مقومات الثبات على الهداية قبل أن نبدأ بمقومات الثبات على الهداية لا بد أن ندأ بأسباب سوء الخاتمة أعاذنا الله منها
ومن أسباب سوء الخاتمة:
1- الإصرار على المعاصي؛لأن العاصي لا يؤمن استدراجه إلى الكفر؛ لأن المعاصي بريد الكفر وسوء الخاتمة، يقول الله تعالى: }وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ [آل عمران: 135]؛ لك أن تسأل عن الفرق بين المؤمن المتقي والمؤمن العاصي فالجواب: الكل يعصي الله ، لكن المؤمن العاصي مُصرٌّ، بخلاف المؤمن المتقي فإنه تحصل منه المعصية عن غفلة أو غضب أو شهوة، لكن إذا ذُكّر بالله ذكر }إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوافَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ{ [الأعراف: 201]. بخلاف من أصرَّ على فعلالمعاصي، فإنه على خطر من ناحيتين:
الأمر الأول: أن الموت قد يأتي بغتة، }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ{ [النساء: 18]. ذكر الإمام ابن رجب عن أحد السلف أنه حضر رجلاً يلقن عند الموت «لا إله إلا الله» فقال: هو كافرٌ بها، فسُئل عنه، فقالوا: كان مدمن خمر.
الأمر الثاني: أن من أصر على المعاصي يصل إلى الران، }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [المطففين: 14]. ففي الحديث: «إن العبد إذا أذنب ذنبًا نكت فيه نكتة سوداء»، وهذه بداية المرض، «فإن تاب صقل قلبه وإلا زادت».
2- ومنها الكبر، فقد كان إبليس في الجنة عابدًا، لكن عنده دسيسةُ سوء، فأراد الله أن يظهرها فابتلاه بالسجود لآدم، فقال: }أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا{ [الإسراء: 61]، بل قال: }أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ{ [الأعراف: 12]. فأبى واستكبر، فقال الله له: }فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا{ [الأعراف: 13]. فبعض الناس ظاهره الخير ولكن جريمته في قلبه من كبر وحسد وحقد، وعليه فالإيمان كالخيمة في القلب، وله أطناب، فإن ثبتت الأطناب لم يضره هبوب الريح؛ وإن كانت الأطناب غير ثابتة فبمجرد أن تهب الريح تهدم الخيمة.وأما البدعة فهي الحدث في دين الله عن طريق الزيادة أو النقصان، ولم يشهد له كتاب أو سُنَّة، بقصد التقرب إلى الله، ومن كان من أهل البدع فإنه على ضلالة وشقاء، ثبت في الصحيح أن أهل الظلم والبدع والضلالات لا يردون حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم - وكفى بها مصيبة – ولو ببدعة واحدة، بل يذادون عنه، ففي الحديث: «يُذاد أقوامٌ عن حوضي فأقول: أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، فالدين ليس ملكًا لأحد يقول فيه ما يشاء بما يشاء، بل ينبغي الوقوف على قول الله وقول رسوله، والرجوع إلى أهل العلم والدين، وكل قول أو عمل لا يستند إلى كتاب الله وسنة رسوله فهو مردودٌ على صاحبه كائنًا من كان، فاحرص على ألا تعمل أي عمل حتى تزنه بما قال الله ورسوله، فلا يجوز لأحدٍ أن يحدَّث في دين الله بشيء بدعوى تفضيل شيء على شيء من قول، أو فعل، أو ذكر، أو عدد، أو زمان معين، أو مكان، إلا بدليل شرعي؛ لأن الشرع كاملٌ، ولأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين جميع الفضائل أكمل بيان، وحذر من جميع الشرور.
كذلك بالإضافة إلى أننا نُحذّر جميع من يُبدِّع الناس بلا خطام ولا زمام، دون الرجوع إلى ضوابط الشرع والسلف؛ لأنه على خطر عظيم والأعمال تنقسم إلى قسمين «عبادات، ومعاملات».
مضار البدع:
1- تفريق الأمة: كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون: 53].
2- تقضي على الدين: «ما ابتدع قومٌ بدعةً إلا نزع الله سنة مثلها» [صحيح، رواه أحمد].
3- أن المبتدع يزعم أن الدين ناقص: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3]. وقال الإمام مالك: «من ابتدع بدعة في دين الله فهو يزعم أن محمدًا خان الرسالة».
4- أن المبتدع يحاول أن يشارك الله في التشريع أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21].
5- صاحب البدعة لا يتوب: لأنه يحسب أنه يحسن صنعًا.
6- عمله مردود عليه وغير مقبول؛ لقوله محمد صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [صحيح رواه مسلم].
سبب البدع:
1- الجهل بالدين: واتباع أئمة الضلال.
2- اتباع الهوى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص: 50].
3- التقليد الأعمى: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا [البقرة: 170].
أما السبب الثالث في مهلكات النفوس فهو:
التعلق بالدنيا والركون إليها: وكفى أن حبها رأس كل خطيئة؛ لأن العبد إذا أحب شيئًا لا يحب أن يفارقه.
وإن سألت عن الهوى والريح فهي جملة الشبهات والشهوات، ومن هنا فالمسلم بحاجة ماسة إلى معرفة مقومات الثبات على الهداية حتى الممات.
وأسباب حسن الخاتمة:
الأول: توفيق الله، فأساس الهداية توفيق الله، «كلكم ضال إلا من هديته»، فمرد الأمر إلى فضل الله، وهل أحدٌ يستطيع أن يعمل بدون توفيق الله وإعانته وتيسيره وتسديده، فالاستقامة على طاعة الله لا يثبت عليها ، ولا يرزقه الاستدامة عليها بشيء أعظم من توفيق الله للعبد، وإذا حرم العبد التوفيق حرم الثبات على طاعة الله والخير، }وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{ [هود: 88].
فأول ما تبدأ به: انزع من قلبك أي منة، وانزع من قلبك الشعور بالحول والقوة، وتبرأ من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته، فالمهتدي دائمًا يخاف من الانتكاس في كل لحظة، فالهداية منة من الله، }بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ{ [الحجرات: 17]، }وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ{ [النحل: 53].
واعلم أن الله يطبع على القلوب والأسماع والأبصار، فلا تعي ولا تسمع ولا ترى، حتى يفتحها الله وكلما ازداد العبد قربًا من الله ازداد خوفًا من الله أن يُفقده شيئًا من إيمانه، فقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ساجدًا يقول: «يا مقلب القلوب! قلب قلبي على طاعتك ودينك»، والله لولا الله ما اهتدينا ولا عرفنا صلاة ولا قربة، بل هو الذي شرح صدورنا للخير ويسّره لنا، فله الحمد أولاً وأخرًا.
وإذا استمر معك هذا الشعور فاشكر الله كثيرًا، فإن العبد قد يكون من أصلح الناس، ويمر عليه طرفة عين غرور أو عجب فينتكس }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ{ [الصف: 61].
فإياك ثم إياك أن تعتقد طرفة عين أنك اهتديت بحولك، فإذا أسلمت واستسلمت وأطعت فُتح لك فواتح الرحمة والخير، فاجتهد في الطاعات، واتهم نفسك بالتقصير؛ فإنه باب النجاة.
الإخلاص والمتابعة: وإذا رزق الله العبد الإخلاص رزقه سبيل الخلاص، وإذا رزقه الإخلاص فتح في وجهه أبواب الرحمة، فلا يسلك طريقًا إلا سهله الله له، ولا أراد بابًا من الخير إلا فتحه الله له، ومن اطّلع الله على قلبه فرأى فيه الإخلاص والصدق ثبته ونفحه برحمته، وأحبه، ووضع له القبول في الأرض.
ومن هنا يجتهد العبد من أول لحظة يذوق فيها الطاعة، أن تكون عبادته لله، فيكون قوله لله، وعمله لله، وسعيه لله، وعلمه لله، وفي هذا يقول الحسن البصري: «والله ما نطقت بلساني، ولا نظرت ببصري، ولا سمعت بأذني، ولا مددت يدي، ولا مشيت برجلي، حتى أنظر: هل هي لله أم لغير الله؟ فإن كانت لله تقدمت، وإن كانت لغير الله تأخرت».
وبهذا الحرص والاجتهاد سمع الناس هاتفًا في المنام: قدم الحسن على الله وهو عنه راض، ومن هنا كانت أكبر الآفات وأكبر المصائب التي ينتكس بها الإنسان تأتي من الرياء والغرور والعجب والكبر.
ولذلك كانت المتابعة ممكنة، ولكن الإخلاص صعب، يقول بعض السلف: «يا رب جاهدت نفسي على الإخلاص وأردتها عليه فأبت، فتركتُها وتوجهت إليك، اللهم ارزقني إخلاصًا».
الثاني: قراءة القرآن:من مقومات الثبات على الهداية أنك لن تجد هاديًا ولا دليلاً أفضل من كتاب الله: }إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ{ [الإسراء: 9]، فمن عرف حق كتاب الله، وحق قدره، وأصبح يتلوه آناء الليل وأطراف النهار كان من المهتدين.
وقد أخبرنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون فتن عظيمة تزيغ فيها القلوب وتصرفها عن الدين، ووصفها بأوصاف عظيمة؛ لشدة وقعها على القلوب، فوصفها بأنها مثل «قطع الليل المظلم»، وشبَّهها بأنها «تموج موج البحار»، وشبهها بأنها «كوقع المطر»، وشبهها بأنها «كالظلل»، ووصفها بأنها «فتنة صماء بكماء عمياء»، تدع الناس كالأنعام، وتُذهب العقول، ووصفها بأنها «كرياح الصيف» يصعب التخلص منها، فنحن في زمان فتن قد مرت وفتن ستمر، وفتن ستأتي، وإذا كنا قد تخلينا اليوم عن كل وسائل الاتصال لما حوت من الشرور فهي تعمي القلوب وتقسيها، حتى الوسائل التي فيها خير فيصدق عليها قوله محمد صلى الله عليه وسلم «خير وفيه دخن» [رواه البخاري].
فنقول للجميع: أنه قد بقي في أيدينا سلاحٌ أمضى من كل الأسلحة التي لا يقوم له شيء، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنه القرآن العظيم. أخرج الإمام الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «إنها ستكون فتنة»، فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، مَن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم». [قال الإمام ابن كثير عن هذا الحديث: قصارى هذا الحديث أنه موقوف على علي رضي الله عنه]، فيحتاج المسلم في زمن الفتن إلى وصية عظيمة هي التمسك بالقرآن والسُّنَّة والثبات عليها.
ومن أسباب سوء الخاتمة:
1- الإصرار على المعاصي؛لأن العاصي لا يؤمن استدراجه إلى الكفر؛ لأن المعاصي بريد الكفر وسوء الخاتمة، يقول الله تعالى: }وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ [آل عمران: 135]؛ لك أن تسأل عن الفرق بين المؤمن المتقي والمؤمن العاصي فالجواب: الكل يعصي الله ، لكن المؤمن العاصي مُصرٌّ، بخلاف المؤمن المتقي فإنه تحصل منه المعصية عن غفلة أو غضب أو شهوة، لكن إذا ذُكّر بالله ذكر }إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوافَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ{ [الأعراف: 201]. بخلاف من أصرَّ على فعلالمعاصي، فإنه على خطر من ناحيتين:
الأمر الأول: أن الموت قد يأتي بغتة، }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ{ [النساء: 18]. ذكر الإمام ابن رجب عن أحد السلف أنه حضر رجلاً يلقن عند الموت «لا إله إلا الله» فقال: هو كافرٌ بها، فسُئل عنه، فقالوا: كان مدمن خمر.
الأمر الثاني: أن من أصر على المعاصي يصل إلى الران، }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [المطففين: 14]. ففي الحديث: «إن العبد إذا أذنب ذنبًا نكت فيه نكتة سوداء»، وهذه بداية المرض، «فإن تاب صقل قلبه وإلا زادت».
2- ومنها الكبر، فقد كان إبليس في الجنة عابدًا، لكن عنده دسيسةُ سوء، فأراد الله أن يظهرها فابتلاه بالسجود لآدم، فقال: }أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا{ [الإسراء: 61]، بل قال: }أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ{ [الأعراف: 12]. فأبى واستكبر، فقال الله له: }فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا{ [الأعراف: 13]. فبعض الناس ظاهره الخير ولكن جريمته في قلبه من كبر وحسد وحقد، وعليه فالإيمان كالخيمة في القلب، وله أطناب، فإن ثبتت الأطناب لم يضره هبوب الريح؛ وإن كانت الأطناب غير ثابتة فبمجرد أن تهب الريح تهدم الخيمة.وأما البدعة فهي الحدث في دين الله عن طريق الزيادة أو النقصان، ولم يشهد له كتاب أو سُنَّة، بقصد التقرب إلى الله، ومن كان من أهل البدع فإنه على ضلالة وشقاء، ثبت في الصحيح أن أهل الظلم والبدع والضلالات لا يردون حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم - وكفى بها مصيبة – ولو ببدعة واحدة، بل يذادون عنه، ففي الحديث: «يُذاد أقوامٌ عن حوضي فأقول: أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»، فالدين ليس ملكًا لأحد يقول فيه ما يشاء بما يشاء، بل ينبغي الوقوف على قول الله وقول رسوله، والرجوع إلى أهل العلم والدين، وكل قول أو عمل لا يستند إلى كتاب الله وسنة رسوله فهو مردودٌ على صاحبه كائنًا من كان، فاحرص على ألا تعمل أي عمل حتى تزنه بما قال الله ورسوله، فلا يجوز لأحدٍ أن يحدَّث في دين الله بشيء بدعوى تفضيل شيء على شيء من قول، أو فعل، أو ذكر، أو عدد، أو زمان معين، أو مكان، إلا بدليل شرعي؛ لأن الشرع كاملٌ، ولأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بين جميع الفضائل أكمل بيان، وحذر من جميع الشرور.
كذلك بالإضافة إلى أننا نُحذّر جميع من يُبدِّع الناس بلا خطام ولا زمام، دون الرجوع إلى ضوابط الشرع والسلف؛ لأنه على خطر عظيم والأعمال تنقسم إلى قسمين «عبادات، ومعاملات».
مضار البدع:
1- تفريق الأمة: كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون: 53].
2- تقضي على الدين: «ما ابتدع قومٌ بدعةً إلا نزع الله سنة مثلها» [صحيح، رواه أحمد].
3- أن المبتدع يزعم أن الدين ناقص: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3]. وقال الإمام مالك: «من ابتدع بدعة في دين الله فهو يزعم أن محمدًا خان الرسالة».
4- أن المبتدع يحاول أن يشارك الله في التشريع أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21].
5- صاحب البدعة لا يتوب: لأنه يحسب أنه يحسن صنعًا.
6- عمله مردود عليه وغير مقبول؛ لقوله محمد صلى الله عليه وسلم في حديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» [صحيح رواه مسلم].
سبب البدع:
1- الجهل بالدين: واتباع أئمة الضلال.
2- اتباع الهوى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص: 50].
3- التقليد الأعمى: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا [البقرة: 170].
أما السبب الثالث في مهلكات النفوس فهو:
التعلق بالدنيا والركون إليها: وكفى أن حبها رأس كل خطيئة؛ لأن العبد إذا أحب شيئًا لا يحب أن يفارقه.
وإن سألت عن الهوى والريح فهي جملة الشبهات والشهوات، ومن هنا فالمسلم بحاجة ماسة إلى معرفة مقومات الثبات على الهداية حتى الممات.
وأسباب حسن الخاتمة:
الأول: توفيق الله، فأساس الهداية توفيق الله، «كلكم ضال إلا من هديته»، فمرد الأمر إلى فضل الله، وهل أحدٌ يستطيع أن يعمل بدون توفيق الله وإعانته وتيسيره وتسديده، فالاستقامة على طاعة الله لا يثبت عليها ، ولا يرزقه الاستدامة عليها بشيء أعظم من توفيق الله للعبد، وإذا حرم العبد التوفيق حرم الثبات على طاعة الله والخير، }وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{ [هود: 88].
فأول ما تبدأ به: انزع من قلبك أي منة، وانزع من قلبك الشعور بالحول والقوة، وتبرأ من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته، فالمهتدي دائمًا يخاف من الانتكاس في كل لحظة، فالهداية منة من الله، }بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ{ [الحجرات: 17]، }وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ{ [النحل: 53].
واعلم أن الله يطبع على القلوب والأسماع والأبصار، فلا تعي ولا تسمع ولا ترى، حتى يفتحها الله وكلما ازداد العبد قربًا من الله ازداد خوفًا من الله أن يُفقده شيئًا من إيمانه، فقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ساجدًا يقول: «يا مقلب القلوب! قلب قلبي على طاعتك ودينك»، والله لولا الله ما اهتدينا ولا عرفنا صلاة ولا قربة، بل هو الذي شرح صدورنا للخير ويسّره لنا، فله الحمد أولاً وأخرًا.
وإذا استمر معك هذا الشعور فاشكر الله كثيرًا، فإن العبد قد يكون من أصلح الناس، ويمر عليه طرفة عين غرور أو عجب فينتكس }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ{ [الصف: 61].
فإياك ثم إياك أن تعتقد طرفة عين أنك اهتديت بحولك، فإذا أسلمت واستسلمت وأطعت فُتح لك فواتح الرحمة والخير، فاجتهد في الطاعات، واتهم نفسك بالتقصير؛ فإنه باب النجاة.
الإخلاص والمتابعة: وإذا رزق الله العبد الإخلاص رزقه سبيل الخلاص، وإذا رزقه الإخلاص فتح في وجهه أبواب الرحمة، فلا يسلك طريقًا إلا سهله الله له، ولا أراد بابًا من الخير إلا فتحه الله له، ومن اطّلع الله على قلبه فرأى فيه الإخلاص والصدق ثبته ونفحه برحمته، وأحبه، ووضع له القبول في الأرض.
ومن هنا يجتهد العبد من أول لحظة يذوق فيها الطاعة، أن تكون عبادته لله، فيكون قوله لله، وعمله لله، وسعيه لله، وعلمه لله، وفي هذا يقول الحسن البصري: «والله ما نطقت بلساني، ولا نظرت ببصري، ولا سمعت بأذني، ولا مددت يدي، ولا مشيت برجلي، حتى أنظر: هل هي لله أم لغير الله؟ فإن كانت لله تقدمت، وإن كانت لغير الله تأخرت».
وبهذا الحرص والاجتهاد سمع الناس هاتفًا في المنام: قدم الحسن على الله وهو عنه راض، ومن هنا كانت أكبر الآفات وأكبر المصائب التي ينتكس بها الإنسان تأتي من الرياء والغرور والعجب والكبر.
ولذلك كانت المتابعة ممكنة، ولكن الإخلاص صعب، يقول بعض السلف: «يا رب جاهدت نفسي على الإخلاص وأردتها عليه فأبت، فتركتُها وتوجهت إليك، اللهم ارزقني إخلاصًا».
الثاني: قراءة القرآن:من مقومات الثبات على الهداية أنك لن تجد هاديًا ولا دليلاً أفضل من كتاب الله: }إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ{ [الإسراء: 9]، فمن عرف حق كتاب الله، وحق قدره، وأصبح يتلوه آناء الليل وأطراف النهار كان من المهتدين.
وقد أخبرنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون فتن عظيمة تزيغ فيها القلوب وتصرفها عن الدين، ووصفها بأوصاف عظيمة؛ لشدة وقعها على القلوب، فوصفها بأنها مثل «قطع الليل المظلم»، وشبَّهها بأنها «تموج موج البحار»، وشبهها بأنها «كوقع المطر»، وشبهها بأنها «كالظلل»، ووصفها بأنها «فتنة صماء بكماء عمياء»، تدع الناس كالأنعام، وتُذهب العقول، ووصفها بأنها «كرياح الصيف» يصعب التخلص منها، فنحن في زمان فتن قد مرت وفتن ستمر، وفتن ستأتي، وإذا كنا قد تخلينا اليوم عن كل وسائل الاتصال لما حوت من الشرور فهي تعمي القلوب وتقسيها، حتى الوسائل التي فيها خير فيصدق عليها قوله محمد صلى الله عليه وسلم «خير وفيه دخن» [رواه البخاري].
فنقول للجميع: أنه قد بقي في أيدينا سلاحٌ أمضى من كل الأسلحة التي لا يقوم له شيء، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنه القرآن العظيم. أخرج الإمام الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «إنها ستكون فتنة»، فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، مَن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم». [قال الإمام ابن كثير عن هذا الحديث: قصارى هذا الحديث أنه موقوف على علي رضي الله عنه]، فيحتاج المسلم في زمن الفتن إلى وصية عظيمة هي التمسك بالقرآن والسُّنَّة والثبات عليها.
زمزم فينا ولكن أين من
يقنع الناس بجدوى زمزم
يا عجبًا من أمة تتلمس الهداية من غيرها، وتبحث عن الدليل ومعها وحي من ربها، إننا أمة أعزنا الله بالإسلام والقرآن، فمهما ابتغينا العزة في غيرهما أذلنا الله، فما عزتنا بألواننا، ولا بأموالنا، ولا بمناصبنا، ولا بالكلام المنمق، ولا بالفصاحة، فالعرب كانت لهم ألسنة فصيحة وفتح الله عليهم من البيان حتى كانت معجزتهم القرآن.
يقنع الناس بجدوى زمزم
تعليق