(والراسخون في العلم)
حرف الجر(في) يجعل (العلم) هو البيئة التي كلما انغمس فيها العبد أمِن من الزلل.
﴿والراسخون في العلم يقولون ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا﴾:
كلما زاد علم العبد زادت خشيته، وتعاظم خوفه من الزيغ بعد الهداية.
﴿ بعد إذ هديتنا ﴾
الهداية للحق أعظم مكافأة للقلوب الصادقة، فما نالها ابن نوح بنبوّة أبيه، ولا حُرِمها سلمان الفارسي بكفر ذويه.
﴿ ربنا ﻻ تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ﴾
لم يُسَمَّ القلب قلباً إﻻ من تقلبه! فالتغير سنة الحياة، وأكثر ما يكون التغير في القلوب،
فاللهم لا تغير قلوبنا إلا إلى أفضل مما هي عليه الآن.
﴿زُين للناس حب الشهوات … والله عنده حسن المآب ﴾
قال القرطبي:وفائدة هذا التمثيل أن الجنة لا تُنال إلا بترك الشهوات، وفطام النفس عنها .
﴿فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾[آل عمران: 25]:
لأن كثيرا من الناس لا يؤمنون به قولا أو عملا.
﴿زين للناس حب الشهوات من النساء﴾:
وقدَّم النساءَ على الكل. قال القرطبيُّ: لكثرة تشوُّق النفوس إليهن؛ لأنهن حبائلُ الشيطان، وفتنة الرجالِ.
﴿ ورضوان من الله أكبر ﴾
رضوان الله أكبر من كل شيء وحتى من الجنة!
ونعيم الجنة الحسي هو أقل نعيم الجنة!
﴿والمستغفرين بالأسحار﴾
في جوف الليل يطلب الناس راحة أبدانهم بالنوم، ويطلب المؤمنون راحة قلوبهم بالاستغفار.
أفضل الاستغفار ما كان في السَّحَر
(والمستغفرين بالأسحار) (وبالأسحار هم يستغفرون).
صابرون وصادقون وقانتون ومنفقون..
ومع ذلك يستغفرون بالأسحار،
فكيف بالمذنبين؟!
من عجز عن القيام في السَّحَر ، فلا يعجز –ولو على فراشه- عن الاستغفار:
﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾
﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ﴾[آل عمران: 24]:
قال أبو عمران الجوني: وهبك تنجو.. بعد كم تنجو؟!
﴿بيدك الخير﴾ [آل عمران: 26]:
لو كان بالحِيَل الغنى لوجدتني ... بأجَلِّ أسباب السماء تعلقي
لكن من رزق الحِجا حُرِم الغنى ... ضدان مفترقان أي تفرق
ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤسُ اللبيب وطيب عيش الأحمق
﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [آل عمران: 27]:
ذكر المفسرون فيها وجوها:
أحدها: يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.
والثاني: يخرج الحيوان- وهو حي- من النطفة- وهي ميتة-، والدجاجة- وهي حية- من البيضة أو العكس.
والثالث: يخرج السنبلة من الحبة وبالعكس، والنخلة من النواة وبالعكس.
﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: 29]:
لو علم أحدنا أن السلطان سلَّط عليه عيونا، وبعث من يتجسس عليه، لأخذ حذره، وراجع نفسه في كل ما يصدر عنه، فإذا كان العليم بالسر وأخفى هو المهيمن عليك،
فكيف لا يظهر هذا على قولك وعملك؟!
﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 29]:
إرشاد إلى تطهير القلوب، واستحضار عِلمِ الله في كل وقت، فيستحي العبد أن يرى الله قلبه مسكنا للأفكار الرديئة ، بل يشغله يما يُقرِّبُ إلى الله.
﴿فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ﴾ [آل عمران: 32]:
قال القشيري: «لم يقل العاصين بل قال الكافرين، ودليل الخطاب أنه يحب المؤمنين وإن كانوا عصاة».
﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو﴾:
ما أعظم الشاهد وأجلَّ المشهود به
قال ابن كثير: قرن الله شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال:
{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم}
وهذه خصوصية عظيمة للعلماء.
﴿فقل أسلمتُ وجهيَ لله﴾:
قال البغوي: وإنّما خصَّ الوجه؛ لأنه أكرمُ الجوارح للإنسان، وفيه بهاؤه، فإذا خضع وجهه للشيء، فقد خضع له جميع جوارحه..
(وتنزع المُلك ممن تشاء):
لايتخلى أرباب المُلك عن مُلكهِم طواعية!
(بيدك الخير):
تقديم يفيد الحصر، عنوان شكاواك يجب أن يتغير بعد اليوم.
(ويحذركم الله نفسه):
قال الحسن البصري: من رأفته بهم أن حذَّرهم نفسه!
كم من معصية تُرتَكَب اليوم، يودُّ صاحبها غداً
(لو أنَّ بينها وبينهُ أَمَداً بعيدا)
بقدر اتباعك للنبي ﷺ تكون درجتك عند ربك.
﴿ فاتبعوني يُحببكم الله ﴾
﴿ قُلْ إِنْ كُنتم تُحِبُّونَ الله فَاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله ﴾
الحب الحقيقي ليس بحلو الأقوال بل بصدق الأفعال.
(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني):
قال السعدي: هذه الآية هي الميزان التي يعرف بها من أحب الله حقيقة، ومن ادعى ذلك دعوى مجردة، فعلامة محبة الله اتباع محمد ﷺ
﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32]:
إياك أن تنكر حكما شرعيا ثابتا لأنك لا تقدر عليه؛ وإلا نقلت نفسك خارج دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر والعياذ بالله.
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33]:
اصطفاء الله لآدم بأن خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلَّمه أسماء كل شيء.
اصطفاء الله لنوح فجعله أول رسول إلى أهل الأرض، ونجى من اتبعه في السفينة، وأغرق من عصاه.
واصطفاء الله لآل إبراهيم أي عشيرته وقرابته، وهم إسماعيل وإسحاق والأنبياء من أولادهما الذين من جملتهم النبي ﷺ.
واصطفاء الله لآل عِمْرانَ إذ جعل فيهم عيسى عليه السلام، والمراد بعمران هذا والد مريم أم عيسى عليهما السلام.
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33]:
قال الإمام السيوطي: «يُستدل بهذه الآية على تفضيل الأنبياء على الملائكة لدخولهم (أي الملائكة) في العالمين».
﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 34]:
ليست المسألة وراثة اللحم والدم، بل إرث الدين والقيم، وإلا فابن نوح ليس من أهله
﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 34]: و
المعنى: إنما يصطفي الله من خلقه من علم استقامته قولا وفعلا، وهو مِثْلُ قوله تعالى:
﴿الله أعلم حيث يجعل رسالاته﴾.
﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: 46]:
الكلام في المهد معجزة، لكن ما المعجزة في أن يتكلم الكهل؟!
والجواب: إشارة إلى معجزة أخرى. قال ابن عباس: ﴿وَكَهْلًا﴾ ذلك بعد نزوله من السماء عليه السلام.
﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 47]:
قال الطاهر بن عاشور: «والاستفهام في قولها: ﴿أنى يكون لي ولد﴾ للإنكار والتعجب، ولذلك أجيب جوابين؛
أحدهما: ﴿كذلك الله يخلق ما يشاء﴾، فهو لرفع إنكارها.
والثاني: ﴿إذا قضى أمرا﴾ لرفع تعجبها».
﴿قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: 47]:
صرَّح هنا بقوله: ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾، ولم يقل: يفعل كما في قصة زكريا، لأن الخلق بلا سبب،
فليس هناك أب لعيسى، بعكس يحيى الذي جاء من أب وأم
تعليق