إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

واعتصموا بالله هو مولاكم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • واعتصموا بالله هو مولاكم




    لقد أصبحت الحسابات المادية البحتة هي المسيطرة على تفكير كثير من الناس وعلى معتقداتهم، وفي المقابل ضعفت ثقة الناس بربهم، فقد يطمئنون وتسكن نفوسهم بما لديهم مِن مقومات مادية؛ معرضين متناسين أن الله تعالى هو المدبر للأمر، وأنه فعال لما يريد، وأنه بيده وحده الملك { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران:26].


    لقد ضعفت ثقة الناس بربهم وبقدرته، وهذا نتاج طبيعي لبعد الناس عن منهج ربهم، وعن شرعه وعن معرفتهم بربهم؛ فأصبحوا لا يثقون إلا بما في أيديهم، وأصبحت مقاييس الناس مادية بحتة، والناس يبحثون عن أيدلوجية للتغيير، لتغيير الأوضاع، وتغيير ما نحن فيه من مهازل واضطهادات واضطرابات، فهذه أيديولوجية ترى: أن التغيير يبدأ مِن هنا، وأخرى ترى: أن التغيير يبدأ مِن هناك؛ فتباينت هذه الأيدلوجيات، وتناسوا تمامًا ما جاء به كتاب ربهم الذي هو في حقيقته منهج حياة يحقق مِن خلال تطبيقاته المصالح الدنيوية والدينية.


    فلقد ذكر الله لنا في كتابه منهج التغيير وبينه لنا، وأرانا صورة واقعية عملية لهذا المنهج، ولقد لخص لنا القرآن هذا المنهج في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11].

    وكذلك أرانا الله تطبيق هذه القاعدة في التغيير كما ذكر في سورة الأنفال: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ . ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ . كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} [الأنفال:50-54].

    فالثقة بالحسابات المادية تجلب على الإنسان الحسرة والندامة حتى لو صدر ذلك من الأكابر: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [التوبة:25-27].

    فقد قالوا: لن نغلب اليوم عن قلة، فالحسابات المادية تقول ذلك، فهم أكثر عددًا وتجهيزًا، وسبق ذلك انتصارات كثيرة فكانت النفسية مرتفعة، ولكن استعصى عليهم الأمر حتى رجعوا إلى ربهم، وعلموا أن النصر مِن عند الله وحده.


    وإليك هذه الوقفة العجيبة التي تبعث على الأمل والرجاء:
    فقد يرى الإنسان بنظره أن إمكانية التغيير تكاد تكون منعدمة؛ لعدم وجود المقومات التي تشير إلى ذلك، فطائفة مستذلة ضعيفة يُفعل بها الأفاعيل ليس في أيديها سلاح للمقاومة أو حتى للدفاع عن النفس، والطائفة الأخرى مستبدة مسيطرة قوية قاهرة للطائفة الأولى، فلا بصيص مِن الأمل ولا بارقة أمل أن يتغير ذلك الحال.

    فالطائفة الأولى ممتهنة تعمل في أحقر الأعمال وأرذلها، لا قوة مالية ولا قوة معنوية، فهي مسلوبة تمامًا؛ فهل من الممكن أن يمكَّن لهؤلاء مع هذه الأوضاع؟! بالطبع جميع العقلاء يقولون: لا يمكن أن يكون لها تمكين. ولكن ماذا لو أراد الله تعالى لها التمكين؟ فأي القوتين ستكون أغلب؛ هذه القوة الغاشمة الظالمة القاهرة أم قوة الله تعالى؟!


    لقد قص الله علينا في سورة القصص قصة موسى عليه السلام مع الطاغية الذي سبق في طغيانه كل طاغية؛ حتى إنه وصل من طغيانه أنه دعا الناس إلى عبادته وقال: {
    أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى } [النازعات:24].

    في بداية السورة تلخيص الأمر: { طسم . تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ . نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ . إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ . وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ } [القصص:1-6].

    فرعون "علو وطغيان واستبداد وديكتاتورية"؛ فهو يحكم قومه بالقهر والتسلط، واستطاع أن يجعل شعبه أحزابًا مختلفة حتى لا يجتمعوا على رأي، بالإضافة إلى طائفة بني إسرائيل الذين فعل فيهم الأفاعيل من قتل الأولاد واستخدام النساء في الخدمة والمهانة، بالإضافة إلى نشر الفساد والرذائل في طوائف الشعب وإشغالهم بالملاهي وغيرها.

    والله يريد أن يمكن لهؤلاء المستضعفين ويجعلهم هم الذين يرثون الأرض، وفي المقابل إهلاك عدوهم؛ فأي الإرادتين أغلب؟!

    إرادة فرعون الذي معه القوة والجاه والسلطان والسطوة والقهر أم إرادة الله الواحد القهار؟!


    إذا عدنا مرة ثانية لجانب مِن تفاصيل هذه القصة لنرى ضعف مَن آمن مع موسى عليه السلام وكذلك خوفهم مِن بطش فرعون وطغيانه: {
    فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس:83].

    موسى عليه السلام والمؤمنون مضطهدون من قبل فرعون وحاشيته ونظامه:
    {وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } [الأعراف:127].


    توجيهات موسى عليه السلام ووصاياه لمن آمن معه:
    انظر كيف يواجه موسى عليه السلام هذا البطش والاضطهاد مِن هذا النظام الغاشم الظالم الذي اغتر بقوته وسلطانه وسطوته وبقبضته الحديدية على النظام وجنده الذي ظن أنهم يحمونه ويثبتون نظامه {
    وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس:84].

    وقال لقومه ماذا يفعلون في هذه الأزمة: { اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف:128].

    وصحح لهم المفاهيم التي ينبغي أن تستقر في الوجدان: { إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف:128].

    فليس لهم إلا اللجوء إلى الله تعالى، والفرار إليه، والتوكل عليه مع يقينهم أن الله بيده مقاليد الأمور، وهو المتصرف -سبحانه- وحده في الأمور دون سواه، وأن الله كاف عبده.



    الاستجابة الفورية مِن المؤمنين لتوجيهات موسى عليه السلام بلا تردد أو مناقشة:{ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [يونس:85-86].

    العبودية المطلوب إظهارها عند هذه المحنة: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [يونس:87].

    التضرع واللجوء الدائم لله تعالى خاصة عند المحن: { وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ } [يونس:88].


    سبحان مجيب الدعاء..! الملك القدوس: { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [يونس:89].

    فقد استجاب الله لدعاء مَن دعاه واستغاثة وطلب العون من ربه، ولكن مع عدم الغفلة والتغافل عن المطلوب تحقيقه من أسباب من استقامة على منهج الله-تعالى وأداء ما افترض الله علينا.

    حان وقت التنفيذ: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ . فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ . إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ . وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ . وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } [الشعراء:52-56].

    فخرج فرعون وجنوده في جيش عظيم ونفير عام لم يتخلف في الخروج معه إلا من كان له عذر، ينظرون إلى موسى عليه السلام ومَن معه مِن المستضعفين نظرة ازدراء واستعلاء، فهم قلة قليلة بالنسبة لحشود فرعون ليس معهم سلاح يواجهون هذا الزحف الجرار، عزل لا حيلة لهم { فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ . فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } { الشعراء:60-61 } .


    فأصحاب موسى عليه السلام لم يقولوا ذلك إلا مِن خلال الواقع المشهود فقد حصروا بين البحر وبين هذه الجيوش الجرارة التي لا قبل لهم لمقابلتها.

    وقت المحن يظهر ما بداخلك مِن إيمان فالمحنة مظهرة لما عندك من إيمان: {
    قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [الشعراء:62].

    فالمؤمن في مثل هذه المواقف يتكلم بلغة الواثق في ربه وفي نصره، فلو اهتزت وتزعزعت وتزلزلت الجبال وتحركت مِن مكانها فقلب المؤمن يزداد بمثل هذه المواقف إيمانًا وتسليمًا لربه العلي القدير.


    فيأتي الفرج من عند الله تعالى: { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ . وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ . وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ . وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } [الشعراء:63-68].

    فهذه نهاية الطغيان والطغاة: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [هود:102].

    وكان التمكين لمن آمن وعمل صالحًا: { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } [الأعراف:137].


    فقم أيها المسلم وانهض من سباتك ونومك وأدِ ما عليك مما افترضه الله تعالى؛ فلا مجال للهزيمة النفسية أو الانهزامية.

    واعلم أن معك القوة التي لا تغلب ولا تقهر حتى لو كنتَ منفردًا: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } [الطلاق:3].




    تابع معنا في المشاركة القادمة
    وهو يتولى الصالحين


    لتعليم أن

    الله سبحانه هو وحده ولي المستضعفين من عباده في الأرض، وهو وحده لا أحد سواه ناصرهم، ومعينهم، وهذا الذي ينبغي أن يدين الله به كلُّ مسلم، ومن طلب الولاية من غيره سبحانه فقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً.

    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبدالله إبراهيم; الساعة 01-01-2015, 12:23 AM.
    قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

  • #2
    رد: واعتصموا بالله هو مولاكم

    وهو يتولى الصالحين


    كان المشركون يخوِّفون الرسول صلى الله عليه وسلم بآلهتهم، فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين} [الأعراف: 196]، فالآية خطاب من الله سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين المعاندين لما جاء به، والمشركين من عبدة الأوثان: إن نصيري، ومعيني، وظهيري عليكم هو الله رب العالمين، ومن ثم فلا سيبل لكم إلي؛ لأن الله حاميني، وناصري، وحافظي. هذا معنى الآية على الجملة، والتفصيل فيما يأتي:



    قوله تعالى: {إن وليي الله} (ولي) الشيء: الذي يحفظه، ويمنع عنه الضرر. و(الولي) الناصر، والكافي. و(الولي) هو الحبيب الموالي، والنصير، والمظل بالرعاية، وكل هذا يتضمنه ولاية الله لنبيه، فهو حبيبه وناصره، ومن يعيش في ظله، ومن يفيض عليه برحمته وهدايته، ومن يكون الله تعالى وليه لا يُضار، ومن يكون وليه الله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.


    قوله سبحانه: {الذي نزل الكتاب} (الكتاب) القرآن، و(أل التعريف) فيه للعهد، أي: الكتاب الذي عهدتموه، وسمعتموه، وعجزتم عن معارضته، والإتيان ولو بسورة من مثله. وهذه الجملة تعليل لسابقتها، والمراد أن الله تعالى ناصر محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صاحب الولاية المطلقة؛ ولأنه رسوله، وصاحب (الكتاب المبين) الذي يماري فيه الضالون، فالله ناصره، ومؤيده. قال أبو السعود: "ووَصْفُه تعالى بتنزيل الكتاب؛ للإشعار بدليل الولاية، والإشارة إلى علة أخرى لعدم المبالاة. كأنه قيل: لا أبالي بكم وبشركائكم؛ لأن وليي هو الله الذي نزل الكتاب الناطق بأنه وليي وناصري، وبأن شركاءكم لا يستطيعون نصر أنفسهم، فضلاً عن نصركم".

    قوله عز وجل: {وهو يتولى الصالحين} (الصالحون) هم الذين صلحت أنفسهم بالإيمان، والعمل الصالح. قال ابن عاشور : "ومجيء المُسْنَد -يقصد الفعل المضارع {يتولى}- فعلاً مضارعاً؛ لقصد الدلالة على استمرار هذا (التولي)، وتجدده، وأنه سُنَّة إلهية، فكما تولى الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم، يتولى الصالحين من عباده أيضاً، وهذه بشارة للمسلمين المستقيمين على صراط نبيهم صلى الله عليه وسلم بأن الله ناصرهم، كما نصر نبيه وأولياءه".



    وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم ولايته لله بالجملة الاسمية: {وهو يتولى الصالحين}، و{إن} المؤكِّدة. والكلام يفيد القصر، أي: إن ولايتي لله تعالى وحده، لا ولاية لأحد سواه، كما قال تعالى: {هنالك الولاية لله الحق} [الكهف: 44]، وإنه {نعم المولى ونعم النصير} [الأنفال: 78]، فالله سبحانه من شأنه أن يتولى الصالحين من عباده، فيتعهدهم برعايته، وتأييده وتوفيقه، ولا يتولى المفسدين.



    وقد قال بعض أهل التفسير: في هذا الكلام إشارتان بيانيتان:

    • [*=1] إحداهما: الحكم على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من الصالحين، الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون، وأن عبدة الأوثان مفسدون، قد أفسدوا في تفكيرهم وفي اعتقادهم، وأفسدوا وأضلوا باتباعهم الأوهام، وبعبادتهم من لا ينفع ولا يضر.


      [*=1] والثانية: أن الله تعالى ناصر الصالحين من عباده على الفاسدين والمفسدين، ويتولى الصالحين برعايته، وأنه سبحانه وتعالى لن يضيعهم أبداً، وأن النصر في النهاية للفضيلة لا للرذيلة، وللحق لا للباطل، وأنه سبحانه هو يتولى عباده المخلصين دائماً، وفي كل حال. وإذا كان الله ولي المؤمنين، فالشيطان ولي الكافرين؛ ومن كان الشيطان وليه فبئس المولى، وبئس المصير.

    والآية عموماً تعليل لجزمه صلى الله عليه وسلم بما ذكر من عجز هذه المعبودات، وتحقير أمرها، وأمر عابديها، فهي لا تملك من الأمر شيئاً، ولا تملك نفعاً ولا ضراً. ومن ثم تقرر أن الناصر الحقيقي للصالحين من عباده إنما هو الله سبحانه، لا ناصر سواه، ولا ولي غيره، فعبادة غيره باطلة، ودعاء من سواه سخف، لا يرضاه لنفسه إلا جاهل سافل. وقد قال تعالى: {أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} [الزمر: 64].


    وهذه الآية الكريمة هي كقول هود عليه السلام، لما قال له قومه: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون . من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون . إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} [هود: 54-56]، وكقول إبراهيم عليه السلام: {قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون . أنتم وآباؤكم الأقدمون . فإنهم عدو لي إلا رب العالمين . الذي خلقني فهو يهدين . والذي هو يطعمني ويسقين . وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 75-80]، وكقوله لأبيه وقومه: {إنني براء مما تعبدون . إلا الذي فطرني فإنه سيهدين . وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} [الزخرف: 26-28].



    والذي نريد أن نخلص إليه على ضوء هذه الآية، أن الله سبحانه هو وحده ولي المستضعفين من عباده في الأرض، وهو وحده لا أحد سواه ناصرهم، ومعينهم، وهذا الذي ينبغي أن يدين الله به كلُّ مسلم، ومن طلب الولاية من غيره سبحانه فقد ضل ضلالاً بعيداً، وخسر خسراناً مبيناً.


    ونختم الحديث عن هذه الآية بما روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه ما كان يدخر لأولاده شيئاً، فقيل له في ذلك، فقال: ولدي إما أن يكون من الصالحين، أو من المجرمين، فإن كان من الصالحين، فوليه الله، ومن كان الله له وليًّا، فلا حاجة له إلى مالي، وإن كان من المجرمين، فقد قال تعالى: {فلن أكون ظهيرا للمجرمين} [القصص: 17]، ومن رده الله، لم أشتغل بإصلاح مهماته.


    البحرُ يُغْرقُ، والنارُ تَحْرِقُ، ولكن جفَّ هذا، وخمدتْ تلك، بسبب: ؟؟
    لتعلم تابع معنا المشاركة القادمة مع الشيخ عائض القرني




    قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

    تعليق


    • #3
      رد: واعتصموا بالله هو مولاكم

      حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ


      {حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}: قالها إبراهيمُ لما أُلقي في النارِ، فصارتْ بردْاً وسلاماً. وقال محمدٌ صلى الله عليه وسلم في أُحُدٍ، فنصره اللهُ.

      لما وُضِع إبراهيمُ في المنجنيقِ قال له جبريلُ: ألك إليَّ حاجةٌ ؟ فقال له إبراهيمُ: أمَّا إليك فلا، وأمَّا إلى اللهِ فَنَعَمْ!

      البحرُ يُغْرقُ، والنارُ تَحْرِقُ، ولكن جفَّ هذا، وخمدتْ تلك، بسبب: {
      حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
      رأى موسى البحرَ أمامه والعدَّ خلفه، فقال: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} فنجا بإذنِ اللهِ.

      إنها العنايةُ الربانيةُ إذا تلمَّحها العبدُ، ونظر أنَّ هناك ربّاً قديراً ناصراً وليّاً راحماً، حينها يركنُ العبدُ إليه.
      • يقولُ شوقي:

      وإذا العنايةُ لاحظتْكَ عيونُها *** نمْ فالحوادثُ كُلُّهن أمانُ
      {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}، {فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.






      وختاما
      تابع معنا المشاركة القادمة للإطلاع على مزيد من الموضوعات النافعة


      التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبدالله إبراهيم; الساعة 01-01-2015, 06:54 AM.
      قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

      تعليق


      • #4
        رد: واعتصموا بالله هو مولاكم

        الساحة الشبابية
        الثمن والزمن في معادلة التمكين
        قصة أصحاب الأخدود والعظة والعبرة منها
        (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)من دروس غزوة بدر
        السياسة الشرعية بين فقه الاستضعاف وفقه التمكين
        ومضاتٌ منيرة من غَزوة بَــدر للشيخ محمد بن صالح العثيمين
        غزوة بدر ، دروس وعبر وتأملات إيمانية


        الأقسام الخدمية
        كيف نصر الله المسلمين في زمن الرسول؟
        كيف يمكن للمسلم أن ينفّذ منهج الله عزّ وجلّ في الأرض
        التمكين في الأرض


        الأقسام العلمية
        التمكين في ميزان كتاب ربنا المبين
        قصة مولد جيل النصر والتَّمْكين
        قصة أصحاب الأخدود معنى حقيقي للنصر والتمكين
        خطبة وكان حقًا علينا نصر المؤمنين للدكتور أحمد فريد
        ملامح النصر وعوامل التمكين في هجرة خاتم المرسلين
        الطاعة طريق العزة والتمكين
        الثمن والزمن في معادلة التمكين
        جنود الله في غزوة بدر
        أصحاب الكهف


        قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

        تعليق


        • #5
          رد: واعتصموا بالله هو مولاكم

          بارك الله فيك ونفع بك وجزاك كل الخير
          إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
          والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
          يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

          الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

          تعليق


          • #6
            رد: واعتصموا بالله هو مولاكم

            المشاركة الأصلية بواسطة أبو أحمد خالد المصرى مشاهدة المشاركة
            بارك الله فيك ونفع بك وجزاك كل الخير
            اللهم آمين ولكم بالمثل وزيادة والدنا الكريم
            أحبكم في الله
            قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

            تعليق


            • #7
              رد: واعتصموا بالله هو مولاكم

              إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.

              تعليق

              يعمل...
              X