إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رواية ( خيول الشوق )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رواية ( خيول الشوق )

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    أحببت أن أقدم إليكم رواية هي في نظري أفضل ما قرأت على الإطلاق

    رواية خيول الشوق

    بقلم : محمود جربوعة


    بسم الله نبدأ



  • #2
    رد: رواية ( خيول الشوق )


    ( 1 )


    نفض عن جبينه حبات التراب التي التصقت به أثناء السجود ، دون أن يكف عن تمرير رأس ابهامه على بواطن أصابعه مسبحاً ، و رنا ببصره إلى الأفق . .

    كانت الآفاق المتكسرة فوق الجبال البعيدة تحرك فيه أشياء و أشياء ... و هبت نسمة هواء منعشة ، فأغمض عينيه و ألقى بنفسه إليها و إلى أفكاره .. و مرّت في مخيلته صورة سريعة ، باهتة ، و متداخلة ، اجتهد في تجاهلها ، لكنه لم يفلح ...

    صورة عيني أمه ، بكل حنانها ، و أحزانها .. هما هما .. كما كان تأملها و هو يودعها منذ عشر سنوات ... حينما اغرورقتا و قالتا كل شيء ... صورة جبين أبيه ... بتجعداتها ، و أسرار نقوش العقود ... و هذه يد ابنه تمتد نحوه ، ... با ... با كان عمره عامان ... و افتر الثغر الجميل عن ابتسامة محفورة إلى اليوم في ضلوعه .. أما ابنته الكبرى آمنة فكانت تمسك بذيل ثوب أمها تنظر إليه نظرات ابنة السبع سنوات .. بريئة كانت ، و كان كلما ابتعد خطوة ضغطت على ثوب أمها أكثر ...

    كانت المرة الأولى التي يدرك فيها أن زوجته تحفظ الشِعر ... و تبذره فوق الجراح أيضاً ... قالت و هي تودعه :

    هل ترانا نلتقي أم أنها كانت .. الــلـقيـــا على أرض الســـراب
    ثم ولَّـــت و تلاشــى ظلهــا .. و استحالت ذكريات للعذاب ؟!!

    و مسح أبوه عن عينيه شيئاً ما ... مترقرقاً كالماء ... مالحاُ كالبحر ... حارّاً كقلب ذائب ...

    كانت الأفكار قاهرة لدرجة أنه تلاشى فيها رغم مكابرته ، و لم ينتبه إلا على يد صاحبه أبي الوليد و هي تربت على كتفه : أبا مصعب ... أبا مصعب ...

    كان كمن استله من عالم أخر استلالاً ترك فيه نصف جسده ، نصف قلبه ، نصف روحه ، و استدار ، فإذا الذبن أمَّهم في الصلاة قد انصرفوا إلى حاجاتهم .

    و أدرك أبو الوليد ما الذي يمور في صدر صاحبه ، فجلس إليه و تأمل وجهه ملياً ، ثم نزل بعينيه إلى الأرض ، و قال و هو يعبث بعشبة خضراء ، يمسحها برفق : عند الله استودعناهم ... و لله بعنا ...
    فرد عليه : نِعْمَ البيع يا أخي ، لكنها المضغة التي بين يدي الرحمن ، يتحرك بها الشوق بين الفينة و الفينة فتسافر نحوهم تعانق أطيافهم .. و هو ضعف البشر يا أبا الوليد ...

    كانت الشمس تنحدر نحو مغيبها ، و كان المساء لطيفاً ، تذوب فيه النفس ، و هي تسافر عبر الأفق الرحب ...

    كان الرجلان يجلسان على ذكرياتهما ... و كان الله يراهما و يسمع ما يقولان ...

    * * * *


    تعليق


    • #3
      رد: رواية ( خيول الشوق )


      (2)

      نزل الليل متئداً ، كشيخ على عكاز ... و اختلطت حبيبات الظلام بحبات النور ، و تزايدت حتى احلولكت الفجاج ... كانت عيونهم صقوراً جارحة ، و وجوههم تتقلب في السماء تترقب ما هو كائن منذ ليال ... القصف ... النار ... و التقطت الآذان أصواتاً بعيدة تقترب ...

      لقد جاؤوا
      قالها أبو تراب و هو يتحسس سلاحه ..

      و تحرك لسان أحدهم بنور بدد الظلام :
      ﴿ و لا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون و ترجون من الله ما لا يرجون

      كان الصوت شجياً .. و كانوا إخوة نأت ديارهم ، و جمعهم طريق الجنة ... من كل فج جاؤوا مستجيبين لنداء الحق ، : يا خيل الله اركبي أرخوا الأعنقة فطارت بهم السُّرج إلى هنا ...
      اقترب الصوت أكثر ... تحركت الألسنة بالذكر ، و ارتفعت العيون تراقب الطائرت .. صوت خطى تقترب مسرعة ، إنه القائد عبد الرحمن ، بطلته التي أرهبت الروس أعواماً ، و صوته المرعد :
      هل كل شيء على ما يرام ؟ ..

      و جاء الجواب من الجميع : بإذن الله ..

      كانت بطارية الصواريخ المضادة للطائرات تعيش آخر لحظات صمتها ، و هدوئها .. و كان أبو مصعب يقف قريباً منها يفكر في واقع هذه الأمة التي تصحو و تنام على أمطار النار و الدمار في كل مكان ...

      كان يسلي نفسه بكونه و إخوانه معه ، يمتلكون سلاحاً يواجهون به أعداءهم ، و كان ذلك ما ذكّره بأطفال صغار في فلسطين يقاتلون بدون سلاح و يواجهون النار بالصدور العارية ..

      المأساة في كل مكان ـ قال لنفسه ـ في فلسطين ، و الشيشان ، و البوسنة ، و كشمير و الفلبين ، و غيرها ... و من عهد بلال ـ رضي الله عنه ـ و ظهور المسلمين تُحرق ... و تنهد و هو يقول : إنها المأساة ...

      اقتربت الطائرات و حبست الأنفاس ، أما الأعين فلم تكن تخطئ تلك الكتل الحديدية التي تملأ هدوء الليل ضجيجاً مفزعاً ، و كانت تلك الليلة من ليالي كثيرة تقضيها عيون الصقور مفتوحة إلى الفجر .



      * * * *


      تعليق


      • #4
        رد: رواية ( خيول الشوق )


        ( 3 )

        كانت الأضواء الحمراء تتراقص على مدخل الكازينو ... و توقفت السيارة السوداء الفخمة ، و نزلوا .. كان الجنرال بيكونين تشيخوف يعتمر قبعة صوفية ، و يلبس معطفاُ أسود ، أو قريباً من السواد ... أما حذاؤه فكان يلمع ، و هو يدخل دون أن يرد على تحية بوابي الكازينو ...

        و ما هي إلا لحظات حتى دخل وراءه شابان ، قَلَبَ أحدهما قبة معطفه على رقبته اتقاء البرد ، أما الآخر ، و كان قصيرًا ، فكان يبدو انيقاً بطقمه الرسمي ..

        كانت الأضواء الحمراء المتراقصة تعبيراً ناجحاً عن الجو ، جوِّ الكازينو .. انغمس الجنرال في اللعب محتسياً كأسه ، و احتوشته الخسائر حتى رهن ساعته الذهبية ، و مسّاك ربطة عنقه و أزرار قميصه الفاخرة ، و انتهى بعد ساعات إلى الإفلاس ...

        قال و هو يضرب الطاولة بقبضته فتقرقع الكؤوس فوقها : حظ سيئ .
        كان الشابان يراقبانه من بعيد ، هل هما حرسه ؟
        أم رجال المخابرات الروسية ؟!!

        و همَّ بالانصراف ، و عند الباب ، اقترب منه أحدهم و قال له ، و هو يحاول أن لا يلفت انتباه الآخرين :
        يبدوا أنك في حاجة إلى بعض المال يا سيدي ...؟

        و التفت الجنرال و هو يقول : هذا أنت ؟!!

        فرد الشاب : نعم ، دائماً أكون معك في لحظة الغرق و الحاجة ، و أعرض قارب نجدتي .. ما رأيك في عشرين ألف دولار ؟!!

        و بدا أن الجنرال لا يهتم بالعرض كثيراَ ، فهزَّ رأسه ، و ابتسم ، و واصل مشيه نحو سيارته .

        أما الشاب فواصل قوله : الأمر ليس صدقة ... و هناك مقابل ، أظن أن ذلك يطمئنك ..

        كان الرجلان قد وصلا إلى السيارة ، و قد فتح السائق بابها الخلفي و وقف شبه منحنٍ منتظراً ركوب الجنرال .

        هبت نسمة قارسة ، فارتجف الشاب صاحب المعطف ، و خبأ رقبته في قبة معطفه أكثر .. و قال و هم يزم فمه و يقطب جبينه : بيدو أن الحظ لم يحالفك في هذه الليلة مرتين يا سيدي .. لا بأس سأنصرف ، و مشى خطوات .. و تأمله الجنرال من الخلف جيداً ثم قال له :
        لا بأس ، ما هو المطلوب ؟..

        كان الشاب يدرك حين انصرف أن الجنرال سيستوقفه .. و تراجع إليه و هو يقول :
        صفقة ...

        كان من مكانٍ للتفاوض ، و لذلك فقد صرف الجنرال سائقه إلى داخل الكازينو ، بينما ركب هو و الشابان السيارة ... و بحركة سريعة توجس منها الجنرال ضغط أحد الشابان زراً جانبياً في السيارة طالباً للضوء ، ثم أخرج من جيبه ورقة ... و عرضها على الجنرال و هو يقول : هل تذكر هذه يا سيدي الجنرال ..؟ إنها بخط يدك ..

        و ألقى الجنرال نظرة سريعة على الورقة ، و أدرك ما هي ، و سقط في يده ..

        - .. إنها صفقة السلاح التي بعته للقائد الشيشاني منذ عام ، و حينها ادعيت أمام القيادة الروسية أنك خسرته في معركة طاحنة .. إنها إدانة أليس كذلك ؟..

        - الآن يمكنك أن تستل مسدسك و تقتل واحداً منا .. و إن كنت أسرع فقد تقتلنا نحن الإثنين .. لكن الذين أرسلونا يمتلكون أصل الوثيقة ، و سينشرونها في صحيفة ( البرافدا ) يوم السبت القادم ... هذا كل ما عندنا ..

        قال الشاب ذلك و همَّ بالنزول من السيارة مع صاحبه غير أن الجنرال استوقفهما في شبه استجداء : مهلاً ... لكننا لم نكمل حديثنا .. و فهم الشابان أن الفريسة قد وقعت في الكمين ، و عادا إلى الداخل :
        - عشرون ألف دولار .. قال أحدهما .

        و قال الآخر : مع عدم نشر الوثيقة طبعاً .

        قال الجنرال : و المقابل ؟
        - نحن بحاجة إلى عملية كبيرة نكسر بها التعتيم الإعلامي الذي تمارسه حكومتكم على عملياتنا ..
        تريدون سلاحاً إذاً .. قال الجنرال ..

        فقال الشاب :
        سلاحاً و جنوداً .. قرابة خمسين ، فإن كانوا سبعين فهذا كرم منك لن ننساه ، و سندفع .. و ما زاد على ذلك فبكل رأس ألف دولار ... و معك الوقت و آلتك الحاسبة ، فعُدَّ ثروتك ، و سنلتقي غداً لإعطائك التفاصيل ..

        قال الجنرال بنبرة اندهاش :
        مستحيل .. كيف أرسل سبعين أو مائة جندي إلى كمين مصيدة ليلقوا حتفهم هناك ؟.. هذه خيانة عظمى !!!

        فقال الشاب :
        إذاً فهناك غيرك سيفعلها .. و لا تنسَ يوم السبت أن تشتري صحيفة ( البرافدا ) .

        و قام الشاب بحركة كأنه يريد النزول ، فأمسك الجنرال بمنكبه و هو يقول :
        متى ؟ .. و أين ؟

        فرد عليه الشابان بصوت موحد :
        غداً نلتقي و نتحدث .. و انصرفا ليبتلعهما وحش الظلام عند نهاية الشارع .



        * * * *





        تعليق


        • #5
          رد: رواية ( خيول الشوق )


          ( 4 )


          جلس الشيخ عبد العزيز تحيطه هالة الوقار ، و يزيّنه الصمت الرائع ، و جلس المجاهدون حوله ، كانوا ثلاثين ، ينقصون أو يزيدون قليلاً ، و افتتح كما هي العادة موعظته بــ إنّ الحمد لله نحمد .. ثم قرأ خطبة الحاجة ، و دخل في الموضوع ، كان درساً في العقيدة ، في قوله تعالى : ﴿ الرحمن على العرش استوى ... و راح بأسلوبه الجميل يفسر معنى العرش ، و يعطي مأثور العلماء في الاستواء مثبتاً أن الله تعالى في السماء ، و أن الاعتقاد الصحيح في إثبات صفات الله و أسمائه سبحانه ، دون تعطيل و لا تأويل و لا تشبيه ، ثم قال : من أجل هذا الذي في السماء ، الذي استوى على العرش ، تطير بنا أشواق الجهاد و الجنة من قفر إلى قفر . لقد قاتل الكثير منهم في أفغانستان و دحروا الروس ثو طاروا شُعثاً غُبراً إلى البوسنة و الهرسك ، ثم هم اليوم في الشيشان ، و من ثغر إلى ثغر ، ليس لهم سوى الشوق إلى وجه الله الذي في السماء ، الذي استوى على عرشه ..

          كانت الرؤوس كأن عليها الطير .. و كانت الكلمات المنسابة تزيد المجاهدين ثباتاُ .. و أشار الشيخ عبد العزيز إلى شيخ مسن ، ترك الدار و دفء الأسرة ، و جاء يقطع الوهاد و النجود ، يتوكأ على شيبته ، يريد وجه الله الذي استوى على العرش .. و ساله الشيخ عبد العزيز :
          يا شيخ مروان ، قل للعالم كله لماذا جئت ؟

          و اقترب الشاب يحمل آلة تصوير فديو من الشيخ مروان ، و وجه العدسة نحوه .. و رفع صاحب الشيبة وجهه السبعيني بتغضناته ، و تجعداته ، و آثار العقود .. و ترقرقت في عينيه دمعتان ، و قال :
          أنا رجل أُمِّيُّ ، عشت فقيراً ، لكن إمام المسجد هزني مرة و هو يفسر قوله تعالى : ﴿ انفروا خفافاً و ثقالاً ... و قال : خفافاً بالشباب ، ثقالاً بالشيخوخة ... و ذكر قصو أبي أيوب الأنصاري ، فقررت أن ألتحق بالمجاهدين .. أعيش في ظلهم .. أدعو لهم قبل انتقالهم إلى المعارك ، و أحتضنهم حين يعودون ، و أعوضهم شيئاً قليلاً من حنان آبائهم .. أرتجي بذلك وجه الله ، فلعله يرحم هذه الشيبة التي خرجت لوجهه الكريم تقطع الفجاج بمرضها ، كبرها و عجزها ...

          و التفت المصور بعدسته إلى الحاضرين فإذا البكاء قد ألقى عليهم رداءه ، و التقطت آلة التصوير صورة أخرى من صور الرحلات إلى الله ليشاهدها الكثير بعد هذا في مشارق الأرض و مغاربها ...

          و تحركت شفاه الشيخ عبد العزيز فقال :
          لطالما ألقينا الدروس قبل أن نخرج للجهاد عن الله الذي في السماء ، لكننا كنا مرتبطين بآلهة الأرض أكثر ، نخشاها و نرجوها فآهٍ يا ابن المبارك و أنت تقول :

          يا عابد الحرمين لو أبصرتـنــا .. لعلمت أنك في العبادة تلعب

          من كان يخضب وجهه بدموعه .. فنحورنا بدمائـنا تـتخـضــب
          أو كان يتـعب خيـله في باطــل .. فخيولنا يوم الكريهة تتعــب

          فيا للخيول المظلومة في مضامير السباق في الأندية .. ياللخيول المعطلة عن مضامرها الحق ... ياللفرسان الذين يطيرون على السرج طلباً للكؤوس الذهبية ، ليتهم فقط جربوا أن يطيروا لحظة واحدة لله الذي في السماء .. و الخيل إن لم تكن : ﴿ وَٱلْعَـٰدِيَـٰتِ ضَبْحًۭا ﴿١﴾ فَٱلْمُورِيَـٰتِ قَدْحًۭا ﴿٢﴾ فَٱلْمُغِيرَ‌ٰتِ صُبْحًۭا ﴿٣﴾ فَأَثَرْنَ بِهِۦ نَقْعًۭا ﴿٤﴾ فَوَسَطْنَ بِهِۦ جَمْعًا ﴿٥﴾ فما هي ..؟ ما هي الخيل إن لم تكن كذلك ؟!!

          وانتهت الموعظة ... و تحلق بعضهم حول الشيخ مروان ، محتفين به ، مباركين سعيه ، و بعد ساعة انشغل كلٌ بدأبه ، و جلس أبو مصعب محتضناً سلاحه يمسحه ، و أقبل عليه أزرق اليمامة و هو يقول :
          هل هناك عاقل يترك القصر المنيف ، و سيارة الشبح ، و أولاده ، و صيف لندن ، و ما أدراك ما صيف لندن ، و يأتي إلى هذه البقعة لينام على القش في العراء ثم يصبح ليمسح قطعة حديد ؟!!

          و انفجر أبو مصعب ضاحكاً ، دون أن يرفع رأسه نحوه ...
          و كان أزرق اليمامة شاباً مرحاً ، صاحب نكتة ، يسرّي عن المجاهدين أحزانهم بذلك ، و كان أعشى لا يفرق في الليل بين الدبابة و الشجرة ، لذلك كان على أحد إخوانه أن يمسك بيده و يقوده كلما جاء المساء ، و أظلمت الدنيا في وجهه ، كما كان يقول ...

          و استمع مرة إلى الشيخ عبد العزيز في شهر رمضان و هو يتحدث عن قوله تعالى :
          ﴿ حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ... فسأله : في أي ساعة ذلك يا شيخ ، فقال الشيخ عبد العزيز : في الفجر .

          فغمز أزرق اليمامة أحد الجالسين إلى جانبه و هو يقول له :
          الفجر ؟ أنا لا أفرق الفيل الأبيض من الفيل الأسود ، فهل أفرق الخيطين ..؟!!

          و اقترب أزرق اليمامة من أبي مصعب ، و أقبل أبو الوليد فسأله :
          ما الذي خرج بك يا أزرق ؟

          فرد عليه : أجاهد معكم .. فقال أبو الوليد :
          إنك تجاهد فينا .. و لو أعفيتنا لكان لك الأجر الجزيل إنك في صف الروس يا رجل .. هل نحن هنا لنقاتل أم لنقود العميان ؟

          و نطق أحدهم و كان يجلس غير بعيد :
          لقد أعفاه الله حين قال : ﴿ ليس على الأعمى حرج لكنه لم يُعْفِ نفسه ، و جاء فقط ليدهس أرجلنا برجليه حين نقوده في الليل ، تصور يا رجل ما يقوده ليلة أحدنا إلا و تصبح رجله الذي تليه حين يقودها زرقاء متورمة من الأذى .. فأي جهاد هكذا ..؟!

          و يبدو أن أزرق اليمامة لم يستطع أن يتحمل أكثر فقال :
          ألم تعلموا أنكم تُنصرون بضعفائكم ؟!! ثم إني كنت أعيش في بلادي ، لا أجد من يقودني في الليل فقلت في نفسي ليس أمامك إلا الجاهدون .. و سأستدل عليهم ببعض الأدلة في إعانة الضعفاء و قيادة العميان و أحقق مرادي ..

          قال أبو الوليد : إذاً أنت تستغل عقولنا ؟!!

          فرد عليه :
          عقولكم ؟!! لو كانت لكم عقول لما تركتم صيف لندن لتبيتوا تحت الجليد ..

          و مر الشيخ عبد العزيز ، و حانت من الأزرق نظرة فرآه ، و علم أنه قد سمعه ، فغير معنى الكلام ، و هو يقول : و في الجليد خير و بركة لمن صبر .. فاصبروا يا إخوتي .. و كتم الجميع بركان ضحكاتهم ... و ابتسم الشيخ عبد العزيز مارّاً .



          * * * *


          تعليق


          • #6
            رد: رواية ( خيول الشوق )


            وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

            ماشاء الله تبارك الله اختاه

            جزاكم الله خيرا تم تقييمك وتقييم الموضوع وسيثبت بوركت

            [[ يا أيها الذِينَ آمنوا هل أَدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لّكم إن كنتم تعلمون * يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم ]] اللهم إرحم أبي .

            تعليق


            • #7
              رد: رواية ( خيول الشوق )

              المشاركة الأصلية بواسطة اميرة باسلامى2 مشاهدة المشاركة
              وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

              ماشاء الله تبارك الله اختاه

              جزاكم الله خيرا تم تقييمك وتقييم الموضوع وسيثبت بوركت
              و جزاكم الله مثله .. رفع الله قدركم و جزيتم الجنة


              تعليق


              • #8
                رد: رواية ( خيول الشوق )


                ( 5 )

                كانت الأنباء تتحدث عن عناصر الموساد الذين قدموا إلى روسيا و زاروا الشيشان ، و قالت الصحف أنهم خبراء عسكريون جاؤوا يعرضون على روسيا ترميم منشآتهم النووية المتآكلة خوفاً من أن يحدث لهما ما حدث لمفاعل تشيرنوبل كما أن في جدول زياراتهم أيضاً حديث مع الروس عن محطة رصد الصواريخ الموجودة في ميشيلينكا التي تغطي قطاعاً يشمل كوريا الشمالية ، و عن قاعدة الرادار في لياكي في أذربيجان .. و عن ملف إسلاميي جيورجيا .. فلماذا تعرض إسرائيل كل خدماتها تلك ؟ و ما المقابل ؟!!

                كان السؤال كبيراً بحاجة إلى جواب مُطَّلع .. لا تكهن خبير أو محلل ، و كان القائد أبو عبد الرحمن يخلو إلى أركان جماعته ، يحسسهم بخطورة الزيارة و يدعوهم إلى التفكير فيمَ يجب فعله ...

                كانت الغرفة نصف مضاءة ... على أحد جدرانها خريطة كبيرة ، و على الطاولة المستطيلة خريطة عمليات يغلب عليها اللون الأصفر ..

                كان القائد أبو عبد الرحمن متوتراً ، يمسك لحيته بيده ، يفركها ، و يعود يمسحها من أعلى إلى أسفل ، و لم يكن الوحيد المتوتر فيما يبدو .. فقد كان الموضوع حساساً يتطلب معلومات دقيقة ، و رأياً صائباً بعد ذلك ..

                و كان أبو سعيد من المستشارين البارزين لقيادة الجهاد ، و قد كان رأيه أن يرسل إثنان من المجاهدين إلى روسيا لاستجلاء الخبر من مصدره .. و لعل ذلك الرأي كان الأقرب إلى ما كان يفكر فيه القائد و بعض حضور الاجتماع ، لذلك فقد تم الاتفاق على تنفيذه ، و كلف أحدهم باختيار من يقوم بالمهمة .. و انتهى الاجتماع .




                * * * *




                في المكان ذاته الذي قابلا فيه الجنرال بيكونين تشيخوف و غير بعيد عن الكازينو ، كان الشابان في الموعد ينتظران ... و من بعيد في رأس الشارع ظهرت سيارة الجنرال .. و حك أحد الشابين كفاً بكف و هو يرمقها بتوتر واضح ، أما الآخر فقال : جنرالات العار .. و بصق على الأرض . و توقفت السيارة ، و أطل الوجه الأحمر المكتنز من زجاجها الخلفي ، و أشار إلى الشابين فاقتربا و ركبا ، و نزل السائق قاصداً الكازينو .
                كانت الساعة حوالي العاشرة و النصف ليلاً ، و كان الزجاج المضبب لنوافذ سيارة الجنرال يجعل من الصعب معرفة من بداخلها ، حتى و إن كان من المحتمل جداً أن يكون في الكازينو أو قريباً منه بعض عناصر المخابرات الروسية ...

                سعل أحد الشابين ، ليخفي صوت ضغط زر المسجلة التي يخبئها تحته ، و قال الجنرال : أظننا ..

                و قاطعه الشاب الآخر :
                هناك أشياء جديدة طارئة يا جنرال .

                فالتفت إليه الجنرال و تأمل وجهه في استغراب و كأنه أحس بمؤامرة أوسع من المتفق عليه سالفاً ، و قال :
                أشياء جديدة ؟ ماذا تقصد ؟

                قال الشاب :
                أين يقيم عناصر الموساد الذين يقومون بزيارة المنطقة ؟ و لماذا هم هنا ؟

                و راح الشاب يطرح اسئلة في عجلة و سرعة ، فاستوقفه الجنرال ، و هو يقول :
                لا علم لي بكل هذا أظن أن الذي يزور المنطقة هم خبراء و ليس عناصر استخبار الموساد .. و ربما وجهتهم جيورجيا بعد ان أعلنت روسيا أن عناصر إسلامية توافدت عليها .. روسيا طبعاً صرحت بذلك لتطلق أمريكا يدها في جيورجيا المطالبة بالإنفصال ، لكن الأمريكان استغلوا التصريح الروسي ليدفعوا بمئات الخبراء إلى هناك لملاحقة هؤلاء الإسلاميين ، و كأن التصريح الروسي كان بطاقة دعوة لهم ليرسخوا وجودهم في المنطقة ...

                كان يبدو على الجنرال أنه يتكلم بدون حماس ، و فجأة فتح الباب ، مد يده إلى الخارج و قال : إنه الثلج .. كانت مناديف الثلج الصغيرة تتنزل مترنحة حتى إذا بلغت الأرض احتضنتها و ذابت فيها ، و لم يأبه الشابان بالخبر ، و لعلهما أحسا أن الجنرال يريد أن يتهرب من الجواب ، فأعاد أحدهما عليه السؤال :
                مسألة معرفة مكان إقامة عناصر الموساد تهمنا كثيراً ... طبعاً كل شيء بثمنه .

                و سعل الجنرال سعلات خفيفة متتالية ، ثم قال :
                تعرفون أن القضية ليست سهلة ، و إفشاء سر كهذا ... و قاطعه أحد الشابين :
                و ما ندفعه لن يكون قليلاً ... خمسين ألف دولار .

                و حك الجنرال ذقنه و هو يقول :
                يقيمون في فندق ( القصر الأحمر ) تسعة أفراد ، لا أعرف شيئاً عن الملفات التي تأبطوها إلى هنا ، و لا عن جدول أعمالهم .

                قال أحد الشابين :
                و الأمر الذي تركنا لك مهلة لدراسته ؟

                فرد الجنرال :
                يوم الثلاثاء القادم ، سنرسل قوة روسية للقيام بعملية تمشيط في المنطقة ( ب ) المطلة على غروزني .

                فقال أحد الشابين و قد بدا عليه النشاط و الحزم :
                متى بالضبط .. و كم تعداد القوة ؟ و ما سلاحها ؟

                قال الجنرال :
                ثلاثمئة جندي في قافلة من الشاحنات تتجه إلى المكان المذكور ، معهم أسلحة محمولة ، و بعض مدافع الدكتاريوف ، يقودهم الجنرال السلافي تشرنومردن زيغانوف .

                فقال أحد الشابين في شبه جملة اعتراضية أو تعليق :
                عدوك ؟!!

                قال الجنرال :
                نعم هو .. لا أعرف كيف يتقرب إلى القيادة العليا في البلاد و كيف يحرز الحظوة و الاهتمام ..؟

                فرد أحد الشابين :
                إذاً أنت أيضاً ستستفيد من هذه العملية ، إذ أنك ستتخلص من عدوك ، و هذا يفترض خصماً على المقابل الذي ستتقاضاه في هذه الصفقة ...

                قال الجنرال :
                لكن ..؟!!

                -لا تهتم ستأخذ حقك مثلما اتفقنا ، نحن مسلمون ، و الوعد عندنا التزام و عبادة ..

                قال الجنرال :
                أعلم ذلك ..


                كانت مناديف الثلج قد ازدادت و تكاثرت و كان أحد الشابين يفتح باب السيارة و ينزل ، أما الشاب الآخر فقد أخرج من تحته آلة التسجيل و قال للجنرال :
                كان لدينا عنك وثيقة مكتوبة ، و الآن عندنا الصوت .. و في المرة القادمة سنحضر معنا كاميرا فديو .. خذ هذه .. ( و ألقى إليه بحزمة من الدولارات ) فالتقطها الجنرال من حجره ، و دسها في جيب سترته الداخلي و هو يقول :
                شكراً لكم ... مع السلامة .. مع السلامة . ( و تبعهما بعينيه و هما يغيبان في ظلام شارع جانبي . )



                * * * *


                تعليق


                • #9
                  رد: رواية ( خيول الشوق )


                  ( 6 )


                  الأرض أم العقيدة ؟!!
                  المادة أم القيمة ؟!!
                  التراب أم الثقافة ؟!!

                  كانت الفكرة تلح على ناصر الدين و قد استلقى على ظهره بعد ساعات من التدريب القاسية ، و كان شاباً مجاهداً يتقد حيوية و ذكاء ، يميل إلى الوحدة و الخلوة ، شجاعاً ، مقداماً ، يطلب الموت و يتحدر على العدو تحدراُ ، له بسطة في العلم و الجسم ، في الثلاثين من العمر ، لحيته كثة ، لا تراه إلا مشغولاً ، حفظ القرآن الكريم في سنوات الجهاد ، يتغنى به على الدوام ، و يحب سورة الأنفال ...

                  التراب أم العقيدة ؟!!

                  هل خُلق الإنسان من أجل الأرض أم خُلقت الأرض من أجل الإنسان ؟!!

                  و لماذا يموت الإنسان من أجل الأرض التي خُلقت لأجله .. أهي الغاية

                  استوى جالساً و كان أبو الوليد و أبو مصعب يراقبانه من بعيد ... ربما كان يبدو عليه التوتر ... لكن بالتأكيد لم يكونا يعرفان سبب توتره ، لذلك اقتربا منه ، و سلما :
                  السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

                  فرد عليهم التحية بأحسن منها ، و لم يرفع بصره عن الأرض ، كانت الفكرة تستولي عليه ، و لربما تمنى لو أنه بقي لوحده وقتاُ أطول يتسنى له فيه حسم هذه الإشكالية ، و بادره أبو الوليد :
                  - ما الأمر يا ناصر الدين ؟

                  - ليس هناك شيء ، فقط هي الأفكار .

                  - الأفكار أم الشوق ؟

                  و مرّ أزرق اليمامة فقال :
                  دعوا المسكين يذهب ليتزوج مثل جميع أترابه .. ألا ترون أنه بدأ يعجز و يخرّف ، و إذا ما تماديتم في استبقائه فسيصيبه الصدأ و التآكل و يفوته القطار ..

                  و دون أن يتوقف عن المشي إلى مقصده أضاف أزرق و هو يتمتم : أمرهم عجيب .. يتركون الطيبات و صيف لندن ليبيتوا تحت الجليد ..

                  و ضحك الثلاثة ، و وجدها أبو الوليد فرصة ليعرف ما يفكر فيه صاحبه ليسرّي عنه ، فسأله :
                  هل هو الشوق إلى الأهل ، أم الرغبة في الزواج كما يقول أزرق ؟!!

                  فرد ناصر الدين و هو يمسح زجاج ساعته :
                  في فلسطين اليوم أطفال و شيوخ يموتون من أجل الأرض .. مَن الأولى : الأرض أم الإنسان ؟ هناك في كل مكان يقاتل الناس و يموتون من أجل الأرض .. و في كثير من البقاع يموت الآلاف و ملايين الشهداء من أجل أرض ما ، و بعد استقلالها تقام فيها الكازينوهات و تحكم بالشيوعية أو قوانين الأرض .. و تصبح قيمة الإنسان فيها كقيمة فردة حذاء .. فهل يقاتل العاقل من أجل الوصول إلى مثل هذا الواقع ؟ هل يقاتل من أجل أن يحرر بلاده ليكون فيها ممنوعاً من ممارسة دينه كما أراده الله تعالى ؟!!

                  قال أبو الوليد :
                  فعلاً فكرة شائكة ..

                  و قال أبو مصعب :
                  تحرير الأرض يقوم على فكرة الاستخلاف و التمكين ، و النية التي يجب أن تنعقد حول تحرير الأرض كأرض للإسلام و المسلمين تقام فيها الشريعة ، لذلك فإن الجهاد ليس لتحرير التراب ، بل للحفاظ على أرض العقيدة و على إنسان العقيدة في أرض الإسلام .. و إلا فإن المسلم أعظم عند الله من كل مادة و تراب ، و من كل أرض .. و هو أشد حرمة من الكعبة .. إننا نقاتل من أجل أرض غرس فيها أجدادنا نخيل التوحيد ، فجاء الغازي يجتثها و يقيم فيها الغرقد ، و أشجار رؤوس الشياطين و الإلحاد .

                  القضية هنا ليست قضية أرض أجدادنا ، فالمسلم ، مثلاً ، لا يجوز له ، إن كان روسياً مثلاً ، أن يقاتل الفاتحين المسلمين فقط لأنهم يريدون أخذ روسيا ، أرض أجداده .. كما أن المسلم لا يجوز له أن يتخلى عن الدفاع عن أرض إسلامية محتلة لكونها ليست أرض أجداده .. إن وحدتنا عقدّية .. لا جغرافية .. نحن أمة واحدة .. حتى و إن تفرقت بنا الأمصار و الديار .

                  و نطق أزرق اليمامة ليكتشف الثلاثة أنه انضم إلى مجلسهم ، و قال لناصر الدين و هو يشير إلى بسطة جسده :
                  هذا الطول و العرض و لاتفهم الأمور حتى يفهمك فيها أبو الوليد و صاحبه ، و هما أن عُجِنَّا جميعاً لا يُصنع من طينهما مثل هذه القامة المتعبة التي ما فتئتَ تحملها و تدور بها منذ ثلاثين سنة ، ثم في الأخير جئت بها إلى هنا لتستلقي بها على قرابة نصف مساحة أرض الشيشان و لتطرح الأسئلة التي لا معنى لها .. و ما دخلك أنت في كل هذه الأسئلة و المشاكل ..؟ قاتل المشركين كافة و لا يهمك ، و حتى إذا لم تتحرر الأرض فأنت تنقص من أعداء الله ، و لك الأجر .

                  و هم كذلك مرّ حامد الطباخ ، و في يده كيس شفاف من الخضر ، و قال :
                  يا أزرق .. هيا معي لإعداد الغداء ، و تقشير الخضر ، فحدجه أزرق بنظرة شزراء ، ثم نفض أطرافه بحنق و لحق به ، و كأنه تذكر شيئاً بعد خطوات فالتفت إلى الجماعة و قال لهم :
                  إذاً أنا لا أصلح للنقاش .. سترون ماذا أضع لكم في المرق .

                  و انفجر أبو الوليد ضاحكاً و هو يقول :
                  جزاك الله خيراً يا أزرق .. وجودك ضروري فعلاً .. جزاك الله عن المجاهدين خير جزاء أيها المجاهد الطيب .



                  * * * *


                  تعليق


                  • #10
                    رد: رواية ( خيول الشوق )

                    جميل جدا

                    هل لى ان انقله الى منتدى اخر
                    اللهم انى توبت اليك فاقبل توبتى
                    وثبتنى على دينى

                    تعليق


                    • #11
                      رد: رواية ( خيول الشوق )

                      جزاك الله خيرا

                      ماشاااااااااااااء الله اكملى

                      تعليق


                      • #12
                        رد: رواية ( خيول الشوق )

                        المشاركة الأصلية بواسطة العائدة اليك مشاهدة المشاركة
                        جميل جدا

                        هل لى ان انقله الى منتدى اخر
                        بالطبع يمكنك .. أسعدني مرورك

                        المشاركة الأصلية بواسطة بنقابى ارضى ربى 2 مشاهدة المشاركة
                        جزاك الله خيرا



                        ماشاااااااااااااء الله اكملى


                        و جزاكم مثله



                        تعليق


                        • #13
                          رد: رواية ( خيول الشوق )


                          ( 7 )

                          كانت الليلة حاسمة ، و بين السحب المتدافعة في السماء ، كان القمر يظهر و يختفي كسباح متسابق يأخذ من الهواء نفساً ثم يعود للماء ...

                          كانت الخيام القليلة المبثوثة بين أشجار الغابة عرائن تحتضن أسودها لساعات أخيرة قبل الخروج إلى موعد حاسم ...

                          ليلة الإثنين إلى الثلاثاء ... الجو بارد ، و المكان قطعة جميلة يصنعها نور القمر و هو يتنزل هادئاً على الأرض ، بعضهم قد آوى إلى فراشه يتزود بقسط من الراحة و الدفء ، أما البعض الآخر فآثر أن يسهر ليله بالقيام .. و في حرارة السجود يصعد صوت غريب مشرد إلى ربه العظيم :
                          .. ربنا إننا ضعفاء إلا إليك ، فَقَوِّنا و انصرنا على من عادانا .. و تتحدر على الأرض دمعتان ، كان قدرهما أن تتحدرا هنا ، لتكونا شاهدين على صاحبهما ...

                          و لم يكن سالم إلا ذلك الشاب الذي تحرقه أشواق الشهادة فلا يسمعه إخوانه إلا ملحاً في طلبها بدعائه ... في ذلك المساء وصلته رسالة من أخيه ، يقول فيها : مات والي بعد رحيلك عنا بسنة ... و بقيت أمي تضم طيفك كل ليلة و تنام على دموعها ، و البارحة بردت يدها الدافئة ، و صدرها الحنون كف عن النبض ، أتعبها المرض ، و كان آخر ما قالت قبل التشهد :
                          أقلب بصري فأرى وجوهكم جميعاً ، وحده وجه سالم الحبيب يظل بعيداً .. اشتقت إليه .. بلغوه سلامي ..

                          كان وجه أمه في ذاكرته باهتاً كقنديل خافت .. و طالت سجدته ، و هو يدعو بحرقة تشي بها يداه و هما تتشبثان بالتراب تشبثاً :
                          اللهم لوجهك الكريم خرجت ، تركت قلب أمي ... يا رب ... فارحمها ، و ارحم والدي ، و اجمعنا قريباً في مستقر رحمتك .. اللهم شهادة ينتهي بها اغترابي و شوقي ... هذا عبدك الضعيف يدعوك و قد غابت العينان اللتان كانتا تحترقان لأجله .. يا رب شهادة .. شهادة .. شهادة ، و غمغم غمغمة كسير .. و بكى و أبكى ..

                          و كان أبو مصعب قائماً قريباً منه ، اعتصره الموقف ، و هو يرتل آيات الكتاب الكريم ، يخنقه النشيج ...

                          فيا للفتية الغرباء .. فتية العراء و البعد حين يعتصرهم الشوق .. فتية الله الذين أخرجهم الواجب ، أو شردهم الظلم ...
                          كان القمر فوق قبر أم سالم صامتاً ... كما كان فوق ابنها الساجد في أقاصي الأرض و نائيها شاحباً تائهاً ... و كانت حرارة السجود تنسي برودة الجو التي تتغلغل في المفاصل في ليل العراء ... الليل شيخ مسن يجر اقدامه نحو الفجر ، متئداً بطيئاً .. أما نبض القلوب فكان قنبلة موقوتة ... ثوانيها وقع أقدام ... و الانتظار على وقعها اشد من الموت .. و تنفس الفجر .. و ما هي إلا ساعة حتى انقضت صلاة الجماعة ، و دبت الجلبة ، فهذا يلبس بزته ، و ذاك يعد سلاحه ، و ذلك يعانق أخاه .. و هبت نسمتان ... ريحان .. ريح للنصر .. و ريح للجنة .. و استنشق كل مجاهد ما كتب الله له .. و أصدرت الأرجل أصواتاً متداخلة ، و هي تتحرك نحو مقصودها ..

                          و كان لسان سالم :
                          الشهادة يا رب .. الشهادة .




                          * * * *


                          تعليق


                          • #14
                            رد: رواية ( خيول الشوق )


                            ( 8 )

                            الساعة السادسة صباحاً .. كانت الساعة الضخمة المنتصبة في الساحة العامة تشير إلى ذلك الوقت بدقاتها المزعجة .

                            كانوا ثلاثة يقطعون الشارع نحو باب الفندق في صمت .. ثيابهم أنيقة و رسمية ، يقع في نفس الذي يراهم من الوهلة الأولى أنهم رجال أعمال ، أو ذوو هيئات ، لذلك لم يستوقفهم أو يسألهم أحد ، و انحنى لهم العمال في المدخل ، و استأذنهم غيرهم في إيصال حقائبهم إلى غرفهم ، لكنه اعتذروا ... و كان أحدهم في عربة إعاقة يدفعه أحد صاحبيه ..

                            في المصعد تأملوا هندامهم في المرآة و أرخى محمود ربطة عنقه قليلاً مبدياً تذمراً بكلمات مبهمة و خافتة .

                            بعد لحظات كان الرقم الإلكتروني ( 5 ) يرتسم بالضوء الأحمر فوق باب المصعد ..

                            إنه الطابق الخامس ، لننزل ، قال جميل الرحمن ، و هو يلتقط حقيبة من أرض المصعد ..

                            و انفتح الباب .. و أطل بدر من الرواق الطويل ، فبدا هادئاً ، خالياً من المقيمين و العمال ، و أشار إلى صاحبيه ، و بخطى لا يسمع وقعها على السجاد الأحمر . أخذ الثلاثة طريقهم نحو الغرفة ( 305 ) يدفعون العربة ، كان الباب موارباً ، دفعوه بهدوء و احتراس ، و دخل جميل الرحمن و بدر ، أما محمود فقد ألقى نظرة على الرواق ليتأكد أنْ لا أحد قد رآهم ، ثم دخل و أوصد الباب خلفه ..

                            كان أحمد في انتظارهم ، ألقوا السلام فرّد و هو يأخذ من تحت سريره كيس قماش أبيض و يناوله لجميل الرحمن الذي فتحه بسرعة و هو يقول :
                            جيد .. جيد .. جزاك الله خيراً .

                            قال أحمد :
                            عطلت كهرباء غرفته ، هذه المجاورة عن اليسار ، رقمها ( 504 ) و انقطع عنه التكييف فاضطروا إلى نقله إلى غرقة أخرى ، فوجدت الفرصة سانحة لنقل أغراضي إليها ، و وضع الإدارة أمام الأمر الواقع لئلا أضطر لأخذ موافقتها ، و كنت أثناء ذلك قد أخذت بطاقة إلكترونية لفتح الباب ... لكنه عاد فطلب غرفته ، و ألحَّ ، فطلبوا مني إخلاءها ، و احتفظت بالبطاقة معي بعد أن أخبرتهم بضياعها .. أما هذا المخدر الطبي في الإبرة ، فأنت تعرف الحال الاقتصادية للبلاد تجعل الرجل يبيع أعضاء جسه ، لا مخدراً طبياً فقط .

                            و ربّت جميل الرحمن على كتف أحمد و هو يقول :
                            أحسنت يا أبا المهام الصعبة .

                            و انتبه محمود إلى ساعته و هو يقول :
                            لا وقت لدينا يا إخوتي .. هيا ، و أكثروا من الدعاء ، و ذكر الله تعالى ، و أخلصوا النية لله تعالى ، أما أنت يا أحمد فأنْهِ حجزك الآن في الاستقبال ، و اخرج من هنا بسرعة .



                            * * * *


                            تعليق


                            • #15
                              رد: رواية ( خيول الشوق )


                              ( 9 )

                              كانت اللحظات حاسمة ، و دقات الساعة تتقدم نحو السابعة ، و في الساعة الثامنة يحضر عمال خدمات الغرف و التنظيف ، و كلما ضاق الوقت وقعت الأخطاء .. و هنا لا مجال للخطأ ..
                              ترى ماذا لو يكون الجنرال بيكونين قد بلّغ المخابرات الروسية أنه تحت الضغط قد أعطى معلومات عن مجموعة الموساد القادمة هذه ، و التي ينام قائدها ، و هو برتية عميد في الغرفة ( 504 ) ؟!!

                              أيمكن أن يفعل هذا ؟!!

                              كانت الفكرة تجول و لا شك في أذهان الثلاثة الذين خرجوا في هذه اللحظة بلباس عمال الفندق ، يدفع أحدهم أمامه كرسي الإعاقة ، و وضع بدر رأس بطاقة الفتح في الفتحة المخصصة لها ، و قبل أن يدفعها إلى الداخل دارت في ذهنه كل الاحتمالات السيئة ، و منها أن تكون العملية قد تحولت إلى كمين سيقع فيه إخوته بعد لحظات ... و رفع رأسه إلى السماء كأنما يستعين ربه سبحانه ، ثم أغمض عينيه و استنشق كمية من الهواء ، ثم دفع البطاقة ، فأحدث طقة خفيفة ، ثم دفع الباب ، و دخل ، و في فمه جملة بالإنكليزية سيلفظها إذا فوجئ بالنزيل مستيقظاً .. سيقول له : صباح الخير يا سيدي .... لكنه بعد لحظة وجد أنه لا حاجة لهذه الجملة ، فقد كان النزيل يغط في نومه .. و أمسك الباب لئلا ينغلق ، و أخرج رأسه إلى الرواق مشيراً إلى صاحبيه بالدخول ...

                              اقترب الثلاثة من السرير بعد أن أغلقوا الباب خلفهم ، و وضعوا عليه بطاقة نرجو عدم الإزعاج و التي يحترمها العمال في الفنادق الفخمة ، و لا يجرؤون على انتهاكها بدخول أو قرع باب ، أو ضجيج ..

                              و قام أحمد بإيقاظ النزيل الذي فتح عينيه فوجد الخنجر مشهراً قريباُ من رقبته ، و بإصبعه السبابة أشار إليه محمود بأن يلزم الصمت ، و أذعن ، و اقترب منه جميل الرحمن و حقنه بإبرة المخدر ، و ما هي إلا لحظات حتى كان غائباً عن الوعي .

                              و ما إن بدا مفعول المخدر على النزيل حتى سارع الثلاثة إلى وضعه في عربة الإعاقة ، و انطلق اثنان يدفعانه خارجاً ، أما جميل الرحمن فقد تخلف في الغرفة يفتشها علّه يجد شيئاً مهماً يتعلق بالزيارة ، أو بغيرها ...

                              لم تكن المهمة سهلة ، و كان بإمكان أي عنصر آخر من الموساد أن يتعرف على العميد الملقى في عربة الإعاقة ، كما كان ذلك ممكناً لأي عنصر مخابرات روسية أوكلت له مهمة ضمان أمن المجموعة ، بل إن عمال الاستقبال أيضاً يمكن أن يتعرفوا على النزيل .. لذلك عمد محمود و بدر إلى تمويه وجهه بطريقة يصعب معها التعرف عليه ، و ألقيا عليه غطاء صوفياً موهماً أنه وقاية من البرد القارس .

                              كان وقع الأرجل على الرخام الأبيض يثير الانتباه في هذه الساعة قليلة الحركة ، و كان أحمد واقفاً إلى الجانب الآخر من المكتب الطويل للاستقبال ، و ليلفت الانتباه إليه ألقى كأس الماء الذي كان في يده إلى الأرض ثم سقط هو ، و هرع البعض إليه ، و تحولت نحوه الأنظار ، و خرج بدر و محمود بنزيل الغرفة ( 504 ) .

                              كانت السيارة في انتظارهم غير بعيد ، و كانت لحيتا محمود و بدر تثيران الشكوك ، أما أحمد الذي كان الآن يقنع المحيطين به بأن الأمر بسيط ، و لا يحتاج إلى إسعاف ، فقد كان أمرد ، لا شكوك حوله .. و كانت السيارة التي ستنقل المجموعة و النزيل هي سيارته ، لذلك لم يكن من الممكن أن يتأخر أكثر عن أصحابه .

                              قال محمود و هو ينظر نحو مخرج الفندق :
                              تأخر أحمد .. إن لِحَانا تثير الشكوك .

                              قال بدر :
                              اطمئن فإننا نبدو كشيوعيين متعصبين .. إن الله ينصر دينه بالرجل الفاجر ، و بأقوام لا أخلاق لهم .. إن لحى الشيوعيين تنصرنا في هذه اللحظة ، فلا يكاد أحد أن ينتبه إلى أننا غير ذلك ( مسلمين متبعين لسنة نبينا عليه الصلاة و السلام ) .. تأكد يا أخي لو أننا في بلد غير شيوعي لكانت مهمتنا أصعب ، ثم نظر بدر إلى النزيل و هو يقول :
                              ملطخ بدماء أبنائنا و إخواننا في فلسطين .. و مستبيح لحرمة المسجد الأقصى .. ياللقذر . و ضغط على اسنانه في حنق .

                              قال محمود :
                              هذا أحمد قد جاء ، و هذا خلفه جميل الرحمن .. يا رب سترك و توفيقك ..

                              و ما هي إلا لحظات حتى كانت السيارة تتعرج بالخمسة في منعطفات جبلية ، و من مسجّل السيارة المغلقة كانت الآيات القرآنية تنبعث كالسلسبيل نورانية تمتزج بالأرواح الشفافة ..



                              * * * *


                              تعليق

                              يعمل...
                              X