راحة قلبكِ في ترويض نفسكِ
أختي الحبيبة : المرأة مخلوق رقيق ، كتلة متوهجة من المشاعر و الأحاسيس ،
مهما بلغت مكانتها في الحياة العملية و مهما تقلدت مناصب علمية ، فهي امرأة .
و الذي يختلف بين امرأة و أخرى ، هو كيفية إدارة هذه المشاعر و الأحاسيس الفياضة ،
فقد تكون لها طوق نجاة من كل شر و طريق للسعادة و راحة لقلبها في الدنيا و الآخرة،
و قد تكون (عافانا الله و إياك يا حبيبتي) مصدر هلاك و طريق للحزن في الدنيا و الآخرة ،
و الصانعة لقرارها في النجاة أو الهلاك هي المرأة نفسها.
يقول الله تعالى في سورة المدثر: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ (38)
و سنقف جميعاً يا حبيبتي بين يدي الله يوم الحساب و حينها ستحمل كل منا كتابها هي ..
وهي فقط .. لن يكون هناك من يحمل عني أو عنك كتابنا.
قال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) (سورة الزلزلة).
حبيبتي إن الله سبحانه و تعالى قد جعل لكِ مكانة راقية فهو الذي خلقكِ و كرمكِ منذ أن كنتِ نطفة
في رحم أمكِ.
كرمكِ بعد ولادتكِ ابنة و أخت و زوجة و أم . كرمكِ بحقوقك ِ التي أعطاها لكِ ،
فجعل لك الحق في التعليم ، و العمل ، و اختيار الزوج …إلخ .
و لقد أعطاكِ سبحانه و تعالى حقوق كثيرة و حفاظاً على أغلى ما لديك من قلب رقيق و مشاعر دافئة
جعل كل هذه الحقوق في متع الحياة داخل إطار فريد و رائع من الحلال.
فهذا الإطار هو الذي يحميكِ و يحافظ على كرامتكِ أياً كان سنكِ أو مكانتكِ أو مهنتكِ.
لذلك يا صديقتي فإنه لا يوجد أي مبرر للخروج عن إطار الحلال ، فما هو متاح من النعم و المتع
لا يُعد و لا يُحصى وكافٍ لكل امرأة مهما اختلفت حاجاتها النفسية و العاطفية و المادية.
كل ما هو مطلوب منها فقط أن تتمتع بالحلال و لو جعلته هو زادها ، والله ثم و الله لكفاها و رضاها.
و لأن حياتنا متعددة الجوانب يا غاليتي فستكون لكِ القدرة على أن تريحي قلبكِ حينما تكونين قادرة
على ترويض نفسكِ، فترويض النفوس يريح القلوب.
و المقصود هنا بترويض النفس هو أن نجعل أهدافنا في شتى جوانب الحياة في إطار رضا الله.
فجوانب الحياة الروحية و الشخصية و العائلية و الاجتماعية و المادية تشكل ما يحتويه القلب
من مشاعر قد تسبب له الراحة أو الألم.
و علاقتكِ بربك حبيبتي هي الأساس و مبدأ الحلال و الحرام هو المصباح الذي سُينير حياتك بأكملها ،
فالله وحده هو الأقرب ، يقول الله تعالى: ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ
إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (ق:16).
و هو وحده الذي يستحق أن يُطاع و يُعبد ، قال الله سبحانه و تعالى في سورة الذاريات:
( وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ( الذاريات :56 )
و اسمحي لي يا عزيزتي أن ألقي الضوء على بعض المشاهد التي تشكل خطراً على المرأة ،
و ربما وقعت فيها في البداية عن غير قصد إلا أنه و بلا شك في غالب الأمر سيؤدي لأمور
لا تحمد عقباها.
فمثلاً:
لماذا نجد فتاة تتجمل و تتزين خارج منزلها و تظهر جمالها لمن لا يحل لهم ذلك؟
على الرغم من أنها تستطيع التمتع و فعل ذلك كله أمام محارمها بدون الوقوع في الحرام !!
الغريب في الأمر أنها تدرك جيداً أنه لن يحافظ على شرفها غير محارمها ،
فلماذا تُعَرِّض نفسها إذن للابتذال و إلى أن تُصبح تابلوه عند البعض ، أو أن تُصبح وجبة سريعة
عند غيرهم ؟
والله إن هذا الموضع لا يحبه الله لها و لا يرضى إلا حفظها و تكريمها.
و أخرى نجدها في مجال التعليم تُعَرِّض نفسها للاختلاط مع زملاءها الشباب
بما يفتح عليها باب من جحيم الشبهات و الوقوع في تجارب عاطفية ،
وبخبرتي المتواضعة في الحياة رأيتها تبوء بالفشل الذريع الذي قد يؤدي أحياناً إلى أمور خطيرة
تؤثر عليها بعد انتهاءها من التعليم و خروجها للحياة العملية.
و أخرى نجدها في مجال عملها تجعل الماديات هي شغلها الشاغل ،
وتصبح علاقاتها مع زملاء العمل و كأنها رجل مثلهم، وكثير من التجاوزات تحدث خارجة عن الإطار
الشرعي الذي يحميها و يحفظها !!
على الرغم من أنها ليست مكلفة بالإنفاق في أي مرحلة من مراحل عمرها
منذ ولادتها حتى انتهاء عمرها .
لعلكِ أختي الكريمة تتفقين معي أن النماذج حولنا كثيرة ، و ما ذكرته إنما هو جزء من كل ،
اتسع ليبلغ حد المأساة الاخلاقية و الاجتماعية.
والسؤال هنا
ماذا ستفعلين أنتِ في حياتكِ ؟
و لأنكِ يا صاحبة الخلق الرفيع تستحقين أجمل ما في الحياة ألا و هو جنتها ، وتستحقين أيضا أجمل ما في الآخرة و هي الفردوس الأعلى ،
لذلك اعقدي العزم الآن و عاهدي ربكِ أن تتمتعي بكل الحلال الذي أحله الله لكِ ، وأن تتجنبي مواضع
الحرام أو الشبهات التي قد توقعكِ في ما لا يرضاه الله لكِ ، فالله يحبكِ شريفة و طاهرة و غالية ،
و يكره لكِ ما دون ذلك.
و إنها لدعوة صادقة من القلب إلى أرق و أطهر قلب
دعوة إلى ترويض النفس على الحلال .. و فقط الحلال.
و خذيها مني نصيحة غالية لإنسانة أغلى:
الحلال هو السبيل الكافي لإشباع الحاجات و تجنب الشبهات و تحقيق كل الغايات.
و أخيراً حبيبتي تقبلي دعوتي لكِ بأن يجعلك الله ممن يتمتعن بقوة نفسِ لا تحب
و لا تسعى إلا لما يحبه الله لها و يرضى… اللهم آمين
(د.فاطمة تقي الدين)
تعليق