إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شبهات وردود

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76
    رد: شبهات وردود

    جزاكم الله خيرا
    وللتنويه معظم هذه المقالات من موقع سبيل الاسلام وياريت يتم ترجمتها ونشرها بعد مراجعتها طبعا لتعم الفائده
    نفع الله بى وبكم
    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
    "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
    "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

    تعليق


    • #77
      رد: شبهات وردود

      دفع شبهات حول قصه اوريا مع النبى داود
      السلام عليكم ورحمه الله وبركاته


      الحمد لله الواحد الاحد , الذى اختار واصطفى لنا رسلا وفضلهم على العالمين
      يعانى النصارى من مشكلات كبرى فى كتبهم , وخاصه فضائح الانبياء التى تثبت تحريف كتبهم المقدسه , اذ من غير المعقول ان يختار الله من سفله الناس ودنيه القوم انبياء ويرسلهم لحمل رسالته ودعوه الناس الى الخير والبر وهم كما وصفهم الكتاب المقدس .


      دفع شبهات حول قصه اوريا مع النبى داود .........السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

      الحمد لله الواحد الاحد , الذى اختار واصطفى لنا رسلا وفضلهم على العالمين

      يعانى النصارى من مشكلات كبرى فى كتبهم , وخاصه فضائح الانبياء التى تثبت تحريف كتبهم المقدسه , اذ من غير المعقول ان يختار الله من سفله الناس ودنيه القوم انبياء ويرسلهم لحمل رسالته ودعوه الناس الى الخير والبر وهم كما وصفهم الكتاب المقدس .

      لذلك قام النصارى بمحاوله يائسه لاثبات باطل فى كتبهم , وادعوا ان قصه زنا داود مع قائد جيشه اوريا قد ذكرها القران ايضا , بالتالى ليس من حق المسلمين اتهام الكتاب المقدس بنسبه جرائم اخلاقيه للانبياء ,, ولا اعرف هل اضحك ام ابكى على جهل وكذب المنصرين , واليكم نص الشبهه حول الايه الكريمه . (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ(17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ(18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ(19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ(20) وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)

      الــــــــــــــــــــــــــــــــــــرد

      أيها القارئ الكريم انت ترى من سياق الآيات ان الله مدح داود مدحا عظيما فوصفه بأجل الصفات المناسبه لمقام النبيين حقا فقال ان له يدا قويه فى مرضاه الله تعالى وانه كثير الرجوع الى الاعمال الصالحه التى ترضى الله تعالى , وانه لكثره تسبيحه وعباده ربه سخر الله له الجماد والحيوان الاعجم لتسبيح الله معه , ولا ريب فى ان ذلك علامه قبول , ودليل الرضا اذ لو لم يرض الله عنه لما أطلعه على اسرار خلقه التى لا يطلع عليها الا من اصطفاه من عباده , ولو لم يقبله لما افهمه تسبيح الجماد والحيوان ليزداد بذلك نشاطا فى عباده ربه , وتفانيا فى الاخلاص له , ثم اخبر الله سبحانه بأنه ملكه ايضا ملكا عظيما وأنعم عليه بالحكمه وهى العلم النافع فى الدين والدنيا , انعم عليه بنعمه الهدايه الى الصواب فى فصل الخصومات

      افلا تكفى هذه المزايا العظيمه التى لا تجتمع الى فى كبار الانبياء للحيلوله بين داود وبين الفعله الشائنه ؟ لا ريب فى ان من كان على عذا الحال النتى قصها الله فى كتابه, يستحيل عليه ان يجرى مع شهواته الى هذا الحد وبديهى ان الحكمه اسم جامع لكل الاعمال الفضائل الانسانيه , فهل يليق بالحكيم ان تدفع به شهوته الى قتل بعض قواده المخلصين بوسيله فاسده طمعا فى سلب امرأته ؟ الا ان هذا لو فعله احد الناس لحكم عليه بالدناءه والشر والخسه التى لا حد لها , فضلا عمن يؤتيه الله الحكمه , ان هذا ضرب من ضروب المحال وهل يليق بعد ذلك بأحد من يفهم فى كتاب الله هو المثل الاعلى فى البلاغه والفصاحه والايه الكبرى فى تنسيق القبول وزنته بموازين الكمال أن يمدح شخصا بمثل هذه المدائح مع كونه شهويا شرها لا يستنكف عن ان يقصد قتل قائده لاغراض فاسده و على هذا يكون قوله وهل اتاك نبأ الخصم يفهم كألاتى على وجهين :

      اولا: ان داود كان يقضى بين الناس وقد رأى ان يزيد من حرسه ارهابا للاعداء كما اشاره الى ذلك سبحانه (( وشددنا ملكه )) فكان ذلك سببا فى تعطيل القضاء بين الناس الذين لهم قلوب ضعيفه ترهب القوه فلم يتمكنوا من عرض قضاياهم فأراد الله سبحانه ان يلفت نظره لما عساه أن يقع بسبب اهمال القضاء والترفع عن مستوى الناس الضعاف فكان موجودا فى المسجد والحرس يحدق به فجاء ملكان فى صوره خصمين وتسورا المحراب الى اخر القصه ولهذا لما سمع القصه من احدهما دهش وتسرع فى الحكم قبل ان يسمع اجابه الخصم الاخر فلما انصرف الملكان ظن داود ان هذه فتنه فأستغفر ربه فالاستغفار كان فى تسرعه فى الحكم ومن الغفله عن أمر القضاء وهو ليس بكبيره , انما هو غير لائق بمقام النبوه فى الجمله فهو ذنب بالنسبه لذلك المقام العظيم . وما يرد على ذلك من نسبه الكذب الى الملائكه فهو غير سديدلآن الغرض منه تمثيل الحادثه بصوره مؤثره ولا ريب فى ات تمثيل ذلك الآمر بهذه الصوره له قيمته فى نفس سيدنا داود ونفس من يسمعها بعده من الناس . على ان هذا لا يسمى كذبا لآن القرينه قد قامت على المقصود منه .

      ولو فرضنا جدالا ان كلام النصارى والكتاب المقدس فى القصه وقعت بين داود عليه السلام و قائده اوريا وقعت فيكون الدليل الاتى هو المنطقى

      ثانيا :

      ان الحادثه وقعت مع اوريا ومرأته حقيقه ولكن ليس بهذه الصوره الشنيعه , بل الواقع ان أوريا خطب هذه المراه مجرد خطبه ولم يعقد عليها ولا معها , والدليل هو ان الانجيل يقول على العذراء مريم أمراه يوسف النجار مع انها لم تتزوج ..

      Mt20:

      20 ولكن فيما هو متفكر في هذه الامور اذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا يا يوسف ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك . لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. (SVD) انجيل متى 1/20

      ثم خطبها بعد ذلك ففضلت داود طبعا لانه ملك , وأوريا لما علم كف عن امرها عن طيب خاطر , ولكن الله تعالى اعتبر هذا العمل لا يتناسب مع مقام داود وان كان فى نفسه ليس جريمه تخل بمقام النبوه فعاتبه على هذا العمل , وهذا هو الواقع الذى يقبله العقل ولكن اعداء الفضيله حرفوه الى هذا الحد المخزى وقد ورد عن الخليفه على بن طالب رضى الله عنه انه قال اذا سمعت أحد يقول فى داود ما يقوله أهل الكتاب أقمت عليه حد القذف وهذا كلام حق يدل على فطنه ذلك الخليفه الراشد الجليل وتقديره لفضيله حق قدرها .

      دفاع داود عن نفسه , يقضى على افتراء الكاذبين

      الايه ( { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} (78) سورة المائدة

      فهل بقى للمنصرين والمفشرين من شئ بعد ان فضحنا كذبهم ؟

      واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
      اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
      "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
      "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

      تعليق


      • #78
        رد: شبهات وردود

        مقتل عصماء بنت مروان / شبهة ورد الكاتب/ Administrator 21/02/2007
        ملخص الشبهة عند النصارى :

        ((( أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عميراً بن عدّي إلى عصماء بنت مروان وأمره بقتلها لأنها ذمَّته. فجاءها ليلاً، وكان أعمى، فدخل عليها بيتها، وحولها نفر من ولدها نيام ومنهم مَن ترضعه. فجسَّها عمير بيده، ونحَّى الصبي عنها، وأنفذ سيفه من صدرها إلى ظهرها. ثم رجع فأتى المسجد فصلى، وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما حصل، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : لا ينتطح فيها عنزان ... ))) .


        الرد على الشبهة :

        قال العلامة الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في
        " سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (13/33) الحديث رقم 6013 :

        موضوع .
        أخرجه القضاعي في"مسند الشهاب" (2/46/856) ، وكذا ابن عدي
        (6/2156) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل" (1/175) ، وابن عساكر في "تاريخ
        دمشق" (14/768 - المدينة) من طريق محمد بن إبراهيم بن العلاء الشامي :
        حدثنا محمد بن الحجاج اللَّخمي أبو إبراهيم الواسطي عن مجالد بن سعيد
        عن الشعبي عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال :

        هجت امرأة من بني خطمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهجاء لها ، قال : فبلغ ذلك النبيَّ
        صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فاشتد عليه ذلك ، وقال : « من لي بها ؛ » ، فقال رجل من قومها : أنا يا
        رسول الله ! وكانت تمّارة ؛ تبيع التمر ، قال : فأتاها ، فقال لها : عندك تمر ؛ فقالت :
        نعم . فأرته تمراً ، فقال أردتُ أجود من هذا . قال : فدخلت لتريه . قال : فدخل
        خلفها ونظر يميناً وشمالاً ، فلم ير إلا خِواناً ، فعلا به رأسها حتى دمغها به ، قال :
        ثم أتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : يا رسول الله ! قد كفيتُكَها . قال :
        فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
        « إنه لا ينتطح فيها عنزان » ، فأرسلها مثلاً .

        وقال ابن عدي - وتبعه ابن الجوزي - :
        "هذا مما يتهم بوضعه محمد بن الحجاج " .
        قلت : وهو كذاب خبيث ؛ كما قال ابن معين ، وهو واضع حديث الهريسة ،
        وقد تقدم (690) ، وقبله حديث آخر له موضوع .

        والراوي عنه محمد بن إبراهيم الشامي ؛ كذاب أيضاً ؛ كما تقدم بيانه في
        الحديث الذي قبله ؛ ولكنه قد توبع : أخرجه الخطيب في "التاريخ" (13/99) من
        طريق مسلم بن عيسى - جار أبي مسلم المُسْتَمْلي - : حدثنا محمد بن الحجاج
        اللخمي ... به .
        ذكره في ترجمة ابن عيسى هذا ، ولم يزد فيها على أن ساق له هذا الحديث ،
        فهو مجهول العين . والله أعلم .

        والحديث ؛ علقه ابن سعد في "الطبقات" (2/27 - 28) بأتمِّ مما هنا ، والظاهر
        أنه مما تلقاه عن شيخه الواقدي ، وقد وصله القضاعي (2/48/858) من طريقه
        بسند آخر نحوه .
        لكن الواقدي متهم بالكذب ؛ فلا يعتدُّ به .
        وأورد منه الشيخ العجلوني في "كشف الخفاء" (2/375/3137) حديث
        الترجمة فقط من رواية ابن عدي ، وسكت عنه ؛ فأساء !

        انتهى كلام الألباني رحمه الله

        بلال
        اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
        "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
        "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

        تعليق


        • #79
          رد: شبهات وردود

          أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل
          الرد على الشبهة:

          أما الشبهة الثانية والزائفة التى تثار حول موقف الإسلام من شهادة المرأة.. التى يقول مثيروها: إن الإسلام قد جعل المرأة نصف إنسان ، وذلك عندما جعل شهادتها نصف شهادة الرجل ، مستدلين على ذلك بآية سورة البقرة

          :(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دُعُوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شىء عليم) (1).
          ومصدر الشبهة التى حسب مثيروها أن الإسلام قد انتقص من أهلية المرأة ، بجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل: [ فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ] هو الخلط بين " الشهادة " وبين " الإشهاد " الذى تتحدث عنه هذه الآية الكريمة.. فالشهادة التى يعتمد عليها القضاء فى اكتشاف العدل المؤسس على البينة ، واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم ، لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارًا لصدقها أو كذبها ، ومن ثم قبولها أو رفضها.. وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضى لصدق الشهادة بصرف النظرعن جنس الشاهد ، ذكرًا كان أو أنثى ، وبصرف النظر عن عدد الشهود.. فالقاضى إذا اطمأن ضميره إلى ظهور البينة أن يعتمد شهادة رجلين ، أو امرأتين ، أو رجل وامرأة ، أو رجل وامرأتين ، أو امرأة ورجلين ، أو رجل واحد أو امرأة واحدة.. ولا أثر للذكورة أو الأنوثة فى الشهادة التى يحكم القضاء بناءً على ما تقدمه له من البينات..

          أما آية سورة البقرة ، والتى قالت: [ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى] فإنها تتحدث عن أمر آخر غير" الشهادة " أمام القضاء.. تتحدث عن " الإشهاد " الذى يقوم به صاحب الدين للاستيثاق من الحفاظ على دَيْنه ، وليس عن " الشهادة " التى يعتمد عليها القاضى فى حكمه بين المتنازعين.. فهى - الآية - موجهة لصاحب الحق الدَّيْن وليس إلى القاضى الحاكم فى النزاع.. بل إن هذه الآية لا تتوجه إلى كل صاحب حق دَيْن ولا تشترط ما اشترطت من مستويات الإشهاد وعدد الشهود فى كل حالات الدَّيْن.. وإنما توجهت بالنصح والإرشاد فقط النصح والإرشاد إلى دائن خاص ، وفى حالات خاصة من الديون ، لها ملابسات خاصة نصت عليها الآية.. فهو دين إلى أجل مسمى.. ولابد من كتابته.. ولابد من عدالة الكاتب. ويحرم امتناع الكاتب عن الكتابة..ولابد من إملاء الذى عليه الحق.. وإن لم يستطع فليملل وليه بالعدل.. والإشهاد لا بد أن يكون من رجلين من المؤمنين.. أو رجل وامرأتين من المؤمنين.. وأن يكون الشهود ممن ترضى عنهم الجماعة.. ولا يصح امتناع الشهود عن الشهادة.. وليست هذه الشروط بمطلوبة فى التجارة الحاضرة.. ولا فى المبايعات..
          ثم إن الآية ترى فى هذا المستوى من الإشهاد الوضع الأقسط والأقوم.. وذلك لا ينفى المستوى الأدنى من القسط..
          ولقد فقه هذه الحقيقة حقيقة أن هذه الآية إنما تتحدث عن " الإشهاد" فى دَيْن خاص ، وليس عن الشهادة.. وإنها نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن ذى المواصفات والملابسات الخاصة وليست تشريعاً موجهاً إلى القاضى الحاكم فى المنازعات.. فقه ذلك العلماء المجتهدون..
          ومن هؤلاء العلماء الفقهاء الذين فقهوا هذه الحقيقة ، وفصّلوا القول فيها شيخ الإسلام ابن تيمية [661728 هجرية /1263 1328] وتلميذه العلامة ابن القيم [691751 هجرية / 1292 1350م ] من القدماء والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده [ 12651323 هجرية ] والإمام الشيخ محمود شلتوت [13101383 هجرية /18931963م] من المحدثين والمعاصرين فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه ويؤكد عليه ابن القيم:
          قال عن " البينة " التى يحكم القاضى بناء عليها.. والتى وضع قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى ، واليمين على المدعى عليه " رواه البخارى والترمذى وابن ماجه:
          " إن البينة فى الشرع ، اسم لما يبيّن الحق ويظهره ، وهى تارة تكون أربعة شهود ، وتارة ثلاثة ، بالنص فى بينة المفلس ، وتارة شاهدين ، وشاهد واحد ، وامرأة واحدة ، وتكون نُكولاً (2) ، ويمينًا، أو خمسين يميناً أو أربعة أيمان ، وتكون شاهد الحال.
          فقوله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى " ، أى عليه أن يظهر ما يبيّن صحة دعواه ، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حُكِم له.. " (3) فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد أو أكثر ، تقوم بشهادة المرأة الواحدة ، أو أكثر، وفق معيار البينة التى يطمئن إليها ضمير الحاكم - القاضى -..
          ولقد فصّل ابن تيمية القول فى التمييز بين طرق حفظ الحقوق ، التى أرشدت إليها ونصحت بها آية الإشهاد - الآية 282 من سورة البقرة وهى الموجهة إلى صاحب " الحق الدَّين " وبين طرق البينة ، التى يحكم الحاكم القاضى بناء عليها.. وأورد ابن القيم تفصيل ابن تيمية هذا تحت عنوان [ الطرق التى يحفظ بها الإنسان حقه ].. فقال:
          " إن القرآن لم يذكر الشاهدين ، والرجل والمرأتين فى طرق الحكم التى يحكم بها الحاكم ، وإنما ذكر النوعين من البينات فى الطرق التى يحفظ بها الإنسان حقه ، فقال تعالى: ??(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) (4).. فأمرهم ، سبحانه ، بحفظ حقوقهم بالكتاب (5) ، وأمر من عليه الحق أن يملى الكاتب ، فإن لم يكن ممن يصح إملاؤه أملى عنه وليه ، ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين ، فإن لم يجد فرجل وامرأتان ، ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة عن التخلف عن إقامتها إذا طُلبوا لذلك ، ثم رخّص لهم فى التجارة الحاضرة ألا يكتبوها ، ثم أمرهم بالإشهاد عند التبايع ، ثم أمرهم إذا كانوا على سفر ولم يجدوا كاتباً ، أن يستوثقوا بالرهان المقبوضة.
          كل هذا نصيحة لهم ، وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم ، وما تحفظ به الحقوق شئ وما يحكم به الحاكم [ القاضى ] شئ ، فإن طرق الحكم أوسع من الشاهد والمرأتين ، فإن الحاكم يحكم بالنكول ، واليمين المردودة ولا ذكر لهما فى القرآن وأيضاً: فإن الحاكم يحكم بالقرعة بكتاب الله وسنة رسوله الصريحة الصحيحة.. ويحكم بالقافة (6) بالسنة الصريحة الصحيحة التى لا معارض لها ويحكم بالقامة (7) بالسنة الصحيحة الصريحة ، ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان متاع البيت والدكان ، ويحكم ، عند من أنكر الحكم بالشاهد واليمين بوجود الآجر فى الحائط ، فيجعله للمدعى إذا كان جهته وهذا كله ليس فى القرآن ، ولا حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه..
          فإن قيل: فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بدلٌ عن الشاهدين ، وأنه لا يُقْضَى بهما إلا عند عدم الشاهدين.
          قيل: القرآن لا يدل على ذلك ، فإن هذا أمر لأصحاب الحقوق بما يحفظون به حقوقهم ، فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق ، فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها.. وهو سبحانه لم يذكر ما يحكم به الحاكم ، وإنما أرشدنا إلى ما يحفظ به الحق ، وطرق الحكم أوسع من الطرق التى تُحفظ بها الحقوق " (8)..
          وبعد إيراد ابن القيم لهذه النصوص نقلاً عن شيخه وشيخ الإسلام ابن تيمية علق عليها ، مؤكداً إياها ، فقال: " قلت [ أى ابن القيم ]: وليس فى القرآن ما يقتضى أنه لا يُحْكَم إلا بشاهدين ،أو شاهد وامرأتين ، فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النِّصاب ، ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به ، فضلاً عن أن يكون قد أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك. ولهذا يحكم الحاكم بالنكول ، واليمين المردودة ، والمرأة الواحدة ، والنساء المنفردات لا رجل معهن ، وبمعاقد القُمُط (9) ، ووجوه الآجرّ ، وغير ذلك من طرق الحكم التى تُذكر فى القرآن..فطرق الحكم شئ ، وطرق حفظ الحقوق شئ آخر ، وليس بينهما تلازم ، فتُحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه ، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه ، ولا خطر على باله.. " (10).
          فطرق الإشهاد ، فى آية سورة البقرة التى تجعل شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد هى نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّين ذى الطبيعة الخاصة -.. وليست التشريع الموجه إلى الحاكم القاضى والجامع لطرق الشهادات والبينات.. وهى أيضاً خاصة بدَيْن له مواصفاته وملابساته ، وليست التشريع العام فى البينات التى تُظهر العدل فيحكم به القضاة..
          * وبعد هذا الضبط والتمييز والتحديد.. أخذ ابن تيمية يعدد حالات البينات والشهادات التى يجوز للقاضى الحاكم الحكم بناء عليها.. فقال: " إنه يجوز للحاكم ? [ القاضى ] ? الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه فى غير الحدود ، ولم يوجب الله على الحاكم ألا يحكم إلا بشاهدين أصلاً ، وإنما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين ، أو بشاهد وامرأتين ، وهذا لا يدل علىأن الحاكم لا يحكم بأقل من ذلك ، بل قد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالشاهد واليمين ، وبالشاهد فقط ، وليس ذلك مخالفاً لكتاب الله عند من فهمه ، ولا بين حكم الله وحكم رسوله خلاف.. وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابى وحده على رؤية هلال رمضان ، وتسمية بعض الفقهاء ذلك إخباراً ، لا شهادة ، أمر لفظى لا يقدح فى الاستدلال ، ولفظ الحديث يردّ قوله ، وأجاز صلى الله عليه وسلم شهادة الشاهد الواحد فى قضية السَّلَب (11) ، ولم يطالب القاتل بشاهد آخر ، واستحلفه ، وهذه القصة [وروايتها فى الصحيحين] صريحة فى ذلك.. وقد صرح الأصحاب: أنه تُقبل شهادة الرجل الواحد من غير يمين عند الحاجة ، وهو الذى نقله الخِرَقى [334 هجرية 945م ] فى مختصره ،فقال: وتِقبل شهادة الطبيب العدل فى الموضحة (12) إذا لم يقدر على طبيبين ، وكذلك البيطار فى داء الدابة.." (13).
          * وكما تجوز شهادة الرجل الواحد فى غير الحدود.. وكما تجوز شهادة الرجال وحدهم في الحدود ، تجوز عند البعض شهادة النساء وحدهن فى الحدود.. وعن ذلك يقول ابن تيمية ، فيما نقله ابن القيم: " وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة المرأة الواحدة فى الرضاع ، وقد شهدت على فعل نفسها ، ففى الصحيحين عن عقبة ابن الحارث: " أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب ، فجاءت أَمَةٌ سوداء ، فقالت: قد أرضعتكما. فذكرتُ ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم ، فأعرض عنى ، قال: فتنحيتُ فذكرتُ ذلك له ، قال: فكيف ؟ وقد زعمتْ أنْ قد أرضعتكما ! ".
          وقد نص أحمد على ذلك فى رواية بكر بن محمد عن أبيه ، قال: فى المرأة تشهد على مالا يحضره الرجال من إثبات استهلال الصبى (14)، وفى الحمّام يدخله النساء ، فتكون بينهن جراحات.
          وقال إسحاق بن منصور: قلتُ لأحمد فى شهادة الاستدلال: " تجوز شهادة امرأة واحدة فى الحيض والعدة والسقط والحمّام ، وكل مالا يطلع عليه إلا النساء ".
          فقال: "تجوز شهادة امرأة إذا كانت ثقة ، ويجوز القضاء بشهادة النساء منفردات فى غير الحدود والقصاص عند جماعة من الخَلَف والسلف ". وعن عطاء [27-114 هجرية /647 732م ] أنه أجاز شهادة النساء فى النكاح. وعن شريح [78 هجرية / 697م ] أنه أجاز شهادة النساء فى الطلاق. وقال بعض الناس: تجوز شهادة النساء فى الحدود. وقال مهنا: قال لى أحمد بن حنبل: قال أبو حنيفة: تجوز شهادة القابلة وحدها ، وإن كانت يهودية أو نصرانية.." (15).
          ذلك أن العبرة هنا فى الشهادة إنما هى الخبرة والعدالة ، وليست العبرة بجنس الشاهد ذكراً كان أو أنثى ففى مهن مثل الطب.. والبيطرة.. والترجمة أمام القاضى.. تكون العبرة "بمعرفة أهل الخبرة " (16).
          * بل لقد ذكر ابن تيمية فى حديثه عن الإشهاد الذى تحدثت عنه آية سورة البقرة أن نسيان المرأة ، ومن ثم حاجتها إلى أخرى تذكرها (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى(ليس طبعًا ولا جبلة فى كل النساء ، وليس حتمًا فى كل أنواع الشهادات.. وإنما هو أمر له علاقة بالخبرة والمران ، أى أنه مما يلحقه التطور والتغيير.. وحكى ذلك عنه ابن القيم فقال:
          " قال شيخنا ابن تيمية ، رحمه الله تعالى: قوله تعالى::(فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى(فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لإذكار إحداهما للأخرى ، إذا ضلت ، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال فى العادة ، وهو النسيان وعدم الضبط.. فما كان من الشهادات لا يُخافُ فيه الضلال فى العادة لم تكن فيه على نصف الرجل.." (17).
          فحتى فى الإشهاد ، يجوز لصاحب الدَّيْن أن يحفظ دَينه وفق نصيحة وإرشاد آية سورة البقرة بإشهاد رجل وامرأة ، أو امرأتين ، وذلك عند توافر الخبرة للمرأة فى موضوع الإشهاد.. فهى فى هذا الإشهاد ليست شهادتها دائماً على النصف من شهادة الرجل..
          ولقد كرر ابن القيم وأكد هذا الذى أشرنا إلى طرف منه ، فى غير كتابه [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] فقال فى كتابه " إعلام الموقعين عند رب العالمين" أثناء حديثه عن " البينة " وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى واليمين على من أنكر " خلال شرحه لخطاب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى [ 21ق هجرية 44 هجرية 602- 665م ] فى قواعد القضاء وآدابه - قال: " إن البينة فى كلام الله ورسوله ، وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق.. ولم يختص لفظ البينة بالشاهدين.. وقال الله فى آية الدَّيْن: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (فهذا فى التَّحمل والوثيقة التى يحفظ بها صاحب المال حقه ، لا فى طرق الحكم وما يحكم به الحاكم ، فإن هذا شئ وهذا شئ ، فذكر سبحانه ما يحفظ به الحقوق من الشهود ، ولم يذكر أن الحكام لا يحكمون إلا بذلك.. فإن طرق الحكم أعم من طرق حفظ الحقوق.. وقال سبحانه:(ممن ترضون من الشهداء (لأن صاحب الحق هو الذى يحفظ ماله بمن يرضاه.. ".
          وعلل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين فى هذه الحالة تعدلان شهادة الرجل الواحد ، بأن المرأة ليست مما يتحمل عادة مجالس وأنواع هذه المعاملات.. لكن إذا تطورت خبراتها وممارساتها وعاداتها ، كانت شهادتها حتى فى الإشهاد على حفظ الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل.. فقال:
          " ولا ريب أن هذه الحكمة فى التعدد هى فى التحمل ، فأما إذا عقلت المرأة ، وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات ، ولهذا تُقبل شهادتها وحدها فى مواضع ، ويُحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب فى أصح القولين ، وهو قول مالك [ 93-179 هجرية 712-795م ] وأحد الوجهين فى مذهب أحمد.. "
          والمقصود أن الشارع لم يَقِف الحكم فى حفظ الحقوق البتة على شهادة ذكرين ، لا فى الدماء ولا فى الأموال ولا فى الفروج ولا فى الحدود.. وسر المسألة ألا يلزم من الأمر بالتعدد فى جانب التحمل وحفظ الحقوق الأمر بالتعدد فى جانب الحكم والثبوت ، فالخبر الصادق لا تأتى الشريعة برده أبداً.
          وهذا الذى قاله ابن تيمية وابن القيم فى حديثهما عن آية سورة البقرة هو الذى ذكره الإمام محمد عبده ، عندما أرجع تميز شهادة الرجال على هذا الحق الذى تحدثت عنه الآية على شهادة النساء ، إلى كون النساء فى ذلك التاريخ كن بعيدات عن حضور مجالس التجارات ، ومن ثم بعيدات عن تحصيل التحمل والخبرات فى هذه الميادين.. وهو واقع تاريخى خاضع للتطور والتغير ، وليس طبيعة ولا جبلة فى جنس النساء على مر العصور.. ولو عاش الإمام محمد عبده إلى زمننا هذا ، الذى زخر ويزخر بالمتخصصات فى المحاسبة والاقتصاد وإدارة الأعمال ، وب " سيدات الأعمال " اللائى ينافسن " رجال الأعمال " لأفاض وتوسع فيما قال ، ومع ذلك ، فحسبه أنه قد تحدث قبل قرن من الزمان فى تفسيره لآية سورة البقرة هذه رافضاً أن يكون نسيان المرأة جبلة فيها وعامًّا فى كل موضوعات الشهادات ، فقال:
          " تكلم المفسرون فى هذا ، وجعلوا سببه المزاج ، فقالوا: إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان ، وهذا غير متحقق ، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ، فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة ،ولا تكون كذلك فى الأمور المنزلية التى هى شغلها ، فإنها أقوى ذاكرة من الرجل ، يعنى أن من طبع البشر ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم للأمور التى تهمهم ويكثر اشتغالهم بها " (18).
          ولقد سار الشيخ محمود شلتوت الذى استوعب اجتهادات ابن تيمية وابن القيم ومحمد عبده مع هذا الطريق ، مضيفاً إلى هذه الاجتهادات علماً آخر عندما لفت النظر إلى تساوى شهادة الرجل فى " اللعان ".. فكتب يقول عن شهادة المرأة وكيف أنها دليل على كمال أهليتها ، وذلك على العكس من الفكر المغلوط الذى يحسب موقف الإسلام من هذه القضية انتقاصًا من إنسانيتها.. كتب يقول:
          إن قول الله سبحانه وتعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (ليس وارداً فى مقام الشهادة التى يقضى بها القاضى ويحكم ، وإنما هو فى مقام الإرشاد إلى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل(يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولايأب كاتب أن يكتب كما علمه الله (إلى أن قال: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) (19).
          فالمقام مقام استيثاق على الحقوق ، لا مقام قضاء بها. والآية ترشد إلى أفضل أنواع الاستيثاق الذى تطمئن به نفوس المتعاملين على حقوقهم.
          وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء اللاتى ليس معهن رجل ، لايثبت بها الحق ، ولا يحكم بها القاضى ، فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو " البينة ".
          وقد حقق العلامة ابن القيم أن البينة فى الشرع أعم من الشهادة ، وأن كل ما يتبين به الحق ويظهره ، هو بينة يقضى بها القاضى ويحكم. ومن ذلك: يحكم القاضى بالقرائن القطعية ، ويحكم بشهادة غير المسلم متى وثق بها واطمأن إليها.
          واعتبار المرأتين فى الاستيثاق كالرجل الواحد ليس لضعف عقلها ، الذى يتبع نقص إنسانيتها ويكون أثراً له ، وإنما هو لأن المرأة كما قال الشيخ محمد عبده " ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ، ومن هنا تكون ذاكرتها فيها ضعيفة ، ولا تكون كذلك فى الأمور المنزلية التى هى شغلها ، فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ، ومن طبع البشر عامة أن يقوى تذكرهم للأمور التى تهمهم ويمارسونها ، ويكثر اشتغالهم بها.
          والآية جاءت على ما كان مألوفاً فى شأن المرأة ، ولا يزال أكثر النساء كذلك ، لا يشهدن مجالس المداينات ولا يشتغلن بأسواق المبايعات ، واشتغال بعضهن بذلك لا ينافى هذا الأصل الذى تقضى به طبيعتها فى الحياة.
          وإذا كانت الآية ترشد إلى أكمل وجوه الاستيثاق ، وكان المتعاملون فى بيئة يغلب فيها اشتغال النساء بالمبايعات وحضور مجالس المداينات ، كان لهم الحق فى الاستيثاق بالمرأة على نحو الاستيثاق بالرجل متى اطمأنوا إلى تذكرها وعدم نسيانها على نحو تذكر الرجل وعدم نسيانه.
          هذا وقد نص الفقهاء على أن من القضايا ما تقبل فيه شهادة المرأة وحدها ، وهى القضايا التى لم تجر العادة بإطلاع الرجال على موضوعاتها ، كالولادة والبكارة ، وعيوب النساء والقضايا الباطنية.
          وعلى أن منها ما تقبل فيه شهادة الرجل وحده ، وهى القضايا التى تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها ، على أنهم قدروا قبول شهادتها فى الدماء إذا تعينت طريقاً لثبوت الحق واطمئنان القاضى إليها. وعلى أن منها ما تقبل شهادتهما معاً.
          ومالنا نذهب بعيداً ، وقد نص القرآن على أن المرأة كالرجل سواء بسواء فى شهادات اللعان ، وهو ما شرعه القرآن بين الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له على ما يقول شهود (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) (20).
          أربع شهادات من الرجل ، يعقبها استمطار لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ويقابلها ويبطل عملها ، أربع شهادات من المرأة يعقبها استمطار غضب الله عليها إن كان من الصادقين.. فهذه عدالة الإسلام فى توزيع الحقوق العامة بين الرجل والمرأة ، وهى عدالة تحقق أنهما فى الإنسانية سواء.. (21).
          هكذا وضحت صفحة الإسلام.. وصفحات الاجتهاد الإسلامى فى قضية مساواة شهادة المرأة وشهادة الرجل ، طالما امتلك الشاهد أو الشاهدة مقومات ومؤهلات وخبرة هذه الشهادة.. لأن الأهلية الإنسانية بالنسبة لكل منهما واحدة ، ونابعة من وحدة الخلق ، والمساواة فى التكاليف ، والتناصر فى المشاركة بحمل الأمانة التى حملها الإنسان ، أمانة استعمار وعمران هذه الحياة.
          *وأخيراً وليس آخراً فإن ابن القيم يستدل بالآية القرآنية: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) (22). على أن المرأة كالرجل فى هذه الشهادة على بلاغ الشريعة ورواية السنة النبوية.. فالمرأة كالرجل فى " رواية الحديث " ، التى هى شهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
          وإذا كان ذلك مما أجمعت عليه الأمة ، ومارسته راويات الحديث النبوى جيلاً بعد جيل " والرواية شهادة " فكيف تقبل الشهادة من المرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تقبل على واحد من الناس ؟.. إن المرأة العدل [ بنص عبارة ابن القيم ] كالرجل فى الصدق والأمانة والديانة (23).
          ذلكم هو منطق شريعة الإسلام وكلها منطق وهذا هوعدلها بين النساء والرجال وكلها عدل وكما يقول ابن القيم:" وما أثبت الله ورسوله قط حكماً من الأحكام يُقطع ببطلان سببه حسًّا أو عقلاً ، فحاشا أحكامه سبحانه من ذلك ، فإنه لا أحسن حكمًا منه سبحانه وتعالى ولا أعدل. ولا يحكم حكماً يقول العقل: ليته حكم بخلافه ، بل أحكامه كلها مما يشهد العقل والفِطَر بحسنها ، ووقوعها على أتم الوجوه وأحسنها ، وأنه لا يصلح فى موضعها سواها " (24).
          هذا..
          ولقد تعمدنا فى إزالة هذه الشبهة أمران:

          أولهما: أن ندع نصوص أئمة الاجتهاد الإسلامى هى التى تبدد غيوم هذه الشبهة ، لا نصوصنا نحن.. وذلك حتى لا ندع سبيلاً لشبهات جديدة فى هذا الموضوع !
          وثانيهما: أن تكون هذه النصوص للأئمة المبرزين فى إطار السلف والسلفيين.. وذلك حتى نقطع الطريق على أدعياء السلفية الذين حملوا العادات الراكدة لمجتمعاتهم على دين الإسلام ، فاستبدلوا هذه العادات بشريعة الإسلام !.. وحتى نقطع الطريق كذلك على غلاة العلمانيين والعلمانيات ، الذين استبدلوا البدع الفكرية الوافدة بحقائق وحقيقة الإسلام ، والذين يتحسسون مسدساتهم إذا ذكرت مصطلحات السلفية والسلفيين !..
          فإنصاف المرأة ، وكمال واكتمال أهليتها هو موقف الإسلام ، الذى نزل به الروح الأمين على قلب الصادق الأمين.. وهو موقف كل تيارات الاجتهاد الإسلامى ، على امتداد تاريخ الإسلام.




          (1) البقرة: 282.
          (2) النكول: هو الامتناع عن اليمين.
          (3) ابن القيم [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص34. تحقيق محمد جميل غازى. طبعة القاهرة سنة 1977م.
          (4) سورة البقرة: 282.
          (5) أى الكتابة.
          (6) القافة: مفردها قائف هو الذى يعرف الآثار آثار الأقدام ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه..
          (7) القامة: الأيمان ، تقسم على أهل المحلة الذين وجد المقتول فيهم.
          (8) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ]ص 103-105 ، 219،236.
          (9) مفردها قمط بكسر القاف وسكون الميم: ما تشد به الإخصاص ومكونات البناء ولبناته.
          (10) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 198.
          (11) السَّلب بفتح السين مشددة ، وفتح اللام -: هو متاع القتيل وعدته ، يأخذه قاتله.. وفى الحديث: " من قتل قتيلاً فله سَلَبُهُ ".
          (12) الموضحة: هى الجراحات التى هى دون قتل النفس.
          (13) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 98 ، 113 ، 123.
          (14) استهلال الصبى: هو أن يحدث منه ما يدل على حياته ساعة الولادة من رفع صوت أو حركة عضو أو عين ، وهو شرط لتمتعه بحقوق الأحياء.
          (15) [الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 115-117.
          (16) المصدر السابق. ص 188 ، 193.
          (17) [ إعلام الموقعين عن رب العالمين ] ج1 ص 90-92، 94-95 ،103،104. طبعة بيروت سنة 1973م.
          (18) [ الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ] ج4 ص732. دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة. طبعة القاهرة سنة 1993م.
          (19) البقرة: 282.
          (20) النور:69.
          (21) [ الإسلام عقيدة وشريعة ] ص 239- 241. طبعة القاهرة سنة 1400 هجرية سنة 1980م.
          (22) البقرة: 143.
          (23) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص236، 244.
          (24) المصدر السابق ، ص329.

          اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
          "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
          "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

          تعليق


          • #80
            رد: شبهات وردود

            جزاكم الله خيرا وبارك لكم وفيكم

            تعليق


            • #81
              رد: شبهات وردود

              ما شاء الله
              بارك الله فيك وجزاك الله كل خير على هذا الجمع الموفق
              ثقل به المولى ميزان حسناتك

              لما رأيت أنواره سطعت وضعت من خيفتي كفي على بصري
              خوفا على بصري من حسن صورته فلست أنظره إلا على قدر
              روح من النور في جسم من القمر كحلية نسجت من الأنجم الزهر

              حسان بن ثابت(رضي الله عنه)

              تعليق


              • #82
                رد: شبهات وردود

                بطلان حديث توسل آدم بمحمد عليهما الصلاة والسلام
                قرأت هذا الحديث وأريد أن أعرف هل هو صحيح أو غير صحيح ؟
                ( لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي . فقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : يا رب ، لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك . فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إلي ، ادعني بحقه ، فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك ).


                الحمد لله
                هذا الحديث موضوع ، رواه الحاكم من طريق عبد الله بن مسلم الفهري ، حدثنا إسماعيل بن مسلمة ، أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما اقترف آدم الخطيئة . . . ثم ذكر الحديث باللفظ الذي ذكره السائل .
                وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد اهـ .
                هكذا قال الحاكم ! وقد تعقبه جمع من العلماء ، وأنكروا عليه تصحيحه لهذا الحديث ، وحكموا على هذا الحديث بأنه باطل موضوع ، وبينوا أن الحاكم نفسه قد تناقض في هذا الحديث .
                وهذه بعض أقوالهم في ذلك :
                قال الذهبي متعقبا على كلام الحاكم السابق : بل موضوع ، وعبد الرحمن واهٍ ، وعبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو اهـ .
                وقال الذهبي أيضاً في "ميزان الاعتدال" : خبر باطل اهـ .
                وأقره الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" .
                وقال البيهقي : تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من هذا الوجه، وهو ضعيف اهـ . وأقره ابن كثير في البداية والنهاية (2/323) .
                وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (25) : موضوع اهـ .
                والحاكم نفسه –عفا الله عنه- قد اتهم عبد الرحمن بن زيد بوضع الحديث ، فكيف يكون حديثه صحيحاً ؟!
                قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة" (ص 69) :
                ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه ، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم" : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه ، قلت : وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف باتفاقهم يغلط كثيراً اهـ .
                انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني (1/38-47) .


                الإسلام سؤال وجواب



                اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                تعليق


                • #83
                  رد: شبهات وردود

                  حديث توسل آدم بالنبي وتفسير : ( وابتغوا إليه الوسيلة ) 02/03/2009
                  أرجو تفسير قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) المائدة/35 ، وذلك ردّاً على الصوفية في التوسل ، حيث إن بعضهم فسرها بجواز التوسل بالأنبياء والأولياء ، أما بالنسبة لحديث آدم لما اقترف الخطيئة فيقولون : إن البيهقي صحح الحديث ، وإن الذهبي أثنى على هذا الكتاب .



                  الحمد لله
                  أولاً :
                  حديث اقتراف آدم للخطيئة وتوسله بالنبي صلى الله عليه وسلم حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آدم عليه السلام .
                  وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (34715) (انظر الشبهة السابقة)
                  ونقلنا عن أهل العلم تبيينهم لكذبه ، ومن هؤلاء العلماء الإمام الذهبي رحمه الله .
                  والبيهقي رحمه الله لم يرو الحديث في سننه ، بل رواه في "دلائل النبوة" (5/489) وضعَّفه ، فقد قال بعد سياقه للحديث : " تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وهو ضعيف " .
                  ومما يرجح نكارة المتن وبطلانه : أن الدعاء الذي قبِل الله به توبة آدم هو ما قاله الله في سورة الأعراف : ( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الأعراف/23 ، فهذا هو الدعاء الذي دعا به آدم وحواء ، وفيه دعاء الله تعالى وحده ، والتوسل بأسمائه وصفاته ، والتوسل بذكر حالهم ، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ثم قالها فتاب الله تعالى عليه ، كما قال تعالى : ( فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/37 .
                  ثانياً :
                  أما تفسير لفظ " الوسيلة " في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة/35 : فهي الطريق الموصلة إلى الله تعالى ، ولا طريق موصلة إليه عز وجل إلا الطريق التي يحبها الله ويرضى عنها ، وتكون بطاعته وترك معصيته .
                  قال ابن كثير رحمه الله :
                  " يقول تعال آمراً عباده المؤمنين بتقواه ، وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الانكفاف من المحارم وترك المنهيات ، وقد قال بعدها : ( وابتغوا إليه الوسيلة ) قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس : أي : القربة ، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد ، وقال قتادة : أي : تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه ، وقرأ ابن زيد : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) ، وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه .
                  والوسائل والوسيلة : هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود " انتهى .
                  "تفسير ابن كثير" (2/53، 54) .
                  وقال الشنقيطي رحمه الله :
                  " اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بإخلاص في ذلك لله تعالى ؛ لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله تعالى ، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة .
                  وأصل الوسيلة : الطريق التي تقرب إلى الشيء ، وتوصل إليه وهي العمل الصالح بإجماع العلماء ؛ لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جدّاً كقوله تعالى : ( وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ) ، وكقوله : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى ) ، وقوله : ( قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ) ، إلى غير ذلك من الآيات .
                  وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بالوسيلة الحاجة . . .
                  وعلى هذا القول الذي روي عن ابن عباس فالمعنى : ( وَٱبْتَغُواْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ ) : واطلبوا حاجتكم من الله ؛ لأنه وحده هو الذي يقدر على إعطائها ، ومما يبين معنى هذا الوجه قوله تعالى : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ ) ، وقوله : ( وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ ) ، وفي الحديث : ( إذا سألتَ فاسأل الله ) .
                  ثم قال الشنقيطي رحمه الله : التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة ، على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتفسير ابن عباس داخل في هذا ؛ لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته .
                  وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهَّال المدعين للتصوُّف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه : أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين ، وتلاعب بكتاب الله تعالى ، واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار ، كما صرح به تعالى في قوله عنهم : ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ ) وقوله : ( وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَـٰؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلسَّمَـوَتِ وَلاَ في ٱلأرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ، فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رِضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل ، ( لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ ) .
                  وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضاً في قوله تعالى : ( أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) ، وليس المراد بالوسيلة أيضاً المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها ، نرجو الله أن يعطيه إياها ؛ لأنها لا تنبغي إلا لعبد ، وهو يرجو أن يكون هو " انتهى باختصار .
                  "أضواء البيان" (2/86– 88) .
                  والله أعلم .



                  الإسلام سؤال وجواب
                  اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                  "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                  "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                  تعليق


                  • #84
                    رد: شبهات وردود





                    فقد صغت قلوبكما


                    في فاتحة سورة التحريم خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم معاتبًا إياه، بسبب تحريمه على نفسه ما أحله الله له، ومما أنزله عليه في ذلك، قوله تعالى: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } (التحريم:4) .


                    والآية الكريمة قد يبدو فيها إشكال من جانب اللغة؛ وذلك أن الخطاب في الآية جاء بصيغة التثنية، في قوله: { تتوبا } في حين أن المضاف إلى المخاطب قد جاء بصيغة الجمع، وهو قوله تعالى: { قلوبكما }؛ وقد يبدو للوهلة الأولى، أن الأصح أن يقال: ( قلباكما ) بصيغة التثنية؛ لأنه يعود على المخاطب وهو مثنى. فكيف أضيف الجمع ( القلوب ) إلى المثنى ؟ هذا هو وجه الإشكال كما يبدو للبعض .


                    وحل ما يبدو من إشكال في هذه الصيغة، إنما يكون بالرجوع إلى لسان العرب، وقواعد اللغة .
                    والقاعدة عند أهل العربية في هذا الباب: أن كل جزأين أضيفا إلى صاحبيهما، وكانا مفردين من صاحبيهما - بمعنى أنه لا يوجد لهما ثان من جنسهما، كالقلب، والظهر، والبطن _ جاز فيهما ثلاثة أوجه: الأحسن الجمع - وعليه جاءت الآية - ويليه الإفراد، ويليه التثنية، فأنت تقول: ( قطعت رؤوس الكبشين ) على الجمع، وهو الأفصح والأصوب لغة؛ ولك أن تقول: ( قطعت رأس الكبشين ) على الإفراد؛ ولك أن تقول أيضًا: ( قطعت رأسي الكبشين ) على التثنية .


                    وهذه القاعدة إنما تنتظم في الأشياء المتصلة، والتي هي جزء من كلٍّ؛ كالرأس من الجسد، والقلب من الإنسان، ونحوهما؛ أما ما كان منفصلاً، ولم يكن جزءًا من كل، فلا تستقيم فيه هذه القاعدة؛ فلا يصح لك أن تقول: رأيت أفراسهما؛ ولا أن تقول: ضربت غلمانهما؛ بل الصواب أن تقول هنا: رأيت فرسيهما؛ وضربت غلاميهما؛ لأن كلاً من الفرس والغلام شيء مستقل بنفسه، وليس جزءًا من كل .


                    وبحسب هذه القواعد، أجاب المفسرون على ما يبدو من إشكال في هذا اللفظ، فقالوا: كل شيء يوجد من خلق الإنسان؛ كالرأس، والظهر، والقلب ... إذا أضيف إلى اثنين جُمع، فأنت تقول: قبَّلتُ رؤوسهما، وأشبعت بطونهما، وأوجعت ظهورهما؛ فـ ( الرأس ) و( البطن ) و( الظهر ) لما أضيفت إلى ضمير التثنية ( هما )، جاء المضاف بصيغة الجمع، ( الرؤوس، البطون، الظهور )، فقالوا: رؤوسهما، وبطونهما، وظهورهما؛ وعلى هذا الأسلوب جاء قوله تعالى: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما }؛ قالوا: وأكثر استعمال العرب وأفصحه في ذلك، أن يعبروا بلفظ الجمع مضافًا إلى ضمير المثنى؛ لأن صيغة الجمع قد تطلق على الاثنين في الكلام، فهما يتبادلان .


                    ومما ذكروه من تعليلات في هذا الباب: أن الإتيان بصيغة الجمع دون صيغة التثنية، إنما كان تجنبًا لاجتماع تثنيتين في كلمة واحدة؛ ففي الأمثلة السابقة، يصح أن تقول: قبَّلتُ رأسيهما، وأشبعت بطنيهما، وأوجعت ظهريهما؛ لكن في هذا الاستعمال ثقل في اللفظ، فعدلوا عنه إلى صيغة الجمع، تخلصًا من ثِقَل التلفظ بصيغة التثنية. وهذا أمر معهود في لغة العرب، حيث يعدلون عن استعمال صحيح إلى استعمال أصح منه؛ طلبًا للخفة، وتحريًا لسهولة اللفظ .


                    وبما أن القرآن قد نزل بلغة العرب، وعلى وفق لسانها في التعبير والبيان؛ فقد جاء لفظ الآية الكريمة { قلوبكما } جريًا على الأفصح من كلامهم، حيث وضع الجمع موضع المثنى، استثقالاً لمجيء تثنتين في كلمة واحدة، كما لو قيل: ( قلباكما ) .
                    ومما جاء في السنة النبوية على هذا الأسلوب، قوله صلى الله عليه وسلم للرجلين اللذين رأياه يمشي مع صفية زوجته رضي الله عنها، ولم يكونا يعلمان أنها زوجته: ( وإني خشيت أن يُقذف في قلوبكما ) متفق عليه، فلم يقل لهما: ( قلباكما ) بصيغة التثنية، وإنما جاء به على صيغة الجمع، فقال: ( قلوبكما ) .


                    وعلى هذا الأسلوب أيضًا، جاء في الشعر قول خطام المجاشعي :


                    ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسين


                    فقد جمع الشاعر في هذا البيت بين مثال التثنية، في قوله: ( ظهراهما )؛ وبين مثال الجمع، في قوله: ( ظهور الترسين ) .
                    إذن، فاللفظ في الآية سليم مستقيم لا إشكال فيه؛ وفصيح صحيح جار على وفق لسان العرب؛ وإنما الإشكال في عدم فهم كلام العرب، وعدم معرفة أساليبهم في البيان والتبيان .




                    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                    "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                    "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                    تعليق


                    • #85
                      رد: شبهات وردود

                      شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى
                      عند أم سليم وأم حرام" والرد عليها

                      أولاً : حديث أم سليم – رضى الله عنها :
                      روى البخارى ومسلم – رحمهما الله – عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : "إن أم سليم( ) كان تبسط للنبى ، نطعاً فيقيل عندها على ذلك النطع، قال : فإذا نام النبى ، أخذت من عرقه وشعره فجمعته فى قارورة، ثم جمعته فى سك( ) وهو نائم. قال : فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إلى أن يجعل فى حنوطه من ذلك السك، قال فجعل فى حنوطه"( )0

                      ثانياً : حديث أم حرام – رضى الله عنها :
                      روى البخارى ومسلم – رحمهما الله – عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : "كان رسول الله ، إذا ذهب إلى قباء، يدخل على أم حرام بنت ملحان( )، فتطعمه، وكانت أم حرام – تحت عبادة بن الصامت – فدخل عليها رسول الله ، فأطعمته، وجعلت تفلى رأسه، فنام رسول الله  ثم استيقظ وهو يضحك، قالت : فقلت : وما يضحك يا رسول الله؟ قال : ناس من أمتى عرضوا على غزاة فى سبيل الله، يركبون ثبج( ) هذا البحر، ملوكاً على الأسرة، أو قال : مثل الملوك على الأسرة، يشك – إسحاق – قالت : فقلت : يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، فدعا لها رسول الله ، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك. فقلت : ما يضحك يا رسول الله؟ قال : ناس من أمتى عرضوا على غزاة فى سبيل الله – كما قال فى الأول – قالت : فقلت : يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، قال : أنت من الأولين. فركبت البحر فى زمن معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت"( )0

                      بالحديثان السابقان طعن أعداء السنة، فى عدالة الإمام البخارى، وفى صحيحه الجامع، وزعموا أن الروايات السابقة يلزم منها؛ الطعن فى عصمة رسول الله  فى سلوكه، وفى خلقه العظيم0
                      يقول أحمد صبحى منصور : "يريدنا البخارى أن نصدق أن بيوت النبى التى كانت مقصداً للضيوف، كانت لا تكفيه، وأنه كان يترك نسائه بعد الطواف عليهن، ليذهب للقيلولة عند امرأة أخرى، وأثناء نومه كانت تقوم تلك المرأة بجمع عرقه وشعره، وكيف كان يحدث ذلك… يريدنا البخارى أن نتخيل الإجابة.. ونعوذ بالله من هذا الإفك… ثم يؤكد البخارى على هذا الزعم الباطل بحديث أم حرام … الذى تضمن كثيراً من الإيحاءات والإشارات المقصودة، لتجعل القارئ يتشكك فى أخلاق النبى؛ فيفترى الراوى : كيف كانت تلك المرأة تطعمه، وتفلى رأسه، وينام عندها، ثم يستيقظ ضاحكاً ويتحادثان نعوذ بالله من الافتراء على رسول الله… ويتركنا البخارى بعد هذه الإيحاءات المكشوفة، نتخيل من معنى أن يخلو رجل بامرأة متزوجة فى بيتها، وفى غيبة زوجها، وأنها تطعمه، وتفلى له رأسه، أى أن الكلفة قد زالت بينهما تماماً، وأنها تعامله، كما تعامل زوجها.. ثم يقول : "وجعلت تفلى له رأسه، فنام رسول الله ثم استيقظ" ولابد أن القارئ سيسأل ببراءة … وأين نام النبى وكيف نام، وتلك المرأة تفلى له رأسه، وآلاف الأسئلة تدور حول هدف واحد هو ما قصده البخارى بالضبط"( )0

                      ويجاب عن ما سبق بما يلى :
                      أولاً : لنا أن نتساءل : لماذا كل هذا الحقد على الإمام البخارى؟ ولماذا الحمل على البخارى – رحمه الله – فى هذه الرواية، والتشنيع عليه، مع أن غيره من علماء الحديث شاركه فى رواية هذا الحديث؟ إنه لم يخترع، ولم يؤلف، ولم يشطح به الخيال!0

                      لقد نقل ما سمعه من شيوخه الثقات، مما سمعوه من شيوخهم، إلى أن وصل النقل إلى الرسول ، أو إلى الصحابى الذى روى عن الرسول 0

                      والناقل لا يطلب منه إلا التأكد من صحة ما نقل، واستيفاء شروط النقل ولا يكون مسئولاً عن ذات الشئ المنقول، لأن ناقل الكفر ليس بكافر بمجرد نقله لذلك0

                      لقد أعماهم الحقد على كل ما يتصل بالسنة، ورواتها، فصبوه صباً عليهم، واختص البخارى بأشد أنواع الحقد؛ لأنه جمع أصح الروايات، وبذل أقصى الجهود0
                      وذنب البخارى عندهم، أنه أخلص. وبذل حياته وماله فى جمع السنة، ونقد الحديث، واستخلص صحيحه من صفوة الصفوة من الحديث، ورسم المناهج، وقعد القواعد، وأصل الأصول0
                      من أجل ذلك عابوه وشتموه، وحاولوا تشويه صورته، ونطحوه بقرون حقدهم، يريدون القضاء على جهوده، وإبادة عمله، ولو استطاعوا لأخرجوا رفاته، فصبوا عليه ويلاتهم. ولكن هيهات فهم كما قال القائل :
                      كناطح صخرة يوماً ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

                      ثانياً : وماذا فى قصة أم حرام :
                      إن البخارى – رحمه الله – ذكرها فى صحيحه فى كتاب الاستئذان، باب "من زار قوماً فقال عندهم"0

                      والقوم يطلق فى الغالب على الجماعة، وكأن البخارى يرى أن ما يرويه من الحديث، فى زيارة واحد وهو الرسول ، لجماعة وهم أهل البيت الذى فيه أم حرام0

                      وهذا من فقهه فى تراجمه الذى رفع مكانته بين العلماء، وأثار إعجاب كل متابع له فى فهم معانى الحديث0

                      ثم روى البخارى الحديث عن أنس بن مالك، وأم سليم هى أم أنس، وأم حرام هى أخت أم سليم، وهنا يظهر جلياً أن البيت الذى كان يقيل فيه رسول الله ، هو بيت فيه أم سليم، وأختها أم حرام، وأنس بن أم سليم0

                      وقد ورد فى المسند عن أنس "أن رسول الله  صلى فى بيت أم سليم، وأم سليم، وأم حرام خلفنا، ولا أعلمه إلا قال : أقامنى عن يمينه"( ) فأى ضير فى أن يكرم الرسول ، أنساً خادمه، فيدخل بيته يقيل فيه، ويأكل، وفى هذا البيت أمه، وخالته، وقد يكون فيه غيرهما زوج أم سليم، أو زوج أم حرام، أو زوجهما0

                      وسبب آخر لإكرام الرسول ، أهل هذا البيت بالزيارة، مع أن غيرهم كثير ممن يود أن يتشرف بالرسول  فى مثل هذه الزيارة. لقد استشهد أخوهما فى سبيل الله، فكان رسول الله  يواسيهما معاً بهذه الزيارة، حيث أنهما كانتا فى دار واحدة، كل واحدة منهما فى غرفة من تلك الدار( )0
                      فعن أنس بن مالك رضى الله عنه "أن النبى ، لم يكن يدخل بيتاً بالمدينة، غير بيت أم سليم، إلا على أزواجه، فقيل له، فقال : إنى أرحمها؛ قتل أخوها معى"( ) يعنى حرام بن ملحان( ) وكان قد قتل يوم بئر معونة0

                      وفى تعليله  "إنى أرحمهما" فيه أنه خلف حرام بن ملحان فى أهله بخير بعد وفاته، ولذا ذكر البخارى الحديث السابق فى كتاب الجهاد، باب فضل من جهز غازياً أو خلفه بخير، وهذا من فقهه ودقته – رحمه الله0

                      فكانت زيارته  لأم سليم وأختها أم حرام، عملاً بما قاله  : "من جهز غازياً فى سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً فى سبيل الله بخير فقد غزا"( )0

                      وفضلاً عن ما سبق، فقد غنم المسلمون من هذه الزيارة علماً من أعلام النبوة، فى أخبار الرسول ، عما سيكون قبل وقوعه، حيث أراه الله له، وإخباره أم حرام بأنها من الأولين ركاب السفن الغازية. وتحقق ما أخبر به من ركوبها وغزوها ثم استشهادها الذى حال بينها وبين أن تكون من أهل السنن الغازية التى تلت ذلك، ورآها الرسول 0
                      ثالثاً : من أين جزم أحمد صبحى، ومن قال بقوله؛ بانفراد رسول الله  مع أم حرام أو أم سليم؟ وكيف قطع بأن أحداً لم يكن معهما؟، وما الذى يمنع أنساً وهو خادمه من الدخول إلى بيت أمه، وهو نفسه بيت خالته؟ وأين أخوه اليتيم، ومن كان من الأزواج حاضراً؟ بل وأين من كان من الأقارب، وكل من حول قباء من الأنصار الذين لا يتركون الرسول ، وهو يزور قباء، وهم من أخواله الذين نزل بينهم أول قدومه المدينة؟!0

                      لقد كان الصحابة يحرصون على مرافقة الرسول ، وكانوا يسعدون بصحبته كلما خرج من بيته، وكانوا يلتمسون رؤيته وسماعه، ورؤية ما يصدر منه0
                      فكيف يزور أم حرام إذا ذهب إلى قباء فلا يجد أحداً يقابله، أو يصلى معه، أو يقابله فى الطريق فيسير معه حتى يسمح له بالانصراف؟! وكيف يدخل بيتاً، فلا يدخل إليه فيه من أراد، ممن له حاجة، أو مسألة، أو به رغبة للاستفادة من تجدد رؤيته له، وسعادته بمجالسته ؟!0

                      أمور كلها تعد من قبيل الشواهد التى لا تخطئ، والدلالات التى تورث اليقين، بأن النبى ، حين زار قباء ودخل على أم حرام فى بيتها، كان معهم غيرهما، ولاسيما وجود أنس بن مالك على ما ورد فى روايات الحديث( )0

                      وهذه الشواهد هى التى جعلت الإمام البخارى يعنون لباب القصة بقوله : "باب من زار قوماً فقال عندهم" وتأمل جيداً "قوماً"0

                      رابعاً : المتأمل فى الحديث يجد قول الراوى : فأطعمته : أى قدمت له طعاماً، و"جعلت تفلى رأسى"0
                      فهل يناسب هذا القول : "وجعلت تفلى رأسه" حال الرسول  وهو يأكل؟ أو حال أنس، وهو جالس إلى خالته حال قيام رسول الله  بتناول الطعام؟ وألا يمكن أن يقال : إن الرسول ، بادر إلى النوم قبل تناول الطعام، فأطعمت أم حرام أنساً، وجعلت تفلى رأسه، حتى استيقظ النبى  يضحك، ويحكى ما رآه من الصحابة فى السفن كالملوك على الأسرة غزاة فى سبيل الله؟ يجوز0

                      إلا أن الذين فى قلوبهم مرض، لا يفطنون لذلك، ولا يسمعون كلام الحافظ الدمياطى وهو يقول : ليس فى الحديث ما يدل على الخلوة مع أم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد، أو خادم، أو زوج، أو تابع0

                      ولا يهمهم قول ابن الجوزى : سمعت بعض الحفاظ يقول : كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب، أم رسول الله  من الرضاعة، ولا يعبئون بقول ابن وهب : أم حرام إحدى خالات الرسول  من الرضاعة( )0
                      لا يهمهم كل ذلك، ولا يرد على خاطرهم قول أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها "لا والله ما مست يد رسول الله  يد امرأة قط، غير أنه يبايعهن بالكلام"( )0

                      أمور كلها تعد من قبيل الشواهد التى لا تخطئ، والدلالات التى تورث اليقين بأن النبى ، كان قريباً قرابة محرمة لأم سليم، وأختها أم حرام؛ وخصوصاً وأن بعض الروايات تقول : "كان النبى ، يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها، وليست فيه"( )0

                      ورواية تقول : "نام النبى ، فاستيقظ، وكانت تغسل رأسها، فاستيقظ وهو يضحك، فقالت: يا رسول الله أتضحك من رأسى، قال لا"( )0

                      ومن هنا : فلا إشكال فى تفلية أم حرام لرأس رسول الله  على فرض الأخذ بظاهر الحديث، لجواز ملامسة المحرم فى الرأس وغيره مما ليس بعورة، وجواز الخلوة بالمحرم والنوم عندها. وهذا كله مجمع عليه( )0

                      وقد يقول قائل : قريبات النبى  معروفات، وليس منهن أم سليم ولا أم حرام( ) والجواب: أننا نتحدث عن مجتمع لم يكن يمسك سجلات للقرابات، وخاصة إذا كانت القرابة فى النساء، فهناك قريبات كثيرات أغفلهن التاريخ فى هذا المجتمع، وأهملهن الرواة( )0
                      وإلا هل يعقل أن يترك أهل الكفر والنفاق – زمن النبوة – مثل هذا الموقف دون استغلاله فى الطعن فى النبى ، وفى نبوته


                      خامساً : ليس فى روايات القصة، ما يدل على ما زعمه أحمد صبحى، ومن قال بقوله : من دخول رسول الله  على أم حرام فى غيبة زوجها لأن أم حرام؛ كانت قد تزوجت مرتين، تزوجت مرة قبل عبادة بن الصامت، وأنجبت، ثم قتل ابنها شهيداً فى إحدى معارك الإسلام، وبقيت بغير زوج لكبر سنها، ثم شاء الله أن تتزوج بعبادة بن الصامت ويبقى معها بعد انتقال النبى ، وقد وقع ذلك فى كلام أنس بن مالك نفسه، وهو يحدث عن خالته بالحديث الذى هو موضوع كلامنا الآن. ففى بعض روايات الحديث قال : ثم تزوجت بعد ذلك بعبادة بن الصامت رضى الله عنه0

                      أما هذه الجملة التى وقع عليها – الذين فى قلوبهم مرض – والواردة فى بعض روايات هذا الحديث وهى : "كانت عبادة بن الصامت" فقد أجمع العلماء أن هذه الجملة معترضة، وهى من كلام الراوى يشرح بها حال أم حرام حين ذهبت إلى بلاد الشام، أو إلى جزيرة قبرص، وماتت بها0
                      فالمراد بقوله هنا : "وكانت تحت عبادة" الإخبار عما آل إليه الحال بعد ذلك، وهو الذى اعتمده النووى، وغيره تبعاً للقاضى عياض، ورجحه ابن حجر( )0

                      قلت : وحتى لو كان عبادة حينئذ تحتها، فلا شك أنه كان يسره، أكل النبى ، مما قدمته له امرأته، ولو كان بغير إذن خاص منه0

                      كما أن دخوله ، على زوجته حينئذ فى غير وجوده، لا إشكال فيه، لقرابة أم حرام لرسول الله  ولأنه لم يكن وحده ، على ما تقرر سابقاً، على فرض عدم القرابة0

                      ولعصمته ، مع كل ما سبق أولاً وأخيراً( )0

                      سادساً : ما زعمه أعداء عصمته ، وحاولوا إيهام القارئ لهم، بأن روايات الحديث فيها أن النبى ، كان يبادل أم حرام كلمات غير مقبولة، عصمه الله من ذلك0

                      فهذا منهم من أفرى الفرى على رسول الله ، وروايات القصة ترد عليهم، فكل ما فيها أنه ، زار أم حرام، ونام عندها، واستيقظ يضحك، وسألته أم حرام عن الأمر الذى يضحك منه، فأخبرها أن ناساً من أمته سيركبون البحر، ظهره، ووسطه، ويكونون فيه، وهو أمر فيه أمثال الملوك على الأسرة، وهذا أمر يسعد النبى ، ويرضيه، لما فيه من المخاطر ما فيه، إن فيه خطر ركوب البحر، وفيه الجهاد، وما فى الجهاد من أهوال، وفيه احتمال الموت والشهادة، وأم حرام تعرف ذلك وتدركه، ثم تطمع فيه وتبتغيه، وتسأل النبى  الذى لا ترد دعوته، وتقول له : سل الله أن يجعلنى منهم، والنبى سأل ربه، واستجاب له ربه عز وجل، فسألته أم حرام بعد أن نام المرة الثانية فى الوقت نفسه، وقام يضحك، مم تضحك يا رسول الله؟ فقال : كما قال فى الأولى : "إن ناساً من أمتى سيركبون البحر مثل الملوك على الأسرة، قالت : يا رسول الله! أأنا منهم، قال، لا، أنت من الأولين"0

                      ومرت الأيام، وركبت أم حرام مع زوجها، وعلى ساحل البحر، ركبت دابة، فسقطت من على دابتها فماتت، وقبرها على رأى البعض ما يزال ظاهراً، يعرفه الناس فى قبرص باسم قبر المرأة الصالحة0

                      أى حديث هذا الذى جرى بين النبى !!!، وبين أم حرام رضى الله عنها؟ إنه حديث عن المخاطر والأهوال، وهو حديث عن الموت والشهادة، وهو حديث عن استكمال الذات إلى ساعة الممات، وهو حديث فرح النبى  بأمته حين ينتشرون بالدين ويحملون لواء الجهاد0

                      إن مثل هذا الحديث : لهو حديث الرجولة والكمال، وهو حديث الطمع فى رحمة الله ورضوانه0
                      فما علاقة مثل هذا الحديث الشاق بأحاديث الرضا، ومتابعة هوى النفس؟!0

                      وأين ما يزعمه أعداء الإسلام، إن فى القصة إيحاءات وإشارات مقصودة تجعل القارئ يتشكك فى أخلاق النبى  وعصمته فى سلوكه؟!0
                      وأين كانت أختها أم سليم، وابنها وابن أختها أنس راوى الحديث، من هذه الإيحاءات؟0

                      ولم لم ينقلها الرواة، وهم الذين يحرصون على نقل كل صغيرة وكبيرة حتى الحركات والسكنات عن المعصوم ؟!0

                      إن المرء ليس ليسمع الحديث الصحيح، فيدركه على وجهه، إن كان سليم النفس، حسن الطوية، وهو ينحرف به إذا كان إنساناً مريض النفس معوجاً0

                      وقديماً قالوا : إن كل إناء بما فيه ينضح0
                      أشهد أن الله عز وجل، عصم نبيه ، من الشيطان الرجيم، وعصمه فى سلوكه وهديه، وصدق فيه قول ربه : وإنك لعلى خلق عظيم( ) أهـ0

                      والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم

                      منقول
                      اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                      "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                      "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                      تعليق


                      • #86
                        رد: شبهات وردود

                        شبهة الطاعنين فى حديثى "نوم النبى
                        عند أم سليم وأم حرام" والرد عليها

                        أولاً : حديث أم سليم – رضى الله عنها :
                        روى البخارى ومسلم – رحمهما الله – عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : "إن أم سليم( ) كان تبسط للنبى ، نطعاً فيقيل عندها على ذلك النطع، قال : فإذا نام النبى ، أخذت من عرقه وشعره فجمعته فى قارورة، ثم جمعته فى سك( ) وهو نائم. قال : فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إلى أن يجعل فى حنوطه من ذلك السك، قال فجعل فى حنوطه"( )0

                        ثانياً : حديث أم حرام – رضى الله عنها :
                        روى البخارى ومسلم – رحمهما الله – عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : "كان رسول الله ، إذا ذهب إلى قباء، يدخل على أم حرام بنت ملحان( )، فتطعمه، وكانت أم حرام – تحت عبادة بن الصامت – فدخل عليها رسول الله ، فأطعمته، وجعلت تفلى رأسه، فنام رسول الله  ثم استيقظ وهو يضحك، قالت : فقلت : وما يضحك يا رسول الله؟ قال : ناس من أمتى عرضوا على غزاة فى سبيل الله، يركبون ثبج( ) هذا البحر، ملوكاً على الأسرة، أو قال : مثل الملوك على الأسرة، يشك – إسحاق – قالت : فقلت : يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، فدعا لها رسول الله ، ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك. فقلت : ما يضحك يا رسول الله؟ قال : ناس من أمتى عرضوا على غزاة فى سبيل الله – كما قال فى الأول – قالت : فقلت : يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنى منهم، قال : أنت من الأولين. فركبت البحر فى زمن معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت"( )0

                        بالحديثان السابقان طعن أعداء السنة، فى عدالة الإمام البخارى، وفى صحيحه الجامع، وزعموا أن الروايات السابقة يلزم منها؛ الطعن فى عصمة رسول الله  فى سلوكه، وفى خلقه العظيم0
                        يقول أحمد صبحى منصور : "يريدنا البخارى أن نصدق أن بيوت النبى التى كانت مقصداً للضيوف، كانت لا تكفيه، وأنه كان يترك نسائه بعد الطواف عليهن، ليذهب للقيلولة عند امرأة أخرى، وأثناء نومه كانت تقوم تلك المرأة بجمع عرقه وشعره، وكيف كان يحدث ذلك… يريدنا البخارى أن نتخيل الإجابة.. ونعوذ بالله من هذا الإفك… ثم يؤكد البخارى على هذا الزعم الباطل بحديث أم حرام … الذى تضمن كثيراً من الإيحاءات والإشارات المقصودة، لتجعل القارئ يتشكك فى أخلاق النبى؛ فيفترى الراوى : كيف كانت تلك المرأة تطعمه، وتفلى رأسه، وينام عندها، ثم يستيقظ ضاحكاً ويتحادثان نعوذ بالله من الافتراء على رسول الله… ويتركنا البخارى بعد هذه الإيحاءات المكشوفة، نتخيل من معنى أن يخلو رجل بامرأة متزوجة فى بيتها، وفى غيبة زوجها، وأنها تطعمه، وتفلى له رأسه، أى أن الكلفة قد زالت بينهما تماماً، وأنها تعامله، كما تعامل زوجها.. ثم يقول : "وجعلت تفلى له رأسه، فنام رسول الله ثم استيقظ" ولابد أن القارئ سيسأل ببراءة … وأين نام النبى وكيف نام، وتلك المرأة تفلى له رأسه، وآلاف الأسئلة تدور حول هدف واحد هو ما قصده البخارى بالضبط"( )0

                        ويجاب عن ما سبق بما يلى :
                        أولاً : لنا أن نتساءل : لماذا كل هذا الحقد على الإمام البخارى؟ ولماذا الحمل على البخارى – رحمه الله – فى هذه الرواية، والتشنيع عليه، مع أن غيره من علماء الحديث شاركه فى رواية هذا الحديث؟ إنه لم يخترع، ولم يؤلف، ولم يشطح به الخيال!0

                        لقد نقل ما سمعه من شيوخه الثقات، مما سمعوه من شيوخهم، إلى أن وصل النقل إلى الرسول ، أو إلى الصحابى الذى روى عن الرسول 0

                        والناقل لا يطلب منه إلا التأكد من صحة ما نقل، واستيفاء شروط النقل ولا يكون مسئولاً عن ذات الشئ المنقول، لأن ناقل الكفر ليس بكافر بمجرد نقله لذلك0

                        لقد أعماهم الحقد على كل ما يتصل بالسنة، ورواتها، فصبوه صباً عليهم، واختص البخارى بأشد أنواع الحقد؛ لأنه جمع أصح الروايات، وبذل أقصى الجهود0
                        وذنب البخارى عندهم، أنه أخلص. وبذل حياته وماله فى جمع السنة، ونقد الحديث، واستخلص صحيحه من صفوة الصفوة من الحديث، ورسم المناهج، وقعد القواعد، وأصل الأصول0
                        من أجل ذلك عابوه وشتموه، وحاولوا تشويه صورته، ونطحوه بقرون حقدهم، يريدون القضاء على جهوده، وإبادة عمله، ولو استطاعوا لأخرجوا رفاته، فصبوا عليه ويلاتهم. ولكن هيهات فهم كما قال القائل :
                        كناطح صخرة يوماً ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

                        ثانياً : وماذا فى قصة أم حرام :
                        إن البخارى – رحمه الله – ذكرها فى صحيحه فى كتاب الاستئذان، باب "من زار قوماً فقال عندهم"0

                        والقوم يطلق فى الغالب على الجماعة، وكأن البخارى يرى أن ما يرويه من الحديث، فى زيارة واحد وهو الرسول ، لجماعة وهم أهل البيت الذى فيه أم حرام0

                        وهذا من فقهه فى تراجمه الذى رفع مكانته بين العلماء، وأثار إعجاب كل متابع له فى فهم معانى الحديث0

                        ثم روى البخارى الحديث عن أنس بن مالك، وأم سليم هى أم أنس، وأم حرام هى أخت أم سليم، وهنا يظهر جلياً أن البيت الذى كان يقيل فيه رسول الله ، هو بيت فيه أم سليم، وأختها أم حرام، وأنس بن أم سليم0

                        وقد ورد فى المسند عن أنس "أن رسول الله  صلى فى بيت أم سليم، وأم سليم، وأم حرام خلفنا، ولا أعلمه إلا قال : أقامنى عن يمينه"( ) فأى ضير فى أن يكرم الرسول ، أنساً خادمه، فيدخل بيته يقيل فيه، ويأكل، وفى هذا البيت أمه، وخالته، وقد يكون فيه غيرهما زوج أم سليم، أو زوج أم حرام، أو زوجهما0

                        وسبب آخر لإكرام الرسول ، أهل هذا البيت بالزيارة، مع أن غيرهم كثير ممن يود أن يتشرف بالرسول  فى مثل هذه الزيارة. لقد استشهد أخوهما فى سبيل الله، فكان رسول الله  يواسيهما معاً بهذه الزيارة، حيث أنهما كانتا فى دار واحدة، كل واحدة منهما فى غرفة من تلك الدار( )0
                        فعن أنس بن مالك رضى الله عنه "أن النبى ، لم يكن يدخل بيتاً بالمدينة، غير بيت أم سليم، إلا على أزواجه، فقيل له، فقال : إنى أرحمها؛ قتل أخوها معى"( ) يعنى حرام بن ملحان( ) وكان قد قتل يوم بئر معونة0

                        وفى تعليله  "إنى أرحمهما" فيه أنه خلف حرام بن ملحان فى أهله بخير بعد وفاته، ولذا ذكر البخارى الحديث السابق فى كتاب الجهاد، باب فضل من جهز غازياً أو خلفه بخير، وهذا من فقهه ودقته – رحمه الله0

                        فكانت زيارته  لأم سليم وأختها أم حرام، عملاً بما قاله  : "من جهز غازياً فى سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً فى سبيل الله بخير فقد غزا"( )0

                        وفضلاً عن ما سبق، فقد غنم المسلمون من هذه الزيارة علماً من أعلام النبوة، فى أخبار الرسول ، عما سيكون قبل وقوعه، حيث أراه الله له، وإخباره أم حرام بأنها من الأولين ركاب السفن الغازية. وتحقق ما أخبر به من ركوبها وغزوها ثم استشهادها الذى حال بينها وبين أن تكون من أهل السنن الغازية التى تلت ذلك، ورآها الرسول 0
                        ثالثاً : من أين جزم أحمد صبحى، ومن قال بقوله؛ بانفراد رسول الله  مع أم حرام أو أم سليم؟ وكيف قطع بأن أحداً لم يكن معهما؟، وما الذى يمنع أنساً وهو خادمه من الدخول إلى بيت أمه، وهو نفسه بيت خالته؟ وأين أخوه اليتيم، ومن كان من الأزواج حاضراً؟ بل وأين من كان من الأقارب، وكل من حول قباء من الأنصار الذين لا يتركون الرسول ، وهو يزور قباء، وهم من أخواله الذين نزل بينهم أول قدومه المدينة؟!0

                        لقد كان الصحابة يحرصون على مرافقة الرسول ، وكانوا يسعدون بصحبته كلما خرج من بيته، وكانوا يلتمسون رؤيته وسماعه، ورؤية ما يصدر منه0
                        فكيف يزور أم حرام إذا ذهب إلى قباء فلا يجد أحداً يقابله، أو يصلى معه، أو يقابله فى الطريق فيسير معه حتى يسمح له بالانصراف؟! وكيف يدخل بيتاً، فلا يدخل إليه فيه من أراد، ممن له حاجة، أو مسألة، أو به رغبة للاستفادة من تجدد رؤيته له، وسعادته بمجالسته ؟!0

                        أمور كلها تعد من قبيل الشواهد التى لا تخطئ، والدلالات التى تورث اليقين، بأن النبى ، حين زار قباء ودخل على أم حرام فى بيتها، كان معهم غيرهما، ولاسيما وجود أنس بن مالك على ما ورد فى روايات الحديث( )0

                        وهذه الشواهد هى التى جعلت الإمام البخارى يعنون لباب القصة بقوله : "باب من زار قوماً فقال عندهم" وتأمل جيداً "قوماً"0

                        رابعاً : المتأمل فى الحديث يجد قول الراوى : فأطعمته : أى قدمت له طعاماً، و"جعلت تفلى رأسى"0
                        فهل يناسب هذا القول : "وجعلت تفلى رأسه" حال الرسول  وهو يأكل؟ أو حال أنس، وهو جالس إلى خالته حال قيام رسول الله  بتناول الطعام؟ وألا يمكن أن يقال : إن الرسول ، بادر إلى النوم قبل تناول الطعام، فأطعمت أم حرام أنساً، وجعلت تفلى رأسه، حتى استيقظ النبى  يضحك، ويحكى ما رآه من الصحابة فى السفن كالملوك على الأسرة غزاة فى سبيل الله؟ يجوز0

                        إلا أن الذين فى قلوبهم مرض، لا يفطنون لذلك، ولا يسمعون كلام الحافظ الدمياطى وهو يقول : ليس فى الحديث ما يدل على الخلوة مع أم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد، أو خادم، أو زوج، أو تابع0

                        ولا يهمهم قول ابن الجوزى : سمعت بعض الحفاظ يقول : كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب، أم رسول الله  من الرضاعة، ولا يعبئون بقول ابن وهب : أم حرام إحدى خالات الرسول  من الرضاعة( )0
                        لا يهمهم كل ذلك، ولا يرد على خاطرهم قول أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها "لا والله ما مست يد رسول الله  يد امرأة قط، غير أنه يبايعهن بالكلام"( )0

                        أمور كلها تعد من قبيل الشواهد التى لا تخطئ، والدلالات التى تورث اليقين بأن النبى ، كان قريباً قرابة محرمة لأم سليم، وأختها أم حرام؛ وخصوصاً وأن بعض الروايات تقول : "كان النبى ، يدخل بيت أم سليم فينام على فراشها، وليست فيه"( )0

                        ورواية تقول : "نام النبى ، فاستيقظ، وكانت تغسل رأسها، فاستيقظ وهو يضحك، فقالت: يا رسول الله أتضحك من رأسى، قال لا"( )0

                        ومن هنا : فلا إشكال فى تفلية أم حرام لرأس رسول الله  على فرض الأخذ بظاهر الحديث، لجواز ملامسة المحرم فى الرأس وغيره مما ليس بعورة، وجواز الخلوة بالمحرم والنوم عندها. وهذا كله مجمع عليه( )0

                        وقد يقول قائل : قريبات النبى  معروفات، وليس منهن أم سليم ولا أم حرام( ) والجواب: أننا نتحدث عن مجتمع لم يكن يمسك سجلات للقرابات، وخاصة إذا كانت القرابة فى النساء، فهناك قريبات كثيرات أغفلهن التاريخ فى هذا المجتمع، وأهملهن الرواة( )0
                        وإلا هل يعقل أن يترك أهل الكفر والنفاق – زمن النبوة – مثل هذا الموقف دون استغلاله فى الطعن فى النبى ، وفى نبوته؟!0
                        خامساً : ليس فى روايات القصة، ما يدل على ما زعمه أحمد صبحى، ومن قال بقوله : من دخول رسول الله  على أم حرام فى غيبة زوجها لأن أم حرام؛ كانت قد تزوجت مرتين، تزوجت مرة قبل عبادة بن الصامت، وأنجبت، ثم قتل ابنها شهيداً فى إحدى معارك الإسلام، وبقيت بغير زوج لكبر سنها، ثم شاء الله أن تتزوج بعبادة بن الصامت ويبقى معها بعد انتقال النبى ، وقد وقع ذلك فى كلام أنس بن مالك نفسه، وهو يحدث عن خالته بالحديث الذى هو موضوع كلامنا الآن. ففى بعض روايات الحديث قال : ثم تزوجت بعد ذلك بعبادة بن الصامت رضى الله عنه0

                        أما هذه الجملة التى وقع عليها – الذين فى قلوبهم مرض – والواردة فى بعض روايات هذا الحديث وهى : "كانت عبادة بن الصامت" فقد أجمع العلماء أن هذه الجملة معترضة، وهى من كلام الراوى يشرح بها حال أم حرام حين ذهبت إلى بلاد الشام، أو إلى جزيرة قبرص، وماتت بها0
                        فالمراد بقوله هنا : "وكانت تحت عبادة" الإخبار عما آل إليه الحال بعد ذلك، وهو الذى اعتمده النووى، وغيره تبعاً للقاضى عياض، ورجحه ابن حجر( )0

                        قلت : وحتى لو كان عبادة حينئذ تحتها، فلا شك أنه كان يسره، أكل النبى ، مما قدمته له امرأته، ولو كان بغير إذن خاص منه0

                        كما أن دخوله ، على زوجته حينئذ فى غير وجوده، لا إشكال فيه، لقرابة أم حرام لرسول الله  ولأنه لم يكن وحده ، على ما تقرر سابقاً، على فرض عدم القرابة0

                        ولعصمته ، مع كل ما سبق أولاً وأخيراً( )0

                        سادساً : ما زعمه أعداء عصمته ، وحاولوا إيهام القارئ لهم، بأن روايات الحديث فيها أن النبى ، كان يبادل أم حرام كلمات غير مقبولة، عصمه الله من ذلك0

                        فهذا منهم من أفرى الفرى على رسول الله ، وروايات القصة ترد عليهم، فكل ما فيها أنه ، زار أم حرام، ونام عندها، واستيقظ يضحك، وسألته أم حرام عن الأمر الذى يضحك منه، فأخبرها أن ناساً من أمته سيركبون البحر، ظهره، ووسطه، ويكونون فيه، وهو أمر فيه أمثال الملوك على الأسرة، وهذا أمر يسعد النبى ، ويرضيه، لما فيه من المخاطر ما فيه، إن فيه خطر ركوب البحر، وفيه الجهاد، وما فى الجهاد من أهوال، وفيه احتمال الموت والشهادة، وأم حرام تعرف ذلك وتدركه، ثم تطمع فيه وتبتغيه، وتسأل النبى  الذى لا ترد دعوته، وتقول له : سل الله أن يجعلنى منهم، والنبى سأل ربه، واستجاب له ربه عز وجل، فسألته أم حرام بعد أن نام المرة الثانية فى الوقت نفسه، وقام يضحك، مم تضحك يا رسول الله؟ فقال : كما قال فى الأولى : "إن ناساً من أمتى سيركبون البحر مثل الملوك على الأسرة، قالت : يا رسول الله! أأنا منهم، قال، لا، أنت من الأولين"0

                        ومرت الأيام، وركبت أم حرام مع زوجها، وعلى ساحل البحر، ركبت دابة، فسقطت من على دابتها فماتت، وقبرها على رأى البعض ما يزال ظاهراً، يعرفه الناس فى قبرص باسم قبر المرأة الصالحة0

                        أى حديث هذا الذى جرى بين النبى ، وبين أم حرام رضى الله عنها؟ إنه حديث عن المخاطر والأهوال، وهو حديث عن الموت والشهادة، وهو حديث عن استكمال الذات إلى ساعة الممات، وهو حديث فرح النبى  بأمته حين ينتشرون بالدين ويحملون لواء الجهاد0

                        إن مثل هذا الحديث : لهو حديث الرجولة والكمال، وهو حديث الطمع فى رحمة الله ورضوانه0
                        فما علاقة مثل هذا الحديث الشاق بأحاديث الرضا، ومتابعة هوى النفس؟!0

                        وأين ما يزعمه أعداء الإسلام، إن فى القصة إيحاءات وإشارات مقصودة تجعل القارئ يتشكك فى أخلاق النبى  وعصمته فى سلوكه؟!0
                        وأين كانت أختها أم سليم، وابنها وابن أختها أنس راوى الحديث، من هذه الإيحاءات؟0

                        ولم لم ينقلها الرواة، وهم الذين يحرصون على نقل كل صغيرة وكبيرة حتى الحركات والسكنات عن المعصوم ؟!0

                        إن المرء ليس ليسمع الحديث الصحيح، فيدركه على وجهه، إن كان سليم النفس، حسن الطوية، وهو ينحرف به إذا كان إنساناً مريض النفس معوجاً0


                        أشهد أن الله عز وجل، عصم نبيه ، من الشيطان الرجيم، وعصمه فى سلوكه وهديه، وصدق فيه قول ربه : وإنك لعلى خلق عظيم( ) أهـ0

                        والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم


                        منقول
                        اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                        "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                        "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                        تعليق


                        • #87
                          رد: شبهات وردود

                          جزاكم الله خيرا
                          نفع الله بنا وبكم

                          تعليق


                          • #88
                            رد: شبهات وردود

                            السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

                            أعز الله بكم الاسلام أساتذتى

                            برجاء أفيدونى فى رد هذه الشبهة

                            يقول النصرانى
                            أيمها اكثر بلاغة
                            قل هو الله أحد
                            أم الأفضل قول

                            قل هو الله الأحد معرفة بالألف و اللام

                            و لماذا لم تذكر الوحيد أو الواحد ( و هى كلمات صريحة بين الناس) و ما الحكمة فى ذكر كلمة أحد
                            ؟؟؟؟؟





                            بسم الله الرحمن الرحيم ..

                            " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"


                            لمن يقول إن الإعجاز البياني للقرآن لم يكن معروفاً فى القرن الأول ، أو لمن يريد أن يوحي أن العرب كانت تستطيع أن تأتي بمثل هذا القرآن لأنها لغتهم ..

                            نقول له : تعلم كيف تتذوق .. صحيح أن القرآن من جنس كلام العرب لكن نظمه ودقته وتموج معانيه وتناغم ألفاظه هو الإعجاز بعينه ، ولا يمكن لأي من البشر أن يجلس بالساعات لكي يفكر أن يضع كلمة محل أخرى أو تلك محل هذه حتى يعطيك مثل هذا العقد الفريد المنظوم من لآليء بلاغية ولو كان أفصح العرب.


                            الوجه الأول في تنكير أحد وتعريف الصمد ..

                            اعرب "قل هو الله أحد" :
                            قل : فعل أمــــــــر
                            هو : مبتدأ
                            الله : خبر
                            أحد : صفة لله .. والبعض يعربها خبر ثان.

                            (هو الله) معرّفتين وعندما يكون المبتدأ والخبر معرّفين يفيد الحصر .. بمعنى أن من يشير إليه بلفظ (هو) لا شيء إلا (الله).
                            وتنكير (أحد) له قاعدة عامة تقول :
                            النكرة إذا وردت في سياق الأمــر فإنها تفيد الإطلاق.

                            يعني إيه ؟

                            (هو الله) أفادت أنى أحصر كلامى فى (الله) الذى له (الأحدية) على إطلاقها وبما تحمله من جميع معاني التفرد.

                            كقول الله تعالى : إن مع العسر يسرا ... أفاد أن (العسر) محصور مقيد لكن معه يسر مطلق لا حد له.


                            الله الصمد : هو تخصيص الله تعالى بصفة الصمدية.
                            وجاء لفظ (الصمد) معرّفاً لتوضيح أن معانى الصمدية عديدة ، قد يتوهم المرء أن هناك ممن يمكن أن يكون صمداً مع الله ، لكنه بتعريفها حصرها هي الأخرى فى الله تعالى. بمعنى (الله الصمد) لا أحد غيره.



                            نوجز ما سبق فنقول :
                            "هو الله أحد" يدل على أن صفة (الأحدية) مطلقة وهي محصورة بالله.
                            "الله الصمد" يدل على الحصر أيضا لتعريف المبتدأ والخبر (والصمدانية محصورة بالله ).






                            الوجه الثاني في تنكير أحد وتعريف الصمد ..
                            من عجيب التوافق بين اللفظ القرآني واستعماله لتوضيح المعنى ..
                            أن الأحدية صفة لا نستطيع أن نتفهمها نحن البشر في هذا العالم المتعدد.
                            فكونك تقول : إن الله سبحانه (أحد) لا يقبل الانقسام فى ذاته وفي صفاته ، صعبة على الفهم ولا يمكن تخيلها أو تحديدها أو إعطاء مفردات لها تحل محلها ، فهي نكرة في تصوراتنا وجاءت نكرة فى السياق.

                            أما الصمدية : فمعروفة وليست مجهولة ، وجاءت كلمة (الصمد) معرّفة.
                            تسأل عن معنى الصمد؟


                            الصمد فسر بمعنيين عند العلماء، أحدهما أنه لا جوف له، المصمد الذي لا جوف له، ليس من جنس المخلوقين، المخلوق له جوف يأكل ويشرب ويطعم، والله لا جوف له مصمد كما قال تعالى: (الصمد) وفسر الصمد بمعنى آخر، وهو أنه تصمدُ إليه الخلائق في حاجاتها، ترجوه وتسأله وتضرع إليه حاجاتها سبحانه، وهو الصمد لا جوف له، وهو الصمد ترفع إليه الحاجات جل وعلا: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ) قول ابن باز رحمه الله









                            الله أحد أم الله واحد



                            يمكن للواحد أن يتركب من أجزاء ، فالسيارة (واحدة) لكنها تتركب من ................

                            أما الأحد فهو واحد فى كل شيء ، أحد الجوهر والصفات ليس له مثيل ولا شبيه.
                            اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                            "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                            "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                            تعليق


                            • #89
                              رد: شبهات وردود

                              قال الله"وما الله بظلام للعبيد" أطلقت صفة الظلم بالمبالغة فإذا نفيناها تصبح صفة الظلم منسوبة إليه، وهذا خطأ وشرك كيف تفسرون الآية؟
                              الفتوىالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

                              فإن نفي الظلم عن الله تبارك وتعالى ورد بصيغة المبالغة في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، من ذلك قوله تعالى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ [لأنفال:51-52].
                              وقوله تعالى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ [الحج:10-11].
                              وقوله تعالى: )مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [قّ:29]. وقوله تعالى: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ* إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت:46-47].
                              وأما قول السائل الكريم "وما الله بظلام للعبيد" فلم يرد بهذا اللفظ في القرآن الكريم، ومعنى الآية إجمالا: نفي جميع الظلم عن الله تبارك وتعالى وانه لا يعاقب من ليس بمجرم لأن الله تعالى لما وضع للناس الشرائع وبين الحسنات والسيئات ووعد وأوعد فقد جعل ذلك قانونا فصار العدول عنه إلى عقاب من ليس بمجرم ظلما، إذ الظلم هو الاعتداء على حق الغير في القوانين المتلقاة من الشرائع الإلهية، بتصرف من كتاب تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور.
                              إذن فالمنفي هنا هو الظلم من أصله، ونفي صيغة المبالغة قد دلت أدلة كثيرة منفصلة على أن المراد به نفي الظلم من أصله، فمن ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40]، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً [يونس:44]، وقوله تعالى: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49]، والقرآن يفسر بعضه بعضا ويبين ما أجمل منه.
                              والإشكال الذي أشار إليه السائل الكريم وهو أن لفظة ظلام فيها صيغة مبالغة ونفي المبالغة لا يستلزم نفي الفعل من أصله
                              قد أجاب عنه اهل العلم بأجوبة شافية واضحة نحيلك إليها في تفسير أضواء البيان للشنقيطي وتفسير التحرير والتنوير لابن عاشور.
                              ونختصر لك منهما ما يتسع له المقام قالوا: وأما صيغة ظلام المقتضية المبالغة في الظلم فهي معتبرة قبل دخول النفي على الجملة التي وقعت فيها، وقال علماء المعاني: إن النفي إذا توجه إلى كلام مقيد قد يكون النفي، نفيا للقيد وقد يكون القيد قيدا للنفي ومثلوا بالآية المذكورة، وهذا استعمال دقيق في الكلام البليغ في نفي الوصف المصوغ بصيغة المبالغة، ومن تمام عدل الله تعالى أن جعل كل درجات الظلم في رتبة الظلم الشديد.. أفاده ابن عاشور في التحرير.
                              ومن الأوجه التي تستلزم نفي الظلم من أصله وإزالة الإشكال عن التعبير بصيغة المبالغة هو أن الله تعالى نفى ظلمه للعبيد والعبيد في غاية الكثرة، والظلم المنفي عنهم تستلزم كثرتهم كثرته، فناسب ذلك الإتيان بصيغة المبالغة للدلالة على كثرة المنفي التابعة لكثرة العبيد المنفي عنهم الظلم، إذ لو وقع على كل عبد منهم ظلم ولو قليلا كان مجموع ذلك الظلم في غاية الكثرة، وبذلك يعلم اتجاه التعبير بصيغة المبالغة، وأن المراد بذلك نفي أصل الظلم عن كل عبد من أولئك العبيد الذين هم في غاية الكثرة. أفاده الشنقيطي في الأضواء.
                              منقول
                              اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                              "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                              "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                              تعليق


                              • #90
                                رد: شبهات وردود

                                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                                شبهة تعارض آيات القرآن فى قوله"إنما المؤمنون الذى إذا ذكر الله وجلت قوبهم"
                                وقوله "ألا بذكر الله تطمئن القلوب "

                                فالوجل هو الفزع وهو عكس الإطمئنان

                                الرد على الشبهة:


                                بالرجوع ألى تفسير المفسرين للقرآن نرى الآتى:
                                تفسير الجلالين
                                (إنما المؤمنون) الذين كمل إيمانهم (الذين إذا ذكر الله) أي وعيده (وجلت) خافت (قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً) تصديقاً (وعلى ربهم يتوكلون) به يثقون لا بغيره
                                تفسير ابن كثير


                                قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " قال: المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ولا يتوكلون ولا يصلون إذا غابوا ولا يؤدون زكاة أموالهم فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين ثم وصف الله المؤمنين فقال "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" فأدوا فرائضه "وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا" يقول زادتهم تصديقا "وعلى ربهم يتوكلون" يقول لا يرجون غيره وقال مجاهد "وجلت قلوبهم" فرقت أي فزعت وخافت وكذا قال السدي وغير واحد وهذه صفة المؤمن حق المؤمن الذي إذا ذكر الله وجل قلبه أي خاف منه ففعل أوامره وترك زواجره كقوله تعالى "والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون" وكقوله تعالى "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" ولهذا قال سفيان الثوري: سمعت السدي يقول في قوله تعالى "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" قال:هو الرجل يريد أن يظلم أو قال يهم بمعصية فيقال له اتق الله فيجل قلبه وقال الثوري أيضا عن عبدالله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء في قوله "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" قال الوجل في القلب كاحتراق السعفة أما تجد له قشعريرة؟ قال: بلى قالت:إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك فإن الدعاء يذهب ذلك وقوله "وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا"


                                تفسير القرطبي
                                قوله تعالى: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون".

                                - قال العلماء: هذه الآية تحريض على إلزام طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به من قسمة تلك الغنيمة. والوجل: الخوف.
                                . وروى سفيان عن السدي في قوله عز وجل: "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" قال: إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له اتق الله، كف ووجل قلبه.

                                وقيل أيضا:
                                وصف الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوجل عند ذكره. وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم، وكأنهم بين يديه. ونظير هذه الآية "وبشر المخبتين * الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" [الحج: 34-35]. وقال: "وتطمئن قلوبهم بذكر الله" [الرعد: 28]. فهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب. والوجل: الفزع من عذاب الله، فلا تناقض. وقد جمع الله بين المعنيين في قوله: "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله" [الزمر: 23]، أي تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإن كانوا يخافون الله. فهذه حالة العارفين. بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته،
                                وقيل فى معنى الآية أيضا:

                                - قوله تعالى: "وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا" أي تصديقاً. فإن إيمان هذه الساعة زيادة على إيمان أمس،
                                . وقيل: هو زيادة انشراح الصدر بكثرة الآيات


                                "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"

                                تفسير ابن كثير


                                أي تطيب وتركن إلى جانب الله وتسكن عند ذكره وترضى به مولى ونصيرا ولهذا قال " ألا بذكر الله تطمئن القلوب"

                                تفسير القرطبى

                                وتطمئن قلوبهم بذكر الله " أي تسكن وتستأنس بوحيد الله فتطمئن، قال: أي وهم تطمئن قلوبهم على الدوام بذكر الله بألسنتهم،
                                قاله قتادة. وقال مجاهد وقتادة وغيرهما: بالقرآن.
                                وقال سفيان بن عيينة: بأمره.
                                مقاتل: بوعده.
                                ابن عباس: بالحلف باسمه، أن تطمئن بذكر فضله وإنعامه، كما توجل بذكر عدله وانتقامه وقضائه.
                                وقيل: ( بذكر الله) أي يذكرون الله ويتأملون آياته فيعرفون كمال قدرته عن بصيرة. " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " أي قلوب المؤمنين. قال ابن عباس: هذا في الحلف، فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه.


                                الخلاصة

                                أى أن قلوب المؤمنين إذا ذكرت عقاب الله وعذابه خافت فداومت على ذكره فتذكرت فضله ونعمه وحسن ثوابه فاطمأنت لذلك
                                اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                                "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                                "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                                تعليق

                                يعمل...
                                X