الله لطيف بعباده؛ فمن لطفه بهم أن يتولى عباده المؤمنين فيخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والإيمان.
ومن لطفه بهم: أن يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء، ويصرف عنهم السوء والفحشاء؛ فتوجد أسباب الفتنة، وجواذب المعاصي، وشهوات الغي فيرسل عليها تعالى برهان لطفه؛ فيدعونها فيطمئنون بذلك، منشرحة صدورهم لتركها.
ومن لطفه بهم تبارك وتعالى: أن يقدر لهم أرزاقهم بحسب علمه تبارك وتعالى بمصالحهم لا بحسب مراداتهم، فقد يريدون شيئاً وغيره الأصلح وإن كرهوا؛ لطفاً بهم وبراً وإحساناً، {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ} [الشورى:19]، {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى:27].
ومن لطفه بهم: أنه يقدر عليهم تبارك وتعالى أنواع المصائب وضروب المحن رحمة بهم ولطفاً وسوقاً إلى كمالهم وكمال نعيمهم، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].
ومن لطفه تبارك وتعالى بعبده: أن يصرف عنه أمراً يظنه نافعاً وفيه ضُره وهلكته، ولذا كان الإيمان بالقدر في هذا الموطن من أعظم خصال الإيمان، «لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه».
ومن لطفه تبارك وتعالى بعبده: إذا قدر له طاعة جليلة لا تنال إلا بأعوام؛ فإنه يقدر له من يعينه ويساعده، قال موسى عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} [طه:29-35].
نبينا محمد عليه الصلاة والسلام عبد الله ورسوله يمتن الله تبارك وتعالىعليه فيقول: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:62].
ومن لطف الله تبارك وتعالى بالدعاة والعلماء العاملين المعلمين: أن يقيض لهم من يهتدي بإرشادهم، فتضاعف لهم الأجور التي لا يدركونها بمجرد أفعالهم، قال عليه الصلاة والسلام: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً».
ومن لطف الله تبارك وتعالى بعبده: أن يبتليه بالمصائب فيوفقه تبارك وتعالى للصبر فينال أعظم الدرجات {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]، وما يجعل الله تبارك وتعالى في قلوبهم من احتساب الأجر والثواب ما يهون لهم ما يلقونه من المشاق في حصول مرضاة الله تبارك وتعالى.
نبينا عليه الصلاة والسلام يجرح فيقول: «هل أنت إلا أصبع دميت، وفي سبيل الله ما لقيت».
قال الله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104].
ومن لطف الله تبارك وتعالى بعباده: أن يجعل ما يبتلي به عبده من المعاصي سبباً لرحمته؛ بما يفتح له من باب التوبة والتضرع والابتهال إلى الله تبارك وتعالى، مع ازدراء النفس واحتقارها، وزوال العجب والكبر ما هو خير له من كثير من الطاعات، فكم من معصية كانت سبباً في دخول العبد جنة الله تبارك وتعالى، وكم من طاعة أودت بصاحبها إلى المهالك.
ومن لطف الله تبارك وتعالى بعبده: أنه إذا استرسلت نفسه مع شهوة من الشهوات؛ فإن الله تبارك وتعالى يكدرها عليه، ويغلق عليه أسبابها.
ومن لطفه عز وجل بعبده: أن يأجره على أعمال لم يعملها بل عزم عليها، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الله كتب الحسنات والسيئات؛ فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبها الله تبارك وتعالى بعشر حسنات»، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه النسائي وابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه: «من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل فغلبته عينه حتى أصبح كُتب له ما نوى، وكان نومه صدقة من ربه تبارك وتعالى».
ومن لطف الله تبارك وتعالى بعباده: أن يصرف عبده عن طاعة إلى أخرى هي أحب إلى الله، وأجرها أعظم عند الله تبارك وتعالى.
وألطف من ذلك أيها المؤمنون! أن يبتلي الله تبارك وتعالى عبده بوجود أسباب المعصية، مع توفر دواعيها، لعلمه تعالى أنه لن يعملها، ليكون تركه تلك المعصية أعظم من الطاعات، «ومن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة»، كما لطف ربنا تبارك وتعالى بيوسف بمراودة المرأة له {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:22-23].
وهذا أحد الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -وذكر منهم- ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله»، تيسرت له أسباب المعصية، ولكن منَّ الله تبارك وتعالى عليه، ولطف به أن يقع في تلك المعصية، فكان من لطفه به تبارك وتعالى أن أظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ومن ألطافه تبارك وتعالى بعبده: أن يفتح له باباً من أبواب الخير لم تكن له فيه همة ولا رغبة.. نساء النبي صلى الله عليه وسلم لما توعدهن الله إن عصينه تبارك وتعالى قال لهن: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب:34]، فشرعه تبارك وتعالى يسر وحكمة، وقضاؤه وقدره عدل وحكمة.
اللهم الطف بنا وارحمنا يا رحمن
منقول
تعليق