إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير القرآن الكريم للشيخ راتب النابلسى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76


    جزاكم الله خيرًا
    اللهم إنا نسألك خشيتك في السر والعلن
    اللهم ارحم أبى وأمى وأسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة
    اللهم اعتق رقابنا من النار
    يا وهاب هب لنا من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء

    تعليق


    • #77
      بارك الله فيك

      تعليق


      • #78


        لا يُهلك الله من أول خطأ

        إذاً وصلنا في موضوع الحظوظ إلى أنها موزَّعةٌ في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزَّع في الآخرة توزيع جزاء.
        ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) ﴾
        يعد الله عزَّ وجل لبني إسرائيل النِعَمَ التي أنعم بها عليهم ويذكرهم بها، من هذه النِعَم ؛ النعمة الأولى ـ في هذا الدرس طبعاً ـ أنه بعثهم من بعد موتهم، الله تعالى لا يدمِّر من أول خطأ ولا يُهلك من أول خطأ إنه يعفو.
        ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ (53)﴾
        (سورة الزمر: " 53" )

        الإنسان قد لا يغفر، قد يُخطئ الإنسان مع ملك فيقطع رأسه، هذا شأن ملوك الأرض، ولكن شأن ملك الملوك ليس كذلك:

        ﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ (52) ﴾
        (سورة البقرة: " 52 " )
        وقال:

        ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ (56) ﴾

        يُروى أن رجلاً سيق إلى سيدنا عمر متلبّساً بسرقة فقال: " والله يا أمير المؤمنين إنها أول مرَّةٍ أفعلها في حياتي " ، قال له: " كذبت إن الله لا يفضح من أول مرَّة "، فكانت المرَّة الثامنة، فالله عزَّ وجل يعطي مهلة، هناك خطأ، هناك معصية، هناك تقصير يعطي مهلة إلى أن يُصِر على ذنبه .
        ربنا عزَّ وجل عفوٌ كريم يعفو ويسامح ولكن حينما يصرُّ العبد على خطئه يأتي الردُّ الإلهي:

        حدَّثني رجل فقال لي: لي أبٌ باعه طويل في تجارة المواشي والأغنام، والسمن والصوف، فلمَّا أراد أن يتقاعد من عمله باختياره وكَّلني أن أكون مكانه في هذا العمل، وكنت شاباً جاهلاً، ركبت السيارة، وذهبت إلى البادية لأشتري الصوف، ومعي ميزان ضخم، أردت أن أحتال على هذا الإنسان البدوي الساذج، كان كلَّما وزن جَرَّة أقول له رقماً فيه كسور، ثلاثة وعشرين كيلو وثمانمئة غرام، طرب هذا البدوي لهذا الوزن الدقيق علماً أنه حذف عشرة كيلو، طرب هذا البدوي لهذا الوزن الدقيق، لكنه شعر بِحِسِّه العام عندما انتهى الوزن أن هذه الكميَّة ثمنها خمسة وعشرين ألفاً، فوجد أن ثمنها أربعون ألفاً، فقال له باللغة البدوية: " ترى برقبتك إذا لعبت عليَّ "، قال لي: بعدما غادرت هذا المكان شعرت بخوف، بخطأ، هل أرجع لأطلب السماح منه، أمضي، ماذا أفعل ؟ قال لي: بقيت في صراع مع نفسي من مكان شراء الصوف إلى مكان بعد الضمير تقريباً، قال لي: خطر في نفسي، خاطر داخلي، بالتعبير الدارج: " حط بالخرج "، قال لي: ما أتممت هذا الخاطر إلا رأيت نفسي وسط بركةٍ من الدماء، انقلبت السيارة، وتناثرت البضاعة، وسال السمن من أوعيته، وأنا وسط الدماء **!! هذا معنى قوله تعالى:

        ﴿ أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)﴾
        (سورة الزخرف )

        ما دام الإنسان بين الخوف والرجاء، والاستغفار والتردُّد، فهناك بحبوحة، أما إذا اتخذ قراراً قطعياً يأتي الرد الإلهي .
        المعنى الذي نستنبطه من هذا أن ربنا عزَّ وجل عفوٌ كريم، يعفو ويسامح، ويعطي فرصة للاستغفار، ولكن حينما يصرُّ العبد على خطئه يأتي الردُّ الإلهي، هذا معنى قوله تعالى:

        ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) ﴾

        موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

        تعليق


        • #79



          ما أكثر من يُبَدِّل في القرآن قولاً غير الذي قاله الله عزَّ وجل :

          قال تعالى:
          ﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) سورة البقرة﴾
          فبدَّل الجائرون الضالون من بني إسرائيل قول الله، وحرَّفوا القول والفعل جميعًا، إذ استهزءوا بدين الله. فأنزل الله عليهم عذابًا من السماء؛ بسبب تمردهم وخروجهم عن طاعة الله.

          عندما يصير الدين شكلاً، فُلكلوراً، تقليداً، ورقصاً، أو يصير الدين دوراناً ومع ارتداء ثوب كبير، أو غناء، أو طرباً، أو احتفالات، أو إلقاء كلمات، أو مؤتمرات دون أن يُطَبَّق المنهج الإلهي،
          إذا أصبح الدين كذلك فهذه أمَّةٌ تودِّعَ منها:

          ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ (59)﴾

          أهكذا ذَكَرَ أصحاب رسول الله ربَّهم وهم يرقصون ؟ أهكذا كانت ثيابهم ؟ قد يبلغ قطر ثوبه ثلاثة أمتار، أفَعَلوا هذا تطبيقاً لمنهج الله عزَّ وجل ؟
          ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ (59)﴾

          تكاد تجد أكثر المعاصي مُغَطَّاة بفتاوى، لم يبق شيء من الدين، بقي فقط فلكلوراً، تُراثاً، يقول لك: التراث الإسلامي، الدين أقواس، تيجان، زخرفة إسلاميَّة، لوحات إسلاميَّة، قرآن مُزَخرف، مسجد مزخرف، شكل بدون مضمون، لا يوجد منهج مُطبَّق، المنهج غربي، التقاليد والعادات كلها غربيَّة ؛ في الطعام والشراب، والاختلاط، والفنون، والغناء، والأفلام، كله غربي، ولا يوجد شيء إسلامي إلا المسجد والزخارف وبعض الثياب، هذا لا يجوز:
          ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ (59)﴾

          ما أكثر من يُبَدِّل في القرآن قولاً غير الذي قاله الله عزَّ وجل، علماً أن الدين توقيفي والشرائع منتهية.
          الدين لا يقبل الزيادة لأن أية زيادةٍ فيه تُعدّ اتهاماً له بالنقص:
          قال تعالى:

          ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً (3)﴾
          (سورة المائدة: " 3 ")

          الدين لا يقبل الزيادة لأن أية زيادةٍ فيه تُعدّ اتهاماً له بالنقص، والدين لا يقبل الحذف فأيُّ حذفٍ منه اتهامٌ له بالزيادة، هو دين الله عزَّ وجل، كمال مُطْلَق:

          ﴿ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا (60)﴾

          أقول لكم كلمة: والله الذي لا إله إلا هو لو خرج أهل بلدةٍ إلى مكانٍ فسيح متذلِّلين خاضعين، يسألون الله السُقْيَا، والله الذي لا إله إلا هو من الثابت أن الله يُمْطِرُهم مطراً يملأ آبارهم، ليعرّفهم ربُّهم أن الذي تدعونه بيده المطر، هذا الشيء يحصل في العالم الإسلامي، الاستسقاء عبادة، صلاة الاستسقاء عبادة ولكنها لا تنجح بشكل فردي إلا أن تكون جماعيَّةً، يجب أن يخلع الناس كِبْرَهُم، يخلعوا عنجهيَّتهم، أن يخضعوا لله عزَّ وجل، أن يسألوه السقيا، فإذا سألوه السقيا بتواضعٍ وتذلُّل وتَخَشُّع أمدَّهم الله بالأمطار الغزيرة التي تملأ آبارهم، وتحيي أراضيهم، وتنقذ نباتاتهم من الجفاف.

          موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

          تعليق


          • #80
            الشدائد من تمام نعمة الله على عباده

            ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)سورة اليقرة ﴾
            أي عذابٍ في الأرض يساق للإنسان هو لهذه العلَّة، لعلَّة أن يهتدي الإنسان، لعلَّة أن يعرف الله، لعلَّة أن يتوب إلى الله، لعلَّة أن يستقيم على أمر الله، لعلَّة أن يعرف سرَّ وجوده، أن يعرف غاية وجوده، لعلَّة أن يسعى إلى الآخرة، لعلَّة أن يسعى إلى جنَّةٍ عرضها السماوات والأرض، والله الذي لا إله إلا هو أكاد أقول إن معظم المسلمين، الصالحين، التائبين، الذين يعرفون الله، الذين اهتدوا إلى الله كانت هدايتهم بسبب شدَّةٍ ساقها الله إليهم، وهذه الشدَّائد هي النِعَمُ الباطنة، إما أن تأتي ربك طائعاً، وإما أن يحملك على أن تأتيه مكروهاً، اختر أحد الحالين ؛ إما أن تأتيه طائعاً، وإما أن يحملك على أن تأتيه مكرهاً، وهذا لا يتناقض مع الاختيار، ولكن يجسِّد رحمة الله عزّ وجل، ويجسِّد حرصه على سعادة الإنسان.
            الأب الذي يُسَيِّب أولاده، لا يتعلَّمون، لا يعملون، فإذا كبروا وكانوا في المؤخِّرة، وكانوا مع الحُثالة هؤلاء يلومون آباؤهم، والأب الذي يتشدَّد على أولاده ليحملهم على طاعة الله، ويحملهم على أن يكونوا شخصياتٍ فذَّةً في المستقل هؤلاء يشكرونه طوال حياتهم على شدَّته معهم، هذا معنى الآية:

            ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ (63) ﴾

            ربنا عزَّ وجل نتق الجبل بمعنى زعزعه من مكانه وجعله فوقهم،
            فإما أن يطبِّقوا منهج الله وإما أن يقع عليهم، أي أنه ألجأهم إلى طاعة الله، من هنا قال رسول الله عليه الصلاة والسلام
            ( عجِبَ ربُّنا من قومٍ يُقادون إلى الجنَّة بالسلاسل.))[أحمد والبخاري من ابن مسعود]

            أقْبِلْ على الله بسلاسل الإحسان لا بسلاسل الامتحان:

            ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21) ﴾
            (سورة السجدة)

            قال المفسِّرون: نتق الله جبل الطور الذي كلَّم به موسى عليه السلام، نتقه أي زعزعه من مكانه وجعله فوقهم كالظُلَّة، فإن لم يستقيموا على أمر الله أهلكهم بطريقةٍ أو بأخرى، والله أعلم، فمعنى هذه الآية، هذا الجبل ـ كما قال بعض المفسِّرين ـ جبل الطور نُتِقَ أي زُعْزِعَ من مكانه وهدَّدهم بالهلاك إن لم يستقيموا على أمر الله، كم من إنسان أصيب بمرض عضال فتاب توبةً نصوحَاً، حمله هذا المرض أو حمله شبح هذا المرض على طاعة الله والصُلحِ معه، اسم هذا المرض يوم القيامة يبعث في نفس هذا المؤمن الذي اهتدى إلى الله عزَّ وجل كل سعادةٍ وسرور، إذا حملت الشدائد الإنسان على الطاعات انقلبت إلى نِعَمٍ باطنة وهذا معنى قوله تعالى:

            ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20) ﴾
            ( سورة لقمان)

            يجب أن تفهم الشدائد التي يسوقها الله للمسلمين اليوم كهذا الفهم تماماً، الشدائد التي يسوقها الله للمسلمين اليوم في كل بِقاع الأرض يجب أن تدفعنا إلى طاعته.

            ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً ﴾
            ( سورة القصص: الآية "4 " )

            من أجل ماذا ؟
            قال :

            ﴿ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ (63) ﴾
            هذه الآية دقيقة جداً، أي أن هذا الطور الذي رُفِعَ عليكم، هل هناك طورٌ آخر في حياة المسلمين
            طبعاً، كل واحد له طور، شبح مرضٍ هو طور، شبح مشكلةٍ في الأسرة، شبح فقد مالٍ طور، شبح مرضٍ طور، شيء قوي، شيءٌ يُهَدِّدك، يهدِّد سلامتك، يهدِّد رزقك، يهدِّد سعادتك، يهدِّد أمنك طور، من قصَّر بالعمل ابتلاه الله بالهم.


            موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

            تعليق


            • #81
              ماذا فعل اليهود يوم السبت يوم العبادة ؟


              ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) ﴾

              أنشؤوا أحواضاً وفتحوها يوم السبت حتى إذا أتت الحيتان يوم سبتهم أغلقوها مساءً، واصطادوها يوم الأحد !!! حيلة شرعيَّة، وهذا يشبه الحيل الشرعية التي يفعلها بعض المسلمين، لعلَّها الآن تقلَّصت لضعف الدين أساساً، كان يضع زكاة ماله برغيف خبز، يهبها لفقير، والفقير لا يدري أن الرغيف فيه خمسة آلاف ليرة، ثم يقول له: هل تهبني هذا الرغيف الذي هو بخمس ليرات ؟! يقول له: أتمنَّى، يقول لك: أنا دفعت زكاة مالي للفقير، هذا شيء مضحك، وعلى هذا تقاس أشياء كثيرة جداً، نغير الأسماء فتصير المحرَّمات مباحات، نقوم بتعليلات، اجتهادات، نقول: هذا القرض ليس القصد منه الاستغلال بل هو قرض استثماري وليس فيه تحريم، من قال لك ذلك ؟!!
              هناك من يجتهد ليحل كل شيء إلى أن أصبح الدين شكلاً بلا مضمون، شكلاً بلا منهج، كل شيء مباح، توجد الآن فتاوى لكل شيء، كل شيء مباح ؛ التمثيل، والغناء، والاختلاط، لم يبق في الدين شيء محرَّم، تحت إطار التطور، المرونة، أين الدين ؟ الدين توقيفي، الدين دين الله عزَّ وجل، الدين ما جاء به الكتاب والسنة، أما أن نفلسف، وأن نكون مرنين، وأن نطوِّر إلى أن نبيح كل شيء، فهذا الشيء ليس من الدين في شيء .
              قال العلماء عن هؤلاء الذين احتالوا حيلاً شرعيَّة: لو أنك لا سمح الله ولا قدَّر فعلت المعصية ولم تقولبها بحيلةٍ شرعيَّة لكان أفضل، إنك حينما قولبتها بحيلةٍ شرعيَّة لا تتوب منها، تظن أنك على حق، أما حينما تفعلها مجرَّدةً من حيلةٍ شرعيَّة تتوب من هذا الذنب، فأخطر شيء أن يكون عندك مجموعة فتاوى غير صحيحة لمعاصٍ كبيرة وأنت مرتاح على أن هناك فتاوى فيها، هذه الفتاوى لا تُقْبَل عند الله عزَّ وجل، لذلك أنا أقول لكم دائماً: لكل معصية فتوى، أنت ماذا تريد فتوى أم تقوى ؟

              الفتوى موجودة إذا أردت، تجد فتوى لكل معصيةٍ مهما تكن كبيرة، هناك من يفتي بها، والذي يفتي بها جعل من نفسه جسراً إلى النار.

              ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) ﴾
              قال بعض المفسِّرين: جعلهم الله قردةً، وهذا المَسخ لا يتناسل وانقرضوا، فإذا قلت: هل مازال هناك يهود ؟
              ليسوا جميعاً كانوا عصاةً فَمُسِخَ الذي عصى، هذا رأي.
              الرأي الثاني مُسِخوا قردةً وخنازير وعبدة الطاغوت، ما معنى ذلك ؟
              عورة القرد ظاهرة، ولها لون فاقع خاص، عورته ظاهرة وشكله قبيح، وهمُّه شهوته، إذا رأيت إنساناً عورته ظاهرة، ولا يبالي بسمعته، وهمُّه فرجه وبطنه فهو قرد بالمفهوم السلوكي والقيَمي، قال بعض العلماء: مسخوا قردة أي بأخلاق القردة، ووقاحة القردة، ودمامة القردة، وعدم حياء القردة، فإذا مشى إنسان مع زوجته بثيابٍ فاضحة لا تخفي منها شيئاً أليس قرداً ؟ بل إن الذين يرفضون نظرية دارون بعضهم آمن بها مجدَّداً لكنَّها معكوسة، كان إنساناً فصار قرداً لا يستحي، ولا يخجل، ولا ينصاع لأمر، ولا لقيمة، ولا لخُلُق، فالذين قالوا: مسخوا قردةً حقيقيين لهم أدلَّتهم، والذين قالوا: مسخوا بأخلاقهم وقيمهم قردةً لهم أدلَّتهم أيضاً، القرآن حمَّال أوجه لك أن تفهمه هكذا أو هكذا ضمن قواعد وأصول.

              تعريف بسيط للقردة والخنازير وعبدة الطاغوت :

              على كلٍ إذا كانت عورة الإنسان مكشوفة ولا يستحي بها وهمُّه بطنه وفرجه هذا قرد بالمعنى السلوكي، وهناك من مسخ خنزيراً لا يغار على عرضه، أو يرضى الفاحشة في أهله، والله قال لي إنسان رأى بأم عينه: دخل إلى بيت إنسان وقال له: هذه زوجتي، وهذه أختي، وهذه أخت زوجتي، وأعطى الأسعار، أسعار دقيقة، هذا خنزير، هذا الذي لا يغار على عرضه أو يرضى الفاحشة في أهله هذا خنزير.
              عبدة الطاغوت هم الذين ما عبدوا ربهم، أي أنهم خافوا من دون مبرِّر، عصوا ربَّهم وأرضوا مخلوقاً، من أرضى الناس بسخط الله سخط عليه الله وأسخط عليه الناس، فالناس مُسِخوا إما قردة عورتهم ظاهرة وهمُّهم بطنهم وفرجهم، وإما خنازير لا يغارون على أعراضهم

              موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

              تعليق


              • #82
                الله عزَّ وجل يعطينا درساً بليغاً في تعنت بني إسرائيل:

                الأكمل بالمؤمن والأولى أن يأتمر بما أمره الله به، وأن ينتهي عما نهاه عنه، والذي سكت عنه هو مباح، لا تُضَيِّق عليك الخناق، لا تضيق عليك الوثاق، استفد من بحبوحة الله، فالله عزَّ وجل يعطينا درساً بليغاً، درساً بليغاً في التعُنُّت، تعنت بني إسرائيل، درساً بليغاً في انغماسهم بالجزئيات والتفاصيل التي سكت عنها الشرع، قال الله عزَّ وجل:
                ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67)سورة البقرة ﴾

                بقرة نكرة، أية بقرة، أيَّة بقرةٍ صالحةٍ لتنفيذ هذا الأمر:
                ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67) ﴾
                لكن لماذا ؟ أنت حينما تتلقى أمر من مساوٍ لك تسأله لماذا ؟
                قال لك زميلك في الدائرة: افعل كذا، تقول له: لماذا ؟
                دائماً وأبداً حينما تتلقى أمراً من مساوٍ لك، من ندٍ لك تسأله عن الحِكمة، وعن العِلَّة، وما السبب، ولماذا ؟
                أما حينما تتلقى أمراً ممن فوقك ممنوعٌ أن تسأله لماذا ؟

                أنت مريض لا تعلم في الطب شيئاً، دخلت إلى طبيب وأعطاك أمراً، يجب أن تأتمر بهذا الأمر، أنت جندي في معركة حاسمة والقائد العام أصدر أمراً عليك أن تأتمر، فكيف إذا كنت عبداً لله عزَّ وجل وخالق السماوات أعطى أمراً، قال علماء العقيدة: علَّةُ أي أمرٍ في الكتاب والسنة أنه أمر.
                ذهب رجل من أهل العلم إلى أمريكا، والتقى بعالمٍ أسلم حديثاً، ودار الحديث حول لحم الخنزير، أفاض هذا العالم المَشْرِقِي في الحديث عن علة التحريم، وعن أضرار لحم الخنزير، وعن الدودة الشريطية، وعن الآثار النفسية التي يتركها هذا اللحم في نفس الآكل، ومضى يتحدَّث لساعاتٍ طويلة عن حكمة تحريم لحم الخنزير، فما كان من هذا العالم الغَرْبِي المُسْلِم حديثاً إلا أن قال: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرمه.


                الأمر يُقَيَّم بالآمر:

                ذات مرة في برنامج سألوا دكتورة في جامعة من جامعات البلاد العربية عن رأيها في التعَدُّد، فقالت:
                كيف يكون لي رأي في التعدد وقد أباحه الله عزَّ وجل ؟!!
                الأمر الإلهي هو من خالق السماوات والأرض، الأمر يُقَيَّم بالآمر، من هو الآمر ؟
                هو الله، الحكمة المُطلقة، والعلم المطلق، والخبرة المطلقة، والرحمة المطلقة، والعدل المطلق،
                فحينما يقول الله:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾( سورة التحريم: الآية " 8 " )
                المؤمن الصادق لمجرَّد أن يتلقى أمراً من الله عزَّ وجل ينصاع إلى تنفيذه من دون أن يسأل عن الحكمة والعِلَّة، إذا سأل بعد التنفيذ ليعلِّم الناس فلا مانع، إذا سأل عن الحكمة والعلة ليكون داعيةً ليقنع الناس لا يوجد مانع، أما أن يعلِّق تنفيذ الأمر على معرفة الحكمة، الكلمة الخطيرة الآن إنه عندئذٍ لا يعبد الله يعبد نفسه.
                إنسان يصوم لكي ينزل وزنه، يصوم ليصون أجهزته، هذا لم يصم عند الله، ولا يمكن أن يقبل صومه عند الله، هو يصوم في صحَّتِهِ، وأناسٌ كثيرون ملحدون يصومون لصحتهم، العبادة انصياع لله عزَّ وجل، أما أنا حينما أُصلي من أجل تليين عضلاتي، أصلي من أجل تليين مفاصلي، أنا أصلي من أجل أن أحافظ على رشاقتي هذه ليست صلاة، اذهب إلى نادٍ رياضي وليِّن عضلاتك، لا تدخل أمراً بأمر، اجعل الدين خالصاً لله عزَّ وجل، الصلاة صلاة، الحج حج، الصيام صيام.

                الذي ينفذ أمر الله طاعة له وامتثالاً لأمره يصل لأعلى درجة وهي العبودية لله:

                يكافئك الله عزَّ وجل بعد أن أقبلت على أمره ونفَّذته بحذافيره، طاعةً له وانصياعاً وتقرُّباً، يكشف لك عن حكمة هذا الأمر، فتجمع بين العِلم والعبادة معاً، يعطيك مرتبة العُبَّاد الصادقين، ويعطيك مرتبة العُلماء المتفهمين، لذلك المقولة الأولى: عِلَّةُ أية أمرٍ أنه أمرٌ من الله عزَّ وجل، هذا الكلام سُقْتُهُ من أجل فكرةً واحدة، وهي أن الله عزَّ وجل يقول:

                ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67) ﴾
                أين التعليل ؟
                لا يوجد تعليل، وليس هناك تعليل، ولا ينبغي أن تبحث عن التعليل، لأنه من عند الله، استعمل عقله حتى وصل إلى طبيب من أعلى مستوى علماً وفهماً وإخلاصاً وتديناً وصلاحاً وقدرةً وسمعةً وخبرةً، هداك عقلك إلى هذا الطبيب، دخلت العيادة لا يمكن أن تسأله، انتهى دور العقل، جاء دور النَقل، جاء دور التَلَقِّي

                موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

                تعليق


                • #83
                  قصة البقرة
                  قال تعالى:
                  ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67) ﴾

                  السبب الذي جاء في آخر القصة هو أن رجلاً ثرياً من بني إسرائيل قتله ابن أخيه وحمل الجثة وألقاها في قريةٍ ثانية ليوهم أن أهل هذه القرية هم الذي قتلوا هذا الثري، والقصة طويلة جداً، نشبت اتهامات باطلة، ونشبت اختلافات، وحدثت صراعات، وكادت أن تقع فتنةٌ كبيرةٌ جداً، لأن هذه التهمة كُلَّما وجِّهت إلى جهةٍ تُرَدُّ إلى الجهة الثانية، فقالوا: أنقتتل وفينا نبي ؟ فلما سألوا سيدنا موسى عن هذا الأمر، جاء الأمر الإلهي:
                  ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67) ﴾

                  اذبحوها، وما أضل الله قوماً بعد إذ هداهم إلا أتاهم الجَدَل، قال: بقرة، تُجْزِئُكُم أية بقرة، أي بقرة على الإطلاق، مهما يكن سنها، أو لونها، أو عمرها، أو خصائصها، أو وزنها، أو حجمها، أو وظيفتها، بقرة:
                  ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً (67) ﴾

                  أيعقل من نبيٍ يأتيه الوحي من الله، من نبيٍ معه معجزات، من نبيٍ يُعَدُّ رسولاً لله عزَّ وجل، أيعقل أن يستهزئ ؟ أيعقل أن يلهو ؟ كلام الأنبياء بالمثاقيل، ما من كلمةٍ قالها النبي عليه الصلاة والسلام إلا لحكمة بالغةٍ بَالغةٍ بالغة، الله عزَّ وجل قال:
                  ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾

                  قال تعالى:
                  ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ (68) ﴾
                  ليست مسنة:
                  ﴿ وَلَا بِكْرٌ (68) ﴾
                  ولا صغيرةً:
                  ﴿ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ (68) ﴾
                  أي عمرها معتدل:
                  ﴿ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) ﴾
                  أي اذبحوها وانتهوا:
                  ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا (69) ﴾
                  نريد اللون:
                  ﴿ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) ﴾
                  وقال:
                  ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ (70) ﴾
                  نريد أن تعيِّنها لنا بالذات:
                  ﴿ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ (71) ﴾
                  أي لا تحرث، الذلول هي البقرة التي عوِّدت على الحراثة:
                  ﴿ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ (71) ﴾
                  أي ليست للحراثة:
                  ﴿ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ (71) ﴾
                  ليست لإخراج المياه:
                  ﴿ مُسَلَّمَةٌ (71) ﴾
                  خالية من كل عيب:
                  ﴿ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) ﴾
                  أي فعلوا هذا متباطئين، متكاسلين.

                  هذه البقرة لرجل صالح جداً من بني إسرائيل، ترك هذه البقرة واستودعها عند الله أمانةً لابنه، وتركها طليقةً في البراري، فلما كبر ابنه جاءته طواعيةً، فلما انطبقت صفات هذا الأمر الإلهي عليها قيل: أنه طلب ملء جلدها ذهباً


                  ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا (72) ﴾
                  كل واحد اتهم الآخر أنه قتل، وكادت تقع فتنة كبيرة:
                  ﴿ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا (73) ﴾

                  خذوا قطعة من هذه البقرة المذبوحة، واضربوا بها الميت، يقف ويقول: قتلني فلان، هذه دليل على يوم البعث، وأن الله عزَّ وجل يبعث من في القبور، جعلها الله آية من آياته، إنهم حينما أنكروا البعث، وأنكروا يوم القيامة، أراهم الله آيةً ناطقة:
                  ﴿ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
                  أراد الله عزَّ وجل أن تكون آيةً صارخةً، جامعةً، مانعةً على يوم البعث ويوم القيامة.


                  موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

                  تعليق


                  • #84
                    ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) ﴾
                    لأن الله عزَّ وجل يعلم أن هؤلاء اليهود سيكون لهم مواقف مع المسلمين متعبة ومزعجة في مستقبل الأيام، الله سبحانه وتعالى يعزِّي ويسلِّي ويسري عن رسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول له: يا محمد لا تطمع بإيمانهم، لأنهم أنزل عليهم التوراة، وقرؤوه، وعقلوه، وحرَّفوه وهم يعلمون ما يترتب على من يحرف كلام الله، فهؤلاء شاردون، هؤلاء بعيدون، لأن الإنسان إذا دعا إلى الله وقابله المدعو بالتكذيب والسخرية والإعراض يتألَّمُ أشد الألم، فلئلا يتسرَّب إلى نفس النبي عليه الصلاة والسلام شيءٌ من الضيق أو من الإحباط الله عزَّ وجل يخفف عن نبيِّه، ويسري عنه، ويجعله يطمئن إلى أن المدعو إذا لم يؤمن، وإذا لم يستجب، وإذا لم يلتزم فهذا لا يعبِّر عن عدم صدق الداعية، لأن الله عزَّ وجل ما كلَّفه أن يحملهم على الإيمان.



                    الله تعالى ما كلَّف نبيه الكريم أن يحمل الناس على الإيمان بل أن يبلغهم فقط:

                    قال تعالى:
                    ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (272) ﴾
                    (سورة البقرة: من آية " 272 " )
                    لست عليهم بحفيظ:
                    ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) ﴾
                    ( سورة هود)
                    لست عليهم بوكيل:
                    ﴿ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) ﴾
                    (سورة الأنعام)
                    وقال:
                    ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) ﴾
                    (سورة الغاشية)
                    وقال:
                    ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (56) ﴾
                    (سورة القصص: من آية " 56 " )

                    النبي عليه الصلاة والسلام عليه البلاغ أما هذا الإنسان يستجيب أو لا يستجيب،
                    لا يستجيب لجهله، أو لا يستجيب لخبثه، أو لاحتياله هذا شيءٌ آخر.

                    تعليق


                    • #85
                      رأس الدين الورع


                      ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) سورة البقرة
                      ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ (75)

                      إلى أن تصل إلى درجة أن لكل معصيةٍ فتوى ؛ الغناء، والرقص، والتمثيل، كل معصية لها فتوى،
                      ما هذا الدين المرن ؟
                      صار كالغاز، الدين غاز، في أي مكان يدخل، ينبغي أن تقول: أنا مسلم فقط، افعل ما تشاء، لك أن تكسب المال الحرام، ولك أن تضع المال في المصارف الربوية، ولك أن تلتقي مع من تشاء، فإذا وصل الدين إلى هذا المستوى انتهى الدين، الدين منهج، الدين صُلب لا يسيخ ولا يتبخَّر، فلذلك النقطة الدقيقة أنه حينما يريد أناسٌ من أعداء الدين أن يضعضعوا قيمة الدين، والذين معهم كتاب قطعي الثبوت ماذا يفعلون ؟
                      يبدلون في التأويلات، أي أنهم يأتون بتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان، فحينما يواجهون نصاً قطعي الثبوت، قرآناً قطعي الثبوت، ماذا يفعلون ؟ يلوون أعناق النصوص، يحرِّفون، يبدِّلون، يزورون.

                      الحقيقة هناك من يُفتي بجهل، هذا إنسان جاهل، ولكن الذي يفتي بخلاف ما يعلم هذا إنسان يرتكب في الدين جريمةً كبيرة، يفتي بخلاف ما يعلم، يعلم الحكم الشرعي ولكنه يغير ويبدل ويلوي أعناق النصوص كي يصل إلى فتوى ما أنزل الله بها من سلطان، لذلك الفتوى جِسْرٌ إلى النار، والإنسان إذا كان جباناً في الفتوى فهو بسبب ورعه وخوفه من الله عزَّ وجل. ما الفرق بين الورع والتشدد بالدين ؟.
                      الورع يكون ضمن الضوابط الشرعية والنصوص، والتشدد مجاوزة لذلك
                      رأس الدين الورع, فإن لم تكن ورعاً قطع رأس الدين.
                      فلو شبهنا الدين بإنسان وقطعت رأسه ماذا بقي منه؟


                      هناك من يفتي بجهل وهو محاسب عند الله أشد الحساب ، لكن هناك إنسان يفتي بخلاف ما يعلم ، يعلم الفتوى لكن إرضاءً للقوي أفتى بها ، فإذا أرضيت قوياً ، أو غنياً بفتوى هذا الذي قلت يأخذ عليها أجراً كبيراً .
                      تجد في كل بلد أحياناً إنسان يغطي أشياء لم تكن عند الله مرضية ، يغطيها بفتوى ، هذه مشكلة كبيرة جداً .
                      مرة سُئلت في الإذاعة على الهواء مباشرة عن رأيي بفتوى عن أن يجوز إيداع الأموال ببنوك ربوية ، فكان جوابي ، لا تجد عالماً في العالم الإسلامي بأجمعه من القطاع الخاص يفتي بالربا .

                      موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

                      تعليق


                      • #86
                        image.png.934224733e192c92f04c55b9d6ba4dcb.png

                        ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ (78) سورة البقرة﴾
                        ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ (78) ﴾

                        أي أنهم غير متعلمين، يخلطون الحق بالباطل، والخير بالشر، والسُنَّة بالبدعة، ويتَّبعون الأهواء يقول لك: سحروني، يصحب السحرة، يصحب الدجَّالين، يصحب المخرِّفين، يدخل في ضلالات، في تُرّهات، هذا شأن الجاهل يعزو الأمور إلى غير الله عزَّ وجل، يقيم للناس مقاماً كبيراً وهم ليسوا كذلك لأنه جاهل.


                        الأميَّة في حقِّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كمال لأن الله هو الذي تولَّى تعليمه:

                        قال:
                        ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48)﴾
                        (سورة العنكبوت)


                        إذاً الأمية كمال عند النبيُّ وحده، لأن الله هو الذي تولَّى تعليمه، هو الذي أوحى إليه، هو الذي ألقى عليه القرآن الكريم عن طريق جِبْريل، لأن الله عزَّ وجل أراد من هذا النبي أن يكون مشرِّعاً، وأن يكون قلبه مهبطاً لتجليَّات الله، وأن يكون قلبه وعاءً لعلم الله الذي جاءه عن طريق القرآن الكريم، فاقتضت حكمة الله جلَّ جلاله أن يكون نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلَّم أُمِّياً، الأميَّة في حقِّه كمال، لأن الله هو الذي تولَّى تعليمه، هو الذي علَّمه، لئلا يختلط وحي السماء بثقافات الأرض، لئلا يُسأل كل مرَّةٍ: يا رسول الله أهذا من عندك أم من عند الله ؟ أهذا من ثقافتك ؟ أهذا من دراستك ؟ أهذا من تحصيلك ؟ أهذا من اطلاعك على ثقافات الأرض أم من وحي السماء ؟ لئلا يكون هذا جعل الله نبيَّه أميَّاً.
                        أما نحن فليس هناك وحيٌ يعلِّمنا، فإذا كنَّا أميين أي جاهلين فالأميَّة فينا نقصٌ، والأميَّة في حقِّ النبي كمال، فلنستثنِ النبي عليه الصلاة والسلام لأن أميَّته تعني أن كل الذي ينطق به إن هو إلا وحيٌ يوحى:

                        ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4) ﴾
                        ( سورة النجم )


                        فضل العالِم على العابد:

                        حينما يطلب الإنسان العلم تُلَبِّى الحاجة العُليا فيه، الإنسان له حاجات دُنيا ؛ يأكل ويتزوج ويثبت ذاته، هذه حاجاته الدنيا ؛ لكنَّ حاجته العُليا أن يطلب العلم ولا تؤكِّد أنك إنسان إلا بطلبك العلم.
                        (( فَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ ))
                        [الترمذي عن ابن عبَّاس ]

                        العابد مقاومته هشَّة، امرأةٌ تفتنه، دِرْهَمٌ يفتنه، تهديدٌ يفتنه، أما العالِم فهو لا يتأثَّر لا بسبائك الذهب اللامعة، ولا بسياط الجلاَّدين اللاذعة: " أحدٌ أحد "، فالعلم أساس.



                        لا نستحق أن نكون من بني البشر إلا إذا طلبنا العلم:

                        قال تعالى:
                        ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ (78) ﴾

                        أي يقول لك: نحن عبيد إحسان ولسنا عبيد امتحان، لا يسعنا إلا عفوه وكرمه، وكلما شاهد معاصيَ كبيرة يقول لك: كله ترتيب سيدك، كأن الله يأمر بهذه المعاصي، كلام ليس له معنى، وإذا رأى إنساناً وسع الله عليه يقول لك: الله يعطي الحلاوة لمن لا أسنان له، معنى هذا أن الله ليس بحكيم، كل كلامه فيه تجاوز، أحياناً كلامه فيه كفر وهو لا يشعر، فمشكلة الجاهل مشكلة كبيرة جداً.
                        والله لا نستحق أن نكون من بني البشر إلا إذا طلبنا العلم، و طالب العلم إنسان كبير جداً عند الله، أنت حينما تأتي إلى بيتٍ من بيوت الله تطلب العلم، تسلك طريقاً ينتهي بك إلى الجنَّة:
                        (( مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ بِهِ عِلْماً سَهَّلَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضاً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ))
                        [الدارمي عن أبي الدرداء رضي الله عنه ]

                        العلم خيرٌ من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق.


                        هناك قيم مرجِّحة بين الناس ولكن الله في القرآن الكريم جعل قيمة العِلم وحدها المرجِّحة:

                        هناك قيم مرجِّحة بين الناس، المال له قيمة كبيرة جداً عند الناس، والغني محترم، والقوي محترم، والوسيم محترم، والفصيح محترم، من له قدرة على إقناع الناس محترم، هذه كلها قيم مرجَّحة بين الناس، ولكن الله في القرآن الكريم جعل قيمة العِلم وحدها المرجِّحة، قال :
                        ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
                        ( سورة الزمر )

                        أين الثرى من الثُرَيَّا ؟ وجعل قيمة العمل قيمةً مرجِّحة، قال:

                        ﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
                        (سورة الأنعام: الآية " 132 " )

                        وقال:

                        ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
                        ( سورة المجادلة )

                        هؤلاء الأنبياء العِظام الذين هم قِمَمُ البشريَّة، بِمَ نالوا هذا المقام ؟ بالعلم:

                        ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً (14) ﴾
                        ( سورة القصص )

                        قد يعطي الله عزَّ وجل المُلك لمن لا يحب ويعطيه لمن يحب، أعطاه لسليمان الحكيم وأعطاه لفرعون، ولكن العلم والحكمة لا يعطيهما إلا لمن يحب:

                        ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً (14) ﴾
                        ( سورة القصص )

                        يعطي المال لمن يحب أعطاه لسيدنا عثمان بن عفَّان، ولسيدنا عبد الرحمن بن عوف، ويعطي المال لمن لا يحب أعطاه لقارون، ولكن العلم والحكمة لا يعطيهما إلا لمن يحب.

                        للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى قصَّةٌ مثيرة، هي أن الذي جعله يطلب العلم أنه قرأ نصَّاً في الأحاديث، أنه:
                        (( من طلب العلم تكفل الله له برزقه ))
                        [الجامع الصغير عن زياد بن الحرث الصدائي ]
                        أي يسَّر الله له سُبُلَ الدنيا، إنسان يطلب العلم، يطلب أن يعرف الله، يطلب أن يسعد في الدنيا والآخرة، ييسِّر الله جلَّ جلاله له سبل العلم في الدنيا وسبل السلامة والسعادة، أما الآية الكريمة :

                        ﴿ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ (78) ﴾
                        أي أن بعضهم الآخر ليسوا أميُّين، بعضهم الآخر يعلمون الحقيقة ويعرفون النبيَّ كما يعرفون أبناءهم، الآن دخلنا في موضوع ثانٍ، أنت حينما تعلم قد يكون هذا العلم حُجَّةً عليك، العلم حُجَةٌ لك أو عليك، حينما تعلم ولا تعمل أصبح العلم حجَّةً عليك، وحينما تعلم وتعمل أصبح العلم حجَّةً لك



                        موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية
                        image.png.b10dd695040301e93e14ba00eed4f2fe.png

                        تعليق


                        • #87
                          الابتعاد عن المتاجرة بالدين

                          ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) سورة البقرة ﴾

                          أحياناً تقوم مصلحة الإنسان على أن يبتدع في الدين ابتداعاً ما أنزل الله به من سلطان، يبتدع في الدين ليُحصّل المكاسب الدنيويَّة، هؤلاء الذين يبتدعون مذاهب ليس لها أصل في الدين، يبتدعون فتاوى ليس لها أصل في الدين، يُحِلُّون بعض ما حرَّمه الله عزَّ وجل، مثلاً هذه ليست فوائد إنها عوائد، فتوى تصدرها جهة معتمدة في الفتوى تبيِّن أن أكل مال الربا حلال، هؤلاء الذين يعلمون الحقيقة ويفتون بخلاف ما يعلمون، طبعاً موجودون عند اليهود، وموجودون عند كل دينٍ:
                          ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً (79) ﴾

                          أي نحاول أن نُسَهِّل للناس أمور حياتهم لمكاسب دنيوية فنصدر فتوى، هذه مسموح بها، وهذه مسموح بها، وهذه مسموح بها، لم يبق شيء من الدين. هذا الكيان المتماسك، هذه القلعة الصامدة أصبحت رملاً، تلاً من الرمل، فانتهى الدين، فأخطر شيء هذا الذي يفتي بغير علم، أو الذي يفتي بخلاف ما يعلم من أجل الدنيا، من أجل مكاسب دنيويَّة، هذا الإنسان الذي يبيعُ دينه بدُنياه، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، بعرضٍ لا يقدِّم ولا يؤخَّر.

                          العلماء الصادقون أمناءٌ على الفتوى ولا يفتون إلا بما يُرضي الله ورسوله:

                          كلمة ينبغي أن نعلمها جميعاً وهي: أن الإنسان لا يليق به أن يكون لغير الله، لا يليق به ولا يُفْلِحُ إذا كان لغير الله، أي أن وقتك، وعلمك، ولسانك، وعضلاتك، وإمكاناتك، وحبَّك، وولاءك لله وحده، أما لغير الله ؟! هذا الذي تعبده من دون الله لا يملك لك نفعاً ولا ضراً ؛ بل لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضَرَّاً، لا يملك، أخطر شيء في الحياة الدينيَّة الشرك، طبعاً:
                          ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْساً وَلا قَمَراً وَلا وَثَناً وَلَكِنْ أَعْمَالاً لِغَيْرِ اللَّهِ وَشَهْوَةً خَفِيَّةً ))
                          [ابن ماجة عن شِداد بن أوس رضي الله عنه ]

                          قال تعالى:

                          ﴿ فَوَيْلٌ (79) ﴾
                          الله عزَّ وجل يتوعَّد، من هو المؤمن ؟ هو الأمين على فتوى النبي عليه الصلاة والسلام.
                          الإمام أبو حنيفة أفتى فتوى فدخل السجن من أجلها ومات في السجن كما يروى، العلماء الصادقون هؤلاء أمناءٌ على الفتوى، لا يفتون إلا بما يُرضي الله عزَّ وجل ورسوله، فالآية تشير إلى إنسان استخدم الدين مَطِيَّةً للدنيا، جعل الدين في الوَحْل، جعله مطيَّةً لدنياه. فأنت اطلب الدنيا من مظانها، تريد الدنيا ابحث عن مظانها ؛ في التجارة وفي الكسب المشروع وفي أي شيء آخر، أما أن تبحث عن الدنيا من خلال الدين فهذا والله عملٌ شنيع:

                          ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً (79) ﴾

                          الشيء المُلاحظ هو أنه كلَّما اشتدَّ ضغط الناس على بعض العلماء، هؤلاء العلماء بدل أن يرفعوا الناس إلى مستوى الشرع يهبطون بالدين إلى مستوى الناس

                          صار الغناء، والموسيقى، والتمثيل، كل هذا مسموح، والاختلاط، وأكل المال الحرام، والربا، والفوائد، لم يبق شيء

                          ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً (79) ﴾

                          كل إنسانٍ يلعب بدين الله يتوَعَّده الله عزَّ وجل بالهلاك، فإيَّاك أن تقترب من دين الله، دعه في السماء، دعه في عليائه، دعه في صفائه، دعه في نقائه، لا تستخدمه وسيلةً لمكاسب دنيويَّة، لا تشترِ به ثمناً قليلاً، لا تتاجر بالدين، لا تتخذ الدين مَطِيَّةً للدنيا، هذا فساد كبير جداً عند الله عزَّ وجل،

                          تعليق


                          • #88

                            لماذا تكتفي في أمر الدين بفتوى واحدة؟

                            أنت حينما تخرج من بيتك تريد أن تبيع بيتك لو رأيت أمامك دلالاً وقال لك: ثمنه ثلاثة ملايين، هل تبيعه على الفور ؟ تسأل دلالاً ثانياً وثالثاً ورابعاً وخامساً، أما إذا كانت فتوى وراقت لك لا تسأل أحداً آخر، يوجد معي فتوى قرأتها في مجلَّة !! لماذا في أمور الدين تكتفي بفتوى واحدة، بعالِم واحد، بمقالة في مجلة وانتهى الأمر ؟ معك فتوى ومرتاح ولكنك لا تنجو من عذاب الله، أنت في أمر دنياك تعذِّب الخبراء، تسأل فلاناً وفلاناً، لماذا في أمر دينك لا تسأل ؟ لماذا تكتفي بفتوى واحدة ؟ إن كنت حريصاً على دينك ينبغي أن تسأل عِدَّة مصادر.
                            ثم إن الإنسان حينما يسأل ويأتيه الجواب إذا كان جاهلاً، إذا كان أمياً قال: مقبول منه، لأن الأمي مذهبه مذهب من يسأله، تروى كلمة عن الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى ـ وقد كان من أكبر علماء الشام، طبعاً من باب التواضع ـ سألوه: يا سيدي ما مذهبك ؟ قال: " العوام ليس لهم مذهب "، العامَّي مذهبه مذهب شيخه، أما طالب العلم فعليه أن يقرأ الأدلَّة، هذا دليل، وهذا دليل، حينما تطلب العلم لا تُعفى من البحث عن الدليل، وحينما تأتي بالدليل والتعليل تكون طالب علمٍ شرعي، فلماذا تسأل في أمور الدنيا، وتعدِّد، وتبحث، وتناقش كي تصل إلى الحقيقة ؟ ولماذا تكتفي في أمر الدين بفتوى واحدة ؟
                            لذلك هذه الآية مخيفة بمعنى أن الذي يَتَّجِرُ بالدين، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، أو الذي يُقَرِّب الدين من الأقوياء والأغنياء، يقربهم منه عن طريق فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، هذا ماذا يفعل ؟ يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، الباخرة أحياناً تبتلع من ماء البحر قليلاً فيبلعها كلَّها، إن اتَّجَرْتَ بالدين أهلكت نفسك كلَّها، إن ابتلعت شيئاً من ماء البحر أخذك البحر كلَّك، الآية دقيقة :

                            ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ(79)سورة البقرة ﴾

                            الافتراء، لَيّ عُنُق النصوص، المعاصي الشائعة، تجعلها من الدين ؟!
                            تجعل الدين يغطي كل الانحرافات، هناك كتب أُلِفَت فيها افتراءٌ على الله عزَّ وجل، تجعل السلوك الإباحي مُغَطَّىً بالقرآن، قال: هذه قراءة معاصرة ، يكتبون الكتاب بأيديهم:
                            ﴿ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) ﴾

                            تعليق


                            • #89
                              إن لم نأمر بالمعروف وننهَ عن المُنكر ونؤمن بالله الإيمان المُنَجِّي نصبح أمَّة كبقيَّة الأمم:

                              الآن بعض المسلمين يرتكب الكبائر ويقول لك: أمِّة محمَّد مرحومة، من قال لك ذلك ؟
                              الله عزَّ وجل حينما قال:

                              ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾
                              علَّة هذه الخيريَّة:
                              ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
                              (سورة آل عمران: آية " 110 " )

                              فإن لم نأمر بالمعروف، ولم ننهَ عن المُنكر، ولم نؤمن بالله الإيمان المُنَجِّي، أين خيريَّتنا ؟ انتهت خيريَّتنا، نحن أمَّةٌ كبقيَّة الأمم:

                              ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ (18) ﴾
                              ( سورة المائدة)
                              دقِّقوا:

                              ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ (18) ﴾
                              ( سورة المائدة)

                              إذا كنَّا جنوداً لله فلن نُغلَب أما إذا غُلِبْنَا فيجب أن نراجع أنفسنا وندقِّق في جنديَّتنا لله:

                              عندما يقول المسلمون: نحن مسلمون، نحن أتباع النبي، نحن أتباع سيِّد الخَلق، الجواب: قل فلمَ يعذِّبنا الله بذنوبنا ؟

                              ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾
                              ( سورة مريم )

                              لذلك قال العلماء: أمَّة محمَّد أمَّتان ؛ أمَّة التبليغ، وأمَّة التشريف، حينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله الإيمان المُنَجِّي أصبحت أمَّة التشريف، الأمَّة الخَيِّرَة

                              ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾

                              حينما تفعلون كذا وكذا، أما إن لم نفعل فنحن كبقيَّة الأمم، لا شأن لنا عند الله عزَّ وجل، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:
                              (( لن تُغْلَب أمَّتي من اثني عشرَ ألفاً من قلة ))
                              [ الجامع الصغير ]
                              لن يُغْلبوا في الأرض، وقال تعالى:

                              ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾
                              ( سورة الصافات )
                              إن زوال الكون أهون على الله من أن نُغْلَب إذا كنَّا جنوداً لله، أما إذا غُلِبْنَا فيجب أن نراجع أنفسنا وندقِّق في جنديَّتنا لله.
                              أدلة من القرآن الكريم عن نصر الله تعالى لجنوده:
                              قال تعالى :

                              ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
                              (سورة غافر: آية " 51 " )

                              في الدنيا:

                              ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾
                              (سورة النساء)
                              مستحيل:

                              ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) ﴾
                              ( سورة محمد )
                              وقال:

                              ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ(126) ﴾
                              (سورة آل عمران )

                              الأمر بيدِ الله، فلمَّا انحرفوا اختلَّ توازنهم، يحاولون الآن أن يستعيدوا هذا التوازن بعقيدة زائغة، كما هي الحال عند المسلمين، عندما انحرفوا قالوا لك: نحن أمة محمد مرحومة، نحن لنا الشفاعة عند رسول الله، هو مرتاح، تصوَّر طالباً كسولاً لم يدرس أبداً، طبعاً عندما لم يدرس أصبحت عنده مشكلة، فجاء طالب آخر وقال له: هذا الأستاذ يعطي أسئلة قبل الامتحان بأسبوع، فارتاح ارتياحاً تاماً وقضى العام الدراسي كله في اللعب، ذهب للأستاذ وطلب الأسئلة، فعاقبه الأستاذ و قال له: لا يوجد أسئلة، اذهب وادرس.
                              إنسان له دعوى عند قاضٍ والحكم خطير جداً، قال له شخص: القاضي يقبل الرشوة، فهكذا ظن وتوهَّم وهماً فارتاح، فلمَّا جاء ليدفع للقاضي زجره وطرده وحكم عليه، فهذه مفاجأة كبيرة.

                              أدلة أخرى من القرآن الكريم عن رحمة الله تعالى ومغفرته لمن تاب واستغفر:

                              دقِّق في قوله تعالى:

                              ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ(5) ﴾
                              (سورة فاطر)
                              يقول لك الشيطان: الله غفور رحيم، اسمع هذه الآية :

                              ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(49)وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ(50) ﴾
                              (سورة الحجر)
                              وقال:

                              ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
                              ( سورة الزمر: الآية " 53 " )
                              يقول :

                              ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ(54) ﴾
                              (سورة الزمر)

                              تعليق


                              • #90
                                ​​​​​​
                                • ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(80) ﴾

                                  لولا أن الله فطرك فطرةً عالية ما كنت تشعر بشيء حينما تعصيه، قد تقول لي: هناك من يعصيه ليلاً نهاراً، هذه حالة مرضيَّة نادرة، حينما تُطْمَسُ فطرة الإنسان، أما في الأصل الفطرة السليمة تحاسب ذاتها حساباً دقيقاً.
                                  هذا التقديم لفكرةٍ خطيرة هي: أن الإنسان حينما يعصي الله يختلُّ توازنه، يشعر بانهيار داخلي، يشعر أنه مكشوف، أنه خرج عن فطرته عن وعي أو عن غير وعي، قد يكون عن غير وعي، يقول لك: متضايق، لماذا أنت متضايق ؟ منقبض الدنيا لا تسعني، معي كآبة، حينما تخرج عن منهج الله لأن فطرتك متوافقةٌ مع منهج الله تشعر باضطراب، تقريباً إلى حدٍ كبير هذه السيارة مصمَّمة أن تمشي على الزفت، فإذا سرت بها في الطريق الوعر آلمتك الأصوات، وآلمتك العقبات، وقد تقف، وقد ينكسر شيء فيها، لأنها لم تُصمَّم لهذا الطريق.الإنسان حينما يعصي الله، حينما يرتكب إثماً، حينما يعتدي، حينما يخرج عن منهج الله لأن فطرته متوافقة مع منهج الله يختل توازنه.
                                  معنى ذلك أن عند الإنسان فطرة عالية، وربنا عزَّ وجل أقسم بهذه النفس فقال:
                                  ﴿ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ(1)وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2) ﴾( سورة القيامة)


                                  لاستعادة التوازن هناك ثلاث وسائل:
                                • الإنسان حينما يعصي الله، حينما يرتكب إثماً، حينما يعتدي، حينما يخرج عن منهج الله لأن فطرته متوافقة مع منهج الله يختل توازنه.
                                  الآن كيف نستعيد هذا التوازن ؟


                                  هناك ثلاث وسائل كي تستعيد هذا التوازن؛ وسيلتان غير مشروعتين ووسيلة صحيحة.

                                  1ـ الوسيلة الصحيحة كي تستعيد التوازن أن تصطلح مع الله:
                                  الوسيلة الصحيحة كي تستعيد هذا التوازن أن تصطلح مع الله، وأن تتوب إليه، وأن تأتيه تائباً مطيعاً، مباشرةً تشعر براحة، لذلك التائب يشعر براحة لو وزِّعَت على أهل بلدٍ لكفتهم، حينما يشعر الإنسان أن الله يحبٌّه، أن الله راضٍ عنه، أنه وفق منهج الله، أنه مطيعٌ لله، أنه عبدٌ لله، هذا الطريق السليم الصحيح كي تستعيد توازنك مع نفسك.


                                  2ـ الطريق الآخر أن تتعلَّق بعقيدةٍ فاسدة تُغَطِّي انحرافك:
                                  الطريق الآخر تتعلَّق بعقيدةٍ فاسدة تُغَطِّي انحرافك، فاليهود ـ بنو إسرائيل ـ حينما كذَّبوا أنبياءهم، وحرصوا على دنياهم، وأكلوا أموالهم بالباطل، ونقضوا عهد الله الذي عاهدوه عليه، اختلَّ توازنهم، فبحثوا عن عقيدةٍ فاسدةٍ تُغَطِّي انحرافهم وقالوا:
                                  ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً (80) ﴾
                                  نحن شعب الله المختار:
                                  ﴿ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً (80) ﴾
                                  الله عزَّ وجل ردَّ عليهم :
                                  ﴿ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) ﴾

                                  إذا سُرِقْ قلم في صف وصاحب القلم اشتكى إلى الأستاذ، والأستاذ أغلق الباب، وفتَّش الطلاَّب طالباً طَالباً، ثمَّ أخرج هذا القلم من جيب أحد الطلاب، قبل أن يعاقبه، قبل أن يضربه، قبل أن يطرده، قبل أن يوَبِّخه لماذا يمتقع لونه ؟ يقول لك الإنسان أحياناً: تمنيت أن تُشَقَّ الأرض وتبتلعني، ذبت من الخجل، لماذا ؟ لأن هذه الفطرة، فيه بقية فطرة، بقية حياء، فالإنسان هكذا فُطِر، فعندما يعصي الله، يرتكب إثماً، معصية، شهوة، أو حينما يعتدي على الآخرين يختل توازنه الداخلي، يجب أن يستعيده بالصلح مع الله، بالتوبة إليه، بطاعته، هناك من يستعيده بأن يتعلَّق بعقيدةٍ زائغة.

                                  3ـ الأسلوب الثالث في أن تستعيد التوازن أن تطعن بالمؤمنين:
                                  الأسلوب الثالث في أن تستعيد التوازن أن تطعن بالمؤمنين، انتبه، المنحرف إما أن يطعن في المؤمنين، وإما أن يتعلَّق بعقيدة زائغة فاسدة كي يستعيد توازنه المنهار، وكل إنسان يعتدي أو يقع بالإثم يختل توازنه الداخلي، لأنه مفطور على الكمال.


                                  أخطر شيء في الدين أهل الرأي

                                  (...أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ (85)﴾

                                  منهج الله عزَّ وجل كامل ينبغي أن نأخذه كلَّه لا أن نأخذ ما يعجبنا ونترك ما لا يعجبنا :

                                  الآن انظر إلى المشكلة، يصلون، فالصلاة لا تكلفهم شيئاً لكنهم لا يغضون أبصارهم، يتاجرون لكنهم لا يتورَّعون عن أكل المال الحرام، يأخذون من الدين ما يعجبهم قضية احتفال، عيد مولد، أداء صلوات، صيام، أحياناً يعمل عمرة، فيركب الطائرة، وينزل في فندق فخم، يأكل ويشرب، ويطوف حول الكعبة عدة مرَّات وانتهت العمليَّة، ويحضر معه الهدايا، فالشيء الخفيف اللطيف يفعله المسلمين، أما أن تعطي حقوق الآخرين، أن تضبط شهواتك، فهذا وضع ثاني.
                                  لذلك حينما نأخذ ما يعجبنا وندع ما لا يعجبنا، حينما نأخذ ما هو هينٌ علينا وندع ما ليس بهينٍ علينا، أخذنا بعض الكتاب وكفرنا ببعض، عملية انتقاء، هذه مهلكة، منهج الله عزَّ وجل كامل ينبغي أن نأخذه كلَّه، أما هناك أشياء لطيفة لا تقدِّم، يقول لك: الزواج سُنَّة يا أخي، طبعاً الزواج سنَّة، الزواج مريح، فالشيء الذي يتوافق مع رغبته يتمثَّل فيه، موضوع احتفال لو أننا مدحنا النبي عليه الصلاة والسلام، والله هو أعظم إنسان في الكون، لكن لو مدحناه ليلاً ونهاراً ونحن نخالف سُنَّته هل نستفيد شيئاً ؟ مستحيل.

                                  ، رأيهم مقدَّمٌ على عقيدتهم، يأخذون من الدين ما يوافق رأيهم، ويرفضون ما لا يوافق رأيهم، لهم دين خاص، يأخذ من النصوص ما يعجبه، ويرد ما لا يعجبه، أو يؤول ما لا يعجبه، يريد أن يوفِّق بين الدين وبين الدنيا، أن يجعل الدين مطيَّة لمصالحه، عملية الاختيار وأخذ ما يروق وترك ما لا يروق، أخذ السهل وترك الصعب، هذا انحراف خطير في الدين وقع فيه بنو إسرائيل فاستحقوا الهلاك.
                                  المسلمون الآن دينهم أصبح فلكلورياً، مساجد، يرتدي الثوب الأبيض في الصيف، يتعطَّر، مسبحة في يده، يأتي إلى المسجد، لكن أين يسهر ؟ علاقاته كيف ؟ كسب ماله كيف ؟
                                  فالدين عندما اختصرناه إلى صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، ونسينا أنه مئة ألف أمر ونهي، منهج كامل، تركناه منهجاً وأخذناه عبادةً جوفاء، آمنا ببعض الكتاب، وكفرنا ببعض:
                                  ﴿ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)﴾

                                  هذا الدين منهج كامل، فهذه المركبة من أجل أن تمشي، أن تسير، تحتاج إلى محرِّك، وإلى عجلات، وإلى وقود، وإلى مُقْلِع، وإلى مقود، وإلى بوق، وإلى كهرباء، وإلى فرش، وإلى إضاءة، قد يتطلب عملها أربعين شرطاً، أما إذا الإنسان اشترى رفراف فقط، هذا الرفراف ليس سيارةً، هذا جزء من السيارة، اشترى مصباح فقط، مقعد فقط، عجلة، هذه أشياء لا تفيد، لا تُسَمَّى المركبة سيارة إلا إذا استوفت كل الشروط، فمن أجل أن تطير إلى الله لا بد من أن تستكمل منهج الله عزَّ وجل.

                                  موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية

                                تعليق

                                يعمل...
                                X