رد: شبهات وردود
قال تعالى: ] فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[30]
قال الرازي: "هذه المباحثة إنما جرت مع قومه لأجل أن يرشدهم إلى الإيمان والتوحيد، لا لأجل أن إبراهيم كان يطلب الدين والمعرفة لنفسه".
وقوله عليه السلام عن الشمس والقمر والكوكب: ] هذا ربي[ إنما نوع من التدرج في إبطال ربوبيتها.
وقد ذكر الرازي وجوهاً في توجيه قول إبراهيم عليه السلام منها " أنه e أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب، إلا أنه عليه السلام كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبُعد طباعهم عن قبول الدلائل؛ أنه لو صرح بالدعوة إلى الله تعالى لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه، فمال إلى طريق به يستدرجهم إلى استماع الحجة، وذلك بأن ذكر كلاماً يوهم كونه مساعداً لهم على مذهبهم بربوبية الكواكب، مع أن قلبه صلوات الله عليه كان مطمئناً بالإيمان، ومقصوده من ذلك أن يتمكن من ذكر الدليل على إبطاله وإفساده وأن يقبلوا قوله، وتمام التقرير أنه لما لم يجد إلى الدعوة طريقاً سوى هذا الطريق، وكان عليه السلام مأموراً بالدعوة إلى الله كان بمنزلة المكره على كلمة الكفر".[31]
وقال ابن القيم: " قاله على سبيل التقرير، لتقريع قومه أو على سبيل الاستدلال والترقي "[32]، وقال : "قيل: إنها على وجه إقامة الحجة على قومه، فتصور بصورة الموافق ليكون أدعى إلى القبول، ثم توسل بصورة الموافقة إلى إعلامهم بأنه لا يجوز أن يكون المعبود ناقصاً آفلاً ".[33]
واتبع إبراهيم الخليل عليه السلام في دعوته لعبدة الكواكب من قومه أسلوبا مختلفا عن الأسلوب الذي استخدمه مع أبيه ومع عبدة الأصنام، فلم يستخدم أسلوب النصح المباشر ولم يعب عليهم ابتداء عبادتهم للكواكب كما أنه لم يغير المنكر باليد كما فعل مع عبدة الأصنام حين حطمها وبين لهم عجزها عن دفع الضر عن نفسها فكيف تنفع غيرها أو تدفع عنه الضر، حيث أظهر هنا لقومه موافقته لهم، حتى يلزمهم بعد أن لم يجد اللسان ، فاتبع هنا مع أصحاب الهياكل عباد النجوم طريقة الموافقة في العبارة من أجل إلزام الخصم وبينا فساد ما هم عليه من عقيدة.
فحين جاءا الليل وستر الكون بظلمته ورأى إبراهيم عليه السلام كوكبا قال لقومه هذا ربي فلما أفل وغاب قال لا أحب الآفلين، والذي يظهر أن إبراهيم عليه السلام قال ذلك يستدرج قومه ليقيم عليهم الحجة ويلزمهم ويبين لهم بالدليل العقلي أنها لا تستحق أن تعبد ولا يصرف لها أي شيء من العبادة، فهي مربوبة مخلوقة فقال لقومه عن الكوكب (هذا ربي) ليظهر موافقته لهم أولا فيطمئنوا إليه ثم يدحظ هذا القول بالحجة الدامغة و الدليل المبين، وفي هذا إنصاف للخصم وأراد بذلك أيضا أن يتفادى الشغب الذي قد يثيرونه فيما لو بدأهم بالإنكار.
لقد استدل إبراهيم عليه السلام بالأفول والزوال والتغير والانتقال على أن هذا الكوكب لا يصلح أن يكون إلهاً، فأفوله يدل على أنه مدبر يحتاج إلى من يدبره
ثم لما ( رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لأن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين )
{فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ً وما أنا من المشركين}
وواضح أن قوله هذا هو قول من يعرف بأن الشمس ستغيب وهو ينتظر غيابها ليقول ما قال مفحما خصمه الذي يؤلهها، ومقيما ً الدليل على صدق ما يدعو إليه.
وحاجة قومه وجادلوه في ألهتهم وخوفوه فقال: أتجادلونني في الله وفي وحدانيته وهو الذي هداني إلى الحق وإلى معرفته وكيف تخفونني مما لا يلمك نفعا ولاضرا
إني لا أخاف من هذه الأصنام التي تشركونها مع الله في العبادة إلا أن يشاء ربي شيئا من إصابتي بمكروه من جهتها وذلك إنما هو من جهته تعالى من غير دخل لمعبوداتكم فيه أصلاً.
وسع ربي كل شيء علما فلايبعد أن يكون في علمه إنزال المخوف بي من جهتها .
( أفلا تتذكرون )
(وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم به سلطانا) (فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون )
ونكتة التعبير بأي الفريقين دون أن يقول فأينا أحق بالأمن الإشارة إلى أن هذه المقابلة عامة لكل موحد ومشرك لاخاصة به وبهم، والبعد عن التصريح بخطئهم الذي ربما يدعوا إلى اللجاج والعناد وتنفيرهم من الإصغاء إلى قوله (إن كنتم تعلمون ) أي إن كنتم من أهل العلم والبصيرة في هذا الأمر فأخبروني ذلك وبينوه بالأدلة وفي هذا إلحاح لهم إلى الاعتراف بالحق أو السكوت على الحمق والجهل.
ثم يقول الله تعالى ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم )
فالله تبارك وتعالى هو الذي علم خليله كيف يحاجج ويناظر قومه وكيف يقيم الدليل على صدق مايدعوهم إليه من التوحيد وبطلان ماهم عليه من عبادة الكواكب فالفضل لله سبحانه أولاً وآخرا يرفع من يشاء في العلم والحكمة والفضل فهو حكيم فيما يفعل عليم بأحوال عبادة وخلقة وبمن يستحق منهم الإنعام والإكرام أو المنع والحرمان[34] .
َ بحث علمي
حوار إبراهيم عليه السلام مع مخالفيه في القرآن الكريم
د. محمد سليمان البراك
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة أم القرى بمكة المكرمة
شبهة شك سيدنا إبراهيم فيمن يكون ربه
قال تعالى: ] فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[30]
قال الرازي: "هذه المباحثة إنما جرت مع قومه لأجل أن يرشدهم إلى الإيمان والتوحيد، لا لأجل أن إبراهيم كان يطلب الدين والمعرفة لنفسه".
وقوله عليه السلام عن الشمس والقمر والكوكب: ] هذا ربي[ إنما نوع من التدرج في إبطال ربوبيتها.
وقد ذكر الرازي وجوهاً في توجيه قول إبراهيم عليه السلام منها " أنه e أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب، إلا أنه عليه السلام كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبُعد طباعهم عن قبول الدلائل؛ أنه لو صرح بالدعوة إلى الله تعالى لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه، فمال إلى طريق به يستدرجهم إلى استماع الحجة، وذلك بأن ذكر كلاماً يوهم كونه مساعداً لهم على مذهبهم بربوبية الكواكب، مع أن قلبه صلوات الله عليه كان مطمئناً بالإيمان، ومقصوده من ذلك أن يتمكن من ذكر الدليل على إبطاله وإفساده وأن يقبلوا قوله، وتمام التقرير أنه لما لم يجد إلى الدعوة طريقاً سوى هذا الطريق، وكان عليه السلام مأموراً بالدعوة إلى الله كان بمنزلة المكره على كلمة الكفر".[31]
وقال ابن القيم: " قاله على سبيل التقرير، لتقريع قومه أو على سبيل الاستدلال والترقي "[32]، وقال : "قيل: إنها على وجه إقامة الحجة على قومه، فتصور بصورة الموافق ليكون أدعى إلى القبول، ثم توسل بصورة الموافقة إلى إعلامهم بأنه لا يجوز أن يكون المعبود ناقصاً آفلاً ".[33]
واتبع إبراهيم الخليل عليه السلام في دعوته لعبدة الكواكب من قومه أسلوبا مختلفا عن الأسلوب الذي استخدمه مع أبيه ومع عبدة الأصنام، فلم يستخدم أسلوب النصح المباشر ولم يعب عليهم ابتداء عبادتهم للكواكب كما أنه لم يغير المنكر باليد كما فعل مع عبدة الأصنام حين حطمها وبين لهم عجزها عن دفع الضر عن نفسها فكيف تنفع غيرها أو تدفع عنه الضر، حيث أظهر هنا لقومه موافقته لهم، حتى يلزمهم بعد أن لم يجد اللسان ، فاتبع هنا مع أصحاب الهياكل عباد النجوم طريقة الموافقة في العبارة من أجل إلزام الخصم وبينا فساد ما هم عليه من عقيدة.
فحين جاءا الليل وستر الكون بظلمته ورأى إبراهيم عليه السلام كوكبا قال لقومه هذا ربي فلما أفل وغاب قال لا أحب الآفلين، والذي يظهر أن إبراهيم عليه السلام قال ذلك يستدرج قومه ليقيم عليهم الحجة ويلزمهم ويبين لهم بالدليل العقلي أنها لا تستحق أن تعبد ولا يصرف لها أي شيء من العبادة، فهي مربوبة مخلوقة فقال لقومه عن الكوكب (هذا ربي) ليظهر موافقته لهم أولا فيطمئنوا إليه ثم يدحظ هذا القول بالحجة الدامغة و الدليل المبين، وفي هذا إنصاف للخصم وأراد بذلك أيضا أن يتفادى الشغب الذي قد يثيرونه فيما لو بدأهم بالإنكار.
لقد استدل إبراهيم عليه السلام بالأفول والزوال والتغير والانتقال على أن هذا الكوكب لا يصلح أن يكون إلهاً، فأفوله يدل على أنه مدبر يحتاج إلى من يدبره
ثم لما ( رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لأن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين )
{فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ً وما أنا من المشركين}
وواضح أن قوله هذا هو قول من يعرف بأن الشمس ستغيب وهو ينتظر غيابها ليقول ما قال مفحما خصمه الذي يؤلهها، ومقيما ً الدليل على صدق ما يدعو إليه.
وحاجة قومه وجادلوه في ألهتهم وخوفوه فقال: أتجادلونني في الله وفي وحدانيته وهو الذي هداني إلى الحق وإلى معرفته وكيف تخفونني مما لا يلمك نفعا ولاضرا
إني لا أخاف من هذه الأصنام التي تشركونها مع الله في العبادة إلا أن يشاء ربي شيئا من إصابتي بمكروه من جهتها وذلك إنما هو من جهته تعالى من غير دخل لمعبوداتكم فيه أصلاً.
وسع ربي كل شيء علما فلايبعد أن يكون في علمه إنزال المخوف بي من جهتها .
( أفلا تتذكرون )
(وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل به عليكم به سلطانا) (فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون )
ونكتة التعبير بأي الفريقين دون أن يقول فأينا أحق بالأمن الإشارة إلى أن هذه المقابلة عامة لكل موحد ومشرك لاخاصة به وبهم، والبعد عن التصريح بخطئهم الذي ربما يدعوا إلى اللجاج والعناد وتنفيرهم من الإصغاء إلى قوله (إن كنتم تعلمون ) أي إن كنتم من أهل العلم والبصيرة في هذا الأمر فأخبروني ذلك وبينوه بالأدلة وفي هذا إلحاح لهم إلى الاعتراف بالحق أو السكوت على الحمق والجهل.
ثم يقول الله تعالى ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم )
فالله تبارك وتعالى هو الذي علم خليله كيف يحاجج ويناظر قومه وكيف يقيم الدليل على صدق مايدعوهم إليه من التوحيد وبطلان ماهم عليه من عبادة الكواكب فالفضل لله سبحانه أولاً وآخرا يرفع من يشاء في العلم والحكمة والفضل فهو حكيم فيما يفعل عليم بأحوال عبادة وخلقة وبمن يستحق منهم الإنعام والإكرام أو المنع والحرمان[34] .
َ بحث علمي
حوار إبراهيم عليه السلام مع مخالفيه في القرآن الكريم
د. محمد سليمان البراك
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة أم القرى بمكة المكرمة
تعليق