التدرج في تعليم الصغار عقيدة الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى الآل والأصحاب والتابعين لهم بإحسان أما بعد:
قالوا في التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، وهو أمر صعب جداً لا يتقنه كثير من الآباء في هذه الأيام، وكيف يتقنونه وهم غارقون في الجهل المطبق، بعيدون كل البعد عن العلم وأهله، ولنعلم جميعاً أن نفس الطفل مستعدة استعداداً كاملاً للنقش بأي شيء وبالأخص إن كان الناقش والراقم أحد الأبوين اللذين هما موضع كل الثقة، وبالوالدين تناط العقيدة إذ كل مولود يولد على الفطرة.
فالواجب على الوالدين التدرج في تعليم الطفل وتصويب ما قد يعلق بذهنه من عقائد فاسدة تأتي إليه من الوالدين بقصد أو بغير قصد أو تأتي إليه من محيطه الذي يعيش فيه، فإن كانا لا يحسنان التعليم وجب عليهما إرساله لمن يحسن ذلك.
والصغير ليس بحاجة لبناء الأدلة له في كل مسألة عقائدية تعطى له بل يكفي تكرار هذه المسألة أمامه لقوة استعداده وخلوه عما يناقضها.
ونفس الصغير تتكيف مع القضايا الخبرية تكيفاً قوياً جداً إن استمر عليه فترة من الزمن صعب عليه تركه لرسوخه فيها وتمكنه منها، ولله در القائل:
نقلْ فؤادك حيثُ شئتَ من الهوى=مـا الحـب إلا للحبيـب الأولِ
كم منزل في الأرض يألفه الفتى=وحنينـه أبــداً لأول مـنـزل
وقول آخر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى=فصـادف قلبـاً فارغـاً فتمكنـا
وتجد الكفار يعتذرون عن تلبية الحق بأنهم كانوا يتبعون آباءهم:
{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا}
فجاء التوبيخ والتقريع {أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون}
فعاب عليهم الحق سبحانه أن يتبعوا ما ألفوا عليه الآباء بقيد وهو وصف الآباء بعدم العقل والاهتداء، فلو كانوا يتبعون الآباء المتصفين بالعقل والاهتداء لكان تقليدهم جائز ينجيهم من التبعات.
والذي أريد قوله أن ترك العقائد التي ينشأ عليه الأطفال في الصغر عند بلوغهم ليس بالأمر السهل لما فيه من مخالفة المألوف.
وقد تفطن لهذا الأمر كثير من أعداء الدين فعملوا على إفساد الصغار ليحققوا مآربهم ومكاسبهم فيهم عند الكبر.
ومن الواقع أقص عليكم هذه القصة التي حدثت في إحدى أكبر مدرسة للأطفال وهي مدرسة الراهبات الخاصة والقائمون عليها كلهم من النصارى إلا ما ندر:
كانت المعلمة تعطي الأطفال ألعاباً وتقول لهم هذه الألعاب أرسلها لكم الرب عيسى فإذا ما أخذوها وفرحوا بها وقبل أن تتم الفرحة يتم إطفاء الإنارة في الصف ثم يدخل شخص ويأخذ هذه الألعاب من أيدي الأولاد ثم تعاد الإنارة لتجد الأطفال يصرخون ويبكون ويسألون المعلمة من أخذ الألعاب؟ فتقول بخبث: النبي محمد..ثم تعاد الألعاب للأولاد على أن الرب عيسى هو من ردها إليهم.
وهذه القصة أيها الأخوة ليست من نسج الخيال، فقد حدثني بها من أثق وليس عندي بمكذب، وخطورة الأمر عند رسوخ هذه العقيدة في قلب الطفل وسكون نفسه إليها، فهات إلى أن ييسير الله له من يزيل عنه هذا الأمر فإن كان فسيكون صعباً.
ويمكن أن نوجز طريقة لتعليم الصغار عقيدة أهل السنة تصلح لعمر الرابعة والخامسة على النحو التالي:
نقوم بتقسم له الموجودات ونعطي لكل موجود وصفاً يميزه عما عداه ولو بوجه، فيقال له الموجودات: إنسان، حيوان، جماد، إله.
ثم يعطى الوصف الذي يجعل الطفل يميز هذه الأشياء عن بعضها بأحد أنواع التمييز، كأن يقال له الإنسان يتكلم ويمشي، والحيوان: لا يتكلم ويمشي، والملائكة تتكلم ولا نراها وتفعل الخير، والإله: يعطينا العيون والشعر والفم والهواء والمال....
ويتم التركيز معه على صفات الإحسان ليحصل التعلق والحب لله سبحانه وتعالى فقلب الطفل لا يمكن أن يتحمل في بداية أمره إلهاً يعذب بالنار ويميت الناس ثم يكنّ له المحبة والاحترام، فهذه تأتي متأخرة قليلاً.
ثم يبدأ الوالدين في تدريب الطفل على التمييز بين الأصناف –أقول أصنافاً تسامحاً- حتى يصبح عنده ملكة، وسترى الطفل بعدها يبدأ يسأل عن صفات الإله ويبحث عن وجه شبه فهو لا يراه ومن الأسئلة التي يمكن أن يسألها الطفل:
-هل الله له فم؟
-هل الله له رأس؟
-هل الله له لسان؟
-هل الله يتكلم؟
-إن كان يتكلم فهل له فم؟
-ما لون الله؟
وِيتفنن الطفل في الأسئلة وكل على قدر ذكائه واتقاد ذهنه يسأل.
وهنا يبدأ دور الوالدين الهام جداً بانتقاء الأجوبة الدقيقة فيمكن أن يجيب على الترتيب:
-الله ليس له فم فهو ليس إنساناً...
-الله ليس له رأس فهو ليس إنساناً...
-الله ليس له لسان فهو ليس إنساناً...
-الله يتكلم مع أنه ليس إنساناً وكلامه القرآن، والله ليس له فم فهو ليس إنساناً.
-الله ليس له لون فهو ليس إنساناً ولا جماداً ...
ثم يعاد معه إلى تذكيره بأفعاله سبحانه وتعالى:
الله يعطينا العينين، الله يعطينا المال، الله يرسل لنا الهدايا، الله يعطينا الهواء فانظر يا بني لو أغلقت لك أنفك فإنك لا تستطيع التنفس-وتجرب له ذلك- فلولا أن الله أعطانا الهواء لاختنقنا.
ولتكن الحكمة في جواب الطفل وإن كان الجواب تقريبياً، والدقة العلمية في هذا الباب تفسد أكثر مما تصلح.
تعليق