بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ السائل / الأخت السائلة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كفارة أي ذنب التوبة منه، وطالما لم يتحدد في الشرع كفارة معينة للذنب، فالتوبة فقط هي كفارته، والزنا ليس له كفارة غير التوبة والحد، والزاني إذا لم يقر بنفسه على نفسه أو يشهد عليه شهود فلا يقام عليه الحد، وتكفيه التوبة إذا تاب، ولو تاب لا يلزمه أن يذهب إلى الحاكم ويطالب بإقامة الحد عليه، فليس له أن يكشف ستر الله عنه بعد أن ستره، فليتب إلى الله وكفى، وفي هذا ننقل الفتوى التالية:
السؤال: ما هي كفارة من زنى مع متزِوجة؟
الجواب:
الحمد لله
الزنا كله شر وبلاء، لكنه مع المتزوجة أعظم إثما، لما فيه من الاعتداء على الزوج بانتهاك عرضه، قال الله تعالى في شأن الزنا [ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ] (الإسراء/32).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم [ إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، كان عليه كالظلة، فإذا انقطع رجع إليه الإيمان ] رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال ابن حجر الهيتمي في (الزواجر عن اقتراف الكبائر) (2/138) [ وعُلم من ذلك أيضا أن الزنا له مراتب: فهو بأجنبية لا زوج لها عظيم، وأعظم منه بأجنبية لها زوج، وأعظم منه بمحرم، وزنا الثيب أقبح من البكر بدليل اختلاف حديهما، وزنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، وزنا الحر والعالم لكمالهما أقبح من القن (العبد) والجاهل ].
وكفارة الزنا مع المتزوجة وغيرها: هي التوبة الصادقة المشتملة على شروطها، من الإقلاع عن هذه الجريمة إقلاعا تاما، والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إليها مطلقا، من فعل ذلك فقد تاب إلى الله تعالى، ومن تاب تاب الله عليه، وقبله، وبدل سيئاته حسنات، كما قال سبحانه [ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ] (التوبة/104)، وقال [ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً 68 يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً 69 إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً 70 ] (الفرقان/68- 70).
وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما [ أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) ونزلت (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) ].
فمن وقع في الزنا فليبادر بالتوبة إلى تعالى، وليستتر بستره، فلا يفضح نفسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم [ اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمَن ألَمَّ فليستتر بستر الله عز وجل ] رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال [ لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ]. انتهت الفتوى.
وجاء في فتوى أخرى:
والتوبة بين الإنسان وبين ربه خير له من الاعتراف بذنبه عند القاضي لإقامة الحد عليه، وفي صحيح مسلم عندما جاء (ماعز) يقول للنبي صلى الله عليه وسلم (طهِّرني)، قال له (ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه).
قال الحافظ ابن حجر [ ويؤخد من قضيته – أي: ماعز عندما أقرَّ بالزنى - أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد، كما أشار به أبو بكر وعمر على (ماعز)، وأن مَن اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ولا يفضحه ولا يرفعه إلى الإمام، كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة (لو سترته بثوبك لكان خيرا لك)، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه فقال (أُحِبُّ لمن أصاب ذنبا فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر ] فتح الباري (12/124، 125). انتهى
وهذا ما أعلم، والله تعالى أعلى وأعلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخيك في الإسلام / محارب الشيطان - مراقب فريق المونتاج بالمنتدى
تعليق