اقْرَأ – فَكَّرْ – تَدَبَّرْ – اسْتَنْتِجْ – تَكَلَّمْ إنِ اسْتَطَعْتَ – افْعَلْ إنْ قَدَرْتَ
مِنْ كِتَابِ: قَذَائِفُ الحَقِّ - للشَّيْخِ مُحَمَّدِ الغَزَالِيِّ
البَابُ الثَّانِي: تَحَرُّكٌ ضِدُّ عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ يَتَعَرَّضُ لَهُ أبْنَاؤُنَا
الفَقْرَةُ السَّادِسَةُ: تَجَلِّيَاتُ العَذْرَاءِ، الرُّمْحُ المُقَدَّسُ، الحَقِيقَةُ العِلْمِيَّةُ المُطَارَدَةُ
مِنْ كِتَابِ: قَذَائِفُ الحَقِّ - للشَّيْخِ مُحَمَّدِ الغَزَالِيِّ
البَابُ الثَّانِي: تَحَرُّكٌ ضِدُّ عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ يَتَعَرَّضُ لَهُ أبْنَاؤُنَا
الفَقْرَةُ السَّادِسَةُ: تَجَلِّيَاتُ العَذْرَاءِ، الرُّمْحُ المُقَدَّسُ، الحَقِيقَةُ العِلْمِيَّةُ المُطَارَدَةُ
قَالَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ بَعْدَ أنْ بَيَّنَ الخَطَر العَقْدِيّ الَّذِي يَنْتَشِرُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وتَكَلَّمَ حَوْلَ مَجْمُوعَةٍ مِنَ الخُرَافَاتِ (التَّثْلِيثُ هُوَ التَّوْحِيدُ - صَلْبُ المَسِيحِ – عَقِيدَةُ الفِدَاءِ – المَنْشُورَاتُ التَّنْصِيرِيَّةُ التي تُوَزَّع – قِصَّةُ الله مَحَبَّة)، وُصُولاً إلى أُكْذُوبَةِ ظُهُور العَذْرَاء، فَقَالَ:
تَقْتَعِدُ خَوَارِقُ العَادَاتِ المَكَانَةَ الأُولَى في الدِّيَانَاتِ البِدَائِيَّةِ، وكُلَّمَا وَهَى الأسَاسُ العَقْلِِيُّ لدِينٍ مَا؛ زَادَ اعْتِمَادُهُ عَلَى هذه الخَوَارِقِ، وجَمَعَ مِنْهَا الكَثِيرَ لكَهَنَتِهِ وأتْبَاعِهِ، والمَسِيحِيَّةُ مِنَ الدِّيَانَاتِ الَّتي تُعَوِّلُ في بَقَائِهَا وانْتِشَارِهَا عَلَى عَجَائِبِ الشِّفَاءِ، وآثَارِ القُوَى الخَفِيَّةِ الغَيْبِيَّةِ.
وبَيْنَ يَدِي الآنَ نَشْرَةٌ صَغِيرَةٌ، عَلَى أحَدِ وَجْهَيْهَا صُورَةُ العَذْرَاءِ وهي تَقْطُرُ وَدَاعَةً ولُطْفًا، وعَلَى ذِرَاعِهَا الطِّفْلُ الإلَهُ يَسُوعُ يُمَثِّلُ البَرَاءَةَ والرِّقَّةَ، أمَّا الوَجْهُ الآخَرُ للصُّورَةِ فَقَدْ تَضَمَّنَ هذا الخَبَرَ تَحْتَ عُنْوَانِ (مَحَبَّةُ الآخَرِينَ وخِدْمَتُهُمْ)، وتَحْتَهُ هذه الجُمْلَةُ (حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الخَيْرَ للجَمِيعِ) (غل 6: 10): كَانَتِ السَّيِّدَةُ زَهْرَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ عَلِيٍّ بَاشَا بِهَا رَوْحٌ نَجِسٌ، ولَمَّا عَلِمَ أبُوهَا أنَّ (الأنْبَا حرَابَامُون) أُسْقُفُ المُنُوفِيَّةَ قَدْ أعْطَاهُ اللهُ مَوْهِبَةَ إخْرَاجِ الأرْوَاحِ النَّجِسَةِ؛ اسْتَدْعَاهُ، ولَمَّا صَلَّى لأجْلِهَا شُفِيَتْ في الحَالِ، فَأعْطَاهُ مُحَمَّدُ عَلِيٌّ بَاشَا صُرَّةً بِهَا أرْبَعَةُ آلاَفِ جُنَيْهٍ، فَرَفَضَهَا قَائِلاً [ إنَّهُ لَيْسَ في حَاجَةٍ إلَيْهَا لأنَّهُ يَعِيشُ حَيَاةَ الزُّهْدِ، وهُوَ قَانِعٌ بِهَا ]، هذا هُوَ الخَبَرُ الَّذِي يُوَزَّعُ عَلَى الجَمَاهِيرِ ليَتْرُكَ أثَرَهُ في صَمْتٍ.
ومَوْهِبَةُ اسْتِخْرَاجِ العَفَارِيتِ مِنَ الأجْسَامِ المَمْسُوسَةِ مَوْهِبَةٌ يَدَّعِيهَا نَفَرٌ مِنَ النَّاسِ، أغْلَبُهُمْ يَحْتَرِفُ الدَّجَلَ، وأقَلُّهُمْ يَسْتَحِقُّ الاحْتِرَامَ، وأعْرِفُ بَعْضَ المُسْلِمِينَ يَزْعُمُ هذا، وأشْعُرُ برَيْبَةٍ كَبِيرَةٍ نَحْوَهُ، ومَرْضَى الأعْصَابِ يُحَيِّرُونَ الأطِبَّاءَ، ورُبَّمَا أعْيَا أمْرُهُمْ عَبَاقِرَةَ الطِّبِّ، ونَجَحَ في عِلاَجِهِمْ عَامِّيٌّ يَكْتُبُ (حِجَابًا) لا شَيْءَ فِيهِ غَيْرُ بَعْضِ الصُّوَرِ والأرْقَامِ.
ولَيْسَ يَعْنِينِي أنْ أُصَدِّقَ أو أُكَذِّبَ المَأسُوفَ عَلَى مَهَارَتِهِ أُسْقُفُ المُنُوفِيَّةَ، وإنَّمَا يَعْنِينِي كَشْفَ طَرِيقَةٍ مِنْ طُرُقِ إقْنَاعِ النَّاسِ بصِدْقِ النَّصْرَانِيَّةِ، وأنَّ الثَّالُوثَ حَقٌّ، والصَّلْبَ قَدْ وَقَعَ، والأتْبَاعَ المُخْلِصِينَ يَأتُونَ العَجَائِبَ.
والمَسِيحِيَّةُ أحْوَجُ الدِّيَانَاتِ لهذا اللَّوْنِ مِنَ الأقَاصِيصِ، هي فَقِيرَةٌ إلَيْهَا في سِلْمِهَا لإثْبَاتِ أُصُولِهَا الخَارِجَةِ عَلَى المَنْطِقِ العَقْلِيِّ، وفَقِيرَةٌ إلَيْهِا في قِتَالِهَا لتَبْرِيرِ عُدْوَانِهَا عَلَى الآخَرِينَ.
وتَدَبَّرْ مَعِي هذه القِصَّةَ مِنْ قِصَصِ الحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ المَشْهُورَةِ بقِصَّةِ (الرُّمْحِ المُقَدَّسِ) مَنْقُولَةً مِنْ كِتَابِ الشَّرْقُ والغَرْبُ [ دَفَعَ الصَّلِيبِيُّونَ مِنْ أجْلِ عُبُورِ آسْيَا الصُّغْرَى ثَمَناً بَاهِظًا، إذْ فَقَدُوا أفْضَلَ جُنُودِهِمْ وخِيرَةَ عَسَاكِرِهِمْ، بَيْنَمَا اسْتَوْلَى اليَأسُ والفَزَعُ عَلَى البَقِيَّةِ البَاقِيَةِ، وبَدَأ الخَوْفُ مِنْ تَفَكُّكِ الجَيْشِ وفِرَارِ الجُنُودِ يُسَاوِرُ القَادَةُ، فَعَمَدُوا إلى بَعْضِ الحِيَلِ الدِّينِيَّةِ لصَدِّ هذا الخَطَرِ ورَبْطِ الجُنُودِ برِبَاطِ العَقِيدَةِ، ومِنْ تِلْكَ الحِيَلِ الَّتي رَوَّجُوا لَهَا مَا رَوَاهُ المُؤَرِّخُونَ عَنْ ظُهُورِ المَسِيحِ والعَذْرَاءِ أمَامَ الجُنُودِ الهَيَّابِينَ ووَعَدَهُمْ بالصَّفْحِ عَنِ الخَطَايَا والخُلُودِ في الجَنَّةِ إذا مَا اسْتَمَاتُوا في مَعَارِكِهِمْ ضِدَّ المُسْلِمِينَ، غَيْرَ أنَّ هذا الأُسْلُوبَ النَّظَرِيَّ لَمْ يُلْهِبْ حَمَاسَ الجُنُودِ، ولَمْ يُحَقِّقِ الغَرَضَ الَّذِي ابْتَدَعَهُ الصَّلِيبِيُّونَ مِنْ أجْلِهِ، فَكَانَ لابُدَّ مِنْ أُسْلُوبٍ آخَرٍ يَنْطَوِي عَلَى وَاقِعَةٍ مَادِّيَّةٍ يَكُونُ مِنْ شَأنِهَا إعَادَةُ الإيِمَانِ إلى القُلُوبِ الَّتي اسْتَبَدَّ بِهَا اليَأسُ، وتَقْوِيَةُ العَزَائِمِ الَّتي أوْهَنَتْهَا الحَرْبُ، وهُنَا أُذِيعَ بَيْنَ الجُنُودِ قِصَّةُ اكْتِشَافِ الرُّمْحِ المُقَدَّسِ، تِلْكَ الوَاقِعَةُ الَّتي رَوَى تَفَاصِيلَهَا المُؤَرِّخُ (جِيبُون) فَضْلاً عَنْ غَيْرِهِ مِنَ المُؤَرِّخِينَ المُعَاصِرِينَ، قَالَ: (إنَّ قِسًّا يُدْعَى بُطْرُس بَارْتِلْمِي مِنَ التَّابِعِينَ لأسْقُفِيَّةَ مَارْسِيليَا؛ مُنْحَرِفُ الخُلُقِ ذُو عَقْلِيَّةٍ شَاذَّةٍ، وتَفْكِيرٍ مُلْتَوٍ مُعَقَّدٍ؛ زَعَمَ لمَجْلِسِ قِيَادَةِ الحَمْلَةِ الصَّلِيبِيَّةِ أنَّ قِدِّيسًا يُدْعَى أنْدِرِيَه زَارَهُ أثْنَاءَ نَوْمِهِ، وهَدَّدَهُ بأشَدِّ العُقُوبَاتِ إنْ هُوَ خَالَفَ أوَامِرَ السَّمَاءِ، ثُمَّ أفْضَى إلَيْهِ بأنَّ الرُّمْحَ الَّذِي اخْتَرَقَ قَلْبَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَدْفُونٌ بجِوَارِ كَنِيسَةِ القِدِّيسِ بُطْرُس في مَدِينَةِ أنْطَاكِيَا، فَرَوَى بَارْتِلْمِي هذه الرُّؤْيَا لمَجْلِسِ قِيَادَةِ الجَيْشِ، وأخْبَرَهُمْ بأنَّ هذا القِدِّيسَ الَّذِي طَافَ بِهِ في مَنَامِهِ قَدْ طَلَبَ إلَيْهِ أنْ يُبَادِرَ إلى حَفْرِ أرْضِ المِحْرَابِ لمُدَّةِ أيَّامٍ ثَلاَثَةٍ، تَظْهَرُ بَعْدَهَا (أدَاةُ الخُلُودِ) الَّتي (تُخَلِّصُ) المَسِيحِيِّينَ جَمِيعًا، وأنَّ القِدِّيسَ قَالَ لَهُ: ابْحَثُوا تَجِدُوا .. ثُمَّ ارْفَعُوا الرُّمْحَ وَسَطَ الجَيْشِ، وسَوْفَ يَمْرُقُ الرُّمْحُ ليُصِيبَ أرْوَاحَ أعْدَائِكُمُ المُسْلِمِينَ، وأعْلَنَ القِسُّ بَارْتِلْمِي اسْمَ أحَدِ النُّبَلاَءِ ليَكُونَ حَارِسًا للرُّمْحِ، واسْتَمَرَّتْ طُقُوسُ العِبَادَةِ مِنْ صَوْمٍ وصَلاَةٍ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ دَخَلَ في نِهَايَتِهَا اثْنَا عَشْرَ رَجُلاً ليَقُومُوا بالحَفْرِ والتَّنْقِيبِ عَنِ الرُّمْحِ في مِحْرَابِ الكَنِيسَةِ، لَكِنَّ أعْمَالَ الحَفْرِ والتَّنْقِيبِ الَّتي تَوَغَّلَتْ في عُمْقِ الأرْضِ اثْنَيْ عَشْرَ قَدَمًا لَمْ تُسْفِرْ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ أخْلَدَ النَّبِيلُ الَّذِي اُخْتِيرَ لحِرَاسَةِ الرُّمْحِ إلى شَيْءٍ مِنَ الرَّاحَةِ، وأخَذَتْهُ سِنَةٌ مِنَ النَّوْمِ، وبَدَأتِ الجَمَاهِيرُ الَّتي احْتَشَدَتْ بأبْوَابِ الكَنِيسَةِ تَتَهَامَسُ، فَاسْتَطَاعَ القِسُّ بَارْتِلْمِي في جُنْحِ الظَّلاَمِ أنْ يَنْزِلَ إلى الحُفْرَةِ، مُخْفِيًا في طَيَّاتِ ثِيَابِهِ قِطْعَةً مِنْ نَصْلِ رُمْحِ أحَدِ المُقَاتِلِينَ العَرَبَ، وبَلَغَ أسْمَاعَ القَوْمِ رَنِينٌ مِنْ جَوْفِ الحُجْرَةِ، فَتَعَالَتْ صَيْحَاتُهُمْ مِنْ فَرْطِ الفَرَحِ، وظَهَرَ القِسُّ وبِيَدِهِ النَّصْلُ الَّذِي احْتَوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُمَاشٌ مِنَ الحَرِيرِ المُوشَى بالذَّهَبِ، ثُمَّ عُرِضَ عَلَى الصَّلِيبِيِّينَ ليَلْتَمِسُوا مِنْهُ البَرَكَةَ، وأُذِيعَتْ هذه الحِيلَةُ بَيْنَ الجُنُودِ وامْتَلأتْ قُلُوبُهُمْ بالثِّقَةِ، وقَدْ أمْعَنَ قَادَةُ الحَمْلَةِ في تَأيِيدِ هذه الوَاقِعَةِ بغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مَدَى إيِمَانِهِمْ بِهَا أو تَكْذِيبِهِمْ لَهَا) ].
عَلَى هذا النَّحْوِ، ولمِثْلِ هذا الغَرَضِ جَرَتْ أُسْطُورَةُ ظُهُورِ العَذْرَاءِ في كَنِيسَةٍ عَادِيَّةٍ، وكَاهِنُهَا - فِيمَا عَلِمْتُ - رَجُلٌ فَاشِلٌ لا يَتَرَدَّدُ الأقْبَاطُ عَلَى دُرُوسِهِ.
وبَيْنَ عَشِيَّةٍ وضُحَاهَا أصْبَحَ كَعْبَةَ الآلاَفِ، فَقَدْ شَاعَ ومَلأَ البِقَاعَ أنَّ العَذْرَاءَ تَجَلَّتْ شَبَحًا نُورَانِيًّا فَوْقَ بُرْجِ كَنِيسَتِهِ، ورَآهَا هُوَ وغَيْرُهُ في جُنْحِ اللَّيْلِ البَهِيمِ.
وكَأنَّمَا الصُّحُفُ المِصْرِيَّةُ كَانَتْ عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ هذه الإشَاعَةِ، فَقَدْ ظَهَرَتْ كُلُّهَا بَغْتَةً وهي تَذْكُرُ النَّبَأَ الغَامِضَ، وتَنْشُرُ صُورَةَ البُرْجِ المَحْظُوظِ، وتَلِحُّ إلى حَدِّ الإسْفَافِ في تَوْكِيدِ القِصَّةِ، وبَلَغَ مِنَ الجَرْأةِ أنَّهَا ذَكَرَتْ تِكْرَارَ التَّجَلِّيِّ المُقَدَّسِ في كُلِّ لَيْلَةٍ.
وكُنْتُ مُوقِنًا أنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْ هذا الكَلاَمِ كَذِبٌ مُتَعَمَّدٌ، ومَعَ ذَلِكَ فَإنَّ أُسْرَةَ تَحْرِيرِ مَجَلَّةِ (لِوَاءُ الإسْلاَمِ) قَرَّرَتْ أنْ تَذْهَبَ إلى جِوَارِ الكَنِيسَةِ المَذْكُورَةِ كَيْ تَرَى بعَيْنَيْهَا مَا هُنَالِكَ، وذَهَبْنَا أنَا والشَّيْخُ مُحَمَّدُ أبُو زَهْرَةَ وآخَرُونَ، ومَكَثْنَا لَيْلاً طَوِيلاً نَرْقُبُ الأُفْقَ، ونَبْحَثُ في الجَوِّ، ونُفَتِّشُ عَنْ شَيْءٍ، فَلاَ نَجِدُ شَيْئًا البَتَّةَ.
وبَيْنَ الحِينِ والحِينِ نَسْمَعُ صِيَاحًا مِنَ الدَّهْمَاءِ المُحْتَشِدِينَ لا يَلْبَثُ أنْ يَنْكَشِفَ عَنْ صِفْرٍ، عَنْ فَرَاغٍ، عَنْ ظَلاَمٍ يَسُودُ السَّمَاءَ فَوْقَنَا، لا عَذْرَاءَ ولا شَمْطَاءَ.
وعُدْنَا وكَتَبْنَا مَا شَهِدْنَا، وفُوجِئْنَا بالرِّقَابَةِ تَمْنَعُ النَّشْرَ، وقَالَ لَنَا بَعْضُ الخُبَرَاءِ [ إنَّ الحُكُومَةَ مُحْتَاجَةٌ إلى جَعْلِ هذه المَنْطِقَةِ سِيَاحِيَّةً، لحَاجَتِهَا إلى المَالِ، ويَهُمُّهَا أنْ يَبْقَى الخَبَرُ ولَوْ كَانَ مَكْذُوبًا ]، مَا هذا؟! ولَقِيَنِي أُسْتَاذُ الظَّوَاهِرِ الجَوِّيَّةِ بكُلِّيَّةِ العُلُومِ في جَامِعَةِ القَاهِرَةِ، ووَجَدَنِي سَاخِطًا ألْعَنُ التَّآمُرَ عَلَى التَّخْرِيفِ وإشَاعَةِ الإفْكِ، فَقَالَ لِي [ أُحِبُّ أنْ تَسْمَعَ لِي قَلِيلاً، إنَّ الشُّعَاعَ الَّذِي قِيلَ برُؤْيَتِهِ فَوْقَ بُرْجِ الكَنِيسَةِ لَهُ أصْلٌ عِلْمِيٌّ مَدْرُوسٌ، واقْرَأ هذا البَحْثَ ]، وقَرَأتُ البَحْثَ الَّذِي كَتَبَهُ الرَّجُلُ العَالِمُ المُتَخَصِّصُ الأُسْتَاذُ الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ جَمَالُ الدِّينِ الفندي، واقْتَنَعْتُ بِهِ، وإنِّي أُثْبِتُهُ كَامِلاً هُنَا:
ظَاهِرَةُ كَنِيسَةِ الزَّيْتُونِ ظَاهِرَةٌ طَبِيعِيَّةٌ:
عِنْدَمَا أتَحَدَّثُ باسْمِ العِلْمِ لا أعْتَبِرُ كَلاَمِي هذا رَدًّا عَلَى أحَدٍ، أو فَتْحًا لبَابِ النِّقَاشِ في ظَاهِرَةٍ مَعْرُوفَةٍ، فَلِكُلٍّ شَأنُهُ وعَقِيدَتُهُ، ولَكِنْ مَا أكْتُبُ هُوَ بطَبِيعَةِ الحَالِ مُلَخَّصُ مَا أثْبَتَهُ العِلْمُ في هذا المَجَالِ مِنْ حَقَائِقٍ لا تَقْبَلُ الجَدَلَ ولا تَحْتَمِلُ التَّأوِيلَ، نُبَصِّرُ بِهَا النَّاسَ، ولكُلٍّ شَأنُهُ وتَقْدِيرُهُ.
ولا يُنْكِرُ العِلْمُ الطَّبِيعِيُّ حُدُوثَ هذه الظَّاهِرَةِ، واسْتِمْرَارَهَا في بَعْضِ اللَّيَالِي لعِدَّةِ سَاعَاتٍ، بَلْ يُقِرُّهَا ولَكِنْ عَلَى أسَاسِ أنَّهَا مُجَرَّدُ نِيرَانٍ أو وَهَجٍ أو ضِيَاءَ مُتَعَدِّدَةِ الأشْكَالِ غَيْرِ وَاضِحَةِ المَعَالِمِ، بحَيْثُ تَسْمَحُ للخَيَالِ أنْ يَلْعَبَ فِيهَا دَوْرَهُ، ويَنْسُجُ مِنْهَا مَا شَاءَ الله أنْ يَنْسُجَ مِنْ ألْوَانِ الخُيُوطِ والصُّوَرِ، إنَّهَا مِنْ ظَوَاهِرِ الكَوْنِ الكَهْرَبَائِيَّةِ الَّتي تَحْدُث تَحْتَ ظُرُوفٍ جَوِّيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، تَسْمَحُ بسَرَيَانِ الكَهْرَبَاءِ مِنَ الهَوَاءِ إلى الأرْضِ عَبْرَ الأجْسَامِ المُرْتَفِعَةِ نِسْبِيًّا المُدَبَّبَةِ في نَفْسِ الوَقْتِ، شَأنُهَا في ذَلِكَ مَثَلاً شَأنُ الصَّوَاعِقِ الَّتي هي نِيرَانٌ مُمَاثِلَةٌ، ولَكِنْ عَلَى مَدَى أكْبَر وشِدَّةٍ أعْظَم، وشَأنُ الفَجْرِ القُطْبِيِّ الَّذِي هُوَ في مَضْمُونِهِ تَفْرِيغٌ كَهْرَبِيٌّ في أعَالِي جَوِّ الأرْضِ، ولطَالَمَا أثَارَ الفَجْرُ القُطْبِيُّ اهْتِمَامَ النَّاسِ بمَنْظَرِهِ الرَّائِعِ الخَلاَّبِ، حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُهُمْ خَطَأً إلى أنَّهُ لَيْلَةُ القَدْرِ، لأنَّهُ يَتَدَلَّى كَالسَّتَائِرِ المُزَرْكَشَةِ ذَاتِ الألْوَانِ العَدِيدَةِ الَّتي تَتَمَوَّجُ في مَهَبِّ الرِّيحِ.
ومِنْ أمْثِلَةِ الظَّوَاهِرِ المُمَاثِلَةِ لظَاهِرَتِنَا هذه أيْضًا - مِنْ حَيْثُ حُدُوثِ الأضْوَاءِ وَسَطَ الظَّلاَمِ - السُّحُبُ المُضِيئَةُ العَالِيَةُ المَعْرُوفَةُ باسْمِ (سَحَابِ اللُّؤْلُؤِ)، وهذا السَّحَابُ يُضِيءُ ويَتَلأْلأُ وَسَطَ ظَلاَمِ اللَّيْلِ، لأنَّهُ يَرْتَفِعُ فَوْقَ سَطْحِ الأرْضِ، ويَبْعُدُ عَنْهَا البُعْدَ الكَافِيَ الَّذِي يَسْمَحُ بسُقُوطِ أشِعَّةِ الشَّمْسِ عَلَيْهِ رَغْمَ اخْتِفَاءِ قُرْصِ الشَّمْسِ تَحْتَ الأُفُقِ، وتُضِيءُ تِلْكَ الأشِعَّةُ ذَلِكَ السَّحَابَ العَالِيَّ المُكَوَّنَ مِنْ أبرِ الثَّلْجِ، فَيَتَلأْلأُ ويَلْمَعُ ضِيَاؤُهُ ويَتَرَنَّحُ وَسَطَ ظَلاَمِ اللَّيْلِ ونَقَاءِ الهَوَاءِ العُلْوِيِّ فَيَتَغَنَّى بِهِ الشُّعَرَاءُ.
وتُذَكِّرُنَا هذه الظَّاهِرَةُ كَذَلِكَ بظَاهِرَةِ السَّرَابِ المَعْرُوفَةِ، تِلْكَ الَّتي حَيَّرَتْ جُيُوشَ الفَرَنْسِيِّينَ أثْنَاءَ حَمْلَةِ نَابُلْيُونَ عَلَى مِصْرَ، فَقَدْ ظَنُّوا أنَّهَا مِنْ عَمَلِ الشَّيَاطِينِ حَتَّى جَاءَهُمُ العَالِمُ الطَّبِيعِيُّ مُونْج بالخَبَرِ اليَقِينِ، وعَرَفَ النَّاسُ أنَّهَا مِنْ ظَوَاهِرِ الطَّبِيعَةِ الضَّوْئِيَّةِ.
وظَاهِرَتُنَا الَّتي تَهُمُّنَا وتَشْغَلُ بَالَ الكَثِيرِينَ مِنَّا تُسَمَّى في كُتُبِ العِلْمِ (نِيرَانُ القِدِّيسِ المو) أو (نِيرَانُ سَانْت المو)، ونَحْنُ نَسُوقُ هُنَا مَا جَاءَ عَنْهَا في دَائِرَةِ المَعَارِفِ البِرِيطَانِيَّةِ الَّتي يَمْلِكُهَا الكَثِيرُونَ ويُمْكِنُهُمُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا (النَّصُّ الإنْكِلِيزِيُّ في: Handy Volume Issue Eleventh Edition، الصَّحِيفَةُ الأُولَى مِنَ المُجَلَّدِ الرَّابِعِ والعِشْرِينَ تَحْتَ اسْمِ: St. Elms Firs)، وتَرْجَمَةُ ذَلِكَ الكَلاَمِ حَرْفِيًّا:
(نِيرَانُ سَانْت المو: هي الوَهَجُ الَّذِي يُلاَزِمُ التَّفْرِيغَ الكَهْرَبِيَّ البَطِيءَ مِنَ الجَوِّ إلى الأرْضِ، وهذا التَّفْرِيغُ المُطَابِقُ لتَفْرِيغِ (الفُرْشَاةِ) المَعْرُوفُ في تَجَارُبِ مَعَامِلِ الطَّبِيعَةِ يَظْهَرُ عَادَةً في صُورَةِ رَأسٍ مِنَ الضَّوْءِ عَلَى نِهَايَاتِ الأجْسَامِ المُدَبَّبَةِ الَّتي عَلَى غِرَارِ بُرْجِ الكَنِيسَةِ وصَارِيِّ السَّفِينَةِ أو حَتَّى نُتُوءَاتِ الأرَاضِيِّ المُنْبَسِطَةِ، وتَصْحَبُهَا عَادَةً ضَوْضَاءُ طَقْطَقَةٍ وأزِيزٍ، وتُشَاهَدُ نِيرَانُ سَانْت المو أكْثَرَ مَا تُشَاهَدُ في المُسْتَوَيَاتِ المُنْخَفِضَةِ خِلاَلَ مَوْسِمِ الشِّتَاءِ أثْنَاءَ وفي أعْقَابِ عَوَاصِفِ الثَّلْجِ، واسْمُ سَانْت المو هُوَ لَفْظٌ إيطَالِيٌّ مُحَرَّفٌ مِنْ سَانْت رمو وأصْلُهُ سَانت أرَامُوس، وهُوَ البَابَا في مُدَّةِ حُكْمِ دُومْتِيَان، وقَدْ حُطِّمَتْ سَفِينَتُهُ في 2 يُونْيُو عَامَ 304، ومُنْذُ ذَلِكَ الحِينِ اعْتُبِرَ القِدِّيسُ الرَّاعِيُّ لبَحَّارَةِ البَحْرِ المُتَوَسِّطِ الَّذِينَ اعْتَبَرُوا نِيرَانَ سَانْت المو بمَثَابَةِ العَلاَقَةِ المَرْئِيَّةِ لحِمَايَتِهِ لَهُمْ، وعُرِفَتِ الظَّاهِرَةُ لَدَى قُدَمَاءِ الإغْرِيقِ، ويَقُولُ بِلِنْ في كِتَابِهِ التَّارِيخُ الطَّبِيعِيُّ أنَّهُ كُلَّمَا تَوَاجَدَ ضَوْءَانِ كَانَتِ البَحَّارَةُ تُسَمِّيهِمَا التَّوْأمُ، واعْتُبِرَ بمَثَابَةِ الجِسْمِ المُقَدَّسِ).
عَلَى هذا النَّحْوِ نَرَى أنَّ أهْلَ العِلْمِ الطَّبِيعِيِّ لا يَتَحَدَّثُونَ عَنْ خَوَارِقِ الطَّبِيعَةِ، وإنَّمَا يُرْجِعُونَ كُلَّ شَيْءٍ إلى قَانُونِهِ السَّلِيمِ العَامِّ التَّطْبِيقِيِّ، أمَّا مِنْ حَيْثُ انْبِعَاثِ ألْوَانٍ تُمَيِّزُ تِلْكَ النِّيرَانَ، فَيُمْكِنُنَا الرُّجُوعُ إلى بَعْضِ مَا عَمِلَهُ العُلَمَاءُ الألْمَانُ أمْثَالُ جُوكِل مِنْ تَفْسِيرِ الاخْتِلاَفِ في الألْوَانِ، فَهُوَ يُبَيِّنُ في كِتَابِهِ (العَوَاصِفُ الرَّعْدِيَّةُ) مِنَ التَّجَارُبِ الَّتي أجْرَاهَا في ألْمَانْيَا أنَّهُ أثْنَاءَ سُقُوطِ الثَّلْجِ تَكُونُ الشُّحْنَةُ مُوجَبَةً (اللَّوْنُ الأحْمَرُ)، أمَّا أثْنَاءَ تَسَاقُطِ صَفَائِحِ ثَلْجٍ فَإنَّ الشُّحْنَةَ لَيْسَتْ نَادِرَةً، ويَصْحَبُهَا أزِيزٌ، ويَغْلُبُ عَلَيْهَا اللَّوْنُ الأزْرَقُ، وفي كِتَابِ الكَهْرَبَاءِ الجَوِّيَّةِ لمُؤَلِّفِهِ شوتلاند صَفْحَةُ 38 نَجِدُهُ يَقُولُ (تَحْتَ الظُّرُوفِ المُلاَئِمَةِ فَإنَّ القِسْمَ البَارِزَ عَلَى سَطْحِ الأرْضِ كَصَوَارِيِّ السُّفُنِ إذا تَعَرَّضَتْ إلى مَجَالاَتٍ شَدِيدَةٍ مِنْ حَالاَتِ شَحْنِ الكَهْرَبَاءِ الجَوِّيَّةِ؛ يَحْصُلُ التَّفْرِيغُ الوَهَجِيُّ ويَظْهَرُ وَاضِحًا ويُسَمَّى نِيرَانُ سَانْت المو).
قَارِنْ هذا بالأوْصَافِ الَّتي وَرَدَتْ في جَرِيدَةِ الأهْرَامِ بتَارِيخِ 6/5/1968 (هَيْئَةُ جِسْمٍ كَامِلٍ مِنْ نُورٍ، يَظْهَرُ فَوْقَ القِبَابِ الأرْبَعِ الصَّغِيرَةِ لكَنِيسَةِ الزَّيْتُونِ أو فَوْقَ الصَّلِيبِ الأعْلَى للقُبَّةِ الكُبْرَى أو فَوْقَ الأشْجَارِ المُحِيطَةِ بالكَنِيسَةِ .. الخ).
(أمَّا الألْوَانُ .. فَقَدْ أجْمَعَتِ التَّقَارِيرُ حَتَّى الآنَ عَلَى أنَّهَا الأصْفَرُ الفَاتِحُ المُتَوَهِّجُ والأزْرَقُ السَّمَاوِيُّ).
وعِنْدَمَا نَرْجِعُ بالذَّاكِرَةِ إلى الحَالَةِ الجَوِّيَّةِ الَّتي سَبَقَتْ أو لاَزَمَتِ الرُّؤْيَةَ الظَّاهِرَةَ، نَجِدُ أنَّ الجُمْهُورِيَّةَ كَانَتْ تَجْتَاحُهَا في طَبَقَاتِ الجَوِّ العُلْوِيِّ مَوْجَةٌ مِنَ الهَوَاءِ البَارِدَةِ جِدًّا الَّذِي فَاقَ في بُرُودَتِهِ هَوَاءَ أُورُبَّا نَفْسِهَا، مِمَّا وَفَّرَ الظَّرْفَ المُلاَئِمَ لتَوَلُّدِ مَوْجَاتٍ كَهْرَبِيَّةٍ بسَبَبِ عَدَمِ الاسْتِقْرَارِ، ولَكِنَّ فُرُوقَ الجُهْدِ الكَهْرَبِيِّ يُمْكِنُ أنْ تَظَلَّ كَافِيَةً مُدَّةً طَوِيلَةً.
ويُضِيفُ مِلْهَام عَالِمُ الرَّصْدِ الجَوِّيِّ البِرِيطَانِيِّ في كِتَابِهِ (المِتِيرُولُوجْيَا) صَفْحَةُ 481 أنَّهُ أحْيَانًا تَنْتَشِرُ رَائِحَةٌ مِنَ الوَهَجِ، وتَفْسِيرُنَا العِلْمِيُّ للرَّائِحَةِ أنَّهَا مِنْ نَتَائِجِ التَّفَاعُلاَتِ الكِيمَاوِيَّةِ الَّتي تَصْحَبُ التَّفْرِيغَ الكَهْرَبِيَّ وتَكُونُ مُرَكَّبَاتٍ كَالأُوزُونَ.
وخُلاَصَةُ القَوْلِ أنَّهُ مِنَ المَعْرُوفِ والثَّابِتِ عِلْمِيًّا أنَّ التَّفْرِيغَ الكَهْرَبِيَّ المَصْحُوبَ بالوَهَجِ يَحْدُثُ مِنَ المُوَصِّلاَتِ المُدَبَّبَةِ عِنْدَمَا تُوضَعُ في مَجَالٍ كَهْرَبِيٍّ كَافٍ، وهُوَ يَتَكَوَّنُ مِنْ سَيْلٍ مِنَ الأيُّونَاتِ الَّتي تَحْمِلُ شُحْنَاتٍ مِنْ نَفْسِ نَوْعِ الشُّحْنَاتِ الَّتي يَحْمِلُهَا المُوَصِّلُ، والتَّفْرِيغَاتُ الكَهْرَبِيَّةُ الَّتي مِنْ هذا النَّوْعِ يَجِبُ أنْ تَتَوَقَّعَ حُدُوثَهَا مِنْ أطْرَافِ المُوَصِّلاَتِ المُعَرَّضَةِ عَلَى الأرْضِ، مِثْلُ النَّخِيلِ والأبْرَاجِ ونَحْوِهَا، عِنْدَمَا يَكُونُ مِقْدَارُ التَّغَيُّرِ في الجُهْدِ الكَهْرَبِيِّ كَافِيًا، بشَرْطِ أنْ يَكُونَ ارْتِفَاعُ الجِسْمِ المُتَّصِلِ بالأرْضِ ودِقَّةِ الأطْرَافِ المُعَرَّضَةِ مُلاَئِمَةً، ومِنَ المُؤَكَّدِ أنَّ البَاحِثِينَ الأُوَلَ أمْثَالَ فِرَنْكِلِين لاَحَظُوا مَجَالَ الجَوِّ الكَهْرَبِيِّ حَتَّى في حَالاَتِ صَفَاءِ السَّمَاءِ، وتَحْتَ الظُّرُوفِ الطَّبِيعِيَّةِ المُلاَئِمَةِ الَّتي تُوَفِّرُهَا الأطْرَافُ المُدَبَّبَةُ للأجْسَامِ المُرْتَفِعَةِ فَوْقَ سَطْحِ الأرْضِ قَدْ يُصْبِحُ وَهَجُ التَّفْرِيغِ ظَاهِراً وَاضِحًا، وقَدْ ذَكَرَ وِلْسُون العَالِمُ البِرِيطَانِيُّ في الكَهْرَبَاءِ الجَوِّيَّةِ أنَّ التَّفْرِيغَ الكَهْرَبِيَّ البَطِيءَ للأجْسَامِ المُدَبَّبَةِ يَلْعَبُ دَوْراً هَامًّا في التَّبَادُلِ الكَهْرَبِيِّ بَيْنَ الجَوِّ والأرْضِ، خُصُوصًا عَنْ طَرِيقِ الأشْجَارِ والشُّجَيْرَاتِ وقِمَمِ المَنَازِلِ وحَتَّى حُقُولِ الحَشَائِشِ، ولَيْسَ مِنَ اللاَّزِمِ أنْ يَنْتَهِيَ الجِسْمُ المُوصِلُ بطَرَفٍ مُدَبَّبٍ أو يَبْرُزَ إلى ارْتِفَاعَاتٍٍ عَظِيمَةٍ.
وقَدْ يَتَسَاءَلُ النَّاسُ:
Ω إنَّ الظَّاهِرَةَ خَدَعَتِ الأقْدَمِينَ مِنَ الرُّومَانِ قَبْلَ عَصْرِ العِلْمِ، ثُمَّ في عَصْرِ العِلْمِ فَسَّرَ العُلَمَاءُ الظَّاهِرَةَ عَلَى أنَّهَا تَفْرِيغٌ كَهْرَبِيٌّ، لَكِنَّ التَّارِيخَ يُعِيدُ نَفْسَهُ، فَقَدْ خَدَعَتْ نَفْسُ الظَّاهِرَةِ الطَّبِيعِيَّةِ أهْلَ مِصْرَ، فَأطْلَقُوا عَلَيْهَا نَفْسَ الاسْمِ الَّذِي تَحْمِلُهُ الكَنِيسَةُ الَّتي ظَهَرَتِ النِّيرَانُ فَوْقَهَا، ومِنْ هُنَا ظَنَّ القَوْمُ خَطَأً أنَّهَا رَوْحُ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ.
Ω الظَّاهِرَةُ الطَّبِيعِيَّةُ تَحْدُثُ في الهَوَاءِ الطَّلْقِ أعْلَى المَبَانِيِّ والشَّجَرِ ولا تَحْدُثُ دَاخِلَ المَبَانِيِّ، وهُوَ عَيْنُ مَا شُوهِدَ، ولَوْ أنَّهَا كَانَتْ رَوْحَ العَذْرَاءِ لَرَاحَتْ تَظْهَرُ دَاخِلَ الكَنِيسَةِ بَدَلاً مِنَ الظُّهُورِ عَلَى الأشْجَارِ والقِبَابِ.
Ω الظَّاهِرَةُ الجَوِّيَّةُ يَرْتَبِطُ ظُهُورُهَا ومُكْثُهَا بالكَهْرَبَائِيَّةِ الجَوِّيَّةِ، وعُمُومًا بالجَوِّ وتَقَلُّبَاتِهِ، فَهَلْ إذا كَانَتْ رَوْحًا يَرْتَبِطُ ظُهُورُهَا بالجَوِّ كَذَلِكَ؟؟
Ω الظَّاهِرَةُ الطَّبِيعِيَّةُ لا تُشَاهَدُ إلاَّ عِنْدَمَا يُخَيِّمُ الظَّلاَمُ، بسَبَبِ ضَعْفِ ضَوْءِ الوَهَجِ بالنِّسْبَةِ إلى ضَوْءِ الشَّمْسِ السَّاطِعِ، ولَكِنْ مَا يَمْنَعُ الأرْوَاحَ الطَّاهِرَةَ أنْ تَظْهَرَ بالنَّهَارِ؟؟
Ω إذا كَانَتْ نَفْسُ الظَّاهِرَةِ تُشَاهَدُ في أمَاكِنٍ أُخْرَى في مِصْرَ، فَمَا المَوْضُوعُ؟
وحَاوَلَ الدُّكْتُورُ مُحَمَّدُ جَمَالُ الدِّينِ الفندى أنْ يَنْشُرَ بَحْثَهُ في الصُّحُفِ فَأبَتْ، والغَرِيبُ أنَّهُ لَمَّا نُشِرَ في مَجَلَّةِ (الوَعْيِ الإسْلاَمِيِّ) الكُوَيْتِيَّةِ مُنِعَ دُخُولُهَا مِصْرَ، والأغْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أنَّ الأوَامِرَ صَدَرَتْ لأئِمَّةِ المَسَاجِدِ ألاَّ يَتَعَرَّضُوا للقِصَّةِ مِنْ قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ!! وذَهَبَ مُحَافِظُ القَاهِرَةِ سَعْدُ زَايِد ليَضَعَ تَخْطِيطًا جَدِيدًا للمَيْدَانِ، يُلاَئِمُ الكَنِيسَةَ الَّتي سَوْفَ تُبْنَى تَخْلِيدًا لهذا الحَدَثِ الجَلِيلِ، وعَلِمْتُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زُمَلاَئِي وتَلاَمِذَتِي أنَّ لتَجَلِّيَاتِ العَذْرَاءِ دَوَرَاتٌ مُنَظَّمَةٌ مَقْصُودَةٌ.
فَقَدْ ظَهَرَتْ في الحَبَشَةِ قَرِيبًا مِنْ أحَدِ المَسَاجِدِ الكُبْرَى، فَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ السُّلْطَةُ فَوْرًا، وشَيَّدَتْ عَلَى المَكَانِ كُلِّهِ كَنِيسَةً سَامِقَةً!! وظَهَرَتْ في لبْنَانَ فَشَدَّتْ مِنْ أزْرِ المَسِيحِيَّةِ الَّتي تُرِيدُ فَرْضَ وُجُودِهَا عَلَى جِبَالِهِ وسُهُولِهِ مَعَ أنَّ كَثْرَةَ لبْنَانَ مُسْلِمَةٌ، وهَا هي ذِي قَدْ ظَهَرَتْ في القَاهِرَةِ أخِيراً لتُضَاعِفَ مِنْ نَشَاطِ الأقْبَاطِ كَيْ يُشَدِّدُوا ضَغْطَهُمْ عَلَى الإسْلاَمِ.
وقَدْ ظَلَّتْ جَرِيدَةُ وَطَنِي الطَّائِفِيَّةُ تَتَحَدَّثُ عَنْ هذا التَّجَلِّيِّ المَوْهُومِ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ، إذِ العَرْضُ مُسْتَمِرٌّ، والخَوَارِقُ تَتْرَى، والأمْرَاضُ المُسْتَعْصِيَةُ تُشْفَى، والحَاجَاتُ المُسْتَحِيلَةُ تُقْضَى ...
كُلُّ ذَلِكَ وأفْوَاهُ المُسْلِمِينَ مُكَمَّمَةٌ، وأقْلاَمُهُمْ مَكْسُورَةٌ حِفَاظًا عَلَى الوِحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ، وسَوْفَ تَتَجَلَّى مَرَّةً أُخْرَى بَدَاهَةً عِنْدَمَا تُرِيدُ ذَلِكَ المُخَابَرَاتُ المَرْكَزِيَّةُ الأمْرِيكِيَّةُ، ولله في خَلْقِهِ شُئُونٌ. انْتَهَى كَلاَمُ الشَّيْخِ.
اقْرَأ – فَكَّرْ – تَدَبَّرْ – اسْتَنْتِجْ – تَكَلَّمْ إنِ اسْتَطَعْتَ – افْعَلْ إنْ قَدَرْتَ
وهذا مَا أعْلَمُ؛ واللهُ تَعَالَى أعْلَى وأعْلَمُ.
والسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
تعليق