السلام عليكن ورحمة الله وبركاته
علي الفيفي
" يا حبيبةً.... أراها أمامي تموت "
يا حبيبةً أراها أمامي تموت، أراها تقاوم ذلك الجبروت، فلا أملك غير السُّكوت،
غيرَ انتظار موتها لأصنع لها التَّابوت؛ لأملأه وردًا وزهرًا، ثم أبكي وأُعزِّي قلبي في خفوت،
كلُّ نفسٍ ذائقة الموت، ثم تأتي غزة أخرى أزعم حُبَّها، ثم أتركها أيضًا تموت،
ولكن ما الذي يدريني لعَلِّي أنا الأخرى وأنا مَن سأموت،
وعندها لا دُموع ستسيل، بل ستهتف الجموع: ليس للخائن غير الموت.
يا شعبًا هناك يُصارع كالجبل، في صور من التَّضحيات لا تُوفِّي وَصفها الجُمَل،
كل الأساطير بَطَلُها واحدٌ؛ إلا غزةَ، كلُّ من فيها بطل.
يا غزة:
قد عرفنا يا غزة أنَّهم أخذوك، وفي سوق الخونة عرضوك،
ثم لم يردعهم ضميرٌ ولا دين أنْ باعوك وخانوك، قد عرفنا ذلك، وإنْ زعموا أنَّهم أبرياء،
وإنْ تمسَّحوا بمسوح الأوفياء، ويل لهم من أشقياء،
كيف يدَّعون الوفاء، ومن أياديهم تتقاطر دماءُ الأبرياء؟!
قولي للخائنين: لئن نَسِيَ الناس، فالتاريخ لا يَنسى أيها الأغبياء.
يا غزة:
قد عرفنا أنَّهم عجزوا أنْ يُرَكِّعوك، عجز العملاء أن يغروك، عجزوا أن يشتروك،
فتعاهدوا أن يقتلوك، وفي اليوم الكئيب انطَلَقَ قناص العَداء؛ ليستلَّ أرواحَ أطفالك الأبرياء،
وأبنائك الأوفياء، فلم يومض للمتخاذلين جفنٌ، غيرَ ترديدهم ضرورة ضبط النَّفس في المحن،
وأنَّ الموت حتم دلَّت عليه السنن، قالوا هذا،
ثم انطلقوا يصفِّقون لقناصهم؛ ليسجل هدفًا يعيد به الأمجاد،
وينصر به البلاد، وفي سكرتهم نسوا ضبط النَّفس في المحن،
وراحوا يهتفون ويصرخون: لن نخرج مغلوبين، لن نخرج مهزومين، وإذا هُزِمنا،
فلنقل: مظلومون؛ لننزل إلى الشوارع هاتفين: لن نرضى بغير الكأس ولن نستكين،
أرأيتِ - يا غزةُ - كيف تركوا قنَّاص العَدو ليعيث فيك فسادًا، وصفَّقوا لقناصهم ليسجل لهم هدفًا زعموه نصرًا مُرادًا؟!
يا غزة:
لا تحزني يا غزة، فهؤلاء لا يعرفون الوفاء، لا يقدِّسون الإخاء،
لا يعرفون معنى الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء.
لا تحزني يا غزة، فإنْ مات اليوم أبناؤك، فغدًا أيضًا هم سيموتون،
وسيُولِّي عنهم المالُ والبنون، ثم لا يجدون غيرَ هَمٍّ ثقيل، وعداء من القريب والخليل، وهل يعامَلون إلاَّ بالمثيل؟!
شتَّان ما بينهم وبين ابنك يا غزة، ابنك يَموت في عِزَّة ومضاء، وهؤلاء يموتون موتة الأشقياء!
كم بين موتاك في ساحات الوغى، وبين مَوتى هؤلاء في مَحاضن الثراء! وهل الموت إلا واحد؟!
يا غزة:
كلهم يموتون، إلا أن أبناءك يموتون موتة الشريف الأَبِيِّ،
موتة المجاهد الوفي، وهم يموتون موتة الخائنين، موتة الناكصين،
موتة اللاهثين خلف جاه وكرسيٍّ لعين.
كم بين ألمك وألمهم عند لقاء الموت! أنت تموتين؛ لأنَّك أردت الموت،
سِرْتِ إليه وطلبتِه، فرَّ منك فأدركتِه، وهم يهربون منه،
يتخفَّون عنه، فيدركهم، فيأخذهم والحسرة تقتلهم.
يا غزة:
هل أَلَمُك غير ساعة؟ وبعده عِزٌّ ورِفْعة إلى قيام الساعة، وهُمْ مُتعة ساعة، وذلٌّ ولعنة إلى قيام الساعة؟!
عجبًا لي يا غزة، عجبًا لي كيف أعلِّمك الصبر،
وما عرفنا الصَّبر إلا فيك، وما درسناه ولا فهمناه إلاَّ في مدارسك وبين أياديك!
لقد رفضتِ الطريقة التقليدية، لتدريس معنى الفداء والوفاء بالطريقة النَّظرية،
وانطلقتِ تصوِّرين معانيَها بالطريقة العمليَّة، ولا عذر للجبناء.
يا غزة:
يا غزة، من الذي سماك غزَّة؟ بل أنت العِزَّة، أم إنَّه عجز أنْ يُذلَّك، فوضع النقطة عليك؟
فليسمِّيك غزةَ؛ ففيك تجلَّت معاني العزة، أو ليسمِّيك عزة؛ فكُلُّنا في عزَّةٍ بك يا غزة،
أو ليسميك ما يشاء، فأنت رمزُ الإباء، والخلافُ لفظي،
وقد تعلمنا أنَّه لا مشاحَةَ في الاصطلاح، ما دُمت لم تضعي السِّلاح.
يا غزة:
إنِّي لأجزم جَزْم الواثق المتيقن أنَّك عرفت حقيقة مَن حولك،
عرفتِ أنَّهم لا محالة خاذلوك، أنَّهم سرعان ما يتركونك ،فتركتِهم قبل أن يتركوك.
قد عرفتُ - يا غزة - أنَّك عرفتِ أنَّهم سيخذلونك، حين سمعتُك تَهتِفين وبأعلى صوت: مرحبًا بالموت،
حين رفضتِ أن تبيعي أرضَك، رفضتِ أن تبيعي دينك وعرضك، هُمْ لم يفهموك؛
لأنَّهم لا يعرفون معنى الأرض، لا يعرفون معنى الدِّين والعرض،
لا يعرفون إلاَّ أن الركض خلف الكرسي والجاه فرض؛ ومن أجل هذا باعوك، فلا تحزني عليهم؛
بل لتَتَشرَّفي أنَّك لم تسيري في ركبهم، ولم تحتمي بنارهم.
يا غزة:
عرفتِ - يا غزة - أنَّه ليس لك أحد غير الله، ومن كان الله معه، فماذا فَقَدَ؟! ومن فقد الله، فماذا وَجَد؟!
أنت على الطريق القويم يا غزة، عرفت يا غزة فالْزَمي، فلا ناصرَ غير الله، فاستمسكي بحبل الله تُفْلحي.
يا غزة:
ها هو ذلك الكاذب المتلبس، يبدو لك اليوم بصورته الحقيقيَّة، بصورته الدنيئة الذَّليلة المنافقة،
أرأيت يا غزةُ كيف يملأ الفضاء صراخًا وتحديًّا في حال السِّلْم؟ أين هو اليوم؟ أين رحل اليوم،
وأنت في أمَسِّ الحاجة إلى المُعين، أم إنَّه بصوت الأذان تُولِّي ولهَّا ضُراطٌ تلك الشياطين؟
إنَّه يُرائي ويكذب ويتاجر بقضيتك يا غزة، إنَّه عدوُّك الأكبر،
فإياك إياك أنْ تُخدعي، إياك أن تثقي بوعده،
فلا وفاءَ لمن قدح في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقَذَفَ أمهاتِ المؤمنين،
وإنْ زعم أنَّه خير مُعين، وإن زعم أنَّه معك، وأنه عدو لعدوك، هو يكذب يا غزة فلا تخدعي.
يا غزة:
هذا حديث المحبِّين، ليس حديثي بل حديث أبناء المسلمين،
اقبليه - يا غزة - منَّا ونحن لك من الشاكرين.
الله وحدَه - يا غزَّة - يعلمُ كم نتمنى أننا في صفٍّ واحد مع أبنائك،
حربًا على أعدائك، ولكن الأسوار تحول بيننا وبين أمانينا، والمتربصون من حوالينا، والعيون علينا.
إذا رأيتِنا نسير حيثُ نريد، فلا تظني أننا نستطيع أن نفعل ما نريد،
نحن يا غزة في الأسر ما دامتِ المبادئ لا تغادر القلوب ولا تحيد،
وسجن القلوب - يا غزة - أشد على الحُرِّ من قيد الحديد.
يا غزة:
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}
[البروج: 12-16].
م_ن
علي الفيفي
" يا حبيبةً.... أراها أمامي تموت "
يا حبيبةً أراها أمامي تموت، أراها تقاوم ذلك الجبروت، فلا أملك غير السُّكوت،
غيرَ انتظار موتها لأصنع لها التَّابوت؛ لأملأه وردًا وزهرًا، ثم أبكي وأُعزِّي قلبي في خفوت،
كلُّ نفسٍ ذائقة الموت، ثم تأتي غزة أخرى أزعم حُبَّها، ثم أتركها أيضًا تموت،
ولكن ما الذي يدريني لعَلِّي أنا الأخرى وأنا مَن سأموت،
وعندها لا دُموع ستسيل، بل ستهتف الجموع: ليس للخائن غير الموت.
يا شعبًا هناك يُصارع كالجبل، في صور من التَّضحيات لا تُوفِّي وَصفها الجُمَل،
كل الأساطير بَطَلُها واحدٌ؛ إلا غزةَ، كلُّ من فيها بطل.
يا غزة:
قد عرفنا يا غزة أنَّهم أخذوك، وفي سوق الخونة عرضوك،
ثم لم يردعهم ضميرٌ ولا دين أنْ باعوك وخانوك، قد عرفنا ذلك، وإنْ زعموا أنَّهم أبرياء،
وإنْ تمسَّحوا بمسوح الأوفياء، ويل لهم من أشقياء،
كيف يدَّعون الوفاء، ومن أياديهم تتقاطر دماءُ الأبرياء؟!
قولي للخائنين: لئن نَسِيَ الناس، فالتاريخ لا يَنسى أيها الأغبياء.
يا غزة:
قد عرفنا أنَّهم عجزوا أنْ يُرَكِّعوك، عجز العملاء أن يغروك، عجزوا أن يشتروك،
فتعاهدوا أن يقتلوك، وفي اليوم الكئيب انطَلَقَ قناص العَداء؛ ليستلَّ أرواحَ أطفالك الأبرياء،
وأبنائك الأوفياء، فلم يومض للمتخاذلين جفنٌ، غيرَ ترديدهم ضرورة ضبط النَّفس في المحن،
وأنَّ الموت حتم دلَّت عليه السنن، قالوا هذا،
ثم انطلقوا يصفِّقون لقناصهم؛ ليسجل هدفًا يعيد به الأمجاد،
وينصر به البلاد، وفي سكرتهم نسوا ضبط النَّفس في المحن،
وراحوا يهتفون ويصرخون: لن نخرج مغلوبين، لن نخرج مهزومين، وإذا هُزِمنا،
فلنقل: مظلومون؛ لننزل إلى الشوارع هاتفين: لن نرضى بغير الكأس ولن نستكين،
أرأيتِ - يا غزةُ - كيف تركوا قنَّاص العَدو ليعيث فيك فسادًا، وصفَّقوا لقناصهم ليسجل لهم هدفًا زعموه نصرًا مُرادًا؟!
يا غزة:
لا تحزني يا غزة، فهؤلاء لا يعرفون الوفاء، لا يقدِّسون الإخاء،
لا يعرفون معنى الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء.
لا تحزني يا غزة، فإنْ مات اليوم أبناؤك، فغدًا أيضًا هم سيموتون،
وسيُولِّي عنهم المالُ والبنون، ثم لا يجدون غيرَ هَمٍّ ثقيل، وعداء من القريب والخليل، وهل يعامَلون إلاَّ بالمثيل؟!
شتَّان ما بينهم وبين ابنك يا غزة، ابنك يَموت في عِزَّة ومضاء، وهؤلاء يموتون موتة الأشقياء!
كم بين موتاك في ساحات الوغى، وبين مَوتى هؤلاء في مَحاضن الثراء! وهل الموت إلا واحد؟!
يا غزة:
كلهم يموتون، إلا أن أبناءك يموتون موتة الشريف الأَبِيِّ،
موتة المجاهد الوفي، وهم يموتون موتة الخائنين، موتة الناكصين،
موتة اللاهثين خلف جاه وكرسيٍّ لعين.
كم بين ألمك وألمهم عند لقاء الموت! أنت تموتين؛ لأنَّك أردت الموت،
سِرْتِ إليه وطلبتِه، فرَّ منك فأدركتِه، وهم يهربون منه،
يتخفَّون عنه، فيدركهم، فيأخذهم والحسرة تقتلهم.
يا غزة:
هل أَلَمُك غير ساعة؟ وبعده عِزٌّ ورِفْعة إلى قيام الساعة، وهُمْ مُتعة ساعة، وذلٌّ ولعنة إلى قيام الساعة؟!
عجبًا لي يا غزة، عجبًا لي كيف أعلِّمك الصبر،
وما عرفنا الصَّبر إلا فيك، وما درسناه ولا فهمناه إلاَّ في مدارسك وبين أياديك!
لقد رفضتِ الطريقة التقليدية، لتدريس معنى الفداء والوفاء بالطريقة النَّظرية،
وانطلقتِ تصوِّرين معانيَها بالطريقة العمليَّة، ولا عذر للجبناء.
يا غزة:
يا غزة، من الذي سماك غزَّة؟ بل أنت العِزَّة، أم إنَّه عجز أنْ يُذلَّك، فوضع النقطة عليك؟
فليسمِّيك غزةَ؛ ففيك تجلَّت معاني العزة، أو ليسمِّيك عزة؛ فكُلُّنا في عزَّةٍ بك يا غزة،
أو ليسميك ما يشاء، فأنت رمزُ الإباء، والخلافُ لفظي،
وقد تعلمنا أنَّه لا مشاحَةَ في الاصطلاح، ما دُمت لم تضعي السِّلاح.
يا غزة:
إنِّي لأجزم جَزْم الواثق المتيقن أنَّك عرفت حقيقة مَن حولك،
عرفتِ أنَّهم لا محالة خاذلوك، أنَّهم سرعان ما يتركونك ،فتركتِهم قبل أن يتركوك.
قد عرفتُ - يا غزة - أنَّك عرفتِ أنَّهم سيخذلونك، حين سمعتُك تَهتِفين وبأعلى صوت: مرحبًا بالموت،
حين رفضتِ أن تبيعي أرضَك، رفضتِ أن تبيعي دينك وعرضك، هُمْ لم يفهموك؛
لأنَّهم لا يعرفون معنى الأرض، لا يعرفون معنى الدِّين والعرض،
لا يعرفون إلاَّ أن الركض خلف الكرسي والجاه فرض؛ ومن أجل هذا باعوك، فلا تحزني عليهم؛
بل لتَتَشرَّفي أنَّك لم تسيري في ركبهم، ولم تحتمي بنارهم.
يا غزة:
عرفتِ - يا غزة - أنَّه ليس لك أحد غير الله، ومن كان الله معه، فماذا فَقَدَ؟! ومن فقد الله، فماذا وَجَد؟!
أنت على الطريق القويم يا غزة، عرفت يا غزة فالْزَمي، فلا ناصرَ غير الله، فاستمسكي بحبل الله تُفْلحي.
يا غزة:
ها هو ذلك الكاذب المتلبس، يبدو لك اليوم بصورته الحقيقيَّة، بصورته الدنيئة الذَّليلة المنافقة،
أرأيت يا غزةُ كيف يملأ الفضاء صراخًا وتحديًّا في حال السِّلْم؟ أين هو اليوم؟ أين رحل اليوم،
وأنت في أمَسِّ الحاجة إلى المُعين، أم إنَّه بصوت الأذان تُولِّي ولهَّا ضُراطٌ تلك الشياطين؟
إنَّه يُرائي ويكذب ويتاجر بقضيتك يا غزة، إنَّه عدوُّك الأكبر،
فإياك إياك أنْ تُخدعي، إياك أن تثقي بوعده،
فلا وفاءَ لمن قدح في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقَذَفَ أمهاتِ المؤمنين،
وإنْ زعم أنَّه خير مُعين، وإن زعم أنَّه معك، وأنه عدو لعدوك، هو يكذب يا غزة فلا تخدعي.
يا غزة:
هذا حديث المحبِّين، ليس حديثي بل حديث أبناء المسلمين،
اقبليه - يا غزة - منَّا ونحن لك من الشاكرين.
الله وحدَه - يا غزَّة - يعلمُ كم نتمنى أننا في صفٍّ واحد مع أبنائك،
حربًا على أعدائك، ولكن الأسوار تحول بيننا وبين أمانينا، والمتربصون من حوالينا، والعيون علينا.
إذا رأيتِنا نسير حيثُ نريد، فلا تظني أننا نستطيع أن نفعل ما نريد،
نحن يا غزة في الأسر ما دامتِ المبادئ لا تغادر القلوب ولا تحيد،
وسجن القلوب - يا غزة - أشد على الحُرِّ من قيد الحديد.
يا غزة:
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}
[البروج: 12-16].
م_ن
تعليق