بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله
و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه
أما بعد ،
كانت البشرية تسير في دياجر ظلمةِ ليلٍ بهيمٍ أطبق على الفكر فطَمَسَ مَعالِمَه و خنق الرُّوح فحَبَس أشواقها ، و كأنّ الزّمان يصرخ متأوّها من واقع قد بلغ شَأْوَه من الإنحطاط بمكانة الإنسان الكريم على الله ....
وفي حُلكة هذا الظلام بزغ فجر القرآن بنوره الوضّاء ليحيي هذا الإنسان من جديد ... إنها نفخة نور الوحي " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا" ....
إنها حياة السعداء تحت شلاّل هدير آي القرآن ....
إنه زكاء الروح و فيض الوجدان و سلسبيل الإيمان ، و أوكسجين القلوب و صابون النفس و عطر الأفئدة ....
إنه الأنيس في الوحشة و المسلّي عند الكُربة و الطبيب عند الحُرقة و المذكّر عند الزّلّة و المُرشد عند الحيرة..
جميلٌ أن تحفظ القرآن و تُرتّله بصوت شجيّ نديّ ، و أجمل من ذلك أن يمتزج عبير آياته بوجدانك و فكرك و جوارحك.... عقل يفكّ رموز ألفاظه ، و قلب يلمس شغاف آياته ، و جوارحُ تعكس نوره في واقعك ....
أرأيتم المِرآة الصافية إذا سلّطتْ عليها الشمس خيوطها البيضاء النّقيّة ، هل تراها تعكس لك غير الصفاء ......... بقدر الإستعداد يكون الإمداد ...فإذا كان هذا هو حال تلك القلوب من صفاء و نقاء ، فما أدراكم بالنور إذا سلّطته على جدرانها! ، إنه يسري داخل أقطارها مخترقا كلّ الحواجز التي قد كُسرت بلوْعَةِ الصدق مع الله .... فيا بهجتك يا قلب بقُدوم حزمات من أنوار القرآن تسكّن لجاجتك و ترصّ عواطفك و تكفكف آلامك و توقظ وجدانك .
هناك تكتسي النفس أروع ثيابها و تنوء بحَمْل كنوز آياته ، كيف لا و كلام رب العالمين يتنزّل على قلب رقيق ،
و الجبل على صلابته تصدّع لنزول القرآن ؟
يا من أشقاك غَرَر الأصحاب ! يا من تفتّش لك عن صاحب ! أنّى لك التناوش من مكان بعيد ، فهاهو ذا الصاحب الوفي ، فجَرِّب صحبته لتعلم أيّ الأصدقاء خيرٌ مقاما و أحسن نديّا !
إذا صَحِبْتَهُ ألفَيْتَهُ نحويّا بارعا و لغويا ضالعا و مشرّعا يافعا و مربيا سامعا و ناصحا نافعا !
و لك منّي كلمة ناصح شفوق :
إن أردتَ أن تكسب ثقته فبادِله حُبّا بحب و أَعِرْهُ قلبك ، وألقِ إليه سمعك ، وأنخ راحلة فؤادك ببابه ، ثم انظر فهل ترى إلا الوفاء و الحبّ و الصّدق ! فإذا أحسّ بصدقِ صُحبتك و حسن عشيرتك أسدل لك الستار عن أسرار آياته وأضاء فؤادك بدُرَر أنواره ، فهو البحر الخضمّ في أحشائه الدّرُّ كامنٌ ، فاسئل الغوّاصين عن صدفاته.!؟
من جالس جانس و الصاحب ساحب و الطبع يسرق من الطبع ....
فيا صاحب القرآن إنك تصحب النور... تلك طبيعته و ذاك جوهره فهل تبغي عنه حِوَلاً.... إقتبس من النور قبل يوم "تسوّل النور" ( انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا) ... (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا)
الى كل قلب
إلى القلوب الظمأى التي تلهث للارتواء من كلام الله تعالى !
إلى الأفئدة المشتعلة بفتيل القرآن !
إليكم اخوانى واخواتى هذا الموضوع بحُلّته الجديدة لتنثروا من كنانة قلوبكم ما فاضت به مواجيدكم من أنوار الآيات، فتسيل أودية بقدرها
لقد كان القرآن و لا زال يحيي الهِمَمَ الفاتِرة ويرشد النفوسَ الضالّة و يقوّم العقولَ التائهة ...
من منّا من لم توقظه آية من رقدة الغافلين ...
من منا من لم تحرّك وجدانه وخزة آياته فانطلق مسرّعا الخطى إلى الله...
من مناّ من لم تصحّح سيره إلى الله آية !
من منّا من ليس له تفاعل خاصّ مع بعض آي الكتاب ، بحيث إذا سمعها طار فؤاده و انتفض وجدانه ، فوَجِلَ القلب و اهتزّ الفؤاد !
من منّا من إذا سمع بعض الآيات سالت أودية قلبه بحبّ الله فانتعش الفؤاد و انجلى الغبار!
إن احتكاك النفس بدواليب الحياة و ارتماءها بين أحضان معارك الواقع المعاش بعُجَره و بُجَرِه ، يجعلها تتأثّر و تؤثِّر سلبا و إيجابا ، ولا شك أن الفقيه بالزمان و المكان يدرك تمام الإدراك أن غُبار الشر قد لاح بالأفق فخَنَق الأنفاس المُخْبتة ، فإمّا مجاهدةً بعد للنفس باستنشاق نسيم القرآن وإمّا ركوعا للواقع و ركوناً للشهوة .
إنه صراع حياة و موت " وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ".
نريد إخواني، أخواتنا أن نشمّ من هذا الموضوع رياحين قلوبكم !
نريد أن نسمع أزيزها !
نريد أن تصلنا رشّات وجدانكم !
نريد لأقلامكم أن تنطلق و لقلوبكم أن تعبّر و لمواجيدكم أن ترسم الحياة بالقرآن في هذا المنتدى .
نريد من هذا الموضوع أن يكون منبرا قرآنيا خالصا لا يختلط بغيره ، ونريد صدق مشاعركم تجاه كلمات الله تلقّيا عن الله ، فلكم أن تدرجوا من الآيات ما شئتم و من السور ما شئتم ، فهو كلام ربّكم جل جلاله و للإخوة أن يتفاعلوا مع كل أخ طرح موضوع آية ما ، حتى تتلاقحَ قلوبُنا و تلتئم بحبل القرآن وذلك بعد ان اطرح امام قلوبكم ايات من كلام ربنا واضع معه خاطرة امتلىء بها قلبى وعاشها فؤادى
ثم لكم ان تجولوا بقلوبكم معها
فلنشرع أولا بما شاء الله من ايات ربنا مع همسة وخاطرة شيئا فشيئا ، و إنما السيل اجتماع النقط ، و إنما الجبال من الحصى
و أختم بهذه الكلمات الربانية للشيخ فريد الأنصاري رحمه الله ، وعلى وِزانها فلْنقس كل مداخلاتنا بإذن الله ، فهي الميزان الذي لا يخطئ إن شاء الله :
"وإن التعبير عما يجده كل واحد منا إزاء هذه الآية أو تلك من مشاعر وأحاسيس ووصف آثار الآية في النفس، وبيان وقعها على لطائفها، وتهذيبها لشذوذها وشرودها عن باب الله، وعلاجها لما تعانيه من أدوائها...إلخ، كل ذلك يساعد كثيرا على التخلق بأخلاق القرآن، والتلقي لحقائقه الإيمانية، الذي هو غاية هذا الموقع ومنتدياته كلها! ثم إن عرض المشكلات والموانع، التي قد تعوقني أو تعوقك، وتحول دون الوصول إلى هذا المقام الإيماني أو ذاك، مما تعرضه الآية وتبشر به، هو المطلوب للتداول والتدارس في هذا السياق.
وحول هذا وذاك يحسن أن تدور المناقشات.. إن الذي يتذكر الآية وهو في غمرة التدافع الاجتماعي فيصنع بها موقفه على المستوى النفسي والفعلي.. هو الذي يكون قد اكتسب خلق تلك الآية وتلقى حقيقتها الإيمانية.. ثم إن الذي يكابد معراجها، ويتألم بتسلق جبالها هو الذي يكون قد اتخذ طريقه نحو تلقي رسالتها!
ومع هذا فلا بأس من التنبيه على بعض المعاني التفسيرية مما لا يتحقق التدبر الأمثل للآية إلا به! فمثل هذا لا إسراف فيه، ولا شرود عن قصد مجالس القرآن إن شاء الله.. "
انتهى كلام الشيخ
و لتنطلق سفينة القسم بسم الله مجراها و مرساها ،مع هذا الموضوع
سدد الله الجميع وبارك فيهم. ووفقنا لما يحبه ويرضاه و رزقنا و إياكم الإخلاص في الأعمال و الصدق في الأقوال و الفِعَال.
آمين
تعليق