توجه كل من معاذ ومحمد إلى المستشفى لمقابلة عبد الرحمن وبالفعل تم اللقاء
وأول ما رأى عبد الرحمن معاذ ابتسم وفرح لمجيئه
وإذا به حين اقترب منه وسلم على محمد
إذا بعبد الرحمن يلقى بنفسه بين أحضان معاذ
أراد أن يشعر بالراحة بين أحضان ذاك الفتى
وإذا به يبكى ولا يعرف أيبكى على نفسه أم على صديقه لكنه يبكى
وإذا بمعاذ يضمه بشده وإذا بضمته تشتد أكثر فأكثر
حتى آلمت عبد الرحمن نفسه
ثم اقترب من أذنيه وقال هامسا :
كان ممكن تبقى مكانه مش كده
أنتبه عبد الرحمن ومسح دمعه ولا يعرف ماذا يقول
واستكمل معاذ قائلا : كان ممكن تبقى مكانه ...... بس ربنا نجاك مش كده أو بمعنى تانى .... أداك فرصة ..... خلى بالك ..... أغتنمها كويس ...... عشان ممكن متتكررش تانى
راود عبد الرحمن شعور الخوف من الموت مرة أخرى
ثم قال : معاذ أنا ...... أنا مش عارف ممكن ربنا يقبلنى ولا لأ ؟؟؟ أنا حاسس أنه مش عايزنى ، حاسس أنى مقدرش أرجع
معاذ : عبد الرحمن أنا عايزك تسمعنى كويس
أولا : بلاش تقول ربنا عايز أو مش عايز لأن فعل عاز ده معناه أنه محتاج والعوز يعنى الأحتياج وأحنا مينفعش ننسب لربنا الأحتياج ممكن تقول يريد أو يشاء أفضل
ثانيا : يا أخى من يحجب توبة الله عنك إذا كان غفر لقاتل المائة نفس وإذا كان جاب عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- من الكفر للأيمان بعد ما كان المسلمين نفسهم بيقولوا لو حمار الخطاب هيسلم عمر عمره مهيسلم لكن أسلم وربنا تاب عليه يبأى مش هيغفرلك أنتَ
شعر عبد الرحمن ببعض الأمل وأنه ممكن فعلا يتوب
إلا أنه قطع عليه تلك الفرحة صراخ أهل رامى وعويلهم
وإذا بمعاذ يتجه إليهم مسرعا ليهدئهم ويعزيهم فى مصابهم ويذكرهم أن الميت يُعذب بالنواح والصراخ عليه
ترك عبد الرحمن معاذ وأخذ محمد وراحوا للدكتور
عبد الرحمن : يا دكتور أنا كنت عايز أسالك بخصوص محمود ممكن نزوره
الطبيب : هو الحمد لله بأى كويس لكن لسه مفقش من البنج ممكن على بكرة كده إن شاء الله تقدر تزوره أما بالنسبة لرامى أعتقد أن أهله خلصوا تصاريح الدفن وهيتنقل من المستشفى للتغسيل والتكفين الله يكون فى عونهم
خرج عبد الرحمن من عند الدكتور وهو لسه مش مستوعب أن صاحبه هيتغسل وسيكفن وسيدفن فى قبره عما قريب
ثم عاد إلى معاذ مرة أخرى
معاذ : أحنا لازم نقف مع أهله فى التغسيل والتكفين ..... حالتهم صعبة أوى ومحتاجين حد يقف جنبهم
أستغرب عبد الرحمن من معاذ أللى ميعرفش رامى ولا عمره شافه ورغم كده واقف جنب أهله وكأنه أخوه
صاحبنا ماكنش عايز يروح معاهم فى بداية الأمر لكن لما وجد إصرار معاذ اضطر للذهاب معاهم
تم تغسيل الميت وحان موعد الصلاة عليه
ووقتها كانت صلاة العصر
دخل كل من معاذ ومحمد وعبد الرحمن للوضوء
وحمد صاحبنا ربنا أن محمد كان منبهه على خطأه فى الوضوء قبل ذلك عشان ميتحرجش أمام معاذ
وذهب الجميع لصلاة العصر
فقام الأمام عقب الصلاة ليقول : " إن شاء الله معانا صلاة جنازة على أخونا رامى
أسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة ويبدله دارا خيرا من داره وأهلا خير من أهله ويعافيه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم ويجعل لوالديه سلفا وذخرا وفرطا وثقل به موازينهم وألا يحرمهم أجره ولا يفتنهم بعده
وصلاة الجنازة إن شاء الله أربع تكبيرات بدون ركوع أو سجود الأولى تقرأ الفاتحة ، والثانية الصلاة على النبى الصلاة الأبراهيمية والثالثة الدعاء للميت والرابعة للمسلمين عامة "
وتمت الصلاة
وقام عبد الرحمن بعدها وقال لمعاذ : كفاية كده أوى ممكن أروح دلوقتى بأه عشان أنا تعبت
معاذ : لأ تعبت إيه دا كل أللى فات ده كان لعب عيال أللى جاى هو المهم
عبد الرحمن : ما خلاص كده هيدفنوه والموضوع هينتهى
معاذ : ينتهى ....... ينتهى إيه ...... قصدك هيبتدى
ولو إنا إذا ما مِتنا تُركنا لكان الموتُ راحة ً لكل ِ حىّ
لكننا إذا ما مِتنا بُعثنا ُنسأل بعدها عن كل شىّ
أنت عارف أجر السير فى الجنازة إيه
عبد الرحمن : ليلتك طويلة وليها العجب شكلى كده هطرد من البيت بجد المرة دى ..... قول .... قول ..... أشجينى
معاذ : بص ياسيدى أللى يصلى على الجنازة بس ياخد أجره حسنات مثل جبل ُأحد وأللى يصلى عليها ويتبعها حتى الدفن ياخد حسنات مثل جبل أحد مرتين
لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال " من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا ، وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطان ، كل قيراط مثل ُأحد ، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط "
عبد الرحمن : حلو أوى صلاة جنازة كمان وأكفر عن كل الذنوب إللى عملتها
معاذ : أنت ونيتك بأه ....
تعمد معاذ أن ياخذ عبد الرحمن معاه للقبر
وخرج صاحبنا وباقى الرجال للسير فى الجنازة
وساد الصمت أثناء السير فشعر عبد الرحمن بالملل
فسأل محمد : محمد هو أحنا ليه مبنركعش ولا بنسجد فى صلاة الجنازة ؟؟؟
محمد : أسأل معاذ هو أدرى منى بالمواضيع دى
عبد الرحمن : طب وأنتَ مشعارف ليه ؟؟؟
محمد : مش عارف عشان نفس السبب إللى خلاك أنت كمان مش عارف !! وبعدين إيه حكاية مش عارف معاك أنت مش ملاحظ أنك بتكررها كتير اليومين دول !!!
عبد الرحمن : أيوه أيوه غير الموضوع عشان تهرب من السؤال
وهنا التفت معاذ إليهم وقال : أنا هقولك يا عبد الرحمن أحنا لازم نحط جسم الميت تجاه القبلة وكمان لازم وإحنا بنصلى نتجه تجاه القبلة زى أى صلاة عادية وبكده جسم الميت يبأى قدامنا وأحنا بنصلى فربنا خلانا لا نركع ولا نسجد عشان منبآش بركع أو بنسجد للميت والله أعلم
عبد الرحمن : آه فهمت ..... طب ممكن طلب بأه غلاسة يعنى
معاذ : أتفضل غلس براحتك
عبد الرحمن : أنا عايزك تيجى معايا بكرة عشان نزور محمود كان مع رامى فى الحادثة أنا سألت الدكتور وقالى أن ممكن نزوره بكره
معاذ : طبعا هاجى معاك من غير ماتقول دى زيارة المريض واجبه يا أخى
محمد : كفياكم كلام بأه وأدعو للميت شوية
عبد الرحمن : حاضر يا فضيلة الشيخ
وبعد سير طويل وصلوا أخيرا لمكان القبر
كان الجو هادئ بعض الشىء
بل موحش
لا تسمع إلا لحفيف الريح يمنة ً ويَسرة
ُتحرك بعض فروع النباتات التى زُرعت من أجل التخفيف عن أصحاب القبور
ثم قام عبد الرحمن يريد الخروج لكن منعته يد معاذ التى أمسكت به
ثم قال : على فين؟؟؟؟؟
عبد الرحمن
: إيه .. هخرج إحنا مش خلصناكدة ولا إيه ؟؟؟؟
معاذ
: لأ لسة .... هنسيبه كده مش لازم نهيأه للحساب
عبد الرحمن
: وهنهيأه إزاى؟؟؟؟
تعجب عبد الرحمن من قول معاذ
إلا أن معاذ لم يُجيبه وقام يفعل ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم
وكلما فعل شيئا زاد تعجب عبد الرحمن
بدأ معاذ يأخذ ثلاث حثيات من التراب ويرمى بها فى القبر
من جهة رأس الميت
ثم قال: هتفضل بصصلى كده كتير تعالى يابنى ساعدنى عشان أقلبه على جنبه اليمين ووجّهه للقبلة
وبالفعل ساعده عبد الرحمن ثم
قال : طيب وبعد كدة نعمل إيه؟؟؟؟
معاذ
: ساعدنى بأه فى فك رباط الكفن
عبد الرحمن
: وهتفكه ليه؟؟؟؟
معاذ
: عشان النبى صلى الله عليه وسلم أمر بكده
لازم نفكه عشان نيسر له عملية الحساب مع الملكين لمّا يسألوه
و
قام كل منهم بفك الأربطة وفى ذلك كله معاذ يردد : بسم الله وعلى ملّة رسول الله بسم الله وعلى ملّة رسول الله
عبد الرحمن
: الحمد لله كده خلاص نخرج بأه
معاذ
: نفسى أعرف أنتَ مستعجل على إيه كأنك مش هتيجى هنا تانى
عبد الرحمن
:وهاجى ليه ... دا لو حد مات تانى .... لكن المرة الجاية
مش هنزل .... هفضل فوق !!!
معاذ
: أعتقد إنك لازم تِنزل دلوقتى بمزاجك بدل ما يجى عليك يوم وتنزل غصب عنك
ثم توجه معاذ إلى جثة الميت وأزاح الكفن عن وجهه ثم شد عبد الرحمن من يده
وقال
: عبد الرحمن قبِّلُه فى رأسه
فزع عبد الرحمن من وجه الميت وجد وجهه غير وجهه فى الدنيا لم يكن بذاك القبح تبدلت ملامحه واسودت بشرته ومازالت رائحة القبر كريهه أهى سوء خاتمة ؟؟؟؟
لم يكن يصدق صاحبنا قصص سوء الخاتمة التى كان يسمعها من قبل أو لعله لم يستوعبها حتى رأى بعينه
وكلما طالت المُدة كلما زاد قبح وجهه
فزع عبد الرحمن ولم ينتظر معاذ بل خرج هلُوعاً إلى الخارج تتسارع ضربات قلبه وتتابع أنفاسه خائفا من البقاء فى ذلك المكان
وأخيرا
لم ينتظر معاذ طويلا بعد خروج عبد الرحمن فخرج أيضا لكنه خرج بوجه ليس بالوجه الذى دخل به ولمّا رأى محمد طريقة خروج عبد الرحمن وملامح وجه معاذ علم أنهم رأوا شيئا داخل القبر
فاقترب من ظهر معاذ وعندما فتح فمه يريد أن يسأله أدار معاذ وجهه فجأة وهو مقطب الجبين
ثم قال : يلا يا محمد أنت وعبد الرحمن ساعدونى فى تغطية القبر بالتراب
وبالفعل بدأوا يهيلوا عليه التراب حتى اختفى تماما عن الأنظار
تعليق