الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،
أما بعد..
حياكم الله وبياكم يا إخواني وأبنائي الأحباء
يـا شبـاب.. الكل يصحصح معايا ويشغل دماغه!!
يـا أجـدع وأنقى شبـاب، يا أغلى وأحب الأحباب
يـا أحبـائـي في اللَّـه..
حياكم الله وبياكم وجعل الجنة مثوانا ومثواكم
وأنعم علينا وأكرمنا وإياكم بدخول الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب
الجنـة يا شبـاب،
وما قرب إليها من قول وعمل، ودا كان دعاء سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام :
" اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ " [1]
الجنـة يا شبـاب،
أكيد دا أملنا وأمل كل واحد منَّا في حياته، وهي دي السلعة الغالية اللي أخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم برواية الإمام الترمذي في سننه، أنه قال:
عَنْ أبي هُرَيرَةَ رَضىَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ » صححه الأمام الألباني
وأدلج يا شباب يعني: مشى في الدلجة، وهي أول الليل
(ومن أدلج بلغ المنزل)؛ لأنه إذا سار في أول الليل، فهو يدل على اهتمامه في المسير، وأنه جاد فيه، ومن كان كذلك بلغ المنزل.
((ألا وإن سلعة الله غالية، ألا وإن سلعة الله الجنة)) .
السلعة: يعني التي يعرضها الإنسان للبيع، والجنة قد عرضها الله عز وجل لعباده ليشتروها.
قال الله تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ
وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة: 111
فمن خاف: يعني من كان في قلبه خوف لله؛ عمل العمل الصالح الذي ينجيه مما يخاف.
والمعنى: احذر أن تفوتك سلعة الله سبحانه وتعالى.
والسلع التي في السوق بكمية قليلة ونافذة، فإن المشتري بمجرد ما يفتح صاحب السوق يشتريها حتى لا تضيع عليه، فكيف بسلعة الله سبحانه تبارك وتعالى؟!
والجنة السلعة العظيمة التي ليست هي قليلة، ولكن الذي ينالها هم القليلون، فمن كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون يدخلون في النار،
وواحد هو الذي ينال هذه السلعة فيدخل الجنة.
فكأن المعنى هنا: من خاف أسرع في طاعة الله عز وجل ولم يُسَوِّف في طاعة الله وعبادته، فلا يقول: بكرة سأصلي، وسألتزم بصلاة الجماعة،
وسأعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن فَلْيُعَجِّل ولْيُسْرِع إلى ذلك فلا يدري هل الغد سيأتي عليه أم لا؟
فلعله يموت قبله، أو تأتي عليه مشاغل الدنيا.
والإنسان قد يكون فارغاً ويقول: أريد أن أتعلم وأن أطيع ربنا ويريد، ويريد، وبعد ذلك يُسَوِّفُ ليومه الثاني،
وبعد ذلك ينشغل بأمر الدنيا من الزوجة والعيال فيعمل بالصبح وبالليل ولا يفعل شيئاً من ذلك.
لكن الإنسان الذي يخاف أن تضيع منه الجنة، يخاف أن تضيع منه فرصته في العمر، والفرصة الوحيدة هو العمر،
فهو مرة واحدة يعيشه الإنسان وبعد ذلك إما جنة وإما نار.
فلذلك هذا العمر سلعة غالية غير قابل للتسويف وللتحويل وللانتظار للغد، فانتهز اليوم قبل الغد فلعل الغد لا يأتيك.
مركزين مع الكلام يا شباب؟
مصحصحين معايا يا أحبائي في الله ويا أحباء قلبي؟
والله إني أحبكم جميعا في الله، وأرجو الله تعالى أن يصل كلامي هذا لقلوبكم، وأن أبدأ بنفسي قبلكم، وأعمل بما أقوله لكم.
كده اتفقنا إن الفرصة الوحيدة أمامنا هي عمرنا اللي ها نعيشه بأمر الله تعالى،
وفرصتنا واحنا عايشين في الدنيا اننا نعمل لآخرتنا عشان ندخل الجنة بإذن الله وبرحمتة سبحانه
وطريق الجنة يمكن يكون صعب علينا، ويمكن نتعب كتير في حياتنا عشان نوصل لهدفنا في الآخرة
لكن خلي بالكم كويس جدا وصحصحوا أكثر وشغلوا دماغكم دايما واستعملوا ذكائكم
لأنه ما فيش أمامنا غير طريقين:
طريق يوصلنا للجنـَّة.. إن شـاء الله
وطريق يوصلنا للنـَّـار.. عياذا بالله
وكل طريق له شكل مختلف؛ طريق الجنة مليان متاعب وعمل شاق، وطريق النار كله سهل ولذة وشعور بسعادة من غير تعب ومن غير مجهود
ودا الفارق الكبير يا أحبائي بين الطريقين،
هو دا الفارق اللي يخلِّي دخول الجنة مش بسهولة، عشان كده هي سلعة غالية،
عكس النار اللي طريقها مفروش ومتزين بكل المتع الوقتية الزائلة،
بس المتع دي ربنا حرمها كلها يا شباب، والي ها يختار طريقها يبقى خانه ذكاؤه كتييييير قوي، وخسر الإثنين؛ الدنيا والآخرة
لأنه كل ما يتلذذ بشيئ حرام، هايندم بعدها ويفقد شعوره باللذة!
يبقى الإنسان الذكي واللي بيستخدم ذكاؤه صح الصح يا أجدع شباب مصحصح هو اللي ها يختار الطريق الأصعب اللي كله تعب؛
لكن في الآخر ربنا تبارك وتعالى ها ينعم عليه بحسن الثواب وخير الجزاء، وهو دخول الجنة بإذن الله.
يبقى اتفقنا يا شباب إن طريق الجنة مليان بالمكاره، ودا كلام سيد الأولين والمرسلين رسولنا صلى الله عليه وسلم،
فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" حُفَّتِ الجنَّةُ بالمَكارِهِ . وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهواتِ "
حفاف الشىء: جوانبه
قَالَ الْعلمَاء هَذَا من بديع الْكَلَام وفصيحه وجوامعه الَّتِي أوتيها صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من التَّمْثِيل الْحسن،
وَمَعْنَاهُ: لَا يُوصل إِلَى الْجنَّة؛ إِلَّا بارتكاب المكاره من الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَات والمواظبة عَلَيْهَا وَالصَّبْر على مشاقها وكظم الغيظ وَالْعَفو والحلم وَالصَّدَقَة
وَالْإِحْسَان إِلَى الْمُسِيء وَالصَّبْر عَن الشَّهَوَات وَنَحْو ذَلِك...،
ولا إلـى النـار؛ إلا بالشهوات، وحفت النَّار بالشهوات: المُرَاد الشَّهَوَات الْمُحرمَة دون الْمُبَاحَة.................................
والجنة محجوبة بالمكاره، والنار محجوبة بالشهوات؛
فمن هتك الحجاب وصل إلى المحبوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات.
فالطريق إلى الجنة ليس مفروشاً بالورود والرياحين، بل فيه تعب ونصب ومشقة،
ولا يصل إليها إلا من جاهد نفسه وكبح جماحها وجعلها تنقاد وتستلم لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك شاقاً،
ولهذا جاء في الحديث: (وإسباغ الوضوء على المكاره) يعني: في شدة البرد يتوضأ ويسبغ الوضوء ولو كان الماء بارداً.
وكذلك الصبر عن معاصي الله، فيصبر الإنسان على طاعة الله ولو شقت على النفوس، ويصبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ فإن الجنة حفت بالمكارة،
فيحتاج طالبها إلى صبر على طاعة الله عز وجل ولو شقَّت على النفوس، ويحتاج أيضاً إلى صبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛
لأن النار حفت بالشهوات، والإنسان إذا أرخى لنفسه العنان فيما تشتهي ولو كان مُحَرَّماً فإن ذلك يفضي به ويوصله إلى النار.
وكذلك الصبر على أقدار الله المؤلمة، كالمصائب والنكبات التي تحل بالإنسان، فيصبر ويحتسب ولا يتسخط ويجزع، فقد وُصِفَ الصبر بأنه ضياء،
وذلك لكون صاحبه يصبر على طاعة الله وعن معاصي الله وعلى أقدار الله المؤلمة، فلا شك أن من صبر قد هُدِيَ، وأنه حصل له الضياء،
وحصل له النور الذي يكون بسبب صبره على الطاعات وصبره عن المعاصي وصبره على أقدار الله.
وعبر بالضياء مع الصبر لأن الضياء يكون معه حرارة، ولهذا وُصِفَ نور الشمس بأنه ضياء، والقمر وُصِفَ بأنه نور، فالشمس ضياء نورها معه حرارة،
ومعلوم أن الصبر يحتاج إلى تحمل ويحتاج إلى احتساب وفيه مشقة، فمن صبر فإنه يحصل هذا الثواب ويحصل هذا الأجر، ويحصل هذا الضياء،
ففيه الدلالة على فضل الصبر، وأن فيه هذا الثوب من الله عز وجل.
أحبابي وأبنائي الشباب التَقيِّ النَقيِّ بإذن الله تعالى
طريق الجنة والمكاره التي حفت به؛ يمكن يكون مُجهِد وفيه تعب كثير وحرمان من متع كثيره جدا،
لكن في النهاية وأول ما نوصل للهدف بأمر الله ويرزقنا ربنا تبارك وتعالى بدخول الجنة -رحمة منه وفضلا-،
هاننسي كل التعب والمعاناة والحرمان من الشهوات والمتع اللي ما لهاش وزن ولا قيمة أمام متع الجنة الحقيقية ونعيمها الأبدي
رزقنا الله وإياكم جنات النعيم بالفردوس الأعلى
وطريق الجنة يا شباب برغم المكاره اللي فيه؛ لكن من رحمة الله بنا انه فتح لنا أبوب الخير كلها في الدنيا لنسير في هذا الطريق ونحن نشعر باللذة والسعادة
ومن رحمة الله بنا وفضله علينا انه سبحانه جعل لنا أيام فيها نفحات وخصصها للعبادة،
وأكيد كلنا بنستعد ونفكر اليومين دول في أيام وليالي رمضان اللي هلَّ علينا وباقي أيام قليلة إن شاء الله.. اللهم بلغنا رمضان
شهر رمضان يا شباب.. هو دا الخير الكبير اللي جاي واقف على أبوابنا كلنا
يا ترى يا شباب مجهزين نفسنا تمام، والا الدنيا شغلانا ووخدانا وبتلهينا يوم بعد يوم؟!!
المغريات كثيرة جدا، والملهيات أكثر في شهر رمضان، وشياطين الإنس قايمين بالواجب تمام،
ومكثفين جهودهم علشان يشغلونا ويبعدونا عن الخير الكبير والعطاء الجزيل والثواب المضاعف من رب العالمين!!
إيه رأيكم يا شباب ها نسيبهم يغلبونا وينتصروا علينا؟!
والا ها نقاوم وندافع عن غايتنا الأسمى وهدفنا الأعظم بدخولنا الجنات بأمر رب البريات؟!
خلي بالكم يا شباب وصحصحوا،
وشغلوا دماغكم صح وبعيونكم فتحوا،
على الحقيقة وبالحق وضَّحوا،
لكل إخوانكم أحبابكم وانصحوا،
جمَّعوهم على الخير واتنصحوا،
عشان توصلوا لهدفكم وتفلحوا،
مع اللي فاز يوم الجايزة وتنجحوا،
وبنعيم الجنة خالدين فيها تمرحوا،
مرح السعادة والهنا والسرور وتفرحوا
جعلنا الله وإياكم ممن قال فيهم رب العالمين:
{ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } آل عمران: ١٧٠
وللحديث بقية، فتابعونا بأمر الله تعالى
[1] عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أنَّ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَّمَها هذا الدُّعاءَ:
" اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ منَ الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ما علمتُ منهُ وما لم أعلمْ،
وأعوذُ بكَ منَ الشَّرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ما علمتُ منهُ وما لم أعلمْ،
اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ من خيرِ ما سألكَ عبدُكَ ونبيُّكَ وأعوذُ بكَ من شرِّ ما عاذَ منه عبدُكَ ونبيُّكَ،
اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ،
وأعوذُ بكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ،
وأسألُكَ أن تجعلَ كلَّ قضاءٍ قضيتَهُ لي خيرًا "
صححه ابن حبان في بلوغ المرام - الصفحة أو الرقم: 458
------------
[2] المراجع في شروح الحديث:
=======================
1- شرح رياض الصالحين- لابن عثيمين-باب الخوف
2- شرح رياض الصالحين -للشيخ أحمد حطيبة- شرح حديث: (من خاف أدلج)
3- شرح النووي على مسلم
4- شرح الأربعين النووية -لابن حمد العباد البدر- الصبر: (فضله وأنواعه)
تعليق