إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عيسى عبده ...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    رد: عيسى عبده ...

    جزانا و اياكم



    تعليق


    • #47
      رد: عيسى عبده ...

      الحلقه السادسة عشر: ثوره عارمه

      حين فتح الطبيب باب داره للشيخ فوجيء به يغلق الباب بعنف خلفه ..
      وهو يمسك بتلابيبه ويقول له : ما هذا الذي فعلت بابنتي أيها الزنديق ؟..
      والله لا أفلتك من يدي حتى أعلم حقيقتك ..
      وقد سكتنا عن التزامك اسمك رغم اعتناقك الإسلام ..
      وكان يجب أن تغيره إلى ما يدل على إسلامك ..
      ولقد أحسنا الظن بك وبما سقته من حجج ..
      كانت تبدو لنا صادقة يوم نطقت بها ..
      أما وقد انكشف أمرك الآن بتسمية ولدك عيسى ..
      فاعلم أن اختيارك لولدك هذا الاسم ..
      له من المعاني ما لا يخفى على أحد ..
      ولقد كنت أعالج نفسي بالتصبر حتى ألقاك ..
      إلى أن جاءنا بشير من عند أبيك ..
      يحمل التهاني التي تنطوي على سخرية أبيك بعقولنا ..
      وشماتته بمصير ابنتي المسكينة ..
      التي جنيت عليها حين قبلت زواجك بها ..
      فتكلم بالحق وإلا قتلتك شر قتلة ..
      ورأى الطبيب أن الشيخ يهدر غاضباً ..
      والدماء تندفع إلى جبينه حمراء قاتلة ..
      والشرر يتطاير من عينيه ..
      يشير إلى ما في صدره من غليان براكين الثورة ..
      فبقي بين يدي الشيخ هادئاً ساكناً حتى تمر العاصفة ..
      لكن حالة الشيخ كانت تنبؤ أنه قد انتوى أمراً خطيراً ..
      وأنه قد يرتكب جرماً وحشياً تحت وطأة إحساسه بخيبة الرجاء ..
      إذ كان يبدو عليه أنه استنفد من الجهد ما أضناه ..
      وأنه سيتصرف مع الطبيب تصرف اليائس منه ..
      فبادره الطبيب قائلاً : ياعم ..
      أقسم لك أن الأمر كما علمته من حسن إسلامي ..
      ولقد أكرمتني بإحسانك إلي إذ قبلت مصاهرتي لك ..
      فكيف تصورت في نفسك ما نطق به لسانك الآن ..
      وهل تظن أن ما جرى لي بسبب إسلامي ..
      وملاحقة أهلي لي بالتهديد والويلات والأذى ..
      وطردهم لي من دار أبي وهجري لأهلي ولجوئي إلى الحق والهدى ..
      كان كله تمثيلا وعبثاً ..
      وهل قدمت لي منذ عرفتك إلا الخير والعون والحب ..
      فكيف تظنني أسيء إليك أو أجني على ابنتك ..
      وإذا كان ذلك مما يجوز لي وأنا على غير سبيل الحق ..
      فكيف أجيزه لنفسي وقد عرفت الله ورسوله والقرآن ..
      يا عم ..
      إن كنت أردت – بعد ما قلته لك والله على ما أقول شهيد –
      أن تزيدني إيماناً فها أنا ذا بين يديك ما تغيرت وما استبدلت ..
      فأنت صهري وعمي وأبي وأهلي ..
      وليس لي الآن بعد ولدي من هو أقرب إلي منك ..
      وستجدني طوع أمرك فيما تظنه صواباً وسأقبل حكمك أياً كان ..
      فهلا منحتني بعض ما قد يكون بقي عندك من صبر ..
      لعلي أحدثك بما بقي عندي من حكمة اختيار اسم عيسى لولدي ..


      يتبع باذن الله . . .




      تعليق


      • #48
        رد: عيسى عبده ...

        جزاكم الله خير لكن هل يمكنك ان تجعل الحلقات اطول قليلا

        اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

        تعليق


        • #49
          رد: عيسى عبده ...

          جزاكم الله خير لكن هل يمكنك ان تجعل الحلقات اطول قليلا
          خشيت على القراء الملل



          تعليق


          • #50
            رد: عيسى عبده ...

            جزاك الله خيرا
            متابعة

            تعليق


            • #51
              رد: عيسى عبده ...

              بل نحن نستعجل الحلقات
              لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد ,وهو على كل شيء قدير.

              تعليق


              • #52
                رد: عيسى عبده ...

                الحلقه السابعة عشر: عيسى عبده

                كانت لهجة الطبيب هادئة رغم ما صبه عليه صهره من لوم وتقريع ..
                ورغم شناعة الصورة التي رسمها صهره ..
                من فزع أحاط الأسرة .. وأحداث جسام توشك أن تعصف بالجميع ..
                فلا الطبيب ناجٍ بصورته هذه ..
                ولا أصهاره سعداء بما يمكن أن يحدثوه به من انتقام لسمعتهم ..
                التي ألحق بها خزياً ما بعده خزي ..
                رغم كل ذلك .. قال له الشيخ : تكلم وقل ما عندك ولا تخفي عني شيئاً ..
                ولتعلم أنك قد ألقيتني في الجحيم جزاء صنيع المعروف معك ..
                فابتسم الطبيب وهو يقول : كأنك لا تريدني يا عم أن أتكلم ..
                قال : بل ها أنا ذا مصغٍ إليك واعٍ لما ستقول والله وحده يعينني على ما أنا فيه ..
                قال الطبيب الناشيء:إن بيني وبين ربي عهداً لا يعلمه إلا هو ..
                وإني أسير على الدرب لا أحيد وما وجدت من ربي إلا الفضل يتلوه الفضل ..
                وفي ظني والعلم عند الله جل شأنه أن هذا الحادث الذي أفزعكم حتى آذيتموني ..
                هو أكبر نعمة من بها الله علي بعد نعمة الإسلام ..
                تمتم الشيخ في صوت حزين: أكبر نعمة تقول أكبر نعمة ..
                اللهم إنك أنت السلام ومنك السلام .. اللهم أفرغ علينا صبراً من عندك .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
                عاد الطبيب يقول: نعم , قد يكون هذا التتابع في الأحداث بشيراً لي ..
                بأن الله قد سمع لدعائي فاستجاب فله الحمد في الأولى والآخرة ..
                ثم استطرد يقول:إنني يا سيدي حين تمسكت بالاسم الذي كان قد اختاره والدي ..
                وهو كما تعلم : عبده, تعلق رجائي بأن يمتد بي الأجل ..
                حتى أكون كفؤاً لزوجة صالحة من بيت طيب ..
                وأن أرزق منها مولوداً يكون أول أولادي ..
                وأن أدعوه : عيــــــــــسى ..
                وها قد تحقق الرجاء بفضل من الله ونعمة ..
                وقاطعه الشيخ محتداً : وأي فضل تريدني أن أراه فيما ذكرت ..؟
                فارتفع صوت الطبيب الشاب في نبرة تشبه الغضب وقال: يا سيدي صبراً, فما أتممت الكلام بعد ..
                وأنت ترى أن هذه الأمور التي وقعت لا تستوقف نظرك ولا تثير فيك عجباً ..
                أما أنا .. فقد رأيت هذه الأمور قبل أن تقع آمالاً ترتفع يداي في كل لحظة بسببها إلى السماء بالدعاء ..
                آمالاً سهرت من أجلها الليالي الحالكة التي أحاطت بي لبضع سنوات مضت ..
                وإن الله الذي أنعم علي بهذا كله لأكرم من أن يرد ما بقي لي من رجاء عنده..
                قال الشيخ : وما هذا الرجاء؟
                قال الطبيب:إنه إن شئت رجاء وإنه إن شئت عهد وميثاق ..
                إذا نحن أمعنا النظر فلقد كنت عاهدت ربي إن هو رزقني بصبي ..
                لأحرصن على تنشئته تنشئة صالحة ولأدعون له بطول العمر ..
                وبالتوفيق إلى ما فيه رضا الله وبأن يكون له في حياته ومن بعد مماته أحسن الذكر على ألسنة العباد ..
                ضاق الشيخ ذرعاً باستطراد هذا الطبيب الحدث في سرد أحلامه ..
                فقاطعه قائلاً: وأي والد لا يرجو لولده مثلما رجوت وأملت ..
                وأية صلة بين هذا الرجاء وذلك الميثاق ..
                وبين اختيار المسيح عيسى ابن مريم ليكون علماً على ولدك ليكون خيراً كما تقول ..
                قال: يا عم إنني لا أحصي ثناءً على ربي ولا أقدر على حمده كفاء ما أنعم به علي ..
                ولذلك جعلت من وجود هذا الولد شهادة تنبض بالحياة ..
                ما بقيت له الحياة ..
                بأن (عيسى .. عبده) ..
                وماهو بولده ..
                وما هو بالإله .. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ..
                فكلما ذكر ولدي الذاكرون غائباً أو حاضراً ..
                حياً أو ميتاً ..
                كان ذكرهم هذا شهادة مني بين يدي الله عز وجل ..
                بأن عيسى عبده ..
                وما هو بولده ..

                يتبع باذن الله . . .




                تعليق


                • #53
                  رد: عيسى عبده ...

                  المشاركة الأصلية بواسطة zidane مشاهدة المشاركة
                  ..
                  ولذلك جعلت من وجود هذا الولد شهادة تنبض بالحياة ..
                  ما بقيت له الحياة ..
                  بأن (عيسى .. عبده) ..
                  وماهو بولده ..
                  وما هو بالإله .. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ..
                  فكلما ذكر ولدي الذاكرون غائباً أو حاضراً ..
                  حياً أو ميتاً ..
                  كان ذكرهم هذا شهادة مني بين يدي الله عز وجل ..
                  بأن عيسى عبده ..
                  وما هو بولده ..

                  يتبع باذن الله . . .


                  ان كان هذا هو غرضه فبارك الله فيه وفيكم ونفع بعلمكم

                  اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

                  تعليق


                  • #54
                    رد: عيسى عبده ...

                    تعليق


                    • #55
                      رد: عيسى عبده ...

                      الحلقه الثامنة عشر: نهاية الأزمه

                      قال: يا عم, إنني لا أحصي ثناءً على ربي ولا أقدر على حمده كفاء ما أنعم به علي ..
                      ولذلك جعلت من وجود هذا الولد شهادة تنبض بالحياة ما بقيت له الحياة ..
                      بأن (عيسى .. عبده) ..
                      وماهو بولده ..
                      وما هو بالإله, تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ..
                      فكلما ذكر ولدي الذاكرون غائباً أو حاضراً حياً أو ميتاً ..
                      كان ذكرهم هذا شهادة مني بين يدي الله عز وجل ..
                      بأن عيسى عبده ..
                      وما هو بولده ..
                      ولقد استجاب ربي لأول الدعاء ..
                      وهاهو الولد الصغير حقيقة ماثلة بين يدي وشهادة مني بما آمنت به ..
                      وإن الذي أسبغ علي هذه النعمة الكبرى لقادر على أن يمد في أجله وأن يهديه سواء السبيل ..
                      حتى يكون أهلاً لهذه الشهادة التي فرقت في حياتي بين ضلال كنت فيه ..
                      وهداية أرجو أن تزيد ..
                      ياعم ..
                      إن الغيب من ضنائن الرحمن ..
                      وإنا لاندري أيكون هذا الصبي صالحاً أم غير صالح ..
                      ولا ندري هل كتب له من العمر ما يطول أم كانت الأخرى ..
                      ولكنني أعلم من الله أنه ما خذلني ولا أسلمني لأمر لا أحبه ..
                      منذ سرى في أطرافي هذا الشوق من الوضوء أول مرة ..
                      وأنا بعد صبي لا أميز بين عقيدة وأخرى ..
                      يا عم ..
                      إذا فرغت من الشهادة بتسمية عيسى التي أرجو أن تكون شفيعي عند الواحد الأحد على نحو ما عاهدت ربي ..
                      فأي الأسماء بعد ذلك يتمم الشهادة ..
                      وهل هناك من اسم يذكر بعد شهادة ألا إله إلا الله سوى محمد رسول الله ..
                      لذلك فإني أرجو من الله أن يكون حفيدك الثاني ...
                      (محمد عبده) ..
                      ثم ضحك قائلاً : إن زوجتي لولود وإن غداً لناظره لقريب ..
                      قال له الشيخ: انصرف إلى عملك رعاك الله وإنني عائد إلى حي السيدة زينب والله يعلم بما أنا فيه ..
                      إنك تعيش في جو من الصفاء لا تعيش فيه كثرة الناس ..
                      وإن أعمالك وأقوالك لا يفهمها إلا من أنار الله بصيرته وحاط بدين الله من كل جوانبه ..
                      وما أقل هؤلاء في زماننا ..
                      لكنك يا عبده قد أتعبتني منذ عرفتك ولا إخالك إلا هكذا ما حييت ..
                      عفا الله عنك يا بني ..
                      ثم شد الشيخ على يد صهره مودعاً وهو يقول : على إني لا أضيق بيوم التقينا فيه ولا أتمنى الآن غير الذي جرت به المقادير ..

                      ثم انصرف ..

                      مرت الأيام ..

                      ورزق الله عبده ولده الثاني .. محمد ..
                      ولم يكن الخواجة إبراهيم قد رأى يوماً أشد عليه من يوم الأحد ..
                      الذي أعلنت فيه الكنيسة خروج عبده عن حظيرتها ..
                      وقرر فيه رجال الكنيسة طرد ولده الأكبر من رحمة يسوع ..
                      وبقيت صورته حاضرة أمام ناظريه ..
                      وهو يهرول مسرعاً إلى خارج الدار ..
                      والجميع يلاحقونه باللعنات والتهديدات ..
                      حتى جاءه الخبر بأن ولده عبده ..
                      قد سمى ولده الثاني محمد ..
                      فكانت القاضية على ما كان بقي عنده من أمل ورجاء ..
                      وفي يوم من الأيام عام 1909 ..
                      والأسرة الصغيرة في حياتها الوادعة على مقربة من السجن ..
                      والوقت بعد الظهيرة والحر قائظ ..
                      والطبيب قد أنهى عمله وعاد إلى داره ..
                      وإذا بواحد من مساعديه يصعد الدرج مسرعاً ويقترب منه ويهمس في أذنه كلاماً ..
                      وبدا على وجه الطبيب أنه لا يصدق ما سمع ..


                      ورفع الطبيب صوته قائلاً: وأين هو الآن ؟
                      قال: إنه يقف بباب الدار ,,
                      ونزل الطبيب الشاب مسرعاً من فوره وعاد ومعه ضيف من القاهرة ..

                      يتبع باذن الله . . .



                      تعليق


                      • #56
                        رد: عيسى عبده ...

                        جزاكم الله خيرا
                        متابعه ان شاء الله

                        تعليق


                        • #57
                          رد: عيسى عبده ...

                          جزاكم الله خيرا على المتابعه



                          تعليق


                          • #58
                            رد: عيسى عبده ...

                            اين باقي الحلقات اخي في الله

                            اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

                            تعليق


                            • #59
                              رد: عيسى عبده ...

                              الحلقه التاسعة عشر: زائر غير متوقع

                              رفع الطبيب صوته قائلاً: وأين هو الآن ؟
                              قال: إنه يقف بباب الدار ,,
                              ونزل الطبيب الشاب مسرعاً من فوره وعاد ومعه ضيف من القاهرة ..
                              كان هذا الضيف هو الخواجة إبراهيم والد الطبيب ..
                              وقد وصل فجأة بعد قطيعة تامة ومتصلة منذ كان ولده في فترة الامتياز بالقصر العيني ..
                              فانسحبت الزوجة والمربية والطفلان إلى داخل الدار وبقي الطبيب وولده ..
                              لا يجدان عندهما ما يقال بعد أن كانا قد تبادلا التحية والمجاملة في اقتضاب ..
                              قال الطبيب: كيف أنت يا أبي وكيف حال أمي وإخوتي ..
                              وإذ هم الوالد بالجواب احتبست الألفاظ في صدره واعتمر رأسه بين يديه لحظة ..
                              ثم انهارت بقية المقاومة التي كان يعانيها منذ وقت طويل مضى ..
                              فانفجر ينتحب كالثاكلات ..
                              ولم يحاول ابنه أن يمنعه بل تركه برهة وأخلى له المكان حتى يفرج عن نفسه وهمومه ..
                              وأقبل عليه حين عاوده الهدوء ..
                              وقال: ماذا بك يا أبي وكيف أمي وإخوتي ..
                              قال: إنهم بخير نحمد الرب ولكن أباك هو الذي على حافة الهاوية ..
                              قال: هون عليك وأشركني فيما يؤودك حمله لعلي أكون في عونك ..
                              قال: لهذا جئت إليك ولا أخفي عنك أنني ما سعيت إليك إلا بعد أن انسدت الدنيا كلها في وجهي وكادت الفضيحة أن تحطم حياتي ..
                              ثم سكت لحظة عاد بعدها يقول وقد تهدج صوته من جديد :
                              يا عبده, إن البيت الذي ولدت فيه ونشأت حتى أتممت معظم دراسة الطب ..
                              هذا البيت الذي يؤوينا ويتسع لأسرتنا كلها ..
                              سيباع في غد بأبخس الأثمان أمام دائرة البيوع بالمحكمة ..
                              وفاء لدين كان للبنك صغيراً ولكن الفوائض ضاعفته ولله الأمر ..
                              وأختك يا عبده , أختك ماريبوه , ابنتي الكبرى, سيكون زواجها بعد أسبوع واحد ..
                              ولا أعلم كيف أواري فضيحتي المالية وطردي من بيتي عن أصهاري الذين يحسنون بي الظن ومن أجل ذلك جاءوا للمصاهرة ..
                              وأي مصير سيواجه شقيقاتك الأخريات إذا ما خاب زواج الأولى بسبب إعلان إفلاسي ..
                              وأظلمت الدنيا في وجهه وخارت قواه فعاد يبكي وينتحب في مرارة شديدة ..
                              وسأله ابنه: كم تبلغ القيمة ..
                              قال: ثمانمائة جنيه, والبيت كما تعلم يساوي أضعاف هذه القيمة ..
                              ولكن جو البيع يسوده ألوان من المناورات والاحتكار البشع ..
                              وإن موظفي البنك أنفسهم يحيطون هذه البيوع بإجراءات جهنمية تضمن لهم تسيير البيوع على هواهم ..
                              قال الطبيب: إن هذا لعجيب, أوليست المحاكم تقوم من اجل العدل ..
                              قال أبوه : يا بني , إنك تعيش في برجك العاجي بعيداً عما يدور في الأسواق من ظلم وفساد ..
                              إن الدين يا بني يكفي للإطاحة بثروة كبيرة وبخاصة إذا مال الأمر لدائرة البيوع ..
                              ومن حوله زبانية يتسمعون الأخبار و يتحايلون على كل واحد في المزاد حتى ينسحب ..
                              قال الطبيب :لماذا لا ندفع جزءاً من الدين ثم نفكر كيف نتدبر أمر التصفية الشاملة ..
                              قال الوالد :يا بني يا عبده, قلت لك أن هذا كله قد فات أوانه ..
                              إنني أواجه حكماً بنزع الملكية وفاءً لدين مقداره كذا وكذا ..
                              عفواً يا بني لقد أفسدت عليك وقت الراحة والجو شديد الحرارة ..
                              ولكن العذر واضح لك ..
                              ولي معك كلمة أخيرة أقولها وأنا واثق من أن جميع إخوتك يؤيدونها راضين ..
                              وأنت يا عبده أولى من الغريب ..
                              فتعال معي في جلسة البيوع واشتر أنت البيت قبل جلسة المزاد لقاء دفع قيمة الحكم كاملة ..
                              فلا يضع الغريب يده على دارنا ويسيء إلى أبيك وسائر أفراد أسرتك ..
                              وأنت لن تلقي بأهلك إلى الطريق إن قصروا في دفع الإيجار ..
                              قال الطبيب : لا عليك اصبر يا والدي وائذن لي بتركك برهة صغيرة ..
                              ودخل إلى حجرته الخاصة ..
                              ثم عاد يحمل شيئاً في يده ..
                              ودفعه إلى أبيه وقال: هذه ثمانمائة جنيه ذهباً ..
                              هي لك يا أبي فتصرف فيها كيف تشاء ..
                              دهش الوالد من هذا التحول من الجدال إلى الفعل الناجز وسأل في تكرار:
                              والدار؟ متى تحضر لإكمال اجراءات نقل ملكيتها إليك؟
                              قال: لا حاجة لي بها إلا أن تبقى داراً لك انت ..
                              أنت والد الجميع ومن مركزك في الظاهر وفي الجمالية تستمد الأسرة كلها تقدير الناس ..
                              وإني ليسرني ان تبقى محل ثقة الناس واحترامهم ..
                              وضع الوالد كيس المال بجواره على الأريكة ..
                              وأطرق وهو يقلب عصاه بين يديه ..
                              ويقول في صوت خافت تتجاوب فيه أصداء من الشعور بالخجل والصغار:
                              ماذا صنعت بك وأنا قادر عليك وماذا صنعت معي وأنت قادر علي ..
                              وتساقط الدمع من عينيه في صمت ذليل ..
                              حتى رق له قلب ولده فبكى لبكائه ..
                              وانصرف الخواجة إبراهيم بالمال ونجا من ضائقة كادت تعصف به ..
                              وعاد الطبيب إلى داره بعد فترة قصيرة قضاها في وداع أبيه إلى أن تحرك القطار ..

                              كان الطبيب منهكاً وهو يعود إلى بيته ..
                              وفي الطريق كان يمني نفسه بساعة من نوم عميق ..
                              ولكنه أخطأ الحساب وأسرف في الأمل ..
                              فما إن دخل داره التي تركها من برهة قصيرة وغادرها وهي هادئة ساكنة ..
                              حتى سارت مسرحاً لأحداث غريبة تجري سراعاً ..

                              يتبع باذن الله . . .



                              تعليق


                              • #60
                                رد: عيسى عبده ...

                                الحلقه العشرون: ما لم يكن فى الحسبان

                                ما إن دخل الطبيب داره التي تركها من برهة قصيرة ..
                                وغادرها وهي هادئة ساكنة ..
                                حتى سارت مسرحاً لأحداث غريبة تجري سراعاً .
                                فها هو يرى المربية عاكفة على صرة ضخمة من لوازم الدار ..
                                وملابس الصغار والكبار تلفف شيئاً من فوق أشياء ..
                                وبجانبها صرة أخرى فرغت من شد وثاقها ...
                                والصغيران قد وضعا في ثياب الزينة والزيارات ..
                                وزوجته تذهب وتجيء في ركن من الدار إلى درج يؤدي إلى السطح ..
                                وهو يراقب الأمر صامتاً ..
                                حتى رفعت الزوجة ابنها الصغير على ذراعها وأمسكت بيد الولد الأكبر ..
                                وحملت المربية صرة بعد أخرى واستعد الركب للرحيل ..
                                وتقدمت الزوجة نحو الباب وهي ثابتة على صمتها ..
                                وفي عينيها أثر واضح لدمع تغالبه وجاءت المربية من خلف سيدتها ..
                                والطبيب الذي أنهكه عمله طول اليوم ومن بعده لقاؤه المثير لأبيه ..
                                ساكت في ضيق وصبر فإن الوقت لم يكن مناسباً لإعلان الغضب ..
                                تقدم مدخل الدار واعترض سبيل زوجته وهي توشك أن تنطلق ..
                                فتوقف وقال: إلى أين؟
                                ولا جواب والصغير على كتفها والمربية تحمل الصرات ..
                                والزوج لا يتحول عن مدخل الدار ولا يسمح لزوجته بالخروج ..
                                وهذه حال لا يطول الصبر عليها ..
                                فهبطت الأحمال التي على رأس المربية إلى أرض الصالة ..
                                وتقدمت الزوجة من زوجها قائلة :ابتعد ولا تعترض طريقي ..
                                قال: حتى أعرف إلى أين ؟
                                قالت: كنتُ واهمة كما أنت واهم الآن تماماً!!
                                قال: كيف ؟
                                قالت : إن ما بيننا قد انتهى ..
                                قال : وما الأسباب ؟
                                قالت: ما من سبب ولا غضب يكفي أن تعلم بأنك مجنون وأنا لا أعاشر المجانين ..
                                لم يكن الطبيب قد سمع من زوجته الوديعة المهذبة كلاماً كهذا في أشد الأيام التي مرت بهما ..
                                وبدا له أنها في حالة من الثورة النفسية التي لا يؤمن معها نقاش ولاحوار ..
                                ولذلك لجأ إلى الحكمة وخلّى بينها وبين مدخل الدار ..
                                وقبع في زاوية على أريكة يراقب التطورات ..
                                انفجرت براكين الغضب الكامن في أعماق الزوجة وأغراها سكون الطبيب ..
                                فسألته في حدة : أعرّفك لماذا أنت مجنون؟
                                إنك تصبح وتمسي ولا تذكر إلا الموت ولا حديث لك إلا عنه ..
                                وأنه قريب من الآدمي ..
                                وكلما خلوت بي أوصيتني بولديك خيراً إذا سبقت المنية إليك ..
                                فكيف يا ترى تحقق وصيتك فيهم إن كنت تتلف المال بهذه الطريقة ..
                                أما علمت أن هذا المال هو حصاد تدبيري طوال سنوات انقضت من عمرك ..
                                في المهنة والوظيفة جميعاً ..
                                ثم سكتت تغالب دمعها حتى ملكها الغضب من جديد ..
                                فقالت: وإلى من دفعت المال؟إلى من يحترم أصهارك ويحب ولديك؟ ..
                                إلى من يؤتمن على تربيتهما من بعدك ؟إذا وافاك الأجل صغيراً كما تظن ؟..
                                ثم أقبلت على زوجها وجلست في مواجهته وعلا صوتها ..
                                وهي تقول:لقد نظرت في خزانتنا فما وجدت إلا حفنة من الدراهم ..
                                وكل ما عندنا من مال للزمن ذهب به أبوك؟ فمن أبوك هذا ؟ ..
                                لماذا لم يتذكرك إلا حين أظلمت في عينيه الدنيا وسدت في وجهه أبواب الخلاص ..
                                أوليس أبوك هذا هو الذي طردك من الدار ليلاً كما تقول ؟..
                                أو ليس هو الذي أغرى بك الكنيسة ليطاردوك ويلاحقوك بالأذى وسوء السمعة ؟
                                أو ليس هو الذي قاطعك خمس سنوات أو تزيد ؟
                                ولا يعلم شيئاً من أمرك إلا أن يكون شامتاً بك ؟
                                أو ساخراً من أبي الذي آواك وزوجك من ابنته ؟
                                واستمرت الزوجة تثير له شديد التقريع والتأنيب في غضبة جامحة ..
                                والطبيب يتذرع بالصفح ويلوذ بالصمت ..
                                وعلى حين كانت الزوجة لا تزال ترميه بحمم الغضب ..
                                كان هو يتفكر في اللقاء الذي كان بينه وبين أبيه ..
                                وقد شعر بأن حق الوالد كان مرعياً في هذا اللقاء ..
                                ولكن ترى ما حال الحقوق الأخرى التي لأولاده عليه ؟..
                                تأمل الطبيب موقفه من جديد وهو يسائل نفسه :
                                ترى هل أصبت في هذا التصرف ؟
                                أم أنني قد أصبت في شيء واحد على حين غابت عني أشياء ؟
                                وذهبت الزوجة بعد ذلك غاضبة إلى بيت أبيها ..
                                وتركته وحيداً ..

                                يتبع باذن الله . . .




                                تعليق

                                يعمل...
                                X