رد: مـلـف " شهـــر شعبـــان "
وقد ورد في فضل شهر شعبان والصلاة فيه أحاديث حكم عليها الحفاظ بأنها موضوعة منها :
قوله صلى الله عليه وسلم :
(( رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي.......)).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و ((قل هو الله أحد )) عشر مرات .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي ما من عبد يصلي هذه الصلوات إلا قضى عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة .......)) الحديث844. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة((قل هو الله أحد)) ثلاثين مرة ، لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة....))845 - والله أعلم .
بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان
روي عن عكرمة -رحمه الله- أنه قال في تفسير قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}846 : أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان ، يبرم فيها أمر السنة ، وينسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ، ولا ينقص منهم أحد847 .
قال ابن كثير-رحمه الله- في تفسير قوله تعالى :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}848: يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة ، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}849 ، وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }850.
وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته851.
ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة852 ، فإن نص القرآن في رمضان853 ا.هـ .
فللعلماء في قوله تعالى :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} قولان :
أحدهما : أنها ليلة القدر وهو قول الجمهور .
الثاني : أنها ليلة النصف من شعبان ، قاله عكرمة .
والراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن هذه الليلة المبارك هي ليلة القدر ، لا ليلة النصف من شعبان ، لأن الله سبحانه وتعالى أجملها في قوله :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. وبينها في سورة البقرة بقوله:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وبقوله تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}854 .
فدعوى أنها ليلة النصف من شعبان لاشك أنها دعوى باطلة ، لمخالفتها النص القرآني الصريح ، ولاشك أن كل ما خالف الحق فهو باطل، والأحاديث التي يوردها بعضهم في أنها من شعبان المخالفة لصريح القرآن لا أساس لها، ولا يصح سند شيء منها كما جزم به العربي وغير واحد من المحققين، فالعجب كل العجب من مسلم يخالف نص القرآن الصريح بلا مستند من كتاب ولا سنة صحيحة855.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في معرض كلامه عن الأوقات الفاضلة التي قد يحدث فيها ما يعتقد أنه له فضيلة وتوابع ذلك، ما يصير منكراً ينهى عنه : ومن هذا الباب ليلة النصف من شعبان فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة ، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة ، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة .
ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها ، وطعن في الأحاديث الواردة فيها كحديث إن الله يغفر لأكثر من عدد غنم كلب ))، وقال لا فرق بينها وبين غيرها .
لكن الذي عليه أكثر أهل العلم ، أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها ، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها ، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن856وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر)857ا.هـ
وقال الحافظ ابن رجب : (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادات ، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها ، وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية ، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عبّاد أهل البصرة وغيرهم ، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة 858، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ، وقالوا ذلك كله بدعة .
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :
أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد ، كان خالد بن معدان ، ولقمان بن عامر ، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتمون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في المساجد : ليس ذلك ببدعة . نقله عنه حرب الكرماني في مسائله .
والثاني : أنه قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى859 .ا.هـ .
فالحاصل أن جمهور العلماء اتفقوا على كراهة الاجتماع في المساجد ليلة النصف من شعبان للصلاة والدعاء ، فإحياء ليلة النصف من شعبان في المساجد على سبيل المداومة كل سنة ، أو كل فترة بدعة محدثة في الدين.
وأما صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة فللعلماء فيه قولان :
الأول :أن ذلك بدعة وهو قول أكثر علماء الحجاز ومنهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقل عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم860.
الثاني : أنه لا يكره صلاة الإنسان لنفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة ،- في ليلة النصف من شعبان - .
وهو قول الأوزاعي ، واختيار الحافظ ابن رجب ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية .
والذي يترجح عندي – والله أعلم – ما ذهب إليه أصحاب القول الأول – أن ذلك بدعة - .
ويمكن الجواب عن قول أصحاب الثاني – القول بعدم الكراهة – بعدة وجوه منها :
الوجه الأول : أنه ليس هناك دليل على فضل هذه الليلة ، ولم يثبت- حسب اطلاعي المحدود- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أحياها ،ولا عن أحد من أصحابه- رضوان الله عليهم -،ولا عن التابعين- رحمة الله عليهم- عدا من اشتهر عنهم تفضيلها وأحياؤها وهم الثلاثة الذين ذكرهم ابن رجب – ولو فعلوه لاستشهد بفعلهم من فضلها وأحياها ، وإنما هو أمر محدث بعدهم ، فهو أمر مبتدع ، وليس له أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع .
قال أبو شامة : ( وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية – في كتاب ما جاء في شهر شعبان : قال أهل التعديل والتجريح : ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح )861.ا.هـ .
وذكر ابن رجب ( أن قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام )862.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز : ( وقد ورد في فضلها -ليلة النصف من شعبان- أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، وأما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم)863.ا.هـ.
الوجه الثاني : أن الحافظ ابن رجب وهو الذي نقل تفضيل بعض التابعين لهذه الليلة864 وإحياءهم لها في المساجد ذكر أن مستندهم في ذلك ما بلغهم من آثار إسرائيلية ، ومتى كانت الآثار الإسرائيلية مستنداً ؟!.
وذكر أيضاً أن الناس أخذوا عنهم فضلها وتعظيمها فمتى كان عمل التابعي حجة ؟! .
الوجه الثالث : أن العلماء المعاصرين للقائلين بفضل ليلة النصف من شعبان قد أنكروا عليهم ذلك ، ولو كان للمفضلين دليل لاحتجوا به على المنكرين عليهم ، ولكن لم ينقل عنهم ذلك ، لاسيما وأن من المنكرين عليهم عطاء بن أبي رباح الذي كانت إليه الفتيا في زمانه865 . والذي قال فيه ابن عمر -رضي الله عنهما - : تجمعون لي المسائل وفيكم ابن أبي رباح .
الوجه الرابع : أن قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن))866.
ليس فيه دليل على تخصيص ليلة النصف من شعبان بفضل من دون الليالي الأخرى، لأنه ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له))867 . فاطلاعه سبحانه وتعالى على خلقه ، وغفرانه لهم ، ليس متوقف على ليلة معينة في السنة ، أو ليالي معدودة .
الوجه الخامس : أن من اختار القول بأنه لا يكره صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه ، لم يدعم اختياره بالدليل ، ولو كان هناك دليل لذكره ، ومن أنكر ذلك استدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وعموم الأحاديث والآثار الدالة على النهي عن البدع والتحذير منها .
قال الشيخ ابن باز-رحمه الله-:( وأما ما اختاره الأوزاعي -رحمه الله- من استحباب قيامها للأفراد ، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف،لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله، سواء فعله مفرداً أو في جماعة ، وسواء أسره أو أعلنه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) . وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها )868 .ا.هـ .
وقال أيضاً بعد أن ذكر جملة من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم حول ما ورد في ليلة النصف من شعبان:
ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم ، وليس له أصل في الشرع المطهر ، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة – رضي الله عنهم - ، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}869 .وما جاء في معناها من الآيات ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وما جاء في معناه من الأحاديث ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( لا تختصموا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن تكون في صوم يصومه أحدكم ))870 فلو كان تخصيص شيء من الليالي بشيء من العبادة جائزا ، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها ، لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس871 بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي ، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة ، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها ، نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك وحث الأمة على قيامها ، وفعل ذلك بنفسه ،كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه))872فلو كانت ليلة النصف من شعبان، أو ليلة أول جمعة من رجب، أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ولم يكتموه عنهم ، وهم خير الناس، وأنصح الناس بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-وأرضاهم ، وقد عرفت آنفاً من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم – شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب ، ولا في فضل ليلة النصف من شعبان ، فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام ، وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة بدعة منكرة .... ا.هـ873 .- والله أعلم – وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبيناً محمد وآله وصحبه أجمعين .
وقد ورد في فضل شهر شعبان والصلاة فيه أحاديث حكم عليها الحفاظ بأنها موضوعة منها :
قوله صلى الله عليه وسلم :
(( رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي.......)).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ((يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و ((قل هو الله أحد )) عشر مرات .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي ما من عبد يصلي هذه الصلوات إلا قضى عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة .......)) الحديث844. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((من صلى ليلة النصف من شعبان ثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة((قل هو الله أحد)) ثلاثين مرة ، لم يخرج حتى يرى مقعده من الجنة....))845 - والله أعلم .
بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان
روي عن عكرمة -رحمه الله- أنه قال في تفسير قوله تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}846 : أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان ، يبرم فيها أمر السنة ، وينسخ الأحياء من الأموات ، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ، ولا ينقص منهم أحد847 .
قال ابن كثير-رحمه الله- في تفسير قوله تعالى :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}848: يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة ، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل :{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}849 ، وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى :{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }850.
وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته851.
ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة852 ، فإن نص القرآن في رمضان853 ا.هـ .
فللعلماء في قوله تعالى :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} قولان :
أحدهما : أنها ليلة القدر وهو قول الجمهور .
الثاني : أنها ليلة النصف من شعبان ، قاله عكرمة .
والراجح -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن هذه الليلة المبارك هي ليلة القدر ، لا ليلة النصف من شعبان ، لأن الله سبحانه وتعالى أجملها في قوله :{ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. وبينها في سورة البقرة بقوله:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وبقوله تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر}854 .
فدعوى أنها ليلة النصف من شعبان لاشك أنها دعوى باطلة ، لمخالفتها النص القرآني الصريح ، ولاشك أن كل ما خالف الحق فهو باطل، والأحاديث التي يوردها بعضهم في أنها من شعبان المخالفة لصريح القرآن لا أساس لها، ولا يصح سند شيء منها كما جزم به العربي وغير واحد من المحققين، فالعجب كل العجب من مسلم يخالف نص القرآن الصريح بلا مستند من كتاب ولا سنة صحيحة855.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( في معرض كلامه عن الأوقات الفاضلة التي قد يحدث فيها ما يعتقد أنه له فضيلة وتوابع ذلك، ما يصير منكراً ينهى عنه : ومن هذا الباب ليلة النصف من شعبان فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة ، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة ، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة .
ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها ، وطعن في الأحاديث الواردة فيها كحديث إن الله يغفر لأكثر من عدد غنم كلب ))، وقال لا فرق بينها وبين غيرها .
لكن الذي عليه أكثر أهل العلم ، أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها ، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها ، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن856وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر)857ا.هـ
وقال الحافظ ابن رجب : (وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادات ، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها ، وقد قيل إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية ، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عبّاد أهل البصرة وغيرهم ، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة 858، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ، وقالوا ذلك كله بدعة .
واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :
أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد ، كان خالد بن معدان ، ولقمان بن عامر ، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويتبخرون ويكتمون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في المساجد : ليس ذلك ببدعة . نقله عنه حرب الكرماني في مسائله .
والثاني : أنه قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى859 .ا.هـ .
فالحاصل أن جمهور العلماء اتفقوا على كراهة الاجتماع في المساجد ليلة النصف من شعبان للصلاة والدعاء ، فإحياء ليلة النصف من شعبان في المساجد على سبيل المداومة كل سنة ، أو كل فترة بدعة محدثة في الدين.
وأما صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة فللعلماء فيه قولان :
الأول :أن ذلك بدعة وهو قول أكثر علماء الحجاز ومنهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقل عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم860.
الثاني : أنه لا يكره صلاة الإنسان لنفسه في بيته ، أو في جماعة خاصة ،- في ليلة النصف من شعبان - .
وهو قول الأوزاعي ، واختيار الحافظ ابن رجب ، وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية .
والذي يترجح عندي – والله أعلم – ما ذهب إليه أصحاب القول الأول – أن ذلك بدعة - .
ويمكن الجواب عن قول أصحاب الثاني – القول بعدم الكراهة – بعدة وجوه منها :
الوجه الأول : أنه ليس هناك دليل على فضل هذه الليلة ، ولم يثبت- حسب اطلاعي المحدود- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أحياها ،ولا عن أحد من أصحابه- رضوان الله عليهم -،ولا عن التابعين- رحمة الله عليهم- عدا من اشتهر عنهم تفضيلها وأحياؤها وهم الثلاثة الذين ذكرهم ابن رجب – ولو فعلوه لاستشهد بفعلهم من فضلها وأحياها ، وإنما هو أمر محدث بعدهم ، فهو أمر مبتدع ، وليس له أصل من الكتاب أو السنة أو الإجماع .
قال أبو شامة : ( وقال الحافظ أبو الخطاب بن دحية – في كتاب ما جاء في شهر شعبان : قال أهل التعديل والتجريح : ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح )861.ا.هـ .
وذكر ابن رجب ( أن قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام )862.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز : ( وقد ورد في فضلها -ليلة النصف من شعبان- أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، وأما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع كما نبه على ذلك كثير من أهل العلم)863.ا.هـ.
الوجه الثاني : أن الحافظ ابن رجب وهو الذي نقل تفضيل بعض التابعين لهذه الليلة864 وإحياءهم لها في المساجد ذكر أن مستندهم في ذلك ما بلغهم من آثار إسرائيلية ، ومتى كانت الآثار الإسرائيلية مستنداً ؟!.
وذكر أيضاً أن الناس أخذوا عنهم فضلها وتعظيمها فمتى كان عمل التابعي حجة ؟! .
الوجه الثالث : أن العلماء المعاصرين للقائلين بفضل ليلة النصف من شعبان قد أنكروا عليهم ذلك ، ولو كان للمفضلين دليل لاحتجوا به على المنكرين عليهم ، ولكن لم ينقل عنهم ذلك ، لاسيما وأن من المنكرين عليهم عطاء بن أبي رباح الذي كانت إليه الفتيا في زمانه865 . والذي قال فيه ابن عمر -رضي الله عنهما - : تجمعون لي المسائل وفيكم ابن أبي رباح .
الوجه الرابع : أن قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن))866.
ليس فيه دليل على تخصيص ليلة النصف من شعبان بفضل من دون الليالي الأخرى، لأنه ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له))867 . فاطلاعه سبحانه وتعالى على خلقه ، وغفرانه لهم ، ليس متوقف على ليلة معينة في السنة ، أو ليالي معدودة .
الوجه الخامس : أن من اختار القول بأنه لا يكره صلاة الإنسان فيها لخاصة نفسه ، لم يدعم اختياره بالدليل ، ولو كان هناك دليل لذكره ، ومن أنكر ذلك استدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وعموم الأحاديث والآثار الدالة على النهي عن البدع والتحذير منها .
قال الشيخ ابن باز-رحمه الله-:( وأما ما اختاره الأوزاعي -رحمه الله- من استحباب قيامها للأفراد ، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف،لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله، سواء فعله مفرداً أو في جماعة ، وسواء أسره أو أعلنه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) . وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها )868 .ا.هـ .
وقال أيضاً بعد أن ذكر جملة من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم حول ما ورد في ليلة النصف من شعبان:
ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم ، وليس له أصل في الشرع المطهر ، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة – رضي الله عنهم - ، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}869 .وما جاء في معناها من الآيات ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وما جاء في معناه من الأحاديث ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( لا تختصموا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن تكون في صوم يصومه أحدكم ))870 فلو كان تخصيص شيء من الليالي بشيء من العبادة جائزا ، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها ، لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس871 بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي ، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة ، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، ولما كانت ليلة القدر وليالي رمضان يشرع قيامها والاجتهاد فيها ، نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك وحث الأمة على قيامها ، وفعل ذلك بنفسه ،كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه))872فلو كانت ليلة النصف من شعبان، أو ليلة أول جمعة من رجب، أو ليلة الإسراء والمعراج يشرع تخصيصها باحتفال أو شيء من العبادة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ولم يكتموه عنهم ، وهم خير الناس، وأنصح الناس بعد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ، ورضي الله عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم-وأرضاهم ، وقد عرفت آنفاً من كلام العلماء أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم – شيء في فضل ليلة أول جمعة من رجب ، ولا في فضل ليلة النصف من شعبان ، فعلم أن الاحتفال بهما بدعة محدثة في الإسلام ، وهكذا تخصيصها بشيء من العبادة بدعة منكرة .... ا.هـ873 .- والله أعلم – وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبيناً محمد وآله وصحبه أجمعين .
تعليق