الواعـظ الصـامت
القبر.. بيت الوحدة.. ودار الوحشة.. وموطن الظلمة، صاحبه في سهود.. وساكنه في خمود أنيسه الصديد والدود.. دار الأموات.. ومنزل الحسرات والكربات.
القبر.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنّ القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه» [رواه الترمذي]. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت منظرا قط إلاّ والقبر أفظع منه».
القبر.. منزل قد ترتحل إليه بعد لحظات، أو سويعـات، أو سنوات، ولا يشك مسلم أنّ ذلك لا محالة آت.
القبر.. إنّه المنظر الذي به يرق القلب، وتدمع العين، ويزّهد في الدنيا، ويرغّب في الآخرة، يذكّر هادم اللذات، ومفرّق الجماعات، ويورث العظة والاعتبار واليقظة من الغفلة..
القبر.. يعظ الأحياء بصمت ليذكرهم بالمآل الذي لا بد منه، فيدفعهم ذلك إلى زيادة الاستعداد ليوم المعاد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنّها تذكر الآخرة» [رواه الترمذي].
وهناك.. اسأل القبر..
أين المال والمتاع؟
أين الجمال والسحر؟
أين الصحة والقوة؟
أين المرض والضعف؟
أين القدرة والجبروت؟
أين الخنوع والذلة؟
إنّه يضم أجسادا كانت ناعمة منعّمة، تفوح منها العطور، فماذا فعل بها؟
في القبر.. يتحول الوجه الفاتن، واليد الظالمة، واللسان الكذوب، والعين الخائنة، والقلب القاسي، إلى جماجم وأعظم نخرة، ولا يبقى إلاّ العمل الذي قدمه صاحب القبر.
فتنة القبر.. جعلت النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك صلاة إلاّ ويستعيذ من عذاب القبر فيقول: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» [رواه ابن ماجه].
ويقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإنّ عذاب القبر حق» [رواه أحمد]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإنّ الله عزّ وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم» [رواه مسلم].
أخي...
القبر ذلك الواعـظ الصـامت.. ماذا أعددت له؟
هل أعددت له عملا صالحا ينجيك من عذابه ووحشته، أم لا زلت لا هيًا غافلاً عن مصيرك؟
فاستعد أخي لذلك اليوم، وأنت قادر على عمل الصالحات، واغتنم تلك الحياة فهي فرصة للنجاة، قبل أن تندم عليها عند موتك، يوم لا ينفع الندم
تعليق