الحمد لله القائل في محكم التنزيل " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "
والصلاة والسلام على سيد الأنبياء وأشرف الخلق السراج المنير
الهادي البشير محمد صلى الله عليه وسلم القائل " رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد "
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 4456
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداًَ عبده ورسوله ,
ثم أما بعد ؛
فهذه كلمات عابرات أبعثها في كل زمن تكاثرت فيه عقوق الوالدين , فقد قرن الله الدعوة إلى توحيده ببر الوالدين والإحسان إليهما
فقد قال تعالى " وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ( النساء 36 )
وقد قرن شكره بشكرهما أيضا
فقد قال تعالى " أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ " (لقمان14)
فقد أمر الله سبحانه ببر الوالدين والإحسان إليهما فقد قال الله تعالى " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا( 23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) (الإسراء23/24)
وأن نُحسن إليهما بكل ما نستطيع مادام ذلك في طاعة الله فقد قال تعالى " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون (15) (لقمان14/15)
وحذرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من عقوق الوالدين عافانا الله وإياكم منه وقد بَيّن ذلك في كثير من أحاديثه الشريفة ؛
فعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه , والمرأة المترجلة , والديوث , وثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه , ومدمن الخمر , والمنان بما أعطى "
( المحدث: الألباني- المصدر السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 674
خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد )
فهناك الكثير من القصص التي يتفطر القلب عند سماعها من عقوق بعض الأبناء لآبائهم , فهذه القصة حدثت في إحدى دول الخليج وتناقلتها الأخبار والكثير منا يعرفها فيذكر راوي القصة أنه كان في نزهة مع أهله ولا حظ أن هناك سيدة عجوز جالسة على كرسي بالقرب منهم كأنها تنتظر أحد, وحينما حان وقت الرحيل في ساعة متأخرة ذهب الرجل إليها ليسألها عن مساعدة فأجابته العجوز أن ولدها سوف يأتي لها بعد الانتهاء من عمله , فلاحظ الرجل ورقة في يد السيدة العجوز قال لعلها تكون رقم هاتف أو عنوان منزل فلما قرأها وجد أنها مكتوب فيها إلى من يجد هذه السيدة العجوز الرجاء تسليمها لدار مسنين
فلا يعلم هذا الابن العاق أنه كما تدين تدان فقد ذكر أحد العلماء أن رجلاً حمل أباه الكبير في السن , ثم ذهب به إلى مكان موحش فقال الأب : إلى أين تذهب بي يا ولدي , فقال لأذبحك فقال : لا تفعل ياولدي , فأقسم الولد ليذبحن أباه , فقال الأب فإن كنت ولابد فاعلا فاذبحني هنا عند هذه الحجرة فإني قد ذبحت أبي هنا ؟!
فإن من إكرام الله تعالى للوالدين الصاحين استجابة دعائهما لأبنائهما أو على أبنائهما , فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثُ دعواتٍ مستجاباتٍ لا شكَّ فيهِنَّ : دعوةُ المظلومِ ، ودعوةُ المسافرِ ، ودعوةُ الوالدِ على ولدِهِ"
الراوي: أبو هريرة المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 13/252
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
فتدبروا معي ولنقف مع أنفسنا لحظات نتأمل فيها كيف يكون حالك عندما تقصر في بعض حقوق والديك , وتضيق بهما كل السبل فيقوم أحدهما أو كلاهما في ثلث الليل الأخر ؛ فيصلي لله تعالى ركعتين , خاليا في جوف الليل , وقد انهمرت دموعه على خديه , رافعا يديه إلى السماء متذللا ومتوسلا إلى الله أن ينتقم له منك ؛ لأنك قد أسأت معاملته , عافانا الله وإياكم من ذلك
http://www.youtube.com/watch?v=mWySI3OmOOQ
أما من أعظم مظاهر بر الأبناء بالآباء بر سيدنا إبراهيم بأباه الكافر فقد قال الله تعالى " يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا " - (مريم/44)
وقد رد الله له ذلك في ولده سيدنا إسماعيل فقد قال تعالى "
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ " (الصافات/102)
http://www.youtube.com/watch?v=kTQdUPuJ9W4
ولما علم سلفنا الصالح بعظم حق الوالدين، قاموا به حق قيام.
فهذا محمد بن سيرين إذا كلم أمه كأنه يتضرع. وقال ابن عوف: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئاً؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه.
وهذا أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهم كان من سادات التابعين، وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها.
بر الوالدين مقدم على نوافل العبادات كالتطوع من الصلاة أو الصدقة أو الحج أو العمرة
بر الأم مقدم على بر الأب
وقد صدق الشاعر حين وصف حنان قلب الأم بمقطوعة شعرية فقال:
أغرى أمرؤ يوماً غلاماً جاهلاً........بنقوده كي ما يحيق بـه الضرر
قال ائتني بفـؤاد أمك يا فتى........ولك الجواهر والدراهم والدرر
فأتى فأغرز خنجراً في قلبهـا........والقلب أخرجـه وعاد على الأثر
ولكنه من فـرط سرعته هوى........فتدحرج القـلب المعفـر بالأثـر
ناداه قلب الأم وهـو معفـر........ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر
هذا قلب الأم ......... ولكن أين البارين به؟
والإحسان للوالدين لا يكون في حياتهما فقط بل يمتد بعد موتهما أيضا
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ : إلا من صدقةٍ جاريةٍ . أو علمٍ ينتفعُ به . أو ولدٍ صالحٍ يدعو له "
المحدث: مسلم المصدر: صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1631
خلاصة حكم المحدث: صحيح
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول : أنى لي هذا ؟ فيقال : باستغفار ولدك لك
المحدث : الألباني – المصدر : صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم : 1617
خلاصة حكم المحدث : صحيح
إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1903
خلاصة حكم المحدث: صحيح
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم
اللهم يسر أمري ما أحييتني وعافني ما أبقيتني وارحمني إذا توفيتني أنس وحشتي إذا أمتني وتفضل علي إذا حاسبتني ولا تسلب عني الإيمان وقد عرفتني
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
تعليق