إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

غزوة بدر ، دروس وعبر وتأملات إيمانية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • غزوة بدر ، دروس وعبر وتأملات إيمانية



    المسلم عندما يطالع أنباء موقعة بدر، ويستعرض مقدماتها ونتائجها؛ يشعر أن لها منزلة خاصة، ويدرك أن التاريخ أودع في فصولها سرًّا تكتنفه الهيبة، وجعل من أدوار القتال فيها موعظةً خالدةً لا تفتأ تتجدد ذكراها ما بقي في الدنيا قتال بين الحق والباطل، وصراع بين الظلام والنور.

    `
    غزوة بدر الكبرى: إنها الموقعة الفاصلة في عبادة الله على هذه الأرض هل ستبقى أم ستفنى؟! ويشعر قائد المعركة بهذه الحقيقة الحاسمة فيلجأ إلى الله مستنجزًا وعده، مستقبل القبلة، وماداً يده يهتف :"اللهُمَّ آتني ما وعدتني، اللهُمَّ أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تَهلِكَ هذه العصابة من أهل الإسلام فلن تُعبَد في الأرض، وما يزال يهتف بربِّه مادًّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، وحتى نزل الوحي مطمئنًا؛ سيُهزَم الجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُر.

    `
    غزوة بدر الكبرى :موقعة تكون الخصومة فيها في الله، ويكون القتال فيها بدايةً لسلسلة من المعارك، يحتدم النزاع فيها بين الحق والباطل، هذه السلسلة من المعارك التي خاضها المسلمون – من بعد- في فارس والروم لا تحسب الصلة بينها وبين بدر مقطوعة؛ إنها صلة النسب بين الأصل ونتائجه؛ فكان أول سيف شُهِرَ في بدر إيذانًا بابتداء النضال المسلح بين الحق والباطل، كلما انتهت معركة قامت أختها.

    `غزوة بدر الكبرى: هي أعظم غزوات الإسلام فضلاً وشرفًا للأسباب التالية:
    أولاً: لأنها أول غزوة كان لها أثرها في إظهار قوة الإسلام، فكانت بدءَ الطريق ونقطة الانطلاق في انتشار الإسلام.
    وثانيًا: لأنها رسمت الخط الفاصل بين الحق والباطل، فكانت الفرقان النفسي والمادي والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسدت هذه المعاني، فعاشها الصحابة واقعًا ماديًا وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت قيم الجاهلية، فالتقى الابن مقاتلاً لأبيه وأخيه والأخ مواجهة لأخيه.
    وثالثًا: لأن المحرك لها هو الإيمان بالله وحده، لا العصبية ولا القبيلة ولا الأحقاد والضغائن ولا الثأر، وفيها تجلت صور رائعة من الإيمان بالله وصفاء العقيدة وحب هذا الدين.

    `غزوة بدر الكبرى:بنت التصور الإسلامي لعوامل النصر والهزيمة بطريقة عملية واقعية، وقررت أن النصر ليس بالعدد ولا بالعدة، وإنما بمقدار الاتصال بالله الذي لا يقف أمامه قوة العباد، ليوقن المسلمون في عصورهم المختلفة أنهم يملكون في كل زمان ومكان القدرة للتغلب على أعدائهم مهما كانوا هم من القلة وعدوهم من الكثرة، شريطة أن تتحقق فيهم عوامل النصر الحقيقية.

    `
    غزوة بدر الكبرى: تُعد ميلاداً ثانياً لقوةٍ ناهضة ودولةٍ ناشئة للمسلمين، ظنتها قريش لا تقوى على مطاولة أو مجاولة، لكن نصر الله للمسلمين في هذه الغزوة مكَّن للدين في النفوس، وللإسلام في جزيرة العرب، بل العالم كله.

    `غزوة بدر الكبرى: كانت إيقافًا لمدِّ الشركِ على ظهر الأرض وتقليم أظافره والإطاحةِ بكل رؤوسه ودفنهم في بدر، لقد خرج أبو جهل وقال له الناس: ارجع قد نجت التجارة، ارجع لا داعي للاشتباك مع محمد فقال: لا، وأقسم باللات والعزى أنه لن يرجع، حتى يَرِد بدر فيقيم فيها ثلاثًا، ماذا يصنع؟ ينحر ويذبح ويشرب ويُغني ويعزف وتسمع الدنيا بمسيرته، فلا يجرؤ محمد ولا غيره أن يتعرَّض لهم مرة أخرى، ولذلك يقول الله: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 47، 48].

    `غزوة بدر الكبرى: أوقفت التطاول على رُسل الله وعلى منهج الله وعلى دين الله، ولذلك القرآن الكريم يقول للمسلمين لأهل بدر: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 7] تريدون التجارة والله يريد أمرًا آخر، أمرًا كبيرًا، أمرًا عظيمًا، أمرًا هو بداية للبشرية، للحياة الحقيقية للبشرية ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال: 7-8].

    `
    غزوة بدر الكبرى :ليست كتابًا يُقرأ ولا محاضرة تُقال، بدر ينبغي على المسلم أن يعيشها وهي حُجة على كل مسلم على ظهر الأرض، أنَّ النصرَ منه قريب لو آمن بالله حقًا، وأنه لا يهودية ولا نصرانية ولا شيوعية، كل هؤلاء عندما يعتصم المسلمون بالله يصبحون هباء ويصبحون هواء، ونفخة واحدة لا تُبقي منهم أحدًا، حين أقبل أهل بدر على المولى- تبارك وتعالى- وصدقوا وتجرَّدوا وأخلصوا وطرحوا الدنيا وراءهم، ووضعوا في أنفسهم أمرًا واحدًا؛ أن تكون كلمة الله هي العليا وما عداها السفلى عندها قال الله لهم: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوَهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: 17].

    `غزوة بدر الكبرى: التي فُرِضَت على المسلمين فرضًا، وفُوجِئوا على غير استعداد بتحدي صناديد قريش وأبطالها لهم؛ ولم يكن بُدٌّ من قَبول هذا التحدي، وواجه النبي صلى الله عليه وسلم الموقف بما يتطلبه من إيمان وثقة، غير أن كثيرًا من المسلمين تساءل..؛ إذ كيف يواجه هذا العدو الذي لم يستعد له؟! ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤمِنينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلى المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾. [الأنفال: 5-6]

    `
    غزوة بدر الكبرى: التي كانت بعد أن بلغ المسلمين تحرُكُّ قافلة تجارية كبيرة من الشام تحمل أموالاً عظيمة لقريش يقودها أبو سفيان ويقوم على حراستها بين ثلاثين وأربعين رجلا ، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بَسْبَس بن عمرو لجمع المعلومات عن القافلة، فلما عاد بسبس بالخبر اليقين، ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج وقال لهم: «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها»، وكان خروجه من المدينة في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة، ومن المؤكد أنه حين خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة لم يكن في نيته قتال، وإنما كان قصده عير قريش, وكانت الحالة بين المسلمين وكفار مكة حالة حرب، وفي حالة الحرب تكون أموال العدو ودماؤهم مباحة، فكيف إذا علمنا أن جزءًا من هذه الأموال الموجودة في القوافل القرشية كانت للمهاجرين المسلمين من أهل مكة قد استولى عليها المشركون ظلمًا وعدوانًا.

    `
    غزوة بدر الكبرى: كان عدد المسلمين فيها ثلاثمائة وتسعة عشرة رجلا،من المهاجرين ستة وثمانون ومن الأوس أحد وستون ومن الخزرج مائة وسبعون وإنما قل عدد الأوس عن الخزرج ، وإن كانوا أشد منهم وأقوى شوكة وأصبر عند اللقاء لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة ، في حين جعلهم البخاري «بضعة عشر وثلاثمائة». ، في حين ذكرت المصادر أسماء ثلاثمائة وأربعين من الصحابة البدريين, وكانت قوات المسلمين في بدر لا تمثل القدرة العسكرية القصوى للدولة الإسلامية، ذلك أنهم إنما خرجوا لاعتراض قافلة واحتوائها، ولم يكونوا يعلمون أنهم سوف يواجهون قوات قريش وأحلافها مجتمعة للحرب، والتي بلغ تعدادها ألفًا معهم مائتا فرس يقودونها إلى جانب جمالهم، ومعهم القيان يضربون بالدفوف، ويغنين بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، في حين لم يكن مع القوات الإسلامية من الخيل إلا فرسان، وكان معهم سبعون بعيرًا يتعاقبون ركوبه.

    `
    غزوة بدر الكبرى:التي استشهد فيها من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا : ستة من المهاجرين وستة من الخزرج ، واثنان من الأوس ، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن بدر والأسرى في شوال .

    `غزوة بدر الكبرى بالأرقام:
    عدد المسلمين: 314
    عدد المشركين: 1000 تقريبًا
    شهداء المسلمين: 14
    قتلى المشركين: 70 قتيلاً، و70 أسيرًا وعامتهم من القادة والزعماء والصناديد.
    العتاد: المسلمون لم يكن معهم سوى فرسين.
    المشركون: 100 فرس عليها مائة درع، سوى دروع في المشاة، و700 ناقة.

    `
    غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة الأولى من نوعها في تاريخ الإسلام، والتي أعز الله فيها الإسلام وأهله، ومرّغ أنف الشرك في أوحال الهزيمة بعد أن قذفت قريش في خضم هذه المعركة برجالها وصناديدها، ولكن الله جعل كيدهم في نحورهم، لأنهم خرجوا، والغرور يملأ نفوسهم، والشيطان فيها حليفهم.

    `غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون فرقاناً بين الحق والباطل، وفرقاناً في خط سير التاريخ الإسلامي، ومن ثَم فرقاناً في خط سير التاريخ الإنساني.

    `
    غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يتعلم المؤمنون منها عوامل النصر وعوامل الهزيمة، وأن يأخذوها مباشرة من الله عز وجل، وهو في ميدان المعركة وأمام مشاهدها.

    `
    غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة التي تجلت فيها نعم الله تعالى على عباده المؤمنين بالنعاس والمطر والملائكة .

    `
    غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة التي تجلى فيها روح الإيمان والإخلاص لله تعالى ومبدأ الإعداد والتخطيط الدقيق من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهذه الغزوة.

    `
    غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة التي تجلى فيها مبدأ الأخذ بالأسباب ومبدأ الشورى بين القائد والجيش.



    نتابع في المشاركة القادمة
    تأملات إيمانية في غزوة بدر


    قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

  • #2
    رد: غزوة بدر ، دروس وعبر وتأملات إيمانية

    تأملات إيمانية في غزوة بدر


    - قوة الإيمان هي السلاح البتار:

    ما الذي حمل هؤلاء الأصحاب رضي الله عنهم على أن يقفوا هذا الموقف مع أن جذوة المعركة وجوانبها المادية؛ لتجعل أشدَّ الناس تفاؤلاً ينظر إلى آثارها من خلال غيوم سُود؟
    إنه الإيمان بالله الذي يضع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في جانب، والدنيا كلها في جانب آخر، وإنه التسليم لله ورسوله مهما حذَّر العقل، ونهت ظواهر الأشياء، وإنها الثقة التي لا تُجادل في أن الموت في الله شرف، لا يقل عن شرف النصر على الناس، وهيهات لمن يحمل هذه المبادئ أن يَذِلَّ أو يُهزَم، أو يكون بعيدًا عن تأييد الله ونصره.

    وهكذا جرفت موجة الإيمان كافة عوامل التردد، وجاءت الساعة الرهيبة ودار القتال، ومشى مَلَك الموت يقطع رقاب الكفار، وتنجست الرمال بدماء الطائفة التي آذت الله ورسوله، وَوَطِئَت أقدام المسلمين حدودًا وجباهًا طالما استنكرت أن تسجد لله رب العالمين.
    يقول شاهد عيان لأبي لهب يصف له ما كان: ولا تسيء يا عماه ما كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافَنَا يقتلونَنَا؛ ويأمرونَنَا كيف شاءوا.. لقينا رجالاً لا يتلقاهم شيء، ولا يقوم لهم شيء، وصدق الله العظيم إذ يقول:
    ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ المُؤمِنينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَليمٌ* ذَلِكُم وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكَافِرِينَ﴾[الأنفال: 17ـ18].

    وإذا كان الله قد أمر بإعداد ما نستطيع من قوة لمواجهة الأعداء؛ فإن أعظم القوة الإيمان الصادق بالله، وعدونا لا يخشى في ميدان المعركة الأسلحة التي بأيدينا، ولكنه يخشى من سلاح الإيمان الذي يستمد قوته من الله؛ لأنه السلاح الذي لا يقهر واليقين الذي لا يغلب، وليس لذلك من سبب إلا الخوف من مخازن أسلحة الإيمان، فالمصلحون المخلصون والدعاة الصادقون يحملون بين جنباتهم مصانع إيمان تبث إنتاجها في قلوب من حولهم، ويمدون به كل جبان رعديد، فإذا به في الميدان أسدٌ هصورٌ، كما يبعث الإيمان بالأمل في قلوب اليائسين القانطين، فيتوجهون لملاقاة العدو، وكلهم يقين أن نصر الله آتٍ، وأن التمكين لهم قريب:
    ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران160]



    2- المسلم الصادق موصول بجند السماء:
    إن المسلم في مواجهته للباطل يحشد ما استطاع من قوة، ولا يدَّخر في ذلك وُسعًا، ثم هو بعد ذلك لا يرهب قوة الأعداء، وإن كانت تفوقه عددًا وعتادًا؛ لأنه على يقين من أنه ليس في الميدان وحده، وإنما معه جند الله الذي لا يعلمها إلا هو، وفي بدر يتجلى ذلك في مواقف عدة؛ حيث تنتصر القلة المؤمنة على الكثرة المشركة وذلك بفضل ما سخر الله للمسلمين من جند السماء والأرض والتي كان منها:
    أ- الملائكة مدد من السماء: حين استغاث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بربهم أمدهم بالملائكة: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال:9]، والمتأمل يرى أن عدة الملائكة بعدة المشركين، وبذلك يتحقق ما أخبر به الله من البشرى والطمأنينة للمؤمنين: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال:10].
    ب- النوم والمطر: قبل المعركة كان المسلمون في حالة من التعب والإعياء والخوف يحتاجون معها إلى قسط من الراحة قبل المواجهة، كما أن ساحة المعركة كانت في حاجة إلى تجهيز وإعداد بما يمكِّن المسلمين من الحركة في الميدان وفي المقابل يعوق حركة المشركين؛ فأنزل الله عليهم النعاس والمطر.. ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ﴾ [الأنفال:11].
    يقول الماوردي: وفي امتنان الله عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان:
    أحدهما: أن قوَّاهم بالاستراحة على القتال من الغد.
    الثاني: أن أمَّنهم بزوال الرعب من قلوبهم، كما يقال: الأمنُ مُنِيم، والخوف مُسْهِر، وعن علي قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائمٌ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلميصلي تحت الشجرة حتى أصبح ، وعن عروة بن الزبير قال: بعث الله السماء وكان الوادي دهسًا، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبَد الأرض ولم يمنعهم المسير، وأصاب قريشًا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه ، وروي أنهم كانوا على جنابة وظمأ، وأن الشيطان ألقى في قلوبهم الحزن، وقال: أتزعمون أن فيكم نبيًّا، وأنكم أولياء الله، وتصلون مجنبين محدثين؟! فأنزل الله من السماء ماءً فسال عليهم الوادي ماءً؛ فشرب المسلمون وتطهَّروا وثبت أقدامهم وذهبت وسوسته .
    ج- سلاح الرعب: إن سلاح الرعب من أقوى الأسلحة التي يتحقق بها الغلبة على الأعداء، وهذا السلاح إذا سرى في أقوى الجيوش وأعتاها، فإنه ينهار ولا يغني عنه لا عدد ولا عتاد، وهذا السلاح لا يملك خزائنه إلا من يقدر على الوصول إلى القلب الذي هو محلّ التثبيت والخوف والهلع، وتأمل قول رب القلوب: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال:12].

    ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم وخصائص الأمة الإسلامية النصر بالرعب مسيرة شهر؛ فعن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيتُ خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة.

    إن الرعب سلاح يفتك بالمشركين والكافرين قبل المواجهة، قال الله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾[آل عمران: 151]، وفي حق يهود يقول: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَار﴾ [الحشر: 2]، وفي حق الأحزاب: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾[الأحزاب: 26]؛ فسلاح الرعب سلاح ينفذ إلى أعماق القلوب، فيسلب من أصحابها العقلَ والحسَّ، ويجعلها في حالة من الذهول واللا وعي ﴿لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:264] .


    3- حقيقة النصر من الله تعالى:
    إن حقيقة النصر في بدر كانت من الله تعالى قال سبحانه فقد بين سبحانه وتعالى أن النصر لا يكون إلا من عند الله تعالى في قوله: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126], وقوله تعالى: ( وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 10].

    في هاتين الآيتين تأكيد على أن النصر لا يكون إلا من عند الله عز وجل, والمعنى: ليس النصر إلا من عند الله دون غيره، و(العزيز) أي: ذو العزة التي لا ترام, و(الحكيم) أي: الحكيم فيما شرعه من قتال الكفار مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته سبحانه وتعالى.

    ويستفاد من هاتين الآيتين: تعليم المؤمنين الاعتماد على الله وحده، وتفويض أمورهم إليه مع التأكيد على أن النصر إنما هو من عند الله وحده, وليس من الملائكة أو غيرهم، فالأسباب يجب أن يأخذ بها المسلمون، لكن يجب أن لا يغتروا بها، وأن يكون اعتمادهم على خالق الأسباب حتى يمدهم الله بنصره وتوفيقه، ثم بين سبحانه مظاهر فضله على المؤمنين، وأن النصر الذي كان في بدر، وقتلهم المشركين، ورمي النبي صلى الله عليه وسلم المشركين بالتراب يوم بدر إنما كان في الحقيقة بتوفيق الله أولاً وبفضله ومعونته. وبهذه الآية الكريمة يربي القرآن المسلمين ويعلمهم الاعتماد عليه, قال تعالى: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17]. ولما بيَّن سبحانه وتعالى أن النصر كان من عنده، وضح بعض الحكم من ذلك النصر، قال تعالى: ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 127، 128].
    وأمر سبحانه وتعالى المؤمنين أن يتذكروا دائما تلك النعمة العظيمة؛ نعمة النصر في بدر، ولا ينسوا من أذهانهم كيف كانت حالتهم قبل النصر, قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [الأنفال: 26].
    قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ

    تعليق


    • #3
      عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      ما شاء الله ،
      طرح طيب ،
      جعله الله في موازين حسناتك
      أخي الحبيب

      تعليق

      يعمل...
      X