كتبت أكثر من مرة عن جريمة (التحرش الجنسى) تارة فى مقالة منفصلة وتارة فى سلسلة مقالات، مرة كرد فعل على تحرش (الأعياد) والتجمعات (الموسمية) ومرات عن تحليل أسباب الظاهرة وغوص وراء دوافعها وأنماط سلوك مرتكبيها، وكنت أزداد يقينا مع ازدياد حجم المأساة أن (المجتمع) بأسره مشارك فى الجريمة.. صحيح أن درجة تورط طبقاته ومؤسساته متفاوتة، لكنها بصفة عامة تجعله ــ أى المجتمع ــ مدانا رئيسيا فى الجريمة.
الأسرة، نواة المجتمع الأصغر (مدانة) حتى النخاع وقد أخرجت ذئابا لا يرقبون فى عرض بناتنا إلا ولا ذمة ولا يرون فيها إلا متاعا مباحا يلمس ويهان بغير نكير.. ونفس التربية المشوهة أخرجت شابا يصور أخته عارية لا يسترها إلا دم غطى جسدها بعد أن ضن عليها الرجال بثيابهم.. ونفس التربية طوعت لشباب آخرين ينتمون فى الظاهر فقط لتيار يدعى الصبغة الإسلامية، أن ينقلوا (فيديو الجريمة) على مواقعهم الإخبارية وصفحات تواصلهم الاجتماعية، يتلقفها أغلبهم بشماتة لا تليق بآدمى فضلا عن مدعى تدين!
الإعلام، ويشمل أفلاما ومسلسلات صدرت صورة النجم المنتمى لحياة من العشوائية مكوناتها ببساطة المخدرات والبلطجة وتحطيم القيم كلها، وأمطر المجتمع بوابل من المثيرات الجنسية بل والمحرضة على التحرش بشكل مباشر.. ويشمل برامج حوارية تتناول ــ إن تناولت ــ الجريمة بشكل سطحى سدا للخانة وتأدية لواجب مزعوم.
التعليم، الذى فرغ منظومته من القيم الدينية والأخلاقية، والدعاة الذين قصروا فى اجتذاب شباب ضائع إلى عفة وصلاح بل إلى مروءة ورجولة، والمجتمع الذى عسر الزواج، ووقف ساكتا عن الذئاب لا يزجر ولا يردع وأعراض بناته تنتهك ليل نهار.
أمَّا عن زيارة الرئيس لأبرزِ ضحايا التحرش فله أكثر من مدلول إيجابى، وأنا هنا أحاول التحرر من أسر (القولبة) و(التنميط التقليدى) فلست أترك المناسبة تمر بغير إشادة وتنويه خوفا من (محاكم التفتيش) الجاهزة لاتهام بالتزلف والنفاق، ولست أرى فى الوقت نفسه أن المبالغة فى الثناء على تصرف الرئيس مسلكا حميدا اللهم إلا عند كتائب (التطبيل) فهذا شأنهم.
الزيارة عكست سياسة المصارحة بحجم المشاكل الحقيقية دون تهرب أو تهوين وهذا فى حد ذاته نصف الحل لمعضلات أخرى تواجهنا ليس التحرش آخرها.. الزيارة وما احتوته من (اعتذار) قدمه الرئيس للضحية ولسائر المصريات ممن روعتهن بشاعة الجريمة، أظهر مسئولية (الدولة) ليس فقط عن مواساة مواطنيها وقت الكارثة ولا حتى فى السعى الفورى لتخفيف مصابهم ولو بصورة معنوية؛إنما مسئوليتها عما لحق بهم من ضرر واعتداء ابتداء.. أمر أكمل شكل (الدولة) الذى افتقده المصريون ثلاث سنوات وأكثر.. المهم عندى ألا تكون طفرة أو مناسبة عابرة، بل أن تترجم إلى سياسة ثابتة فى التعامل مع المؤيد والمعارض من أبناء الوطن، لاسيما والسجن يعج بعشرات المظلومين نساء ورجالا ينتظرون عدالة ناجزة.
مواجهة التحرش تحتاج إلى تضافر مجتمعى، تحتاج إلى توعية ومشاركة وردع وإعادة تأهيل، تحتاج إلى أن تضاف على قائمة المسئولية الاجتماعية للشركات، تحتاج إلى أن تضمن فى مناهج التربية السلوكية فى المدارس والمعاهد.. طبعا بعد أن تضاف مناهج كهذه أصلا !
نادر بكار
تعليق