المسلم عندما يطالع أنباء موقعة بدر، ويستعرض مقدماتها ونتائجها؛ يشعر أن لها منزلة خاصة، ويدرك أن التاريخ أودع في فصولها سرًّا تكتنفه الهيبة، وجعل من أدوار القتال فيها موعظةً خالدةً لا تفتأ تتجدد ذكراها ما بقي في الدنيا قتال بين الحق والباطل، وصراع بين الظلام والنور.
`غزوة بدر الكبرى: إنها الموقعة الفاصلة في عبادة الله على هذه الأرض هل ستبقى أم ستفنى؟! ويشعر قائد المعركة بهذه الحقيقة الحاسمة فيلجأ إلى الله مستنجزًا وعده، مستقبل القبلة، وماداً يده يهتف :"اللهُمَّ آتني ما وعدتني، اللهُمَّ أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تَهلِكَ هذه العصابة من أهل الإسلام فلن تُعبَد في الأرض، وما يزال يهتف بربِّه مادًّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، وحتى نزل الوحي مطمئنًا؛ سيُهزَم الجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُر.
`غزوة بدر الكبرى :موقعة تكون الخصومة فيها في الله، ويكون القتال فيها بدايةً لسلسلة من المعارك، يحتدم النزاع فيها بين الحق والباطل، هذه السلسلة من المعارك التي خاضها المسلمون – من بعد- في فارس والروم لا تحسب الصلة بينها وبين بدر مقطوعة؛ إنها صلة النسب بين الأصل ونتائجه؛ فكان أول سيف شُهِرَ في بدر إيذانًا بابتداء النضال المسلح بين الحق والباطل، كلما انتهت معركة قامت أختها.
`غزوة بدر الكبرى: هي أعظم غزوات الإسلام فضلاً وشرفًا للأسباب التالية:
أولاً: لأنها أول غزوة كان لها أثرها في إظهار قوة الإسلام، فكانت بدءَ الطريق ونقطة الانطلاق في انتشار الإسلام.
وثانيًا: لأنها رسمت الخط الفاصل بين الحق والباطل، فكانت الفرقان النفسي والمادي والمفاصلة التامة بين الإسلام والكفر، وفيها تجسدت هذه المعاني، فعاشها الصحابة واقعًا ماديًا وحقيقة نفسية، وفيها تهاوت قيم الجاهلية، فالتقى الابن مقاتلاً لأبيه وأخيه والأخ مواجهة لأخيه.
وثالثًا: لأن المحرك لها هو الإيمان بالله وحده، لا العصبية ولا القبيلة ولا الأحقاد والضغائن ولا الثأر، وفيها تجلت صور رائعة من الإيمان بالله وصفاء العقيدة وحب هذا الدين.
`غزوة بدر الكبرى:بنت التصور الإسلامي لعوامل النصر والهزيمة بطريقة عملية واقعية، وقررت أن النصر ليس بالعدد ولا بالعدة، وإنما بمقدار الاتصال بالله الذي لا يقف أمامه قوة العباد، ليوقن المسلمون في عصورهم المختلفة أنهم يملكون في كل زمان ومكان القدرة للتغلب على أعدائهم مهما كانوا هم من القلة وعدوهم من الكثرة، شريطة أن تتحقق فيهم عوامل النصر الحقيقية.
`غزوة بدر الكبرى: تُعد ميلاداً ثانياً لقوةٍ ناهضة ودولةٍ ناشئة للمسلمين، ظنتها قريش لا تقوى على مطاولة أو مجاولة، لكن نصر الله للمسلمين في هذه الغزوة مكَّن للدين في النفوس، وللإسلام في جزيرة العرب، بل العالم كله.
`غزوة بدر الكبرى: كانت إيقافًا لمدِّ الشركِ على ظهر الأرض وتقليم أظافره والإطاحةِ بكل رؤوسه ودفنهم في بدر، لقد خرج أبو جهل وقال له الناس: ارجع قد نجت التجارة، ارجع لا داعي للاشتباك مع محمد فقال: لا، وأقسم باللات والعزى أنه لن يرجع، حتى يَرِد بدر فيقيم فيها ثلاثًا، ماذا يصنع؟ ينحر ويذبح ويشرب ويُغني ويعزف وتسمع الدنيا بمسيرته، فلا يجرؤ محمد ولا غيره أن يتعرَّض لهم مرة أخرى، ولذلك يقول الله: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 47، 48].
`غزوة بدر الكبرى: أوقفت التطاول على رُسل الله وعلى منهج الله وعلى دين الله، ولذلك القرآن الكريم يقول للمسلمين لأهل بدر: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 7] تريدون التجارة والله يريد أمرًا آخر، أمرًا كبيرًا، أمرًا عظيمًا، أمرًا هو بداية للبشرية، للحياة الحقيقية للبشرية ﴿وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال: 7-8].
`غزوة بدر الكبرى :ليست كتابًا يُقرأ ولا محاضرة تُقال، بدر ينبغي على المسلم أن يعيشها وهي حُجة على كل مسلم على ظهر الأرض، أنَّ النصرَ منه قريب لو آمن بالله حقًا، وأنه لا يهودية ولا نصرانية ولا شيوعية، كل هؤلاء عندما يعتصم المسلمون بالله يصبحون هباء ويصبحون هواء، ونفخة واحدة لا تُبقي منهم أحدًا، حين أقبل أهل بدر على المولى- تبارك وتعالى- وصدقوا وتجرَّدوا وأخلصوا وطرحوا الدنيا وراءهم، ووضعوا في أنفسهم أمرًا واحدًا؛ أن تكون كلمة الله هي العليا وما عداها السفلى عندها قال الله لهم: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوَهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: 17].
`غزوة بدر الكبرى: التي فُرِضَت على المسلمين فرضًا، وفُوجِئوا على غير استعداد بتحدي صناديد قريش وأبطالها لهم؛ ولم يكن بُدٌّ من قَبول هذا التحدي، وواجه النبي صلى الله عليه وسلم الموقف بما يتطلبه من إيمان وثقة، غير أن كثيرًا من المسلمين تساءل..؛ إذ كيف يواجه هذا العدو الذي لم يستعد له؟! ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤمِنينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلى المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾. [الأنفال: 5-6]
`غزوة بدر الكبرى: التي كانت بعد أن بلغ المسلمين تحرُكُّ قافلة تجارية كبيرة من الشام تحمل أموالاً عظيمة لقريش يقودها أبو سفيان ويقوم على حراستها بين ثلاثين وأربعين رجلا ، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بَسْبَس بن عمرو لجمع المعلومات عن القافلة، فلما عاد بسبس بالخبر اليقين، ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج وقال لهم: «هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها»، وكان خروجه من المدينة في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة، ومن المؤكد أنه حين خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة لم يكن في نيته قتال، وإنما كان قصده عير قريش, وكانت الحالة بين المسلمين وكفار مكة حالة حرب، وفي حالة الحرب تكون أموال العدو ودماؤهم مباحة، فكيف إذا علمنا أن جزءًا من هذه الأموال الموجودة في القوافل القرشية كانت للمهاجرين المسلمين من أهل مكة قد استولى عليها المشركون ظلمًا وعدوانًا.
`غزوة بدر الكبرى: كان عدد المسلمين فيها ثلاثمائة وتسعة عشرة رجلا،من المهاجرين ستة وثمانون ومن الأوس أحد وستون ومن الخزرج مائة وسبعون وإنما قل عدد الأوس عن الخزرج ، وإن كانوا أشد منهم وأقوى شوكة وأصبر عند اللقاء لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة ، في حين جعلهم البخاري «بضعة عشر وثلاثمائة». ، في حين ذكرت المصادر أسماء ثلاثمائة وأربعين من الصحابة البدريين, وكانت قوات المسلمين في بدر لا تمثل القدرة العسكرية القصوى للدولة الإسلامية، ذلك أنهم إنما خرجوا لاعتراض قافلة واحتوائها، ولم يكونوا يعلمون أنهم سوف يواجهون قوات قريش وأحلافها مجتمعة للحرب، والتي بلغ تعدادها ألفًا معهم مائتا فرس يقودونها إلى جانب جمالهم، ومعهم القيان يضربون بالدفوف، ويغنين بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، في حين لم يكن مع القوات الإسلامية من الخيل إلا فرسان، وكان معهم سبعون بعيرًا يتعاقبون ركوبه.
`غزوة بدر الكبرى:التي استشهد فيها من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا : ستة من المهاجرين وستة من الخزرج ، واثنان من الأوس ، وفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن بدر والأسرى في شوال .
`غزوة بدر الكبرى بالأرقام:
عدد المسلمين: 314
عدد المشركين: 1000 تقريبًا
شهداء المسلمين: 14
قتلى المشركين: 70 قتيلاً، و70 أسيرًا وعامتهم من القادة والزعماء والصناديد.
العتاد: المسلمون لم يكن معهم سوى فرسين.
المشركون: 100 فرس عليها مائة درع، سوى دروع في المشاة، و700 ناقة.
`غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة الأولى من نوعها في تاريخ الإسلام، والتي أعز الله فيها الإسلام وأهله، ومرّغ أنف الشرك في أوحال الهزيمة بعد أن قذفت قريش في خضم هذه المعركة برجالها وصناديدها، ولكن الله جعل كيدهم في نحورهم، لأنهم خرجوا، والغرور يملأ نفوسهم، والشيطان فيها حليفهم.
`غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون فرقاناً بين الحق والباطل، وفرقاناً في خط سير التاريخ الإسلامي، ومن ثَم فرقاناً في خط سير التاريخ الإنساني.
`غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يتعلم المؤمنون منها عوامل النصر وعوامل الهزيمة، وأن يأخذوها مباشرة من الله عز وجل، وهو في ميدان المعركة وأمام مشاهدها.
`غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة التي تجلت فيها نعم الله تعالى على عباده المؤمنين بالنعاس والمطر والملائكة .
`غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة التي تجلى فيها روح الإيمان والإخلاص لله تعالى ومبدأ الإعداد والتخطيط الدقيق من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهذه الغزوة.
`غزوة بدر الكبرى : هي الغزوة التي تجلى فيها مبدأ الأخذ بالأسباب ومبدأ الشورى بين القائد والجيش.
نتابع في المشاركة القادمة
تأملات إيمانية في غزوة بدر
تعليق