إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

جعلناه نورًا...خالد أبوشادي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16


    (والراسخون في العلم)
    حرف الجر(في) يجعل (العلم) هو البيئة التي كلما انغمس فيها العبد أمِن من الزلل.

    ﴿والراسخون في العلم يقولون ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا﴾:
    كلما زاد علم العبد زادت خشيته، وتعاظم خوفه من الزيغ بعد الهداية.

    ﴿ بعد إذ هديتنا ﴾
    الهداية للحق أعظم مكافأة للقلوب الصادقة، فما نالها ابن نوح بنبوّة أبيه، ولا حُرِمها سلمان الفارسي بكفر ذويه.

    ﴿ ربنا ﻻ تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ﴾
    لم يُسَمَّ القلب قلباً إﻻ من تقلبه! فالتغير سنة الحياة، وأكثر ما يكون التغير في القلوب،
    فاللهم لا تغير قلوبنا إلا إلى أفضل مما هي عليه الآن.

    ﴿زُين للناس حب الشهوات … والله عنده حسن المآب ﴾
    قال القرطبي:وفائدة هذا التمثيل أن الجنة لا تُنال إلا بترك الشهوات، وفطام النفس عنها .

    ﴿فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾[آل عمران: 25]:
    لأن كثيرا من الناس لا يؤمنون به قولا أو عملا.



    ﴿زين للناس حب الشهوات من النساء﴾:
    وقدَّم النساءَ على الكل. قال القرطبيُّ: لكثرة تشوُّق النفوس إليهن؛ لأنهن حبائلُ الشيطان، وفتنة الرجالِ.

    ‏﴿ ورضوان من الله أكبر ﴾
    رضوان الله أكبر من كل شيء وحتى من الجنة!
    ونعيم الجنة الحسي هو أقل نعيم الجنة!

    ﴿والمستغفرين بالأسحار﴾
    في جوف الليل يطلب الناس راحة أبدانهم بالنوم، ويطلب المؤمنون راحة قلوبهم بالاستغفار.

    أفضل الاستغفار ما كان في السَّحَر
    (والمستغفرين بالأسحار) (وبالأسحار هم يستغفرون).

    صابرون وصادقون وقانتون ومنفقون..
    ومع ذلك يستغفرون بالأسحار،
    فكيف بالمذنبين؟!

    من عجز عن القيام في السَّحَر ، فلا يعجز –ولو على فراشه- عن الاستغفار:
    ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾



    ﴿ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ﴾[آل عمران: 24]:
    قال أبو عمران الجوني: وهبك تنجو.. بعد كم تنجو؟!


    ﴿بيدك الخير﴾ [آل عمران: 26]:
    لو كان بالحِيَل الغنى لوجدتني ... بأجَلِّ أسباب السماء تعلقي
    لكن من رزق الحِجا حُرِم الغنى ... ضدان مفترقان أي تفرق
    ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤسُ اللبيب وطيب عيش الأحمق

    ﴿تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [آل عمران: 27]:
    ذكر المفسرون فيها وجوها:
    أحدها: يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.
    والثاني: يخرج الحيوان- وهو حي- من النطفة- وهي ميتة-، والدجاجة- وهي حية- من البيضة أو العكس.
    والثالث: يخرج السنبلة من الحبة وبالعكس، والنخلة من النواة وبالعكس.

    ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: 29]:
    لو علم أحدنا أن السلطان سلَّط عليه عيونا، وبعث من يتجسس عليه، لأخذ حذره، وراجع نفسه في كل ما يصدر عنه، فإذا كان العليم بالسر وأخفى هو المهيمن عليك،
    فكيف لا يظهر هذا على قولك وعملك؟!

    ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 29]:
    إرشاد إلى تطهير القلوب، واستحضار عِلمِ الله في كل وقت، فيستحي العبد أن يرى الله قلبه مسكنا للأفكار الرديئة ، بل يشغله يما يُقرِّبُ إلى الله.

    ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ﴾ [آل عمران: 32]:
    قال القشيري: «لم يقل العاصين بل قال الكافرين، ودليل الخطاب أنه يحب المؤمنين وإن كانوا عصاة».

    ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو﴾:
    ما أعظم الشاهد وأجلَّ المشهود به

    قال ابن كثير: قرن الله شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال:
    {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم}
    وهذه خصوصية عظيمة للعلماء.

    ﴿فقل أسلمتُ وجهيَ لله﴾:
    قال البغوي: وإنّما خصَّ الوجه؛ لأنه أكرمُ الجوارح للإنسان، وفيه بهاؤه، فإذا خضع وجهه للشيء، فقد خضع له جميع جوارحه..

    (وتنزع المُلك ممن تشاء):
    لايتخلى أرباب المُلك عن مُلكهِم طواعية!

    (بيدك الخير):
    تقديم يفيد الحصر، عنوان شكاواك يجب أن يتغير بعد اليوم.

    (ويحذركم الله نفسه):
    قال الحسن البصري: من رأفته بهم أن حذَّرهم نفسه!

    كم من معصية تُرتَكَب اليوم، يودُّ صاحبها غداً
    (لو أنَّ بينها وبينهُ أَمَداً بعيدا)



    بقدر اتباعك للنبي ﷺ تكون درجتك عند ربك.
    ﴿ فاتبعوني يُحببكم الله ﴾

    ﴿ قُلْ إِنْ كُنتم تُحِبُّونَ الله فَاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله ﴾
    الحب الحقيقي ليس بحلو الأقوال بل بصدق الأفعال.

    (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني):
    قال السعدي: هذه الآية هي الميزان التي يعرف بها من أحب الله حقيقة، ومن ادعى ذلك دعوى مجردة، فعلامة محبة الله اتباع محمد ﷺ

    ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32]:
    إياك أن تنكر حكما شرعيا ثابتا لأنك لا تقدر عليه؛ وإلا نقلت نفسك خارج دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر والعياذ بالله.

    ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33]:
    اصطفاء الله لآدم بأن خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلَّمه أسماء كل شيء.
    اصطفاء الله لنوح فجعله أول رسول إلى أهل الأرض، ونجى من اتبعه في السفينة، وأغرق من عصاه.
    واصطفاء الله لآل إبراهيم أي عشيرته وقرابته، وهم إسماعيل وإسحاق والأنبياء من أولادهما الذين من جملتهم النبي ﷺ.
    واصطفاء الله لآل عِمْرانَ إذ جعل فيهم عيسى عليه السلام، والمراد بعمران هذا والد مريم أم عيسى عليهما السلام.



    ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33]:
    قال الإمام السيوطي: «يُستدل بهذه الآية على تفضيل الأنبياء على الملائكة لدخولهم (أي الملائكة) في العالمين».

    ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 34]:
    ليست المسألة وراثة اللحم والدم، بل إرث الدين والقيم، وإلا فابن نوح ليس من أهله

    ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 34]: و
    المعنى: إنما يصطفي الله من خلقه من علم استقامته قولا وفعلا، وهو مِثْلُ قوله تعالى:
    ﴿الله أعلم حيث يجعل رسالاته﴾.

    ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [آل عمران: 46]:
    الكلام في المهد معجزة، لكن ما المعجزة في أن يتكلم الكهل؟!
    والجواب: إشارة إلى معجزة أخرى. قال ابن عباس: ﴿وَكَهْلًا﴾ ذلك بعد نزوله من السماء عليه السلام.

    ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 47]:
    قال الطاهر بن عاشور: «والاستفهام في قولها: ﴿أنى يكون لي ولد﴾ للإنكار والتعجب، ولذلك أجيب جوابين؛
    أحدهما: ﴿كذلك الله يخلق ما يشاء﴾، فهو لرفع إنكارها.
    والثاني: ﴿إذا قضى أمرا﴾ لرفع تعجبها».

    ﴿قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: 47]:
    صرَّح هنا بقوله: ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾، ولم يقل: يفعل كما في قصة زكريا، لأن الخلق بلا سبب،
    فليس هناك أب لعيسى، بعكس يحيى الذي جاء من أب وأم
    التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى; الساعة 25-07-2018, 02:05 AM.

    تعليق


    • #17
      {إني نذرت لك ما في بطني محررا}
      كانوا يجهِّزون أبناءهم لحمل همِّ الدين قبل أن يولدوا، فما عذر من لم يحمل همَّ دينه أو أمته من مهده إلى لحده!.

      همُّ صلاح الذرية، واستعمالهم في مرضاة الله باب سبق تجاوز به الصالحون عمل اليوم إلى التخطيط للغد، فقالت امرأة عمران:
      ﴿إني نذرت لك ما في بطني محررا﴾.

      ﴿قالت رب إني وضعتها أنثى﴾:
      تمنَّت أن يكون حملها ذكرا، ولم تعلم أن البركة في أن تحمل بطنها أنثى، وأنها ستكون أُمَّ نبي من أولي العزم من الرسل (والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

      زكريا لم يسأل ربه الولد إلا حين سمع مريم تقول:
      (هو من عند الله إن الله يرزق)،
      فبعض ما تسمع من كلمات هو رسائل من الله إليك، لتنتبه وتتعرض لفضله!

      ﴿كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا﴾ ﴿وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك﴾ ..
      في المحاريب أرزاق تنتظر!

      (فخرج على قومه من المحراب) (كلما دخل عليها زكريا المحراب) (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب):
      هل عرفت الآن مكان الهِبات والبشريات والأعطيات.

      ‏(يُصَلي في المِحراب أنَّ اللّهَ يُبشرك):
      كلما دنوتَ من موضع السجود،اقتربت منك بشائر المعبود.



      (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا)
      يا من ضاق به الرزق، ها هو المحراب بين يديك.

      لا تنتظروا-معشر الآباء-حتى يكبر أولادكم لتدعوا لهم بالصلاح، بل ادعوا لهم قبل مولدهم وقولوا:
      ﴿رب هب لي من لدنك ذرية طيبة﴾

      8 (وجيها في الدنيا والآخرة)
      ممكن أن تحوز أعظم الألقاب في الدنيا: رئيس، وزير، أمير، لكن ما الفائدة إن كانت العاقبة جهنم؟! الأهم: وجاهتك في الآخرة

      (نحن أنصار الله!):
      الحرمان الحقيقي أن لا تكون من أنصار الله في معركة الصراع بين الحق والباطل.

      الداعيةُ الحكيمُ هو من يؤتيه الله جوامع الكلم، فيألِّف بها قلوب الناس:
      ﴿ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ﴾

      ( والله واسع):
      ما ضاق أمر من ورائه رب واسع.

      اﻷمانة هي اﻷمانة ولو كانت في دينار واحد:
      (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار ﻻ يؤده إليك إﻻ ما دمت عليه قائما ).




      (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون):
      لم يشغلهم تعليم الناس عن تعليم أنفسهم.

      (ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) :
      قدَّم تعليم القرآن على تلاوته؛ فمن بذل القرآن لغيره بورك له في تلاوته.

      (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ )
      تأييس لأهل الكتاب من النجاة في الآخرة، وردٌّ لقولهم: نحن على ملة إبراهيم، فنحن ناجون على كل حال.

      ﴿لن تنالوا البِر حتى تنفقوا مما تحبون﴾
      قال ابن عباس: البِر هو الجنة، أي لن تدخلوا الجنة ﴿حتى تنفقوا مما تحبون﴾ حتى تبذلوا ما تحب النفس.

      قال مجاهد: كان ابن عمر قائما يصلي، فأتى على هذه الآية:
      {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92]،
      فأعتق جارية له وهو يصلي قد أراد أن يتزوجها.

      جاء سائل إلى الربيع بن خثيم يسأله، فخرج إليه في ليلة باردة، فنزع برنسا له فكساه إياه، ثم تلا هذه الآية:
      {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92].

      كان عبد الله بن عمر يتصدق بالسكر، ويقول: سمعت الله يقول:
      ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )
      والله يعلم أني أحب السكر

      ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران: 62]:
      إشارة إلى ما تقدم من نبأ عيسى، وكونه مخلوقا من غير أب، فهذا هو الحق لا ما يدعيه النصارى من كونه إلها أو ابن الله، ولا ما يدعيه اليهود من كونه ابن زنا.
      قال البقاعي: «بدأ سبحانه القصة أول السورة بالإخبار بوحدانيته مستدلا على ذلك بأنه الحيّ القيّوم تصريحا، ثم ختم ذلك إشارة وتلويحا بأن عيسى عبد الله ورسوله».

      ﴿بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 76]:
      العهد يشمل عهدين:
      العهد بين العبد وربه، وهو جميع ما أوجبه الله على عباده، والعهد الذي بينه وبين العباد، والتقوى خير ما يحتاج إليه العبد ليحافظ على عهده مع الله ومع الناس.
      تم تعديل الخميس في 04:15 بواسطة امانى يسرى محمد

      ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 54]:
      سُنَّة الاستدراج! قال ابن عباس: «كلما أحدثوا خطيئة جدَّدْنا لهم نعمة».

      ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 54]:
      مكر الله بإلقاء شبه عيسى على غيره، ورفْع عيسى إليه، وذلك أن اليهود لما اجتمعوا على قتل عيسى دخل البيت هاربا منهم، فرفعه الله من كوة البيت إلى السماء، فقالوا لرجل منهم خبيث يقال له يهوذا: ادخل عليه فاقتله، فدخل البيت، فلم يجد هناك عيسى، وألقى الله عليه شبه عيسى، فلما خرج رأوه على شبه عيسى، فأخذوه وقتلوه وصلبوه.

      ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: 55]:
      ليس من الوفاة وهي الموت، بل من التوفي وهو أخذ الشيء تاما وافيا، فالآية بمعنى: قابضك من الأرض ورافعك إلى السماء بجسدك وروحك، وهذا قول جمهور العلماء. قال القرطبي: «قال الحسن وابن جريج: معنى متوفيك: قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت، مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته».

      ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [آل عمران: 57]:
      توفية الأجور جاءت بصيغة المضارع، وليس المستقبل (سيُوفيهم)؛ لإفادة أنها حالية ومستقبلية، فالحالية العاجلة مثل رضا الله عنهم، وبركته معهم، والحياة الطيبة، وحسن الذكر، والقبول عند الخلق، والمستقبلية ما يكون في الآخرة.

      ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 57]:
      تغيَّر رئيسه نحوه فاضطرب وخشي العواقب، وأما الله فلا يخطر ببال الظالم، ولا يأبه إن كان لا يحبه أو لا.

      ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]:
      هذا دليلٌ على صحة القياس، فالشبه بينهما أنهما خُلِقا من غير أب.
      معجزة في آدم أقوى من معجزة عيسى عليه السلام، فعيسى قد امتنع عنصر الأبوة فيه، وآدم امتنع فيه عنصر الأبوة والأمومة.




      قال ابن عباس: «إذا استصعبت دابة أحدكم أو كانت شموسا، فليقرأ في أذنها هذه الآية:
      «﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾».

      ﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾[آل عمران: 83]:
      المؤمنون مستسلمون له اختيارا، والكافرون مستسلمون لقضائه وقدره إجبارا.
      قال مجاهد: «سجود المؤمن طائعا، وسجود ظل الكافر كرها».

      ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 84]:
      خاصية انفرد بها المسلمون عن كل من ادعي له دينا، وهي أننا نؤمن بجميع الرسل، أما اليهود والنصارى فيؤمنون برسلهم، ويكفرون بغيرهم، فيفرِّقون بين الرسل، ويفرقون كذلك بين الرسل والكتب، فيؤمنون بكتابهم ويكفرون بغيره من الكتب التي أنزلها الله، مع أن رسولهم الذي زعموا أنهم آمنوا به، قد صدَّق سائر الرسل، وخاصة محمد ﷺ، فإذا كذَّبوا محمدا، فقد كذبوا رسولهم.

      ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾[آل عمران: 86]:
      من عرف الحق ثم تركه، وعرف الباطل فآثره، عاقبه الله بالانتكاس وانقلاب القلب وحرمان الهداية، جزاء وفاقا.

      ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[آل عمران: 89]:
      قال مجاهد: جاء الحارث بن سُوَيد، فأسلم مع النبي ﷺ، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه، فأنزل الله عز وجل فيه القرآن: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ إلى ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ، قال: فحملها إليه رجل من قومه، فقرأها عليه، فقال الحارث: إنك والله ما علمتُ لصَدُوقٌ، وإنّ رسول الله ﷺ لأصدقُ منك، وإنّ الله عز وجل لأصدق الثلاثة. قال: فرجع الحارث ، فأسلم ، فحسن إسلامه.



      ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ﴾[آل عمران: 90]:
      كيف لا تُقبل توبتهم وباب التوبة مفتوح؟!
      والجواب ثلاثي:
      - كناية عن أنهم لا يتوبون، فيقبل الله توبتهم.
      - أو الإخبار بأن الكفر قد رسخ في قلوبهم، فصار سجية لا يتحولون عنها، فإذا أظهروا التوبة كانوا كاذبين.
      - أو المراد من ارتدوا عن الإسلام وماتوا على الكفر، فالمراد بالازدياد الاستمرار وعدم الإقلاع.

      ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ﴾[آل عمران: 91]:
      قال النبي ﷺ: «ويؤتى بالرجل من أهل النار، فيقول له: كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب! شر منزل، فيقول له: أتفتدي منه بطلاع الأرض ذهبا؟ فيقول: أي رب .. نعم، فيقول: كذبت! قد سألتك أقل من ذلك وأيسر، فلم تفعل، فيُردُّ إلى النار» صحيح الجامع رقم: 7996


      تعليق


      • #18


        الجزء الرابع

        من لم يحج حج الفريضة وهو قادر عليه، فقد كفر بنعمة الله عليه:
        ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾

        ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً .. )
        كلُّ الحبال الّتي تتشبَّث بها قد تنقطع، إلا حبل الله !!

        (فأصبحتم بنعمته إخوانا):
        الأخوة في الله نعمة، فهل أديتَ شكرها؟!

        لا فلاح لأمة ليس فيها مصلحون، مهما كثر فيها الصالحون:
        (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).

        ﴿ ولتكن منكم أمة يدعون...ويأمرون...وينهون.. وأولئك هم المفلحون﴾
        حين عظَّمنا أمر الله عظُم قدرنا، وحين هان علينا أمر الله هُنَّا عليه.

        ﴿ ولتكن منكم أُمّةٌ يدعون إلى الخير ﴾
        إن لم تكن معهم داعيا، فلا أقل من أن تستجيب لدعواتهم؛ حتى تُحشَر في ركابهم.


        (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا):
        قدَّم التفرق على الاختلاف، لأن اختلاف (الأقوال) يسبقه (تفرق) القلوب.

        قال بعد ذكر آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
        ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرّقوا واختلفوا... ﴾؛
        لأن ترك هذه الشعيرة موجب للفرقة والاختلاف.

        ﴿يوم تبيض وجوه وتسود وجوه﴾:
        كل عمل تعمله اليوم إما أن يبيِّض وجهك يوم القيامة أم يسوِّده، فراجع أعمالك لأن بها لون وجهك ومصيرك غدا.

        ﴿أخرجت للناس﴾:
        الناس في هذا العالم في أمسِّ الحاجة إليكم.. أكبر بكثير مما تتصورون.



        ﴿كنتم خير أمة﴾
        مجرد الانتماء لهذه الأمة لا يقدِّم أو يؤخِّر، ولا يرفع أو يخفض!
        فخيرية الأمة معلَّقة بهذا الشرط:
        ﴿تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾.

        (خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس!) أمة فريدة بين الأمم !
        أُخرِجت خصيصا لهم! كأنها من نسيج آخر غير نسيج الأمم.

        ( كنتم خيرَ أُمّةٍ أُخرجَت للنّاس):
        للنـاس وليس للمسلمين، فالمسلم خير للبشرية جمعاء.


        (لن يضروكم إلا أذى):
        تسلية للخائفين، فمهما تسلط عليكم الأعداء لن يضروكم إلا أذى يسيرا، ولن تكون لهم العاقبة.

        { يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون }:
        قال ابن عطية: «قيام الليل لقراءة العلم المبتغى به وجه الله داخل في هذه الآية».

        (قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر):
        الألسنة مغارف الصدور.

        ﴿ بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ﴾
        أخفوا بغضهم، ففضحهم الله بفلتات ألسنتهم.

        إياك أن تطلب الاستشارة أو النصح إلا من مؤمن:
        (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا).

        ( تحبونهم ولايحبونكم):
        كان المؤمنون يحبون المنافقين بناءا على ظاهر حالهم، فالمؤمن ي
        حكم على الظاهر ولا ينبش أو يفتش في البواطن.


        (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا):
        الوقاية من كيد العدو سبيلها الأوحد: التقوى والصبر.

        سورة آل عمران يد حانية ومفتاح سكينة غامرة لمن طال طلبه للرزق حتى يئس
        (فنادته الملائكة.. أن الله يبشرك بيحيى)،
        ولطالبي النصر والفرَج:
        (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة).




        اختصار الطريق إلى النصر يكون بطلبه من الله وحده، وإلا دخلنا في المتاهة:
        (وما النصر إلا من عند الله).

        نصَرهم الله يوم بدر بخمسة آلاف من الملائكة، وحتى لا تتعلق القلوب بالأسباب وتغفل عن رب الأسباب قال:
        (وما النصر إلا من عند الله!).


        (ليس لك من الأمر شيء):
        مكان النصر وزمانه ليس لك ولو كنتَ نبيا!

        ‏(ليس لك من الأمر شيء): قال السعدي:
        «إنما عليك البلاغ وإرشاد الخلق والحرص على مصالحهم، وإنما الأمر لله هو الذي يدبر الأمور، ويهدي من يشاء، ويضل من يشاء».

        المؤمن الحق لا ينتظر شواهد من الواقع ليمتثل أمر الله، بل يبادر بتنفيذ الأمر مباشرة بعد أن قرأ:
        (ياأيها الذين آمنوا لاتأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله).

        (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) :
        أمرنا بالمسارعة إلى المغفرة؛ لأن بابها يُغلَق بموت الجسد الذي يأتي فجأة، وموت القلب الذي يمنع من التوبة.

        ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة ﴾:
        هل رأيت كريما يأمر من يغدق عليه بالإسراع لنيل ما لديه؟!
        ما أكرم الله رب العالمين!

        ﴿وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة﴾:
        قال ﷺ:
        (التُّؤَدَةُ في كل شيءٍ إلا في عملِ الآخرة).

        ﴿ ....للمتقين • الذين ينفقون في السراء والضراء ﴾:
        جعل ربنا أول صفات المتقين أنهم ينفقون؛ لأن الإنفاق دليل يقين بالآخرة وصدق إيمان بالجزاء.

        الكاظمين (الغيظ): ليسوا جمادات لا تشعر ولا تحس،
        بل لحم ودم يشعر بنار الغيظ والألم، لكنه يحبسه.




        (والعافين عن الناس)
        قال الحسن بن علي: «لو أنَّ رجلاً شتَمني في أُذني هذه واعتذر في أُذني الأُخرى لقبِلتُ عُذرَه».

        ليست الغرابة في السقوط في الذنب، لكن الغرابة ألا تحاول النهوض من سقطتك:
        (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم).

        (والذين إذا فعلوا فاحشة أوظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم):
        أخطر من الوقوع في الحرام، أن تُحرَم الإحساس بمرارة الآثام!

        (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم .. )
        يروى أن ابن مسعود قال: هذه الآية خير لأهل الذنوب من الدنيا وما فيها !!

        قال ثابت البناني: بلغني أن إبليس لما نزلت هذه الآية
        {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بكى .

        ‏﴿ ومن يغفر الذنوب إلا الله ﴾:
        مهما عفا عنك البشر سيظلون يحتفظون بشيء ما في قلوبهم نحوك، الله وحده هو الذي يعفو ويمحو زللك.

        (خالدين فيها):
        اعمل من الصالحات بقدر بقائك في الجنة، وما أكرم من يكافئ على العمل المحدود بثواب يتجاوز العقول والحدود.

        المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة الوقوع في الحرام فسماهم الله متقين.


        التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى; الساعة 27-07-2018, 03:50 AM.

        تعليق


        • #19
          القرآن مليء بما يبعث على التفاؤل:
          ﴿ لا تقنطوا ﴾ ﴿ ولا تيأسوا ﴾ ﴿ ولا تهِنوا ﴾ ﴿ ولا تحزنوا ﴾
          فتفاءلوا يا أهل القرآن.

          (ولا تهنوا ولا تحزنوا)
          لو قالها لك أحد أحبابك لخفَّف أحزانك!
          فاسمعها من الله يواسيك ويخفِّف مآسيك..

          (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين):
          للعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان.

          (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين):
          قال الألوسي: فلا تهنوا ولا تحزنوا، فالإيمان يوجب قوة القلب، ومزيد الثقة بالله، وعدم المبالاة بأعدائه.

          (وتلك الأيام نداولها بين الناس)
          لا تشمت يوما بغيرك ؛ فالأيام دوّارة.

          (ويتخذ منكم شهداء..)
          الشهادة ليست صدفة أو خبط عشواء، إنما اتخاذ من الله واصطفاء.

          (ويتخذ منكم شهداء!)
          يمشي الشهداء بيننا اليوم ولا نشعر بهم، لكن عين الله ترعاهم وتحرسهم،
          فإذا اقترب موعد اللقاء، شرَّفهم الله بالموت في سبيله.

          ( وتلك الأيام نداولها بين الناس)
          يا صاحب الكرب: سُنَّة الله قضت أن يومك الجميل قادم حتما.

          "وتلك الأيام نداولها بين الناس"
          الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة، هما كتعاقب الليل والنهار والحر والبرد، سُنة من سنن الكون.




          ﴿وليمحِّص الله الذين آمَنُوا﴾:
          أي يختبرهم حتى يُخلِّصهم بالبلاء من العيوب والأمراض والعلل،
          كالذهب الخالص يتخلص من الشوائب بالنار، فيصير نقيا لا خبث فيه.

          (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين):
          كلما عظم المطلوب صعبت وسيلته، وأعظم مطلوب هو الجنة.

          ﴿والله يُحب الصابرين﴾:
          افترِض أنك لم ترَ عاقبة الصبر في الدنيا، ألا تكفيك محبة الله؟!


          الذنوب تؤخِّر النصر، لذا شُرِع الاستغفار قبل الدعاء بالنصر
          (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين).

          كان أتباع الرسل إذا لقوا عدوهم خافوا عاقبة تقصيرهم وتأثير ذنوبهم، فقالوا:
          (ربنا اغفر لنا ذنوبنا،وإسرافنا في أمرنا)




          (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة):
          ثواب الدنيا تعتريه الأكدار، لذا لم يصفه بالحسَن، بعكس نعيم الجنة الذي لا كدر معه، فهو الحُسْن كله.

          (بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ):
          الفرَج عنده، والنصر عنده، والأمن عنده، والسعادة عنده، والخير كله عنده، فهنيئا لك إن تولاك!

          (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب):
          قال ابن تيمية: تخويف الكفار والمنافقين وإرعابهم هو سلاح رباني وفضل إلهي لا دخل للمؤمنين فيه.

          إذا خشيت سطوة جبار أو ظلم ظالم أو أمرا تخشى عاقبته، فاقرأ:
          (قل إن الأمر كله لله)،
          ثم نم قرير العين!


          بعض ذنوبك أو نياتك السيئة؛ تكون سببا في تسلط الشيطان عليك وصرفك عن الحق!
          ﴿ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ﴾

          (لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا):
          (لو) حرف يفتح باب الحسرة على ما فات، والتردد في ما هو آت، لا تقل: لو!

          ﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب ﻻنفضوا من حولك﴾:
          النفوس تنفر من الغليظ القاسي مهما بلغ من العلم وال
          حكمة والخبرة.

          (ولو كنت فظا غليظ القلب ﻻنفضوا من حولك):
          كل من (انفضَّ) الناس من حوله، فعليه أن يراجع (فظاظته).

          (وشاورهم في الأمر):
          تعجَّب ممن استبد برأيه ولم يشاور أحدا، وقد شاور خير الخلق وصفوة رسل الله أصحابه.




          (ولو كنت فظا غليظ القلب ﻻنفضوا):
          قرن بين فظاظة القول وغلظة القلب، فتعرف على طبيعة قلبك عن طريق مراقبة ألفاظك.

          ﴿فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾
          قال القشيري: وحقيقة التوكل شهود التقدير، واستراحة القلوب عن كَدِّ التدبير.

          ( وشاورهم في الأمر ﴾:
          توجيه رباني ومنهجٌ محمدي.

          ﴿ ما أريكم إلا ما أرى ﴾
          أسلوب فرعوني ومنهج استبدادي!
          لا تتفرعن أو تستبد!

          ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾:
          المشورة تلقيح الرأي بآراء أخرى كما قال الشاعر:
          شاوِر سواك إذا نابتك نائبة ... يوما وإن كنتَ من أهل المشوراتِ

          سين: لم تحتاج المشورة ولو كنت من أهل الرأي والمشورة؟!
          جيم: فالعين تنظر منها ما دنا ونأى ... ولا ترى نفسها إلا بمرآة




          ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)
          (سوء الخلق) كفيل أن يبدِّد (كثرة العلم).

          كلما كسلت عن الطاعات وضعفت عن المسارعة في الخيرات، فتذكر قوله:
          (هم درجات عند الله)،
          فدرجتك يوم الجزاء بحسب الاجتهاد.

          ﴿أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ﴾
          لا تلومن إﻻ نفسك، وفتِّش عن تقصيرك قبل أن تتهم غيرك..
          هذه وصية القرآن.

          (قل هو من عند أنفسكم):
          لم يكن على وجه الأرض أحب إلى الله من الصحابة، ومع هذا خاطبهم بهذا الخطاب؛ لأن من يحبك يضعك أمام مسؤولياتك دون مواربة، ولا يحابيك.

          (أحياءٌ عند ربهم يرزقون)
          قدَّم (الرب) على (الرزق) لأن جوار الرب أعظم رزق.


          (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْح):
          أصدق الحب في استمرار البذل رغم الجراح.

          (وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل):
          كان معاوية رضي الله عنه يقول: إني لأستحيي أن أَظلِم من لا يجد عليّ ناصرًا إلا الله.

          تتعلّق القلوب عند الشدة بالخلق، لذا شرع الله لنا أن نقول:
          (حسبنا الله ونعم الوكيل)
          عند كل شدة؛ حتى يصرف العبد هَمَّه عمن لا ينفع أو يضر إلى من بيده النفع والضر.

          تعليق


          • #20
            (حسبنا الله ونعم الوكيل):
            قالها المسلمون يوم الجراح والآلام في أحد

            (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء) ،
            فحرِيٌّ بمن عانى نفس المعاناة أن يقلِّد ويقتفي الأثر.

            (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون):
            أصوات الخوف شيطانية كاذبة، فكيف تصغي إليها، وربك يطمئنك: لا تخَفْ.

            ﴿ما كان الله ليذر المؤمنين على ماأنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب﴾
            قال ابن كثير:
            «لا بد أن يعقد سببا من المحنة يُظهِر فيه وَلِيَّه، ويفتضح فيه عدوُّه، يُعرف به المؤمن الصَّابِر، والمنافِق الفاجِر».

            ﴿لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء﴾:
            قال الحسن ومجاهد: «لما نزلت: ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا﴾،
            قالت اليهود: إن الله فقير يستقرض منا ونحن أغنياء، وذكر الحسن أن القائل هو حيي بن أخطب».

            بكى عليه الصلاة والسلام حتى بلّ لحيته وقال :
            لقد أنزلت علي الليلة آيات .. ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها !
            { إن في خلق السموات والأرض }.
            تعريف جديد ووحيد للفوز:
            ( فَمَن زُحْزِحَ عن النّارِ و أُدْخِل الجنّةَ فَقد فَاز )


            الموت ليس نهاية الرحلة بل بدايتها، فإما نعيم وإما جحيم،
            فحدّد مصيرك من اليوم !
            ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ﴾

            (لاتحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بمالم يفعلوا):
            قال السعدي: بالخيرالذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه، فجمعوا بين فعل الشر وقوله، والفرح بذلك.

            ( الذين يذكرون الله ...ويتفكرون)
            الطاعات ولود!
            كثرة الذكر قادتهم لعبادة أخرى وهي عبادة الفكر.

            ﴿لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم ...﴾
            مهما طال نعيمهم وكثر، فما هو إلا قطرة في بحر ما ينتظرهم من أهوال.

            قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ما من مؤمنٍ إلا والموت خير له، ومن لم يصدقني؛ فإن اﷲ يقول:
            ﴿ وما عندَ اللهِ خيرٌ للأبرار ﴾.



            من السبع الطوال في القرآن ، وثاني آية منها ( وآتوا اليتامى أموالهم ) !
            في ظل الإسلام العظيم لا تخف على حقوقك مهما كنتَ ضعيفًا .

            ﴿وﻻ تتبدلوا الخبيث بالطيب﴾
            قال سفيان الثوري عن أبي صالح: لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك.

            وصية لمن عنده خادم أن يصرف له راتب شهر عند شهود الميراث:
            (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه)،
            فإن النفوس تتشوف للعطاء، فوسِّع كما وسَّع الله عليك.

            ﴿إنما التوبة على الله﴾
            تأمل رحمة الله في قوله (على)، فجعل التوبة حقا أحقه على نفسه سبحانه،
            فما من تائب إلا وجعل الله على نفسه حقا أن يقبل توبته.

            ﴿فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا﴾:
            خيرا كثيرا، ولو بدون حب،فليس على الحب وحده يقوم الزواج.

            (فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا)
            لو قال خيرًا لكفى؛ فكيف وهو خير كثير؟!
            (كثيرا) لدرجة أن ينسيك آلامك،فتفاءل مهما يكن الألم!

            ﴿وأخذن منكم ميثاقا غليظا﴾:
            رِباط الزوجية أعظم عقد و ميثاق، فلا تحل هذا العقد في لحظة غضب .

            ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[آل عمران: 93]:
            حين يكون التحريم عقوبة!
            قال الزمخشري: «المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة، وتحريم ما حُرِّم عليهم منها لظلمهم وبغيهم».
            كان اليهود يعوِّلون في إنكار نبوة النبي ﷺ على إنكار النسخ، فأبطل الله ذلك بأن أخبرهم أن كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرَّم إسرائيل (يعقوب) على نفسه، فذاك الذي حرَّمه على نفسه كان حلالا، ثم صار حراما عليه وعلى أولاده من بعده، فحصل بذلك النسخ، وبطل قول اليهود: النسخ غير جائز.


            ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[آل عمران: 93]:
            من أبلغ الحجج، أن تحتج على الإنسان بأمر يقوله ويعترف به ولا يستطيع إنكاره.


            ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[آل عمران: 93]:
            أنكر اليهود أن تكون حرمة ذلك الطعام بسبب أن إسرائيل حرَّمه على نفسه، بل زعموا أنه كان حراما من لدن آدم عليه السلام، فعندها طالبهم النبي ﷺ بأن يأتوا بالتوراة، فإن التوراة ناطقة بأن بعض أنواع الطعام حُرِّم بسبب أن إسرائيل حرَّمه على نفسه، فخافوا من الفضيحة، وامتنعوا عن إحضار التوراة، فكان هذا دليلا على صدق نبوة محمد ﷺ، فقد كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، فمحال أن يعرف هذه المسألة الغامضة من التوراة إلا بوحي من السماء.


            ﴿فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[آل عمران: 94]:
            من اختلق على الله الكذب بنسبة
            حكم شرعي إِليه بعد وضوح الحجة على غيره، فأولئك هم الظالمون لأَنفسهم بالكفر، ولمن أَضلوهم بالإِغواء، فتحملوا إثمهم وإثم من اتبعهم، وذلك منتهى الظلم، وإن كانت الآية نزلت في اليهود، إلا أنها تهديد لكل من افترى على الله الكذب بعد ما تبين له الحق.


            ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[آل عمران: 95]:
            هنا تعريض بكذبهم، لأن صدق أحد الخبرين المتضادين يستلزم كذب الآخر.

            ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾[آل عمران: 96]:
            فيه البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية.

            ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا﴾ [آل عمران : 97]:
            في الحديث القدسي: «إن اللَّه تعالى يقول: إن عبدًا أصححتُ له جسمه، ووسَّعْتُ عليه في معيشته، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم». صحيح الجامع رقم: 2256


            ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران : 98]:
            أمر الله نبيه أن يوبخهم على ما كان منهم، فيناديهم بلقب (أهل الكتاب) للمبالغة في الاستنكار؛ لأن علمهم بالكتاب كان يقتضي إيمانهم بما جاء فيه، فلا يستوي العالم والجاهل.


            ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ [آل عمران : 99]:
            كان صدهم عن سبيل الله بإلقاء الشبهات والشكوك في قلوب الضعاف من المسلمين، أو القول بأن محمد ﷺ ليس موصوفا في كتابهم، أو التحريش والإيقاع بين المؤمنين كما فعل اليهودي شاس بين قيس بين الأوس والخزرج، حتى رفعوا السلاح في وجوه بعضهم.


            ﴿وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ﴾ [آل عمران : 99]:
            قال الإمام الرازي:
            وفيه وجوه، الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما:
            يعني أنتم شهداء أن في التوراة أن دين الله الذي لا يقبل غيره هو الإسلام.
            الثاني: وأنتم شهداء على ظهور المعجزات على نبوته ﷺ.
            الثالث: وأنتم شهداء أنه لا يجوز الصد عن سبيل الله.
            الرابع: وأنتم شهداء بين أهل دينكم عدول يثقون بأقوالكم، ويُعوِّلون على شهادتكم في عظام الأمور وهم الأحبار، والمعنى: أن من كان كذلك، فكيف يليق به الإصرار على الباطل والكذب والضلال والإضلال.

            ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران : 100]:
            تنبيه على أن أقصى طموحات أهل الكتاب أن يردوا المسلمين عن دينهم.

            ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران : 101]:
            في الآية دليل أن للصحابة وازعَيْن عن الوقوع في الضلال: سماع القرآن، ووجود النبي ﷺ. قال قتادة: «أما الرسول ﷺ فقد مضى إلى رحمة الله، وأما الكتاب فباق على وجه الدهر».


            ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102]:
            قال عبد الله بن مسعود: «﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾: أن يطاع فلا يُعصَى، وأن يُذكَر فلا يُنسَى، وأن يُشكَر فلا يُكفَر» .

            تعليق


            • #21
              ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[آل عمران: 107]:
              من ابيضَّ قلبه اليوم بسلامته من الذنوب أو بتوبة نصوح، ابيضَّ وجهه غدا، ومن كان بالضد فحاله بالعكس.

              ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[آل عمران: 107]:
              فيه تنبيه على أن المؤمن -وإن استغرق عمره كله في طاعة الله- لا يدخل الجنة إلا برحمة الله.

              ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ﴾[آل عمران: 108]:
              ذكره بعد ذِكْر العذاب ليفيد أن الله لا يُعذِّب أحدا بغير ذنب، ولا يزيد في عقاب مجرم بلا سبب.


              ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾[آل عمران: 114]:
              تعريض بمداهنة اليهود في أمر الاحتساب وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل بتعكيسهم في الأمر بإضلال الناس وصدِّهم عن سبيل الله، فإنهم أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف.


              ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[آل عمران: 114]:
              قال الرازي: «واعلم أن كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته، والخير لأجل العمل به، وأفضل الأعمال: الصلاة، وأفضل الأذكار: ذكر الله، وأفضل المعارف: معرفة المبدأ ومعرفة المعاد، فقوله: ﴿يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون﴾ إشارة إلى الأعمال الصالحة الصادرة عنهم.
              وقوله: ﴿يؤمنون بالله واليوم الآخر ﴾ إشارة إلى فضل المعارف الحاصلة في قلوبهم، فكان هذا إشارة إلى كمال حالهم في القوة العملية وفي القوة النظرية، وذلك أكمل أحوال الإنسان».

              ﴿ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾[آل عمران: 114]:
              أليست العجلة مذمومة، فالعجلة من الشيطان؟
              والجواب: ليس هذا في أعمال الخير، لقول النبي ﷺ: «التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة». صحيح الجامع رقم: 3009. قال الإمام القاري: «لأنَّ في تأخير الخيرات آفات، ورُوِي أن أكثر صياح أهل النار مِن تسويف العمل».



              ﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾[آل عمران: 144]:
              عبَّر هنا بالشاكرين ولم يعبر بالصابرين مع أن الصبر في هذا الموطن أظهر؟!
              والجواب: لأن الشكر في هذا المقام هو أسمى درجات الصبر، فإن الصحابة ساندوا النبي ﷺ في أشد الأوقات حرجا، فلم يكتفوا فقط بالصبر على البلاء، بل تجاوزوا حدود الصبر إلى الشكر بالتضحية والبذل دفاعا عن رسول الله ﷺ، فالشكر هنا صبر وزيادة.

              ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا﴾[آل عمران: 145]:
              إعلامٌ بأن الموت لابد منه، وأن كل إنسان مقتول أو ميت إذا بلغ أجله، ومعنى: ﴿مُؤَجَّلًا﴾ أي إلى أجل.

              ﴿وسنجزي الشَّاكِرِينَ﴾:
              لم يذكر جزاءهم ليدل على عظمته، وأنه يشمل الدارين.
              قال ابن فورَك: «وفيه إشارة إلى أن الله يُنَعِّمهم بنعيم الدنيا، ولا يُقصِرهم على نعيم الآخرة».




              ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾[آل عمران: 148]:
              قال الرازي: «فيه دقيقة لطيفة، وهي أن هؤلاء لما اعترفوا بكونهم مسيئين حيث قالوا: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾، سماهم الله محسنين، كأن الله تعالى يقول لهم: إذا اعترفتَ بإساءتك وعجزك، فأنا أصفك بالإحسان، وأجعلك حبيبا لنفسي حتى تعلم أنه لا سبيل للعبد إلى الوصول إلى حضرة الله إلا بإظهار الذلة والمسكنة والعجز».


              ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 149]:
              والتعبير بقوله: ﴿فَتَنْقَلِبُوا﴾ يفيد أن طاعة الكافرين تؤدى إلى انقلاب حال المؤمنين وانتكاس أمرهم، وفي ذلك تنفير عن إطاعة الكافرين والاستماع إلى كلامهم.


              ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 149]:
              قال الحسن: «إن تستنصحوا اليهود والنصارى وتقبلوا منهم، لأنهم كانوا يستغوونهم ويوقعون لهم الشُّبَه في الدين».

              ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾[آل عمران: 157]:
              قال الإمام القشيري: «بذل الروح فى الله خير من الحياة بغير الله».

              ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾[آل عمران:158]:
              إذا كان إلى الله المصير، طاب والله المسير.

              ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾[آل عمران: 158]:
              قدَّم القتل على الموت في الآية السابقة لأنه أكثر ثوابا، فترتُّب المغفرة والرحمة عليه أقوى، وعكَس ذلك في هذه الآية:
              ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ﴾
              لأن الموت أكثر من القتل، وكلاهما يقودان إلى الحشر.

              ﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾[آل عمران: 160]:
              الخذلان: أن يكلك الله إلى نفسك، والتوفيق ضده: أن لا يدعه ونفسك، ولا يكلك إليها.
              في الحديث: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت». صحيح الجامع رقم: 3388

              ﴿وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾[آل عمران: 160]:
              قال ابن القيم: «فالعبد مطروح بين الله وبين عدوه إبليس، فإن تولاه الله لم يظفر به عدوه، وإن خذله وأعرض عنه افترسه الشيطان، كما يفترس الذئب الشاة».

              ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾[آل عمران: 161]:
              روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كان على ثَقَل رسول الله ﷺ رجل يقال له (كركرة) فمات، فقال رسول الله ﷺ : هو في النار، فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلَّها.

              ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ﴾[آل عمران: 161]:
              إشارة إلىه كلما كان العبد أشرَفَ وأعظم درجة كانت الخيانة في حقِّه أفحشَ، ورسول ﷺ أفضلُ البشرِ،
              فكانتِ الخيانةُ في حقِّه مستبعدة، ولذا جاءت الآية بصيغة الجحود التي تفيد المبالغة في النفي.

              ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾[آل عمران: 170]:
              من علم أن أحبابه ينتظرونه في جنات النعيم، لا يهنأ له عيش حتى اللحاق بهم والنزول عليهم غدا.



              ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ﴾[آل عمران: 170]:
              المعنى لم يلحقوا بالشهداء في الفضل، وإن كان لهم فضل.
              قال السُّدِّي: «يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه، فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب بقدومه في الدنيا».

              ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾[آل عمران: 180]:
              قال القشيري: «من آثر شيئا على الله لم يبارك له فيه فلا يدوم له- فى الدنيا- بذلك استمتاع، ولا للعقوبة عليه- فى الآخرة- عنه دفاع».

              قال رسول الله ﷺ: «من آتاه الله مالا، فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان، يُطَوَّقُهُ يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول: أنا مالك أنا كنزك »،
              ثم تلا هذه الآية: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾[آل عمران: 180]. صحيح البخاري رقم: 1403

              ﴿ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾[آل عمران: 180]:
              إشعار بسوء صنيعهم، وخبث نفوسهم، حيث بخلوا بشيء ليس وليد علمهم واجتهادهم، وإنما منحه الله لهم تفضلا، فبدلا من أن يشكروه على العطاء بالبذل والإنفاق، بخلوا بما أعطاهم.

              (فمن زحزح عن النار) [آل عمران :185]:
              قال صاحب الظلال: »كأنَّما للنَّار جاذبيَّةٌ تشدُّ إليها من يَقترب منها، ويدخل في مجالها!
              فهو في حاجة إلى مَن يُزحزِحه قليلًا قليلًا؛لِيُخلِّصَه مِن جاذبيَّتها المنهومة!
              فمن أمكن أن يُزحزح عن مجالها، ويُستنقذَ مِنها، ويدخلَ الجنَّة- فقد فاز».


              ﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾[آل عمران: 186]:
              من البلاء سماع هجاء الأعداء.

              ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾:
              ذلك هو اسم إشارة للبعيد، إشارة إلى أن علو درجة الصبر والتقوى وبُعدِ منزلتِهما، وأنَّ ليس كثيرا من الخلق يحصِّلونهما معا.

              ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾[آل عمران: 186]:
              تنبيه على أن من توهِن عزمه الهزيمة، فليس جديرا بنصرة الحق، فالاختبار محتوم، والهدف منه معلوم، وهو أن يظهر الثابت بحق على الحق، فإن المصائب محك صلابة الرجال.

              ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران: 189]:
              يملك كل شيء، ويقدر على أي شيء، فكيف يتعلق القلب بغيره؟!

              تعليق


              • #22
                

                ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء :7]:
                هذه الآية ثورة على التقاليد الجاهلية، فقد أعلنت أن الإرث غير مختص بالرجال كما كان أهل الجاهلية يفعلون، بل مشترك بين الرجال والنساء.

                اليتيم طريق الجنة: «أنا وكافل اليتيم في الجنة»،
                أو طريق النار: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا﴾ . [النساء :10]

                ﴿إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء (بجهالة)﴾ [النساء :17]:
                إقدامك على المعصية ليس جهلا بحرمتها، وإنما جهل بعظمة من عصيت!


                ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾:
                جمع الله هنا بين عملين من أعمال الجاهلية نهى عنهما،
                فالأول: كانوا يرثون النساء كالمتاع،
                والثاني: العَضْل أي المنع من التزويج، فكان أولياء الميت يمنعون زوجته من الزواج بعده، ويتركونها على ذلك حتى تدفع لهم ما أخذت من ميراث الميت، أو تموت فيرثوها.


                ﴿فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا﴾ [النساء :19]:
                خيرا كثيرا، ولو كان بدون حب، فليس على الحب وحده يقوم الزواج.




                ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء :19]:
                ليس فقط ذهاب ما تكره، وليس عكس ذلك من الخير فحسب، بل وكثيرا أيضا.

                ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء :19]
                لو قال خيرًا لكفى؛ فكيف وهو خير كثير؟!
                (كثيرا) لدرجة أن ينسيك آلامك، فتفاءل مهما كان الألم بالغا!

                (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً ) [النساء :19]
                قد تكون كراهية الشيء أول الخير فيه، فأحسِن الظن باللطيف الخبير.


                ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء :20]: الإسلام ثورة على أحكام الجاهلية!
                كان الرجل في الجاهلية إذا أراد التزويج بامرأة أخرى، بهت التي تحته- أى رماها بالفاحشة التي هي بريئة منها- حتى يلجئها إلى أن تطلب الطلاق منه، وذلك نظير أن تترك له ما لها عليه من صداق أو غيره، فنُهوا عن ذلك.


                ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا﴾ [النساء :20]:
                جواز الإصداق بالمال الكثير!
                القنطار هو المال الكثير، ولقد رأى فيها الإمام القرطبي دليلا على جواز المغالاة في المهور، لأن الله تعالى لا يمثل إلا بمباح، وإن كان الأفضل عدم المغالاة في المهور، لقول النبي ﷺ: «خير الصداق أيسره» صحيح الجامع رقم: 3279


                ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء :21]:
                منع الله الرجال من أخذ شيء من مهور نسائهن لسببين:
                الأول: الإفضاء وخلوص كل زوج لصاحبته حتى كأنهما نفس واحدة.
                الثاني: الميثاق الغليظ الذي أخذه الله على الرجال بحسن معاملة نسائهن.

                ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ [النساء :21]:
                اتفق العلماء على أن المهر يستقر بالوطء، واختلفوا في استحقاقه بالخلوة المجردة،
                قال القرطبي: والصحيح استقراره بالخلوة مطلقا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.

                ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء :21]:
                وصف الله سبحانه الميثاق بالغلظة لقوته وشدته،
                وقد قيل: صحبة عشرين يوما قرابة، فكيف بالعلاقة الزوجية مع ما فيها من اتحاد وامتزاج؟!

                ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء :23]:
                قال رسول الله ﷺ: «لا تُنكَح المرأة على عمتها ولا على خالتها، ولا على ابنة أخيها، ولا على ابنة أختها» .
                وفي رواية الطبراني أنه قال: «فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم».
                والسر في تحريم هذا النوع من النكاح أنه يؤدى لتقطيع الأرحام، إذ من شأن الضرائر أن يكون بينهن من الكراهية ما هو مشاهد ومعلوم.


                ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾[آل عمران: 192]:
                الخزي: الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء،
                وفي الآية إشارة إلى أن العذاب النفسي في النار أشد وأفظع من العذاب البدني.


                ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾[آل عمران: 192]:
                من آداب الدعاء!
                جاءت هذه الآية كتعليلٍ لسؤالهم الوقاية من النار.
                قال جمال الدين القاسمي: «وسر هذا الإتباع عظم موقع السؤال، لأن من سأل ربه حاجة، إذا شرح عظتمها وقوتها، كانت داعيته في ذلك الدعاء- أكمل، وإخلاصه في طلبه أشد، والدعاء لا يتصل بالإجابة إلا إذا كان مقرونا بالإخلاص، وهذا أيضا تعليم من الله تعالى فنّا آخر من آداب الدعاء».


                ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾[آل عمران: 194]:
                ﴿عَلى رُسُلِكَ﴾ أي آتنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من ثواب، أو آتنا ما وعدتنا من ثواب على تصديق رسلك.


                ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾[آل عمران: 194]:
                كيف دعوا الله بإنجاز ما وعد، والله لا يخلف الميعاد؟!
                والجواب: معناه طلب التوفيق للأسباب المادية والإيمانية التي تؤدي لإنجاز وعد الله،
                فما لم يكن من الله مدد، لن يصل إلى بغيته أحد.
                قال جعفر الصادق: «من حزَبه أمر فقال خمس مرات: (ربنا) أنجاه لله مما يخاف وأعطاه ما أراد، قيل: وكيف ذلك؟
                قال: اقرءوا إن شئتم: ﴿الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم﴾ إلى قوله: ﴿إنك لا تخلف الميعاد﴾».
                قال الحسن البصري: «ما زالوا يقولون: ربنا حتى استجاب لهم» .


                ﴿لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾[آل عمران: 195]:
                قدّم الله تكفير سيئاتهم على إدخالهم الجنة،
                لأن التخلية- كما يقولون- مقدمة على التحلية، فطهَّرهم أولا من الذنوب، ثم أدخلهم بعد ذلك جنته.


                ﴿وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾[آل عمران: 195]:
                وكأن كل جزاء حسن للأعمال الصالحة في الدنيا لا يُعَدُّ حسنا إذا قورِن بما أعده الله في الآخرة لعباده المتقين.


                ﴿لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد﴾ [آل عمران :196]:
                نهي للمؤمنين عن أن يغتروا بما عليه الكافرون من جاه ونفوذ وسلطان، فالخطاب للنبي ﷺ والمراد به أمته، فإن عظيم القوم يخاطب بالشيء، فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعا، فكأنه قال: لا يغرنكم.

                ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾[آل عمران: 199]:
                إنصاف القرآن!
                لما توفي النجاشي، قال رسول الله ﷺ: استغفروا لأخيكم، فقال المنافقون:يصلي على علج مات بأرض الحبشة؟!فنزلت: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾، وثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: إن أخا لكم بالحبشة قد مات فصلوا عليه، فخرج إلى الصحراء فصفهم وصلى عليه.



                ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[آل عمران: 200]:
                أمرهم الله بالصبر وهو حال الصابر في نفسه.
                والمصابرة وهي حال المؤمن في الصبر مع خصمه.
                والمرابطة وهي الثبات والإقامة على الصبر والمصابرة.
                وقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط لكن من غير تقوى، فأخبر الله أن ملاك الأمر كله بالتقوى، وأن فلاح العبد موقوف عليها.


                ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾[النساء: 1]:
                تنبيه على أن زوجتك بضعة منك، ومن أقرب الناس إليك، فإن الزوجات خُلِقن من الأزواج، فعليك بمراعتها والقيام بحقها


                ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾[آل عمران: 197]:
                تعزية للمؤمنين وتسلية لهم عما يرون من غنى وجاه وسلطان لأهل الكفر، وتحريض لهم ليجعلوا همهم الأكبر العمل الصالح الذي يوصل إلى رضوان الله الباقي،وفي الحديث: «والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع». صحيح مسلم رقم:285


                تعليق


                • #23


                  الجزء الخامس


                  (والله يريد أن يتوب عليكم)
                  لا تعاند ربك فتؤذي نفسك؛ وذلك بإرادة المعصية والإصرار عليها.

                  (والله يريد أن يتوب عليكم .. }

                  { يريد الله أن يخفف عنكم .. }
                  ما أحلم الرب في تودده إلى العبد !!

                  ﴿ ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ﴾:

                  هـل أدركت الآن حجم المؤامرة التي فضحها الله؟!

                  {وخلق الانسان ضعيفا)

                  فلا قوة له إلا بربه، فاقترب من ربك، واستمد منه القوة.

                  سئل الثوري عن قوله تعالى

                  {وخلق الانسان ضعيفا}:
                  ما ضعفه؟
                  قال: المرأة تمر بالرجل فلا يملك نفسه عن النظر إليها، وهو لاينتفع بها؟
                  فأي شيء أضعف من هذا؟!

                  ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفا ﴾:
                  خلقنا الله ضعفاء لنفتقر إليه، فإذا افتقرنا إليه قوينا!

                  ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفا ﴾:

                  بلغ من ضعفه أن كلمةً تُفرحه، وأخرى تُحزنه ، وثالثة تغضبه، ورابعه تُقلِقه،
                  فماذا أضعف من هذا؟!




                  ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾:
                  قال الفضيل بن عياض:
                  لا تغفِلوها عن ذكر الله، فإن من أغفلها عن ذكر الله -تبارك وتعالى- فـقـد قـتلهـا.

                  ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم):

                  مجرد اجتناب الكبائر يكفر عنا الصغائر!
                  أي كرم هذا؟!


                  لم نسمع بكريم قال لأحد: سَلْني، ثم لم يعطه، فكيف بأكرم الأكرمين؟!
                  وهو الذي قال: (واسألوا الله من فضله).
                  قال سفيان : ما أمر بالمسألة إلا ليعطي.


                  ﴿ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض﴾ ﴿واسألوا الله من فضله﴾:
                  ادفع الحسد عن قلبك بدعاء ربك وسؤال فضله.

                  ﴿ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض﴾

                  نهى الله عن مجرد تمني ما في أيدي الغير،
                  فكيف بالعدوان وهو عمل الجوارح؟!

                  ﴿ولا تتمنوا ما فضل "الله" به بعضكم على بعض ..﴾

                  ذكَّرنا الله بأن تفضيل بعضنا على بعض محض منحة إلهية لا دخل للعبد فيها؛
                  لئلا يسخط المفضول، أو يفخر الفاضل.

                  ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْب ﴾
                  تفقد المرأة من صلاحها بمقدار ما تفقد من حفظها سر زوجها.

                  ﴿ فعظوهن﴾:

                  لطف الله بالنساء ورحم ضعفهن حتى جعل عقوبتهن مجرد كلمة!

                  ((إن الله كان عليّا كبيرا }

                  لن يردع الزوج عن ظلم زوجته شيء أعظم من تذكره عظمة الله وعلوه وكبره!

                  صدق إرادة الإصلاح عند الزوجين من أهم أسباب التوفيق بينهما عند الخلاف

                  (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما).

                  ‏﴿ إن يريدا إصلاحا يُوَفِّق الله بينهما﴾:

                  قال القاسمي: من أصلح نيته فيما يتوخاه؛ وفّقَه الله تعالى لمبتغاه.

                  ﴿والصاحب بالجنب﴾:

                  على الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه من:
                  - مساعدته على أمور دينه ودنياه
                  - والنصح له
                  - والوفاء معه في اليسر والعسر
                  - وأن يحب له ما يحب لنفسه


                  ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾:
                  هب أن العالم كله ضجَّ بامتيازاتك وتكلم عن إنجازاتك، لكن الله لا يحبك!!

                  ﴿ الذين يبخلون و يأمرون الناس بالبخل ﴾:
                  عجَبًا ممن لم يكتف بالبخل على نفسه، بل أمر الناس بالبخل وحثَّهم عليه.

                  ﴿إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها﴾:
                  قال قتادة: لأن تفضُل حسناتي ما يزن ذرّة أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها.

                  ﴿ ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا ﴾:
                  قال ابن عطية: الله إذا مَنَّ بتفضله.. بلغ بعبده الغاية!

                  ﴿فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد﴾:
                  بكى الشهيد هنا، فماذا عن المشهود عليهم؟!

                  (وإن تك حسنة يضاعفها):
                  من مضاعفتها نشر ثناء الناس عليها، ودعاؤهم لصاحبها.



                  ﴿وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا﴾:
                  يضاعفها إلى كم؟!
                  قال السعدي: إلى عشرة أمثالها إلى أكثر من ذلك، بحسب حالها، ونفعها، وحال صاحبها إخلاصا ومحبة وكمالا.

                  (لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ماتقولون)
                  كم من مُصَلٍّ غافلٍ من سكرة هواه، لا يعلم ما يتلوه في الصلاة.

                  ﴿أو لامستم النساء﴾:
                  أعظم موضع يحتاج إلى التصريح هو موضع الأحكام الشرعية، ومع هذا كنَّى القرآن فيه، فحافِظ على رُقيِّ كلماتك في جميع أحوالك.

                  ﴿لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى﴾:
                  قال السعدي: فيه إشارة إلى أنه ينبغي لمن أراد الصلاة أن يقطع عنه كل شاغل يشغل فكره.

                  الضال يتمنى أن يكون الناس كلهم مثله، كي لا يشعر بوحشة الانحراف:
                  (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء).

                  إذا تخلى الناس عنك في كربك، فاعلم أن الله يريد أن يتولاك
                  (وكفىٰ بالله وليّاً) .

                  ﴿ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء﴾:
                  يزكيك الله وينشر لك الذكر الحسن بقدر ما تقاوم تزكية نفسك ومدحها.

                  ﴿بل الله يُزكّي من يشاء﴾:
                  إن لم تكن تزكيتك من رب الأرض والسماء، فلن ينفعك من الناس تزكيةً ولا ثناء.

                  ﴿ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولايظلمون فتيلا﴾:
                  تزكية النفس عادة يكرهها الله وينفر منها الناس، فلماذا تفعلها؟!

                  ﴿أم يحسدون الناس على ما أتآهم الله من فضله﴾:
                  لا تحسد أحداً على نعمة من النعم، وأنت لا تعلم ماذا حرمه الله أو أصابه من النقم!

                  الحاسد معترِض على ربه لا على من حسده:
                  ﴿أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله﴾؟!

                  ﴿كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب﴾
                  ﴿كلما خبت زدناهم سعيرا﴾!
                  هذا حالهم.. كلما ظنوا تخفيفا زِيد في عذابهم، فمن الذي يطيق؟!

                  أخذ النبي ﷺ مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة فأمره ربه:
                  (إن الله يأمركم أن تؤدوا اﻷمانات إلى أهلها)،
                  فكيف بالأمانة في ما هو أعظم من مفتاح

                  يتبع

                  تعليق


                  • #24
                    أعظم المواعظ مواعظ القرآن:
                    ﴿إن الله نعما يعظكم به﴾.

                    { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}:
                    قال السعدي: الأمانات يدخل فيها أشياء كثيرة، وأداؤها بأن يجعل فيها الأكفاء لها.

                    إذا أردت كشف المنافق، فتحاكم معه إلى الكتاب والسنة، وراقب موقفه:
                    {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون…}

                    انصح سرا فهو أرجى للقبول
                    (فأعرِض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغاً).

                    ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم﴾:
                    إيمان بلا تسليم لأحكام الشرع هو محض هراء.

                    الاستقامة لا تعني فقط المداومة على الطاعات، بل لزوم الحق والإذعان له في كل الأحوال
                    ﴿ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾


                    من دلائل الإيمان الصادق: التسليم التام لأمر الله من غير حرج في النفس
                    ﴿ثم لا يجِدوافي أنفسهم حرَجا مما قَضَيْتَ﴾

                    ﴿ولو أنهم فعلوا ما يُوعظونَ به لكانَ خيرًا لهم﴾:
                    فعل المواعظ وتنفيذها من أهم أسباب الثبات على الحق.

                    أكثر الناس انتكاسًا ؛ أقلُّهم عملاً بما يوعظ به:
                    ﴿ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا﴾.

                    ﴿فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين (والصديقين) (والشهداء) ﴾:
                    قدَّم الصديق على الشهيد لأن الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيله.

                    ﴿قل متاع الدنيا قليل﴾:
                    قليل .. لا يستحق أن تبكي على فقده، ولا أن تقلق من أجله.

                    ﴿ متاع الدنيا قليل ﴾:
                    قال السعدي: لذات الدنيا مشوبة بأنواع التنغيص وزمانها منقضي، والآخرة دائمة النعيم وأهلها خالدون، فإن فكَّر العاقل عرف الأحق بالإيثار .



                    ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾:
                    فهمت من هذه الآية أن أحزاني وقلقي ومخاوفي من صنع يدي ..
                    وأن سعادتي قرار شخصي، وأن الناس لا يستطيعون -مهما فعلوا- أن يشقوني.

                    ﴿ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾:
                    الابتلاء تذكيرٌ عمليٌ بذنوبك لتتوب منها.

                    ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾:
                    قال ابن القيم: فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم.

                    اللسان في الفتن وقعه كوقع السيف، ومنهج المؤمن في الفتن إمساك اللسان، واستشارة العلماء الثقات
                    (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).

                    (وكان الله على كل شيء مقيتا):
                    الآية الوحيدة في القرآن التي ورد فيها اسم الله المقيت، فلا تحمل الهم، إنما أنت شيء من اﻷشياء، فلن يعجز المقيت أن يدبِّر (قوتك).

                    الشفاعة هي الوساطة في إيصال خير أو دفع شر، سواء كانت بطلب من المنتفع أم لا، وتكون بلا مقابل، ومنها الشفاعة للمظلومين، وفي الحديث: «اشفعوا تؤجَروا».
                    ﴿من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها﴾

                    دين يعلِّمك الإحسان في كل شيء حتى في التحية
                    (وإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)
                    ما أجمل (الكرم) ولو كان في (التحية).

                    "فمالكم في المنافقين فئتين"
                    ليس العجب من مرض المنافقين، ولكن العجب من انقسام أهل الحق فيهم إلى فريقين!

                    (فما لكم في المنافقين فئتين):
                    لما كان للمنافق وجهان ،
                    كان مفهوما أنْ يكون للصّالحين فيه رأيان مختلفان، بحسب ما يراه كل واحد منهما.

                    (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها):
                    هم قومٌ من أسَد وغطَفانَ كانوا إذا أتَوا المدينةَ أسلموا وعاهَدوا ليأمنوا المسلمين،
                    فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكَثوا عُهودَهم ليأمَنوا قومَهم، وما هم بمخلصين الود لأي من الفريقين.

                    يظنون الحياد بين الحقّ والباطل كافيا، وأنه الطريق الأسلم، وما علموا أن هذا أول خطوة في طريق السقوط
                    (يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردّوا إلى الفتنة أُركسوا فيها).



                    (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ)
                    وعليه، فلا يقتل القاتل حين يقتل متعمدا وهو (مؤمن).

                    (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلاخطأ):
                    هذه صيغة من صيغ الامتناع والمبالغة في النفي، أي يمتنع ويستحيل أن يصدر من أي مؤمن قتل مؤمن! أي: متعمدا، وغرض الآية: تفظيع قتل المؤمن.

                    (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا):
                    ليس معنى (يصدقوا) الصدقة بل المعنى هنا العفو، وسمِّي العفوُ عنها صدقةً حثاً عليه وتنبيهاً على فضله .

                    (ومن يقتل مؤمنا متعمدا....وأعد له عذابا عظيما):
                    عذابه عظيم حتى يكون (ألم المقتول) أهون ما يكون مقارنة (بألم القاتل).

                    (إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا):
                    حتى عند القتال لابد من التبين والتثبت، فلا شيء يبرر التهور في إصدار الأحكام على الآخرين .

                    إلى كل معلم!
                    قال ابن عاشور في قوله تعالى:
                    ( كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم ...):
                    هي عظة لمن يمتحنون طلبة العلم فيعتادون التشديد عليهم.


                    محال أن يساوي الله بين عبد أسرع إليه وآخر أبطأ عنه:
                    (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون).

                    {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}
                    أرض الله واسعة ومليئة بالفرص ومنح التغيير !
                    فاخرج إلى أرض جديدة إن ضاقت أرضك بأحلامك.

                    التعلل بالأعذار لا يصلح أن يكون مبررا للفشل والاستسلام
                    (قالوا كنا مستضعفين في الأرض قال ألم تكن أرض الله واسعة).

                    {ومن يهاجر في سبيل الله}:
                    الهجرة في أقصر تعريف:
                    دليل على أن دين المرء أغلى من وطنه.

                    (ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله):
                    نية المرء خير من عمله، وبعض نياتك تبلغ بك أعظم الدرجات، ولن ينقطع أجرها حتى بعد موتك

                    تعليق


                    • #25
                      جزاكم الله خيرا







                      تعليق


                      • #26

                        تعليق


                        • #27
                          {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}:
                          قال السعدي: فقد حصل له أجر المهاجر الذي أدرك مقصوده بضمان الله تعالى، وذلك لأنه نوى وجزم، وحصل منه ابتداء وشروع في العمل، فمن رحمة الله به وبأمثاله أن أعطاهم أجرهم كاملا ولو لم يكملوا العمل، وغفر لهم ما حصل منهم من التقصير في الهجرة وغيرها.

                          نزلت في جندب بن ضمرة وكان قد بلغه وهو بمكة قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ.. الآية فقال لبنيه: احملونى فإنى لست من المستضعفين، وإنى لأهتدى إلى الطريق، وإنى لا أبيت الليلة بمكة، فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة- وكان شيخا كبيرا، فمات بالتنعيم، ولما أدركه الموت أخذ يصفق يمينه على شماله ويقول: اللهم هذه لك، وهذه لرسولك ﷺ أبايعك على ما بايع عليه رسولك- ثم مات- ولما بلغ خبر موته الصحابة قالوا: ليته مات بالمدينة فنزلت الآية (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله).

                          ﴿ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا﴾:
                          كان الحسن البصري يقول: يا ابن آدم .. ماذا يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتك؟!

                          الصلاة فضلا عن أنها أفضل العبادات لكنها كذلك من أهم عوامل تنظيم الأوقات:
                          ﴿إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا﴾

                          الألم واحد
                          ﴿فإنهم يألمون كما تألمون﴾،
                          لكن الجزاء مختلف ومتفاوت
                          (وترجون من الله ما لا يرجون).




                          "إن تكونوا (تألمون) فإنهم يألمون كما تألمون (وترجون) من الله ما لا يرجون):
                          آلامك .. لا يخفِّفها عنك إلا رجاء ثواب الله.

                          {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ الله مَا لاَ يَرْجُونَ}:
                          تشجيعٌ على الصبر، فليس ما تقاسونه من ألم خاصا بكم، بل يشارككم فيه الكفار والفجار، وإنهم ليصبِرون على آلامهم، فما لكم لا تصبرون!
                          مع أنكم ترجُون من حسن العاقبة في الدنيا، وثواب الآخرة ما لا يرجون ..
                          آه من جلَد الفجار وعجز الأبرار..

                          (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً):
                          أي لأجل الخائنين مخاصما ومدافعا عنهم، فلا تخاصم اليهود من أجل خائن، ولو كان مسلما.
                          قال الشوكاني: «أي: لأجل الخائنين خصيما: أي مخاصما عنهم مجادلا للمحقين بسببهم، وفيه دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه مُحِقٌّ».

                          (يختانون أنفسهم) لم يقل (يخونون)،
                          وهوافتعال دال على التكلف لقصد المبالغة في الخيانة، وممكن أن يخون الإنسان غيره، لكن كيف له أن يخون نفسه؟

                          (يختانون أنفسهم):
                          خيانة للنفس تكون بالغفلة عن العقوبة الآجلة بالشهوة العابرة العاجلة، فجعلت خيانة هؤلاء لغيرهم خيانة لأنفسهم، لأن سوء عاقبة هذه الخيانة سيعود عليهم،
                          ولهذا يقال لمن ظلم غيره: إنه ظلم نفسه.




                          ﴿ يستخفون من الناس ولا يستخفونَ من الله وهُو معهم ﴾:
                          الخاص عند الله كالعام !
                          فراقبه على الدوام، ولا تستهن بنظره إليك في السر والإعلان.

                          ﴿ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما﴾:
                          مـا أقـرب الله .. ما أرحم الله .. ما ألطف الله !!

                          (ومن يعمل سوءا أو يظلم '' نفسه '' .... }
                          أبشع الظلم ظلم النفس، لأنها أغلى ما تملك، ولا تستحق منك هذه المعاملة!
                          كيف لعبد أن يذبح نفسه؟!

                          ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِينا﴾:
                          قال القشيري: من نسب إلى أحد ما هو برىء منه من المخازي عكَس الله عليه الحال، وألبس ذلك البريء ثواب محاسن راميه، وسحب ذيل العفو على مساويه،
                          وقلَب الحال على المتعدّى بما يفضحه بين أشكاله، في عامة أحواله.

                          وقوع العبد في المعصية أهون عند الله من اتهام بريء بها
                          (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً)

                          قال عليه الصلاة والسلام: «كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله«. قيل لسفيان الثوري: ما أشد هذا الحديث! فقال سفيان: ألم تسمع الله يقول:
                          ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ فهو هذا بعينه.

                          ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ﴾:
                          وعيدٌ إلهي بأنْ يترك الله كل فاسِدِ مع اختيارِه! أي نجعله والياً لما تولاه من الضلال، وأن نُخلِّيَ بينه وبين ما اختار لنفسه من سيء الأحوال، وهذا دليل على استقلال إرادة العبد وحرية الاختيار، فهو مخيَّر لا مسيَّر.

                          (ولآمرنهم):
                          يبلغ من تسلط الشيطان على العبد أن يأمره فيمتثل، كالعبد بين يدي سيده، وهذا قمة الذل والهوان،
                          فضلا عن أنه يورده يوم القيامة النيران.

                          ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾:
                          والغرور: إظهار الشيء المكروه في صورة المحبوب، والمعنى: أن ما سوَّله لهم الشيطان في حصول ما يرغبون ..
                          - إما باطل لا يقع، مثل ما يسوِّله للناس من عقائد فاسدة ومذاهب منحرفة.
                          - وإما حاصل لكنه غير محمود في العاقبة، مثل ما يزيِّنه للناس من قضاء دواعي الغضب والشهوة ومحبة العاجل دون التفكير في الآجل.

                          (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به):
                          حتى أهل الكتاب لهم أماني، لكن لن (يفلح) إلا أهل (العمل).

                          قرأتُ لابن الجوزي في صيد الخاطر: من الاغترار أن تسيء فترى إحسانا، فتظن أنك قد سومحت ، وتنسى :
                          { من يعمل سوءاً يُجْزَ به{(مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ):
                          كل ظالم معاقب على ظلمه في العاجل قبل الآجل.




                          (وأُحضرت الأنفس الشح):
                          لا يعطِّل الصلح بين المتخاصمين ، ولا يطيل الخصومة، إلا الشح، فكل خصم يصيح: حقي! حقي!

                          ﴿والصّلحُ خير﴾
                          الساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة.

                          ﴿وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته﴾:
                          هذه أرق كلمة يمكن أن تسمعها المطلقة، ويكفي أنها مواساة من الرب اللطيف لعبده المنكسر الضعيف.

                          ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء :30]:
                          إيجاز بليغ!
                          تشمل هذه الآية نهب أموال غيرك، وتبديد أموالك، وقتل نفسك، وقتل غيرك بعبارة غاية في الاختصار، فالعدوان والظلم أوزار عاقبتها النار.




                          ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ [النساء :33]:
                          قال القرطبي: «بيَّن الله تعالى أن لكل إنسان ورثة وموالي، فلينتفع كل واحد بما قسم الله له من الميراث، ولا يتمنَّ مال غيره».

                          ﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ﴾ [النساء :38]:
                          روى مسلم عن أبي هريرة  قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
                          «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركتُه وشركه».
                          كان من دعاء مطرِّف بن عبد الله : «اللهم إني أستغفرك مما زعمت أني أريد به وجهك ، فخالط قلبي منه ما قد علمت» .

                          ﴿وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا﴾ [النساء :38]:
                          ومعلوم أن كلَّ قرينٍ بالمقارِن يَقتَدي، فبئس القرين والصاحب الشيطان، لأن اقترانه بك هدفه أن يسحبك معه إلى النار.

                          ﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [النساء :39]:
                          ليس فى إيمانهم بالله عليهم أي مشقة، بل لو آمنوا لوصلوا إلى عزِّ الدنيا والآخرة، ولا يحملهم على الإعراض عن الله إلا سوء النية وخبث الباطن.

                          تعليق


                          • #28
                            ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا﴾ [النساء :39]:
                            متى اعتقد عبد أن علم الله لا يخفى عليه شيء، وأن السر عنده علانية، كان ذلك رداعا له عن كبائر القلوب، كالنفاق والرياء والسمعة.

                            ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء :42]:
                            تصير البهائم ترابا يوم القيامة، فيود الكفار حالها.
                            قال ابن عباس: «يودون أن يمشي عليهم أهل الجمع يطؤونهم بأقدامهم كما يطؤون الأرض».

                            ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ [النساء :44]:
                            نفسية اليهود عجيبة، يريدون للمؤمنين الضلالة حتى لا يفضلهم أحد بالهداية!

                            . ﴿وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ﴾ [النساء :44]: ،
                            أي يسعون لأن تضلوا، وذلك بإلقاء الشبهات سعيا في صرفكم عن دينكم، وتشكيككم في عقيدتكم.




                            ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾[النساء :46]:
                            اليهود محتوفو تزوير!
                            وإذا كانوا زوَّروا كتاب الله، فهل يتورعون عن تزييف غيره؟!

                            ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾[النساء :46]:
                            قال الفخر الرازي: «في كيفية التحريف وجوه:
                            أحدها: إنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر.
                            والثاني: أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ من معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية.
                            والثالث: أنهم كانوا يدخلون على النبي ﷺ، ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به، فإذا خرجوا من عنده حرّفوا كلامه».

                            ذكر الله تعالى هنا: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ إشارة إلى التأويل الباطل، وفي سورة المائدة: ﴿مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ﴾
                            إشارة إلى حذف اللفظ عن الكتاب، فهما لونان مختلفان من التحريف.

                            ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا﴾[النساء :46]:
                            قال ابن عباس: كانوا يقولون النبي ﷺ: اسْمَعْ لا سَمِعْتَ، وقال الحسن ومجاهد: معناه غَيْرَ مسموعٍ منك، أي غير مقبول منك، ولا مجاب إلى ما تقول.

                            ﴿آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾[النساء :47]:
                            من ردَّ الإيمان عوقب بالخذلان.




                            ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾[النساء :48]:
                            قال ابن عمر: «كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا ﷺ قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾».
                            كان الصحابة يستبشرون بهذه الآية حتى قال علي بن أبي طالب : «أحب آية إلى في القرآن: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ﴾».

                            انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا ﴾[النساء :50]:
                            كذبوا على الله حين قالوا: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أو نصارى﴾[البقرة:111]، ، وحين قالوا: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾[آل عمران :24]، وحين قالوا: ﴿نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: 18].

                            . ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾:[النساء :51]
                            ألَا تعجَبُ- يا محمَّد- مِن حال هؤلاء اليهود الَّذين آتاهم الله تعالى حظًّا من التَّوراة، فتركوا الإيمان والعمل به إلى الإيمان بالجِبْت والطَّاغوت،
                            وما أشبه المسلمين اليوم بهذه الحال، فقد تركوا كتاب ربهم، واستبدلوه بقوانين وضعية تُحِلُّ لهم الحرام، وتحرِّم الحلال.

                            . ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾:[النساء :51]
                            قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: لَمَّا قدِم كعبُ بن الأشرف مكَّةَ، قالت له قريش: أنت خيرُ أهلِ المدينة وسيِّدُهم، قال: نعم، قالوا: ألا ترى إلى هذا المُنبَتِرمن قومِه، يزعُم أنَّه خيرٌ منَّا، ونحن أهلُ الحجيج وأهلُ السِّدانةِ؟
                            قال: أنتم خيرٌ منه، فنزلت: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾، ونزلت: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ..﴾.

                            ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾[النساء :51]:
                            يستفاد من الآية أن مَن حكَم بخلاف ما يعلَمُ فهو أقبح ممَّن حكَم بما لا يعلم، والكلُّ عند الله قبيحٌ، لكن الأوَّل أشدُّ جرما، ولذا عظمت مسؤولية العلماء.

                            (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾[النساء :52]:
                            اللعن عقوبة المكابرة!
                            قال الرازي: «إنما استحقوا هذا اللعن الشديد لأن الذي ذكروه من تفضيل عبدة الأوثان على الذين آمنوا بمحمد ﷺ يجري مجرى المكابرة».

                            ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾[النساء :53]:
                            كان اليهود يقولون: نحن أَوْلى بالملك والنبوة، فكيف نتبع العرب؟!
                            فكذَّبهم الله تعالى وأبطل دعواهم بأنهم ليس لهم حظ من الملك ليفعلوا ذلك، ولو كان لهم حظ من الملك لما أعطَوْا أحدا مِن النَّاس ولو نقيرًا (النُّقطة التي على ظهرِ نواة التمرة).


                            ﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ [النساء :62]:
                            حلِف المنافقين كذبا هو ديدنهم عند تضييق الخناق عليهم وافتضاح أمرهم بين الناس.

                            ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء :64]:
                            دلَّت الآية على أن من تكررت منه المعصية والتوبة صحت توبته لقوله تعالى: ﴿تَوَّاباً﴾، وهو ما ينبئ عن التكرار.

                            ﴿فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾ [النساء :64]:
                            لم يقل: واستغفرتَ لهم، بل عدل عنه عن طريق الالتفات: ﴿وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ﴾،
                            تفخيما لشأن الرسول ﷺ، وتعظيما لشأن استغفاره لأصحابه، وتنبيها على أن شفاعة الرسول من الله ذات مكانة عالية.

                            ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ [النساء :71]:
                            أخْذُ الحذر من أهم قواعد القتال لاتقاء خدع الأعداء، ويشمل ذلك أعمال الاستخبارات وجمع المعلومات وبث العيون والجواسيس، وهو لون من ألوان محاربة الأعداء بنفس سلاحهم.
                            قال أبو بكر لخالد يوم اليمامة: «حارِبهم بمثل ما يحاربونك به: السيف بالسيف، والرمح بالرمح».

                            ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ [النساء :72]:
                            المصائب كواشفٌ لمكنونات القلوب من إيمان أو نفاق.




                            ﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [النساء :73]:
                            فوارق! الفوز العظيم عند المنافق هو ما كسبه من دنياه، وأما عند المؤمن، فما نال من أخراه.

                            ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ [النساء :74]:
                            حسَم المجاهد المعركة الدائرة في قلبه بين الدنيا والآخرة، فانتصرت الآخرة، فكان جهاده إعلانا عمليا أن الآخرة أغلى وأعلى وأبقى وأعظم.

                            ﴿وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء :74]:
                            قدَّم الله تعالى القتل على الغلبة، للإشارة إلى حرص المجاهد على الشهادة، وأنه أشد من حرصه على الغلبة والنصر.

                            ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ﴾ [النساء :76]:
                            ما أجمل قول الرافعي يصف رسالة الفاتحين المسلمين: «لسنا على غارة نُغِيرها، بل على نفوس نُغَيِّرها».




                            ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء :76]:
                            قال الفخر الرازي: «كان في قوله ﴿كانَ ضَعِيفاً﴾ للتأكيد لضعف كيده، يعني أنه منذ كان، كان موصوفا بالضعف والذِّلَّة».

                            ﴿قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ﴾:
                            قلَّلها في عينك وزهَّدك فيها ليُهَوِّن عليك الإنفاق منها، ثم أخبرك أنك لو بذلت منها أقلَّ القليل،
                            فتصدّقتَ بشقّ تمرة لتخلَّصْتَ من النار، وهذا والله غاية الكرم.

                            ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء :78]:
                            وما أحسن قول زهير بن أبى سلمى:
                            ومن هاب أسباب المنايا يَنَلْنَه ... ولو رام أسباب السَّماء بِسُلَّم

                            ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [النساء :78]:
                            التشاؤم من المصلحين سُنَّة قديمة للمجرمين!
                            قال القرطبي: «نزلت هذه الآية في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم لما قدم رسول الله ﷺ المدينة عليهم قالوا: ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه».

                            ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [النساء :78]:
                            الكفر والنفاق يؤديان لانطماس البصائر، فلا يكاد أهله يفقهون ما يُلقَى عليهم من مواعظ، ولا يفهمون معنى ما يسمعون،
                            إذ لو فقهوا لعلموا أن الله هو القابض الباسط، وأنه المعطي المانع

                            تعليق


                            • #29
                              ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾[النساء :80] :
                              هذه الآية من أقوى الأدلة على عصمة النبي ﷺ في كل ما يبلغه عن ربه، لأنه لو أخطأ في شيء منها لم تكن طاعته طاعةً لله.

                              ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾[النساء:81] :
                              مؤامرات الأعداء لا تخفى على الله، فأعرِض عنها بقلبك، فلا خوف ولا حزن، وأحسن التوكل على ربك.

                              ﴿بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾[النساء:81]:
                              يحرص المنافقون على إخفاء أعمالهم وكيدهم؛ ولذا يُوقِعونها ليلا.

                              ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾[النساء :84]:
                              المسؤولية فردية، والمحاسبة ليست جماعية، فينبغي لكل مؤمن أن يعمل ولو خذله الجميع،
                              واسمع قول النبي ﷺ: «والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي»، وقول أبي بكر  في حروب الرِّدة: «ولو خالفَتْني يميني لجاهدتُها بشمالي».

                              ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾:
                              تقدَّم ولا تلتفت لتباطئ المتباطئين، أو تخذيل المخذِّلين، فإن الله ناصرك لا الجنود، ولو شاء لنصرك وحدك كما ينصرك وحولك الألوف.




                              ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ﴾ [النساء :90]:
                              تسليط الكافرين على المؤمنين، إما عقوبة على شيوع المنكرات بين المسلمين، أو ابتلاء واختبار حتى يعلم الله المجاهدين والصابرين، أو تمحيصٌ لذنوب الصالحين.

                              ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ [النساء :90]:
                              ليس الإسلام دين عدوان ولا تعطش لسفك الدماء، فمن سالمنا سالمناه، ومن حاربنا حاربناه.

                              (ومن يقتل مؤمنا متعمدا....وأعد له عذابا عظيما) [النساء :93]:
                              قال ابن العربي: «ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي، فكيف بالمسلم، فكيف بالتقي الصالح».

                              ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [النساء :94]:
                              الواجِبَ علينا معاملةُ الخَلق بالظَّاهر، والله يتولى السرائر.

                              ﴿دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء :96]:
                              مرة قال: درجة، وهنا قال: درجات!
                              والجواب: امتاز المجاهدون عن القاعدين بسبب عذر بدرجة، وامتازوا عن القاعدين بغير عذر درجات، ونكَّر الدرجات للإشعار بأنها درجات عظيمة لا يحدها حصر، ولا يحيط بها خيال.

                              من الأدلة التي استدل بها البعض على وجوب صلاة الجماعة أن صلاة الخوف يسقط فيها كثير من الشروط، ويُعفَى فيها عن كثير من الأفعال المبطلة في غيرها،
                              وما هذا إلا لوجوب الجماعة.

                              تدل صلاة الخوف على أن الأَوْلى أن يصلي المسلمون بإمام واحد،
                              وذلك لاجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقهم، وليكون ذلك أوقع هيبة في قلوب أعدائهم.



                              ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء :106]:
                              قيل: معناه استغفر الله لأمتك، أما أنت فمغفورٌ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر.

                              ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء :106]:
                              كل ما في القرآن من هذا القبيل يُقصد به الأمة، كأن الله تعالى يقول لنا: إذا كان الخطاب لرسول الله بصيغة الأمر هذه، فكيف يكون خطابكم؟
                              قال بعض الصالحين:
                              مَا كان في القُرآن مِنْ نِذَارة ... إلى النبيِّ صاحبِ البشارة
                              فكُنْ لبيباً وافْهَم الإشَارة ... إياك أعني واسمعي يا جارة

                              ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا﴾[النساء :109]:
                              لا تدافع عن ظالم، ولا تجادل عن خاطئ، فإن فعلتَ، فواجه نفسك قائلا:
                              هل أستطيع المجادلة عنه غدا بين يدي الله؟!
                              هل أستطيع أن أدفع عنه العذاب غدا إن عاقبه الله بذنبه؟!

                              ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾[النساء :109]:
                              المحامي الذي يدافع عن موكِّله وهو يعلم أنه مذنب، ألا يخشى أن يدخل في من عنتهم هذه الآية؟!

                              ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾[النساء :111]:
                              أنت أول المتضررين بذنبك، لأن وباله راجع إليك، إذ الله لك بالمرصاد، ومجازيك على السوء سوءا، ولن يحمل غيرك من إثمك شيئا، كما أنك لن تحمل من إثم غيرك شيئا.

                              ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ﴾[النساء :111]:
                              معلومٌ أن السيئات إذا ظهرت، فلم تُنكَر عمَّت عقوبتها الجميع؟!
                              فهل يخرج هذا عما قرَّرته الآية؟!
                              والجواب: كلا، لأن من ترك الإنكار الواجب فقد كسِب سيئة.

                              ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ﴾[النساء :111]:
                              في هذا بيان عدل الله وحكمته، فإنه لا يعاقب أحدا بذنب غيره، ولا يعاقب أحدا أكثر من العقوبة المستحقة عن ذنبه.

                              . ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ﴾[النساء :113]:
                              ومعنى يضلوك أي يلقوك في الحكم الخطأ، لأن قوم طُعْمَة عرفوا أنه سارق، ومع هذا سألوا النبي ﷺ أن يجادل عنه ويبرِّئه من السرقة، وينسبها إلى يهودي.

                              . ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ﴾[النساء :113]:
                              همّوا أن يوقعوا النبي في الخطأ، لولا فضل الله عليه وعصمته له، أما تخاف أنت على نفسك من الضلال، وقد كثر حولك الضُّلّال!

                              . ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ﴾[النساء :115]:
                              وجوب الاقتداء بسد الأنبياء! قال الإمام الرازي: «يدلُّ على أنَّه يجب الاقتداء بالرَّسولِ عليه الصَّلاة والسَّلام في أفعاله؛
                              إذ لو كان فعل الأمَّة غيرَ فعل الرسول لزِم كونُ كلِّ واحدٍ منهما في شقٍّ آخرَ من العمل، فتحصل المشاقَّة، لكنَّ المشاقَّة محرَّمة، فيلزَم وجوب الاقتداء به في أفعاله».

                              . ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾[النساء :116]:
                              أي ذهب عن الصواب وبعيدا عن طريق الجنة، فإن البعد عن الجنة مراتب، فأبعده الشرك بالله؛ لأنه أقبح الرذائل، ولذا لا يُغفَر، والشرك نوعان: جليٌّ وخفيٌّ، عافانا الله منهما.



                              ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا﴾[النساء :117]:
                              كان مشركو العرب يعبدون آلهة من دون الله، ويسمونها بأسماء الإناث كاللات والعزى ونائلة ومناة، وهو استهزاء بهم وتسفيه لآرائهم.

                              ﴿وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾[النساء :118]:
                              نصيب الشيطان من بني الإنسان! كل من أطاع الشيطان فهو من نصيبه، وهو من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، كما في الحديث: «يقول الله تعالى: يا آدم! فيقول:
                              لبيك وسعديك والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار. قال: وما بعث النار؟
                              قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين..». صحيح الجامع رقم: 8142

                              ﴿أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا﴾[النساء :121]:
                              محاولات الهروب من جهنم مستحيلة!

                              ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾[النساء :122]:
                              ثلاث تأكيدات هنا: ذكر وعد الله، والإشارة إلى أنه حق، وأنه لا أحد أصدق من الله وهو التأكيد الثالث، وفائدة هذه التأكيدات مقابلة مواعيد الشيطان الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه.
                              .
                              ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء :124]: لا ينقص من حسناتهم قدر نقير، وهو النقرة التي على ظهر النواة، وهي مبالغة في نفي الظلم، ووعد بتوفية الصالحين ثواب أعمالهم من غير نقصان.

                              ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [النساء :125]:
                              كر إسلام الوجه رغم أن المؤمن يسلم مع الوجه كل جوارحه؛ لأن الوجه أشرف الأعضاء، فإذا خضع خضع الباقي.




                              ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾[النساء :125]:
                              أحسن الناس دينا على الإطلاق هو من أسلم نفسَه لله واستسلم له، متمثِّلا مقام الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه.

                              . ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾[النساء :126]:
                              ارتباط هذه الآية بما قبلها أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا لحاجته إليه كحال الآدميين، وكيف يُعقَل هذا ولله ملك السموات والأرض؟!

                              ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴾[النساء :127]: سبب نزولها:
                              روى البخاري عن عائشة أنها قالت: هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها، فأشركته في ماله، فيرغب أن ينكحها، ويكره أن يُزوِّجها رجلا، فيشركه في ماله بما شركته، فيعضلها، فنزلت هذه الآية.

                              . ﴿وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ ﴾[النساء :127]:
                              معطوف على يتامى النساء، فقد كانوا في الجاهلية لا يورِّثون اليتامى كما لا يورِّثون النساء، فشرع الله لهم الميراث. قال ابن عباس في هذه الآية: «كانوا في الجاهلية لا يورِّثون الصغار ولا البنات».

                              . ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾[النساء :127]:
                              عملكم غير مجهولٍ، ولذا فهو غيرُ ضائع، بل مُسجَّلٌ عند الله، ولن يَضِيعَ خيرٌ سُجِّل عند الله، وهذا سبب قوة المؤمن وثباته وصلابته في طريق الحق.

                              . ﴿والصّلحُ خير﴾[النساء :128]:
                              يؤخذ مِن عموم هذا اللَّفظ أنَّ الصُّلح بين المتنازعين خيرٌ من استقصاء كلٍّ منهما لحقِّه.



                              ﴿وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾[النساء :131]:
                              المراد أن الله لا تنفعه طاعات الطائعين ولا تضره ذنوب المذنبين، فذكر بعد ذلك قوله:
                              ﴿فإن لله ما في السماوات وما في الأرض﴾،
                              والغرض منه تقرير أن الله غني لذاته عن كل مخلوقاته.

                              . ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾[النساء :132]:
                              قام بحفظ خلقه وتدبير أمور ما في السماوات وما في الارض، ويشمل هذا من يعقل ومن لا يعقل، فكيف لا يتوكل الخلق عليه؟!

                              ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾[النساء :138]:
                              التعبير بقوله: (بشِّر) بدلا من (أنذر) للتهكم، لأن البشارة لا تكون إلا في الأخبار السارة.

                              ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾[النساء :145]:
                              هذا في نفاق الاعتقاد الذي يُظهِر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر، فصاحبه في آخر دركة من دركات النار، وفي أقصى قعرها.


                              تعليق


                              • #30



                                الجزء السادس

                                ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ﴾:
                                قال السعدي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه، ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه،
                                ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى، كما قال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} .

                                ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ ﴾:
                                يريد الله أن يحمي آذان المجتمع من قول السوء والألفاظ الرديئة؛ لأن الناس تتكلم بما تسمع، والنطق بالكلمة السيئة سيرهق أجيالا قادمة؛
                                لأن من يسمع سيردد، ويلقي إلى غيره فينشر، فينتشر السوء كالوباء، ويتحمل الوزر الذي نطق به أول مرة.


                                ﴿ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً ﴾:
                                هذا التذييل مقصود به التحذير من التعدي في الجهر المأذون فيه، ووعدٌ للمظلوم بأن الله تعالى يسمع شكواه ودعاءه، ويعلم ظلم ظالمه له.

                                . ﴿ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً ﴾:
                                حجة المظلوم وإن لم يسمعها أحد، فإن الله سمعها، وقادر على الانتصار لها .

                                . تأمل سر التعبير بقوله ﴿لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ﴾،
                                ولم يقل : لاتجهروا بالسوء، ففي التلميح ما يغني عن التصريح، والمحب يهجر ما لا يحب حبيبه!




                                . ﴿ أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا ﴾:
                                الجزاء من جنس العمل، فمن عفا عن الناس، عفا الله عنه.

                                . ﴿ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ﴾:
                                يقول اليهود: نؤمن بالله وبموسى ونكفر بعيسى ومحمد، والنصارى يقولون: نؤمن بالله وبموسى وعيسى ونكفر بمحمد.

                                . البلاء موكّل بالمنطق: ﴿وقالوا قلوبنا غُلف﴾ أي لا تعي شيئا،
                                فنزل بهم بلاء :﴿وجعلنا قلوبهم قاسية﴾

                                . قال ابن عقيل: يا من يجد في قلبه قسوة .. احذر أن تكون نقضت عهدا
                                ﴿فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية﴾

                                . ﴿بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ﴾:
                                ردٌّ صريح وإنكار واضح لقتل عيسى عليه السلام، وإثبات رفعه إلى السماء بروحه وجسده، رفعه الله إليه وسينزل!
                                . بدأت قصة عيسى عليه السلام بمعجزة خرقت النواميس، فقد وُلد من أم دون أب، فإن صدقتم معجزة الميلاد،
                                فكيف لا تصدِّقون معجزة الرفع إلى السماء؟!

                                . ( فَبِظُلْم من الذينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيهِم طَيِّبَات):
                                من شؤم الظلم أن يزيل النعم، فلا ترجع إلا باستغفار وتـوبة!!



                                . ﴿ فَبظُلْمٍ مِنَ الذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَات﴾:
                                قال النبي عليه الصلاة والسلام : إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه!! العصيان من أعظم أسباب الحرمان .

                                . ﴿ورسلا لم نقصصهم عليك﴾:
                                لا يكن همُّك أن تشتهر، فما دام الله راضيا عنك فهذه أعظم شهرة، حتى الرسل لم يضرهم أن أخفى الله أسماء بعضهم في كتابه.

                                . كان أبو عبد الرحمن السُّلَمي إذا أقرأ أحداً القرآن قال:
                                قد أخذتَ علم الله، فليس أحدٌ اليوم أفضل منك إلا بعملك، ثم يقرأ:
                                ﴿أنزله بعلمه والملائكة يشهدون﴾.

                                . بقدر حظ قلبك من القرآن يكون نصيبه من الهداية والنور
                                ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾.

                                . ﴿ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا﴾:
                                خلافك مع غيرك يجب ألا يخرجك عن دائرة العدل وقول الحق فيه.

                                . ﴿ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا﴾:
                                قال ابن رواحة لليهود: والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليَّ، يعني رسول الله ﷺ، ولأنتم أبغض إليّ من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي لكم وحبي إياه أن لا أعدل عليكم،
                                فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.

                                ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ﴾:
                                وهو التجرؤ على معصية الله التي يأثم صاحبها، {وَالْعُدْوَانِ} هو التعدي على الخَلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كفُّ نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه.

                                ﴿وما علمتم من الجوارح مكلبين﴾:
                                قال ابن القيم: «من شرف العلم أنه لا يباح إلا صيد الكلب العالم». حتى الكلاب تتمايز بينها بالعلم!

                                . ﴿إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسطُوا إِلَيْكُم أَيْدِيَهُمْ فَكف أَيدِيَهُم عَنْكُمْ﴾:
                                كم من خطر أحدق بك وأنت عنه غافل، حرسك الله منه دون أن تحس.

                                . أقرب العباد إلى الله أكثرهم صلاة، وهم الفائزون بمعية التأييد والنصرة:
                                (وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة).

                                . ﴿فاعفُ عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ﴾:
                                ومن أحبه الله أحبته الملائكة والناس أجمعون.



                                . ‏﴿ فنسوا حظاً مما ذُكروا به فأغرينا بينهم العدواة والبغضاء ﴾
                                قال قتادة: لما تركوا كتاب الله، وعصوا رسله، وضيعوا فرائضه، وعطلوا حدوده، ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، ولو أخذ القوم كتاب الله وأمره، ما افترقوا ولا تباغضوا.

                                . ‏﴿ فنسوا حظاً مما ذُكروا به﴾:
                                قال عبد الله بن مسعود: قد ينسى العبد بعض العلم بالمعصية، وتلا هذه الآية: ‏﴿ فنسوا حظاً مما ذُكروا به﴾.

                                . {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}:
                                قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء: أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟
                                فلم يرد عليه، فتلا الشيخ هذه الآية:
                                {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}.

                                . ﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾:
                                من خاف من الله بحق لم يخف من الخلق.

                                . ﴿قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون﴾:
                                المبادرة المبادرة، والهجوم خيروسيلة للدفاع.

                                ﴿قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب﴾:
                                لم يلق نصح الرجلين استجابة من قومهم، لكن القرآن خلَّد ذكرهم بهذه الكلمات.. مقاييس النجاح عند ربك مختلفة!

                                ﴿ فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ﴾
                                فراق الفجرة من أهم سِمات البررة.



                                ﴿إنما يتقبل الله من المتقين﴾:
                                القبول لا يخضع لظاهر العمل، بل لِما وقر في قلبك من التقوى.

                                . {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}:
                                لها شاهد في مسند أحمد عن أنس: مرَّ النبي ﷺ في نفر من أصحابه، وصبي في الطريق، فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ، فأقبلت تسعى وتقول: ابني.. ابني! وسعت فأخذته،
                                فقال القوم: يا رسول الله، ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار، فقال ﷺ: «لا .. والله ما يلقي حبيبه في النار».

                                . ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾
                                شكرا أيها الغراب.. تعلَّمنا منك درسا من دروس الأخوة.

                                تعلم من كل من حولك حتى لو كان أقل منك، فقد تعلَّم ابن آدم من غراب كيف يدفن أخاه
                                ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾

                                . ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾:
                                كلُّ قربة تقرِّب من الله فهي وسيلة، فكل عمل صالح، وكل اجتنابٍ لمعصية هو وسيلة إلى الله.

                                . الوسيلة هي الوصْلة التي تُوصل إلى طاعة الله ورضوانه ومحبته، وهل يتقرَّب إنسان إلى أي أحد يحبه إلا بما يعلم أنه يُحبّه؟
                                فما بالنا بالتقرب إلى الله؟
                                وما يُحبه سبحانه أوضحه في الحديث القدسي: «وما تقرّب إليَّ عبدي بشيء أَحبّ إليَّ مما افترضته عليه».

                                . ختم الله آية حد السرقة بـقوله: ﴿والله عزيز حكيم﴾ ؛
                                فهو عزيز في انتقامه من المفسدين، حكيم في تقديره الحدود حفظاً لمصالح عباده.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X