إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
الجامعة الرمضانية
تقليص
X
-
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله. .
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )) [آل عمران :102].
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمِ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) [ النساء :1].
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) [ الأحزاب : 70 ، 71 ] .
أمَّا بعد : فإنّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النَّار.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
-
كلّية التقوى
عندما جاء الإسلام كَانَ منبراً قوياً لقتل روح التفرقة بَيْنَ النَّاس بل مِن الأسس الَّتِي وضعها حتّى تكون العبادة لربّ العباد. وكان أهل الجاهليّة يحبّون الفخر ويسألون عَنْ الأحساب والأنساب والقبائل الَّتِي ينتمون إِلَيْهَا وعلى هَذَا الأساس يكون التعامل والمجاملة فالقويّ لَهُ الحقّ وزيادة والضعيف عَلَيهِ الظلم وله الخنوع ليعيش تحت ظلّ هَذَا القانون الَّذِي يفرّق حتّى بَيْنَ الألوان والأشكال.
ولمّا قام الدين لهدم هَذَا الميزان وضع لهم ميزاناً جديداً وَهُوَ ميزان التقوى (( يَا أيّها النَّاس إنّا خلقناكم مِن ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عِنْدَ اللهِ أتقاكم إنّ الله عليمٌ خبير )) [الحجرات: 13] ولأنّ التقوى شيء لَيْسَ بالهيّن وَلاَ يصل إِلَيْهِ الإنسان بيوم وليلة جعل لهذه الأمّة شهراً تتعلّم مِن خلاله التقوى فقال عَزَّ وَجَلَّ: (( يَا أيّها الَّذِينَ آمنوا كُتِبَ عليكم الصّيام كَمَا كتب عَلَى الَّذِينَ مِن قبلكم لعلّكم تتقون )) [البقرة: 183] ولذلك كَانَ هَذَا الشهر دعوة إِلَى النسب الحقيقي، وَهُوَ الإسلام والتّمسك بحبل الله عَزَّ وَجَلَّ ليكمل الإنسان سفره إِلَى الآخرة وَهُوَ بحاجة فِي طريقه إِلَى الزّاد والملبس وهما مِن نوع خاص لأنّ الرحلة إِلَى جنّات الخلد والنّعيم. فدلّ الله عَلَى الزّاد فقال عَزَّ وَجَلَّ: (( وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التقوى )) [البقرة: 197] فهذا هُوَ الزّاد الَّذِي يكسب الأعضاء قوّة والوجدان تقدّماً ويعين صاحبه عَلَى طاعة ربّ العالمين، ثُمَّ ذَلِكَ اللّباس الَّذِي يستر العورة ويحجب عَنْ البدن آثار الذّنوب والمعاصي ويجدّد لَهُ قوّته وطاقته (( يَا بني آدم قَدْ أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذَلِكَ خير ذَلِكَ من آيات الله لعلّهم يذكرون )) [الأعراف: 26] فالحرص كلّ الحرص عَلَى أَنْ تصنعوا لأنفسكم ولأبدانكم الزّاد واللّباس لاستكمال المسيرة إِلَى ربّ العالمين وَلاَ تضيعوا الرّحمة حتّى يكون النسب قَدْ اكتمل إِلَى دين الله عَزَّ وَجَلَّ ويجد الإنسان لنفسه مكاناً تحت تِلْكَ المظلّة الرّبّانيّة ويتعارف مَعَ إخوانه فِي دين الله عَزَّ وَجَلَّ. والله المستعان.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
كلّية الجهاد
(( وقال الَّذِينَ لاَ يعلمون لَوْلاَ يكلّمنا اللهُ أَوْ تأتينا آية كذلك قَالَ الَّذِينَ من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قَدْ بينا الآيات لقوم يوقنون ))
[البقرة: 118] وهذه الآية تخبرنا عَنْ التّشابه الَّذِي كَانَ بَيْنَ القرون مَعَ تغير البيئات والصّور والحضارات الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم والرّسل مِن قبله، وَمَا كَانَ هَذَا التّرابط إِلاَّ لأن قائد المسيرة واحد لَمْ يتغيّر مَعَ كلّ التّغيّرات. إنّه إبليس القائل كَمَا بيّنه الله عَزَّ وَجَلَّ: (( فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم ثُمَّ لآتينّهم من بَيْنَ أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم وَلاَ تجد أكثرهم شاكرين )) [الأعراف: 17]، فهذا شعاره الَّذِي رفعه وَهُوَ معنا بالليل والنّهار طوال العام إِلاَّ فِي هَذَا الشهر الكريم، ينفك عَنْ محبوبته، وَهِيَ النَّفْس ليذهب إِلَى سجنه تاركها تواجه المصير لوحدها ( إِذَا كَانَ أوّل ليلة فِي شهر رمضان صفّدت الشّياطين ومردة الجنّ ) صحيح الجامع (759) فتضعف النَّفْس لأنّ قائدها مكبّل ومحبوس، وَهِيَ كذلك بَيْنَ يدي مقبل عَلَى طاعة فِيهَا من الأدوات مَا يزيد من ضعفها ويقتل الشر فِيهَا من قلّة الطّعام والشّراب والابتعاد عَنْ الشّهوات ليخرج جانب الخير الَّذِي حاولت هِيَ وإبليس خلال السنة دفنه والقضاء عَلَيهِ لتمزيق الرّاية الرّبّانيّة والقضاء عَلَى الجوارح وجعلها عبادة لشهواتها، لكن فِي شهر رمضان تختلف الأمور، فالقائد مسجون والنّفس تعبة من ضعف مقوّماتها، وأنت سيّد الموقف فِي الكرّ والفرّ. فعليك أَنْ تكون ذَلِكَ القائد المحنّك لتقضي عَلَى شرّ نفسك وتلبسها ثوب الخير (( ونفسٍ وَمَا سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قَدْ أفلح من زكّاها وَقَدْ خاب من دسّاها ))، وتفجّر طاقات الخير فِي نفسك وتفلح، فيخرج من سجنه ليزور حليف الأمس فيجده قَدْ أصبح عدوّاً مستعدّاً لحربه، وبذلك يكون الانتصار. والله المستعان.
طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
كلّية اليقين
عندما تكلّم أهل مكّة عَنْ يوم القيامة وتساءلوا عَنْ حقيقة ذكر الله لهم فِي سورة النبأ الظّواهر الطّبيعيّة الدّالة عَلَى قدرته ثُمَّ أشار عَزَّ وَجَلَّ إِلَى يوم القيامة (( إن يوم الفصل كَانَ ميقاتاً )) [النبأ: 17] وعندما أشار أيضاً إِلَى ذَلِكَ اليوم ومقدّماته قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (( كلا لَوْ تعلمون علم اليقين لترونّ الجحيم ثُمَّ لترونّها عين اليقين )) [التكاثر: 5-7] ولذلك أراد الله أَنْ يعلّمنا كَيْفَ نكون من أولئك الجازمين الحازمين فِي أمورهم، لاَ يتلاعب الشيطان بهم، وَلاَ تزيغ منهم الأبصار والقلوب، وتبقى متمسّكة بالحقّ الَّذِي تسعى إِلَيْهِ وتكون عَلَى ثقة دائمة بحكم الله عَزَّ وَجَلَّ، وَهِيَ بهذه الظاهرة الَّتِي يفطر الصّائم عِنْدَ لحظتها شاكراً لله نعمهُ عَلَيهِ ( إِذَا أقبل اللّيل مِن هاهنا وأدبر النّهار مِن هاهنا وغربت الشّمس فَقَدْ أفطر الصّائم ) صحيح الجامع (364)، ولذلك يؤكّد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذِهِ الظّواهر الطبيعيّة الَّتِي لَهَا تعلّق بالعبادة ( لاَ يزال النَّاس بخير مَا عجلوا الفطر فإن اليهود يؤخّرون ) صحيح الجامع (7695)، وهذا حتّى لاَ تتعلّق النَّفْس بالشّك والجهل الَّذِي منع كفّار مكّة مِن الدخول فِي دين الله عَزَّ وَجَلَّ فقالوا (( أألقيَ عَلَيهِ الذّكر مِن بيننا بل هُوَ كذّابٌ أشر )) [القمر: 25] ولذلك كَانَ تعليم النَّاس الحرص عَلَى اليقين، ونبذ الشّك، والنّاظر فِي قصص الأنبياء يجد أَنْ الشكّ فِي الرّسل صلوات الله عليهم وَمَا أنزل الله معهم مِن الحقّ كَانَتْ هِيَ السّمة المشتركة بَيْنَ الأجيال المتتالية قَالَ تَعَالَى: (( وَمَا لهم بِهِ مِن علم إن يتّبعون إِلاَّ الظنّ وإنّ الظنّ لاَ يغني مِن الحقّ شيئاً )) [النجم: 28] فكانت دعوته صلى الله عليه وسلم والأنبياء من قبله ( إنّا معشر الأنبياء أُمرنا أَنْ نعجّل إفطارنا ونؤخّر سحورنا ونضع أيماننا عَلَى شمائلنا فِي الصّلاة ) صحيح الجامع (2285). فهذه تربية مِن الله عَزَّ وَجَلَّ لمن أراد أَنْ يثبت نفسه ويتخلّص من الوسواس، ويرفع شعار نبيّه صلى الله عليه وسلم من كَانَ يؤمن باللهِ واليوم الآخر. والله المستعان.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
كلّية التدبّر والتفكير
قبل أَنْ ينزّل الله الكتاب عَلَى عبده صلى الله عليه وسلم، كَانَ هناك كتاب منظور فِيهِ مَا لاَ يطيقه عاقل ليسجد لصنم أَوْ يعبد وثناً، وَهِيَ هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي نعيش بِهَا، ونسير فِي أرجائها، ولكنّ الإنسان مَعَ صغر شأنه وضآلة حجمه أمام الظّواهر الكونيّة ركبه الكبر لأنّ الله عَزَّ وَجَلَّ سخّر لَهُ الدُّنْيَا، وفي هَذَا الزحام تنبّه عباد الله إِلَى ذَلِكَ (( إنّ فِي خلق السَّمَاوَات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآيات لأولي الألباب )) [آل عمران: 190]، فكانت هَذِهِ الظّواهر الطبيعيّة أثر تدلّ عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ وترفع من مستوى العقل ونشاط العبادة فِي القلب والذّكر عَلَى اللّسان (( الَّذِينَ يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون فِي خلق السَّمَاوَات والأرض ربّنا مَا خلقت هَذَا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النّار )) [آل عمران: 191] وهنا الوقفة الحقيقيّة، وَهِيَ توحيد الله وسؤاله الرّحمة فكان علينا أَنْ ننظر ونعيد النّظر فِي هَذَا الكون الفسيح لنعلم قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ فِي خلقه.
ومن رحمته عَزَّ وَجَلَّ أَنْ جعل لَنَا هَذِهِ العبادة متعلّقة بتلك الظّواهر الكونيّة وخاصة من الإمساك عَنْ الطّعام والشّراب والشّهوة إِلَى العودة إِلَيْهَا وزينة الحياة الدُّنْيَا لتكون لَنَا معياراً فقال عَزَّ وَجَلَّ: (( فالآن باشروهنّ وابتغوا مَا كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثُمَّ أتمّوا الصيام إِلَى اللّيل )) [البقرة: 187] فهذا تنبيه للنّظر فِي ملكوت الله والتفكير والتدبّر وأنت ترى الجبال والتّلال والشمس والقمر والنّجوم واللّيل النّهار تدور بك وأنت مكانك وَهِيَ مسخّرات لك مَعَ عظمها (( الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات والأرض وأنزل من السّمَاء ماءً فأخرج بِهِ من الثّمرات رزقاً لكم وسخّر لكم الفلك لتجري فِي البحر بأمره وسخّرلكم الأنهار وسخّر لكم الشّمس والقمر دائِبين وسخّر لكم اللّيل والنّهار )) [إبراهيم: 32-33] فيستلزم ذَلِكَ ممن يعبد الله ويريد الرّجوع إِلَيْهِ والإنابة لَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يتفكّر فِي خلقه وأصل مَا هُوَ لَهُ يعلم قدرة الله عَلَيهِ وَهُوَ صاحب الذّنوب والمعاصي بالسّرِّ والعلن والله يمهله التّوبة، وينعم عَلَيهِ لعلّه يعود إِلَى عقله ورشده وعبادته عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الغنيّ الحميد ( إنّ الله يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل حتّى تطلع الشّمس من مغربها ) صحيح الجامع (1871). والله المستعان.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
كلّية التغير
إنّ الإنسان فِي كلّ يوم يحاول أَنْ يغيّر من نفسه وحاله إِلَى الأحسن، وذلك بالنظريّة الَّتِي يراها والزاوية الَّتِي يحبّ أَنْ ينطلق من خلالها، لكن فِي شهر رمضان يكون التغير إِلَى الأفضل، وذلك لعدم تدخّل الاجتهاد العقلي والتخبّط بكل المسارات لأنّه أمرٌ من ربّ العالمين، وفرض عَلَى المسلمين أَنْ يصبحوا فِي سلك هَذِهِ العبادة وأن يغيّروا كلّ مَا تعوّدوا عَلَيهِ خلال السنة من العادات والتقاليد، ولذلك نسمع من النَّاس من يقول: "إنّ لهذا الشهر عاداته وأموره الخاصة"، لكن التغير الَّذِي نقع بِهِ هُوَ مقدّمة عظيمة لتغيير مَا فِي النّفوس والأبدان إِذْ أنّ القاعدة (( إنّ الله لاَ يغيّر مَا بقومٍ حتّى يغيّروا مَا بأنفسهم )) [الرعد: 11] ولقد غيّر الصحابة رضوان الله عليهم مَا كانوا عَلَيهِ فِي عبادة غير الله وَمَا يلحق ذَلِكَ من أمور وتبعات ليتحوّل أهل الصحراء إِلَى أمّة عظيمة تهابها الأمم الَّتِي كَانَتْ لاَ تنظر إليهم، ولذلك فِي هَذَا الشّهر وقفة ليتغيّر الإنسان نفسيّاً ومعنويّاً، لما فِي هَذَا الشّهر من خير وتغير لمسار الحياة الراتبة اليوميّة.
فيكون تغيراً كلّي فِي الاتجاه النّفسي، فَهُوَ يتغيّر مَعَ محاكات الأشياء من حوله، فَهُوَ يحافظ عَلَى لسانه وجوارحه. وفي الاتّجاه المعنوي يحاول أَنْ يبحث عَنْ ذاته ولما خلق لَهُ فِي هَذَا الشّهر ويتفكّر فِي تِلْكَ الأوقات الَّتِي ضاعت مِنْهُ فِي اللّهو واللّعب، ويشعر بأنّ كلّ شيء يتغيّر من حوله فِي هَذَا الشّهر فيصمم عَلَى التّغير ويستشعر أَنْ العبادة هِيَ الَّتِي فعلت بِهِ ذَلِكَ فيلتزمها ليجد نفسه قَدْ غيّر كلّ تِلْكَ العادات والأطباع الَّتِي تعلّق بِهَا خلال العام إِلَى عادات جديدة وجميلة تلائم الفطرة فيشعر بنعمة الله عَلَيهِ فِي هَذَا الشّهر الكريم وكيف لا؟ وَقَدْ جاء فِي الحديث القدسي ( وَمَا تقرّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليَّ مما افترضته عَلَيهِ وَمَا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه ) صحيح الجامع (1782) ، وكفى من التغير والعودة إِلَى رحاب الله محبّته عَزَّ وَجَلَّ. والله المستعان.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
ما شاء ربي بارك الله فيكي اختي ننتظر التكملةالحمد لله رزقني الله بـ "رقية"اللهم اجعلها قرة عين لي ولوالدها واجعلها من عبادك الصالحين واشفها شفاءا لا يغادر سقما
يارب اهد امتك آية واغفر لها وقها شر الفتن ما ظهر منها وما بطن وثبتها وقوي ايمانهااللهم اشفها شفاءا لا يغادر سقماً
اللهم طهر قلوبنا واحسن خاتمتنا وامح ذنوبنارباااه اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم
إلاهي أنت تعلم كيف حالي فهل يا سيدي فرج قريب
تعليق
-
المشاركة الأصلية بواسطة aya مشاهدة المشاركةما شاء ربي بارك الله فيكي اختي ننتظر التكملةطُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
كلّية التربية
عَنْ الرّبيع بنت معوّذ رضي الله عنها قالت: أرسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم -صبيحة عاشوراء- إِلَى قرى الأنصار ( من كَانَ أصبح صائماً فليتمّ صومه، ومن كَانَ أصبح مفطراً فليصم بقيّة يومه ) فكنّا نصومه بَعْدَ ذلك، ونصوّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إِلَى المسجد فنجعل لهم اللّعبة من العهن فَإِذَا بكى أحدهم من الطّعام أعطيناه إيّاه، حتّى يكون عِنْدَ الإفطار. مختصر صحيح مسلم (615)
بهذه القصّة الَّتِي نقلت لَنَا عَنْ تربية الأولاد عَلَى هَذِهِ الطّاعة يتبيّن لَنَا شيئاً عظيماً، وَهِيَ تربية الأولاد عَلَى الأصول الصحيحة فِي التّعلق بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فإنّ الآباء والأمّهات يقومون عَلَى تربية أولادهم بكل الطّرق الممكنة حتّى يكونوا صالحين، فهم تِلْكَ الثمرة الَّتِي كَانَتْ بَعْدَ الزّواج، وهم المطلب الغرائزي للمحافظة عَلَى النّوع. والنّاتج الطّبيعي لتلك العلاقة الموثقة بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم.
ولذلك يفتح الطّفل عينيه وذهنه عَلَى تِلْكَ القوّتين العظيمتين الأمّ والأبّ من التوجيه والتعليم والتربية، وعندما يحاولان منعه من شيء فيكون التلويح بالعقاب المادّي كالضّرب، والمعنوي كالحرمان من المصروف اليومي أَوْ مَا يحب، والنّفسي بالتوبيخ، والتقليل من وضعه وعقله.
ولكن المسألة فِي رمضان تختلف، فهما يمنعانه من الطّعام والشّراب خلال النّهار إِلَى غروب شمسه وهما بالأمس يعتريهما الغضب والاستنكار لعدم إقباله عَلَى الطّعام والشّراب، وَلاَ بدّ من مبرر لذلك فيسمع منهما لفظ الجلالة بكل خوف وخشوع: الله أمرنا بذلك، ويرى مكان ذَلِكَ الغضب تودد ولعب وحمس حتّى يشعر الطّفل بقرب والديه مِنْهُ أكثر من كلّ وقت، فيستشعر الولد بتلك القوّة الَّتِي هِيَ أقوى من الآباء والأمّهات، فيشعر أَنْ أبطال الأمس أصبحوا أصدقاء اليوم، فيهم الرّقة والعذوبة، ثُمَّ تتجلّى لَهُ أسمى صور الاتحاد بَيْنَ الآباء والأمّهات فِي كلمة واحدة وَهِيَ أمره بالصّيام طاعة للرحمن عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الأمّهات تخالف رأي الآباء، وترى اجتهادهم فِي الأوامر الَّتِي يطلقونها خطأ، ويستنكر الآباء قرار الأمّهات فيقومون بكسره لأنّهم لاَ يروا فِيهِ قوام التربية إِلاَّ فِي هَذَا الشهر الكريم الَّذِي تتحد فِيهِ الكلمة عَلَى عبادة رب العالمين من الطرفين، ويستشعر بتلك الفطرة الربّانية القيمة الحقيقية الَّتِي وصل إِلَيْهَا مَعَ والديه لتكون تِلْكَ الكلمة لفظ الجلالة "الله" وبيان رسالتي رسوله صلى الله عليه وسلم أوّل مَا يشاهد فِيهِ الأطفال ضعف السلطة الأبويّة والاتّحاد فِي التربية فيعلم أنّ الله فَوْقَ الجميع. والله المستعان.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
كلّية الرحمة
لقد وصف الله عَزَّ وَجَلَّ حال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم والصّحابة رضوان الله عليهم، وتلك البيّنة الاجتماعيّة الَّتِي تضمّهم فقال عَزَّ وَجَلَّ (( محمد رَسُول الله والذين معه أشدّاء عَلَى الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعاً سجّداً يبتغون فضلاً من اللهِ ورضواناً )) [الفتح: 29]، وَإِذَا كَانَ استشعار الأفراد فيما بينهم بالرّحمة يبعث عَلَى الأمل والحب، فكيف إن كَانَتْ هَذِهِ الرحمة من الله عَزَّ وَجَلَّ؟ ويتجسّد ذَلِكَ عمليّاً فِي هَذَا الشهر العظيم.
مَعَ أنّ الله لَمْ يوجب الصّيام علينا إِلاَّ شهراً واحداً فِي السّنة إِلاَّ أنّه أخذ هَذِهِ الأمّة بالرّحمة وجعل لَهَا الرّخصة (( فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كَانَ مريضاً أَوْ عَلَى سفرٍ فعدّة مِن أيّامٍ أُخر يريد الله بكم اليسر وَلاَ يريد بكم العسر )) [ البقرة: 185]. ولذلك استطاع المريض أَنْ يترك الصيام حتّى يشفى من مرضه ويسترد صحّته، والمسافر حتّى ينتهي من عمله، وبهذه الرّحمة تسير عجلة الحياة فِي رمضان لتدخل إِلَى قلوبنا فنرحم أنفسنا أوّلاً من نار جهنّم الَّتِي وقودها النّاس والحجارة، ثُمَّ ننظر إِلَى المجتمع بعين الشّفقة فيقوم القوي عَلَى مساعدة الضّعيف، والحاكم عَلَى نصرة المحكوم، والغني عَلَى الصدقة للفقير. تحت مظلّة عظيمة تصنعها غيوم الرّحمة والتواضع لله عَزَّ وَجَلَّ، والعمل فِي سبيله، يحمل كلّ فرد من الأمّة فِي وجدانه قدرة الله عَزَّ وَجَلَّ وعظمته، وَمَعَ تِلْكَ الرّخصة الَّتِي ترفع عَنْهُ الحرج والضّيق وكيف لا؟ والله أرحم بعباده من الأم بولدها الرّضيع، وذلك كَانَ عَلَى الإنسان أَنْ يرحم من هم تحت يده وَلاَ يكلّفهم مِن الأعمال مَا لاَ يستطيعون، وليعلم أنّ ذَلِكَ مِن تمام رحمة الله علينا (( لاَ يكلّف اللهُ نفساً إِلاَّ وسعها لَهَا مَا كسبت وعليها مَا اكتسبت )) [البقرة: 286] فكيف بك وَقَدْ جعل طعامك وشرابك إِذَا نسيت رزقاً مِنْهُ لاَ يحاسبك عَلَيهِ، وأنت مَعَ امتناعك من الطّعام والشّراب تتفكّر بغيرك الَّذِي لاَ يجد طعام يومه فتفيض فيك الرّحمة الَّتِي علّمك الله إياها فِي هَذَا الشهر. والله المستعان.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
كلّية التّميّز
لقد منَّ الله عَلَى هَذِهِ الأمّة بميزة عظيمة لَمْ تكن لغيرها وَهِيَ حفظ الرّسالة الَّتِي أنزلها عَلَى محمد صلى الله عليه وسلم (( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا لَهُ لحافظون )) [الحجر: 9] فكان ذَلِكَ يقتضي أَنْ نكون أمّة متميّزة عَنْ كلّ الأمم السابقة حتّى نما حفظ عَلَى روح هَذِهِ الرّسالة ونقوم بِمَا أوجب الله علينا من الدّعوة إِلَيْهِ (( كنتم خير أمّة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عَنْ المنكر )) [آل عمران: 110] ولذلك رفع نبيّ هَذِهِ الأمّة صلى الله عليه وسلم شعار المخالفة فِي كلّ شيء وحذّر من مشابهة المغضوب عليهم أَوْ الضّالين من اليهود والنّصارى حتّى لاَ نذوب فِي تِلْكَ الأمم ونأخذ من أفكارهم وأشكالهم يؤثر فِي دين الله عَزَّ وَجَلَّ ويخرج النَّفْس عَنْ الطّريق الصّحيح وهم يرفعون شعار العداوة باللّيل والنّهار (( ولن ترضى عَنْكَ اليهود وَلاَ النّصارى حتّى تتّبع ملّتهم )) [البقرة: 120] ولذلك جعل عَلَيهِ الصّلاة والسّلام أكلة السّحر هِيَ الفاصل بَيْنَ صيامنا وصيامهم فقال: ( فصل بَيْنَ صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحر )صحيح الجامع (4207)، وبذلك عندما يحمل الإنسان نفسه عَلَى القيام قبل الفجر فِي وقت السّحر وَهُوَ من أكثر الأوقات الَّتِي يعشق فِيهَا الإنسان النّوم ليتسحّر، بل كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: ( تسحّروا وَلَوْ بجرعة ماء ) صحيح الجامع (2945)، فَهُوَ يعد نفسه لهذه المخالفة ويكون تحت ضوء التميُّز فيتطبع بِهَذَا الخلق الكريم الَّذِي أمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حتّى لاَ تهلك الأمة فتغيّر دين الله عَزَّ وَجَلَّ وتحرف عبادتها عَنْ الصّراط المستقيم ويبقى المفهوم هُوَ اتّباع الأمّة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لنخرج أنفسنا من ذَلِكَ التحذير ونستعدّ لَهُ نفسيّاً وعمليّاً ( لتتّبعنّ سنن الَّذِينَ من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتّى لَوْ سلكوا جحر ضبّ لسلكتموه ) قالوا: اليهود والنّصارى؟ قَالَ: ( فمن؟ ) صحيح الجامع (5063). ولذلك فلنتّخذ من أكلة السّحر فِي رمضان شعاراً لنتميّز عَنْ أمّة الكفر والنكران. والله المستعان.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
كلّية الذكر
إنّ أخطر عضو فِي الإنسان: اللّسان، لأنّ كلّ الأعضاء يصيبها التّعب وحبّ الرّكون إِلَى الرّاحة إِلاَّ اللّسان، فَهُوَ يعمل بكلّ نشاط، وَلاَ يصيبه التعب إِلاَّ عِنْدَ التّوقف عَنْ الحركة، وبه يكون السّقوط إِلَى الهاوية، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ وَهُوَ يسأله ( كُفَّ عليك هَذَا! ) وأشار إِلَى لسانه، قَالَ: يَا نبيّ الله! وإنّا لمؤاخذون بِمَا نتكلّم به؟ قَالَ: ( ثكلتك أمّك يَا معاذ! وهل يكبّ النَّاس فِي النّار عَلَى وجوههم أَوْ مناخرهم إِلاَّ حصائد ألسنتهم؟ ) ولذلك كَانَ لاَ بدّ لهذه الآلة من شغل تعمل بِهِ حتّى لاَ نقع فيما حرّمه الله وليس لَهَا إِلاَّ الذّكر الَّذِي يكون فِي شهر رمضان شهر القرآن (( شهر رمضان الَّذِي أُنزل فِيهِ القرآن هدىً للنّاس وبيّنات من الهدى والفرقان )) [البقرة: 185] فِي هَذَا الشّهر يتعوّد اللّسان عَلَى ذكر الله وقراءة القرآن والدّعاء ويصبح اللّسان آخذ بالذّكر فِي حالة عمله مبتعداً عَنْ الشّر، قريباً من الله عَزَّ وَجَلَّ (( وَإِذَا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاعي إِذَا دعان )) [ البقرة: 186]، ولذلك بشّر الله الذّاكرين لَهُ فِي الحديث القدسي ( أنا عِنْدَ ظنّ عبدي وأنا معه إِذَا ذكرني، فَإِذَا ذكرني فِي نفسه، ذكرته فِي نفسي، وإن ذكرني فِي ملأٍ ذكرته فِي ملأٍ خير منهم ) صحيح الجامع (8137). ولهذا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الذّكر والدّعاء وقراءة القرآن فِي هَذَا الشّهر وفي ذَلِكَ تبعه الصّحابة رضوان الله عليهم والتّابعون فكانت لهم ألسناً يذكرون بِهَا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، فكان فِي هديه عِنْدَ فطره أَنْ يقول: ( ذهب الظّمأ وابتلّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) صحيح الجامع (2066). وإن أفطر عِنْدَ قوم دعا لهم ( أفطر عندكم الصّائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وتنزّلت عليكم الملائكة ) صحيح الجامع (1137)، وقوله لعائشة لمّا سألته مَاذا تقول فِي ليلة القدر من الدّعاء، قَالَ لَهَا قولي: ( اللهم إنّك عفوٌّ تحبّ العفو فاعفوا عنّي ) صحيح الجامع (2789)، وكان صلى الله عليه وسلم يتحرّى الثلث الأخير من اللّيل لما لَهُ من الفضل والاستجابة من الدّعاء.
فعليك بالاجتهاد والذّكر والخشوع لله عَزَّ وَجَلَّ واعلم ( إنّ الله رحيم حييٌّ كريم يستحي من عبده أَنْ يرفع إِلَيْهِ يديه ثُمَّ لاَ يضع فيهما خيراً ) صحيح الجامع (1768)، فادعوا الله أَنْ يحفظكم ويحفظ عليكم ألسنتكم. والله المستعان.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
كلّية الطّب
هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ينبّه الأمّة إِلَى السبب الرئيسي للأمراض الَّتِي يعاني مِنْهَا البشر فيؤكّد أنّها فِي المعدة الَّتِي هِيَ منفذ عظيم لدخول الأشياء إِلَيْهَا ووصولها إِلَى باقي البدن فيقول: ( مَا ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كَانَ لاَ محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه، وثلث لنفسه ) صحيح الجامع (5674)، وبذلك يحصل الترشيد فِي الطّعام الَّذِي يمتنع الإنسان عَنْهُ فِي نهار رمضان ليقوم الجسم بالتّخلّص من الفضلات الزائدة عنه، والسموم الَّتِي تخرجها خلايا الجسم لتصبح نشيطة فتنتقل من عمل التنظيف إِلَى البناء والإنتاج، وهذا فِي حقيقة الأمر بحاجة إِلَى إنسان مرتاح نفسيّاً لأن الأمراض النفسيّة لَهَا تأثير عَلَى الأجهزة والأعضاء وتصيبها بخلل فَلاَ تستطيع تنظيم عملها حتّى وَلَوْ كَانَ أصحاب هَذِهِ الأجهزة والأعضاء لاَ يأكلون من الطّعام إِلاَّ القليل.
وَمَعَ طول السنة والانشغال الفكري والعضلي وتجمّع هموم الحياة اليومية والمستقبليّة تتفرّق الهموم عَلَى الإنسان حتّى يشعر بأنّه لاَ يخرج من هم إِلاَّ إِلَى غيره إِلَى أَنْ يأتي شهر رمضان فيتذكر أَنَّهُ لاَ بدّ لَهُ من الدّخول فِي هذه العبادة وغيرها من العبادات ليكون من عتقاء هَذَا الشهر، ومن أهل الجنّة، فيركن تحت تِلْكَ المظلّة المكتوب فِيهَا ( من كَانَتْ الآخرة همّه جعل الله غناه فِي قلبه وجمع لَهُ شمله وأتته الدُّنْيَا وَهِيَ راغمة ومن كَانَتْ الدُّنْيَا همّه جعل الله فقره بَيْنَ عينيه وفرق عَلَيهِ شمله ولم يأته من الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قدر لَهُ ) صحيح الجامع (6510)، فيجتهد فِي العبادة وخاصة أَنْ من حوله من النَّاس يكون همّهم هُوَ همّه من العبادة والذّكر فيجد فِي ذَلِكَ الفرصة ليتخلّص من أوهامه كلّها ويعود إِلَى الأصل الَّذِي خلق من أجله (( وَمَا خلقت الجنّ والإنس إِلاَّ ليعبدون مَا أريد منهم من رزقٍ وَمَا أريد أَنْ يطعمون إنّ الله هُوَ الرّزاق ذو القوّة المتين )) [الذّاريات: 56-58] وبذلك تتخلّص النّفس من حقدها وشرّها وحسدها وتتطلع بَعْدَ ذَلِكَ لفعل الخير لأن كلّ شيء ذاهب وَلاَ يبقى إِلاَّ البحث عَنْ حقيقة ذَلِكَ الطّريق الموصل إِلَى الجنّة. والله المستعان.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
-
كلّية الحِلم
جاء الرّجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الوصيّة فقال: ( لاَ تغضب ) صحيح الجامع (7373)
ولأنّ الغضب هُوَ فِي أغلب أحيانه ردّة فعل لفعل آخر، ويصحبها مجانبة الصّواب حتّى لَوْ كَانَ معه الحقّ وإرادة العقاب. فلعلّه فِي حكمه هَذَا يقع فِي الغلوّ فيؤدّي بِهِ إِلَى الظلم الَّذِي حرّمه الله عَزَّ وَجَلَّ لقوله صلى الله عليه وسلم فِي الحديث القدسي ( يَا عبادي إنّي حرّمت الظلم عَلَى نفسي وجعلته بينكم محرّماً فَلاَ تظالموا ) صحيح الجامع (4345)، ثُمَّ إنّ فورة الغضب توقع الإنسان فيما لاَ تحمد عقباه ولذلك لمّا استبّ رجلان أمام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأحدهما قَدْ احمرّ وجهه وانتفخت أوداجه فقال عَلَيهِ الصّلاة السّلام: ( إنّي لأعلم كلمة لَوْ قالها لذهب عَنْهُ مَا يجد، لَوْ قَالَ: أعوذ باللهِ من الشّيطان الرّجيم ذهب عَنْهُ مَا يجد )مختصر صحيح مسلم (1792) فلمّا نقل لَهُ قول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَتْ ردّة الفعل عنده سريعة وقويّة فقال: أمجنون تراني؟ ولذلك كَانَ لاَ بدّ لهذا الدّاء من علاج، وأن يكون الإنسان مستعدّاً لَهُ، وليس وليد السّاعة حتّى لاَ يقع فِي معصية أَوْ ظلم، فكانت تِلْكَ الكليّة العظيمة فِي رمضان الَّتِي يكون جوابها حاضر وفعلها متوافر ( الصّيام جنّة، وَإِذَا كَانَ أحدكم صائماً فَلاَ يرفث، وَلاَ يجهل، وإن امرؤ قاتله أَوْ شاتمه فليقل: أنّي صائم، أنّي صائم ) صحيح الجامع (3877) وهكذا يلوذ بالله عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ يكون عنده ردّة فعل، بل يقف عَلَى ساحل الخير الَّذِي فِيهِ الرّحمة والمحبّة من الله عَزَّ وَجَلَّ لَهُ لأنّ هَذِهِ الخصال يحبّها الله عَزَّ وَجَلَّ، وهذا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يمتدح الحلم فِي أشج بني عبد قيس فقال: ( يَا أشج! إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحلم التؤدة ) صحيح الجامع (7848)، وبذلك تكون من الَّذِينَ ذكرهم الله فِي كتابه (( والكاظمين الغيظ والعافين عَنْ النَّاس والله يحبّ المحسنين )) [آل عمران: 134]، فكن عَلَى طريق أولئك الَّذِينَ لاَ يغضبون لأنفسهم بل يتسامحون مَعَ النَّاس حتّى وإن كَانَ الخطأ والغبن عليهم، ليكون لهم الأجر عِنْدَ الله (( وَلاَ تستوي الحسنة وَلاَ السّيئة ادفع بالتي هِيَ أحسن فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم وَمَا يلقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صبروا وَمَا يلقّاها إِلاَّ ذو حظّ عظيم )) [فصّلت: 34]، فعليك أَنْ تحمل هَذَا الخلق بَعْدَ رمضان ليصبح فيك سجيّة، وهذا لاَ يأتي بيوم وليلة ولكن بالتّدبّر والجاهدة. والله المستعان.طُبِعَتْ على كَدَرٍ و أنـت تريدهـاصَفْوًا مـن الأقـذاء و الأكـدار
و مكلّف الأيـام ضـد طباعهـامُتَطلِّب في المـاء جـذوة نـار
تعليق
تعليق