لا حياة لجسد بدون رأس ولا جدوى لرأس اذا فسد الجسد!، من هنا نرى أهمية الرأس في كل جوانب الحياة وفي نفس الوقت لا نغَيِّب الجسد كلياً
فهو يحوي في ما يحوي قلباً ولساناً وعينين وشفتين.
وكم من سفينة غرقت في أعماق البحار وكم من طائرة هوت وسقطت من الأعالي وكم من سلطة تبخرت وكم من أمة اندحرت وكم من جيوش انقهرت وكم من مصلحة تحطمت وكم من عائلة دمرت وتصدعت أركانها حين أصاب الملاح والربان والقائد والزعيم ورب العائلة الوهن.
كم من حادث كان سببه فقدان السائق السيطرة على مركبته أو النوم أثناء القيادة أو تحت تأثير الكحول أو عدم وضوح الطريق وفقدان البصر أو البصيرة .
كم من مؤسسة أو مصلحة أغلقت أبوابها بسبب اختلاس أو إهمال أو سوء إدارة .
وكم من قافلة لم تصل إلى نهاية الرحلة بسبب الدليل العابث أو الجاهل أو الفاقد للقدرة والعاجز عن رسم المعالم والذي يتخبط بين كثبان الرمال بلا معرفة ولا دراية .
فإذا كان الجواب بالنفي لكل هذا وإنكار هذه الحالات فلنكمل المسيرة كالنعامة التي تشعر بالأمان والطمأنينة والأمل بالفوز والنجاة لمجرد أنها لا ترى أو لا تريد أن ترى أو تراوغ في رفض الواقع وكل البديهيات والحقائق والاشتغال في تجميل ما لا يمكن أن ينفع فيه تجميل ولا كي ولا تخدير
أما وقد قال الحق جلَّ وعلا :- ( أفمن يمشي مُكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم ) ( الملك67 : الآية 22) فلا يمكن إلا أن يكون السير سوياً على صراط مستقيم أهدى ولا وجه للمقارنة أبداً بين هذا وذاك .
ولا يمكن إلا أن يكون الجواب بالتأكيد والتوكيد لأن الحكمة أيضاً لها رأس ورأسها مخافة الله .
وطالما أن الأمر كذلك فلماذا نُصِرُّ على رؤية الأمور بغير ما هي عليه ؟! أو لماذا نتقاعس عن استبدال رأس البابور المهترىء الذي يملأ الأجواء سخاما وسوادا ونسكت عن الحق كالشيطان الأخرس من منطلق أن لكل منا عذره أو أسبابه أو تعليلاته مع أننا نعي وندرك مدى نجاعة العلاج في استئصال الورم كلما سارعنا إلى ذلك .
ولا يخفى على أحد منا مدى التفاوت في الضرر الذي يمكن أن يحصل ما بين سوء بناء المباني والأضرار الجسيمة الناتجة عن سوء بناء الإنسان !.
وهل يخفى على أحد منا مدى النتائج التي بدأت تهدد أركان المجتمع في كل جوانبه وكل مناحيه، وكل منا ينظر يمنة ويسرة والبعض يرفع بصره إلى السماء وسرعان ما يعود ليطأطىء رأسه خجلاً من الله تعالى لأنه يعرف حق المعرفة أن عدم تحركه يجعله شريكاً في كل ما يحدث لهذه الأمة ولا يعفيه مجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقلبه كأضعف الإيمان .
أيها الناس: إن أول ما يهدد أمتنا هو تولي الجبان والمفسد والواشي والمختلس والمستغيب والنمام والجاهل لزمام الأمور أو لعجلة القيادة في أي مسلك أو مرفق من مرافق المجتمع فلماذا ننظر إلى من يُحدث ثقباً في السفينة أو يشعل فيها ناراً بلا مبالاة ولا حرج ونعكف على الاشتغال الدعاء لله سبحانه وتعالى يحدث من أمره بعد ذلك أمرا !.
لا بد ولا مناص من النهوض إلى مسؤولياتنا لاجتثاث كل شجرة غرقد وكل نبتة طفيلية ضارة لا تعود علينا إلا بالوبال والضرر !.
ومنذ الصغر تعلمت أن أنظر إلى السمكة بعيني لأرى جمالها وحسن شكلها وبديع خلقها لكنني تعلمت أن أنظر بعيني أيضاً إلى رأسها وأشم رائحتها بأنفي لأعرف مدى جودتها وحداثتها وصلاحيتها لكي أشتريها وأجعل منها وجبة مفيدة لي ولأهل بيتي .
أيها الناس : ما لنا نسارع في استبدال مصباح انقطع عن الإضاءة أو شمعة لم تعد تملك ما تعطي أو التخلص من مأكولات قد انتهت صلاحيتها وصارت تهدد ما حولها وفي محيطها بالضرر .
لماذا لا نتوانى في التخلي عن لباس أصابه القليل من العطب أو التلف .
لماذا لا نبخل على أنفسنا بتغيير شيء من محتويات البيت لمجرد أنه أصبح دقة قديمة أو موديل قضى مع أنه ما زال فيه بقية . لماذا نرمي بزجاجة المشروبات لمجرد أن تلاشى وتسامى غازها .
لماذا نحلم بسيارة جديدة وتصميم جديد وبيت جديد وملبس جديد ولا نهتم بما هو أشد وأعظم .. لماذا ... لماذا ؟؟.
لا يركن منا من يطمئن في سعيه في صلاح نفسه فقط ظاناً انه بهذا قد أتم ما هو مطلوب منه وسَلِم رأسه من كل ما حوله فنحن نعرف عن الرجل الصالح الذي كان في قرية ظالمة لنفسها حيث قيل به فابدأ !.
أيها الناس: أرأيتم لو أن أولادكم يشربون أو يستحمون في نهر يجلس على ضفته رجل يلقي بالقاذورات أو بالمواد السامة أو بمياه المجاري والصرف الصحي فيه , فماذا كنتم فاعلون ؟؟
صحيح أن البعض يقول بأن الخيول الأصيلة تجود وتضاعف جهودها في اقتراب خط النهاية أو في الشوط الأخير من السباق والعطاء لكن هذا يقتصر على الخيول الأصيلة فقط وليست الخيول التي تربت وترعرعت وكبرت وسمنت على أكتاف الغير وفي معالف مشبوهة لم تَجُد ولم تُعطِ في البداية وعبر سنوات عمرها فكيف يمكن أن يختلف حالها في النهاية
لننظر إلى قيادة جيوش المسلمين في غزوة مؤتة حيث ولّى الرسول صلى الله عليه وسلم قيادة الجيش لزيد بن حارثة مولاه وقال إن أصيب زيد فيتولى القيادة جعفر بن أبي طالب فعبد الله بن رواحة رضوان الله عليهم , فإن أصيب فليرتضِ المسلمون منهم رجلاً يجعلوه عليهم .
كيف لنا لو فكرنا بأن ما يخطط له ويرتب من قبل الرسول ليس إلا مما يجعلنا نعتقد بصدق رؤيته وتوقعاته وكأن ما كان ليس إلا ما رتب له رسولنا الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه , وهل لم يخطر ببال أحد من هؤلاء الصحابة ذلك فخاف أو جبن أو تراجع أم أنه أقدم على أداء الدور الذي وكل به لا يحسب لشيء حساب .
وماذا كان حال وموقف خالد بن الوليد الذي لم يكن من بين الذين تولوا القيادة بتعيين من رسولنا الكريم وهو يشارك في الغزو ولا يعترض ولا يعارض ولا يتقاعس عن أداء دوره لمجرد أن غيره عين لقيادة الجيش ولم يعتقد بالأحقية لها قبل غيره ! ولما حان الوقت وتسلم قيادة الجيش ظل محارباً مع الجميع حتى كتب للمسلمين النصر .
إن قيادة كل شيء وأي شيء هي بمثابة فن وحكمة وخبرة ولقد حذر وأشار رسولنا الأعظم إلى زمن يتولى فيه المراتب من لا يستحقونها ولا يخلصون فيها ولها وهذا هو البلاء لنا في إما الرد والصد عن حالنا ومجتمعاتنا أو الاستكانة والخنوع وترك الحبال على غاربها لمن يحدث فيها وفينا ضرراً جسيماً ونكون أقرب إلى غثاء السيل لا نحرك ساكنا حتى يقال فينا : نامت نواطير بلادنا عن ثعالبها
لذا فلنعود ونقول :
لا حياه بدون راس ولا جدوى لرأس إذا فسد الجسد
ورأس الحكمه مخافه الله
ولو وجد من لا يخاف الله ويخشاه
لا نكتفى بالدعاء عليه
بل يجب ان يكون لنا وقفه لمحاربه الفساد
واجتثاثه من جذوره
اللهم إنى قد بلغت اللهم فاشهد
تعليق