بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما بعد ..
فالحمدُ لله الذي بتحميدِه يُصدّر كلُّ خطابٍ ، وبحمدِه يتنعّمُ أهلُ النعيم في دارِ الجزاءِ والثواب ، وباسمِه يُشفَى كُلُّ داء ، وبه يُكشفُ كلُّ غمٍّ وبلاء ، وإليه تُرفعُ الأيدي بالتضرّعِ والدعاء ، في الشدّةِ والرخاء ، والسرّاءِ والضرّاء ، وهو سامعٌ لجميعِ الأصوات ، بفنونِ الخطاب على اختلافِ اللغات ، ومجيبُ الدعاءِ للمضطرّ ، فلهُ الحمدُ على كلِّ ما أوْلى وأسدى ، وله الشكرُ على كلِّ ما أنعمَ وأعطَى .
أخواني وأخواتي
أعظم ما ينبغي التركيز عليه في رمضان مبدأ" التخلية " أن نتخلى عن عيوبنا وآفاتنا ، نستلهم من فكرة " الصيام " مجاهدة الهوى ، والتخلص من اسر الشهوات ، نستلهم من " القيام " ترويض النفس على الوقوف لله تعالى قبل يوم يقوم الناس لرب العالمين ، ونكابدها مكابدة الحبيب " أفلا أكون عبدًا شكورًا " ، ونستلهم من الجود المحمدي " أجود من الريح المرسلة " التخلص من شح النفس " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " .
فعلينا أن نضع هذه المسألة نصب العين ، الناجح بامتياز هو الأكثر تخلصا من آفاته ، لأن هذا هو الذي سيستمر ويثبت بعد رمضان ، لأنه فك قيوده ، وتحرر من سجونه ، فنزل " ميدان التحرير" ولكن لنفسه .
آية التدبر :
{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا }
قالوا في التفسير : ومكر الله بهم حين قال الله لعيسى: إني قابضك من الأرض من غير أن ينالك سوء، ورافعك إليَّ ببدنك وروحك، ومخلصك من الذين كفروا بك . فقالوا : " مطهرك " خلصك .
وفي التدبر :
لاحظ لفظ " مطهرك " فالاختلاط بالجاهلية الحديثة ينجس القلب ، سماع شبهات المضللين يمرض القلب ، اعتياد النظام الجاهلي البعيد عن الإسلام يدنس القلب ؛ ولذلك نعود بعد رمضان لنفس الإشكاليات لأننا ما غيرنا ما بأنفسنا ، ولا أصلحنا بيوتنا ، ولا تخلصنا من عاداتنا الجاهلية ، ولاحظوا أن الرفع وفيه معنى الرفعة ، جاء مع التطهير ، وهي هي " ووضعنا عنكط وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك " فالرفعة مع التخلية ، فنحن على طريقة أصحاب نظريات إنقاص الوزن بحاجة لتطهير يجعلنا أخف حركة ، لنطير بقلوبنا لربنا .
الواجب العملي :
1- طهر قلبك بعمل فذ له قوة انفجار النهر مثل : الاستغفار الكثير " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا " من جاء بورد أبي هريرة (12 ألف استغفار ) فهل ينافس خالد بن معدان المحب الذي كان لا ينام إلا بتعداد أسماء الصحابة ويقول : هم أصلي وفصلي وإليهم يحن قلبي ، فكان يستغفر في اليوم 40 ألف ) من ينافس ؟ وإذا قلت : لا أستطيع ، فعليك بما تقدر لكن اجعلها لا تقل مثلا عن ألف ، نحن في زمان " سابقوا" و " سارعوا " و " جاهدوا في الله حق جهاده " .
2- روض نفسك في قلة الكلام واستبدال هذا الوقت بقراءة ضعف وردك من القرآن الذي كان في اليومين السابقين .
3- روض نفسك بصدقة تحقق " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " هل تصدقت أو أخرجت زكاة مالك لفقراء بلدك الذين هم نصف الشعب تقريبا ؟ هل ساهمت بشيء لمجاعة مسلمي الصومال ؟ من ستنفق حليها لله ؟؟ أشك أنك ستفعلين لأن المال حبيب للنفس ، لكن والله لن تنالي معنى الالتزام إلا بشيء كهذا ، وأنت ماذا ستصنع يا رجل " وبما أنفقوا من أموالهم " ؟؟؟
وفي الليل محتاج لك يا رب "
1وعليكم بهذه المناجاة :
اللهُمّ يا حبيبَ التائبينَ ، ويا سرورَ العابدين ، ويا قُرّةَ أعينِ العارفين ، ويا أنيسَ المنفردين ، ويا حِرزَ اللاجئين ، ويا ظَهر المنقطعِين ، ويا مَن حنّت إليهِ قلوبُ الصدّيقين ، اجعلنا مِن أوليائِكَ المقرّبينَ ، وحِزبِك المفلحين .
إلهي ! كلُّ فرحٍ بغيرِك زائل ، وكلُّ شُغلٍ بسواكَ باطل ، والسرورُ بك هو السرور ، والسرورُ بغيرِك هو الزورُ والغُرور .
إلهي ! لو أردتَّ إهانتَنا لم تهدِنا ، ولو أردتَّ فضيحتَنا لم تَسترنا ، فتمّمِ اللهمّ ما بهِ بدأتَنا ، ولا تسلُبنا ما بهِ أكرمتَنا .
إلهي ! أتحرِقُ بالنارِ وجهاً كان لكَ ساجداً ، ولساناً كانَ لكَ ذاكراً ، وقلباً كان بكَ عارِفاً ؟
إلهي أنتَ ملاذُنا إن ضاقَتِ الحيَل ، وملجؤُنا إذا انقطعَ الأمل ، بذِكرِك نَتنعّمُ ونفتخِر ، وإلى جودِك نلتجِئُ ونفتقِر ، فبكَ فخرُنا ، وإليك فقرُنا .
اللهُمّ دُلّنا بكَ عليك ، وارحم ذُلّنا بينَ يديك ، واجعَل رغبتَنا فيما لدَيك ، ولا تحرِمنا بذنوبِنا ، ولا تطرُدنا بعيوبِنا .
إلهي ! أنا الفقيرُ في غِناي ، فكيفَ لا أكونُ فقيراً في فَقري ؟!
إلهي ! أنا الجاهلُ في عِلمي ، فكيفَ لا أكُونُ جَهُولاً في جَهلي .؟!
إلهي ! مِني ما يلِيقُ بلُؤمِي ، ومِنكَ ما يَلِيقُ بكرَمِك .
إلهي ! ما أعطفَك عليَّ وأكرمَك ! معَ عظيمِ جَهلي ، وما أرحمَك بي ! مع قبيحِ فِعلي ، وما أقربَك مِني برحمتِك ! وما أبعدَني عنك بجَهلي وإسرافي على نفسِي .؟!
للشيـخ هانـي حلمـي
:: متجــدد بإذن الله تابعونا ::
تعليق