بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم اجمعين.. وبعد..
امة الاسلام .. امة محمد .. امة لا اله إلا الله .. الامة التي انيط بها الاخذ بيد الجنس البشري إلى جنة الله ، الامة التي انيط بها أن تأخذ بالجنس البشري من عبادة الشيطان ووحي الشيطان إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
في هذا الزمان تكالبت الامم على امة الاسلام.. حتى المحسوبون على الإسلام من اهل البدع تكالبوا على هذه الامة ..
ليس هذا فحسب ، بل حتى اهل السنة تهافتوا وتداعوا على بعضهم البعض في احداث تجعل الحليم حيران..
كل مسلم يتمنى نصرة هذه الامة ويريد نصرة هذا الدين .. هذه العاطفة لا يختلف عليها اثنان من ابناء الملة المحمدية..
ولكن تنوعت الاطروحات .. فمنهم من مال إلى التشدد ، ومنهم من مال إلى التساهل .. ومنهم من ارتمى في احضان الغرب الكافر يبتغي عنده العزة .. ومنهم من اعلن العلمانية والليبرالية مذهبا مخلصا لهذه الامة ..
ومنهم من قال ان هذه الامة لن يصلح آخرها إلا بما صلح به اولها .. فكانوا هم اهدى القوم .. وهم اولوا الطريقة الوسط المرضية من الله والتي يؤيد الله سبحانه القائمين بها إذا ادّوها على مبتغى الله ومراده.
وقام بهذه الطريقة فئام من الناس .. قامت على ايديهم الصحوة الإسلامية المباركة ، وبدأ الإسلام يستيقظ ، وبدأ الرعب الغربي يدبّ في قلوب ابناءه ، حتى سخّروا كل امكاناتهم لمحاربة هذه الصحوة ، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون .. يؤجّجون الفتن بين الشعوب تارة ، وتارة يقصفون بقنابلهم وطائراتهم ويدمرون المدن على اهلها ، وتارة يؤججون الشهوات عن طريق قنواتهم ومواقعهم ، وتارة يؤججون الشبهات متوسلين بعملائهم وشياطينهم ، وتارة يشغلون الشعوب بهوايات وترفيه تافه ، ويزرعون التشيع الشرق اوسطي كتيار مضاد للصحوة السنية ، ويزرعون العلمانية والليبرالية ليوقفوا الإيمان بالغيب ويوجهوه إلى الإيمان بالمادة ويمرروا الرذيلة .. ومع ذلك فلا يزداد الناس كل يوم إلا صحوة على صحوتهم..
ولكن ـ ورغم ذلك ـ فإن القائمين على هذه الصحوة في اختلاف عظيم ، كل له رؤية وكل له اتجاه.
منهم من يقول نرفع راية الجهاد ونسل السيف الاثري ، ومنهم من يقول نركز الجهد على اقامة دولة اسلامية تحكم شرع الله ومنها ننطلق لإصلاح العالم ، ومنهم من يقول نعلم الناس التوحيد وننهاهم عن الشرك والبدعة ، ومنهم من يقول نخطب في الإذاعات والقنوات ونقيم المحاضرات في المساجد نوعي بها الجماهير ، ومنهم ... ومنهم .. ومنهم ...الخ
كلها جهود مباركة ، امرنا الله بها ، من قام بأي من ذلك فإنه مؤيد منصور بإذن الله.
ومع هذا فلسنا نرى الا اخفاقات في المشاريع الصحوية ، فالكتائب المجاهدة سرعان ما تهزم ، والحركات الإسلامية سرعان ما تضمحل ، ويصل الإسلاميون إلى الحكم ولكن يزولون في وقت قصير.
بل ويتمدد العلمانيون في بلاد اسلامية لم تعرف العلمانية مسبقا ، وتستخدم تلك البلاد لمحاربة الإسلام والسخرية برموز الدين ودعاته ، فلماذا يحدث كل هذا؟
عندما ندقق النظر في الاحداث نجد ان الحركات الجهادية تنسحق بفعل عوام المسلمين ، كما حدث في العراق وافغانستان.
ويزول الحكم الإسلامي عن مصر بفعل عوام المسلمين الذين حركهم الإعلام حتى اوهمهم أن خيرا للبلاد ان يحكمها العلمانيون ويتنحى عنها الاسلاميون.
وينحر الشبّيحة النصيريون مسلمي سوريا ، فإذا واجههم الجيش الحر لاذوا بالفرار حتى يأزرهم جيش النظام الذي غالبه من عوام المسلمين.
ويتمدد حزب الله الرافضي في لبنان ، فنجد ان اغلب مؤيديه هم عوام المسلمين.
ويستهزأ العلمانيون بالعلماء والدعاة ، وتهاجم ثوابت الدين على ارض الحرمين ، فإذا بحثت عن اسباب هذا التمادي وجدت ان اغلب متابعيهم هم عوام المسلمين.
فليلاحظ ان كل هزيمة للإسلام كانت بيد عوام المسلمين ، وكل قوة لأعداء الإسلام هي بتأييد عوام المسلمين.
إذا فمناط الامر هو على عوام اهل السنة ، وهم الذين يعوّل عليهم العدو في محاربة الإسلام .
إن الشخص المتدين ، وطالب العلم ـ بطبيعة الحال ـ لن يؤيد عدو الله على دينه واهل دينه ، ولن ينجر ابدا خلف إعلام كاذب او مصالح تضر بدينه.
ام العوام فإنهم ما اسهل خداعهم انجراهم وراء كل ناعق ، بل إن بعضهم يحارب الاسلام وهو يظن انه يحسن صنعا ، ويعتقد انه يحسن صنعا، ويعتقد ان ذلك عمل صالح يقربه إلى الله زلفا.
والامر يزداد سوءا إذا علمنا ان عوام المسلمين اليوم تغلب عليهم الغفلة ، اي قلة الذكر وكثرة المعاصي.. فمن المسؤول إذا؟
إن المسؤول هم الفئة المتدينة ، والدعاة الى الله الذين لم يوجهوا الدعوة إليهم.
إن كل دعواتنا موجهة إلى الفئة المتدينة ، فلا يستفيد منها إلا المتدينون ، فإذا اردنا ان نصلح الغافلين نكفتي بإنكار المنكر عليهم وندعوهم إلى حضور محاضرة او درس علمي.
ومعلوم ان الغافل من الناس لن يأتي إلى محاضرة ، ولن يثني ركبه لـطلب العلم ، هذه الانشطة الدعوية لا يستفيد منها في العادة إلا من التزم الدين ، وهم اقلية في المجتمع.
إذا ما هو سبيل إصلاحهم؟
الحل سهل ، ويسير على من يسره الله عليه.
فالحمد لله التدين له تواجد في كل المجتمعات الإسلامية ، وإنه لا يوجد حي ولا قرية ولا اي تجمع سكاني في العالم الإسلامي إلا ويتواجد فيه مسجد وتتواجد فيه فئة متدينة ، لكن ـ للأسف ـ يندر من يقوم بدعوة العوام والغافلين والعصاة بالشكل الصحيح.
ولو قام كل شخص متدين ملتزم بدينه بالإجتهاد على الحي والقرية والمدينة وفقا للأصول السليمة لدعوة الغافلين لحصل الآتي:
1ـ يتضاعف عدد المتدينين بشكل ملحوظ وفي سنوات قليلة
2ـ يفشو التدين في المجتمع الإسلامي وتتأجج الصحوة الإسلامية.
3ـ يكثر طلبة العلم ، حيث من المعروف ان كثيرا ممن يدخل عالم التدين والإستقامة يتجه إلى طلب العلم
4ـ يكثر عدد حفظة القرآن في المجتمع
5ـ يكثر المتبرعين وباذلي الخير والمنفقين وكافلي الأيتام وكافلي الدعاة والمجاهدين.
6ـ يصبح التيار الإسلامي أكثر جرأة على طرح ما كان يخشى طرحه او يخجل من طرحه.
7ـ يكثر عدد المجاهدين والمؤيدين والمناصرين له بالوسائل الشتى.
8ـ تصبح وسائل الإعلام الغربية والعلمانية عديمة الجدوى ، ولن ينساق أحد لهتافاتهم.
9ـ يعيش اصحاب المنكرات في حالة من الغربة في المجتمع الذي صار توجهه إلى التدين.
10ـ يكثر الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، ومع تزايدهم تنحسر المنكرات من المجتمع
11ـ يكثر المصلون ويصبح المسجد زاخرا بالمصلين والانشطة الدينية والمعتكفين... الخ.
12ـ يحسب الاعداء الف حساب عندما يفكرون بمهاجمة اي قطر اسلامي ، لأنهم لن يجدوا مؤيدين ذوي ثقل من عوام وغافلي المسلمين بعد ان اتجه الغالبية إلى التدين ، وتتحول المجتمعات الإسلامية إلى قنابل مرعبة لا يجرؤ العدو على تفجير اي منها.
13ـ تتنزل بركات الله على المجتمع الذي كثر فيه التدين ، والذي ستنقص فيه المعاصي بزيادة الدين.
14ـ يصبح توزيع الكتب وكافة المنشورات الاسلامية اكثر فاعلية واقل كلفة
ما الذي يحصل للشباب الملتزم عندما يتحركون للدعوة:
1ـ يصبحون اكثر فاعلية في المجتمع ، واكثر وعيا بتفاصيل مجتمعهم وخباياه ، وهذا مما يجعلهم اكثر نضجا في تقدير المصالح والمفاسد واتخاذ القرارات الواعية
2ـ يصبحون ذوي اخلاق سامية وراقية في التعامل ، وسعة صدر تجاه الإساءات ، ويزداد زهدهم في الدنيا.
3ـ سيشعر المتدينون بالروحانيات الحقيقية للدين ، وسيعيشون الهم الذي عاشه محمد صلى الله عليه وسلم.
4ـ المتدين الذي يسعى في الدعوة إلى الله سيجد سهولة في التزامه بدينه ، بل وحماسا ونشاطا في اداء العبادات والنوافل رغم اقتحامه لأوساط غافلة.
5ـ سيعلم المتدين قيمة ما منه الله عليه من الإلتزام بالدين بعد ان يرى احوال المبتلين بالمعاصي والبدع والكفريات
6ـ تصبح الدعوة إلى الله هواية محببة للشباب الملتزم ، وذلك خيرا من التهافت على هوايات تافهة عديمة الجدوى كالألعاب الرياضية ومتابعة المباريات والنزهات والسفريات.
هذا هو السر الذي تحتاج الامة لكشفه وتبنيه ، فللأسف يندر جدا من يتبنى هذا التوجه إلا النادر من الناس او بعض مجاميع لم تضع التوحيد كركيزة في دعوتها ولم ترغب الناس في طلب العلم وحجرت اساليب الدعوة الواسعة على اسلوب واحد
إن امة الإسلام لن تعود إلى سابق عهدها إلا إذا قام كل شاب ملتزم بتسجيل جيرانه واصدقاءه وزملاءه في حيه وقريته ومدينته ، ورتب لهم زيارات في اماكن تواجدهم ، وخصص لذلك ساعات من يومه وليلته ، ومن ثم بادر إلى العمل بروية في مراحل العمل ولين في التعامل ، وليعلم أن دعوة الغافلين علم بحد ذاته اساسه كتاب الله وسنة نبيه ، وتفاصيله منبعها الميدان والمهارات التي يكتسبها الدعاة وتكتسبها الامة بمرور الزمان وتغير الظروف والوسائل والمفاهيم.. وعلى العموم فإن دعوة العوام والغافلين لها ضوابط عامة :
1ـ ان يعلم ان العصاة من امة محمد هم موحدون على فطرة الإسلام ، فتختلف دعوتهم عن اهل الكفر والشرك والبدع ، فالتوحيد فيهم ولكن رانت عليهم الغفلة والمعاصي والتي تحتاج نوعا من العلاج
2ـ انك اذا اهديت عاصيا شريطا فقد يسجل عليه اغاني ، ولو دعيته إلى محاضرة فلن يحضرها ، فهذه وسائل تنجح مع من له توجه ديني ومن مرتادي المساجد ، اما العصاة والغافلين فنادرا ما تفلح معهم
3ـ لابد من مخالطة الغافلين وزيارتهم واستزارتهم وفتح البيت لهم ، وبذل المعروف في الفعل لهم
4ـ الشخص الواحد قد يستغرق الإجتهاد عليه عاما كاملا ، فتغيير القلوب ليس سهلا ، بل هو اشق من تغييرها بعملية جراحية
5ـ تبدأ دعوة العاصي بالتأليف ، اي بالزيارة الودية التي فيها تلطف وتبادل الكلام المباح والدعابات والإبتسامات ، وتستمر لشهور حتى يتألف قلبه ، وعلى قدر نجاح هذه المرحلة يسهل فيما بعد وعظه وتذكيره ومن ثم أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، بل غالبا هذه المرحلة تؤدي إلى استقامة الغافل دون الحاجة لكلام وعظ او تذكير ، شريطة ان يحسن فيها تأليف القلب والتلطف.
6ـ تخضع دعوة العوام إلى خبرة الشخص المتزايدة في الميدان ، وإلى إمكاناته التي منحها الله إياه.
نقطة مهمة لابد من ذكرها ، وهي ان اي دعوة لا تضع التوحيد من اولوياتها ولا تهتم بالمرجعية التي هي الكتاب والسنة ليست إلا تزويغا من عمل الشيطان
وإن كل دعوة تدعو إلى الإقتصار على جانب من الإسلام وتهمل بقية منه ليست إلا دعوة قاصرة ، كالذين يقولون نجتهد على العوام والغافلين فقط ونترك اهل التيارات المنحرفة ونترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونترك الجهاد ... الخ ، هذه دعوات ناقصة ليست على نهج النبوة ، بل الإسلام كل لا يتجزأ ، ولكن تتم الموازنة بين المصالح والاولويات في العمل الإسلامي بما تقتضيه ظروف الزمان والمكان والإمكان..
نسأل الله العظيم ان يهدينا سبل الرشاد ، وان يجعلنا دعاة الى دينه .. هداة على نهج نبيه .. وان يلهمنا التوفيق والسداد..
تعليق