إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقومات الثبات على الهداية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقومات الثبات على الهداية

    مقومات الثبات على الهداية قبل أن نبدأ بمقومات الثبات على الهداية لا بد أن ندأ بأسباب سوء الخاتمة أعاذنا الله منها
    ومن أسباب سوء الخاتمة:
    1- الإصرار على المعاصي؛لأن العاصي لا يؤمن استدراجه إلى الكفر؛ لأن المعاصي بريد الكفر وسوء الخاتمة، يقول الله تعالى: }وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ [آل عمران: 135]؛ لك أن تسأل عن الفرق بين المؤمن المتقي والمؤمن العاصي فالجواب: الكل يعصي الله ، لكن المؤمن العاصي مُصرٌّ، بخلاف المؤمن المتقي فإنه تحصل منه المعصية عن غفلة أو غضب أو شهوة، لكن إذا ذُكّر بالله ذكر }إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوافَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ{ [الأعراف: 201]. بخلاف من أصرَّ على فعلالمعاصي، فإنه على خطر من ناحيتين:
    الأمر الأول: أن الموت قد يأتي بغتة، }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ{ [النساء: 18]. ذكر الإمام ابن رجب عن أحد السلف أنه حضر رجلاً يلقن عند الموت «لا إله إلا الله» فقال: هو كافرٌ بها، فسُئل عنه، فقالوا: كان مدمن خمر.
    الأمر الثاني: أن من أصر على المعاصي يصل إلى الران، }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [المطففين: 14]. ففي الحديث: «إن العبد إذا أذنب ذنبًا نكت فيه نكتة سوداء»، وهذه بداية المرض، «فإن تاب صقل قلبه وإلا زادت».
    2- ومنها الكبر، فقد كان إبليس في الجنة عابدًا، لكن عنده دسيسةُ سوء، فأراد الله أن يظهرها فابتلاه بالسجود لآدم، فقال: }أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا{ [الإسراء: 61]، بل قال: }أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ{ [الأعراف: 12]. فأبى واستكبر، فقال الله له: }فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا{ [الأعراف: 13]. فبعض الناس ظاهره الخير ولكن جريمته في قلبه من كبر وحسد وحقد، وعليه فالإيمان كالخيمة في القلب، وله أطناب، فإن ثبتت الأطناب لم يضره هبوب الريح؛ وإن كانت الأطناب غير ثابتة فبمجرد أن تهب الريح تهدم الخيمة.وأما البدعة فهي الحدث في دين الله عن طريق الزيادة أو النقصان، ولم يشهد له كتاب أو سُنَّة، بقصد التقرب إلى الله، ومن كان من أهل البدع فإنه على ضلالة وشقاء، ثبت في الصحيح أن أهل الظلم والبدع والضلالات لا يردون حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم - وكفى بها مصيبة – ولو ببدعة واحدة، بل يذادون عنه، ففي الحديث: «يُذاد أقوامٌ عن حوضي فأقول: أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، فالدين ليس ملكًا لأحد يقول فيه ما يشاء بما يشاء، بل ينبغي الوقوف على قول الله وقول رسوله، والرجوع إلى أهل العلم والدين، وكل قول أو عمل لا يستند إلى كتاب الله وسنة رسوله فهو مردودٌ على صاحبه كائنًا من كان، فاحرص على ألا تعمل أي عمل حتى تزنه بما قال الله ورسوله، فلا يجوز لأحدٍ أن يحدَّث في دين الله بشيء بدعوى تفضيل شيء على شيء من قول، أو فعل، أو ذكر، أو عدد، أو زمان معين، أو مكان، إلا بدليل شرعي؛ لأن الشرع كاملٌ، ولأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين جميع الفضائل أكمل بيان، وحذر من جميع الشرور.
    كذلك بالإضافة إلى أننا نُحذّر جميع من يُبدِّع الناس بلا خطام ولا زمام، دون الرجوع إلى ضوابط الشرع والسلف؛ لأنه على خطر عظيم والأعمال تنقسم إلى قسمين «عبادات، ومعاملات».
    مضار البدع:
    1- تفريق الأمة: كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون: 53].
    2- تقضي على الدين: «ما ابتدع قومٌ بدعةً إلا نزع الله سنة مثلها» [صحيح، رواه أحمد].
    3- أن المبتدع يزعم أن الدين ناقص: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3]. وقال الإمام مالك: «من ابتدع بدعة في دين الله فهو يزعم أن محمدًا خان الرسالة».
    4- أن المبتدع يحاول أن يشارك الله في التشريع أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21].
    5- صاحب البدعة لا يتوب: لأنه يحسب أنه يحسن صنعًا.
    6- عمله مردود عليه وغير مقبول؛ لقوله محمد صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [صحيح رواه مسلم].
    سبب البدع:
    1- الجهل بالدين: واتباع أئمة الضلال.
    2- اتباع الهوى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص: 50].
    3- التقليد الأعمى: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا [البقرة: 170].
    أما السبب الثالث في مهلكات النفوس فهو:
    التعلق بالدنيا والركون إليها: وكفى أن حبها رأس كل خطيئة؛ لأن العبد إذا أحب شيئًا لا يحب أن يفارقه.
    وإن سألت عن الهوى والريح فهي جملة الشبهات والشهوات، ومن هنا فالمسلم بحاجة ماسة إلى معرفة مقومات الثبات على الهداية حتى الممات.
    وأسباب حسن الخاتمة:
    الأول: توفيق الله، فأساس الهداية توفيق الله، «كلكم ضال إلا من هديته»، فمرد الأمر إلى فضل الله، وهل أحدٌ يستطيع أن يعمل بدون توفيق الله وإعانته وتيسيره وتسديده، فالاستقامة على طاعة الله لا يثبت عليها ، ولا يرزقه الاستدامة عليها بشيء أعظم من توفيق الله للعبد، وإذا حرم العبد التوفيق حرم الثبات على طاعة الله والخير، }وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{ [هود: 88].
    فأول ما تبدأ به: انزع من قلبك أي منة، وانزع من قلبك الشعور بالحول والقوة، وتبرأ من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته، فالمهتدي دائمًا يخاف من الانتكاس في كل لحظة، فالهداية منة من الله، }بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ{ [الحجرات: 17]، }وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ{ [النحل: 53].
    واعلم أن الله يطبع على القلوب والأسماع والأبصار، فلا تعي ولا تسمع ولا ترى، حتى يفتحها الله وكلما ازداد العبد قربًا من الله ازداد خوفًا من الله أن يُفقده شيئًا من إيمانه، فقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ساجدًا يقول: «يا مقلب القلوب! قلب قلبي على طاعتك ودينك»، والله لولا الله ما اهتدينا ولا عرفنا صلاة ولا قربة، بل هو الذي شرح صدورنا للخير ويسّره لنا، فله الحمد أولاً وأخرًا.
    وإذا استمر معك هذا الشعور فاشكر الله كثيرًا، فإن العبد قد يكون من أصلح الناس، ويمر عليه طرفة عين غرور أو عجب فينتكس }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ{ [الصف: 61].
    فإياك ثم إياك أن تعتقد طرفة عين أنك اهتديت بحولك، فإذا أسلمت واستسلمت وأطعت فُتح لك فواتح الرحمة والخير، فاجتهد في الطاعات، واتهم نفسك بالتقصير؛ فإنه باب النجاة.
    الإخلاص والمتابعة: وإذا رزق الله العبد الإخلاص رزقه سبيل الخلاص، وإذا رزقه الإخلاص فتح في وجهه أبواب الرحمة، فلا يسلك طريقًا إلا سهله الله له، ولا أراد بابًا من الخير إلا فتحه الله له، ومن اطّلع الله على قلبه فرأى فيه الإخلاص والصدق ثبته ونفحه برحمته، وأحبه، ووضع له القبول في الأرض.
    ومن هنا يجتهد العبد من أول لحظة يذوق فيها الطاعة، أن تكون عبادته لله، فيكون قوله لله، وعمله لله، وسعيه لله، وعلمه لله، وفي هذا يقول الحسن البصري: «والله ما نطقت بلساني، ولا نظرت ببصري، ولا سمعت بأذني، ولا مددت يدي، ولا مشيت برجلي، حتى أنظر: هل هي لله أم لغير الله؟ فإن كانت لله تقدمت، وإن كانت لغير الله تأخرت».
    وبهذا الحرص والاجتهاد سمع الناس هاتفًا في المنام: قدم الحسن على الله وهو عنه راض، ومن هنا كانت أكبر الآفات وأكبر المصائب التي ينتكس بها الإنسان تأتي من الرياء والغرور والعجب والكبر.
    ولذلك كانت المتابعة ممكنة، ولكن الإخلاص صعب، يقول بعض السلف: «يا رب جاهدت نفسي على الإخلاص وأردتها عليه فأبت، فتركتُها وتوجهت إليك، اللهم ارزقني إخلاصًا».
    الثاني: قراءة القرآن:من مقومات الثبات على الهداية أنك لن تجد هاديًا ولا دليلاً أفضل من كتاب الله: }إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ{ [الإسراء: 9]، فمن عرف حق كتاب الله، وحق قدره، وأصبح يتلوه آناء الليل وأطراف النهار كان من المهتدين.
    وقد أخبرنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون فتن عظيمة تزيغ فيها القلوب وتصرفها عن الدين، ووصفها بأوصاف عظيمة؛ لشدة وقعها على القلوب، فوصفها بأنها مثل «قطع الليل المظلم»، وشبَّهها بأنها «تموج موج البحار»، وشبهها بأنها «كوقع المطر»، وشبهها بأنها «كالظلل»، ووصفها بأنها «فتنة صماء بكماء عمياء»، تدع الناس كالأنعام، وتُذهب العقول، ووصفها بأنها «كرياح الصيف» يصعب التخلص منها، فنحن في زمان فتن قد مرت وفتن ستمر، وفتن ستأتي، وإذا كنا قد تخلينا اليوم عن كل وسائل الاتصال لما حوت من الشرور فهي تعمي القلوب وتقسيها، حتى الوسائل التي فيها خير فيصدق عليها قوله محمد صلى الله عليه وسلم «خير وفيه دخن» [رواه البخاري].
    فنقول للجميع: أنه قد بقي في أيدينا سلاحٌ أمضى من كل الأسلحة التي لا يقوم له شيء، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنه القرآن العظيم. أخرج الإمام الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «إنها ستكون فتنة»، فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، مَن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم». [قال الإمام ابن كثير عن هذا الحديث: قصارى هذا الحديث أنه موقوف على علي رضي الله عنه]، فيحتاج المسلم في زمن الفتن إلى وصية عظيمة هي التمسك بالقرآن والسُّنَّة والثبات عليها.
    زمزم فينا ولكن أين من



    يقنع الناس بجدوى زمزم


    يا عجبًا من أمة تتلمس الهداية من غيرها، وتبحث عن الدليل ومعها وحي من ربها، إننا أمة أعزنا الله بالإسلام والقرآن، فمهما ابتغينا العزة في غيرهما أذلنا الله، فما عزتنا بألواننا، ولا بأموالنا، ولا بمناصبنا، ولا بالكلام المنمق، ولا بالفصاحة، فالعرب كانت لهم ألسنة فصيحة وفتح الله عليهم من البيان حتى كانت معجزتهم القرآن.



  • #2
    رد: مقومات الثبات على الهداية

    السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاااااااااته
    -----------------
    جزاكِ الله خيراً كثيرااااااااااااا يا أختى الكريمة.
    يا عجبًا من أمة تتلمس الهداية من غيرها، وتبحث عن الدليل ومعها وحي من ربها، إننا أمة أعزنا الله بالإسلام والقرآن، فمهما ابتغينا العزة في غيرهما أذلنا الله، فما عزتنا بألواننا، ولا بأموالنا، ولا بمناصبنا، ولا بالكلام المنمق، ولا بالفصاحة، فالعرب كانت لهم ألسنة فصيحة وفتح الله عليهم من البيان حتى كانت معجزتهم القرآن.

    نسأل الله أن يرزقنا حياة على طاعته وأن يرزقنا حسن الخاتمة.آآميــن
    ننتظرُ منكِ المزيد والمزيد -إن شاء الله-
    بوركـــــتِ


    قلبى حن يطــــوف بظلالك
    ♥♥ولزمزم فؤادى ظمأنَ
    ((ينادى فؤادى بليل السكون بدمع العيون برجع الصدى لك الحمدُ إنى حزينٌ حزين وجرحى يلون درب المدى ((
    اللهم ارحم جدتى رحمةً واسعة

    تعليق


    • #3
      رد: مقومات الثبات على الهداية

      جزاك الله خيرا

      اللهم أسالك حسن الخاتمة والثبات على الهداية


      اللهم خابت الآمال إلا منك وانقطع الرجاء إلا إليك وغلقت الأبواب إلا بابك
      اللهم إني أستودعتك لا إله إلا الله فلقني إياها عند الموت


      تعليق


      • #4
        ومن أعظم مقومات الثبات على الهداية

        ومن أعظم مقومات الثبات على الهداية
        : ومن أعظم مقومات الثبات على الهداية الصبر:
        ولسائل أن يتساءل: لماذا قال العلماء الصبر؟ لأن كل من آمن لا بد أن يبتلى }أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{ [العنكبوت: 2]، ومن أجل أن يتضح لنا الأمر نذكر بعض النماذج من صبر وثبات الأمم السابقة، ومن أحسنها قصة غلام نجران، ففي مسند أحمد عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر،فلما كبر الساحر قال: ادفع لي غلامًا لأعلمه السحر، فدفع إليه غلامًا، وكان بين الساحر والملك راهبٌ، فأتى الغلام الراهب فسمع من كلامه فأعجبه كلامه، وفي يوم من الأيام حبست الناس دابة، فقال الغلام: اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر؟ فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة. ورماها فقتلها. ومضى الناس فأخبر الراهب بذلك، فقال: أي بني، أنت اليوم أفضل مني، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل عليَّ»، وسوف ترى فعلاً أن الغلام أفضل من الراهب؛ لأن نفعه متعدٍ، والراهب نفعه قاصر على نفسه، وكيف يسعى الغلام في هداية الناس، «فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأمراض»، وليس هو مثل عيسى عليه السلام، وإنما كان مستجاب الدعوة، «وكان للملك جليس فعمي، فسمع به، فآتاه بهدايا كثيرة، وقال: إن أنت شفيتني فكل ما هاهنا لك، فقال: أنا لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت به دعوت الله أن يشفيك. فآمن فدعا الله له فشفاه. ثم أتى الملك، فقال: مَن ردَّ عليك بصرك؟ فقال: ربي. فقال: أنا؟ قال: لا، ولكن ربي وربك الله. قال: فما زال به يعذبه حتى دلَّ على الغلام، فجيء به، فما زال يعذبه حتى دلَّ على الراهب، فجيء بالراهب، فقال: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار على مفرق رأسه حتى وقع شقاه، وقال للأعمى: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه. وقال للغلام: ارجع عن دينك، فأبى، فبعث به مع نفر، فقال: إذا بلغت ذروة الجبل فإن رجع عن دينه وإلا فدهدهوه. فذهبوا به، فلما صعدوا الجبل، قال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فرجف بهم الجبل، فدهدهوا أجمعون، ورجع الغلام إلى الملك. فقال: أين أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله. فبعثه مع نفر في قرقورة، فقال: إذا توسطتم البحر فأغرقوه. فلما توسطوا به البحر، قال: اللهم اكفنيهم بما شئت. فغرقوا أجمعون، ورجع الغلام إلى الملك، فقال: أين أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، ثم قال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، ثم تصلبني على جذع ثم تأخذ سهمًا من كنانتي ثم قل: بسم الله رب الغلام، ففعل به ووضع السهم في كبد القوس ثم رمى وقال: بسم الله رب الغلام، فوقع السهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فذلك عند قوله: قتل أصحاب الأخدود، فخدت الأخاديد وأضرمت النيران، ومن رجع عن دينه وإلا أقحموه فيها».
        كذلك قصة سحرة فرعون حينما جمعهم، وكان عندهم هوى وحب الدنيا، بل طلبوا من فرعون المناصب والمال إن كانوا هم الغالبين، ولما قال لهم موسى: }وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا{ [طه: 61]؛ نظر بعضهم إلى بعض وقالوا: ليس هذا بكلام ساحر، ثم قالوا: }يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ{ [الأعراف: 115]، قال: ألقوا، فلما ألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، فرآها الناس حيّات وثعابين، وألقى موسى عصاه فصارت حية وأكلت هذه الحيات والثعابين، }وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{ [الأعراف: 120-121].
        والسؤال: لماذا آمن السحرة؟
        لأن عملهم في الأصل: خداع للبصر، وإيهام للناس، وحبالهم وعصيهم لا زالت على حالها حبالاً وعصيًا؛ أما موسى عليه السلام، فقد تحولت فعلاً إلى حية، ولو كان ثمة آلة تصوير والتقطت صورتها لظهرت في الصورة حية حقيقية، على حين أن حيات السحرة حبال وعصي؛ لذلك آمن السحرة هذا الإيمان السريع؛ لأنهم رأوا شيئًا يهز قلوبهم، حتى بلغ منهم الإيمان مبلغًا عظيمًا، فحين سجدوا ووفقهم الله للسجود جلَّى الله لهم الجنة وهم سجود.
        والحاصل من هذا كله: أنهم بمجرد أن قالوا: آمنا؛ بدأ الابتلاء، ولكن الله ربط على قلوبهم ورسخ الإيمان فيهم، فجعلوا يتحدون فرعون ولا يبالون به، لأنهم تصوروا عظمة الله فهانت عليهم عظمة فرعون الزائفة، وصغرت الدنيا في عيونهم فلم يبالوا بتهديد فرعون بالصلب وقطع الأعضاء؛ وذلك حينما رسخ الإيمان في قلوبهم وهانت عليهم الأنفس والأموال، ولم يترددوا في إعلان إيمانهم، وأخذوا يقارنون بين عذاب الدنيا المؤقت وعذاب الآخرة المؤبد؛ لذلك صرخوا في وجه فرعون مستهينين بقضائه.
        }فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{ [طه: 72]، وإنني والله أتمنى إيمانًا مثل هذا الإيمان. إيمان سحرة فرعون، فلما قالوا ما قالوا أراد الله إكرامهم بكرامة أخرى فقتلهم فرعون لكي يكونوا شهداء، ولنا وقفة:
        أين السحرة الآن؟ إنهم في الجنة.
        وأين فرعون وقومه؟ مات وذهبت الدنيا، }النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ{ [غافر: 46].
        كذلك قصة امرأة فرعون لم تغتر بالملك ولا بالحطام الفاني، ولكنها اختارت الله والدار الآخرة، ولذلك لما رأت الملائكة تعرج بروح ماشطة بنت فرعون آمنت، كما في مسند أحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول «لما كانت ليلة الإسراء أتى على رائحة طيبة فقال لجبريل: ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها، قال: قلت: ما شأنها؟ قال: بينا هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم إذ سقطت المدري – أي المشط – من يدها، فقالت: بسم الله، فقالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا، ربي ورب أبيك الله، قالت: أخبره بذلك؟ قالت: نعم، فأخبرته، فدعاها فقال: يا فلانة، وإن لك ربًا غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله من في السماء، فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها، قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحدًا واحدًا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها رضيع، وكأنها تقاعست من أجله، فقال: يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة؛ فاقتحمت»، وكانت امرأة فرعون جالسة، فرأت الملائكة تعرج بروح ماشطة ابنة فرعون فآمنت.
        فحينما قالت ذلك بدأ الامتحان، فقال فرعون: رغبوها أعطوها الذهب، فلم يجدِ، فقال: رهبوها، فأول تعذيب لها أنه كان يوقفها في الشمس المحرقة، فإذا أدبر أظلتها الملائكة بأجنحتها، ثم انتقل إلى تعذيب آخر، فثبتها بالأوتاد في الأرض فابتسمت، فقال: في عقلها جنون، كيف نعذبها وتضحك؟! لكن الله ثبتها حيث جلَّى لها قصور الجنة، فطلبت الجار قبل الدار في دعائها المشهور: }رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{ [التحريم: 11]. وكله من تثبيت الله لها.
        الثاني: الاقتصاد في الطاعات، وهو مقيد بأمرين:
        الأول: أنه في النوافل دون الفرائض.
        الثاني: أنه خاص بأصحاب الهمم العالية دون الساقطة.
        ولسائل أن يسأل: لماذا الاقتصاد في الطاعات من أعظم أسباب الثبات على الهداية؛ لأن العبد إذا أجهد نفسه فوق طاقتها وحملها من الأعمال ما لا تطيق وأكثر عليها ملَّ وتعب، وترتب على ذلك أن يضيع حقوقًا كثيرة من الواجبات، وتعب وتشوش فكره وسئم ومل، وربما كره العبادة.
        ومن هنا لما قال عبد الله بن عمرو: «لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت» قاله رغبة في الخير، فبلغ ذلك النبيصلى الله عليه وسلم فقال: «أنت الذي قلت كذلك؟» قال: نعم، قال: «إنك لن تطيق ذلك»، ثم أمره أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فقال: أطيق أكثر، فأمره يصوم يومًا ويفطر يومين، فقال: أطيق أكثر، فقال: «صم يومًا، وأفطر يومًا»، فقال: أطيق أكثر، قال: «لا أكثر من ذلك، هذا صيام داود»، ولكن لما كبر عبد الله بن عمرو بن العاص شق عليه الصيام فقال: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم ثم صار يصوم خمسة عشر يومًا سردًا ويفطر خمسة عشر يومًا سردًا.
        ومن هنا: كان الاقتصاد في الطاعات منهجًا ربانيًا نبويًا عظيمًا راعى فيه طبائع النفوس ومصالح الدين والدنيا، وأحوال الناس، وكله من تيسير الدين، ففي الحديث: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا» [رواه البخاري عن أبي هريرة].
        ولذلك نقول للجميع: اجعل لك برنامجًا في نوافلك مشتقًا من يسر الدين، فقد نظم الشرع حياة الناس، وراعى ترتيب الحقوق حتى يعطي كل ذي حق حقه، ففي البخاري: «لما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع طعامًا له، فقال: كُل فإني صائم، قال: لا آكل حتى تأكل، فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال له: نم، فنام ثم ذهب يقوم، فقال له: نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا جميعًا، فقال له سلمان:إن لربك عليك حقًا، وإن لنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: صدق سلمان».
        ففي هذا دليل على أن الإنسان لا يجهد نفسه بالطاعة وكثرة العمل؛ لأنه إذا فعل ذلك أضاع الحقوق الأخرى، وتصور لو قام الليل كله لاضطر إلى نوم النهار، أضف إلى هذا أنه ربما يملّ، وكونه يبقى على العمل قليلاً لكنه لن يستمر إلا ما شاء الله، ولذلك لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وعندها امرأة فقال: «من هذه؟» قالت: فلانة، وذكرت من صلاتها وأنها تصلي كثيرًا، فقال: «مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا»، وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه.
        فلئن أصلي ركعتين بحب ونشاط ورغبة أحب إلي من مائة ركعة، وينصرف العبد وقد ملها وسئمها. ومن هنا راعى أصحاب المسلسلات والتمثيليات أن تُنهى الحلقات على أحسن مشهد يشد المشاهد، فإنه لا يزال بشوق لها حتى اليوم الآخر، لكن تصور لو أنهيت بعد أن سئمها الناس هل يمكن أن يكون عندهم شوق؟ الإجابة واضحة.
        فالاقتصاد في الطاعات وفي جميع الأمور فيه خير كثير؛ لأنه إن قصر فاته خير كثير، وإن شدد سوف يمل ويعجز، فكان الغلو مذمومًا حتى في الأشياء المحمودة، ولذلك لما جاء ثلاثة نفر يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالّوها، فقال أحدهم: أنا أقوم فلا أنام، وقال الآخر: أنا أصوم فلا أفطر، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أنتم الذين تقولون كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» [متفق عليه].
        ومن هنا: قال السلف ما سبق أبو بكر الصحابة بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكن بشيء وقر في قلبه الإيمان والتقوى، وهي أداء الفرائض والوقوف عند المحارم، فقد تجد إنسانًا عنده كثرة صلاة، ولكنه لا يقف عند حدود الله فيأكل حرامًا وينظر إلى الحرام ويسمع حراما.
        فليست التقوى كثرة القيام والصيام ولكنها أداء الفرائض والوقوف عند المحارم، ولهذا تقاّل أولئك النفر عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فأقسم أنه «أخشى الناس لله وأتقاهم له»، وهذا هو الشأن كله، فربَّ رجلٍ عنده صلاة كثيرة ولكنه لا يقف عند حدود الله.
        فالحاصل من هذا كله: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «القصد القصد تبلغوا»، فيصلي أحدنا نشاطه، ويصوم نشاطه.
        واعلم: «أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل»، «وإياكم والغلو»، فإن العبد قد تحصل له همة عالية فيصلي صلاة طويلة، حتى إنه ربما يذهب إلى الحرم فيحتقر صلاتهم إلى صلاته، ولكن نصحي للجميع بالتدرج في العبادة وعدم الإكثار، اتباعًا للسنة، والحذر من المخالفة، أضف إلى ذلك ذم التشدد وسوء عواقبه، وللإنسان عمل ظاهر كالصلوات المكتوبات، وعمل باطن يعمل بالبيت كالنوافل، «فأفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»، وبُعدًا عن الرياء والسمعة، فقد كان السلف يجتهدون في الطاعات ويتهمون أنفسهم ويغمطونها غمطًا شديدًا، وإذا أكثر على نفسه فقد لا يستطيع المحافظة على ذلك في المستقبل؛ لأن النفس تكون لها همة عالية ثم تمر بها فترة.


        تعليق

        يعمل...
        X