إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

القواعد الحسان فى أسرار الطاعة والإستعداد لرمضان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    وسائل تحصيل حلاوة الذكر




    أولاً: معرفة المقصود من الذكر وهو إجلال مقام الله والخوف منه وخشيته ومهابته وقدرُهُ حق قدره، وبهذا المعنى يكون الذكر منسحبًا على كل زمان ومكان يوجد فيه الإنسان.


    ثانيًا: أن يلحظ الذاكر نعمة الله الخليقة لنوالهم شرف ذكره وكرامة ورود كلماته على الخواطر وجريانها في الجوارح مع تلبسها بمعصيته وجحود آلائه ونعمائه.


    ثالثاً: لزوم جناب الاحتشام عند ذكر الله باستحضار مراقبته وإطلاعه، وكان بعض السلف إذا ذكر الله لم يمد رجليه، وقد وصف الله المؤمنين بأنهم: {إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} ووجل القلب خوفه من الله، قال أبو حيان في تفسيره، وقرأ ابن مسعود: فرقت، وقرأ أُبي: فزعت.

    رابعًا: أن يستشعر ويستحضر معنى حديث: "أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه" رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم والبيهقي والحاكم،
    ولا يحولن عطنُ الفلاسفة والمتكلمين والمعطلة والجهمية بينك وبين جمال هذا المعنى وجلاله، فما دمت بنيت في ذهنك مقام الربوبية على الإثبات والتنزيه، فأمِرَّ النصوص كما جاءت كما فعل السلف تنتفع ببركة تلك النصوص.
    واعلم أن المدد من الله على قدر تقواك وصبرك، وحضور القلب على قدر استجماع الفكر في الذكر، والدليل قوله تعالى: {بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين}.

    خامسًا: عدم اليأس من تأخر الفتح، فمن أدمن قرع الباب يوشك أن يؤذن له، وملازمة الإلحاح والوقوف بالباب مع الإطراق بانكسار واختجال علامة التوفيق والقبول، تأمل قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا} تجد أن المخلّف ممتحن في حقيقة الأمر: {ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين}.


    سادسًا: يقول ابن القيم في الفوائد: من الذاكرين من يبتدئ بذكر اللسان وإن كان على غفلة ثم لا يزال فيه حتى يحضر قلبه فيتواطأ على الذكر، ومنهم من لا يرى ذلك ولا يبتدئ على غفلة بل يسكن حتى يحضر قلبه فيشرع في الذكر بقلبه فإذا قوي استتبع لسانه فتواطأ جميعًا، فالأول ينتقل الذكر من لسانه إلى قلبه والثاني ينتقل من قلبه إلى لسانه من غير أن يخلو قلبه منه بل يسكن أولاً حتى يُحسنَّ بظهور الناطق فيه، فإذا أحس بذلك نطق قلبه ثم انتقل النطق القلبي إلى الذكر اللساني ثم يستغرق في ذلك حتى يجد كل شيء منه ذاكرًا، وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلبُ اللسان وكان من الأذكار النبوية وشهد الذاكر معانيه ومقاصده. أهـ. ومثل هذا لا يحسنه إلا ابن القيم رحمه الله.
    والمذهب عندنا هو الوسيلة الثانية أي عدم الابتداء على غفلة بل يسكن الذاكر حتى يحضر القلب، وسبيله أن يستحضر نفسه واقفًا بباب الرحمة مطرقًا ينتظر الإذن بالدخول ويجول بقلبه الكسير حول معاني الرحمة والود والقبول، فذلك قمين أن يحضر به القلب.

    أما لزوم كون.. الذكر من الوارد في السُنَّة فهذا بَدَهي لا نطيل في تقريره، فمن سلك غير طريق محمد صلى الله عليه وسلم أنىّ له الوصول؟
    أما شهود من عاني الذكر ومقاصده فهذا من أعظم أبواب حضور القلب والانتفاع بالذكر وخاصة إذا كانت من المعاني الراقية الرفيعة التي صيغت في حنايا سيد الذاكارين .
    وسنضرب مثالاً في كيفية التفكر والتدبر في الذكر ليكون كالشاهد على غيره من الأذكار، فمن أذكار الصباح والمساء التي يرددها المؤمن قوله صلى الله عليه وسلم : "أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما بعده رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكِبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر" رواه مسلم.

    فيستحضر ما ذكرناه آنفًا ثم يتدبر الكلمات مظهرًا لفقر والاحتياج والمسكنة، ويجول بقلبه في ملك الله وملكوته، فيتحقق عنده حقائق النعم (أصبحنا)، ويبصر عظيم منة الله إذا منَّ عليه بالحياة فأصبح معافى، مع أنه كان آيسًا من إدراك الصباح، كان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء" رواه البخاري، وها هي رعاية الله تتداركه فيرسل لها روحها بعد توفيها، قال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} ومع غمرة الفرحة بنعمة الله يتدارك نفسه بذكر المنعم حتى لا تضمحل رؤية المنعم في خضم الفرحة بالنعمة فينسب كل النعم بل كل هذا الملك إلى المنصرف الحقيقي فيه (وأصبح الملك لله) ومع نسبة النعمة لصاحبها والبوء لمسديها لا ينبغي أن ينسى العبد شكر ربه والثناء عليه فيحمده (والحمد لله)، ثم يشهد شهادة التوحيد (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) وسر ذلك: الإقرار بالألوهية بعد الإقرار بالربوبية، فالربوبية هي التصرف والتدبير والملك وهي متضمنة في قوله: (أصبحنا وأصبح الملك لله) والألوهية هي إثبات استحقاق الله عز وجل بالألوهية أي كونه إلهًا يعبد ولا يعبد أحدٌ معه، ثم يكرر بعض معاني الربوبية الأخرى ويحوم حول بعض أسمائه عز وجل وصفاته ليصُقل قلبه بتوحيد الأسماء والصفات فهو سبحانه (له الملك) أي أنه الملك، (وله الحمد) أي المحمود الحميد.
    ثم يعترف بشمول قدرة الله لكل الأشياء، والشيء أعم لفظة في اللغة لشمولها الموجود والمعدوم والكبير والصغير والعظيم والحقير، ثم يبدأ بعد جولة الثناء على الله، هذه الجولة التي لا بد أن يشعر فيها بتحليق روحه بين تلك المعاني الراقية، الذي هو مخ العبادة، فيبدأ دعاءه المتناسب مع الزمان، فيسأل ربه خير هذا اليوم وخير ما بعده وكلمة (خير) مفرد مضاف، فيفيد العموم كما قال الأصوليون، فهو سؤال لكل خير ولأي خير أن يناله بفضل من الله ورحمة، ومقتضى سؤال الخير ألا يُبتلى بالشر لأن الشر ليس بخير، ولكنه يؤكد الاستعاذة من الشر بترداد ألفاظها إمعانًا في التذلل وتأكيدًا في المسألة وإلحاحًا في الرغبة.
    ولما كان الذاكر يستقبل يومًا جديدًا أو ليلة جديدة فإنه يحتاج إلى كل معونة على كل عجز يُقعده عن الانتفاع بيومه وليله، وعجز الإنسان إما أن يكون قدريًا أي لا حيلة له في دفعه، أو كسبيًا، فهو يستعيذ من العجز القدري وهو (سوء الكِبَر) وذلك بأن يبارك له ربه في جوارحه وقوته ونشاطه، ومن العجز الكسبي وهو (الكسل) وذلك بأن يُلهم النشاط وكراهية الدعة والخمول.
    ولما كان الذاكر في جولة قلبية مع تلك المعاني المناسبة لزمان اليوم والليلة فإنه يفيق بعد تلك الجولة على حقيقة سيره إلى الله وأن غاية مراده من الذكر والاستعاذة من الشرور أن ينجو حقيقة بدخول الجنة والزحزحة عن النار فيتدارك لسانه هذا الذاكر الذي دندن حوله الرسول r ومعاذ بن جبل فيردد صدى دندنتهما في الكون بترنيمة السالكين الأبدية (رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر).
    وفي ذكر القبر في ختام الدعاء والذكر سر عجيب، فإنه بدا ذكره بالتحليق في أرجاء ملك الله الواسع (أصبحنا وأصبح الملك لله) ثم إنه استشعر سعة الكون بشموله قدرته عز وجل وتصرفه فيه، وهو خليق أن يجعله مبهورًا بهذه السعة، فيأتي ذكر القبر ليرده عن هذا التوسع والشعور بالرحابة، ويذكّرَ الضيق الذي ينتظره في القبر وكذا بأهواله وخطوبه.
    فيا له من ذكر يصعد بالإنسان إلى أعلى عليين ثم ينزل به إلى اسفل سافلين، فإذا هو بعد الذكر قد تجلت له الحقائق ورأى الدنيا وملك الله من زاوية السعة ومن زاوية الضيق فتتضاءل نفسه أمام هذا الإعجاز وتصغر ذاته في عمق هذه المعاني، وهذه هي أحلى فوائد الذكر، أن يجد الذاكر في نفسه قدرة على إدراك حقائق الأمور، فيرى ضالة ذاته، وعظمة ربه، ويبصر تصرف المليك في الكون والخليقة.

    سابعًا: أفضل أحوال الذكر: يفضل الذكر في الخلوات عنه في الجلوات أي على مشهد من الناس، قال صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين سيظلهم الله في ظله: "ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه". رواه البخاري، والخلوة يجب أن تكون بمنأى عن أعين الناس وعن جلبتهم وضوضائهم، لذا يفضل في الخلوة الهدوء التام والظلام وعدم الإزعاج وقطع لحظات المناجاة، ولا يشرع اتخاذ الخلوات في الجبال والفيافي بما يشبه الرهبنة كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية، بل الخلوة الشرعية تكون في المسجد بالاعتكاف أو في المنازل والبيوتات، ولا يشرع الاعتزال واتخاذ الخلوة في شعب الجبال إلا زمان الفتن التي تعصف بالإيمان والمؤمنين، أما زمن الجهاد والدعوة والإصلاح فلا تشرع العزلة بحال على قول جمهور الفقهاء والمحدثين وأهل السلوك.
    وثمة آداب أخرى في حق الذاكر يستحب له إتيانها منها لبس أحسن الثياب وتجديد الوضوء والتطيب واستقبال القبلة على الدوام، ودوام الإطراق، ولزوم الأدب في الجلوس، واستصحاب السواك واستعماله.


    تنبيه: واعلم أيها النابه أن كل ما ذكرناه لك عن الذكر وفقهه وآدابه وأحكامه وأسراره يجري في قراءة القرآن الكريم وتدبره وتفهمه، فهو أعظم الذكر وأحلاه.
    فاستحضر ما قررناه ونفذه عند تلاوة القرآن الكريم مع ضرورة الإلمام بجملة من فضائل تلاوة القرآن وتدبره في نصوص الكتاب والسنة فإنه خير معوان لك على حب القرآن والانتفاع منه وبه.

    وسيأتي إن شاء الله فصل خاص حول تلاوة القرآن نلخص فيه كلام الغزالي رحمه الله.
    ***

    تعليق


    • #17
      وسائل تحصيل لذة الصوم


      وهذا من أعجب الأسرار، ولم أجد أحدًا تكلم فيها بما يشفي، والمقصود أيها السالك: إيقافك على أسرار العبادة وجمال الخدمة وشرف القيام بالأمر،

      فالعبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة،
      ومقتضى قيامك بأداء العبادة أن تجد ثمرتها، وثمرة العبادة تكليف شرعي، فمثلاً: يقول عن الصلاة: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} أي الصلاة الصحيحة الكاملة، ولكنه لم يتكلم عن لذة العبادة والمناجاة والخطاب وحلاوة القيام بتلك الصلاة وكذلك الصوم حين قال: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} فالتقوى أيضًا كالانتهاء من الفحشاء والمنكر كلاهما مأمور به.
      وسر عدم التعرض للذة العبادة وجعلها مقصودًا وغاية مباشرة أن هذه اللذة والحلاوة هي من صميم مقام الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه" ولو جُعلت مقصودًا وغاية لعَجَزَ جمهور المكلفين عن أن يحصّلوا هذه اللذة ليتأكدوا من حصول ثمرة العبادة، وليأس كثير من السالكين حيث يجتهدون ولما يأتهم المدد، فكان تكليفهم بالقريب الملموس والسهل اليسير لأن علامات التقوى والانتهاء عن المنكر واضحة، أما باطن هذه الغايات وجوهرها فهو الالتذاذ بالخدمة والشعور بالنسبة (نسبة العبد لربه) كما قال صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الطائف وأذيه أهلها له وإهانتهم لشخصه، قال: "إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي" وهذا من أجمل الألفاظ النبوية الجامعة الخارجة من مشكاة خليل رب العالمين، ولذلك كان سيد الاستغفار سيدًا لما فيه من الشعور بالنسبة ولذة الخطاب: "أنت ربي.. خلقتني وأنا عبدك.. فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".


      وممـا زادنـي شـرفًا وتيـهًا وكدت بأخمصي أطأ الثريا
      دخولـي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيًا



      وكذلك الصوم تتحصل اللذة فيه من الشعور بالنسبة والالتذاذ بالخدمة قال تعالى في الحديث القدسي: "الصوم لي وأن أجزي به…" هذه هي النسبة، وقال: "ترك طعامه وشهوته من أجلي" وهذه هي حقيقة الالتذاذ بالخدمة.
      ولذلك كان يبس الشفاة من العطش، وقرقرة البطون من الجوه: أهنأ ما لاقاه الصائمون وأمرأ ما ظفر به أولئك الجياع العطشى.
      فبينما هو يتألم – وقد تلوى من جوع البطن- يتوارد على فؤاده خاطرة: أن هذا الألم يصبر عليه تعظيمًا لحق الله ومهابة لنظره وإطلاعه فيرضى عن حاله ويشبع من رضا الله عنه ولا يطمع في أي نعمة تحول بينه وبين لذة هذا الألم.
      لكنه سرعان ما يطأطئ منكسرًا وجلاً، خائفًا لئلا يقبل الله منه فيتضافر ألم البطون مع ألم القلوب ويتعاظم هذا الألم حتى تتداركه عناية الله وإمداداته فيفيض عليه من جميل لطفه وإنعامه فيسكن هذان الألمان المتضافران وينقلبان حلاوة غامرة ولذة عامرة بل وشوقًا للقاء الله حتى تتم فرحته التي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم "وفرحة عند لقاء ربه".
      وإذا تأملت هذه المعاني أدركت سر قوله صلى الله عليه وسلم : "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع" رواه ابن ماجة (صحيح الجامع)
      وقوله صلى الله عليه وسلم : "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش" رواه الطبراني في الكبير وغره (صحيح الجامع)
      وربما ضربت كفًا على كف من اجتماع هذه المتناقضات، ألم، ولذة، وجوع، وشبع، وعطش، وريٌّ، ولا يمنعنك هذا العجب من ولوج هذا الطريق والسير فيه، فمن سلكه رأى من آيات ربه الكبرى.

      فأحسن القصد، وولّد العزم، وتسلح بالهمة، وابدأ السير، وِجدَّ في الترّحال، واطلب الراحة في العناء، وارض عن نفسك إذا كان مسعاها في المعالي، ولا تركن إلى غبن أهل الدنيا، ومنِّ نفسك بالفوز الربيح، وادخر الثمن الغالي لسلعة الله "ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".

      تعليق


      • #18
        وسائل تحصيل لذة الصلاة


        (اعلم أن هذه المعاني تكثر العبارات عنها ولكن يجمعها ست جمل وهي:

        (1) حضور القلب
        (2) التفهُّم
        (3) التعظيم
        (4) الهيبة
        (5) الرجاء
        (6) الحياء


        فلتذكر تفاصيلها ثم أسبابها ثم العلاج في اكتسابها،



        أما التفصيل:

        فالأول: حضور القلب، ونعني به أن يفرَّغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلمٌ به، فيكون العلم بالفعل والقول مقرونًا بهما، ولا يكون الفكر جائلاً في غيرهما، ومهما انصرف القلب في الفكر عن غير ما هو فيه- وكان في قلبه ذكر لما هو فيه- ولم يكن فيه غفلة عن كل شيء فقد حصل حضور القلب.

        والثاني: هو التفهم لمعنى الكلام، وهو أمر وراء حضور القلب، فربما يكون القلب حاضرًا مع اللفظ ولا يكون مع معنى اللفظ، فاشتمال القلب حاضرًا على العلم بمعنى اللفظ هو الذي أردناه بالتفهم، وهذا مقام يتفاوت الناس فيه إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعاني للقرآن والتسبيحات.. وكم من معان لطيفة يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه ذلك قبله؟ ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، فإنها تُفَهم أمورًا، تلك الأمور تمنع عن الفحشاء لا محالة.


        والثالث: التعظيم وهو أمر وراء حضور القلب والفهم، إذ الرجل يخاطب عبده بكلام هو حاضر القلب فيه ومتفهم لمعناه ولا يكون معظمًا له فالتعظيم زائد عليهما.


        والرابع: وهو الهيبةُ فزائدة على التعظيم بل هي عبارة عن خوف منشؤة التعظيم لأن من لا يخاف لا يسمى هائبًا، والمخافة من العقرب وسوء خلق العبد وما يجري مجراه من الأسباب الخسيسة لا تسمى مهابة، بل الخوف من السلطان المعظم يسمى مهابة، والهيبة خوف مصدرها الإجلال.


        والخامس: وهو الرجاء فلا شك أنه زائد فكم من معظم ملكًا من الملوك يهابه أو يخاف سطوته ولكن لا يرجو مثوبته، والعبد ينبغي أن يكون راجيًا بصلاته ثواب الله عز وجل كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله عز وجل.

        السادس: وهو الحياء فهو زائد على الجملة لأن مستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب، ويتصور التعظيم والخوف والرجاء من غير حياء حيث لا يكون توهم تقصير وارتكاب ذنب.

        وأما أسباب هذه المعاني الستة:
        فاعلم أن حضور القلب سببه الهمة فإن قلبك تابع لهمتك فلا يحضر إلا فيما يهمك. ومهما أهمك أمر حضر القلب فيه شاء أم أبى فهو مجبول على ذلك ومسخر فيه والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلاً بل جائلاً فيما الهمة مصروفة إليه من أمور الدنيا، فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلا بصرف الهمة إلى الصلاة، والهمة لا تنصرف إليها ما لم يتبين أن الغرض المطلوب منوط بها وذلك هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى وأن الصلاة وسيلة إليها، فإذا أضيف هذا إلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهماتها حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة، وبمثل هذه العلة يحضر قلبك إذا حضرت بين يدي بعض الأكابر ممن لا يقدر على مضرتك ومنفعتك، فإذا كان لا يحضر عند المناجاة مع ملك الملوك الذي بيده الملك والملكوت والنفع والضر فلا تظنَّن أن له سببًا سوى ضعف الإيمان فاجتهد الآن في تقويته.
        وأما التفهم فسببه بعد حضور القلب إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى وعلاجه الذي هو علاج إحضار القلب مع الإقبال على الفكر والتشمر لدفع الخواطر، وعلاج دفع الخواطر الشاغلة قطع موادها، أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تنجذب الخواطر إليها، وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر، فمن أحب شيئًا أكثر ذكره، فذكر المحبوب يهجِم على القلب بالضرورة، ولذلك ترى أن من أحب غير الله لا تصفو له صلاة عن الخواطر.
        وأما التعظيم فهي حالة للقلب تتولد من معرفتين: إحداهما: معرفة جلال الله عز وجل وعظمته وهو من أصول الإيمان، فإن من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه. والثانية: حقارة النفس وخستها وكونها عبدًا مسخرًا مربوبًا، حتى يتولد من المعرفتين الاستكانة والانكسار والخشوع لله سبحانه فيعبر عنه بالتعظيم، وما لم تمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الله لا تنتظم حالة التعظيم والخشوع فإن المستغني عن غيره الآمن على نفسه يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله، لأن القرينة الأخرى وهي معرفة حقارة النفس وحاجتها لم تقترن إليه.
        وأما الهيبة والخوف فحالة للنفس تتولد من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به، وأنه لو أهلك الأولين والآخرين لم ينقص ذلك من ملكه ذرة، هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع على خلاف ما يشاهد من ملوك الأرض، وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة.
        وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة، فإذا حصل اليقينُ بوعده والمعرفةُ بلطفه انبعث من مجموعها الرجاء لا محالة.
        وأما الحياء فباستشعاره التقصير في العبادة، وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله عز وجل، ويقوىَ ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها وخبث دخيلتها وميلها إلى الحظ العاجل في جميع أفعالها، مع العلم بعظيم ما يقتضيه جلال الله عز وجل، والعلم بأنه مطلع على السر وخطرات القلب وإن دقت وخفيت، وهذه المعارف إذا حصلت يقينًا انبعث منها بالضرورة حالة تسمى الحياء، فهذه أسباب هذه الصفات وكل ما طُلب تحصيله فعلاجه إحضار سببه، ففي معرفة السبب معرفة العلاج، ورابطة جميع هذا الأسباب الإيمان واليقين، أعني به هذه المعارف التي ذكرناها، ومعنى كونها يقينًا انتفاءُ الشك واستيلاؤها على القلب، وبقدر اليقين يخشع القلب، وباختلاف المعاني التي ذكرناها في القلوب انقسم الناس إلى غافل يتمم صلاته ولم يحضر قلبه في لحظة منها، وإلى من يتمم ولم يغب قلبه في لحظة بل ربما كان مستوعب الهم بها بحيث لا يحس بما يجري بين يديه، ولذلك لم يحس مسلم بن يسار بسقوط الاسطوانة في المسجد وقد اجتمع الناس عليها، وبعضهم كان يحضر الجماعة مدة ولم يعرف قط من على يمينه ويساره، وجماعة كانت تصفر وجوههم وترتعد فرائصُهم.

        وكل ذلك غير مستبعد فإن أضعافه مشاهد في همم أهل الدنيا وخوف ملوك الدنيا مع عجزهم وضعفهم وخساسة الحظوظ الحاصلة منهم حتى يدخل الواحد على ملك أو وزير ويحدثه بمهمته ثم يخرج، ولو سئل عمن حواليه أو ثوب الملك لكان لا يقدر على الإخبار عنه لاشتغال همه عن ثوبه وعن الحاضرين حواليه {ولكل درجات مما عملوا}، فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه وخشوعه وتعظيمه فإن موقع نظر الله سبحانه القلوبُ دون ظاهر الحركات، ولذلك قال بعض الصحابة : يحشر الناس يوم القيامة على مثل هيئتهم في الصلاة من الطمأنينة والهدوء ومن وجود النعيم بها واللذة، ولقد صدق، فإنه يحشر كلٌ على ما مات عليه، ويموت على ما عاش عليه، ويراعى في ذلك حال قلبه لا حال شخصه، فمن صفات القلوب تصاغ الصور في الدار الآخرة ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم، نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه.



        تعليق


        • #19
          بيان الدواء النافع في حضور القلب




          أعلم أن المؤمن لابد أن يكون معظمًا لله عز وجل وخائفًا منه وراجيًا له ومستحييًا من تقصيره، فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد إيمانه، وإن كانت قوتها بقدر قوة يقينه، فانفكاكه عنها في الصلاة لا سبب له إلا تفرق الفكر وتقسيم الخاطر وغيبة القلب عن المناجاة والغفلة عن الصلاة.
          ولا يلهي عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة، فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه فلتعلم سببه. وسبب موارد الخواطر إما أن يكون أمرًا خارجًا أو أمرًا في ذاته باطنًا، أما الخارج فما يقرع السمع أو يظهر للبصر، فإن ذلك قد يختطف الهم حتى يتبعه ويتصرف فيه ثم تنجر منه الفكرة إلى غيره ويتسلسل، ويكون الإبصار سببًا للافتكار، ثم تصير بعض تلك الأفكار سببًا للبعض الآخر.
          ومن قويت نيته وعلت همته لم يلهه ما جرى على حواسه ولكن الضعيف لابد وأن يتفرّق به فكره، وعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره أو يصلي في بيت مظلم أو لا يترك بين يديه ما يشغل حسه وبقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره، ويحترز من الصلاة على الشوارع وفي المواضع المنقوشة المصنوعة وعلى الفرش المصبوغة، ولذلك كان المتعبدون يتعبدون في بيت صغير مظلم سعته قدر السجود ليكون ذلك أجمع للهمم.
          والأقوياء منهم كانوا يحضرون المساجد ويغضون البصر ولا يجاوزون به موضع السجود ويرون كمال الصلاة في أن لا يعرفوا من على يمينهم وشمالهم، وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يدع في موضع الصلاة مصحفًا ولا سيفًا إلا نزعه ولا كتابًا إلا محاه.
          وأما الأسباب الباطنة فهي أشد فإن من تشعبت به الهموم في أودية الدنيا لا ينحصر فكره في فن واحد بل لا يزال يطير من جانب إلى جانب، وغض البصر لا يغنيه، فإن ما وقع في القلب من قبلُ كافٍ للشغل، فهذا طريقه أن يرد النفس قهرًا إلى فهم ما يقرؤه في الصلاة ويشغلها به عن غيره، ويعينه على ذلك أن يستعد له قبل التحريم بأن يحدد على نفسه ذكر الآخرة وموقف المناجاة وخطر المقام بين يدي الله سبحانه وهو المطلع، ويفرغ قلبه قبل التحريم بالصلاة عما يهمه فلا يترك لنفسه شغلاً يلتفت إليه خاطره،

          قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن طلحة : "إني نسيت أن أقول لك أن تخمر القدْر الذي في البيت، فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل الناس عن صلاتهم" رواه أبو داود ،

          فهذا طريق تسكين الأفكار. فإن كان لا يسكن هوائج أفكاره بهذا الدواء المسكن، فلا ينجيه إلا المسهل الذي يقمع مادة الداء من أعماق العروق، وهو أن ينظر في الأمور الصارفة الشاغلة عن إحضار القلب، ولاشك أنها تعود إلى مهماته، وأنها إنما صارت مهمات لشهواته، فيعاقب بها نفسه بالنزوع عن تلك الشهوات وقطع تلك العلائق، فلك ما يشغله عن صلاته فهو ضد دينه ومن جند إبليس عدوِّه، فإمساكه أضر عليه من إخراجه فيتخلص منه بإخراجه،

          كما روي أنه صلى الله عليه وسلم لما لبس الخميصة التي أتاه بها أبو جهم وعليها علَمٌ وصلى بها نزعها بعد صلاته، وقال صلى الله عليه وسلم : "اذهبوا بها إلى أبي جهم فإنها ألهتني عن صلاتي وائتوني بأنْبَجَانية أبي جهم" متفق عليه،


          وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجديد شراك نعله ثم نظر إليه في صلاته إذ كان جديدًا فأمر أن ينزع منها ويردَّ الشراك الخلق، أخرجه ابن المبارك في الزهد مرسلاً بإسناد صحيح.


          فأما ما ذكرناه من التلطف بالتسكين والرد إلى فهم الذكر فذلك ينفع الشهوات الضعيفة والهمم التي لا تشغل إلا حواشي القلب.
          فأما الشهوة القوية المرهقة فلا ينفع فيها التسكين بل لا تزال تجاذبها وتجاذبك ثم تغلبك وتنقضي صلاتك في شغل المجاذبة،
          ومثاله: رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره وكانت أصوات العصافير تهوش عليه، فلم يزل يطيرها بخشبة في يده ويعود إلى فكره فتعود العصافير فيعود إلى التنفير بالخشبة، فقيل له: إن أردت الخلاص فاقطع الشجرة، فكذلك شجرة الشهوات إذا تشعبت وتفرعت أغصانها انجذبت إليها الأفكار انجذاب العصافير إلى الأشجار وانجذاب الذباب إلى الأقذار، والشغل يطول في دفعها، فإن الذباب كلما ذُبّّ آب، ولأجله سمي ذبابًا، فكذلك الخواطر، وهذه الشهوات كثيرة وقلما يخلو العبد عنها ويجمعها أصل واحد وهو حب الدنيا، وذلك رأس كل خطيئة وأساس كل نقصان ومنبع كل فساد.
          ومن انطوى باطنه على حب الدنيا حتى مال إلى شيء منها لا ليتزود ولا ليستعين بها على الآخرة فلا يطمعن في أن تصفو له لذة المناجاة في الصلاة، فإن من فرح بالدنيا لا يفرح بالله سبحانه وبمناجاته.
          وهمة الرجل مع قرة عينه، فإن كانت قرة عينه في الدنيا انصرف لا محالة إليها همه، ولكن مع هذا فلا ينبغي أن يترك المجاهدة ورد القلب إلى الصلاة وتقليل الأسباب الشاغلة، فهذا هو الدواء ولمرارته استبشعته الطباع وبقيت العلة مزمنة وصار الداء عُضالاً، حتى إن الأكابر اجتهدوا أن يصلوا ركعتين لا يحدّثون أنفسهم فيها بأمور الدنيا فعجزوا عن ذلك، فإذن لا مطمع فيه لأمثالنا، وليته سلم لنا من الصلاة شطرها أو ثلثها من الوساوس لتكون ممن خلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا.

          وعلى الجملة فهمة الدنيا وهمة الآخرة في القلب مثل الماء الذي يصب في قدح مملوء بخلّ، فبقدر ما يدخل فيه الماء يخرج من الخل لا محالة ولا يجتمعان.


          تعليق


          • #20
            بيان تفصيل ما ينبغي أن يحضر في القلب عند

            كل ركن وشرط من أعمال الصلاة

            فنقول: حقك إن كنت المريدين للآخرة أن لا تغفل أولاً عن التنبيهات التي في شروط الصلاة وأركانها، أما الشروط السوابق فهي الآذان والطهارة وستر العورة واستقبال القبلة والانتصاب قائمًا والنية.
            فإذا سمعت نداء المؤذن فاحضر في قلبك هول النداء يوم القيامة، وتشمّر بظاهرك وباطنك للإجابة والمسارعة، فإن المسارعين إلى هذا النداء هم الذين يُنادون باللطف يوم العرض الأكبر، فاعرض قلبك على هذا النداء فإن وجدته مملوءًا بالفرج والاستبشار مشحونًا بالرغبة إلى الابتدار فاعلم أنه يأتيك النداء بالبُشرى والفوز يوم القضاء،

            ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : "أرحنا بها يا بلال"
            أي أرحنا بها وبالنداء إليها إذ كان قرة عينه فيها صلى الله عليه وسلم .

            وأما الطهارة فإذا أتيت بها في مكانك وهو ظرفُك الأبعد ثم في ثيابك وهي غلافُك الأقرب، ثم في بشرتك وهي قِشرُك الأدنى فلا تغفل عن لُبك الذي هو ذاتك وهو قلبك، فاجتهد له تطهيرًا بالتوبة والندم على ما فرّطت، وتصميم العزم على الترك في المستقبل، فطهّر بها باطنك فإنه موضع نظر معبودك.
            وأما ستر العورة فاعلم أن معناه تغطية مقابح بدنك عن أبصار الخلق، فإن ظاهر بدنك موقع لنظر الخلق، فما بالك في عورات باطنك وفضائح سرائرك التي لا يطّلع عليها إلا ربك عز وجل! فأحضر تلك الفضائح ببالك وطالب نفسك بسترها، وتحقق أنه لا يستر عن عين الله سبحانه ساتر، وإنما يغفرها الندم والحياء والخوف، فتستفيد بإحضارها في قلبك انبعاث جنود الخوف والحياء من مكامنهما ويستكين تحت الخَجْلة قلبُك، وتقوم بين يدي الله عز وجل قيام العبد المجرم المسيء الآبق الذي ندم فرجع إلى مولاه ناكسًا رأسه من الحياء والخوف.
            وأما استقبال القبلة فهو صرفُ ظاهر وجهك عن سائر الجهات إلى جهة بيت الله تعالى، افترى أن صرف القلب عن سائر الأمور إلى الله عز وجل ليس مطلوبًا منك؟ هيهات، فلا مطلوب سواه، وإنما هذه الظواهر تحريكات البواطن وضبط للجوارح وتسكين لها بالإثبات في جهة واحدة حتى لا تبغي على القلب، فإنها إذا بغت وظلمت في حركاتها والتفاتها إلى جهاتها استتبعت القلب وانقلبت به عن وجه الله عز وجل فليكن وجه قلبك مع وجه بدنك.
            وأما الاعتدال قائمًا فإنما هو مثول بالشخص والقلب بين يدي الله عز وجل، فليكن رأسك الذي هو أرفع أعضائك مُطرقًا مُطأطِئًا مُنكسًا، وليكن وضع الرأس عن ارتفاعه تنبيهًا على إلزام القلب التواضع والتذلل والتبري عن الترؤّس والتكبر، وليكن على ذكرنا ههنا خطرُ القيام بين يدين الله عز وجل في هول المطلع عند العرض للسؤال واعلم في الحال أنك قائم بين يدي الله عز وجل وهو مطَّلعٌ عليك فقم بين يديه قيامك بين يدي بعض ملوك الزمان إن كنت تعجز عن معرفة قدره جل جلاله، قبل قدّر في دوام قيامك في صلاتك أنك ملحوظ ومرقوب بعين كالِئَة من رجل صالح من أهلك أو ممن ترغب في أن يعرفك بالصلاح، فإنه تهدأ عند ذلك أطرافك وتخشع جوارحك وتسكن جميع أجزائك خيفة أن ينسيك ذلك العاجز المسكين إلى قلة الخشوع، وإذا أحسست من نفسك خشوعًا عند ملاحظة عبد مسكين فعاتب نفسك وقل لها: إنك تدّعين معرفة الله وحبه أفلا تستحين من استجرائك عليه مع توقيرك عبدًا من عباده؟ أو تخشين الناس ولا تخشينه وهو أحق أن يُخشى؟

            ولذلك لما قال أبو هريرة: كيف الحياء من الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم : "تستحي منه كما تستحي من الرجل الصالح من قومك" ، وروي: "من أهلك".

            وأما النية فاعزم على إجابة الله عز وجل في امتثال أمره بالصلاة وإتمامها والكف عن نواقضها ومفسداتها وإخلاص جميع ذلك لوجه الله سبحانه رجاء لثوابه وخوفًا من عقابه وطلبًا للقربة منه، متقلدًا للمنة منه بإذنه إياك في المناجاة مع سوء أدبك وكثرة عصيانك، وعظم في نفسك قدر مناجاته وانظر من تناجي وكيف تناجي وبماذا تناجي؟ وعند هذا ينبغي أن يعرق جبينك من الخجل وترتعد فرائصك من الهيبة ويصفرّ وجهك من الخوف.
            وأما التكبير فإذا نطق به لسانك فينبغي أن لا يكذبه قلبُك فإن كان في قلبك شيء هو أكبر من الله يشهد إنك لكاذب،

            وإن كان الكلام صدقًا كما شهد على المنافقين في قولهم:

            إنه صلى الله عليه وسلم رسول الله،

            فإن كان هواك أغلب عليك من أمر الله عز وجل فأنت أطوع له منك لله تعالى فقد اتخذته إلهك وكبرته فيوشك أن يكون قولك "الله أكبر" كلامًا باللسان المجرد، وقد تخلف القلب عن مساعدته، وما أعظم الخطر في ذلك لولا التوبة والاستغفار وحسن الظن بكرم الله تعالى وعفوه.
            وأما دعاء الاستفتاح فأول كلماته قولك: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض"
            وليس المراد بالوجه الوجه الظاهر فإنك إنما وجهته إلى جهة القبلة والله سبحانه ليس هنالك، وإنما وجهُ القلب هو الذي تتوجه به إلى فاطر السموات والأرض، فانظر إليه أمتوجه هو إلى أمانيه وهمه في البيت والسوق، متبعٌ للشهوات، أو مقبلٌ على فاطر السموات؟ وإياك أن تكون أول مفاتحتك للمناجاة بالكذب والاختلاق.
            ولن ينصرف الوجه إلى الله تعالى إلا بانصرافه عما سواه فاجتهد في الحال في صرفه إليه وإن عجزت عنه على الدوام فليكن قولك في الحال صادقًا، وإذا قلت: "حنيفًا مسلمًا" فينبغي أن يخطر ببالك أن المسلم هو الذي سلم المسلمون من لسانه ويده، فإن لم تكن كذلك كنت كاذبًا، فاجتهد في أن تعزم عليه في الاستقبال وتندم على ما سبق من الأحوال،
            وإذا قلت: "وما أنا من المشركين"
            فاخطر ببالك الشرك الخفي
            فإن قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} نزل فيمن يقصد بعبادته وجه الله وحمد الناس، وكن حذرًا مشفقًا من هذا الشرك، واستشعر الخجلة في قلبك إن وصفت نفسك بأنك لست من المشركين من غير باءة عن هذا الشرك، فإن اسم الشرك يقع على القليل والكثير منه.
            وإذا قلت: "محياي ومماتي لله" فاعلم أن هذا حال عبدٍ مفقودٍ لنفسه موجودٍ لسيده، وأنه إن صدر ممن رغبتُهُ في الحياة ورهبته من الموت لأمور الدنيا لم يكن ملائمًا للحال.. وإذا قلت: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فاعلم أنه عدوك ومترصد لصرف قلبك عن الله عز وجل حسدًا لك على مناجاتك مع الله عز وجل وسجودك له، مع أنه لُعن بسبب سجدة واحدة تركها ولم يوفق لها، وإن استعاذتك بالله سبحانه منه بترك ما يحبه وتبديله بما يحبه الله عز وجل ولا بمجرد قولك، فإن من قصد سبعُ أو عدو ليفترسه أو يقتله فقال: أعوذ منك بذلك الحصن الحصين وهو ثابت على مكانه، فإن ذلك لا ينفعه، بل لا يعيذه إلا تبديل المكان، فكذلك من يتبع الشهوات التي هي محاب الشيطان ومكاره الرحمن فلا يغنيه مجرد القول، فليقترن قوله بالعزم على التعوذ بحصن الله عز وجل عن شر الشيطان.
            واعلم أن من مكايده أن يشغلك في صلاتك بذكر الآخرة وتدبير فعل الخيرات ليمنعك عن فهم ما تقرأ.
            فاعلم أن لك ما يشغلك عن فهم معاني قراءتك فهو وسواس، فإن حركة اللسان غير مقصودة بل المقصود معانيها، فأما القراءة فالناس فيها ثلاثة: رجل يتحرك لسانه وقلبه غافل، ورجل يتحرك لسانه وقلبه يتبع اللسان فيفهم ويسمع منه كأنه يسمعه من غيره، وهي درجات أصحاب اليمين، ورجل سبق قلبه إلى المعاني أولاً ثم يخدم اللسان القلب فيترجمه.
            ففرق بين أن يكون اللسان ترجمان القلب أو يكون معلم القلب، والمقربون لسانهم ترجمانٌ يتبع القلب ولا يتبعه القلب، وتفصيل ترجمة المعاني أنك إذا قلت: {بسم الله الرحمن الرحيم} فَانْوِ به التبرك لابتداء القراءة لكلام الله سبحانه، وافهم أن الأمور كلها بالله سبحانه، وأن المراد بالاسم ههنا هو المسمى، وإذا كانت الأمور بالله سبحانه فلا جرم كان {الحمد لله} ومعناه أن الشكر لله إذ النعم من الله، ومن يرى من غير الله نعمة أو يقصد غير الله سبحانه بشكر لا من حيث إنه مسخَّر من الله عز وجل ففي تسميته وتحميده نقصانٌ بقدر التفاته إلى غير الله تعالى، فإذا قلت: {الرحمن الرحيم} فأحضر في قلبك جميع أنواع لطفه لتتضح لك رحمته فينبعث بها رجاؤك، ثم استثرْ من قلبك التعظيم والخوف بقولك: {مالك يوم الدين} أما العظمة فلأنه لا ملك إلا له، وأما الخوف فلهول يوم الجزاء والحساب الذي هو مالكه ثم جدد الإخلاص بقولك: {إياك نعبد} وجدد العجز والاحتياج والتبري من الحول والقوة بقولك: {وإياك نستعين} وتحقق أنه ما تيسرت طاعتك إلا بإعانته وأن له المنة إذ وفقك لطاعته واستخدمك لعبادته وجعلك أهلاً لمناجاته، ولو حرمك التوفيق لكنت من المطرودين مع الشيطان اللعين، ثم إذا فرغت من التعوذ ومن قولك: {بسم الله الرحمن الرحيم} ومن التحميد ومن إظهار الحاجة إلى الإعانة مطلقًا فعين سؤالك ولا تطلب إلا أهم حاجاتك وقل: {اهدنا الصراط المستقيم} الذي يسوقنا إلى جوارك ويفضي بنا إلى مرضاتك وزده شرحًا وتفصيلاً وتأكيدًا واستشهادًا بالذين أفاض عليهم نعمة الهداية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين دون الذين غضب عليهم من الكفار والزائغين من اليهود والنصارى والصابئين ثم التمس الإجابة وقل: {آمين}

            فإذا تلوت الفاتحة كذلك فيشبه أن تكون من الذين قال الله تعالى فيهم فيما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم : "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدي عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" رواه مسلم،

            فلو لم يكن لك من صلاتك حظ سوى ذكر الله لك في جلاله وعظمته فناهيك بذلك غنيمة، فكيف بما ترجوه من ثوابه وفضله؟ وكذلك ينبغي أن تفهم ما تقرؤه من السور- كما سيأتي الكلام على تلاوة القرآن- فلا تغفل عن أمره ونهيه ووعده ووعيده ومواعظه وأخبار أنبيائه وذكر مننه وإحسانه، ولكل واحد حق فالرجاء حق الوعد، والخوف حق الوعيد، والعزم حق الأمر والنهي، والاتعاظ حق الموعظة، والشكر حق ذكر المنة، والاعتبار حق إخبار الأنبياء.
            ورُوي أن زُرارة بن أوفى لما انتهى إلى قوله تعالى: {فإذا نقر في الناقور} خر ميتًا ، وكان إبراهيم النخعي إذا سمع قوله تعالى: {إذا السماء انشقت} اضطرب حتى تضطرب أوصاله، وتكون هذه المعاني بحسب درجات الفهم ويكون الفهم بحسب وفور العلم وصفاء القلب، ودرجات ذلك لا تنحصر، والصلاة مفتاح القلوب فيها تنكشف أسرار الكلمات، فهذا حق القراءة وهو حق الأذكار والتسبيحات أيضًا، ثم يراعي الهيبة في القراءة، فيرتل ولا يسرد فإن ذلك أيسر للتأمل، ويفرق بين نغماته في آية الرحمة والعذاب والوعد والوعيد والتحميد والتعظيم والتمجيد.

            كان النخعي إذا مر بمثل قوله عز وجل: {ما انخذ الله من ولد وما كان معه من إله} يخفض صوته كالمستحي عن أن يذكره بكل شيء لا يليق به ،، وروي أنه يقال لقارئ القرآن: "إقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا" ، وأما دوام القيام فإنه تنبيه على إقامة القلب مع الله عز وجل على نعت واحد من الحضور
            قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله عز وجل مقبل على المصلي ما لم يلتفت"،

            وكما تجب حراسة الرأس والعين عن الالتفات إلى الجهات فكذلك تجب حراسة السر عن الالتفات إلى غير الصلاة، فإذا التفت إلى غيره فذكّره باطلاع الله عليه وبقبح التهاون بالمناجي عند غفلة المناجي ليعود إليه، وألزِم لخشوع القلب، فإن الخلاص عن الالتفات باطنًا وظاهرًا ثمرة الخشوع.
            وكان الصدِّيق في صلاته كأن وتدٌ، وابن الزبير كأنه عُودٌ، وبعضهم كان يسكن في ركوعه بحيث تقع العصافير عليه كأنه جماد، وكل ذلك يتقضيه الطبع بين يدي من يعظم من أبناء الدنيا فكيف لا يتقاضاه بين يدي ملك الملوك عند من يعرف ملك الملوك؟ وكل من يطمئن بين يدي غير الله عز وجل خاشعًا وتضطرب أطرافه بين يدي الله عابثًا فذلك لقصور معرفته عن جلال الله وعن اطلاعه على سره وضميره،
            وقال عكرمة في قوله عز وجل: {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين} قال: قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه.

            وأما الركوع والسجود فينبغي أن تجد عندهما ذكر كبرياء الله سبحانه وترفق يديك مستجيرًا بعفو الله عز وجل من عقابه بتجديد النية ومتبعًا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم تستأنف له ذلاً وتواضعًا بركوعك، وتجتهد في ترقيق قلبك وتجديد خشوعك وتستشعر ذلك وعزَّ مولاك واتضاعك وعُلُو ربك.
            وتستعين على تقرير ذلك من قلبك بلسانك فتسبح ربك وتشهد له بالعظمة وأنه أعظم من كل عظيم وتكرر ذلك على قلبك لتؤكده بالتكرار، ثم ترتفع من ركوعك راجيًا أنه راحم لك ومؤكدًا للرجاء في نفسك بقولك: {سمع الله لمن حمده" أي أجاب لمن شكره، ثم تردف ذلك الشكر المتقاضي للمزيد فتقول: "ربنا لك الحمد" وتكثر الحمد بقولك: "ملء السموات وملء الأرض" ثم تهوي إلى السجود وهو أعلى درجات الاستكانة فتمكّن أعز أعضائك وهو الوجه من أذل الأشياء وهو التراب، وإن أمكنك أن لا تجعل بينهما حائلاً فتسجد على الأرض فافعل فإنه أجلب للخشوع وأدلُّ على الذل.
            وإذا وضعت نفسك موضع الذل فاعلم أنك وضعتها ورددت الفرع إلى أصله فإنك من التراب خلقت، وغليه تعود، فعند هذا جدّد على قلبك عظمة الله وقل: "سبحان ربي الأعلى" وأكده بالتكرار فإن الكرّة الواحدة ضعيفة الأثر فإذا رق قلبك وظهر ذلك فلتصدّق رجاءك في رحمة الله فإن رحمته تتسارع إلى الضعف والذل لا إلى التكبر والبطر فارفع رأسك مكبرًا وسائلاً حاجتك وقائلاً: "رب اغفر لي اغفر لي" ثم أكد التواضع بالتكرار فعُد إلى السجود ثانيًا كذلك.
            وأما التشهد فإذا جلست له فاجلس متأدبًا وصرح بأن جميع ما تدلي من الصلوات والطيبات أي من الأخلاق الطاهرة لله، وكذلك الملك لله وهو معنى "التحيات" ، واحضر في قلبك النبي صلى الله عليه وسلم وشخصه الكريم وقل: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" وليصدق أمَلُك في أنه يبلُغُه ويردُّ عليك ما هو أوفى منه، ثم تسلم على نفسك وعلى جميع عباد الله الصالحين، ثم تأملُ أن يرد الله سبحانه عليك سلامًا وافيًا بعدد عباده الصالحين، ثم تشهد له تعالى بالوحدانية ولمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة مجددًا عهد الله سبحانه بإعادة كلمتي الشهادة ومستأنفًا للتحصن بها.
            ثم ادعُ في آخر صلاتك بالدعاء المأثور مع التواضح والخشوع والضراعة والابتهال وصدق الرجاء بالإجابة وأشرك في دعائك أبويك وسائر المؤمنين.
            واقصد عند التسليم السلامَ على الملائكة والحاضرين وانوِ ختم الصلاة به.
            واستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لإتمام هذه الطاعة، وتوهم أنك مودع لصلاتك هذه وأنك ربما لا تعيش لمثلها، ثم أشعر قلبك الوجل والحياء من التقصير في الصلاة، وخفْ أن لا تقبل صلاتك وأن تكون ممقوتًا بذنب ظاهر أو باطن فتردَّ صلاتك في وجهك، وترجو مع ذلك أن يقبلها بكرمه وفضله.
            كان يحيى بن وثاب إذا صلى مكث ما شاء الله تُعرف عليه كآبة الصلاة، وكان إبراهيم يمكث بعد الصلاة ساعة كأنه مريض، فهذا تفصيل صلاة الخاشعين {الذين هم في صلاتهم خاشعون}{والذين هم على صلواتهم يحافظون} {والذين هم على صلاتهم دائمون} والذين يناجون الله على قدر استطاعتهم في العبودية فليعرض الإنسان نفسه على هذه الصلاة، فبالقدر الذي يُسِّر له منه ينبغي أن يفرح وعلى ما يفوته ينبغي أن يتحسر.
            وأما صلاة الغافلين فهي مَخْطرة إلا أن يتغمده الله برحمته، والرحمة واسعة والكرم فائض فنسأل الله أن يتغمدنا برحمته ويغمرنا بمغفرته إذ لا وسيلة لنا إلا الاعتراف بالعجز عن القيام بطاعته.
            واعلم أن تخليص الصلاة عن الآفات وإخلاصها لوجه الله عز وجل وأداؤها بالشروط الباطنة التي ذكرناها من الخشوع والتعظيم والحياء سببٌ لحصول أنوارٍ في القلب تكون تلك الأنواع مفاتيح علوم المكاشفة،ف أولياء الله المكاشفون بملكوت السموات والأرض وأسرار الربوبية إنما يكاشفون في الصلاة لا سيما في السجود إذ يتقرب العبد من ربه عز وجل بالسجود، ولذلك قال تعالى: {واسجد واقترب} وإنما تكون مكاشفة كل مصل على قدر صفائه عن كدورات الدنيا، ويختلف ذلك بالقوة والضعف والقلة والكثرة والجلاء والخفاء حتى ينكشف لبعضهم الشيء بعينه وينكشف لبعضهم الشيء بمثاله، كما كشف لبعضهم الدنيا في صورة جيفة والشيطان في صورة كلب جاثم عليها يدعو إليها.
            ويختلف أيضًا بما في المكاشفة فبعضهم ينكشف له من صفات الله تعالى وجلاله ولبعضهم من أفعاله ولبعضهم من دقائق علوم المعاملة.
            ويكون لتعيين تلك المعاني في كل وقت أسباب خفية لا تحصى، وأشدّها مناسبة الهمة، فإذا كانت مصروفة إلى شيء معين كان ذلك أولى بالانكشاف، ولما كانت هذه الأمور لا تتراءى إلا في المرائي الصقيلة وكانت المرأة كلها صدئة فاحتجت عنها الهداية لا ليخل من جهة المنعم بالهداية بل لِخَبَث متراكم الصدأ على مصبَ الهداية، تسارعت الألسنة إلى إنكار مثل ذلك، غذ الطبع محبول على إنكار غير الحاضر، ولو كان لجنين عقل لأنكر إمكان وجود الإنسان في متسع الهواء، ولو كان للطفل تمييزٌ ما ربما أنكر ما يزعم العقلاء إدراكه من ملكوت السموات والأرض، وهكذا الإنسان في كل طور يكاد ينكر ما بعده، والمقصود أن كل ذلك لا يحصل إلا بالخشوع في الصلاة ولذلك قال الله عز وجل: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} فمدحهم بعد الإيمان بصلاة مخصوصة هي المقرونة بالخشوع، ثم ختم أوصاف المفلحين بالصلاة أيضًا فقال تعالى: {والذين هم على صلواتهم يحافظون} ثم قال تعالى في ثمرة تلك الصفات: {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} فوصفهم بالفلاح أولاً وبوراثة الفردوس آخرًا، وأما هذرمة اللسان مع غفلة القلب فلا تنتهي إلى هذا الجزاء، ولذلك قال الله عز وجل في أضدادهم: {ما سلككم في صقر قالوا لم نك من المصلين} فالمصلون هم ورثة الفردوس وهم المشاهدون لنور الله تعالى والمتمتعون بقربه ودنوه.

            نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يعيذنا من عقوبة من تزينت أقواله وقبحت أفعاله إنه الكريم المنان القديم الإحسان وصلى الله على كل عبد مصطفى .


            تعليق


            • #21
              تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن





              اعلم أن هذه اللذة لن تحصل إلا بتوافر عشرة آداب عند تلاوة القرآن الكريم هي:


              ( فهم أصل الكلام . ثم التعظيم ، ثم حضور القلب . ثم التدبر . ثم التفهم ، ثم التخلي عن موانع الفهم ، ثم التخصيص ، ثم التأثر ، ثم الترقي ، ثم التبري ) .


              فالأول:
              فهم عظمة الكلام وعلوه وفضل الله سبحانه وتعالى ولطفه بخلقه في نزوله عن عرش جلاله إلى درجة إفهام خلقه. فلينظر كيف لطف بخلقه في إيصال معاني كلامه إلى أفهام خلقه؟ وكيف تجلت لهم تلك الصفة في طي حروف وأصوات هي صفات البشر إذ يعجز البشر عن الوصول إلى فهم صفات الله عز وجل إلا بوسيلة صفات نفسه، ولولا استتار كنه جلالة كلامه بكسوة الحروف لما ثبت لسماع الكلام عرض ولا ثري ولتلاشى ما بينهما من عظمة سلطانه وسبُحُات نوره ، ولولا تبييت الله عز وجل لموسى لما أطاق لسماع كلامه كما لم يطق الجبل مبادئ تجليه حيث صار دكًا.


              الثاني:
              التعظيم للمتكلم: فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر وأن في تلاوة كلام الله عز وجل غاية الخطر فإنه تعالى قال: {لا يمسه غلا المطهرون} وكما أن ظاهر جلد المصحف وورقة محروس عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان متطهرًا، فباطن معناه أيضًا بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان متطهرًا عن كل رجس ومستنيرًا بنور التعظيم والتوقير، وكما لا يصح لمس جلد المصحف كل يد فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان ولا لنيل معانيه كل قلب، فتعظيم الكلام تعظيم المتكلم، ولن تحضره عظمة المتكلم ما لم يتفكر في صفاته وجلاله وأفعاله، فإذا حضر بباله العرش واستواء ربه عليه، والكرسي الذي وسع السموات والأرض، واستحضر مشهد السموات والأرض وما بينهما من الجن والإنس والدواب والأشجار، وعَلِمَ أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد، وأن الكل في قبضة قدرته مترددون بين فضله ورحمته وبين نِقمته وسَطوته، إن أنعم فبفضله وإن عاقب فبعدله، وأنه الذي يقول هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي وهذا غاية العظمة والتعالي، فبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم ثم تعظيم الكلام.


              الثالث:
              حضور القلب وترك حديث النفس: قيل في تفسير: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} أي بجد واجتهاد، وأخذه بالجد أن يكون متجردًا له عند قراءته منصرف الهمة إليه عن غيره، وقيل لبعضهم: إذا قرأت القرآن تحدّثُ نفسك بشيء؟ فقال: أو شيء أحبُّ غلي من القرآن حتى أحدث به نفسي! وكان بعض السلف إذا قرأ آية لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية. وهذه الصفة تتولد عما قبلها من التعظيم، فإن المعظم للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه، ففي القرآن ما يستأنس به القلب إن كان التالي أهلاً له فكيف يطلب الأنس بالفكر في غيره وهو متنزه ومتفرج، والذي يتفرج في المتنزهات لا يتفكر في غيرها، فقد قيل إن القرآن ميادين وبساتين ومقاصير وعرائس وديابيج ورياض.
              فإذا دخل القارئ الميادين وقطف من البساتين ودخل المقاصير وشهد العرائس ولبس الديابيج وتنزه في الرياض استغرقه ذلك وشغله عما سواه فلم يعزب قلبه ولم يتفرق فكره.


              الرابع:
              التدبر: وهو وراء حضور القلب فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه وهو لا يتدبره والمقصود من القراءة التدبر، ولذلك سُنَّ الترتيل في الظاهر ليتمكن من التدبر بالباطن،
              قال علي : لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا في قراءة لا تدبر فيها.
              وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بترديد فليردد إلا أن يكون خلف إمام، فإنه لو بقي في تدبر آية وقد اشتغل الإمام بآية أخرى كان مسيئًا مثل من يشتغل بالتعجب من كلمة واحدة ممن يناجيه عن فهم بقية كلامه، وكذلك إن كان في تسبيح الركوع وهو متفكر في آية قراها أمامُه فهذا وسواس. فقد روي عن عامر بن عبد قيس أنه قال: الوساس يعتريني في الصلاة، فقيل: في أمر الدنيا؟ فقال: لأن تختلف في الأسِنَّة أحب غليّ من ذلك، ولكن يشتغل قلبي بموقفي بين يدي ربي عز وجل، وإني كيف أنصرف، فعدّ ذلك وسواسًا وهو كذلك، فإنه يشغله عن فهم ما هو فيه، والشيطان لا يقدر على مثله إلا بأن يشغله بمهمِّ ديني، ولكن يمنعه به عن الأفضل.
              وعن أبي ذر قال: قام رسول الله بنا ليلة فقام بآية يرددها وهي: { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم..} الآية .. ، وقام تميم الداري ليلة بهذه الآية: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات…} الآية .. ، وقام سعيد بن جبير ليلة يردد هذه الآية: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون}
              وقال بعضهم: إني لأفتح السورة فيوقفني بعضُ ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر، وكان بعضهم يقول: آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أعدّ لها ثوابًا،

              وحُكي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال أو خمس ليال ولولا أني أقطع الفكر فيها ما جوزتها إلى غيرها،
              وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها، ولا يفرغ من التدبر فيها،
              وقال بعضهم: لي في كل جمعة ختمة وفي كل شهر ختمة وفي كل سنة ختمة ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغت منها بعد، وذلك بحسب درجات تدبره وتفتيشه،

              وكان هذا أيضًا يقول: أقمت نفسي مقام الأجراء فأنا أعمل مياومةً ومجامعةً ومشاهرةً ومسانهةً .


              الخامس:
              التفهم : وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها إذ القرآن يشتمل على ذكر صفات الله عز وجل، وذكر أفعاله، وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام، وذكر أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكوا، وذكر أوامره وزواجره، وذكر الجنة والنار.
              أما صفات الله عز وجل فكقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وكقوله تعالى: {الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر} فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له أسرارها، فتحتها معان مدفونة لا تنكشف إلا للمُوفَّقين:
              وإليه أشار علي بقوله لما سئل: هل عندكم من رسول الله شيء سوى القرآن؟ فقال: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدًا فهمًا في كتابه، وأما أفعاله تعالى فكذكره خلق السموات والأرض وغيرها، فليفهم التالي منها صفات الله عز وجل وجلاله إذ الفعل يدل على الفاعل فتدل على عظمته، وأما أحوال الأنبياء عليهم السلام، فإذا سمع منها كيف كُذّبوا وضُربوا وقُتل بعضهم. فليفهم منه صفة الاستغناء لله عز وجل عن الرسل والمرسل إليهم وأنه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في ملكه شيء، وإذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم قدرة الله عز وجل وإرادته لنصرة الحق، وأما أحوال المكذبين، كعاد وثمود وما جرى عليهم فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته ونقمته وليكن حظه منه الاعتبار في نفسه وأنه إن غفل وأساء الأدب واغتر بما أُمهل فربما تدركُه النقمة وتنفُذ فيه القضية، وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن، فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأن ذلك لا نهاية له وإنما لكل عبد بقدر رزقه، {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددًا} .
              فالغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق التفهيم لينفتح بابه فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه، ومن لم يكن له فهم ما في القرآن ولو في أدنى الدرجات دخل في قوله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفًا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} والطابع هي الموانع التي سنذكرها في موانع الفهم.


              السادس:
              التخلي عن موانع الفهم، فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحُجُب أسدلها الشيطان على قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن،

              وحُجُب الفهم ثلاثة:
              أولها: أن يكون الهم منصرفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظه شيطان وكل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله عز وجل فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف يخيل إليهم أنه لم يخرج من مخرجه، فهذا يكون تأمله مقصورًا على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضحكة للشيطان ممن كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس.

              ثانيها: أن يكون مقلدًا لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة، فهذا شخص قيَّده معتقدُه عن أن يتجاوزه فلا يمكنه أن يخطر بباله غير معتقده فصار نظره موقوفًا على مسموعه، فإن لمع برق على بُعد وبدا له معنى من المعاني التي تباين مسموعه حمل عليه شيطان التقليد حملة وقال كيف يخطر هذا ببالك وهو خلاف معتقد آبائك، فيرى أن ذلك غرور من الشيطان فيتباعد منه ويتحرز عن مثله، ومثله من يقرأ قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} وما يحتويه معنى الآية من علو الله عز وجل على كل مخلوقاته وهيمنته وتصرفه في كل الموجودات فيجيئه تقليد المعتقدات الموروثة في وجوب تنزيه الله عن الجهة فيُحرم من تجليات تأمل صفة العلو والاستواء وهي من الصفات التي تكررت في القرآن بغرض التنبيه على جلال الله وعظمته وحقيقة علوه على خلقه.

              ثالثها: أن يكون مصرًا على ذنب أو متصفًا بكبر أو مبتلى في الجملة بهوى في الدنيا مطاع فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدئه، وهو كالخبث على المرأة وهو أعظم حجابٍ للقلب وبه حُجب الأكثرون.
              وكلما كانت الشهوات أشد تراكمًا كانت معاني الكلام أشد احتجابًا وكلما خف عن القلب أثقال الدنيا قرُبَ تجلي المعنى فيه. فالقلب مثل المرأة والشهوات مثل الصدأ ومعاني القرآن مثل الصور التي تتراءى في المرآة. والرياضة للقلب بإماطة الشهوات مثل تصقيل الجلاء للمرأة، وقد شرط الله عز وجل الإنابة في الفهم والتذكير فقال تعالى: {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} وقال عز وجل: {وما يتذكر إلا من ينيب} وقال تعالى: {إنما يتذكر أولوا الألباب} فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم الآخرة فليس من ذوي الألباب ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب.


              السابع:
              التخصيص وهو أن يقدّر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن، فإن سمع أمرًا أو نهيًا قدّر أنه المنهي والمأمور، وإن سمع وعدًا أو وعيدًا فكمثل ذلك، وإن سمع قصص الأولين والأنبياء علم أن السَّمَرَ غير مقصود، وإنما المقصود ليعتبر به وليأخذ من تضاعيفه ما يحتاج إليه، فما من قصة في القرآن إلا وسياقها لفائدة في حق النبي وأمته. ولذلك قال تعالى: {ما نثبت به فؤادك} فليقدر العبد أن الله ثبت فؤاده بما صه عليه من أحوال الأنبياء وصبرهم على الإيذاء وثباتهم في الدين لانتظار نصر الله تعالى.
              وكيف لا يقدر هذا والقرآن ما أنزل على رسول الله لرسول الله خاصة بل هو شفاء وهدى ورحمة ونور للعالمين؟ ولذلك أمر الله تعالى الكافة بشكر نعمة الكتاب
              فقال تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به}
              وقال عز وجل: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم أفلا تعقلون}،
              {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزلنا إليهم}،
              {كذلك يضرب الله للناس أمثالهم}،
              {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم}،
              {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون}،
              {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}،

              وإذا قُصد بالخطاب جميعُ الناس فقد قصد الآحاد، فهذا القارئ الواحد مقصود، فماله ولسائر الناس، فليقدر أنه المقصود، قال الله تعالى: {وأوحي إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}

              قال محمد بن كعب القُرظي: من بلغه القرآن فكأنما كلمه الله، وإذا قدر ذلك لم يتخذ دراسة القرآن عمله بل يقرؤه كما يقرأ العبد كتاب مولاه الذي كتبه إليه ليتأمله ويعمل بمقتضاه،

              ولذلك قال بعض العلماء: هذا القرآن رسائل أتتنا من قبل ربنا عز وجل بعهود نتدبرها في الصلوات ونقف عليها في الخلوات وننفذها في الطاعات والسنن المتبعات،

              وكان مالك ابن دينار يقول: ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن؟ إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض،

              وقال قتادة: لم يجالس أحد القرآن إلا قام بزيادة أو نقصان، قال تعالى: {هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا}.




              الثامن:
              التأثر: وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حالٌ ووجدٌ يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره، ومهما تمت معرفته كانت الخشية أغلب الأحوال على قلبه، فإن التضييق غالب على آيات القرآن، فلا يُرى ذكر المغفرة والرحمة إلا مقرونًا بشروط يقصُرُ العارف عن نيلها كقوله عز وجل: {وإني لغفار} ثم أتبع ذلك بأربعة شروط: {لمن تاب وآمن وعمل صالحًا ثم اهتدى} وقوله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} ذكر أربعة شروط، وحيث اقتصر ذكر شرطًا جامعًا، فقال تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} فالإحسان يجمع الكل، وهكذا من يتصفح القرآن من أوله إلى آخره ومن فهم ذلك فجدير بأن يكون حاله الخشية والحزن.

              ولذلك قال الحسن، والله ما أصبح اليوم عبد يتلو القرآن يؤمن به إلا كثر حزنه وقل فرحه وكثر بكاؤه وقل ضحكه وكثر نصبه وشغلُه وقلت راحته وبطالته،

              وقال وهيب بن الورد: نظرنا في هذه الأحاديث والمواعظ فلم نجد شيئًا أرق للقلوب ولا أشد استجلابًا للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره، فتأثر العبد بالتلاوة أن يصبر بصفة الآية المتلوة.

              فعند الوعيد وتقييد المغفرة بالشروط يتضاءل من خيفته كأنه يكاد يموت، وعند التوسع ووعد المغفرة يستبشر كأنه يطير من الفرح.

              وعند ذكر الله صفاته وأسمائه يتطأطأ خضوعًا لجلاله واستشعارًا لعظمته.

              وعند ذكر الكفار ما يستحيل على الله عز وجل كذكرهم لله عز وجل ولدًا وصاحبة يغّضُّ الصوت وينكسر في باطنه حياء من قبح مقالتهم. وعند وصف الجنة ينبعث بباطنه شوقًا إليها.
              وعند وصف النار ترتعد فرائصه خوفًا منها،

              ولما قال رسول الله لابن مسعود: "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا" رأيت عينيه تذرفان بالدمع فقال لي: "حسبك الآن" رواه البخاري، وهذا لأن مشاهدة تلك الحالة استغرقت قلبه بالكلية، ولقد كان من الخائفين من خرّ مغشيًا عليه عند آيات الوعيد، ومنهم من مات في سماع الآيات، فمثل هذه الأحوال يخرجه عن أن يكون حاكيًا في كلامه.
              فإذا قال: {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} ولم يكن خائفًا كان حاكيًا،
              وإذا قال: {عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير} ولم يكن حاله التوكل والإنابة كان حاكيًا،
              وإذا قال: {ولنصبرن على ما آذيتمونا} فليكن حاله الصبر أو العزيمة عليه حتى يجد حلاوة التلاوة. فإن لم يكن بهذه الصفات ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات كان حظه من التلاوة حركة اللسان مع صريح اللعن على نفسه في قوله تعالى: { ألا لعنة الله على الظالمين }
              وفي قوله تعالى: {كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} وفي قوله عز وجل: {وهم في غفلة معرضون} وفي قوله: {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا} وفي قوله تعالى: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} إلى غير ذلك من الآيات،
              وكان داخلاً في معنى قوله عز وجل: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} يعني التلاوة المجردة،
              وقوله عز وجل: {وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون} لأن القرآن هو المبين لتلك الآيات في السموات والأرض، ومهما تجاوزها ولم يتأثر بها كان معرضًا عنها، ولذلك قيل: إن من لم يكن متصفًا بأخلاق القرآن فإذا قرأ القرآن ناداه الله تعالى: مالك وكلامي وأنت معرض عني، دع كلامي إن لم تتب إلي. ومثال العاصي إذا قرأ القرآن وكرره مثلا من يكرر كتاب الملك كل يوم مرات وقد كتب إليه في عمارة مملكته وهو مشغول بتخريبها ومقتصر على دراسة كتابه، فلعله لو ترك الدراسة عند المخالفة لكان أبعد عن الاستهزاء واستحقاق المقت، ولذلك قال يوسف ابن أسباط: إني لأهمُّ بقراءة القرآن فإذا ذكرت ما فيه خشيت المقت فاعدل إلى التسبيح والاستغفار .

              والمعرض عن العمل به أريد بقوله عز وجل: {فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلاً فبئس ما يشترون
              } ولذلك قال رسول الله : "اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فلستم تقرءونه - وفي بعض الروايات- فإذا اختلفتم فقوموا عنه" متفق عليه،
              قال تعالى: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون}،

              وقال صلى الله عليه وسلم : "إن أحسن الناس صوتًا بالقرآن إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى"

              وقال بعض القراء: قرأت القرآن على شيخ لي ثم رجعت لأقرأ ثانيًا فانتهرني وقال: جعلت القرآن عليّ عملاً اذهب فاقرأ على الله عز وجل، فانظر بماذا يأمرك وبماذا ينهاك.

              وبهذا كان شغل الصحابة في الأحوال والأعمال، فمات رسول الله عن عشرين ألفًا من الصحابة لم يحفظ منهم القرآن إلا ستة اختلف في اثنين منهم، وكان أكثرهم يحفظ السورة والسورتين، وكان الذي يحفظ البقرة والأنعام من علمائهم ولما جاء واحد ليتعلم القرآن فانتهى إلى قوله عز وجل: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره} قال: يكفي هذا وانصرف، فقال صلى الله عليه وسلم : "انصرف الرجل وهو فقيه" رواه أبو داود والحاكم وصححه،

              وإنما لعزيز مثل تلك الحالة التي منَّ الله عز وجل بها على قلب المؤمن عقيب فهم الآية.

              فأما مجرد حركة اللسان فقليل الجدوى، بل التالي باللسان المعرض عن العمل جدير بأن يكون هو المراد بقوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} وبقوله عز وجل: {كذلك أتتك آيتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} أي تركتها ولم تنظر إليها ولم تعبأ بها فإن المقصر في الأمر يقال إنه نسي الأمر،

              وتلاوة القرآن حق تلاوته هو أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فحظ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل وحظ العقل تفسير المعاني وحظ القلب الاتعاظ والتأثر بالانزجار والائتمار، فاللسان يرتل والعقل يترجم والقلب يتعظ.



              التاسع:
              الترقي: وأعني به أن يترقى إلى أن يسمع الكلام من الله عز وجل لا من نفسه،

              فدرجات القرآن ثلاث،
              أدناها: أن يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله عز وجل واقفًا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه، فيكون حاله عند هذا التقدير: السؤال والتملق والتضرع والابتهال،

              الثانية: أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه بإنعامه وإحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم،

              الثالثة: أن يرى في الكلام المتكلم وفي الكلمات الصفات فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه بل يكون مقصور الهم على المتكلم موقوف الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن غيره .
              وهذه درجة المقربين وما قبله درجة أصحاب اليمين وما خرج عن هذا فهو درجات الغافلين.




              العاشر:
              التبري: وأعني به أن يتبرأ من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بعين الرضا والتزكية، فإذا تلا بآيات الوعيد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك، بل يشهد الموقنين والصديقين فيها، ويتشوق إلى أن يلحقه الله عز وجل بهم، وإذا تلا آيات المقت وذم العصاة والمقصّرين شهد على نفسه هناك، وقدّر أنه المخاطب خوفًا وإشفاقًا.
              ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "اللهم إني استغفرك لظلمي وكفري، فقيل له: هذا الظلم فما بال الكفر، فتلا قوله عز وجل: {إن الإنسان لظلوم كفار}

              وقيل ليوسف ابن أسباط: إذا قرأت القرآن بماذا تدعو؟ فقال: استغفر الله عز وجل من تقصيري سبعين مرة، فإذا رأى نفسه بصورة التقصير في القراءة كان رؤيته سبب قربه، فإن من شهد العبد في القرب لُطف به في الخوف حتى يسوقه الخوف إلى درجة أخرى في القرب وراءها، ومن شهد القرب في البعد مُكِر به في الأمن الذي يفضه إلى درجة أخرى في البعد أسفل مما هو فيه.
              ومهما كان مشاهدًا نفسه يعين الرضا صار محجوبًا بنفسه عن الله .

              وكان الشافعي يقول:
              أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
              وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعة


              وكان يقول أيضًا رحمه الله:

              فعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ كما أن عين السخط تبدي المساويا

              تعليق


              • #22
                وسائل تحصيل ثمرة الدعاء





                الأول: أن يترصّد لدعائه الأوقات الشريفة، كيوم عرفة من السنة ورمضان من الأشهر والجمعة من أيام الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل.

                قال تعالى: {وبالأسحار هم يستغفرون}، وقال : "ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول عز وجل: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" متفق عليه،

                وقيل إن يعقوب عليه السلام إنما قال: "سوف أستغفر لكم ربي" ليدعو في وقت السحر.

                فقيل إنه قام في وقت السحر يدعو وأولاده يؤَمّنون خلفه فأوحى الله عز وجل إني قد غفرت لهم وجعلتهم أنبياء.


                الثاني: أن يغتنم الأحوال الشريفة.

                قال أبو هريرة : إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلوات المكتوبة فاغتنموا الدعاء فيها

                وقال مجاهد: إن الصلاة جعلت في خير الساعات فعليكم بالدعاء خلف الصفوف،
                وقال صلى الله عليه وسلم : "الدعاء بين الآذان والإقامة لا يرد" رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه،

                وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: "الصائم لا ترد دعوته" رواه الترمذي وحسنه،

                وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضًا إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المهوشات.
                ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يُطَّلعُ عليها، وحالة السجود أيضًا أجدر بالإجابة
                قال أبو هريرة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء" رواه مسلم،

                وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إني نُهِيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فإنه قّمِنٌ أن يستجاب لكم" رواه مسلم.

                الثالث: أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه بحيث يُرى بياضُ إبطيه أو يرفع يديه قبالة وجهه أو نحو ذلك أو يرفع إصبعه السبّابة،
                وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أتى الموقف بعرفة واستقبل القبلة ولم يزل يدعو حتى غربت الشمس" رواه مسلم،

                وقال سلمان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن ربكم حييٌ كريم يستحي من عبيده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صفرًا" رواه أبو داود والترمذي وحسنه،

                وعن أنس أنه صلى الله عليه وسلم : "كان يرفع يديه حتى بياض إبطيه في الدعاء" رواه مسلم،

                وعن أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم مر على إنسان يدعو ويشير بإصبعيه السبابتين فقال صلى الله عليه وسلم : "أحدْ أحِّدْ" رواه النسائي وابن ماجة،
                أي اقتصر على الواحدة،

                وقال أبو الدرداء : عنه صلى الله عليه وسلم : ارفعوا هذه الأيدي قبل أن تُغلَّ بالأغلال
                وقال ابن عباس كان صلى الله عليه وسلم : "إذا دعا ضم وجعل بطونهما مما يلي وجهه" أخرجه الطبراني بإسناد فيه ضعف،

                فهذه هيئات اليد، ولا يرفع بصره إلى السماء، قال صلى الله عليه وسلم : "لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء أو لتخطفن أبصارهم" رواه مسلم.

                الرابع: خفض الصوت بين المخافتة والجهر لما ورد أن أبا موسى الأشعري قال: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنونا من المدينة كبّر وكبَّر الناس ورفعوا أصواتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصَمَّ ولا غائب" متفق عليه، وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله عز وجل: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} أي: بدعائك:
                وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكريا عليه السلام حيث قال : { إذ نادى ربه نداء خفيا } ، وقال عز وجل: { ادعو ربكم تضرعًا وخفية } .


                الخامس: أن لا يتكلف السّجع في الدعاء، فإن حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع، والتكلف لا يناسبه،

                قال صلى الله عليه وسلم : "سيكون قوم يعتدون في الدعاء" رواه أبو داود وابن ماجة،

                وقد قال عز وجل: {ادعو ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين} قيل معناه التكلف للأسجاع،

                والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة، فإنه قد يتعدى في دعائه فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كلُّ أحد يحسن الدعاء،
                ولذلك روي عن معاذ : إن العلماء يُحتاج إليهم في الجنة إذ يقال لأهل الجنة تمنوا فلا يدرون كيف يتمنَّون حتى يتعلموا من العلماء،

                وفي الخبر: سيأتي قوم يعتدون في الدعاء والطهور،

                ومر بعض السلف بقاص يدعو بسجع فقال له : أعلى الله تبالغ؟ أشهد لقد رأيت حبيبًا العجمي يدعو وما يزيد على قوله: اللهم اجعلنا جيّدين، اللهم لا تفضحنا يوم القيامة، اللهم وفقنا للخير، والناس يدعون من كل ناحية وراءه وكلٌ يعرف بركة دعائه.

                وقال بعضهم: ادع بلسان الذّلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق.

                ويقال إن العلماء لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات فما دونها، ويشهد له آخر سورة البقرة، فإن الله تعالى لم يخبر في موضع من أدعية عباده أكثر من ذلك.
                واعلم أن المراد بالسجع هو المتكلف من الكلام، فإن ذلك لا يلائم الضراعة والذلة وإلا ففي الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات متوازنة لكنها غير متكلفة كقوله صلى الله عليه وسلم : "أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع القربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وإنك تفعل ما تريد" رواه الترمذي وقال: غريب،

                وأمثال ذلك، فليقتصر على المأثور من الدعوات أو ليلتمس بلسان التضرع والخشوع من غير سجع وتكلف فالتضرع هو المحبوب عند الله عز وجل.



                السادس: التضرع والخشوع والرغبة والرهبة

                قال الله تعالى: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا} وقال عز وجل: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفية}.





                السابع: أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاؤه فيه.

                قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مُكرِه له" متفق عليه،
                وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا دعا أحدكم فليُعظم الرغبة فإن الله يتعاظمُه شيء" رواه ابن حبان،
                وقال صلى الله عليه وسلم: "ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاءً من قلب غافلٍ" رواه الترمذي وقال: غريب،
                وقال سفيان ابن عيينةً: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلمُ من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله إذ قال: {رب فانظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين}.


                الثامن: أن يُلحَّ في الدعاء ويكرره ثلاثًا
                قال ابن مسعود: "كان عليه السلام إذا دعا ثلاثاً وإذا سأل سأل ثلاثًا"رواه مسلم،
                وينبغي أن لا يستبطئ الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل فيقول قد دعوتُ فلم يُستجب لي، فإذا دعوت فاسأل الله كثيرًا فإنك تدعوا كريمًا" متفق عليه،
                وقال بعضهم: إني سألت الله عز وجل منذ عشرين سنة حاجة وما أجابني وأنا أرجو الإجابة، سألت الله أن يوفقني لترك ما لا يعيني.



                التاسع: أن يفتتح الدعاء بذكر الله عز وجل فلا يبدأ بالسؤال.

                قال سلمة بن الأكوع: "ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتتح الدعاء إلا استحفته بقوله: سبحان ربي العيِّ الأعلى الوهاب" رواه أحمد والحاكم وفيه ضعف،

                قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم أن يدع ما بينهما.


                العاشر: وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة: التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكُنه الهمة فذلك هو السبب القريب في الإجابة،

                فيروي عن كعب الأحبار أنه قال: أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج موسى ببني إسرائيل يستقي بهم فلم يسقوا حتى خرج ثلاث مرات ولم يُسقَوا، فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام : إني لا أستجيب لك ولمن معك وفيكم نمام، فقال موسى: يا رب ومن هو حتى نخرجه من بيننا فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نمامًا! فقال موسى لبني إسرائيل: توبوا إلى ربكم بأجمعكم عن النميمة فتابوا فأرسل الله تعالى عليهم الغيث،

                وقال سفيان الثوري: بلغني أن بني إسرائيل قُحِطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون، فأوحى الله عز وجل إلى أنبيائهم عليهم السلام لو مشيتم بأقدامكم حتى تحفى رُكبكُم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكِلَّ ألسنتكم عن الدعاء فإني لا أجيب لكم داعيًا ولا أرحم لكم باكيًا حتى تردوا المظالم إلى أهلها ففعلوا فمُطروا من يومهم.

                وقال مالك بن دينار: أصاب الناس في بني إسرائيل قحطٌ فخرجوا مرارًا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إليّ بأبدان نجسة وترفعون إلي أكُفًا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بطونكم من الحرام، الآن قد اشتد غضبي عليكم ولن تزدادوا مني إلا بعدًا.

                وقال أبو الصديق الناجي: خرج سليمان عليه السلام يستقي فمرّ بنملة ملقاة على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ولا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب غيرنا، فقال سليمان عليه السلام : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.

                وقال الأوزاعي: خرج الناس يتستقون فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر من حضر ألستم مقرّين بالإساءة؟ فقالوا: اللهم نعم، فقال" اللهم إنا قد سمعناك تقول: {ما على المحسنين من سبيل} وقد أقررنا بالإساءة فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا، اللهم فاغفر لنا وارحمنا واسقنا، فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا.

                وقيل لمالك بن دينار: ادع لنا فقال: إنكم تستبطئون المطر وأنا استبطئ الحجارة.

                ورُوي أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه خرج يستسقي فلما ضجروا قال لهم عيسى عليه السلام : من أصاب منكم ذنبًا فليرجع فرجعوا كلهم ولم يبق معه في المفازة إلا واحد، فقال له عيسى عليه السلام : أما لك من ذنب؟ فقال: والله ما عملت من شيء غير أني كنت ذات يوم أصلي فمرت بي امرأة فنظرت إليها بعيني هذه فلما جاوزتني أدخلت إصبعي في عيني فانتزعتها وتبعت المرأة بها، فقال له عيسى عليه السلام فادع الله حتى أؤمن على دعائك، قال: فدعا فتجللت السماء سحابًا ثم صبَّت فسُقوا.


                وقال يحيى الغساني: أصاب الناس قحط على عهد داود عليه السلام فاختاروا ثلاثة من علمائهم فخرجوا حتى يستسقوا بهم فقال أحدهم: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعفو عمن ظلمنا اللهم إنا قد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا، وقال الثاني: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن نعتق أرقَّاءَك اللهم إنا أرقاؤك فاعقتنا، وقال الثالث: اللهم إنك أنزلت في توراتك أن لا نرد المساكين إذا وقفوا بأبوابنا اللهم إنا مساكينك وقفنا ببابك فلا ترد دعاءنا فسقوا.

                وقال عطاء السلمي: منعنا الغيث فخرجنا نستسقي فإذا نحن برجل بين المقابر فنظر إليّ فقال: يا عطاء أهذا يوم النشور أو بُعثِر ما في القبور؟ فقتل: لا ولكنا منعنا الغيث فخرجنا نستسقي، فقال: يا عطاء بقلوب أرضِيَّة أم بقلوب سماوية؟ فقلت: بل بقلوب سماوية فقال: هيهات يا عطاء، قل للمُتبهرجين لا تتبهرجوا فإن الناقد بصير، ثم رمق السماء بطرفٍ وقال: إلهي وسيدي ومولاي لا تهلك بلادك بذنوب عبادك ولك بالسر المكنون من أسمائك إلا ما سقيتنا ماء غدقًا فُراتًا تحيي العباد وتروي به البلاد، يا من هو على كل شيء قدير. قال عطاء: فما استتم الكلام حتى أرعدت السماء وأبرقت وجادت بمطر كأفواه القِرب.

                وقال ابن المبارك: قدمت المدينة في عام شديد القحط فخرج الناس يستسقون فخرجت معهم إذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش قد اتزر بإحداهما وألقى الأخرى على عاتقه فجلس إلى جنبي فسمعته يقول: إلهي أخلقت الوجوه عندك كثرةُ الذنوب ومساوي الأعمال وقد حبست عنا غيث السماء لتؤدب عبادك بذلك، فأسألك يا حليمًا ذا أناة يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعة الساعة، فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام وأقبل المطر من كل جانب، قال ابن المبارك: فجئت إلى الفضيل فقال: ما لي أراك كئيبًا؟ قلت أمر سبقنا إليه غيرُنا فتواله دوننا، وقصصت عليه القصة فصاح الفضيل وخرّ مغشيًا عليه.

                ويُروى أن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس فلما فرغ عمر من دعائه قال العباس: اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي لا تمهل الضالة ولا تدع الكبير بدار مضيعةٍ فقد ضرعَ الصغير ورقَّ الكبير وارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلِكوا فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، قال فما تم كلامه حتى ارتفعت السماء مثل الجبال.

                تعليق


                • #23
                  القاعدة العاشرة

                  إحياء الطاعات المهجورة والعبادات الغائبة



                  شأن التجارة الرابحة مع الله أن تتناول كل مراضيه، والذي يفتش عن مردات إلهه ومحابه فيأتيها هو الحاذق في تجارته مع ربه عز وجل.
                  وقد اعتاد الناس عباداتٍ معينة ظنوها هي وحدها الأبواب المفتوحة إلى الله، لكن بنبغي أن يكون الساعي في مرضات ربه بحّاثًا عن المسالك المهجورة والأبواب البعيدة ذات الطرق الوعْرة التي تنكبت عنها إرادات الناس كسلاً أو عجزًا.
                  فمن تلك الطاعات التي غفل عنها الناس وأهملوها ولم نجد من يحافظ عليها إلا القليل، الاستغفار بالأسحار، وهي عبادة الصادقين
                  قال تعالى: {والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}.
                  والسحر هو آخر الليل، وهو وقت السحُّور، لذا استُحب أن يطعم مريد الصوم في هذا الوقت، ثم يستحب له أن يُبقى وقتًا يسيرًا قبل الفجر للاستغفار وطلب العفو والصفح والعتق من النار، وهذا الوقت زبدة الأوقات العامرة وخلاصة الأزمنة السائرة، تتصل الأرض بالسماء، ويعبق ليل المتهجدين بأنفاس الملائكة المُنزلة والألطاف الهاطلة، ويكون النزول الإلهي المهيب في الثلث الأخير من الليل حيث الأقدام مصفوفة في محاريب التبجيل، والمآقِي مُغرورِقة فرحًا بقرب الكبير الجليل، والأيادي مرفوعة بالأدعية والتراتيل، والألسنة لهجة بالذكر وتلاوة التنزيل.

                  ومن تلك العبادات المهجورة: عبادة التفكر والتأمل في مخلوقات الله وعجائب قدره، والتدبر في أسمائه وصفاته وآلائه ونعمته

                  قال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار}،

                  وقال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}،

                  وقال تعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمت البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون. وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبًا متراكبًا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبهًا وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون}،

                  وقال تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتًا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.

                  وغير ذلك من الآيات الدالة على قدرة الله الداعية إلى التفكر والتدبر والتأمل فيها.
                  واعلم أن هذه العبادة هي أصل طريق اليقين في الله عز وجل، وبهذا التدبر يثبت بالضرورة في الذهن وجود الرب الخالق المدبر ومن ثمَّ إلهية هذا الرب المدبر واستحقاقه للعبادة دون غيره، وبهذا التقرير خاطب الله عز وجل المشركين مطالبًا إياهم بأن يتفكروا في هذه الحقائق،

                  قال تعالى: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد}.

                  وقال تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون}.

                  واعلم أيضًا أن هذه العبادة من أعظم ما يقرب الإنسان من ربه ويوقفه على جلاله وعظمته بل هي العلم الذي أشار الله عز وجل إليه باعتباره موصّلاً لخشية الله،

                  قال تعالى: {ألم تر أن الله أ نزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفًا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والدواب والأنعم مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور}.

                  ومن تلك العبادات الغائبة بين الناس عبادة التبتل، أي الانقطاع إلى الله.

                  قال تعالى: {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً}

                  والتبتل: الانقطاع وهو تفعل من البتل وهو القطع، وسميت مريم البتول لانقطاعها عن الأزواج، وعن أن يكون لها نظراء من نساء زمانها ففاقت نساء الزمان شرفًا وفضلاً، وقُطعت منهن، ومصدر بتل: تبتلاً كالتعلّم والتفهّم ولكن جاء على التفعيل مصدر- تفعّل- سر لطيف، فإن في هذا الفعل إيذانًا بالتدريج والتكلّف والتعمّل والتكثّر والمبالغة، فأتى بالفعل الدال على أحدهما وبالمصدر الدال على الآخر، فكأنه قيل: بَتِّل نفسك إليه تبتيلاً، وتبتّل إليه تبتُّلاً، ففُهم المعنيان من الفعل ومصدره، فالتبتل الانقطاع إلى الله بالكلية) .

                  ومثل هذه العبادة تلازم الإنسان في كل زمان ومكان لا تنفك عنه، فهو بين الناس بجسمه ولكن روحه تطوف حول العرش، يكلمهم بمحياه ولسانه، لكن مشاهدة عظمة الله وجلاله في سويداء جنانه. يفرح مع الناس لفرحهم، لكن قلبه قد مُلئ وجلاً وخوفًا وخشية من ربه، يحزن مع الناس لحزنهم ولكن فؤاده قد ملئ أنسًا ورضًا وحبورًا بما قضى الله وقدر، إنه ذلك الحاضر الغائب الموجود المفقود بين الهياكل والصور والأجسام والغِيَر.
                  ومن العبادات المهجورة في هذا الشهر عبادة الصدقة والإنفاق، وهي من أرجى الطاعات عند السالكين، والفقه فيها عظيم أثرهُ في النفس.

                  في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الريح المرسلة".

                  قال الشافعي رحمه الله : أُحبُّ للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم وتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.
                  وليس المقصود كثرة المُنفق، بل كثرة الإنفاق أي فعله وإن قل المال، ورب درهم ينفقه امرؤٌ من درهمين يملكهما أحب إلى الله من مائة ينفقها مّنْ يملك الآلاف،

                  قال صلى الله عليه وسلم : "سبق درهم مائة ألف درهم: رجل له درهمان أخذ أحدهما فتصدق به، ورجل له مال كثير فأخذ من عرضه مائة ألف فتصدق بها" رواه النسائي عن غيره وهو حديث حسن.

                  وقد خرج أبو بكر من ماله كله وترك لأهله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ،

                  وخرج عمر من نصف ماله،

                  وتصدق عبد الرحمن بن عوف بقافلة قدمت المدينة بأحلاسها وأقتابها.


                  وأدبُ المتصدق أن يعلم منةَ الله عليه إذ رزقه المال ثم وفقه للصدقة ويسر له من يقبل منه صدقته ثم تلقاها منه ربه وقبل منه ما رزقه.
                  وأن يتصدق بأفضل ما عنده {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}

                  وأن يتلطف في إعطائها للفقير أو المحتاج حتى لا يشعر بمنة العبد فيها، فيعمل على إخفائها أو إرسالها مع قريب له أو نحو ذلك.

                  وكان بعض السلف إذا أعطى الصدقة وضعها على كفه وناولها للفقير على يده مبوسطة حتى يتناولها الفقير بنفسه، فقيل له في ذلك! فقال حتى تكون يده هي اليد العليا، يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم : "واليد العليا خير من اليد السفلى" وهذا من لطيف ما يقوم به أولئك الأكابر. والله الموفق.
                  ومن الطاعات المهجورة بل من أعظمها تحديث النفس بالغزو والجهاد، وخاصة في شهر رمضان شهر المعارك الكبرى كبدر وفتح مكة وغيرهما، بل إن المتبادر من الحديث أن هذه الطاعة واجبة لا يجوز الانفكاك عنها،

                  فقال صلى الله عليه وسلم : "من مات ولم يغزُ ولم يُحدِّث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق". رواه أحمد ومسلم،

                  فالظاهر وجوب أحد الأمرين حتى يبرأ من هذا النفاق.
                  وفائدة تحديث النفس بالغزو: إحياء معاني الجهاد والعزة والولاء والنصرة للدين والبراءة من الكفر والشرك ومعاداة أهله، والوصول بالنفس إلى أعلى مراتب البذل وهو بذل الأرواح والمُهَج في سبيل الله.
                  ولقد هجرت هذه المعاني حتى صارت بين الملتزمين فضلاً عن المسلمين نسيًا منسيًا، وما أجدرنا أن نعاود إحياء هذه المعاني في هذا الشهر المبارك شهر الصبر والبذل وجهاد النفس.

                  فهذه بعض نماذج من العبادات المهجورة الغائبة، ولو تأملت قوله صلى الله عليه وسلم : "الإيمان بضع وستون شعبة أو بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" لعرفت كم ضيع الناس من شعب الإيمان العملية وطرق الخير الموصلة لرضا الرب تبارك وتعالى، والله المستعان.

                  تعليق


                  • #24
                    القاعدة الحادية عشرة


                    معرفة قطاع الطريق إلى الله



                    ها أنت قد شمرت عن ساعد الجد، وحثثت الهمة الخاملة، وأوقدت نار العزيمة الخامدة، وألجمت هواك بلجام الإرادة وجمعت رقاب الأماني بزمام التوكل على الله في الفعل، وبدأت السير إلى الله عز وجل لتصل إلى شهر رمضان وقد توقَّدت عزيمتك وانقادت لك إرادتُك وأذعنت لك همتُك.
                    لقد بدأت المعركة الحقيقية مُذ تمحّض اختيارك لله وجدَّ سيرك إليه ويممت القلب والقالب في الإقبال عليه، فاحذر حينئذ قطّاع هذا الطريق الوعر، فإنه طريق الجنة، وهو محفوف بالشهوات والهوى والشياطين والنزغ والشبهات، وكلها أنواع لجنس واحد، وهو العائق عن الوصول لدرب القبول المؤِذن لشمس عزمك بالأُفول.
                    فتعال معًا نتذاكر صفات بعض هؤلاء القطاع ومكامنهم، وخدعهم، فبذلك تتعلم صفة الشر لتتجنبه.
                    عرفت الشر لا للشر لكن لتوقّيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
                    والمقصود بيان نماذج من هؤلاء القطّاع ليستدل بهم على غيرهم فمن هؤلاء القطاع: الفتور والسآمة والملل، وهو من أعظم ما يعتري السالكين، وقدي تعاظم أمره ويستفحل حتى يكون سببًا للردة والنكوص والعياذ بالله.
                    وغالب شأن هذا الفتور من كثرة الفرح بالطاعة وعدم الشكر عليها ورؤية منة الله فيها ومشاهدة النفس في أدائها،

                    قال ابن القيم رحمه الله واصفًا ومحللاً ومعالجًا لهذا الداء: (فإذا نسي السالك نفسه وفرح فرحًا لا يقارنه خوف فليرجع إلى السير إلى بدايات سلوكه وحدة طلبه، عسى أن يعود إلى سابق ما كان منه من السير الحثيث الذي كانت تسوقه الخشية، فيترك الفتور الذي لابد أن ينتج عن السرور.
                    فتخلل الفترات للسالكين أمر لازم لابد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ولم يخرجه من فرض ولم تدخله في محرّم: رجي له أن يعود خيرًا مما كان ) .

                    قال عمر بن الخطاب: إن لهذه القلوب إقبالاً وإدبارًا فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل وإن أدبرت فألزموها الفرائض.

                    وفي هذه الفترات والغيوم والحجب التي تعرض للسالكين من الحِكَم ما لا يعلم تفصيله إلا الله، وبهذا يتبين الصادق من الكاذب، فالكاذب ينقلب على عقبيه ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصادق ينتظر الفرج ولا ييأس من روح الله ويُلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلاً مسكينًا مستكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه ألبتة ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء وصانعه ما يصلح له، لا بسبب من العبد- وإن كان هذا الافتقار من أعظم الأسباب- لكن ليس هو منك، بل هو الذي منّ عليك به، وجرّدك منك وأخلاك عنك وهو الذي: {يحول بين المرء وقلبه} .

                    فإذا رأيته قد أقامك في هذا المقام فأعلم أنه يريد أن يرحمك ويملأ إناءك، فإن وضعت القلب في غير هذا الموضع فاعلم أنه قلب مُضيَّع فسل ربه ومن هو بين أصابعه أن يردّه عليك ويجمع شملك به.

                    وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : "إن لكل عامل شِرَّة ولكل شرة فَترة"
                    فالطالب الجاد لابد من أن تعرض له فترة فيشتاق في تلك الفترة إلى حالة وقت الطلب والاجتهاد.
                    وربما كانت للسالك بداية ذات نشاط، كان فيها عالي الهمة، فيفيده عند فتوره أن يرجع إلى ذكريات تلك البداية فتتجدَّد له العزيمة، ويعود إلى دأبه في الشكر.
                    وكان الجنيد رحمه الله كثير الذكر لبداية سيره، وكان إذا ذكرها يقول: واشوقاه إلى أوقات البداية: يعني لذة أوقات البداية وجمع الهمة على الطلب والسير إلى الله والإعراض عن الخلق. أهـ من تهذيب مدارج السالكين .

                    أما إذا راودتك السامةُ في عبادتك، كصلاة أو ذكر أو تلاوة قرآن فلا تُرسل زمام هواك للشيطان محتجًا بقوله صلى الله عليه وسلم : "فوالله إن الله لا يملّ حتى تملوا"،

                    وقد ذكرنا لك في تمارين العزيمة فقه هذا الحديث ونحوه عن الأئمة الأعلام، فحريٌ بمن ملّ العبادة أن يعود إلى نفسه هلعًا وخوفًا من أن يكون ذلك من إعراض الله عنه.

                    وليستحضر في قلبه سوء أدبه مع الله وعدم تعظيمه وقدره حق قدره إذ تطيب نفسه مع شهوات الدنيا ومعافسة الأولاد والزوجات للساعات الطوال ثم هو يُبتلى في عبادته بالملل بعد لويحظات معدودات.

                    وما روي عن بعض السلف من أنهم كانوا يتكدرون لطلوع الفجر لأنه يحول بينهم وبين لذيذ المناجاة فيُحمل على أنهم يحزنون لعدم تواصل لذة المناجاة لا أنهم كانوا يكرهون طلوع الفجر ويقدّمون قيام الليل على الفريضة، فهذا أبعد ما يكون عن هديهم ومتواتر سيرتهم، كيف وهم يعلمون أن قرآن الفجر مشهود تحضره الملائكة وترفع أمره إلى الله.

                    ومن قطاع الطريق إلى الله: الوساوس والخواطر الرديئة التي ترد على السالك طريق الآخرة، وتشمل هذه الخواطر الرديئة ما يرد على المبتلين بالشهوات من التفكير في الصور وفيما يعشقون ومن يهوون وكذا أصحاب الحقد والحسد والأمراض والآفات النفسية، وكلها انحرافات سلوكية، أي في السالك طريق الآخرة، ومن أعظمها خطرًا وسواس الشبهات في وجود الله وذاته وصفاته، وهذا مما ابتلى به كثير من شباب هذه العصور لغلبة الأفكار الإلحادية والعلمانية المبنية على المادة والتفسير العلمي لكل الظواهر الكونية وشيوع الفحشاء والشهوات الصارفة للقلوب عن ممارسة عبوديتها في التسليم والإذعان، وتحليلاً للخواطر يمكننا تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
                    النوع الأول: خواطر الشبهات وهي العارضة في شأن وجود الله وذاته وصفاته وفي قرآنه وأنبيائه ورسله وقضائه وقدره.
                    النوع الثاني: خواطر الشهوات وهي واردات الذهن من الصور ونماذج المعشوقات.
                    النوع الثالث: خواطر القلب من آفات وأمراض نفسية كالكبرياء والعجب والحقد والحسد.
                    وعلاج النوع الأول باستحضار اليقين، وكلامنا مع من اعتقد وجود الله، أما الملحد فلا خطاب معه، وعندي أن الإلحاد هو النوع الوحيد من الجنون الذي يؤاخذ الإنسان به، فمن أيقن وجود الله وربوبيته وهيمنته وتصرفه وعدله وحكمته مثَّل هذا اليقين بالشمس يراها ثم يستعرض الشبهات ويمثلها بمن يماريه في رؤيته للشمس، ويجادله في الدليل المفيد لطلوعها، حينئذ يردد قوله عز وجل: {أفي الله شك فاطر السموات والأرض}، ويردد قوله: آمنت بالله، ويستعيذ بالله من نزغ الشيطان معتصمًا بالله لائذًا بحفظه وكلاءته، متعجبًا من تفاهة شبهته:

                    وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

                    أما النوع الثاني وهو الأعم الأفشى بين الناس، وعلاجه من أصعب العلاجات لكننا نأتي على ذِكر جملةٍ من الفوائد المهمة المُجتثة لهذا المرض من جذوره.
                    فاعلم أيها الأريب أن الشهوات في أصلها فطرية قدرية لا فكاك للعبد منها، فهو مفطور على الغضب واللذة وحب الطعام والشراب، غير أن هذه الشهوات رُكزت في الجبلة لغايات هي حفظ النفس بالطعام ورد الاعتداء وصيانة الذات بالغضب وحفظ النسل باللذة (أعني شهوة الفرج) فإذا تعدّت هذه الشهوات غاياتها كانت وبالاً على أصحابها، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم التنبيه على حفظ الفرج والبطن واللسان وأنه من أعظم أسباب النجاة والفوز.
                    فإذا علمت ذلك تبين سلطانك على هذه الشهوات، وأن الله عز وجل قد أمرك في الحقيقة عليها، وأعطاك زمام قيادتها فما عليك إلا ممارسة هذه الإمارة دون خوف أو تباطؤ.
                    وحسم مادة الشهوات يكون بحسم موارد حياتها، وأهم تلك الموارد حب الدنيا والرغبة في نوال كل ما يراه من جميل فيها، فقطع شجرة الدنيا من القلب كفيل بصرف الهمة مطلقًا عن الدنيا والاهتمام بما تحصل به النجاة.
                    وهاك بعض الفوائد المعينة على حسم مادة الشهوة وصرف واردات الخواطر الشهوانية:


                    أولاً: التبرؤ من حول النفس وقوتها والالتجاء والاعتصام والاستعاذة بالله، ومن جليل ما ينبغي ترداده في حق المبتلى بالشهوة "لا حول ولا قوة إلا بالله" ومعناها: لا تحوّل عن معصيةٍ إلا بمعونة من الله ولا قوة على طاعة إلا بتوفيق من الله.

                    ثانيًا: تذكر المنغّصات: سكرات الموت، نزع الروح، القبر وأهواله، سؤال الملكين، البعث والنشور وأهوال يوم القيامة، والمثول بين يدي الله عاصيًا مذنبًا والنار وأهوالها.

                    ثالثاً: تذّكر المشوقات: كلذة المناجاة وتوفيق الله للطاعة وشرف الولاية والانتساب إلى حزب الله والكرامات اللائقة لأوليائه عند موتهم ودخولهم الجنة وما فيها من الحور العين اللائي لا تقارن الدنيا كلها بأنملة من أنامل الواحدة منهن، ورؤية الله عز وجل يوم القيامة ورضوانه على أهل الجنة.

                    رابعًا: تذكر جمال خالق الجمال البشري، الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم جميلاً، فكل جمالٍ فُتن به المرء لو قُرن بجمال الله عز وجل لتلاشت كل خواطره الرديئة.

                    خامسًا: تذكّر مثالب الصور المعشوقة وآفاتها وأمراضها وفساد بواطنها وظواهرها.

                    سادسًا: البعد عن المثيرات كالسير في الطرقات العامة (وخاصة في هذه الأزمنة وفي أماكن الفجور والفسوق) أو مشاهدة التلفاز والفيديو والمجلات والجرائد الساقطة التي تهدف غواية النفوس المطمئنة وتحت أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
                    ومن هذا القبيل عدم المكوث في خلوة إذا طرأ عارض الشهوة، بل يشتغل بالصوارف التي تلهيه عن تلك الخواطر كذكر الله وزيارة الصالحين وحضور مجالس العلم أو خدمة الأهل والمسلمين.


                    وينصح ابن القيم بما يلي:
                    (1) العلم الجازم بإطلاع الرب سبحانه ونظره إلى قلبك وعلمه بتفصيل خواطرك.
                    (2) حياؤك منه.
                    (3) إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في البيت الذي خلقه لتُسكِنَه معرفته ومحبته.
                    (4) خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
                    (5) إيثارك له أن تساكن قلبك غير محبته.
                    (6) خشيتك أن تتولد تلك الخواطر ويتسرع شررها فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبة الله فتذهب به جملة وأنت لا تشعر.
                    (7) أن تعلم أن هذه الخواطر بمنزلة الحبِّ الذي يُلقى للطائر ليصاد به، فاعلم أن كل خاطر منها فهو حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.
                    (8) أن تعلم أن الخواطر الرديئة لا تجتمع مع خواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصلاً بل هي ضدها من كل وجه.
                    (9) أن تعلم أن الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه وتاه في ظلماته فيطلب الخلاص فلا يجد إليه سبيلاً فيكون بعيدًا عن الفلاح.
                    (10) أن تعلم أن الخواطر وادي المحقى وأماني الجاهلين فلا تثمر إلا الندامة والخزي وإذا غلبت على القلب أورثته الوساوس وعزلته عن سلطانها انسدت عليه عينه وألقته في الأسر الطويل أهـ.



                    أما النوع الثالث وهو آفات القلب كالحقد والحسد والكبرياء والعُجب، فهو باطن الإثم، قال تعالى: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} وجماع دواء هذه الآفات رؤية عجز النفس وقيامها بالله، ومشاهدة حكمة الله عز وجل وتصرفه في الخلق، فمثل هذا الاستحضار يحول بينه وبين الاعتراض على تقسيم الرزق والنعم، ويحول بينه وبين رؤية النفس وقدرتها، ويئول به الحال إلى التسليم بمنة الله وعدله وحكمته.
                    وقد تكلم الإمام ابن الجوزي كلامًا نفيسًا عن هذه الآفات في كتابه "الطب الروحاني" فراجعه هناك نجد علاجات تفصيلية لكل آفة ومرض وحسبنا من الألف شاهد مثال واحد.
                    لكن ابن القيم رحمه الله يلمس مكمن الداء ويصفه وصفًا دقيقًا ثم يقترح العلاج المناسب فيقول: (واعلم أن الخطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها إلى الفكر فيأخذ الفكر فيؤديها إلى التذكر فيؤديها إلى الإرادة فتأخذها الإرادة إلى الجوارح والعمل فتستحكم فتصير عادة، فردُّها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها، ومعلوم أنه لم يُعط الإنسان إماتة الخواطر ولا القوة على قطعها وهي تهجم عليه هجوم النفس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها ورضاه به ومساكنته له، على رفع أقبحها وكراهته له ونفرته منه

                    كما قال الصحابة يا رسول الله: إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: "أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان" وفي لفظ "الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة"

                    وفيه قولان: أحدهما: أن رده وكراهته صريحُ الإيمان، والثاني: أن وجوده وإلقاء الشيطان له في نفسه صريح الإيمان، فإنه إنما ألقاه في النفس طلبًا لمعارضة الإيمان وإزالته به. وقد خلق الله سبحانه النفس شبيهة بالرَّحا الدائرة التي لا تسكن ولابد لها من شيء تطحنه، فإن وُضع فيها حيُّ طحنته وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته، فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحا ولا تبقى تلك الرحا معطلة قط بل لابد لها من شيء يوضع فيها، فمن الناس من يطحن رحاه حبًا يخرج دقيقًا ينفع به نفسه وغيره، وأكثرهم يطحن رملاً وحصًا وتبنًا ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحنه، أهـ كلامه رحمه الله (الفوائد 161).

                    فهؤلاء نماذج من قطاع طريقك إلى الله وسفرك في درب الآخرة وسعيك في عتق رقبتك من النار وبذل ثمن الجنة، فاحذر مثل تلك الصوارف وأعد لها عدتها والله الموفق.

                    تعليق


                    • #25
                      تتمة في فهم بعض الوصايا

                      ***************************


                      الأولى: الاجتهاد في العشر الأواخر وأواخر العشر.
                      في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله" هذا لفظ البخاري،

                      ولفظ مسلم: "أحيا الليل وأيقظ أهله وجدّ وشد المئزر" .

                      وفي رواية لمسلم عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره" .

                      وروى أبو نعيم بسند فيه ضعف عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شهد رمضان قام ونام، فإذا كان أربعًا وعشرين لم يدق غُمضًا" .

                      وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يوصل فليواصل إلى السحر" قالوا فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: "إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مُطعمٌ يطعمني وساق يسقيني" .

                      وأخرج ابن أبي عاصم بإسنادٍ قال عنه ابن رجب إنه مقارب عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان رمضان قام ونام فإذا دخل العشر شد المئزر واجتنب النساء واغتسل بين الأذانين وجعل العشاء سحورًا" .

                      وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى " .
                      تحصّل من هذه الأحاديث بعض السنن المؤكدة التي ينبغي الاعتناء بها في العشر الأواخر وهي من أهم وظائف هذا الشهر الكريم لأنها فورة الوداع ومسك الختام.



                      وسنلخص لك هذه السنن مع الكلام في فقهها وأسرارها.

                      أولاً: إحياء الليل كله.
                      ويدل عليه ظاهر قول عائشة: أحيا الليل، وفي رواية مضعّفة: "أحيا الليل كله" ويشهد لهذا الأمر أيضًا قولها: "جد" أي اجتهد وبالغ في الطاعة العمل.

                      وهذه هي العزيمة اللازمة في أخريات رمضان. فيجب تقليل النوم قدر الإمكان وجعله في النهار، وشغل الليل بالصلاة والذكر .

                      وقد وردت عن بعض السلف آثار في بيان المراد بإحياء الليل، وأنه يحصل بقيام غالبه (وهو قريب من الأول) أو إحياء نصفه، وقيل تحصيل فضيلة الإحياء بساعة، ونُقل عن الشافعي وغيره أن فضيلة الإحياء تحصل بأن يصلي العشاء في جماعة ويعزم على أن يصلي الصبح في جماعة وهذا الإحياء المذكور يشمل كل ليالي رمضان بوجه عام، والعشر الأواخر بوجه خاص، وليلة القدر بأخص.

                      ومثل هذا الاجتهاد يحتاج إلى الإعداد الذي تكلمنا عنه فيما مضى من الأبواب، وإلى العزيمة والمجاهدة والمكابدة للنوم والتعب من جَهد العبادة.

                      ويساعد على ذلك قلة الطعام، وتنويع العبادات بين قيام وركوع وسجود وذكر وتلاوة لقرآن، وصحبة العابدين لشحذ الهمم.

                      وجماع ذلك كله أن يستمطر العون والمدد والألطاف من الله عز وجل، فهو القادر على أن يقيمك بين يديه الدهر كله دون نصب أو رهق أو سآمة.

                      ثانيًا: إشاعة الأجواء الإيمانية في البيوت بِحثَ الأهل على الاجتهاد في الطاعة والعمل وإيقاظهم في الليل لصلاة التهجد، ويدل ذلك قول عائشة: "وأيقظ أهله".


                      ثالثًا: شد المئزر والمراد به على الراجح : اعتزال النساء وعدم الجماع والمباشرة والاستمتاع،
                      ووجهه: كون النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا في المسجد لطلب ليلة القدر ، ويؤخذ من ههنا أنه كان يصيب صلى الله عليه وسلم من أهله في العشرين من رمضان ثم يعتزل نساءه ويتفرغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر.


                      رابعًا: الاعتكاف.
                      قال ابن رجب: وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يُطلب فيها ليلة القدر، قطعًا لأشغاله وتفريغًا لباله، وتحليًا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، وكان يحتجر حصيرًا يتخلى فيها عن الناس فلا يخالطهم ولا يشغل بهم. وذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن، بل الأفضل له الانفراد بنفسه والتخلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه، وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية، وإنما يكون في المساجد لئلا يترك به الجمع والجماعات، فإن الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعات منهيٌّ عنها. سئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجماعة؟ قال: هو في النار. فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الاعتكاف في المساجد خصوصًا في شهر رمضان وخصوصًا في العشر الأواخر منه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له همٌّ سوى الله وما يرضيه عنه.
                      فمعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الانقطاع إلى الله بالكلية على كل حال. كان بعضهم لا يزال منفردًا في بيته خاليًا بربه، فقيل له: أما تستوحش؟ قال: كيف استوحش وهو يقول: "أنا جليس من ذكرني" أهـ .

                      خامسًا: إقلال الطعام للغاية ، أو الوصال للسحر، وقد اختلف العلماء في هذا الوصال، وقد أجازه الإمام أحمد وإسحق، والصحيح أن الوصال إلى السحر فقط جائز لقوله صلى الله عليه وسلم : "فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" رواه البخاري.
                      والغاية منه كما قال العلماء خواء البطن وشرايين الشهوات من مادة الثوران، وخواء البطن مجلبة لامتلاء القلب بصنوف المعارف، وكلما ازداد الجوعُ وألَمُه رقَّ الفؤاد ولان وخشع.


                      قال ابن رجب: ويتأكد تأخير الفطر في الليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر، قال زِرٌّ بن حبيش في ليلة سبع وعشرين: من استطاع منكم أن يؤخر فطره فليفعل وليفطر على ضياح اللبن. وضياح اللبن وروي ضيح هو اللبن الخائر الممزوج بالماء.


                      سادسًا: الاغتسال بين المغرب والعشاء كل ليلة من العشر الأواخر وقد وردت فيه بعض الأحاديث الضعيفة والآثار المستفيضة عن سلف هذه الأمة في التنظيف والتزين والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، وهي مشمولة بالنصوص العامة الآمرة بالتنظف والتزين والتطيب، والمستقرئ لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف يجزم بحرصهم على الاغتسال في أزمنة العبادة ومواسم الطاعة.
                      واعلم أيها النابه أن كل هذه الوظائف تحوم حول تحصيل وموافقة ليلة القدر التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري،
                      وهي ليلة حريٌّ بالمسلم أن يستميت في تحصيل فضلها وثوابها، قال عنها الله عز وجل، {ليلة القدر خير من ألف شهر} أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر وهو ما يقارب ثمانين سنة أو أكثر.

                      ولا تنفع الأماني والأحلام في إثبات تحريك لها، بل لابد من التشمير، وأن تُري الله من نفسك خيرًا، حتى يرى إقبالك فيقبلكَ واجتهادك فيلطُف بمقامك ويهبك منشور الولاية ويضع اسمك في ديوان العتقاء من النار.

                      أما تعيين ليلة القدر فهي ممكنة على الراجح كما قال النووي ووافقه ابن حجر رحمهما الله، وهذا لمن كشفها الله له، بل ثوابها لا يحصل إلى لمن كُشفت له كما رجح الأكثر، وذهب الطبري وابن العربي وجماعة إلى أن ثوابها يحصل لمن اتفق له قيامها وإن لم يظهر له شيء، وهذا مفرّع على أن ليلة القدر لها علامة أم لا؟
                      فذهب البعض إلى وجود تلك العلامات ومنها أن يرى كل شيء ساجدًا، وقيل الأنوار في كل مكان ساطعة حتى في المواضع المظلمة، وقيل يسمع سلامًا أو خطابًا من الملائكة، وقيل علامتها استجابة دعاء من وفقت له، واختار الطبري أن جميع ذلك غير لازم وأنه لا يشترط لحصولها رؤية شيء ولا سماعه.
                      واختار ابن حجر رحمه الله أن لها علامة وأن شرط حصول ثوابها الكامل الموعود به يكون لمن علمها فقط لا لمن اتفق قيامه فيها وإن حصل ثوابًا جزيلاً بقيامه ابتغاءها، ولو علم بها أحد هل يذكرها لغيره؟ استنبط تقي الدين السبكي من قوله صلى الله عليه وسلم : "خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرُفِعت وعسى أن يكون خيرًا فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" رواه البخاري،

                      استنبط منه استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها قال: ووجهُ الدلالة أن الله قدر لنبيه أنه لم يُخبر بها، والخير كله فيما قَدَّر له، فيستحب اتباعه في ذلك. وفيما قاله بحث ونظر، وذكر في شرح المنهاج ذلك عن الحاوي قال: والحكمة فيها أنها كرامة، والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف بين أهل الطريق من جهة رؤية النفس فلا يأمن السّلب ومن جهة ألا يأمن الرياء، ومن جهة الأدب فلا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها وذكرها للناس، ومن جهة أنه لا يأمن الحسد فيوقع غيره في المحذور، ويُستأنسُ له بقول يعقوب عليه السلام : {يا بني لا تقصص رؤياك على إخواتك} الآية.

                      وهذا هو الأولى في التوجيه. وبالله التوفيق.


                      الثانية: لا تهمل الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فإنها من صميم رسالتك في هذا الوجود، فوق كون هذا الأمر ثمرة النُّسك وتعظيم الأمر والنهي، وتركه مُؤذِنٌ بجعل الطاعات والعبادات بلا طعم أو ثمرة، قال صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه فتدعونه فلا يستجاب لكم". رواه الترمذي بإسناد صحيح.


                      وما ثمرة صف الأقدام أمام رب يتجاوز الناس حرماته ويجاهرونه ويبارزونه بالمعصية وأنت لا تغضب له.
                      فإذا عجزت عن الدعوة إليه ودلالة الناس عليه وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فاعتذر إلى الله عز وجل بإلقاء النصيحة ولا عليك أن يتركها الناس {وإذا قالت أمة منهم لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} .

                      الثالثة: لو كنت إمامًا أو خطيبًا أو داعيًا فاجهد أن يكون لك دورٌ مع الناس في وصولهم إلى خالقهم ومليكهم، فالدلالة على الله مهنة الأنبياء والرسل، وما إخال الدال على الله محجوبًا عن الدخول مع الداخلين.
                      ثم لا تنس تشديد الحساب على نفسك في طاعاتها، حتى تنقّي بواطنك من والجات الهوى.


                      الرابعة: لو ضاع منك معظم الشهر فلا تحرم نفسك الاجتهاد في باقيه، ولا يلقينّ الشيطان في قلبك اليأس فتقعد عن الاجتهاد، فلا يبعد أن تُرى مع المشمّرين فيهبك الله لهم، فتسعد:
                      من لي بمثل سيرك المدلّلِ تمشي الهُوينى وتجِي في الأوَّل


                      الخامسة: إذا لم يقع عليك الهمُّ من خوف الرد وعدم القبول، فهو أمارة سوء. فمن صفات المتقين أنهم {يؤتون ما ءاتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}
                      قال مالك بن دينار: الخوف على العمل ألا يُتقبل أشد من العمل، وقال عطاء السليمي: الحذر: الاتقاء على العمل ألا يكون لله، وقال عبد العزيز بن أبي روّاد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمّ أُيقبل منهم أم لا؟ وقال ابن رجب: كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور، فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعلم له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا؟
                      روي عن علي رضى الله عنه أن كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه:


                      رحل الشـهرُ الهـَفاهُ وانصرمـا واختص بالفوز في الجنات من خدما
                      وأصبح الغافل المسكين منـكسرًا مثلي فيا ويحه يا عُظـم ما حُرمـا
                      من فاته الزرع في وقت البذار فما تراه يحصُـد إلا الهـم والندمـا


                      السادسة: لا تجزع من هول التبعات وضيق الأوقات بالعمل والدراسة ورعاية الأهل.. إلى آخر هذه المنظومة، وكذلك المرأة يَهُولنَّها ضخامة ما تقوم به من تربية الأولاد ورعاية البيت، فكل هذا و إن تفاقم لا يمنع من القيام بواجب الخدمة للمعبود والبذل في هذا الشهر.

                      وسبب تحاشي أولئك أنهم متّكلون على قوتهم معتمدون على مهارتهم، هنا يُوكلون إلى ضعفهم وعورتهم.
                      أما صدق اللجأ إلى الله فهو كفيل يقبل قوانين الزمان والجهد والقوة، فيضحي اليوم مديدًا دون أن تشعر، وقوتك الت يكانت تخور أما الأحمال الثقال تراها عند الطاعات وثابة.
                      أما تعجب من الصحابة كيف يغزون وزادهم تمرات يمصونها فيُقِمن أصلابهم أمام أعدائهم.
                      بالله ثق وله أنب وبه استعن فإذا فعلت فأنت خيرُ معانٍ


                      السابعة: لا تُخلِ الأوقات من عمل نافع، وقيدّ عندك البدائل حتى إذا ما داخلت نفسك السآمة من عمل كان عندك غيره ليشغلك.


                      ونقترح عليك هذا الجدول في رمضان:
                      1- تلاوة خمسة أجزاء على الأقل يوميًا.
                      2- التواجد في المسجد قبل الأذان لكل صلاة.
                      3- استيفاء كل السنن الراتبة وغير الراتبة.
                      4- ا ستيفاء الخشوع في الفرائض والنوافل ومحاسبة النفس قبل الصلاة، وبعدها.
                      5- التراويح والتهجد ثلاث ساعات على الأقل كل ليلة، وإذا كنت تؤدي التراويح جماعة فاجعل لبيتك قسطًا من صلاة الليل.
                      6- دوام الذكر باللسان والقلب وخاصة أذكار الصباح والمساء.
                      7- دوام الدعاء والتضرع.
                      8- عدم إخلاء ساعة في يوم أو ليل في رمضان من نافلة خلا أوقات الكراهة.
                      9- الضحى في المسجد بعد الفجر.
                      10- الصدقة بمبلغ كل يوم.


                      فهذا المقترح- يا باغي الخير- أقل ما يمكن تصوره لمجتهدٍ في رمضان، وهو معدود على مذهب السلف (من المقصرين أو المفرطين)، فاعلُ بهمتك وتزود من الطعات ما به تنال صك العتق من النار، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
                      الثامنة: الاستعداد لشهر رمضان والشوق له وبلوغ زمانه ينبغي أن يسبق رمضان بأشهر عديدة، فيوطن نفسه على المعاني التي ذكرناها في الرسالة ويدرب جسده على تمارين العزيمة التي تحدثنا عنها ويؤمل المغفرة والعتق فيه فيكون ممن أعد للشهر عدته.

                      قال ابن رجب: قال بعض السلف كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أخرى أن يُتقَبَُل منهم.
                      ويقتضي هذا النقل عن السلف أنهم كانوا يدعون في رمضان أن يتقبل الله منهم أو يدعون بأن يبلغهم رمضان اللاحق، وهذا من أجدر ما يأمله الإنسان من ربه أن يتقبل منه الطاعة وأن يوفقه إلى غيرها.
                      أيها السالك طريق الآخرة: ها نحن قد رددنا العجز إلى الصدر، وأكدنا لك المعنى بأسهل عبارة، فإن آنست مما ذكرناه حافزًا لهمتك فدونك الميدان أثر نقعه وتوسّط جمعه. وإلا فتدبر قول الله عز وجل: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً. كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محذورا. انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً} .

                      وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                      ******************



                      انــــــــــــتــــــــهـــــــــــي

                      تعليق


                      • #26
                        رد: القواعد الحسان فى أسرار الطاعة والإستعداد لرمضان

                        ما شاء الله موضوع رائع جدا جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم وفى مجهودكم المبذول
                        إذا خلوت يوماً بريبةٍ والنفس داعية إلى العصيان
                        فقل لها استحِ من نظرِ الإله فإن الذي خلق الظلام يراني
                        إن كنت تعصي الله مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك وما أقل حياءك
                        " أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ"

                        تعليق


                        • #27
                          رد: القواعد الحسان فى أسرار الطاعة والإستعداد لرمضان

                          جزاكم الله خيرا
                          ياربى لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك
                          "ياالهى اسالك فرجا قريبا وصبرنا جميلا والعافيه من كل بليه والشكرعلى العافيه والغنى عن الناس ولاحول ولاقوة لابالله"
                          الوْصُـولْ إلى رِضَــى آلنـَــآس‘أشـْـــــبَه بــِ طــَريق طَويـْل!يـَنْتهْي‘بــِ لـَوحَة آرشـــــــَآدية.مـَـكـُـتــــوب عـَـلـْـيهـَـا عــــُذراً .الطـــَريـْق‘ مــَـسْدُود فَـلاَ تَنْشَغِلْ إلاَ بـِ رِضى الله

                          تعليق


                          • #28
                            رد: القواعد الحسان فى أسرار الطاعة والإستعداد لرمضان

                            جزاك الله خيرا اخى
                            سبحان الله وبحمده ::. . .:: سبحان الله العظيم
                            الحمد لله عدد ما خلق . الحمد لله ملء ما خلق . الحمد لله عدد ما في السموات و ما في الأرض . الحمد لله عدد ما أحصى كتابه و الحمد لله ملء ما أحصى كتابه . و الحمد لله عدد كل شيئ والحمد لله ملء كل شيئ



                            تعليق

                            يعمل...
                            X