الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لازلنا بمحض فضله ونعمته نتدارس أسماءه وصفاته -سبحانه وتعالى- التي مَنّ علينا بتعليمنا إياها، فله الحمد أوّلاً وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا -سبحانه وتعالى-،
وهذه مِن أعظم المنن التي تُذكر فتُشكر، أن يُعرّفك الملك الكريم بنفسه يا أيها العبد الضعيف،
ويجعل شهودك لآثار أسمائه وصفاته بين عينيك شاخصًا واضحًا،
فأنت كل ما تعلّمت عنه، وجدت في الحياة ما يشهد لوصفه –سبحانه وتعالى- بكمال الصفات.
ودائما يتردّد سؤال : كيف نرضى عن الله؟
خصوصًا ونحن في طيّات كلامنا عن باب الأسماء والصفات نردّد دائمًا: ((فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا))
ونردّد دائمًا أن القوم اعتلّوا بعلّة جعلتهم يفسّرون الحياة على غير حقيقتها.
أنت مُنْعَمٌ عليك، وكلّ الأقدار التي تجري عليك إنما تنقلك مِن نعمة إلى نعمة،
لكن نظرك الضيق السطحي المحدود إلى أفعال الله يجعلك تنظر للنعم على أنها نقم!
وكم مِن ناظر لنعمة على أنّها نقمة، كان جزاؤه مِن الله أن يكدّر عليه صفو هذه النعمة، أن يذهبها عنه!
وكم مِن المرّات نظرنا إلى النِّعَم بِنَظر البطْران، فلما أُخذت منّا، تحسّرنا تحسّر عبد يتقطّع قلبه، ولو قُدّر أن يموت أحد بحسرة، كان مات هذا الشخص حسرة!.
كم مِن قصص وحكايات تسمع الكبار يقولون فيها للصغار: لا تبطر، ترى أنا فعلت مثلك وذُقتُ ثمن هذا البطر، ((فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا)).
السؤال: كيف نرضى عن الله؟
هذا سؤال دائمًا يتكرّر، كلما تكلمنا في الأسماء والصفات قلنا أن النتيجة المهمة والأثر المهم بعد أن تعرفه أن ترضى عنه،
كل ما تعلّمت، المفروض يكون منك الرضا عن الله، فإذا رضيت رضي الله عنك. ثم أنك تعلم أن هذا الذي يرضى هو صاحب النفس المطمئنة.
أي أنك لو رضيت ستخرج بنتيجتين:
1. في الحياة، ستكون صاحب النفس المطمئنة، ووقت القبض تكون مطمئنًا.
2. مِن جهة أخرى، إذا رضيت ورضي الله عنك في الحياة فمِن المؤكّد أن آخرتك ستكون من هذا الرضا.
أي أن ((فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا)) في الدنيا والآخرة.
فبقي السؤال: كيف نرضى عن الله؟
نقابل هذا السؤال بسؤال آخر: ما أسباب سخط الناس على الله؟ لِماذا تجدهم غير راضيين عن ربهم؟
متى تجد شخصًا ساخطًا على الله ولا يوجد في قلبه رضا؟
وقتما يبتلى، وقتما يأتي شيء على غير هواه
تتحرّك في الناس مسألة الرضا وعدم الرضا وقتما يُبتلوا بأشياء، وقتما يأتيهم شيء ليس على هواهم،
فيحصل لهم أمران عندما يأتي شيء على غير هواهم، يصبح هذا الشيء ملء سمعهم وبصرهم،
لا يرون غير هذا الشيء الناقص، وماذا يفعلون بكمية النعم التي أُعطوها ؟ النسيان.
يجمعون بين أمرين:
1. نسيان النعم العظيمة الكثيرة التي لا تُعد ولا تُحصى.
2. وإبقاء المكدّر هذا ملء السمع والبصر، لدرجة أنه قد تخرج على الألسنة كلمات
تقول: "لو ربنا أخذ مني كل شيء فليس مُهمًّا، أهم شيء هذا!" وهذا كذب محض؛
لأنه لو أخذ منك فقط الصحة -وليس كل الصحة- لو فقط أثار عليك سِنًّا مِن أسنانك، ترى أن كل شيء لا شيء في مقابل هذا،
وستعيش طيلة الوقت في هذه الدوامة! فكذب محض لو قلت أنك مستعد أن تتنازل عن كل شيء في مقابل هذا الشيء.
سأعيد مرة أخرى.
دائمًا ونحن نطرح باب الأسماء والصفات نخرج من كل اسم وصفة نذكرها لله بأن نقول: يجب عليك أن ترضى عن الله،
إذا عرفته لابد أن ينشرح صدرك لكل أفعاله.
فيأتي سؤال: كيف أرضى عن الله؟ ما هي الصورة العملية للرضا عن الله؟ كيف أناقش نفسي بحيث أرضّيها؟
المورد والشريان الأساسي للرضا عن الله هو العلم عن الله،
لكن العلم مرحلة تحتاج إلى تفعيل، تصبح فعلاً حقًّا، فلا يكون في الذاكرة، بل مكانه الشريان، العمل، كل الحياة، يجري فيك،
بحيث أنك تضيّق على عدوك الذي يجري فيك مجرى الدم؛ لأن الذي يسخطك عن الله عدوك،
يثير فيك مكنونات تجعلك تسخط، فنحن نريد أن يجري هذا العلم مجرى الدم بحيث أنه يضيّق على العدو.
لما نأتي نشخّص مرض عدم الرضا، اتفقنا على أن هذا المرض يصيب الناس عامة وقتما يأتي القدر على غير هواهم،
فماذا يحصل لما يأتي القدر على غير هواهم؟
هذا أول عامل عندي: أن يأتي القدر على غير الهوى،
فماذا يحدث؟
ينسى الإنسان النعم مِن جهة،
ويصبح القدر الذي على غير الهوى ملء السمع والبصر فلا ترى غيره ويكبر ويعظم يصبح مصيبة عظيمة
بحيث يصاب الإنسان العاقل المتّزن بالخروج عن عقله، ويقول كلمات لا تصلح مِن مثله! فما سبب مثل هذا؟
كأن عندي ثلاثة أحداث:
1. الهوى، لأن الأمر الذي أتاك على غير هواك، وهذا أول عامل.
2. النسيان، نسيان النعم.
3.تعظيم المفقود، تعظيم الأمر الغير الموجود.
منقــــــــــــــــول
ويــُتبع إن شاء الله
تعليق