الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تمسك بهداه إلى يوم الدين أما بعد :
اعلموا وفقكم الله تعالى لمعرفة الصواب ونجاكم من فرق الضلالة والغواية أن نبينا عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، وأول فرقة خرجت على أمة الإسلام الخوارج ثم القدرية ثم الروافض ثم تتابعت الفرق فرقة تلو أخرى وفرق تكفر أخرى ، ومن هنا أضع بين أيديكم نبذة مختصرة عن هذه الفرق الضالة وعقائدها الباطلة كي يعرف المنصف مناهج هذه الفرق الضالة ولا يسلك سبيلها ..
أولا : الخوارج :
ـــــــــــــــــــــــــــ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أول البدع ظهوراً في الإسلام ، وأظهرها ذماً في السنة والآثار بدعة الحرورية المارقة ، فإن أولهم قال للنبي صلى الله عليه وسلم في وجهه : اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل ! وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم وقتالهم ، وقاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مستفيضة بوصفهم وذمهم والأمر بقتالهم. ا.هــ
فهم أول فرقة خرجت في هذه الأمة وكان خروجهم يوم صفين بسبب التحكيم ، وقصة التحكيم كالتالي :
وكان أول ظهور لها تحديدا في معركة صفين التي جرت أحداثها بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وذلك حين رفع أهل الشام " جيش معاوية " المصاحف داعين أهل العراق " جيش علي " إلى الاحتكام إليها، فاغتر الخوارج بتلك الدعوة ، في حين رآها علي رضي الله عنه حيلة من أهل الشام لدفع هزيمة بدت علاماتها ، فتوجه إليهم - رضي الله عنه - بأن يواصلوا القتال إلا أنهم أبوا إلا قبول تلك الدعوة ، وحَمْل علي على قبولها ، وتهددوه قائلين : " أجب إلى كتاب الله عز وجل إذ دعيت إليه، وإلا دفعناك برمتك إلى القوم .. ! " فنهاهم - رضي الله عنه - فأبوا فقبل رضي الله عنه بالتحكيم استجابة لهم وصيانة لجماعة المسلمين من التفرق والتشرذم .
ثم انتدب رضي الله عنه ابن عباس للمفاوضة عنه ، فرغب الخوارج عنه وقال هو منك وسيحابيك ولكن أرسل أبا موسى فإنه قد اعتزل القتال ونصح لنا ، فوافق علي رضي الله عنه على كره منه.
وعندما اجتمع الحكمان - أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص - اتفقا على تأجيل التحكيم إلى رمضان فرجع علي بمن معه من صفين إلى الكوفة ، إلا أن الخوارج انقلبوا على موقفهم وأعلنوا البراءة من التحكيم، ورأوا فيه ضلالا وكفرا ، وهم الذين تهددوا عليا رضي الله عنه بقبوله والرضا به ! ففارقوا الجماعة رأيا وفارقوها جسدا إذ انحاز اثنا عشر ألفا منهم إلى حروراء فأرسل إليهم عليٌ رضي الله عنه عبدَالله بن عباس رضي الله عنهما ، وقال له : لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حتى آتيك ، فاستعجلوا محاورته فحاورهم رضي الله عنه ، فلجوا في خصامه . فلما جاء علي أجابهم على ما نقموا عليه من أمر الحكمين ، وكان مما اعترضوا عليه قولهم : خَبِّرْنا : أتَراهُ عَدْلاً تَحكيمَ الرجالِ في الدماء ؟ فقال لهم علي رضي الله عنه : إنا لسنا حكمنا الرجال إنما حكمنا القرآن ، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال . قالوا : فخَبِّرْنا عن الأجل لم جعلته بينكم ؟ قال : ليعلم الجاهل ويتثبت العالم ، ولعل الله يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة، ادخلوا مصركم رحمكم الله . فدخلوا من عند آخرهم.
ولما دخلوا الكوفة أظهروا المعارضة مرة أخرى لقضية التحكيم ، وعندما اعتزم علي أن يبعث أبا موسى للحكومة ، أتاه زرعة بن البرح الطائي وحرقوص بن زهير السعدي من الخوارج وقالا له : تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم ، وقال علي : قد كتبنا بيننا وبينهم كتابا وعاهدناهم ، فقال حرقوص : ذلك ذنب تنبغي التوبة منه، فقال علي: ليس بذنب ولكنه عجز من الرأي ، فقال زرعة : لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك أطلب وجه الله ! فقال علي : بؤسا لك كأني بك قتيلا تسفى عليك الرياح ، قال : وددت لو كان ذلك . وخرجا من عنده يناديان لا حكم إلا الله ، وخطب علي يوما فتنادوا من جوانب المسجد بهذه الكلمة ، فقال علي : الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل ، وخطب ثانيا فقالوا كذلك ، فقال: أما إن لكم عندنا ثلاثا ما صحبتمونا ، لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ، ولا الفيء ما دمتم معنا ، ولا نقاتلكم حتى تبدؤنا ، وننتظر فيكم أمر الله . ا.هــ
وهذه بداية أمرهم وخروجهم على علي رضوان الله عليه ، ثم قاتلهم في وقعة النهروان وهزمهم والقصة طويلة مبسوطة في الكتب فليراجعها من أراد الفائدة ..
o ما صح من الحديث في شأنهم :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال الإمام أحمد : صح الحديث في الخوارج من عشرة .ا.هــ
وأوجه هذه العشرة أخرجها مسلم في صحيحه موافقة لأحمد وروى البخاري منها عدة اوجه وروى أحاديثهم أهل السنن والمسانيد من وجوه أخر ا.هــ
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سلمة وعطاء بن يسار أنهما أتيا أبي سعيد الخدري فسألاه عن الحرورية هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها ؟ قال : لا أدري من الحرورية ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( يخرج في هذه الأمة قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم فيقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه فيتمارى في الفوقة هل علق بها من الدم شيئ ) .
وعن أبي سعيد الخدري قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال : يا رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ اعدل ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ويلك من يعدل إن لم أعدل ؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل ) فقال عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ : يا رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ إئذن لي فيه أضرب عنقه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شي ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيئ ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيئ ــ وهو القدح ــ ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيئ سبق من الفرث والدم ..... ) وفي رواية ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) وفي رواية ( يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيئ ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيئ ولا صيامكم إلى صيامهم بشيئ يقرءون القرآن يحسبونه أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ) وفي رواية ( يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه هم شر الخلق والخليقة ) .
( يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ) قال النووي : قال القاضي : فيه تأويلان أحدهما معناه : لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق إذ بهما تقطيع الحروف ، والثاني معناه : لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا يتقبل . ا.هــ
o فرق الخوارج :
ــــــــــــــــــــــــــــ
يقول الإمام البغدادي رحمه الله : وأما الخوارج فإنها لما اختلفت صارت عشرين فرقة وهذه أسماؤها : المحكمة الأولى ، والأزارقة ثم النجدات ثم الصفرية ، ثم العجاردة .( * )
ــ فرق العجاردة : وقد افترقت العجاردة فيما بينها فرقا كثيرة منها : الخزامية والشعبية والمعلومية والمجهولية والمعبدية والرشيدية والمكرمية والحمزية والإبراهيمية والواقفة .
ــ فرق الأباضية : وافترقت الأباضية منها فرقا : حفصية وحارثية ويزيدية وأصحاب طاعة لا يراد الله بها .
واليزيدية منهم : أتباع يزيد بن أبي أنيسة ، ليست من فرق الإسلام لقولها بأن شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان بنبي من العجم ! وكذلك في جملة العجاردة فرقة يقال لها : الميمونية ليست من فرق الإسلام لأنها أباحت نكاح بنات البنات وبنات البنين كما أباحته المجوس . ا.هــ
o مذهب الخوارج وعقائدهم :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله : أما مذهب الخوارج فإنهم يكفرون أهل الإيمان بارتكاب الذنوب ما كان منها دون الكفر والشرك ، وإنهم قد خرجوا في خلافة علي رضي الله عنه وكفروا الصحابة ، بما جرى بينهم من القتال واستدلوا على ذلك بآيات وأحاديث لكنهم أخطئوا في الإستدلال . ا.هــ
ــ عقائدهم :
1. الخروج على الحكام إذا خالفوا منهجهم وفهمهم للدين.
2. تكفير أصحاب الكبائر.
3. التبروء من الخليفتين الراشدين عثمان وعلي رضي الله عنهما.
4. تجويز الإمامة العظمى في غير القرشي، فكل من ينصبونه ويقيم العدل فهو الإمام، سواء أكان عبدا أم حرا، عجميا أم عربيا. وذهبت طائفة منهم وهم النجدات إلى عدم حاجة الناس إلى إمام، وإنما على الناس أن يتناصفوا فيما بينهم، فإن رأوا أن لابد من إمام جاز لهم أن يقيموا لهم إماماً.
5. إسقاط حد الرجم عن الزاني، وإسقاط حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال دون من قذف المحصنات من النساء .
6. إنكار بعضهم سورة يوسف، وهو من أقبح أقوالهم وأشنعها، وهذا القول ينسب إلى العجاردة منهم، حيث قالوا لا يجوز أن تكون قصة العشق من القرآن !!
7. القول بوجوب قضاء الصلاة على الحائض، فخالفوا النص والإجماع .
o حكم الخوارج :
ــــــــــــــــــــــــــ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فإن الأمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم ، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين : في مذهب مالك وأحمد وفي مذهب الشافعي أيضا نزاع في كفرهم .ا.هــ
ونقل النووي في المجموع عن أبي حامد الإسفراييني ومتابعيه قوله: والخوارج ليسوا بكفار. انتهى
وإلى هذا القول يميل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو القول بعدم كفرهم لقول علي رضي الله عنه لما سئل عنهم : أكفار هم ؟ فقال : إخواننا بغوا علينا .
وعلى هذا : لا يجوز إطلاق الكفر على الخوارج عموما فمنهم فرق ظهر منها الكفر كاليزيدية ومنها لم يظهر منها الكفر ، ولا ريب أن حالهم اليوم أشنع وأقبح إذ أن الأباضية منهم وهم منتشرون اليوم قد سقطوا في أمور مصادمة لأصول الدين نسأل الله السلامة .
تعليق