إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

~ [ الحِجَابُ ] أَدِلَّةُ المُوجِبينَ و شُبَهُ المُخالِفِين ~

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ~ [ الحِجَابُ ] أَدِلَّةُ المُوجِبينَ و شُبَهُ المُخالِفِين ~


    :
    بِسْمِ اللهِ ، والحَمدُ للهِ ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسًولِ اللهِ ، وبعد ..
    الحِجابُ ، مَوضوعٌ كَثُرَ الجِدالُ حولَه ، ما بين مُؤيِّدٍ
    ومُعارِض . لِدرجةِ أنَّ البَعضَ وَصفَه بالرَّجعِيَّةِ والتَّخلُّفِ ،
    وقال إنَّه ليس مِن الدِّينِ ، وإنَّه عادةٌ جاهِلِيَّةٌ . وأمثالُ
    هؤلاءِ - برأيي - لا يُفيدُ الجِدالُ معهم ، ولا مُحاولةُ
    إقناعِهم ؛ لأنَّهم يتكلَّمونَ بلا دَليلٍ مِن كِتابٍ أو سُنَّةٍ ،
    ورُبَّما استنادًا لأهوائِهم ، وعاداتِ مُجتمعاتِهم ، أو
    إرضاءً لِحُكَّامِهم ، أو إشباعًا لِرغباتِهم .

    و الحِجابُ الذي نقصِدُه اليوم ، والذي اختلَفَ حولَه
    العُلَماءِ ، ما بين مُوجِبٍ ومُبيحٍ ، هو :
    ( تغطيةُ المَرأةِ لوَجهِها وكفَّيْها )

    هُنا سنُلقِي نظرةً على أدِلَّةِ المُوجِبين للحِجابِ ،
    والقائِلينَ بمَشروعِيَّةِ ستر المَرأةِ لوَجهِها وكَفَّيْها ،
    وعلى أدِلَّةِ المُخالِفينَ لهم ، والمُبيحين لِظُهورِ
    الوجهِ والكَفَّيْن ، مِن خِلال رِسالةٍ كَتبها الشيخ
    ( مُصطفى العَدوي ) حَفِظَه اللهُ تعالى .


    فحَيَّا اللهُ كُلَّ مُتابِعةٍ و قارِئةٍ و ناشِرةٍ ()

    "منقول للاستفادة منه"


  • #2
    رد: ~ [ الحِجَابُ ] أَدِلَّةُ المُوجِبينَ و شُبَهُ المُخالِفِين ~


    مُقدِّمة
    الأدِلَّةُ على مَشروعيَّةِ ستر وَجه المَرأةِ وكَفَّيْها وجَميع بَدَنِها ووجوب ذلك :

    الدَّليلُ الأوَّلُ : آيةُ الحِجاب
    الدَّليلُ الثَّاني : الإذنُ للنِّساءِ في الخُرُوجِ لِحَاجتِهِنَّ ، وفيه دليلٌ على ستر الوَجه
    الدَّليلُ الثَّالِثُ
    الدَّليلُ الرابع : حَديثُ المَرأةِ عَوْرَة
    الدَّليلُ الخَامِسُ : فِعلُ عائشةَ - رَضِيَ اللهُ عنها -
    الدَّليلُ السَّادِسُ : حَديثُ أسماء - رَضِيَ اللهُ عنها -
    الدَّليلُ السَّابِعُ

    أدِلَّةُ المُبيحِينَ لِظُهُورِ الوَجه والكَفَّيْنِ ، وتفنيدُها دليلاً دليلاً :

    الدَّليلُ الأوَّلُ
    الدَّليلُ الثَّاني
    الدَّليلُ الثَّالِثُ للمُبيحِينَ : قِصَّةُ الخَثْعَمِيَّةِ ، وتفنيدُ الاستدلال بِهِ
    دَليلُ المُبيحِينَ الرَّابِعُ : ( قِصَّةُ الوَاهِبَةِ ) ، وتفنيدُ الاستدلال بِهِ
    دَليلُ المُبيحِينَ الخَامِسُ : حَديثُ عائشةَ - رَضِيَ اللهُ عنها -

    في شُهُودِ الصّحابِيَّاتِ الفَجر
    دَليلُ المُبيحِينَ السَّادِسُ : حَديثُ فاطمة بنت قيس - رَضِيَ اللهُ عنها -
    الدَّليلُ السَّابِعُ للمُبيحِينَ ، وتوجيهُه
    الدَّليلُ الثَّامِنُ : حَديثُ سُبَيْعَة
    الخَاتِمَة

    تعليق


    • #3
      رد: ~ [ الحِجَابُ ] أَدِلَّةُ المُوجِبينَ و شُبَهُ المُخالِفِين ~

      بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

      المُقـدِّمَـة ~

      إنَّ الحَمدَ للهِ نَحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه ونستهديه ,
      ونعوذُ باللهِ مِن شرور أنفُسِنا وسيِّئاتِ أعمالِنا , مَن
      يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له , ومَن يُضلِل فلا هادِيَ له ,
      وأشهدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وَحدَه لا شريكَ له , وأشهدُ
      أنَّ مُحمدًا عبدُه ورسولُه .

      أمَّا بعد ، فإنَّ أصدقَ الحَديثِ كِتابُ الله , وخَيرَ الهَدْي
      هَدْيُ مُحمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّم , وشَرَّ الأمور
      مُحْدَثاتُها , وكُلّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة , وكُلّ بِدعَةٍ ضلالة , وكُلّ
      ضلالةٍ في النار ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
      تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ آل عمران/102 .
      ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
      وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
      اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
      النساء/1 , ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
      سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ
      اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ الأحزاب/70-71 .

      وبعد ، فهذه رِسالةٌ مُتواضِعةٌ في الحِجاب ..... وقد
      كانت هذه الرِّسالةُ أحدَ أبواب "كِتاب الأدَب والِّلباس" مِن
      "جَامِع أحكام النِّساء" , ولكنْ لِكِبَرِ حَجْمِها أفردناها برِسالةٍ
      مُستقِلَّةٍ ، سائِلينَ اللهَ -عَزَّ وجَلَّ - أن ينفعَ بها الإسلامَ
      والمُسلِمينَ ، وأن يُثيبنا عليها يَومَ نلقاه .

      هذا وبالنسبةِ لموضوع الحِجاب ، فبادِئ ذِي بِدء
      لا نختلِفُ نحنُ والفُضَلاءُ مِن أهل العِلم والمُنصِفون
      منهم - الذين لا يَرونَ ما نراه مِن وجوب تغطيةِ جَميع
      بَدَنِ المَرأةِ بما في ذلك وجهها وكَفَّيْها - لا نختلِفُ معهم ،
      أو بمعني أَصَحّ : لا يَختلِفون معنا في أنَّ الأفضلَ والأكملَ
      والأقربَ للتَّقوَى ومَرضاةِ اللهِ ورَسُولِهِ : هو سترُ كُلِّ
      البَدَنِ ، بما في ذلك الوَجه والكَفَّيْن .

      فنَسُوقُ لهؤلاء الفُضَلاءِ وأمثالِهم مِن أهل الفَضلِ ،
      رِجالاً ونِساءً ، شبابًا وشابَّات ، الأدِلَّةَ التي رأينا أنَّها
      تُوجِبُ علي المَرأةِ أن تستُرَ جَميعَ بَدَنِها ، بما في ذلك
      وجهها وكَفَّيْها , ومعها الأدِلَّة التي تُبَيِّنُ مَشروعية ذلك ,
      فإنْ رأى هؤلاء الفُضَلاءُ أنَّ الأدِلَّةَ التي ذكرناها تنتهِضُ
      للحُكمِ بوجوبِ تغطيةِ وجه المَرأةِ وكَفَّيْها , فبِها ونِعْمَت ,
      وإنْ لم يَرَوها تنتهِضُ للحُكم بالوجوبِ فهِيَ - في أقَلِّ
      أحوالِها - تُثبِتُ مَشروعيَّةَ تغطيةِ الوجه والكَفَّيْن ,
      وهذا قد اتَّفقنا فيه مَعهم .

      ثُمَّ اتَّجهنا بعد ذِكر الأدِلَّةِ على الوجوب والمَشروعيَّةِ إلى
      تفنيد كُلِّ الأدِلَّةِ التي أَتَوْا بها يُثبِتُوا بها حالاتِ كَشفِ الوجه
      علي عَهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم , واستفضنا -
      بحَمدِ اللهِ - في الرَّدِّ عليها وإسقاطِ الاستدلال بها , وخاصَّةً
      التي أوردها الشيخُ ناصِر الألبانيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - في كِتاب
      "حِجاب المَرأة المُسلِمة" . فبَعد إسقاطِ استدلالاتِهم ما يَبقَى
      أمامهم - على الأكثر - إلَّا الإقرارُ بأنَّ سترَ جَميع بَدَنِ
      المَرأةِ بما في ذلك وجهها وكَفَّيْها هو الحالُ الذي كان علي
      عَهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم , وكانت عليه
      النِّساءُ الصّحابياتُ في عَهده , وفي هؤلاء الأُسْوَةُ الحَسَنَةُ ،
      فهُم خَيرُ الناس كما قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ
      وسلَّم : (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ... )) الحديث . أخرجه البُخاريُّ
      ومُسلِم مِن طُرُقٍ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم .

      هذا ونُنَبِّهُ هُنا على أنَّنا لم نتعرَّض في هذا البَحثِ للتَّبَرُّجِ
      المُزْرِي ، الذي يَقَعُ مِن نِساءِ المُسلِمين في هذه الأيام ،
      والذي فاقَ تَبَرُّجَ الجاهليَّةِ الأُولَى , وقد قال النبيُّ - صلَّى
      اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّم - في أهلِهِ : (( صِنْفَانِ مِن أهل
      النَّارِ لَم أَرَهُما ... ونِساءٌ كاسِيَاتٌ عارِيَاتٌ مُميلاتٌ مائِلاتٌ ،
      رُؤوسُهُنَّ كأسنمةِ البُخْتِ المائِلَةِ ، لا يَدخُلنَ الجَنَّةَ ولا يَجِدنَ
      رِيحَها , وإنَّ رِيحَها لَتُوجَدُ مِن مَسيرةِ كذا وكذا )) وأخرجه
      مُسلِم (حديث 2128) ...

      رَبَّنا تقبَّل مِنَّا إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ، وتُب علينا
      واغفِر لنا إنَّك أنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .

      وصلَّى اللهُ على سيِّدنا مُحمدٍ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ وسلَّم .



      أبو عبد الله - مصطفى العدوي شِلبايه
      مصر - الدقهلية - مِنية سَمَنُّود

      تعليق


      • #4
        رد: ~ [ الحِجَابُ ] أَدِلَّةُ المُوجِبينَ و شُبَهُ المُخالِفِين ~

        لأدِلَّةُ على مَشروعيَّةِ ستر وجه المَرأةِ
        وكَفَّيْها وجَميع بَدَنِها ، ووجوب ذلك :


        الدَّليلُ الأوَّلُ : آيةُ الحِجاب :

        قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ
        حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ الأحزاب/53 .

        1- سَبَبُ نُزُول الآية :
        قال الإمام البُخاريُّ - رَحِمَه الله - ( فتح 11/22 ) :
        حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن

        ابن شهاب قال : ( أخبرني أنس بن مالك أنه قال : كان ابن
        عشر سنين مقدم رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -
        المدينة ، فخدمتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -
        عشرًا حياته , وكنتُ أعلم الناس بشأن الحِجاب حين أُنزِل , وقد
        كان أُبَيُّ بن كَعب يَسألُني عنه , وكان أول ما نزل في مبتنى
        رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - بزينب ابنة
        جحش : أصبحَ النبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -
        بها عَروسًا , فدعا القومَ ، فأصابوا مِن الطعام ، ثم خرجوا ،
        وبَقِيَ منهم رَهْطٌ عند رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم ,
        فأطالوا المُكثَ , فقام رسولُ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم ،
        فخرج وخرجتُ معه ؛ كي يَخرجوا , فمَشي رسولُ الله صلَّى الله
        عليه وعلى آله وسلَّم ، ومَشيتُ معه ، حتى جاء عتبة حجرة
        عائشة , ثم ظَنَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -
        أنهم خرجوا , فرجع رسولُ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم ،
        ورجعتُ معه , حتى دخل على زينب ، فإذا هم جُلُوسٌ لم يتفرَّقوا ,
        فرجع النبي صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم ، ورجعتُ معه ، حتى
        بلغ عَتبة حجرة عائشة , فظَنَّ أن قد خرجوا فرجع ورجعتُ معه ,
        فإذا هم قد خرجوا , فأنزل آية الحِجاب ، فضرب بيني وبينه سِترًا )
        صحيح ، وأخرجه مسلم 3/596 , والترمذيّ 3219,3217 من
        طرق عن أنس -رضي الله عنه - .

        قال الإمامُ البُخاريُّ - رَحِمَه الله - ( فتح 11/22 ) :
        حدثنا أبو النعمان حدثنا معتمر قال : أبي حدثنا أبو مجلز عن

        أنس - رضي الله عنه - قال : ( لَمَّا تزوَّجَ النبي - صلَّى الله
        عليه وعلى آله وسلَّم - زينب ، دخل القومُ ، فطعموا ثم جلسوا
        يتحدثون , فأخذ كأنه يتهيأ للقيام ، فلم يقوموا ، فلَمَّا رأى ذلك
        قام , فلَمَّا قام قامَ مَن قام من القوم ، وقعد بقية القوم , وإن
        النبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - جاء ليدخل ، فإذا
        القوم جلوس , ثم إنهم قاموا فانطلقوا , فأخبرتُ النبي صلَّى الله
        عليه وعلى آله وسلَّم ، فجاء حتى دخل ، فذهبتُ أدخل ، فأَلقى
        الحِجابَ بيني وبينه , وأنزل اللهُ تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
        لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ﴾ ) (1) الآية . صحيح ، وأخرجه مسلم
        (3/598) , وعزاه المزي في الأطراف للنسائي (في الكبرى) .



        2- وَجه الاستدلال بالآيةِ الكَريمةِ :
        ووَجه الاستدلال بهذه الآيةِ الكريمة مَبنِيٌّ على أصلين :
        الأول : أنَّ خِطابَ الواحِدِ يَشمَلُ خِطابَ الجَماعة .
        الثاني : الاشتراكُ في العِلَّة .


        أما بالنسبة للأصل الأول ، فيتأيَّدُ بقول النبيِّ صلَّى الله عليه
        وعلى آله وسلَّم : (( ... إنَّما قولي لامرأةٍ واحِدةٍ كقولي لمائة
        امرأة )) , وقد أمر اللهُ - عز وجل - نِساءَ النبيِّ - صلَّى الله
        عليه وعلى آله وسلَّم - بالحِجاب ، ولا نعلمُ في ذلك خِلافًا .
        فنِساءُ المُؤمنين تَبَعٌ لهنَّ في ذلك ؛ لِمَا ذكرناه من أنَّ خِطابَ
        الواحد يشمل خِطابَ الجَماعة .

        ويتأيَّدُ هذا الكلام بالأصل الثاني ؛ ألَا وهو : الاشتراكُ في
        العِلَّة , فعِلَّةُ السؤال من وراء حِجابٍ طَهارة القلوب , ونِساءُ
        المُؤمنين كنِساء النبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -
        في الاحتياج إلى ذلك . ويتأيَّدُ هذا الكلام بالعُموم الوارد في
        حديث رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم : (( إيَّاكم
        والدخول على النساء )) . ويتأيَّدُ أيضًا بقرينةِ انضمام نِساء
        المؤمنين إلى نساء النبي - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -
        وبناته في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
        وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ
        يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ . على ما سيأتي
        بيانُه إن شاء الله .



        3- أقوالُ أهلِ العِلم في الآية :
        * قال الطَبَرِيُّ - رَحِمَهُ الله - (21/28) :
        يقول : وإذا سألتم أزواجَ رسول الله - صلَّى الله عليه وعلى

        آله وسلَّم - ونِساءَ المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواجٍ متاعًا ،
        فاسألوهُنَّ من وراء حِجاب . يقول : مِن وراء سِتْرٍ بينكم
        وبينهُنَّ , ولا تدخلوا عليهنَّ بيوتَهُنَّ ؛ ذلكم أطهرُ لقلوبكم
        وقلوبهنَّ . يقولُ تعالى ذِكرُه : سُؤالُكم إيَّاهُنَّ المتاعَ إذا سألتموهُنَّ
        ذلك مِن وراء حِجاب ، أطهرُ لقلوبِكم وقلوبهنَّ مِن عوارض العين
        فيها ، التي تعرض في صدور الرجال مِن أمر النساء , وفي
        صدور النساء من أمر الرجال , وأحرى من أن لا يكون للشيطان
        عليكم وعليهنَّ سبيل .

        * ويقولُ القُرطُبِيُّ - رَحِمَهُ الله - (ص5309) :
        المسألةُ التاسعة : في هذه الآيةِ دليلٌ على أنَّ الله تعالى

        أذِنَ في مَسألتهِنَّ من وراء حِجابٍ في حاجةٍ تَعرِض , أو
        مَسألةٍ يستفتين فيها , ويَدخُلُ في ذلك جميعُ النساء
        بالمَعنى , وبما تضمَّنته أصولُ الشريعةِ من أنَّ المرأةَ كُلّها
        عورة ، بدنها وصوتها كما تقدَّم , فلا يَجوزُ كَشفُ ذلك إلَّا
        لحاجةٍ ، كالشَّهادةِ عليها ، أو داءٍ يكونُ بِبَدَنِها ، أو سؤالها
        عَمَّا يَعرِضُ وتعين عندها .

        # قُلتُ : ( وفيما قاله القُرطُبِيُّ - رَحِمَهُ الله - مِن أنَّ صَوتَ
        المَرأةِ عَوْرَةٌ نَظَرٌ يُحَرَّرُ في مَوْضِعِهِ - إن شاء الله ) . في
        كتابِنا الأدَب .

        * وقال - رَحِمَه الله - أيضًا في المَسألة الحادية عشر :
        قولُه تعالى : ﴿ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ .. يُريدُ مِن
        الخواطر التي تَعرِضُ للرجال في أمر النساء , وللنساءِ في أمر
        الرجال ؛ أيْ : ذلك أنفى للريبة وأبعدُ للتُّهمةِ وأقوى في الحِماية ,
        وهذا يَدُلُّ علي أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يَثِقَ بنَفسِهِ في الخَلْوَةِ مع
        مَن لا تَحِلُّ له ؛ فإنَّ مُجانبةَ ذلك أحسنُ لِحاله وأحصنُ لِنَفسِهِ
        وأتَمُّ لِعِصمتِهِ .

        * وقال ابنُ كثيرٍ - رَحِمَه الله - (3/505) :
        وقولُه تعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ

        حِجَابٍ ﴾ ؛ أيْ : وكما نَهيتُكم عن الدخول عليهنَّ ، كذلك
        لا تنظروا إليهِنَّ بالكُلِّيَّةِ , ولو كان لأحدِكم حاجةٌ يُريدُ تناولَها
        مِنهُنَّ ، فلا ينظُر إليهِنَّ ، ولا يسألهنَّ حاجةً إلَّا مِن وراء
        حِجاب .

        * أمَّا الشنقيطيُّ - رَحِمَه الله - فقد قال كلامًا طَيِّبًا مَتينًا
        في أضواء البيان (6/584) : فأفادَ وأجادَ - رَحِمَه الله رَحمةً
        واسِعةً - فليُراجَع ، فإنَّه كلامٌ طويلٌ , ها نحنُ ننقلُ بَعضَه
        إن شاء الله .
        قال الشنقيطيُّ - رَحِمَه الله - (أضواء البيان 6/592) :
        واعلم أن مع دلالة القرآن على احتجاب المرأة عن الرجال

        الأجانب , قد دلَّت على ذلك أيضًا أحاديثُ نبوية , فمِن
        ذلك ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما وغيرهما من حديث
        عُقبة بن عامر الجُهني - رَضِيَ الله عنه - أنَّ النبي -
        صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - قال : (( إيَّاكم والدخول
        على النساء )) ، فقال رجلٌ من الأنصار : يا رسول الله ،
        أفرأيتَ الحَمْو ؟ قال : (( الحَمْو : المَوْت )) . أخرج البُخاريُّ
        هذا الحديث في كتاب النِّكاح في باب "لا يَخْلُوَنَّ رَجلٌ بامرأةٍ إلَّا
        ذو مَحْرَم" إلخ , ومُسلم في كتاب السلام في باب "تحريم الخَلْوةِ
        بالأجنبيةِ والدخول عليها" . فهذا الحديثُ الصحيح صرَّحَ فيه
        النبيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - بالتحذير الشديد
        من الدخول على النساء , فهو دليلٌ واضِحٌ على منع الدخول
        عليهنَّ , وسؤالهن متاعًا إلَّا من وراء حِجاب ؛ لأنَّه مَن سألها
        متاعًا لا مِن وراء حِجابٍ فقد دخل عليها , والنبيُّ - صلَّى الله
        عليه وعلى آله وسلَّم - حَذَّره من الدخول عليها , ولَمَّا سأله
        الأنصاريُّ عن الحَمْو ؛ الذي هو قريبُ الزوج الذي ليس مَحْرَمًا
        لزوجته كأخيه وابن أخيه وعمه وابن عمه ونحو ذلك , قال له
        صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم : (( الحَمْو : المَوت )) , فسَمَّى
        - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - دخولَ قريب الرجلِ على
        امرأته وهو غير مَحْرَمٍ لها باسم المَوت , ولا شَكَّ أن تلك
        العبارة هي أبلغ عباراتِ التحذير ؛ لأنَّ الموت هو أفظعُ
        حادِثٍ يأتي على الإنسان ، كما قال الشاعر :
        والمَوتُ أعظمُ حادِثٍ مِمَّا يَمُرُّ على الجِبِلَّة


        والجبلة : الخَلْق , ومنه قولُه تعالى : ﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ
        وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ﴾ الشعراء/184 . فتحذيرُه - صلَّى الله عليه
        وعلى آله وسلَّم - هذا التحذير البالِغ من دخول الرجال على
        النساء , وتعبيرُه عن دخول القريب على زوجة قريبه باسم
        الموت دليلٌ صحيحٌ نبويٌّ على أن قوله تعالى : ﴿ فَاسْأَلُوهُنَّ
        مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ عامٌّ في جميع النساء كما ترى ، إذ لو كان
        حُكمُه خاصًا بأزواجه صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم , لَمَا
        حَذَّر الرجالَ هذا التحذير البالِغ العام من الدخول على النساء .
        وظاهِرُ الحديث التحذيرُ من الدخول عليهِنَّ ولو لم تحصُل
        الخَلْوَة بينهما , وهو كذلك . فالدخولُ عليهِنَّ والخَلْوَةُ بِهِنَّ
        كِلاهما مُحَرَّمٌ تحريمًا شديدًا بانفرادِه , كما قدَّمنا أن مُسلمًا
        - رَحِمَه الله - أخرج هذا الحديثَ في باب "تحريم الخَلْوَةِ
        بالأجنبيةِ والدخول عليها" ، فدَلَّ على أنَّ كِلَيْهِما حَرامٌ .
        # ( قلتُ : الذي يبدو ويترجَّحُ : أنَّ التبويبَ الذي في
        صحيح مُسلِم إنَّما هو لِلنَّوويِّ , رَحِمَه الله ) .

        * وقال ابنُ حَجَر في "فتح الباري" في شرح الحديث المذكور :
        ( إيَّاكم والدخولَ ) بالنَّصبِ على التحذير ، وهو : تنبيهُ
        المُخاطَب على مَحذورٍ لِيَتحذَّرَ عنه ، كما قِيل : إيَّاكَ والأسَدَ .
        وقولُه : ( إيَّاكُم ) مَفعولٌ لِفِعلٍ مُضمَرٍ تقديرُه ( اتَّقُوا ) ، وتقديرُ
        الكلام : ( اتَّقُوا أنفُسَكم أن تدخلوا على النساء , والنساء أن
        يدخُلَن عليكم ) , ووقع في روايةِ ابن وَهْب بلَفظ : (( لا تدخلوا
        على النساء )) , وتضمَّنَ مَنْعُ الدّخول مَنْعَ الخَلْوَةِ بها بطريقِ
        الأَوْلَى انتهي محل الغرض منه .



        4- تنبيه :
        قد يَفْهَمُ أحدٌ مِن الناس قولَ الله تعالى : ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ

        لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ﴾ الأحزاب/32 ، على
        أنَّ ذلك يُفيدُ انفصالَ نِساءِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله
        وسلَّم - في الحُكم الشرعيِّ المُتقدِّم عن نِساءِ المُؤمنين ,
        فهذا لا تَحتمِلُه هذه الآية الكريمة , ولننقل ما قاله بَعضُ
        العُلماءِ فيها :

        قال ابنُ كثير - رَحِمَه الله - : في قولِهِ تعالى : ﴿ يَا نِسَاءَ
        النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ . هذه آدابٌ أمر اللهُ بها
        نِساءَ النبيِّ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم , ونِساءُ الأُمَّةِ تَبَعٌ
        لَهُنَّ في ذلك ، فقال تعالى مُخاطِبًا لِنِساءِ النبيِّ صلَّى الله عليه
        وعلى آله وسلَّم , بأنَّهُنَّ إذا اتَّقَيْنَ اللهَ - عز وجل - كما أمرهُنَّ ,
        فإنَّه لا يُشبههنَّ أحدٌ مِن النساء ، ولا يَلحقهُنَّ في الفضيلةِ والمنزلة .

        وقال القُرطُبِيُّ - رَحِمَه الله - : في قولِهِ تعالى : ﴿ يَا نِسَاءَ
        النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ﴾ ؛ يعني : في
        الفَضلِ والشَّرَف .



        5- لَفْتَةٌ طَيِّبَةٌ :
        قال الشنقيطيُّ - رَحِمَهُ الله - (6/592) :
        وإذا علمتَ بما ذكرنا أنَّ حُكمَ آيةِ الحِجاب عامٌّ , وأنَّ ما

        ذكرنا معها من الآيات فيه الدلالة علي احتجاب جميع بدن
        المرأة عن الرجال الأجانب , عَلِمتَ أنَّ القُرآنَ دَلَّ على الحِجاب .
        ولو فَرَضْنَا أنَّ آيةَ الحِجاب خاصَّةٌ بأزواجِه صلَّى الله عليه وعلى
        آله وسلَّم , فلا شَكَّ أنَّهُنَّ خَيرُ أُسْوَةٍ لِنِساءِ المُسلِمين في الآدابِ
        الكريمةِ المُقتضيةِ للطَّهارةِ التَّامَّةِ ، وعدم التَّدنُّس بأنجاس الرِّيبة .
        فمَن يُحاوِلُ مَنعَ نِساء المُسلمين - كالدُّعاة للسُّفور والتَّبرُّج
        والاختلاطِ اليوم - مِن الاقتداءِ بِهِنَّ في هذا الأدب السَّماويِّ
        الكريم المُتضمِّن سلامةَ العِرْضِ والطَّهارةَ مِن دَنَسِ الرِّيبةِ ،
        غَاشٌّ لأُمِّةِ مُحمدٍ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم , مَريضُ
        القلبِ كما ترى .


        _____________________
        (1) ورد لهذه الآية سببُ نُزُولٍ آخَر أخرجه البخاريُّ (6240) ,

        ومسلم من حديث عائشة - رَضِيَ الله عنها - قالت : كان عمر
        بن الخطاب يقولُ لرسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم :
        احجب نِساءَكَ , قالت : فلَم يَفعَل , وكان أزواجُ النبيِّ - صلَّى
        الله عليه وعلى آله وسلَّم - يَخرُجنَ ليلاً إلى ليل قبل المَناصِع ,
        فخَرجَت سَوْدَةُ بنتُ زَمْعَة - وكانت أمراةً طويلةً - فرآها عُمَر بنُ
        الخطاب وهو في المَجلِس ، فقال : عرفناكِ يا سَوْدَة - حِرصًا
        على أن يَنزِلَ الحِجاب - قالت : فأنزلَ اللهُ - عز وجل - آيةَ
        الحجاب .
        # قلتُ : ولا مانِعَ مِن تَعَدُّدِ أسبابِ النُّزُولِ للآيةِ الواحِدة ,

        انظُر " الصَّحيح المُسْنَد مِن أسبابِ النُّزُولِ " .

        تعليق


        • #5
          رد: ~ [ الحِجَابُ ] أَدِلَّةُ المُوجِبينَ و شُبَهُ المُخالِفِين ~

          الدَّليلُ الثَّاني : الإذنُ للنِّساءِ في الخُرُوجِ
          لِحَاجتِهِنَّ ، وفيه دَليلٌ على سَتر الوجه :

          قال الإمام البخاري - رَحِمَه الله - (فتح 8/528) :
          حدثني زكريا بن يحيى حدثنا أبو أسامة عن هشام عن
          أبيه
          عن عائشة - رَضِيَ الله عنها – قالت : (( خَرَجَت سَوْدَةُ (2) -
          بعدما ضُرِبَ الحِجابُ (3) – لِحَاجتِها , وكانت امرأةً جَسيمةً (4)
          لا تَخفَى على مَن يَعرفُها , فرآها عمر بن الخطاب ، فقال :
          يا سَوْدَة , أَمَا واللهِ ما تَخْفَيْنَ علينا , فانظُري كيف تَخرُجين ,
          قالت : فانكفأَت راجِعة , ورسولُ الله - صلَّى الله وعلى آله
          وسلَّم - في بيتي , وإنَّه لَيَتعَشَّى وفي يده عِرْقٌ , فدَخَلَت
          فقالت : يا رسولَ الله , إنِّي خَرجتُ لِبَعض حاجتي ، فقال لي
          عمر كذا و كذا ، قالت : فأَوْحَي اللهُ إليه , ثُمَّ رُفِعَ عنه وإنَّ
          العِرْقَ في يده ما وَضَعَهُ ، فقال : ‹‹ إنَّه قد أُذِنَ لَكُنَّ أن
          تَخرُجنَ لِحَاجتِكُنَّ ›› )) (5) . صحيح وأخرجه مسلم 5/13 .


          _____________________
          (2) سَوْدَة : هِيَ بِنتُ زَمْعَة أم المؤمنين - رَضِيَ الله عنها - .


          (3) قال الحافِظُ ابنُ حَجَر ( في فتح الباري 8/531 ) : وقد تقدَّمَ في
          الطهارة من طريق هشام بن عُروة عن أبيه , ما يُخالِفُ ظاهِرُه رواية
          الزُّهريِّ هذه عن عُروة ، قال الكرماني : فإنْ قُلت : وقع هنا أنه كان
          بعدما ضُرِبَ الحِجاب , وتقدَّمَ في الوضوء أنَّه كان قبل الحِجاب ,
          فالجَوابُ : لَعلَّه وقع مَرَّتين ، قلتُ ( القائل هو الحافِظ ) : بل المُرادُ
          بالحِجاب الأول غير الحِجاب الثَّاني , والحاصِلُ : أنَّ عمر - رَضِيَ
          الله عنه - وقع في قلبه نُفرةٌ من اطِّلاع الأجانب على الحَريم النبويِّ ,
          حتى صَرَّحَ بقوله له عليه الصلاة والسلام : ( احجُب نِساءَكَ ) , وأكَّدَ
          ذلك إلى أنَّ نزلت آيةُ الحِجاب , ثُمَّ قَصَدَ بعد ذلك أن لا يُبدين
          أشخاصَهُنَّ أصلاً ولو كُنَّ مُستتراتٍ ، فبَالَغَ في ذلك فمَنَعَ منه ,
          وأَذِنَ لَهُنَّ في الخُرُوجِ لِحَاجتِهِنَّ ؛ دَفعًا لِلمَشقَّةِ ، ورَفعًا للحَرَج .

          (4) في رواية البُخاريِّ في الطهارة (1/248) : ( وكانت امرأةً طويلةً ) ,
          وقال الحافِظُ ابنُ حَجَر هناك (1/249) : ويُحتَمَلُ أن يكون أولًا أراد
          الأمرَ بسَتر وجوههنَّ , فلَمَّا وقع الأمرُ بوِفْقِ ما أراد ، أَحَبَّ أيضًا أن
          يحجُبَ أشخاصهنَّ مُبالَغةً في التَّستُّر ، فلم يَجِب لأجل الضَّرورة ,
          وهذا أظهَرُ الاحتمالَيْن .

          (5) فَسَّرَ هشام بن عُروة الحَاجةَ هُنا بأنَّها : البُرازُ ( كما في البُخاريِّ
          حديث 147 ) , وتعقَّبَ في هذا ، فقال الحافظ ابن حجر (11/24) :
          وفي وجوب حَجبِ أشخاصِهِنَّ مُطلقًا إلَّا في حاجةِ البُراز نَظَر , فقد كُنَّ
          يُسافِرنَ لِلحَجِّ وغيره ، ومِن ضَرورة ذلك الطواف والسَّعي ، وفيه بُروزُ
          أشخاصِهِنَّ , بل وفي حالةِ الركوب والنزول لا بُدَّ من ذلك ، وكذا في
          خُرُوجِهِنَّ إلى المَسجد النبويِّ وغيره .

          # قُلتُ : والأمرُ كما قال الحافِظُ ابنُ حَجَر رَحِمَه الله ، فقد استأذَنَت
          عائشة - رَضِيَ الله عنها - رسولَ الله - صلَّى الله عليه وعلى
          آله وسلَّم - أن تزورَ أبويها - وكان ذلك بعد الحِجاب كما في
          حَديثِ الإفك - فأَذِنَ لها رسولُ الله صلَّى الله عليه وعلى آله
          وسلَّم .

          # تنبيه : في هذا الحَديثِ دَليلٌ على مَشروعيَّةِ سَتر الوجه ؛
          إذ أنَّ عمر - رَضِيَ الله عنه - ما عَرَفَ سَوْدَة إلَّا بطُولِها
          وجَسامتِها ، فدَلَّ ذلك على أنَّ وَجهَها كان مَستُورًا .

          تعليق


          • #6
            رد: ~ [ الحِجَابُ ] أَدِلَّةُ المُوجِبينَ و شُبَهُ المُخالِفِين ~

            الدَّليلُ الثَّالِثُ :

            قولُه تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ
            الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ
            فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ الأحزاب/59 .

            أولاً : الآثارُ الواردة في الآيةِ الكريمة :

            * قال ابنُ جَرير الطبريّ - رَحِمَه الله - (22/33) :
            حدثني يعقوب قال : ثنا ابن عُلَيَّة عن ابن عون عن محمد

            عن عبيدة في قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
            وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ... ﴾ ، فلبسها
            عندنا ابن عون قال : ولبسها عندنا محمد قال محمد : ولبسها
            عندي عبيده قال ابن عون بردائه فتقنَّعَ به ، فغطَّى أنفَه وعينَه
            اليُسرى , وأخرج عينَه اليُمنَى ، وأدنى رِداءَه مِن فوقٍ حتى جَعلَه
            قريبًا مِن حاجبه أو على الحاجِب . صحيحٌ عن عبيده (6)

            * قال أبو داود في كتاب "المسائل" ( نقلاً عن كتاب الصَّارِم
            المَشهور للتويجري ) :
            حدثنا أحمد - يعني ابن محمد بن حنبل – قال : حدثنا يحيى

            وروح عن ابن جريج قال : أخبرنا عطاء قال : أخبرنا أبو الشعثاء :
            أن ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما – قال : تُدنِي الجِلبَابَ إلى
            وَجهِها ولا تَضرِب بِه . مَوقوفٌ صَحيح

            قال روح في حديثه : قلتُ : وما لا تَضرِب به ، قال : تَعطِفُه
            وتَضرِب به على وجهها كما هو مَسدولٌ على وجهها .



            ثانيًا : أقوالُ أهل العِلمِ في الآية :

            تقدَّمَت بَعضُ أقوال التَّابعين في الآية , وها هِيَ أقوالُ بَعض
            أصحاب التَّفاسِير :
            * قال ابنُ جَرير الطبريّ - رَحِمَه الله - (22/23) :
            يقولُ تعالى ذِكرُه لنبيِّه مُحمدٍ صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم :

            يا أيُّها النبيُّ ، قُل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا تتشبَّهنَ
            بالإماءِ في لِباسِهِنَّ إذا هُنَّ خَرجنَ من بيوتهنَّ لِحَاجتهنَّ فكَشفن
            شُعورهُنَّ ووجوههنَّ , ولكنْ ليُدنين عليهنَّ من جلابيبهِنَّ ؛ لِئَلَّا
            يَعرِضَ لَهُنَّ فاسِقٌ إذا عَلِمَ أنَّهُنَّ حرائِرُ بأذىً من قول .

            * قال القُرطبيُّ - رَحِمَه الله - :
            المَسألةُ الثانية : لَمَّا كانت عادةُ العربيَّات التَّبَذُّل , وكُنَّ
            يَكشِفنَ
            وجوههنَّ كما يفعلُ الإماءُ , وكان ذلك داعيةً إلى نظر الرجال
            إليهنَّ , وتشعُّب الفِكرةِ فِيهِنَّ , أَمَرَ اللهُ رسولَه - صلَّى الله
            عليه وعلى آله وسلَّم - أن يأمُرهُنَّ بإرخاء الجلابيب عليهنَّ
            إذا أردن الخروج إلى حوائجهنَّ , وكُنَّ يتبرَّزنَ في الصحراء -
            قبل أن تُتَّخَذَ الكُنُفُ - فيَقعُ الفرقُ بينهُنَّ وبين الإماء ،
            فتُعرَفُ الحَرائِرُ بسترهنَّ فيَكُفُّ عن مُعارضتهنَّ مَن كان
            عزبًا أو شابًّا . انتهي مَحَلُّ الغَرَض منه .

            * قال الشوكانيُّ - رَحِمَه الله - (فتح القدير 4/304) :
            ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ

            عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ... ﴾ ، مِن للتبعيض , والجَلابيبُ
            جَمْعُ جِلباب , وهو ثَوبٌ أكبرُ مِن الخِمار .

            قال الجَوهِريُّ : الجِلبابُ المَلْحَفَةُ ، وقيل : القِناعُ , وقيل : هو
            ثَوبٌ يَستُرُ جَميعَ بَدَنِ المرأة كما ثبت في الصحيح من حديث أم
            عطية أنها قالت : يا رسولَ الله , إحدانا لا يكونُ لها جِلبابٌ ,
            فقال : (( لتُلبِسها أختُها مِن جِلبابِها )) . قال الواحِديُّ : قال
            المُفَسِّرُونَ : يُغَطِّينَ وجوهَهُنَّ ورُءوسَهُنَّ إلَّا عَينًا واحدةً ، فيُعلَمُ
            أنَّهُنَّ حَرائِر ، فلا يعرضُ لَهُنَّ بأذى , وقال الحَسَن : تُغطِّي
            نِصفَ وجهها , وقال قتادة : تلويه فوق الجبين وتشدّه ، ثُم
            تعطفه على الأنف ، وإن ظهرت عيناها لكنَّه يَستُرُ الصَّدرَ
            ومُعظَمَ الوجه , والإشارةُ بقوله ﴿ ذَلِكَ ﴾ إلى إدناءِ الجَلابيب ,
            وهو مُبتدأ وخَبَرُه ﴿ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ ﴾ ؛ أيْ : أقربُ أن يُعرفنَ
            فلا يَتميَّزنَ عن الإماءِ ، ويَظهَرُ للناس أنَّهُنَّ حَرائِرُ ﴿ فَلَا
            يُؤْذَيْنَ ﴾ مِن جِهة أهل الرِّيبة ؛ بالتَّعرُّض لَهُنَّ مُراقبَةً لَهُنَّ
            ولأهلِهِنَّ . وليس المُراد بقوله ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا
            يُؤْذَيْنَ ﴾ أن تُعرَفَ الواحِدةُ مِنهُنَّ مَن هِي , بل المُرادُ : أن
            يُعرفنَ أنَّهُنَّ حَرائِرُ لا إماء ؛ لأنَّهُنَّ قد لَبِسنَ لبسةً تختص
            بالحرائر , ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ لِمَا سَلَفَ مِنهُنَّ مِن
            تركِ إدناءِ الجلابيب , ﴿ رَحِيمًا ﴾ بِهِنَّ أو غفورًا لذنوب
            المُذنبين رحيمًا بهن ، فيَدخُلنَ في ذلك دُخولاً أوَّلِيًّا .

            * قال الشنقيطيُّ - رَحِمَه الله - (أضواء البيان 6/586) :
            ومِن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها

            حتى وجهها قولُه تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ
            وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ ، فقد قال غَيرُ
            واحِدٍ مِن أهل العلم إنَّ معنى ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ :
            أنَّهُنَّ يَستُرنَ بها جَميعَ وجوهِهِنَّ ، ولا يَظهَرُ مِنهُنَّ شيءٌ إلَّا
            عَينٌ واحِدةٌ تُبصِرُ بها , ومِمَّن قال به ابنُ مسعود وابنُ عباس
            وعبيدة السَّلمانِيّ وغيرُهم .

            ثُمَّ بدأ الشيخُ - رَحِمَه الله - مُناقشتَه للمُخالِفين .

            # قُلتُ : وقد بَيَّنَّا ما في أثر ابن عباسٍ قريبًا .

            هذا , وقد قال ابنُ كثيرٍ - رَحِمَه الله - أقوالاً مُشابِهَةً لِمَا تقدَّمَ .



            ثالثًا : وجهُ الاستدلال بالآيةِ الكَريمةِ :

            ووَجهُ استدلالنا بالآيةِ مِن ناحيتين :
            الأولى : عِلَّةُ الاشتراكِ في قولِهِ تعالى : ﴿ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ

            وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ... ﴾ .
            الثانية : قولُ أكثر أهل التفسير في الآية .


            = أمَّا بالنسبةِ للناحية الأولى : فقد اشترك نِساءُ المؤمنين في
            الأمر المُوَجَّه لأزواج النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -
            وبناتِهِ بإدناءِ الجلابيب عليهنَّ , ولا يَختلِفُ اثنان مِن أهل العِلم
            أنَّ نِساءَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - أُمِرنَ بسَتر
            وجوههنَّ - على الأقلِّ - فيَتبعهنَّ في ذلك نِساءُ المؤمنين .

            = أمَّا بالنسبةِ للناحية الثانية : وهِيَ تفسيرُ أهل العلم للإدناء
            من الجلابيب ، فالمُرادُ - وإنْ كان ورد فيها بَعضُ الخِلاف -
            على قول أكثر أهل العِلم : تغطية الوَجه .



            # تنبيهٌ هامٌّ : ليس المُراد مِن قوله تعالى : ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ
            يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ أن تُعرَفَ الواحِدَةُ مِن النساء مَن هِيَ كما
            يَذكُرُهُ بَعضُ مَن يلبسون الحَقَّ بالباطِل , وإنَّما المُرادُ : أن يُعرَفنَ
            أنَّهُنَّ حَرائِرُ لا إماء ؛ وذلك لأنَّهُنَّ لَبِسنَ لبسةً تختص بالحَرائر .

            # تنبيهٌ ثانٍ : وَرَدَ في سَبَبِ نزول هذه الآية : أنَّ النبيَّ
            - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - قَدِمَ المَدينةَ على غير مَنزلٍ ,
            فكان نِساءُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - وغيرُهُنَّ
            إذا كان الليلُ خَرجنَ يَقضِينَ حوائجهُنَّ , وكان رجالٌ يَجلِسُونَ
            على الطريق للغَزَلِ ، فأنزل الله : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ
            وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ .
            وسَبَبُ النزول هذا لا يَصِحُّ ، فقد أخرجه ابنُ جرير الطبريّ

            - رَحِمَه الله - (22/34) ، وفي إسناده ضَعْفٌ شديد ,
            ففيه ابنُ حميد ، وهو محمد بن حميد شيخ ابن جرير ،
            وهو ضعيف , وفيه راوٍ لم يُسَمَّ ، وفيه أنواعٌ أخرى من
            الضَّعف .
            وليس معنى كَوْنِ سَبَب النزول لا يَصِحُّ ، أنَّ تفسيرَ العُلَمَاءِ

            للآيةِ خطأ .

            # تنبيهٌ ثالِثٌ : سَبَقَ أن بَيَّنَّا قي تفسير الآيةِ أنَّ الله
            - عز وجل - أمر نبيَّه - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم -
            أن يأمُرَ أزواجَه وبناتِه ونساءَ المؤمنين أن يتميَّزنَ في زِيِّهِنَّ
            عن زِيِّ الإماء , وذلك بأن يُدنينَ عليهِنَّ من جلابيبهِنَّ , فإذا
            فعلن ذلك ورآهُنَّ الفُسَّاقُ ، عَلِمُوا أنَّهُنَّ حرائر ، فكَفُّوا عنهُنَّ .

            وليس المُرادُ من ذلك : أنَّ تَعَرُّضَ الفُسَّاقَ للإماءِ جائِزٌ ، بل
            هو حَرامٌ لا شَكَّ في ذلك , والمُتعرِّضُ لَهُنَّ من الذين في قلوبهم
            مَرَضٌ , بل كُلُّ ما في الأمر أنَّ الحرائر يَحترزن أكثر من الإماء ,
            وقد قال الصحابةُ رضوان الله عليهم - لَمَّا بَنَى النبيُّ صلَّى الله
            عليه وعلى آله وسلَّم بصَفيَّة بنت حُيَيّ كما سيأتي في أبواب
            مُناقشة المُخالفين - إنْ حَجَبَها فهِيَ إحدى أمهات المؤمنين ,
            وإنْ لم يَحجُبها فهِيَ مِمَّا ملَكت يَمينُه , فدَلَّ ذلك على التَّفريق .

            ونحنُ إنما ذكرنا هذا التنبيه ؛ لأنَّ أبا محمد بن حزم - رَحِمَه
            الله - قال في المُحلَّى (3/218) : وقد ذهب بَعضُ مَن وَهلَ
            في قول الله تعالى : ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى
            أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ إلى أنَّه إنما أمر اللهُ تعالى بذلك ؛ لأنَّ
            الفُسَّاق كانوا يتعرَّضون للنساء للفِسْق ، فأمر الحرائر بأن يلبسن
            الجلابيب ؛ لِيَعرِفَ الفُسَّاقُ أنَّهُنَّ حرائر فلا يَعترضونهنَّ .

            قال : ونحنُ نبرأ إلى الله من هذا التفسير الفاسِد الذي هو إما
            زَلَّةُ عالِمٍ ووَهلَةُ فاضِلٍ عاقِلٍ , أو افتراءُ كاذِبٍ فاسِقٍ ؛ لأنَّ فيه
            أنَّ الله تعالى أطلق الفُسَّاقَ على أعراض إماء المسلمين ،
            وهذه مُصيبةُ الأبد .. إلى آخِر ما قال رَحِمَه الله وعفا عنه .

            # قُلتُ : أولاً : إنَّ هذا القول الذي نَقَدَه ابنُ حَزم - رَحِمَه الله -
            هو قولُ جُمهور المُفسِّرين من التابعين فمَن بَعدَهم .

            ثانيًا : إنَّ قولَ جُمهور المُفسرين الذي انتقده ابنُ حزمٍ ، ليس
            فيه أبدًا ما ادَّعاه ابنُ حزمٍ مِن أنَّ الله تعالى أطلق الفُسَّاقَ على
            أعراض إماء المسلمين . وتوضيحًا لذلك نقولُ : إذا أمر اللهُ - عز
            وجل - نِساءَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - بأمرٍ
            نحو قوله تعالى : ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ
            مَرَضٌ ﴾ الأحزاب/32 ، فهل في هذا إباحةٌ للذي في قلبه مرضٌ
            أن يَطمَعَ في نساء المؤمنين وإمائهم , كلَّا وحاشا ، فهو زيادةُ أمرٍ
            لاحتراز نساء النبيِّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - مِن
            الذين في قلوبهم مرض .

            قال الشنقيطيُّ في أضواء البيان (6/588) : وفي الجُملةِ : فلا
            إشكال في أمر الحرائر بمُخالفةِ زِيِّ الإماءِ ؛ لِيَهابَهُنَّ الفُسَّاقُ ، ودَفْعُ
            ضَرَر الفُسَّاق عن الإماء لازِمٌ , وله أسبابٌ أُخَر ليس منها إدناءُ
            الجلابيب .

            # تنبيهٌ رابِعٌ : فَسَّر أبو محمد بن حزم رَحِمَه الله - رغم
            مُخالفته لنا في مسألة الوجه - الجِلبابَ بقوله : والجِلبابُ في
            لُغة العَرب التي خاطبنا بها رسولُ الله صلَّى الله عليه وعلى آله
            وسلَّم : هو ما غَطَّى جَميعَ الجِسم لا بَعضَه . (المحلى 3/217)


            _____________________
            (6) وله إسنادٌ آخَر عن عبيدة أيضًا عند ابن جرير ، فقال ابن

            جرير - رَحِمَه الله - : حدثني يعقوب قال : ثنا هشيم قال :
            أخبرنا هشام عن ابن سيرين قال : سألتُ عبيدة عن قوله :
            ﴿ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ
            جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ . قال : فقال : بثَوبِهِ ، فغطَّى رأسَه ووجهَه ،
            وأبرز ثَوبَه عن إحدى عينيه .

            # قُلتُ : وهذا أيضًا إسنادٌ صحيح .
            وقد ورد في هذا أيضًا أثرٌ عن ابن عباس - رَضِيَ الله عنهما -

            في قوله تعالي : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
            يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ ، أمَرَ اللهُ نِساءَ المؤمنين إذا خرجن
            من بيوتهِنَّ في حاجةٍ ، أن يُغطِّينَ وجوهَهُنَّ من فوق رُءوسِهِنَّ
            بالجلابيب ، ويُبدِينَ عَينًا واحدة .
            لكنْ في إسنادِ هذا كلام ، إذ إنِّ الراوي عن ابن عباس هو عليُّ

            بنُ أبي طلحة , وهو لم يَسمَع منه , وقد قيل : إنَّ بينهما مُجاهِدًا ،
            لكنَّنا الآن علي ضَعْفِ رواية عليّ عن ابن عباس . وَرَدَ أثرٌ آخَرُ
            بسَنَدٍ حَسَنٍ عن قتادة عند الطبريِّ أيضًا ، فقال الطبريُّ : حدثنا
            بِشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله : ﴿ يَا أَيُّهَا
            النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ، أَخَذَ اللهُ عليهِنَّ
            إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب ، ذلك أدنى أن يُعرفنَ فلا
            يُؤذَيْنَ , وقد كانت المَملوكةُ إذا مَرَّت تناولوها بالإيذاءِ ، فنَهَي
            اللهُ الحرائرَ أن يَتشبَّهنَ بالإماء . وهذا سَنَدٌ حَسَنٌ ، فبِشر
            هو ابنُ مُعاذ , ويَزيد هو ابنُ ذريع . وثَمَّةَ آثارٌ أُخرى .

            يتبع بحول الله

            تعليق

            يعمل...
            X