مرض حب المناصب والرئاسة
يقول الفضيل بين عياض: "ما أحب أحد الرئاسة إلا حسد وبغي، وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير".
ولذلك ..فإنك تجد الفرد العاشق للرئاسة هو عاشق لنفسه، ويستحسن عن ذاته كل تصور، ويعجبه منها أي فعل، يوهم نفسه بتبريرات ترضيه وتجعله مغتبطًا بما يفعل، يزيد من هذا الأمر أن الإنسان بطبعه لديه حاجة لأن يكون فعلاً مؤثرًا في البيئة بكل عناصرها المختلفة- إنسانية أو غير إنسانية، مادية أو معنوية – لديه إحساس بأنه قادر على عمل شيء على تحريك إنسان قادر على التغيير والإنشاء، ومن خلال إبراز هذه القدرة، فإن الإنسان يحقق ذاته، فحب الترؤس من الجبلات الراسخة في الإنسان، كما يقول ابن خلدون، وإن لم يتم السيطرة على هذا الشعور وتهذيبه وتربيته ودفعه نحو التشكل في قوالب إيجابية، فإنه يماثل في سطوته ونفوذه أثر المخدر الذي يرسل الضمير والمعايير والقيم في رحلة لا عودة منها، وكما تُعمي أبخرة الحشيش الرؤية وتقود إلى الهلوسة والهذيان، يقود شعور التطلع نحو الزعامة إلى هذيان وهلوسة أخلاقية ودينية لا تقل بشاعة عن هذيان المخدر، وصفها أبو العتاهية شعرًا:
أخي من عشق الرئاسة خفت أن
يطغى ويحدث بدعة وضلالة
حب الرئاسة شهوة مرتبطة ارتباطا وثيقا بحب الظهور ، وهي التي حذر منها رسول الله صلـى الله عليه وسلم بقوله : «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ ، وَسَتَصِيرُ نَدَامَةً وَحَسْرَةً ، فَنِعْمَتِ الْمُرْضِعَةُ ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ » (صحيح البخاري)، وقد بيَّن النبـي صلى الله عليه وسلم عواقب الرئاسة ومراحلها الثلاث في حديثه حيث قال :" إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة و ما هي ؟ أولها ملامة ، و ثانيها ندامة ، و ثالثها عذاب يوم القيامة ، إلا من عدل ، فكيف يعدل مع أقربيه ؟ "(السلسلة الصحيحة)
والرئاسة التي نقصدها هنا ليست دنيوية فحسب بل قد تكون دينية كذلك لمن يتبوأ مراكز الإرشاد والتوجيه والنصح والتربية ، ولو كان يدفع إلى التطلع للرئاسة القيام بالواجب وتحمل التبعة الثقيلة في وقت لا يسد الثغرة فيه من هو أفضل بذلا وعملا لكان الأمر محمودا ، أما إذا كان الدافع : رغبة جامحة في الزعامة ونفرة من قبول التوجيه من غيره واستئثار بمركز الأمر والنهي ؛ فيا خطورة ما أصاب من مرض.
منقول للعظة والفائدة
تعليق