والتصوف المعلن ، ولأن الشيعة اشتهروا بالسرية والالتواء والألغاز والمعميات ، ولأن الصوفية اشتهروا مثلهم بالرموز والتأويلات والأساطير والخرافات ، لذلك كله فإن تلمس حقيقة البدوى السياسية وسط هذه الظروف وتقريبه لغير المتخصصين فى التاريخ والتصوف والتشيع يعتبر أمرا شاقا ، أرجو أن أكون قد وفقنى الله إليه..
3 / 1 : فالكتاب فى فصله الأول يبحث قضية علمية تاريخية على أرفع مستوى من التخصص ، وهى استغلال التصوف بيد طائفة من الشيعة لغرض سياسى هو التآمر لاسقاط العروش الحاكمة فى المنطقة فى القرنين السادس والسابع الهجريين . ثم هو مطالب بعدها أن يقدم هذا البحث العلمى بصورة سهلة يستطيع القارىء غير المتخصص أن يستوعبها . وإذا كان صعبا أن نتعرف على الحقيقة التاريخية من خلال أكوام الرموز والأساطير والخرافات والحوادث التاريخية المختلفة زمنا بين القرنيين السادس والسابع والمختلفة فى المكان بين المغرب ومصر والحجاز والعراق ..إذا كان هذا صعبا من الناحية العلمية فإن الأصعب هو تقديم ذلك فى صورة سهلة مبسطة ..خدمة للقراء الذين يهمهم التعرف على حقيقة البدوى وخرافته.
3 / 2 : ويزيد من الصعوبة أن حركة التشيع السرية تلك قد نبتت على مسرح سياسى معقدة ظروفه ، أثرت فيه وأثر فيها . فالحركة حين بدأت فى المغرب تأثرت بدولة الموحدين ثم إذا انتشرت فى العراق حيث مدرسة أحمد الرفاعى كان لابد أن تتأثر بظروف الخلافة العباسية وتطورات الأمور فى المشرق الإسلامى الذى وجهت نحوه مبعوثيها.ثم إذا انتقلت الى مصر فى شخص أبى الفتح الواسطى ثم البدوى كان لابد أن تتفاعل بظروف مصر يومئذ وهى تودع الدولة الأيوبية وتتهيأ لزعامة المنطقة تحت قيادة الدولةالمملوكية.
3 / 3 : وفى نهاية الأمر فإن تلك الحركة الشيعية السرية فى القرنيين السادس والسابع والتى كان البدوى نهاية المطاف فيها – هذه الحركة الشيعية لم تكن الأولى أو الأخيرة فى جهد الشيعة السياسى السرى الذى استغل كل الظروف للكيد للدولة العباسية منذ بدايتها وحتى بعد أفول شمسها وقيام الدولة المملوكية والقوى الأخرى التى ورثت العراق والمشرق . وإن كانت الحركة الشيعية التى نحن بصدد البحث فيها لم تنجح فإن الحركات السابقة وبعض الحركات اللاحقة أفلحت فى إنشاء دول وممالك ، وهى لم تغفل عن الاستفادة بالتستر بالزهد والتصوف لتكسب بها المزيد من الأنصار والأتباع..
4 ـ لذا بدأ الفصل الأول بإشارة عامة للحركات الشيعية فى القرون الثالث والرابع والخامس من الهجرة ، وكيف استفادت بالتستر بالزهد والتصوف فى حركاتها الموجهة ضد الدولة العباسية كحركة الزنج وحركة القرامطة ، ثم قيام الدولة الفاطمية باستغلال إدعاء الزهد والتصوف أثناء قيامها بعد أن استقرت أمورها فى مصر لم تترك استغلال التصوف فى نشر مذهبا بين المصريين . وقد استفاد صلاح الدين الأيوبى من أعدائه الشيعة فحاربهم بمثل سلاحهم أى بالتصوف الموالى له.
5 ـ ثم بحثنا جذور حركة البدوى السياسية فى القرنيين السادس والسابع ودور مدرسة المغرب فى بداية الدعوة الشيعية ومساندتها حين انتقلت الدعوة للمشرق ، ودور مدرسة الرفاعى فى أم عبيدة بالعراق وسياسته مع الأتباع والمريدين وعلاقته بالخلافة العباسية وبعوثه للمشرق ثم بعوثه إلى مصر بعد انتهاء الخلافة الفاطمية الشيعية فيها.. ثم كان البدوى مبعوثا ليخلف أبا الفتح الواسطى أبرز دعاة الرفاعى فى مصر الأيوبية . وبيّنا كيف أعدّ الشيعة فى مصر المسرح وهيأوه للبدوى فاختاروا له قرية مجهولة ذات موقع هام هى طنطا ، وإليها توافد الشيعة فأخذوا العهد على البدوى منذ بدايته ، وكيف أن الأدوار توزعت على الجميع بين الشاذلى فى الأسكندرية والدسوقى فى دسوق ومدرسة أبى الفتح الواسطى فيما بين طنطا والقاهرة والأسكندرية.
6 ـ وتحدثنا عن جهود البدوى فى المرحلة الأولى ، حيث كان الاضطراب السياسى ملائما لإنجاح الدعوة ، فعرضنا لسياسة البدوى مع مريديه والآخرين ، وبعوثه الى داخل مصر وخارجها. ثم أوضحنا فى المرحلة الثانية كيف تغير المسرح السياسى فى مصر، فقد استقرت الأمور بعد توطيد الظاهر بيبرس للدولة المملوكية ، وقد كان بيبرس خبيرا بفن المؤامرات والتخفى ، وقد واجه فى بداية حكمه ثورة صوفية شيعية فى القاهرة تزعمها الكورانى ، وبعد اخمادها التفت بيبرس لخطورة الدعوة الشيعية المستترة بالتصوف ، وكان أن أحس البدوى بالخناق يضيق حوله فاضطر لتجميد دعوته السياسية والاقتصار على التصوف الذى يتستر به ، وظل هكذا إلى أن مات سنة 675 هجرية.
7 ـ ثم ختمت الفصل بتعليل فشل البدوى سياسيا، وتبيين الآثار السياسية لدعوته ، والعناصرية التآمرية فى حركته .. وتتبعت فى إيجاز الحركات الشيعية السرية بعد البدوى ، وأبرزها الحركة التى أقامت الدولة الصفوية فى المشرق (فارس والعراق) والتى استطاع زعيمها الشاه إسماعيل الصفوى أن يتسبب فى انهيار الدولة المملوكية وقتل السلطان الغورى فى مرج دابق على يد العثمانيين الذين احتلوا مصر وحولوها إلى مجرد ولاية عثمانية بعد أن كانت زعيمة المنطقة.
تعليق