سنة زوال الظلم:
الظلم: أصله الجور ومجاوزة الحد وفي لسان العرب: الظلم وضع الشيء في غير موضعه ( ابن منظور، 15/266).
والظلم عند أهل اللغة وهو وضع الشيء في غير موضوعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه. ( الأصفهاني، 315)
ويؤكد ابن حجر في فتح الباري (5/95) بان الظلم: هو وضع الشيء في غير موضعه.
ومن السنن الاجتماعية التي تقود إلى الهلاك والتي كرر القرآن التحذير منها، ظاهرة الظلم والعدوان بغير حق قال تعالى :{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } (القصص59)
قال ابن السعدي (1/620) فقوله تعالى: (( { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } بالكفر والمعاصي، مستحقون للعقوبة. والحاصل: أن اللّه لا يعذب أحدا إلا بظلمه، وإقامة الحجة عليه.))
ولما كان الظلم سبب في تعجيل العذاب و سقوط الأمم و زوالها رأينا القران الكريم يرسم لنا سنة زوال الأمم بسبب الظلم و تماديهم فيه و تنكرهم لمبدأ العدل والعدالة الاجتماعية.
قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }( هود، 102)
و قال تعالى:{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} ( الأنبياء،11-14)
و قال تعالى:{ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} (الكهف:59)
وقال تعالى:{ أَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } (الحج، 45)
وقال تعالى :{ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ } (الحج ،48)
ويؤكد ابن كثير (2/174) إن سبب زوال تلك القرى (( إن أولئك القوم الظلمة المترفين الذين أبطرتهم النعمة وأطغتهم فردوا الحق الذي جاءهم من ربهم فظلموا أنفسهم بذلك و ظلموا غيرهم فاستحقوا العذاب.))
قال تعالى :{ فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} ( هود: 116، 117)
قال الزمخشري (3/133) : (( { واتظهورهم. ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ } أراد بالذين ظلموا : تاركي النهي عن المنكرات ، أي : لم يهتموا بما هو ركن عظيم من أركان الدين ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعقدوا هممهم بالشهوات ، واتبعوا ما عرفوا فيه التنعم والترف ، من حب الرياسة والثروة ، وطلب أسباب العيش الهنيء . ورفضوا ما وراء ذلك ونبذوه وراء ظهورهم .))
وفي تفسير ابن كثير (3/247) قال: (( أن المراد أنهم ينهون الناس عن إتباع الحق، وتصديق الرسول ))، ومن العقوبات العاجلة التي يسلطها الله على الظالمين سنة تسليط الظالمين بعضهم على بعض وهذه من العقوبات العاجلة التي يقتص بعضهم من بعض قال تعالى:{ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ( الأنعام:129)
قال القرطبي (7/85) : (( نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله . وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالماََ آخر. ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أ, يظلم الرعية أو التاجر يظلم الناس في تجارته.))
قال القرطبي رحمه الله : (( نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله . وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالماً آخر.ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الرعية أو التاجر يظلم الناس في تجارته )).
كما إن الرعية الظالمة في ما بينها يسلط الله عليها حاكما ظالما فان الآية ((تدل على أن الرعية متى كانوا ظالمين فالله تعالى يسلط عليهم ظالما مثلهم )) ( الرازي ، 13/ 194) ، ويؤكد ذلك الإمام الآلوسي( 8/27) في تفسيره مستدل بحديث ((كما تكونوا يولى عليكم ))
كما تُحرم الأُمة الظالمة من الانتصار والتفوق في ميادين النزال ويسلبها الله تعالى نعمة الفلاح والنصر قال تعالى:{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (الأنعام:21)
كما إن الظلم يسرع بزوال الأمم الظالمة و يعجل انهيارها لأنها تعمل عكس سنن الله تعالى في البقاء والتمكين وان كانت هذه الأمم تظن أنها بظلمها وعدوانها تعزز مكانتها وسلطانها وتحفظ به أمنها وهيبتها فكل ذلك غرور و حقيقته أنها نزعة إلى الاستبداد و الانتقام و السعي في الكون بالفساد ، ومن هنا كان حكم الله الصادر فيهم وقضائه العادل بزوال الظالمين قال تعالى :{ لَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام:44، 45)
((والظالمون الذين لا يفلحون يشمل الظالمين لأنفسهم بالكفر بنعم الله أو باتخاذ الشركاء له في إلوهيته كما يشمل الظالمين للناس في حقوقهم. فالسنة لا تتخلف وهي أن الظالمون لا يفلحون وكذلك لا ينتصرون ولا يظفرون بمطلبهم.)) ( زيدان ، 1423 :119)
إن العدوان بغير حق يعجل بزوال الظالمين حيث تفشي الظلم من السنن الاجتماعية التي تقود إلى الهلاك ، والتي كرر القرآن التحذير منها، قال تعالى :{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } (القصص 59)
قال ابن السعدي (1/620) فقوله تعالى: (( { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } بالكفر والمعاصي، مستحقون للعقوبة. والحاصل: أن اللّه لا يعذب أحدا إلا بظلمه، وإقامة الحجة عليه.))
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تدعوا إلى تحريم الظلم بكل أشكاله، وتدعوا إلى الأمر بالعدل على إطلاقه لأن العدل ينهى ويزيل الظلم قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل 090)
وقد جاءت الشرائع السماوية بتحريم الظلم والاستبداد وشرعت الأحكام التي تلاحق الظالمين و تمنعهم من الظلم وفي القرآن الكريم والسنة النبوية نصوص كثير تحرم الظلم و تنهى عنه و تأمر بالعدل والإحسان قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ( المائدة:8)
و قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء :58)
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية (1/351) إن العدل (( هو الذي أنزلت به الكتب وأرسلت به الرسل ، وضده الظلم وهو محرم .)) والسنة النبوية تحرم الظلم فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : عن النبي e قال (( الظلم ظلمات يوم القيامة )) (البخاري رقم الحديث ،2267)
وعن أبى ذر عن النبي e فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : (( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)) ( مسلم ، رقم الحديث ،4674)
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله e - قال : (( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)) ( مسلم ، رقم الحديث ،4675)
و تؤكد السنة النبوية بزوال الظالم و الانتقام من أهله في الحياة الدنيا قبل الآخرة وان كان من سنن الله إمهال الظالم حتى يأخذه على غرة ولله في ذلك حكمة قد ندركها أو قد تخفى على الكثير فعن أبي بكرة قال : قال رسول الله e (( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)) ( أبو داود، رقم الحديث، 4256)
والبغي نوع من الظلم فقد جاء في شرح الحديث (( ما من ذنب أحق وأولى لصاحبه أي لمرتكبه الذنب أن يعجل الله له العقوبة مع ما يؤجل من العقوبة له في الآخرة مثل ( البغي (أي بغي الباغي وهو الظلم )) ( عون المعبود شرح سنن أبي داود 13/244)
وفي النهي عن الظلم و التحذير منه ما رواه أَبو هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله e قال: (( من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه)) (البخاري ،رقم الحديث،2269)
وفي نصيحته e لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن ،( إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)) (البخاري ، رقم الحديث ،1401 )
قال ابن حجر في شرح الحديث ( 5/357- 360) (( أي تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم. وفيه تنبيه على المنع من جميع نوازع الظلم ... وقوله (( ليس بينها وبين الله حجاب )) أي ليس لها صارف و لا مانع ، والمراد أنها مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند احمد مرفوعا قَالَ : (( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ )).(الإمام احمد، رقم الحديث، 8440)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين
تعليق