إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير القرآن الكريم للشيخ راتب النابلسى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #91
    مضمون منهج الله عزَّ وجل

    ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) ﴾

    لقد تضمّنت هذه الآية العديد من العبادات بالإضافة إلى العبادة الاعتقادية في مطلبها، عبادات شعائريَّة:
    ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ (83) ُ﴾

    عبادات قوليَّة:
    ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (83) ﴾

    عبادات تعامليَّة:
    ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ (83) ُ﴾

    عبادة اعتقاديَّة:
    ﴿ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ (83) ُ﴾

    هذا مضمون منهج الله عزَّ وجل: عبادة اعتقاديَّة، وعبادة شعائريَّة، وعبادة تعامليَّة، وعبادة قوليَّة.


    الفرق بين الأمر التكليفي والأمر التكويني :

    قال تعالى:

    ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ (83) ُ﴾

    الذي حصل أن هناك تولِّي، هناك تقصير، هناك إعراض، أنت مخيَّر، كل الخَلق عدا الإنس والجن مسيَّرون، الشر لا وجود له إلا في عالَم الإنس والجن لأنه مخيَّر، الأمر التكليفي غير التكويني، هناك أمرٌ تكليفيٌّ وهناك أمرٌ تكويني، الأمر التكليفي طريق سالك ؛ لكن في أوله لوحةٌ كُتِبَ عليها ممنوع المرور، فأنت إما أن تسير وتخالف وتدفع الثمن الباهظ، وإما أن تأتمر فتسلم وتسعد، فالأمر تكليفي لك أن تطيع، ولك ألا تطيع، أما الأمر التكويني ليس لك خيار، الله عزَّ وجل له أمر تكليفي وله أمر تكويني، خلقك من فلان وفلانة هذا تكويني، خلقك بشكل معيَّن تكويني، خلقك بعصر معيَّن تكويني، بزمنٍ معيَّن، بمكان معيَّن، بقدراتٍ معيَّنة كلَّه تكويني، قال لك: صلِّ، هذا تكليفي، اصدق تكليفي، كن أميناً تكليفي، اعدل تكليفي، غضَّ البصر تكليفي، هناك أمر تكويني هو فعل الله، وهناك أمر تكليفي هو أمر الله، فهذا أمرٌ تكليفي:
    ﴿ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ (83) ُ﴾
    أيمكن أن تعبد غير الله ؟
    ممكن لأن الأمر تكليفي:

    ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) ُ﴾
    أيمكن أن يكون الإنسان ابناً عاقاً ؟ ممكن:
    ﴿ وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ (83) ُ﴾
    أيمكن أن يبني مجده على نهب أموال هؤلاء..؟ ممكن:
    ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (83) ﴾
    أيمكن أن تقول سوءاً للناس ؟ أمر تكليفي تفعل أو لا تفعل:
    ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ (83) ُ﴾
    يمكن أن لا تصلي، أ أنت مخيَّر، فالتخيير يثمِّن العمل،
    لولا الاختيار ما كانت هناك جنّة في الأساس.

    موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

    تعليق


    • #92
      الفرق بين النبي والرسول:

      قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}.. [البقرة : 87].
      ﴿ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ (87) ﴾


      النبوَّة شيء والرسالة شيءٌ آخر، الرسول معه كتابٌ من عند الله، معه رسالة، معه رسالةٌ جديدة تنسخ الرسالة السابقة، أما النبي يرسله الله عزَّ وجل كما يرسل الرسول ؛ ولكن النبي يُرْسَل ليشرح رسالةً سابقة، فسيدنا لوط، وسيدنا زكريَّا، وسيدنا يحيى:
      ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (78) ﴾
      ( سورة غافر: من آية " 78 " )
      هؤلاء جاؤوا ليشرحوا لأقوامهم كتاب الله عزَّ وجل، ليشرحوا التوراة، فسيدنا موسى نبيُّهم الأول، أنزل الله عليه التوراة، والأنبياء الذين جاؤوا من بعده شرحوا لأقوامهم مضمون هذا الكتاب، فالرسول معه كتابٌ من السماء، أما النبي فقد أرسله الله للمؤمنين ليشرح لهم كتاباً سابقاً، كل رسولٍ نبي وليس كل نبيٍ رسول.
      لكن الشيء الذي ينبغي أن نقف عنده وقفةً متأنيَّة هو: أن كمال الله عزَّ وجل يقتضي إرسال الرسل، حينما يخلق الله خلقه دون أن يعلمهم بسرِّ خلقهم، دون أن يعلمهم بمنهجه الذي يؤدي إلى سلامتهم وسعادتهم فهذا يتناقض مع كماله، فحينما تُعَطِّلُ مفهوم الرسالة فقد وصفت الله بما لا يليق به، وأوضح مثل ؛ أب جالس في بيته وابنه الصغير اقترب من المدفأة، هل يبقى ساكتاً ؟ هل يبقى جالساً ؟ أم ينطلق لينصحه ويبعده ؟ وقد يقوم من مكانه ليأخذه، فمن مستلزمات كمال الله عزَّ وجل ألا يترك عباده معطَّلين عن الأمر والنهي.
      إرسال الأنبياء والرُسُل من لوازم كمال الله:

      النقطة الدقيقة أن هذا الكون المادي الذي هو تحت سمعنا وبصرنا ينطق بعظمة الله، ينطق بوجوده، وينطق بوحدانيَّته، وينطق بكماله، هذا الكون ينطق بكمال الله، ومن مستلزمات كمال الله ألا يدع عباده معطَّلين عن الأمر والنهي والمعرفة، لا بد من أن يبلِّغهم، خلقهم في الدنيا ليعملوا عملاً صالحاً هو ثمن سعادتهم الأبديَّة في الآخرة، خلقهم في الدنيا ليتعرَّفوا إلى الله، ليتعرَّفوا إلى منهجه، ليتعرَّفوا إلى سرِّ وجودهم وغاية وجودهم، ما من قومٍ إلا وأرسل الله لهم نبياً لقوله تعالى:

      ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7) ﴾
      ( سورة الرعد )

      إرسال الأنبياء والرُسُل من لوازم كمال الله، كما أن من بديهيَّات الأبوَّة أن ينصح الأب ابنه، وأن يأمره، وأن ينهاه، فإذا بقي ساكتاً والأخطار محدقة بالابن هذا ليس أباً، المثل مُبَسَّط وواضح، فالله عزَّ وجل ما كان ليخلق الخلق ثمَّ يدعهم هكذا في جهالةٍ جهلاء:

      ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾
      ( سورة البقرة: من آية " 213 " )
      فاختلفوا:

      ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾
      ( سورة البقرة: من آية " 213 " )
      على كلٍ فالله عزَّ وجل قال:

      ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12) ﴾
      ( سورة الليل )
      حيثما جاءت (على) مقترنةً بلفظ الجلالة تعني أن الله جلَّ جلاله ألزم ذاته إلزاماً، فالله عزَّ وجل عليه أن يهدي خلقه.

      تعليق


      • #93
        الأمر كله بيد الله وحده

        ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ (87) سورة البقرة ﴾

        أنت عندما يأتيك كتاب هذا الكتاب لكل المسلمين، فيه أمر، فما هو موقفك من الأمر ؟ فيه نهي، فيه وعد، فيه وعيد، فيه تشريع، فيه حلال، فيه حرام، فيه مواعظ، فيه قصص الأقوام السابقة، فيه المستقبل البعيد، ما موقفك من هذا القرآن ؟ الموقف العامِّي يقول لك: تباركنا ويقبِّله، وهذا غير كافٍ بل إن هذا القرآن منهج، هل أحللت حلاله ؟ هل حرَّمت حرامه ؟ هل صدَّقت وعده ووعيده ؟ والله الذي لا إله إلا هو إن صدَّقت إنساناً قوياً من بني جلدتك يفعل ما يقول فإنك لا يمكن أن تخالفه أبداً، فهل تصدِّق أن الله عزَّ وجل بيده كل شيء ؟
        ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
        ( سورة هود: من آية " 123 " )

        الله عزَّ وجل يمتحن المؤمنين، يمتحنهم امتحاناتٍ عديدة، قد يمتحنهم بأنه يقوي الكفَّار عليهم، هل ينسون ربَّهم؟
        هل يؤلِّهون غيره ؟


        آيات من الذكر الحكيم تطمئننا أن الأمر كله بيد الله وحده:

        نحن في هذه الأيَّام في أشدِّ الحاجة إلى القرآن ليطمئننا أن الأمر بيد الله وحده:
        ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
        ( سورة هود: من آية " 123 " )
        ليطمئننا أن:

        ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل﴾
        ( سورة الزمر )
        ليطمئننا أن:

        ﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
        ( سورة الأعراف: من آية " 54 " )
        ليطمئننا أنه:

        ﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
        ( سورة الكهف )
        ليطمئننا أنه:

        ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
        ( سورة الزخرف: من آية " 84 " )
        ليطمئننا أن:

        ﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
        ( سورة الفتح: من آية " 10 ")

        ليطمئننا أن يدَ الله تعمل وحدها، وكل ما تقع العين عليه من قِوى الشر إنما هي عصيٌ بيد الله عزَّ وجل، يؤكِّد هذا المعنى قول الله عزَّ وجل:

        ﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾
        ( سورة هود)


        آيات أخرى من الذكر الحكيم نحن في أمس الحاجة إليها لتطمئننا:

        نحن في أمسِّ الحاجة إلى هذه الآيات:
        ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42) ﴾
        ( سورة إبراهيم )
        وقال:

        ﴿ لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ(196)مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ(197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَواْ رَبَّهُمْ ﴾
        ( سورة آل عمران )
        وقال:

        ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) ﴾
        ( سورة الأنعام: من آية " 44 " )

        هذه حقائق مريحة، قد ترى قِوى الشر متمكِّنة، قِوى الشر تفعل ما تريد، قِوى الشر تُنْزِل أشدَّ العقاب في إنسانٍ يبدو لك بريئاً، لئلا يختلَّ التوازن ينبغي أن تعرف الحقيقة: وهي أن الأمر بيد الله.

        تعليق


        • #94
          ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) ﴾

          هناك مشكلة، المشكلة هي أن ثمن الجنَّة هو التناقض بين التكليف والطَبع، الإنسان يشتهي أن ينام، والتكليف يأمره أن يستيقظ، فإذا عاكس رغبته في النوم وصلَّى الفجر يرقى عند الله، طبع الإنسان يقتضي أن يملأ عينيه من محاسن النساء، والتكليف يأمره بغض البصر، فإذا عاكس شهوته وغضَّ بصره يرقى عند الله، يقتضي طَبع الإنسان أن يأخذ المال، والتكليف يأمره أن ينفق المال، فإذا عاكس شهوته وأنفق المال يرقى عند الله، أن تعاكس شهوتك هو ثمن جنَّة ربِّك، بدليل قول الله عزَّ وجل:
          ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41) ﴾
          ( سورة النازعات)

          أنواع المعاصي:

          قال تعالى:
          ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) ﴾

          طبعاً التكذيب جريمة، إنسان معه دليل، إنسان أرسله الله ليسعدك، لينقذك من الشقاء، ليجعلك معافىً سليماً سعيداً في الدنيا والآخرة فكذَّبته، وأشد من التكذيب القتل:
          ﴿ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) ﴾

          المعاصي نوعان:
          معاصي استكبار، ومعاصي غَلَبَةَ:
          (( الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار))
          [الجامع الصغير عن ابن عبَّاس رضي الله عنه ]

          إنسان جاءه ضيوف وعنده كيلو لبن، والضيوف كُثُر، يمكن أن يضيف لهذا الكيلو من اللبن خمسة كيلو من الماء، ويجعله شراباً طيباً مستساغاً بارداً في الصيف، لكن هذا الكيلو من اللبن لو أضفت له قطرة من زيت الكاز يفسد، يتحمَّل خمسة أضعافه ماء ولا يتحمَّل قطرة نفط أبداً، تلقيه في المُهملات، لذلك قد يخطئ الإنسان أما حينما يستكبر فهو قد قطع ما بينه وبين الله، حينما يستكبر سار في طريقٍ مسدود.

          العبد عبدٌ والرب رب، ليس من شأن العبد أن يستكبر، ليس من شأن العبد أن يُعَظَّم، فمن رأى نفسه عظيماً واستكبر أن يطيع الله عزَّ وجل فقد وقع في ضلال كبير، إنسان مثقَّف ثقافة عالية جداً، يحتل مركزاً علمياً مرموقاً، لا يصوم رمضان، هو أرقى من أن يصوم مثلاً، لا يصلي هذا منعه الكبر أن يصلي، كنَّا مرَّة في تشييع جنازة، وطبيب من ألمع أطبَّاء دمشق، وهو شخص يحتل منصباً رفيعاً في الجامعة لم يدخل ليصلي، هو أكبر من أن يصلي لله عزَّ وجل ؟! هكذا يرى نفسه !!!

          ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
          ( سورة الإنسان )

          هل يذكر يوم كان طفلاً صغيراً في بطن أمِّه، يوم خرج لا يفقه شيئاً:

          ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾
          (سورة النحل: الآية " 87 " )
          بعد أن ارتقى، وحمل شهادة عالية أهو أكبر من أن يصلي في مسجد ؟!

          تعليق


          • #95
            الانسان في اختياره للهداية مخير

            الله أمر عباده تخييراً كل إنسانٍ خلقه الله عنده استعدادٌ كامل أن يهتدي إلى الله وأن يسعد في الدنيا والآخرة:
            آية اليوم:
            ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88) ﴾

            حينما تعتقد أو تتوهَّم أن الله خلق إنساناً وجعله لا يهتدي فهذا خطأٌ شنيعٌ في العقيدة، كل إنسانٍ خلقه الله، خلقه وعنده استعدادٌ كامل أن يهتدي إلى الله وأن يعرفه، وأن يسعد في الدنيا والآخرة، أما أن الله قد خلق الإنسان كافراً فهذا مستحيل، إذا خلق الله عزَّ وجل الإنسان كافراً فلمَ يعذِّبه ؟ ما ذنبه ؟
            ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له: إياك إِياك أن تبتل بالماء
            ***

            إذا قدَّر عليه المعصية فلمَ يعذِّبه ؟ إذا خلقه مؤمناً فلمَ يدخله الجنَّة ؟
            نحن في أنظمة حياتنا الدنيا هل من الممكن أن نعطي طالباً الأسئلة، قبل يومين، أو نعطيه أوراق الإجابة مكتوباً عليها الجواب الكامل بخط الأستاذ، ونقول له: اكتب اسمك ورقمك، فأخذ الدرجة الأولى على كل طلاَّب البلد، ثم أقمنا له حفلاً تكريميَّاً عظيماً لأنه نال الدرجة الأولى على كل الطُلاَّب، ليس لهذه الحفلة معنى إطلاقاً، هو لم يدرس إطلاقاً، قدَّم الأوراق مكتوبةً بخط الأستاذ، فنال الدرجة الأولى، فأُقيم له حفلٌ تكريمي، هذا الحفل لا معنى له إطلاقاً، شيء مضحك.
            طالب آخر مُنِع من أداء الامتحان فوبَّخناه أشدَّ التوبيخ، هذا التوبيخ لا معنى له، إنسان من بني البشر يترفَّع أن يفعل ذلك، مدير مدرسة جمع الطلاَّب في أول يوم من أيام العام الدراسي، وقرأ عليهم أسماء الناجحين في آخر العام سلفاً، وأسماء الراسبين، وقال: انطلقوا وادرسوا، فلن يدرس أحد، ولم يعد للدراسة معنىً عندئذٍ.
            حينما تؤمن أن الله خلق فيك الهدى من دون سببٍ منك، فأنت إذاً لا تعرف الله أبداً، أنت وصفت الله عزَّ وجل بما لا يليق به .

            خلل كبير أن تعتقد أن الله أجبرك على الطاعة أو على المعصية:

            إذاً:
            ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88) ﴾

            غُلف، نحن لم نهتد، هذا ما يقوله معظم المسلمين: الله سبحانه لم يكتب لي الهدى، فلماذا ؟
            يقول لك: سبحان الله، الله خلقنا ليعذبنا، وأيضاً يسبح الله عليها.
            ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88) ﴾

            من قال لك كذلك ؟ لماذا شربت الخمر ؟
            قال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدَّر عليَّ ذلك، ليس بيدي ـ طاسات معدودة بأماكن محدودة، ترتيب سيدنا ـ هكذا يقول لك.
            فقال سيدنا عمر: " أقيموا عليه الحد مرتين، قال له: مرةً لأنك شربت الخمر، ومرةً لأنك افتريت على الله، ويحك إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار ".
            الله لم يجبرك، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القُدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعصَ مغلوباً ولم يطع مكرهاً.
            الخلل الكبير لمجرد أن تعتقد أن الله أجبرك على الطاعة أو على المعصية، عفواً لا يقول الناس إن الله أجبرنا على الطاعة، بل يقول أحدهم: أنا أطعت الله، أما متى يعتقدون بالجبر ؟
            حينما يعصون الله عزَّ وجل، فيقول: الله ما أراد لي الهدى، كلام شيطان، كلام يتناقض مع القرآن.
            آيات من القرآن الكريم تبين أن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً:

            قال تعالى:
            ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) ﴾
            (سورة الإنسان)
            وقال:
            ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ (148) ﴾
            ( سورة البقرة )
            وقال:
            ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) ﴾
            ( سورة الأنعام )

            الخَرَصُ أشد أنواع الكذب، هذا الذي يقول: إن الله لم يشأ لي الهداية، يكذب على الله:
            ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾
            ( سورة النساء: الآية " 27 " )
            وقال:
            ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
            ( سورة الليل )
            وقال:
            ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾
            ( سورة النحل: الآية " 9 " )
            أي على الله بيان سبيل القَصد. لو أراد الله تعالى أن يجبرنا على شيءٍ لأجبرنا على الهدى

            خلقنا الله عزَّ وجل مخيَّرين، لو أراد أن يجبرنا على شيءٍ ما لما أجبرنا إلا على الهدى، ولو شئنا أن نجبركم، وأن نلغي اختياركم لآتينا كل نفسٍ هداها، فعندما تريد الجامعة أن تنجِّح كل الطلاب فالقضية سهلة جداً، تعطيهم أوراقاً مطبوعاً عليها الجواب الكامل، فقط اكتب اسمك ورقمك، فالنتيجة: نجح كل الطلاب، الكل امتياز، هذا النجاح ليس له قيمة إطلاقاً، لا عند رئاسة الجامعة ولا عند الناس ولا عند الطلاب أنفسهم، هذا نجاح مضحك.
            ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ (13) ﴾
            ( سورة السجدة)

            أنت مخيَّر، ولأنك مخير لك أن تفعل أو ألا تفعل، لك أن تصلي أو ألا تصلي، لك أن تكون صادقاً أو كاذباً، لك أن تؤمن أو تكفر، لك أن تستقيم أو تفسق، لك أن تُنفق أو أن تظلم، افعل ما تشاء، كل شيء بثمنه، العظمة في الجامعة لا أن ينجح كل الطلاَّب، لا أبداً، العظمة في الجامعة أن تأتي النتائج وفق المُقدمات، أن ينجح المتفوق وأن يحتل منصباً رفيعاً في الجامعة، وأن يطرد الكسول من الجامعة، روعة الجامعة تناسب النتائج مع المقدمات فقط، فالله عز وجل خلق الخلق ودعاهم إليه، وأمرهم أن يؤمنوا به، ورغَّبهم في الإيمان، وحذرهم من الكفر، وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، هم مخيَّرون.
            ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا (46) ﴾
            ( سورة فصلت)

            موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

            تعليق


            • #96
              الذين لا يهديهم الله وحق عليهم الضلالة


              إذا عزي الإضلال إلى الله عزَّ وجل فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلالٍ اختياري:

              الإنسان حينما يعزو ضلاله إلى الله عزَّ وجل فقد ضل سواء السبيل، فإذا وجدت في القرآن آيةً يُستَدلُ منها أن الله أضل الإنسان فهذا هو الإضلال الجزائي المبني على ضلالٍ اختياري، لا بد من توضيح المثل:
              طالب في الجامعة لم يداوم إطلاقاً، ولم يؤدِّ امتحاناً، ولم يلتقِ بالأستاذ، والجامعة قدَّمت له عشرات الكتب التي تدعوه فيها إلى أن يعود إلى الجامعة، لم يداوم، ولم يؤدِّ امتحاناً، ولم يشترِ كتاباً، ولم يستجب للإنذارات، فَرُقِّن قَيده، وبعد أن رُقِّنَ قيده قال: إن هذه الجامعة أرادت لي ألا أدرس، ترقين قيدك في الجامعة تجسيدٌ لرغبتك تنفيذٌ لإرادتك، هذا هو المعنى فقط.
              لذلك إذا عزي الإضلال إلى الله عزَّ وجل فهو الإضلال الجزائي المبني على ضلالٍ اختياري .

              (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ (88)سورة البقرة )
              ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88)سورة البقرة ﴾

              أي نحن لا نهتدي، فرد عليهم: لا، ولكن قال تعالى:
              ﴿ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ (88) ﴾

              هناك ثلاث آيات مهمات جداً، أساس هذه الآية:
              ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67) ﴾
              ( سورة المائدة)
              وقال:

              ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51) ﴾
              ( سورة المائدة)
              وقال:

              ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(6) ﴾
              ( سورة المنافقون)

              من تلبَّسَ بالفسق لا يهديه الله عزَّ وجل، لأن فسقه حجابٌ بينه وبين الله، ومن تلبَّس بالظلم فالله عزَّ وجل لا يهديه لأن ظلمه حجابٌ بينه وبين الله، ومن تلبَّس بالكفر فالله عزَّ وجل لا يهديه لأن كفره حجابٌ بينه وبين الله. الإنسان مخيَّر ولو ألغي اختياره ما عاد إنساناً، فالله عزَّ وجل يقول الهدى موجود، ولكن شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن يقول لك: الهدى بيدي، لكن لا أمنحه لا لظالمٍ ولا لفاسقٍ ولا لكافر.

              يهدي من يشاء، يشاء من ؟
              من لم يكن ظالماً يهديه الله عزَّ وجل، من لم يكن كافراً يهديه الله عز وجل، من لم يكن ظالماً يهديه الله عزَّ وجل.

              ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88) ﴾

              يقول بعضهم: نحن لسنا مُهيَّئين للهدى، ما خلقنا الله مهتدين، هذا كلام الشيطان الرجيم، كلام الجهل، كلام الحُمق، كلام الغباء.
              ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ (88) ﴾
              كفرهم سبب لعنهم، واللعن هو الإبعاد:
              ﴿ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ (88) ﴾


              على الإنسان أن يكون معه حجة لله عز وجل يوم القيامة عن كل عمل يقوم به في الدنيا:

              تجري الآن مناقشة دقيقة جداً، خالق الكون الذي منحنا المنطق يقول لهؤلاء: أنتم تدَّعون أنه إذا جاء نبيٌ سوف تسبقون الناس إلى الإيمان به،
              فقد جاءكم هذا النبي وجاء بكتابٍ مصدقٍ لما في كتابكم التوراة، لمَ كفرتم به ؟
              مصالح.

              لذلك الإنسان إما أن يستجيب للحق، وإما أن يستجيب للهوى، حقٌ أو هوى، خيرٌ أو شر، آخرةٌ أو دنيا، إحسانٌ أو إساءة، إن لم تكن على أحد الخَطّين فأنت على الثاني حتماً، إن لم تكن مع أهل الآخرة فأنت من أهل الدنيا، إن لم تكن مصدقاً بالحق فأنت قد قبلت الباطل، إن لم تكن مُنصفاً فأنت ظالم، إن لم تكن رحيماً فأنت قاسي.
              ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) ﴾
              إن الذي يلفت نظري هو كيف يتوازن المسلم المعاصر ؟ كيف يعلم أن هذا حرام، وهذا حرام، وهذا حرام، وهذا حرام، وكيف يقترف هذه الحُرُمات ؟ كيف ينام متوازناً ؟ كيف يغمض له جفن ؟
              كيف يبيت والله ليس راضياً عنه ؟

              يقول سيدنا عمر رضي الله عنه:" عجبت لثلاث، عجبت لمؤملٍ والموت يطلبه، وعجبت لغافلٍ وليس بمغفول عنه، وعجبت لضاحك ملء فيه ولا يدري أساخطٌ عنه الله أو راضٍ ؟!! ".

              طبعاً هذا درسٌ لنا ، فهل معك حجة لله عزَّ وجل ؟ أحياناً يسألني أخ: ماذا أفعل ؟ دائماً جوابي إليه: هل معك حجة لله عزَّ وجل يوم القيامة ؟ أي أنك إذا منحت ابناً بيتاً استثناءً من دون إخوته، أمعك حجة ؟
              يقول: هذا ابني عاجز، هذا كلام مقنع، هذه حجةٌ لك يوم القيامة، حينما تخص ابناً عاجزاً مشلولاً، عنده عاهة، ببيت يؤجره ليأكل من أجرته استثناءً، وفي حياتك، وهبةً، معك إلى الله حجة، أما لأنه ابن زوجتك الجديدة وقد ضغطت عليك، أما ابن القديمة لا تعبأ به، سوف تحاسب يوم القيامة حساباً شديداً .
              يقول لي موظف: أأكتب هذا الضبط ؟ أقول له: هل معك جواب إلى الله يوم القيامة ؟ دعك من رؤسائك، أمعك جواب إلى الله ؟
              إن كنت ظالماً لهذا الإنسان سوق يقتص الله منك، واتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب. على المؤمن أن يهيِّئ لله جواباً عن كل شيءٍ يفعله:

              هناك سؤال : فأنت في كل عمل، كل حركة، كل سكنة، كل نظرة، كل ابتسامة، كل عبوس، كل عطاء، لو قَبَّلت طفلاً وتركت الطفل الثاني، لو خصصت ابناً ولم تَخُصَّ الثاني، لو مِلت مع زوجةٍ وأغدقت عليها كلها شيء وأهملت الثانية، أخشن طعام للثانية، أسوأ بيت للثانية، أقسى معاملة للثانية، هل هيأت لله جواباً ؟ أمعك جوابٌ إلى الله عزَّ وجل ؟

              هذا أهم شيء بالدرس، هيِّئ لله جواباً عن كل شيءٍ تفعله ؛ عن كل حركةٍ وسكنةٍ، ونظرة وابتسامةٍ، وإنفاقٍ وإقتارٍ، ومنعٍ وعطاءٍ، ووصلٍ وقطع، وودٍ وجفاءٍ، يجب أن تهيِّئ لله جواباً، قال لي أخ يعمل في التموين: هل يسمح لي أن أكتب ضبطاً ؟ قلت له: أكتب ما شئت، وأرسل إلى السجن ما شئت ومن شئت، لكنك إذا كنت بطلاً يجب أن تهيِّئ لله جواباً عن كل ضبط، لماذا كتبت هذا الضبط ؟ أكنت ظالماً له ؟ الله سيقتص منك.
              أنا الذي أراه أيها الأخوة، أن كل ذكائك، وكل عبقريتك، وكل تفوِّقك في أن تكون أديباً مع الله، وقّافاً عند كلامه، مؤدياً لحقوق العباد، ومطبقاً لمنهجه العظيم، فالله عزَّ وجل يقول:
              ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) سورة البقرة﴾
              فأنا أقول: يمكن أن يقبلك الله إذا كان معك عذر، أما الشيء واضح، الحلال بيِّن، الحرام بيِّن، وتجد معظم الناس يأخذون ما ليس لهم ظلماً، وعتواً، واستكباراً، ومكابرةً، يركبون رؤوسهم، لكن الله عزَّ وجل كبير، وسوف ينتقم منهم.

              موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

              تعليق


              • #97
                لو أن الله سألك ماذا تجيب ؟


                أتمنى على كل أخٍ مؤمن دائماً وأبداً أن يهيِّئ لله جواباً، لو أنه سألك: لماذا طلَّقتها ؟ لماذا سلبتها مالها ؟ لماذا أخرجت هذا الشريك من الشركة ؟ لماذا لم تعطِ هذا الابن ما أعطيت أخوته ؟ لو أن الله سألك ماذا تجيب ؟ هل معك حُجَّة ؟
                يروى أن سيدنا عمر بن عبد العزَّيز، كان يصلي في مصلاه ويبكي، دخلت عليه زوجته فاطمة، قالت له: " يا أمير المؤمنين ما الذي يبكيك ؟ قال: " دعيني وشأني "، قالت: " قل لي وربك ما الذي يبكيك ؟ " ، قال: "دعيني وشأني "، فلما ألحَّت عليه، قال: " بعد ما ولِّيت هذا الأمر فكرت في الفقير الجائع، والبائس الضائع، وذي العيال الكثير والدخل القليل، وفي ابن السبيل، وفي الشيخ الكبير، وفي المرأة الأرملة، وفي الطفل الصغير، وفي، وفي ـ عدد لها عشرات الحالات المؤلمة في مجتمعه ـ قال: فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً، وخفت ألا تثبت لي حجةٌ عند الله فلهذا أبكي ".
                أهم شيء أن يكون معك حجة لله عزَّ وجل، لمَ أهملت هذا الولد حتى خرج عن منهج الإسلام ؟ لمَ امتنعت عن تزويجه وأنت قادر أن تزوِّجه ؟ زنا، لعل هذا الزنا في صحيفتك، إذا كنت قادراً لمَ لم تزوجه ؟ لمَ لم تختر لابنتك إنساناً مؤمناً ؟ آثرت المال على الإيمان فضيَّع دينها وأخرجها عن استقامتها، أرضيت أن يأخذ ابنتك إنسان غني فيخرجها عن دينها ؟ إذا سألك الله بماذا تجيب ؟ لمَ لم ترب ابنتك ؟ هذه البنت التي تظهر كل مفاتنها في الطريق، سوف يسأل أبوها يوم القيامة: كيف سمحت لها أن تخرج هكذا ؟ هل نظرت إلى ثياب خروجها ؟ فأمامنا مليون سؤال.


                قال تعالى:
                ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ(89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً(90) ﴾بغياً أي حسداً:﴿ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ (90) ﴾

                أي أنه اشترى الكفر، دفع ثمن الكفر الجنة، أسوأ صفقة في التاريخ، ما من إنسانٍ أشد حسرةٍ وندماً يوم القيامة كالذي باع آخرته بدنياه، فمصالحه مع الكفر، أحياناً مصالحه مع المعصية، مصالحه أن يكون مع إنسان كأن يكون شريك صاحب مطعم يبيع خمر مصلحته أن يبقى شريكاً في هذا المطعم، يقول لك: دخل كبير يدره علينا، والآخرة ؟ هذا مثل بسيط، واحد شريك بمطعم خمسة نجوم يبيع خمراً، والدخل كبير جداً والمكاسب بشكل عام صارت ضعيفة، فإذا كان له شركة بمطعم يبيع الخمر، فإذاً آثر هذا الدخل الكبير على الآخرة !!!



                موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

                تعليق


                • #98
                  الحق لا يتجزَّأ

                  ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)سورة البقرة ﴾
                  أراد الله في هذه الآية الكريمة أن يبيِّن لنا حقيقةً خطيرة في العقيدة وهي : أن العداوة لا تتجزَّأ، وأن الولاء لا يتجزَّأ .
                  أنت مع من ؟ إن كنت مع الله فينبغي أن تكون مع رسوله، وإن كنت مع رسوله فينبغي أن تكون مع أصحابه الكرام الذين أثنى عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، إن كنت مع أصحابه الكرام فأنت مع أهل الحق، هناك معركةٌ أزليَّةٌ أبديَّة بين الحق والباطل، فلا بد من أن تكون موالياً للحق متبرِّئاً من الباطل، أما أن تقول : أنا أحب النبي ولا أحب أصحابه، أو أنا أؤمن بالله وأكره جبريل، هذه التفرقة لا وجود لها، الحق لا يتجزَّأ والباطل لا يتجزَّأ .
                  أنت مع من ؟ إن كنت مع الحق فأنت مع الكل، وإن كان هذا الإنسان الشارد مع الباطل، فهو مع أعداء الدين جميعاً، إما في خندق أهل الإيمان وإما في خندق أهل الكُفْران، إما مع الحق وإما مع الباطل، والدليل أن في الحياة اتجاهين، إن لم تكن على أحدهما فأنت على الآخر قطعاً، والدليل على ذلك قول الله عزَّ وجل
                  :﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾( سورة القصص الآية : 50 )

                  المعركة بين الحق و الباطل أزليَّة أبديَّة ولا بدّ من الولاء والبراء :

                  قال تعالى :﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ ﴾( سورة يونس الآية : 32 )
                  بعد الحق هناك ضلال، لأنه بين نقطتين لا يُرْسَم إلا مستقيمٌ واحد، فمهما وصلت بين النقطتين تأتي كل هذه المستقيمات فوق بعضها البعض، الحق لا يتجزَّأ أما الباطل فيتعدَّد، لأن الخطوط المُنحرفة والمنحنية والمنكسرة كثيرةٌ جداً، وقد أشار ربنا عزَّ وجل إلى هذه الحقيقة حين قال :﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ (257) ﴾( سورة البقرة )الظلمات جمع :﴿ إِلَى النُّورِ (257) ﴾( سورة البقرة )النور واحد :﴿ وَأَنَّ هَذَا صرا طي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾( سورة الأنعام الآية : 153 )

                  الحق لا يتعدَّد، الباطل كثير جداً ؛ هناك باطل اعتقادي، وباطل سلوكي، هناك باطل انحرافه خمس درجات، عشر درجات، مئة درجة، وهناك إلحاد، الباطل يتعدَّد، وهناك معركةٌ أزليَّةٌ أبديَّةٌ بين الحق والباطل، ولا بد من الولاء والبراء، إن واليت الله يجب أن توالي رسول الله، أعداء الدين ينفذون إلى التفرقة، فهو يقول : أنا أريد القرآن ولا أريد السُنَّة . من قال لك ذلك ؟
                  إذا كان القرآن الكريم يقول :
                  ﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾(سورة الحشر الآية : 7 )

                  أنت إن رفضت سُنَّة النبي رفضت القرآن، القرآن، وسنة النبي العدنان، وسيرة صحابته الكرام، وسيرة السلف الصالح من المؤمنين والعلماء العاملين، هذا هو الحق ؛ والباطل هو كل انحرافٍ عن منهج الله ورفضٍ لأوامره وهو كفرٌ، فهذه التفرقة تفرقةٌ لا وجود لها، مفتعلة .

                  تعليق


                  • #99
                    خصائص الفرق الضّالة


                    ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ (97) سورة البقرة﴾
                    فهذه التفرقة في العداوة هذه ليست من الدين في شيء، فاليهود لا يحبون سيدنا جبريل، يعادونه
                    سيدنا جبريل مَلَك عظيم، بل هو رئيس الملائكة، وأنزل هذا القرآن على قلب النبي بإذن الله، هو عبدٌ مأمور، مخلوقٌ مأمور، فكيف تعاديه أنت ؟ وما ذنبه ؟


                    حقيقةٌ ناصعة أضعها بين أيديكم : ما من فرقةٍ ضالَّةٍ في الإسلام على مدى الحِقَب، خلال التاريخ الإسلامي كله، ما من فرقةٍ ضالةٍ إلا وفيها أربع خصائص : أولاً تأليه الأشخاص، ثانياً اعتماد النصوص الموضوعة والضعيفة، ثالثاً تخفيف التكاليف، رابعاً النزعة العدوانيَّة، فإن وجدت فئةً تؤلِّه شخصاً، أو تعتمد نصَّاً ضعيفاً أو موضوعاً، أو تخفِّف التكاليف لدرجة أنها تجعل من الدين نمطاً يشبه النمط العصري الإباحي، أو ذات نزعةٍ عدوانيَّة فهي فرقة ضالَّة، والإسلام شامخٌ كالطود، وكل الانحرافات في الإسلام أصبحت في مزبلة التاريخ، وتلاشت كبيت العنكبوت، وبقي الإسلام بأصوله الصحيحة، ونصوصه الصحيحة، وقيمه الخالدة شامخاً كالجبل .
                    نحن مأمورون أن نرجع إلى أصل الدين، فأنا أعادي جبريل ولا أعادي النبي !! جبريل ليس له علاقة، هو أنزل هذا الكتاب على قلب النبي بإذن الله، هو مخلوقٌ مأمور، فافتعال العداوات من شيَم أهل الضلالة، نحن عندنا طرفان الحق والباطل ؛ الله عزَّ وجل، ونبيُّه الكريم، وصحابته الكرام، والعلماء العاملون الصادقون، وأولياء الله الصالحون هؤلاء طرفٌ واحد، ومن أنكر شيئاً من كلام الله، أو من نبوَّة رسول الله، أو من حديث رسول الله، هذا الإنكار ينقله إلى الخندق الآخر .

                    (( تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدهما :كتاب الله وسنتي ))
                    [ أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ]

                    تعليق


                    • الفسق والإيمان يتناقضان

                      ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ (99) ﴾

                      آيات بيِّنات، واضحات، نيِّرات، مُقنعات، باهرات :﴿ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) ﴾
                      مثلاً يقول لك إنسان دخله ربوي : هذا الدين لا يتناسب مع العصر، يقول لك : هناك آيات غير معقولة، أمعقول أن يجمد الإنسان ماله ؟ لماذا بدأ يشكُّ في مصداقية كلام الله؟ لأنه انطلق من الربا، إنسان يعيش الاختلاط بكل بشاعته لا يقبل آيات الحجاب أبداً، يرفضها، يقول لك : هذا الحجاب بدعة جاءتنا في العهد العثماني، استمع إلى حجج الفَسَقَة كلهم يتناغمون، كلهم يرفضون الحق، لأنهم إذا رفضوا الحق دافعوا عن أنفسهم، توازنوا، لو قبل معك الحق وهو غير مستقيم انكشف واختل توازنه، صار عنده مشكلة، فلا بد أن يرفض الحق كي يعيد التوازن، فلذلك :
                      ﴿ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ (100) ﴾


                      المؤمن الصادق يتوب توبة واحدة، أما ضعاف المؤمنين كلَّما عقد توبةً نقضها، تغلبه نفسه :

                      ﴿ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾( سورة المؤمنون الآية : 106 )
                      الفسق والإيمان يتناقضان، الإيمان وجهة، والفسق عقبات أمام هذه الوجهة، قال تعالى:
                      ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾[ سورة البقرة: 99 ]

                      الفاسق يوجه الآيات توجيهاً يغطي انحرافاته :

                      حدث عن آية قرآنية أمام عشرة، الذين يكذبون هذه الآية، أو تفسيرها، أو ما تعنيه، أو دلالتها، هم العصاة الفاسقون، المستقيم يقول لك: صدقت ورب الكعبة، هذا هو الحق، غير المستقيم يقول لك: لا أعتقد أن هذه الآية هذا معناها، يحب أن يوجه الآيات توجيهاً يغطي انحرافاته، فإذا قلت له:
                      ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾[ سورة آل عمران: 130 ]
                      قال لك: الآية تنهى عن النِّسب المرتفعة في الربا، ولكن النسب المعتدلة لم ينه الله عنها في نص هذه الآية.


                      النفاق و الكفر :

                      من الذي يرفض الحق؟ الفاسق، قال تعالى:
                      ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾[ سورة البقرة: 99 ]
                      ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾[ سورة القصص: 50]
                      والله سبحانه وتعالى يقول:﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ﴾[ سورة المائدة: 49]
                      أكثر الناس فاسقون، يصلون، ويصومون، ويزكون، وهم فاسقون، وفسقهم حجاب، وصلاتهم سراب، وصومهم جوع وعطش، وحجهم سياحة، وأعمالهم مرفوضة، والله سبحانه وتعالى يقول:﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾[ سورة التوبة: 67]
                      لو كان مستقيماً لما نافق، ولأنه فاسق ينافق، فالفسق من علامات النفاق، والنفاق من لوازمه الكفر.


                      الفاسق إنسان خرج عن أمر الله فنسي هدفه في الحياة :

                      قال تعالى:﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾[ سورة الحشر: 19]
                      نسوا الله فأنساهم أنفسهم، لماذا نسوا الله؟
                      ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾[ سورة الحشر: 19]
                      لأنهم خرجوا عن أمر الله، خرجوا عن أمره فنسوا الله، فلما نسوا الله نسوا أنفسهم، أي نسوا المهمة التي خلقوا من أجلها، نسوا هدفهم في الحياة.
                      الفاسق لا يهديه الله عز وجل و يتوعده بالعذاب الأليم :
                      ثم قال تعالى:﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ([ سورة الصف: 5]
                      الفاسق لا يهديه الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يتوعد الفاسقين ويقول:﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾


                      موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

                      تعليق


                      • الحق صِرف والباطل متنوِّعٌ:

                        ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) سورة البقرة﴾
                        نبذوا واتبعوا، وأي إنسان لا بد من أن يدرك وأن يتَّبع، فالمؤمن ترك الباطل واتبع الحق، والكافر ترك الحق واتبع الباطل، والويل ثمَّ الويل ثم الويل لمن أعرض عن الحق واتجه إلى الباطل، لمن نبذ كتاب الله المُنَزَّلَ من عند الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ حبل الله المتين، صراطه المستقيم، طريق سعادة الإنسان، منهجه القويم ـ واتبع أهواء الناس .
                        أنت لا بد من أن تدع شيئاً وأن تأخذ بشيء، فالمؤمن ـ كما قلت قبل قليل ـ نبذ أقوال البشر، وأهواء البشر، وخرافات البشر،
                        واتبع ما أنزل إلى النبي عليه الصلاة والسلام من عند الله، هناك حقٌ صِرف، وباطلٌ متنوِّعٌ .
                        ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾( سورة الأنعام الآية: 153 )


                        الحق لا يتعدَّد:
                        ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ ﴾( سورة يونس الآية: 32 )
                        لا يرسم بين نقطتين إلا مستقيمٌ واحد، وأي خطٍ مستقيم يأتي فوق الخط المستقيم، الحق لا يتعدَّد، وحينما تستقيم على أمر الله تلتقي مع أخيك حتماً، لقاء حتمي مادمت أنت على صراطٍ مستقيم وأخوك على صراط مستقيم فالخطان المستقيمان يتطابقان، أية تفرقةٍ بين مؤمنين هذا يعني أن أحدهما على حق والثاني على باطل .
                        مثل بسيط: لو أن هناك طريقاً مستقيماً ينتهي بهدف وله بداية، وانطلق اثنان على هذا الطريق بسرعةٍ واحدة، وباتجاه هدفٍ واحد، لقاؤهما حتمي، إلا في حالةٍ واحدة هي أن يسلك الأول هذا الطريق باتجاه هذا الهدف، وأن يدَّعي الثاني أنه على هذا الطريق وهو ليس كذلك، إذاً لا يلتقيان .

                        image.jpeg.f0602bb0ea10bbed6312af81b22c5086.jpeg

                        المعركة بين حقين لا تكون، مستحيل، لأن الحق لا يتعدَّد، وبين حقٍ وباطل لا تطول لأن الله مع الحق، وبين باطلين لا تنتهي لأن الله تخلَّى عنهما معاً، فالأقوى ينتصر، والأكثر حيلةً ينتصر، والأذكى ينتصر .
                        لذلك: هم نبذوا واتبعوا، تركت ملَّة آبائي واتبعت الحق، فأنت لا بد من أن تسأل هذا السؤال: ما الذي تركته في سبيل الله ؟ وما الذي أقبلت عليه في سبيل الله ؟ الإنسان قد يدع حرفةً فيها معصيةٌ لله، هل تركت شيئاً في سبيل الله ؟ هل أعرضت عن نظريَّةٍ باطلة؟ عن تفسيرٍ سخيف ؟ عن اتجاهٍ استحوذ على الناس، هل أعرضت عن بلوى عامَّة عمَّت الناس جميعاً ولم تعبأ بها ؟ هل أنت مع المجموع ؟
                        قال عليه الصلاة والسلام:(( لا تكونوا إمَّعة ))[الترمذي عن حذيفة]
                        من هو الإمعَة ؟ أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت . سؤال وجيه وخطير: ما الذي تركته في سبيل الله وما الذي اتبعت ؟
                        ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) ﴾( سورة الكهف)
                        وقال:
                        ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾( سورة لقمان الآية: 15 )

                        تعليق


                        • الولاء والبراء من خصائص المؤمن:

                          ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) سورة البقرة﴾

                          المؤمن ينبذ طريقة أهل الكفر، قيَمَ أهل الكفر، مبادئ أهل الكفر، الأنماط المعيشيَّة لأهل الكفر، المؤمن لا يرضى أن يقلِّد أهل الكفر في بيته، هناك بيوتات المسلمين ـ مع الأسف الشديد ـ يقلّدون أهل الكفر في أكثر احتفالاتهم، ونشاطاتهم، وسفرهم، وإقامتهم، بل إن نصف كلماتهم ليست عربيَّة، المؤمن يعتزُّ بدينه ويعتزُّ بإسلامه، ويعتزُّ بسنة نبيِّه عليه الصلاة والسلام .

                          هل عندك ما يسمَّى بالبراء والولاء ؟ هل توالي المؤمنين ولو كانوا ضعافاً، ولو كانوا فقراء ؟
                          وهل تتبرَّأ من الكفار والمنحرفين ولو كانوا أقوياء وأغنياء ؟
                          الولاء والبراء من خصائص المؤمن، لا بد من أن تتبرَّأ وأن تتولَّى، ولا تكن كالذي يتولَّى أهل الكفر لما عندهم من دنيا، لما عندهم من مكاسب، لما عندهم من عطاء، ويعرض عن أهل الإيمان لضعفهم،
                          النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال لعدي بن حاتم وكان ملكاً، قال له: " لعلَّه إنما يمنعك من دخولٍ في هذا الدين ما ترى من حاجتهم " .
                          كان الصحابة فقراء جداً، أما الصناديد والأقوياء، وأصحاب الوجاهة، والبأس، والقوة، والأمر، والنهي، كانوا كفاراً:

                          ﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ (27) ﴾(سورة هود )

                          إنك حينما تدع أهل الكفر ولو كانوا أقوياء، وتؤوي إلى أهل الإيمان ولو كانوا ضعفاء فقد واليت وتبرَّأت .
                          ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ِ(13)﴾( سورة الممتحنة)
                          وقال:
                          ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (51) ﴾( سورة المائدة )

                          لكن ضعاف الإيمان يوالون من حادَّ الله ورسوله، لما عندهم من دنيا، لما عندهم من مكاسب، يقول لك: شركة رابحة جداً تبيع الخمر، فيقول:
                          أنا مضطر ماذا أفعل ؟
                          قد يوظِّف ماله في شركة ترتكب المعاصي، وقد يعمل في مهنة تقوم على معصية الله ابتغاء دُنيا يصيبها، أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
                          المؤمن يعتزُّ بدينه وبإسلامه وبسنة نبيِّه عليه الصلاة والسلام:

                          أول شيء بالدرس أنه لا بد من تركٍ ولا بد من تمسُّك، لا بد من إعراضٍ ولا بد من إقبال، ما الذي تركته في سبيل الله ؟ وما الذي أقبلت عليه في سبيل الله ؟ هل انتقلت من خندقٍ إلى خندق ؟
                          هل انتقلت من موقعٍ إلى موقع ؟ هل انتقلت من نمط معيشةٍ إلى نمطٍ آخر؟
                          هل انتقلت من طريقةٍ يألفها الناس وفيها بلوى عامَّة إلى طريقةٍ يحبها النبي عليه الصلاة والسلام وهي نادرةٌ .
                          ((بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء))[رواة مسلم ]

                          موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية

                          تعليق


                          • قُدِّم شيطان الإنس على شيطان الجن لأن خطره أشد:

                            ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ (102)سورة البقرة ﴾

                            الشياطين هم عصاة الجن، والجنُّ فيهم المؤمنون وفيهم الكافرون:
                            ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً(11) ﴾(سورة الجن )

                            الشياطين هم العصاة من الجن الذين عصوا الله عزَّ وجل، فالجن منهم كفار ومؤمنون، والمؤمنون منهم طائعون وعصاة، وكل من عصى الله عزَّ وجل وخرج عن منهجه فهو شيطان ولو كان إنساناً، والدليل:
                            ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ ﴾(سورة الأنعام)

                            قُدِّم شيطان الإنس على شيطان الجن لأن خطره أشد، إنسان يسكن إلى جوارك، زميلك في عملك، رفيقك في دراستك، جارك في بيتك، يحمل شهادة كما تحمل، يعيش كما تعيش لكنَّه شيطان يدعوك إلى المعصية، يدعوك إلى العَصْرَنَة، يدعوك إلى التحلُّل من كل منهجٍ سماوي، يدعوك إلى كسب المال الحرام، يتَّهمك بالجنون إن لم تكسب مالاً حراماً، إن قنعت بالحلال ولو كان قليلاً ولم تطمع بالحرام ولو كان كثيراً يتَّهمك بالجنون، هذا شيطان الإنس، وقُدِّم شيطان الإنس على شيطان الجن لأن شياطين الجن يحتاجون إلى دروسٍ من شياطين الإنس .


                            قال تعالى:
                            ﴿ وَاتَّبَعُوا (102) ﴾
                            قد يقول قائل: لقد كان سياق الآية أن يقول الله عزَّ وجل: واتبعوا ما تلت الشياطين على مُلك سليمان ـ ما تلت الشياطين، لكن الله عزَّ وجل يقول:
                            ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو (102) ﴾
                            معنى هذا أن المعركة بين الحق والباطل مستمرَّة إلى يوم القيامة، ليست هذه قصَّةٌ وقعت وانتهت، شياطين الإنس والجن يتلون الباطل، يلقون الباطل:
                            ﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) ﴾(سورة إبراهيم)

                            تعليق


                            • (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ....)
                              سورة البقرة 102


                              السحر أن تسيطر على المسحور بحيث تجعله يرى ما لم يُرَ:

                              حدَّثني صديق ذهب إلى الهند، رواها لي مباشرةً: أنه رأى ساحراً أمسك بحبلٍ وقذفه إلى الأعلى، فعلِقَ في الأعلى، أمر غلامه أن يصعد على هذا الحبل، فصعد على هذا الحبل حتى غاب عن الأنظار، أمره أن يرجع فلم يرجع فتبعه، فإذا برأسه يقع مقطوعاً وبيديه، لقد غضب الساحر من غلامه الذي لم يرجع، كان هناك سائح يصوِّر، صوَّر هذا المشهد بكل تفاصيله، فلمَّا أراد أن يظهر هذا الفيلم لم يجد شيئاً
                              ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116)﴾

                              السحر أن تسيطر على المسحور بحيث تجعله يرى ما لم يُرَ، إذا مشى الإنسان في الظلام وكان خائفاً يرى أشباحاً تتحرَّك، ليس في البيت شيء، لكن الظلام الدامس، والخوف الشديد، وضعف النفس جعلا الإنسان يرى أشخاصاً يتحرَّكون، علماء النفس يضعون بقعة حبر فيراها كل إنسان بشكل، القضيَّة نفسيَّة، يُعبَّر عنه في علم النفس بالتنويم المغناطيسي، أي يستطيع المنوِّم أن يُري المنَوَّمين أشياء لا وجود لها إطلاقاً والآية واضحة:
                              ﴿ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ(116)﴾( سورة الأعراف)
                              وقال:
                              ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى(66) ﴾(سورة طه )

                              هي لا تسعى، الساحر يستطيع أن يسحر عيون المسحورين ولكن أحداً لا يستطيع أن يسحر عينيه .

                              الدعاء والاستعاذة بالله هما ما يبطل السحر وليس الدجل:

                              سحرة فرعون حينما رأوا العصا أصبحت ثعباناً مبيناً هم سحروا لكنهم لم يُسْحَروا:
                              ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ(46)قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(47)رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ(48)قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ(49) ﴾(سورة الشعراء)
                              إلى آخر الآيات حتى قالوا:
                              ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(72)إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(73)﴾(سورة طه )

                              شائعٌ جداً في العالم الإسلامي أن هناك شيوخاً، لهم عمائم خضراء، يتعاونون مع الجن ليفكوا السحر، ليحبِّبوا الزوجة إلى زوجها، هذا كلُّه دجلٌ ما بعده دجل، ليس إلا الله، وليس إلا الدعاء، وليس إلا أن تستعيذ بالله عزَّ وجل، هؤلاء السحرة يُدَجِّلون وقد يكون لهم مظهر ديني

                              أدلة من القرآن الكريم عن أهمية الاستعاذة بالله:

                              قال تعالى:
                              ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً(6)﴾( سورة الجن )
                              الساحر يعيش فقيراً ويموت فقيراً، ويقنع الناس أنه يفعل ما يريد، قرأت كتاباً فيه بعض الجرائم المُعَلَّلة، رجل يعمل في حقل مكافحة الجريمة، من خلال خبراته ألَّف كتاباً فيه بعض القصص عن بعض الجرائم الواقعيَّة ؛ إحدى المسجونات امرأةٌ تعمل في السحر، اعترفت أنها ترشد المرأة إلى أن تطيع زوجها، طبعاً تدخلها أولاً إلى غرفة مظلمة، والبخور، وترتدي هذه المرأة السواد، وشعرها مُضَّطرب، تحيطها بجو كهنوتي، ثم تأمرها أن تطيع زوجها، وأن تتزيَّن له، وأن تخدمه، الذي أمرتها به هو سببٌ علمي لمحبَّة زوجها لها، لكن هذه المرأة الغبيَّة تتوهَّم أن الساحرة استطاعت أن توفِّق بينها وبين زوجها، علماً أن الأوامر الجزئية التي أعطتها إيَّاها هي كافيةٌ كي تحبِّب المرأة بزوجها والعكس، فيجب أن نتحرَّر من هذه الأوهام أيها الأخوة، ليس القضاء على الشيطان إلا:
                              ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ(36) ﴾( سورة فصلت)
                              وقال:
                              ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201) ﴾( سورة الأعراف)
                              وقال:
                              ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(1)مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ(2) ﴾( سورة الفلق)
                              وقال:
                              ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4) ﴾( سورة الناس)

                              الذي يخنُس، يرتدُّ سريعاً، معك سلاح خطير، يكفي أن تستعيذ بالله بقلبٍ حاضر فينتهي عمل الشياطين جميعاً .

                              تعليق


                              • من هم هاروت وماروت؟
                                ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ(102)﴾
                                الذي ذهب إليه المحقِّقون أن هاروت وماروت كانا رجلين متظاهرين بالصلاح والتقوى في بابل، وهي مدينةٌ بالعراق على نهر الفرات، وكانا يعلِّمان الناس السحر، وبلغ حُسن اعتقاد الناس بهما أن ظنوا أنهما ملكان من السماء، حتى المُبطل له وجه إيجابي، والتمثيل سهل جداً، فهذان الرجلان كانا يبدوان للناس على أنهما رجلان صالحان، حتى أن الناس اعتقدوا أنهما ملكان من السماء، وما يعلِّمانه للناس هو بوحيٍ من الله، هكذا يوهمون الناس، أن ما يعلِّمانه للناس هو بوحي من الله، وبلغ مكر هذين الرجلين ومحافظتهما على اعتقاد الناس الحسن فيهما أنهما صارا يقولان لكل من أراد أن يتعلَّم منهما السحر:
                                ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ (102) ﴾

                                إيَّاك أن تكفُر، هذا فتنة، أي إنما نحن أولو فتنة نبلوك ونختبرك أتكفر أم تشكر، وننصح لك أن لا تكفر . فكل إنسان دجَّال يجب أن يظهر بمظهر المنطق والصلاح، وهذا فرعون نفسه قال :
                                ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ(29) ﴾
                                ( سورة غافر)

                                كل إنسان لا بد أن يكون الكلام الذي يقوله مقبولاً، يقولان هاروت وماروت ذلك ليوهما الناس أن علومهما إلهية، وصناعتهما روحانيَّة، وأنهما لا يقصدان إلا الخير، وقد سمعت آلاف المرَّات: يا أخي هذا إنسان آخى الجن المؤمنين، هدفه طيِّب، هدفه خير ؛ هدفه التوفيق بين الأزواج، هدفه اتساع الرزق، دائماً يغطي الساحر والرجل المتعامل مع الجن نفسه بقرآن، بحديث، بصلاح، بلفَّة خضراء مثلاً، بيته فيه مظاهر كهنوتيَّة، أوراد معيَّنة، تمتمات معيَّنة ـ قال: وأنهما يوهمان الناس أن علومهما إلهية وصناعتهما روحانية، وأنهما لا يقصدان إلا الخير كما يفعل ذلك الدجالون كل زمان ـ هذا شيء متكرِّرـ والله هذه القصَّة التي وردت في القرآن الكريم قبل ألف وخمسمئة عام تتكرَّر كل يوم، إنسان اتخذ مهنة الدجل، ومهنة ابتزاز أموال الآخرين، ويستغل عقول البُسطاء والجهلة، ويوهمهم أوهاماً كثيرة، وأن معه جن، والجن يفك السحر .


                                هاروت وماروت يوهمان الناس أن السحر نزل عليهما من الله فجاء القرآن مكذِّباً لهما:

                                فكل الآية مفتاحها حرفين:
                                ﴿ وَمَا أُنْزِلَ (102) ﴾
                                نافية:
                                ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ (102) ﴾
                                اللذان يدَّعيان أنهما ملكان .


                                لا يستطيع أحد على وجه الأرض أن ينالك بسوء إلا أن يأذن الله
                                وهذا اطمئنان إلهي:


                                قال تعالى:
                                ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ (102) ﴾
                                وكانا يقولان للناس:
                                ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ (102) ﴾
                                تعقيبٌ إلهي:

                                ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (102) ﴾

                                هذا الاطمئنان الإلهي، لا يستطيع كائنٌ من كان على وجه الأرض أن ينالك بسوء إلا أن يأذن الله عزَّ وجل، فكلمة
                                ﴿ ما ﴾هنا نافية
                                ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ (102) ﴾


                                كل نشاطات شياطين الجن التفريق بين الزوجين وكل أعمال الخير التوفيق بين الزوجين :

                                ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ (102) ﴾
                                من قبيل التمثيل وإظهار الأمر في أقبح صورة، أي بلغ من أمر ما يتعلَّمون من ضروب الحيل وطرق الإفساد أن يتمكَّنوا به من التفريق بين أعظم مجتمعٌ في الأرض مجتمع الزوجين .
                                بالمناسبة: كل نشاطات شياطين الجن التفريق بين الزوجين، وكل أعمال الخير التوفيق بين الزوجين . وأنا أقول دائماً في عقود القران: إذا بني الزواج على طاعة الله تولَّى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، وإذا بني على معصية الله تولَّى الشيطان التفريق بينهما.

                                موسوعة النابلسى للعلوم الشرعية

                                تعليق

                                يعمل...
                                X