دكتور/ ياسر برهامي . . . .هل وافقت فتواه سلف الأمه، أم أنها بحاجة الى مراجعة؟!!!
السؤال:كنت في المظاهرات وكنا سلميين لا نحمل سلاحًا، وكان أحد المجرمين يُعمل القتل فيشباب الإخوان السلميين وقتل أكثر من واحد، فإذا بأحد الأشخاص لا أعرفه يريد أنيقتله، ولما قلت له هذا حق ولي الأمر أو أهل القتيل قال لي: هذا قاتل ودمه حلال... فهل هذا صحيح؟
. . . .وإذا كان قتله لا يجوز فكيف يتوب من قتلهوما يلزمه من الحقوق في ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب . . .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
. . . وأما مَن يقول لك: "دمه حلال" فكاذب؛ لأن القتال بهذه الطريقة ليس مشروعًا، بل هو من نوع ما قال موسى -عليه السلام- في قتله للفرعوني: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) (القصص:15)، مع أنه كافرٌ بلا شبهة، مِن أعداء الإسلام؛ فكيف بمسلمين "إلا أن تكفروهم بالباطل والعقيدة الفاسدة"؟!
. . . . وعمومًا نحن ننهى الجميع عن القتل والقتال بيْن أبناء الوطن الواحد، وعامتهم أبناء الدين الواحد "الإسلام"، ونقول: "هذه فتنة من أعظم الفتن فطوبى لمن ربأ بنفسه عنها".
. . . 2- وأما توبة القاتل مِن الطرفين فبالندم، وإن عَلِم أولياءَ المقتول دفع إليهم دية، وصام شهرين متتابعين كفارة.
*أما قول د/برهامي: مَن يقول لك: "دمه حلال" فكاذب؛ لأن القتال بهذه الطريقة ليس مشروعًا!!!!
فنقول وبالله التوفيق:
قال الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي في (أحكام القرآن /4/45 ):
الواجب على من قصده إنسان بالقتل أنَّ عليه قتله إذا أمكنه وأنه لا يسعه ترك قتله مع الإمكان.
قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [الحجرات: 9]. فأمر الله بقتال الفئة الباغية ولا بغي أشد من قصد إنسان بالقتل بغير استحقاق، فاقتضت الآية قتل من قصد قتل غيره بغير حق.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - في أخبار مستفيضة من قتل دون نفسه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد.
فأخبر صلى الله عليه وسلم - أن الدافع عن نفسه وأهله وماله شهيد ولا يكون مقتولا دون ماله إلا وقد قاتل دونه.
ولا نعلم خلافا أن رجلا لو شهر سيفه على رجل ليقتله بغير حق أن على المسلمين قتله، فكذلك جائز للمقصود بالقتل قتله وقد قتل علي بن ابي طالب الخوارج حين قصدوا قتل الناس وأصحاب النبي ص - معه موافقون عليه.
وذهب قوم من الحشوية إلى أن على من قصده إنسان بالقتل أن لا يقاتله ولا يدفعه عن نفسه حتى يقتله ، وتأولوا فيه هذه الآية (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)/المائدة.
وقد بينا أنه ليس في الآية دلالة على أنه كف يده عن قتله حين قصده بالقتل وإنما الآية تدل على أنه لا يبدأ بالقتل على ما روي عن ابن عباس.
ولو ثبت حكم الآية على ما ادعوه لكان منسوخا بما ذكرنا من القرآن والسنة واتفاق المسلمين على أن على سائر الناس دفعهم عنه وإن أتى على نفسه.
وتأولت هذه الطائفة التي ذكرنا قولها أحاديث روي عن النبي ص - منها حديث أبي موسى الأشعري عن النبي ص – إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار فقيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه.
فاحتجوا بهذه الآثار ولا دلالة لهم فيها فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم - إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار.
فإنما أراد بذلك إذا قصد كل واحد منهما صاحبه ظلما على نحو ما يفعله أصحاب العصبية والفتنة.
. . . وأما دفع القاتل عن نفسه فلم يمنعه فإن احتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -أنه قال لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس.
فلا يجوز قتله قبل أن يقتل بقضية نفي النبي صلى الله عليه وسلم - قتل المسلم إلا بإحدى ما ذكر وهذا لم يقتل بعد فلا يستحق القتل قيل له هذا القاصد لقتل غيره ظلما داخل في هذا الخبر لأنه أراد قتل غيره فإنما قتلناه بنفس من قصد لقتله لئلا يقتله فأحيينا نفس المقصود بقتلنا إياه.
ولو كان الأمر في ذلك على ما ذهبت إليه هذه الطائفة من حظر قتل من قصد قتل غيره ظلما والإمساك عنه حتى يقتل من يريد قتله لوجب مثله في سائر المحظورات إذا أراد الفاجر ارتكابها من الزنا وأخذ المال أن نمسك عنه حتى يفعلها فيكون في ذلك ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستيلاء الفجار وغلبة الفساق والظلمة ومحو آثار الشريعة.
وما علم مقالة أعظم ضررا على الإسلام والمسلمين من هذه المقالة ولعمري إنها أدت إلى غلبة الفساق على أمور المسلمين واستيلائهم على بلدانهم حتى تحكموا فحكموا فيها بغير حكم الله وقد جر ذلك ذهاب الثغور وغلبة العدو حين ركن الناس إلى هذه المقالة في ترك قتال الفئة الباغية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإنكار على الولاة والجوار والله المستعان.
ويقول الإمام القرطبي في الجامع ( 16/267 ) :في تفسير قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) / سورة الحجرات.
في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين.
وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين واحتج بقوله عليه السلام : ( قتال المؤمن كفر) ولو كان قتال المؤمن الباغي كفرا لكان الله تعالى قد أمر بالكفر تعالى الله عن ذلك.
وقال الامام النووي رحمه الله شرح مسلم ( 2/265 ):وأما أحكام الباب ففيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق سواء كان المال قليلا أو كثيرا لعموم الحديث وهذا قول الجماهير من العلماء وقال بعض أصحاب مالك لا يجوز قتله اذا طلب شيئا يسيرا كالثوب والطعام وهذا ليس بشيء والصواب ما قاله الجماهير.
*أما قول د/برهامي: ونقول: "هذه فتنة من أعظم الفتن فطوبى لمن ربأ بنفسه عنها".
فنقول وبالله التوفيق:
قال الإمام الطبري رحمه الله ( 16/267/ الجامع لأحكام القرآن): لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ولا أبطل باطل ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم بأن يتحزبوا عليهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم.
وقال الإمام النووي رحمه الله / (18 / 10/ شرح صحيح مسلم ) : وقد اختلف العلماء فى قتال الفتنة فقالت طائفة لايقاتل فى فتن المسلمين وان دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله فلا يجوز له المدافعة عن نفسه لأن الطالب متأول وهذا مذهب أبى بكرة الصحابى رضى الله عنه وغيره.
وقال بن عمر وعمران بن الحصين رضى الله عنهم وغيرهما لايدخل فيها لكن ان قصد دفع عن نفسه فهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول فى جميع فتن الاسلام.
وقال معظم الصحابة والتابعين وعامة علماء الاسلام يجب نصر المحق فى الفتن والقيام معه بمقاتلة الباغين كما قال تعالى فقاتلوا التى تبغى الآية وهذا هو الصحيح وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق أو على طائفتين ظالمتين لاتأويل لواحدة منهما ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغى والمبطلون والله أعلم.
*وأما قول د/برهامي: وأما توبة القاتل مِن الطرفين فبالندم، وإن عَلِم أولياءَ المقتول دفع إليهم دية، وصام شهرين متتابعين كفارة.
فقد قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري : ( 6/607 ): بَاب مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ فقتل عن ابْن عَمْرٍو ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِىَّ ( صلى الله عليه وسلم ) يَقُولُ : ( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ):
إنما أدخل هذا الحديث فى هذه الأبواب ليريك أن للإنسان أن يدفع عن نفسه وماله ، فإذا كان شهيداُ إذا قتل فى ذلك ، كان إذا قتل من أراده فى مدافعته له عن نفسه لا دية عليه فيه ، ولا قود .
قال المهلب : وكذلك كل من قاتل على ما يحل له القتال عليه من أهل أو دين فهو كمن قاتل دون نفسه وماله فلا دية عليه ولا تبعة ، ومن أخذ فى ذلك بالرخصة وأسلم المال أو الأهل أو النفس فأمره إلى الله ، والله يعذره ويأجره ، ومن أخذ فى ذلك بالشدة وقتل كانت له الشهادة بهذا الحديث .
وأما قول أهل العلم فى هذا الباب فذكر ابن المنذر قال : روينا عن جماعة من أهل العلم أنهم رأوا قتال اللصوص ودفعهم عن أنفسهم وأموالهم ، وقد أخذ ابن عمر لصا فى داره فأصلت عليه السيف ، قال سالم : فلولا أنا نهيناه لضربه به .
وقال النخعى : إذا خفت أن يبدأك اللص فابدأه .
وقال الحسن البصرى : إذا طرق اللص بالسلاح فاقتله ، وروينا هذا المعنى عن غير واحد من المتقدمين ، وسئل مالك عن القوم يكونون فى السفر فتلقاهم اللصوص ، قال : يناشدونهم الله ، فإن أبوا وإلا قوتلوا . وعن الثورى وابن المبارك قال : يقاتلونهم ولوعلى دانق . وقال أحمد بن حنبل : إذا كان اللص مقبلا ، وأما موليًا فلا .
وعن إسحاق مثله . وقال أبو حنيفة فى رجل دخل على رجل ليلا فسرقه ثم خرج بالسرقة من الدار ، فاتبعه الرجل فقتله ، قال : لا شىء عليه .
وكان الشافعى يقول : من أريد ماله فى مصر أو صحراء ، أو أريد حريمه فالاختيار له أن يكلمه ويستغيث ، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله ، فإن أبى أن يمتنع من قتله من أراده ، فله أن يدفعه عن نفسه وعن ماله ، وليس له عمد قتله ، فإن أبى ذلك على نفسه فلا عقل عليه ولا قود ولا كفارة .
قال ابن المنذر : والذى عليه عوام أهل العلم أن للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله وأهله إذا أريد ظلمًا ، لقوله عليه السلام.
كالمجمعين على أن كل من لم يمكنه أن يدفع عن نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته ألا يفعل للآثار التى جاءت عن النبى - عليه السلام - بالأمر بالصبر على ما يكون منه من الجور والظلم ، وترك القيام عليهم ما أقاموا الصلاة .
وما قلناه من إباحة أن يدفع الرجل عن نفسه وماله قول عوام أهل العلم إلا الأوزاعى ، فإنه كان يفرق بين الحال الذى للناس فيها جماعة وإمام وبين حال الفتنة التى لا جماعة فيها ولا إمام ، فقال فى تفسير قوله : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) إذا أقلعت الفتنة عن الجماعة ، وأمنت السبل ، وحج البيت ، وجوهد العدو ، وقعد اللص لرجل يريد دمه أو ماله قاتله ، وإن كان الناس فى معمعة فتنة وقتال ، فدخل عليه يريد دمه وماله اقتدى بمحمد بن مسلمة .
السؤال:كنت في المظاهرات وكنا سلميين لا نحمل سلاحًا، وكان أحد المجرمين يُعمل القتل فيشباب الإخوان السلميين وقتل أكثر من واحد، فإذا بأحد الأشخاص لا أعرفه يريد أنيقتله، ولما قلت له هذا حق ولي الأمر أو أهل القتيل قال لي: هذا قاتل ودمه حلال... فهل هذا صحيح؟
. . . .وإذا كان قتله لا يجوز فكيف يتوب من قتلهوما يلزمه من الحقوق في ذلك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب . . .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
. . . وأما مَن يقول لك: "دمه حلال" فكاذب؛ لأن القتال بهذه الطريقة ليس مشروعًا، بل هو من نوع ما قال موسى -عليه السلام- في قتله للفرعوني: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) (القصص:15)، مع أنه كافرٌ بلا شبهة، مِن أعداء الإسلام؛ فكيف بمسلمين "إلا أن تكفروهم بالباطل والعقيدة الفاسدة"؟!
. . . . وعمومًا نحن ننهى الجميع عن القتل والقتال بيْن أبناء الوطن الواحد، وعامتهم أبناء الدين الواحد "الإسلام"، ونقول: "هذه فتنة من أعظم الفتن فطوبى لمن ربأ بنفسه عنها".
. . . 2- وأما توبة القاتل مِن الطرفين فبالندم، وإن عَلِم أولياءَ المقتول دفع إليهم دية، وصام شهرين متتابعين كفارة.
*أما قول د/برهامي: مَن يقول لك: "دمه حلال" فكاذب؛ لأن القتال بهذه الطريقة ليس مشروعًا!!!!
فنقول وبالله التوفيق:
قال الإمام أبو بكر الجصاص الحنفي في (أحكام القرآن /4/45 ):
الواجب على من قصده إنسان بالقتل أنَّ عليه قتله إذا أمكنه وأنه لا يسعه ترك قتله مع الإمكان.
قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [الحجرات: 9]. فأمر الله بقتال الفئة الباغية ولا بغي أشد من قصد إنسان بالقتل بغير استحقاق، فاقتضت الآية قتل من قصد قتل غيره بغير حق.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - في أخبار مستفيضة من قتل دون نفسه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد.
فأخبر صلى الله عليه وسلم - أن الدافع عن نفسه وأهله وماله شهيد ولا يكون مقتولا دون ماله إلا وقد قاتل دونه.
ولا نعلم خلافا أن رجلا لو شهر سيفه على رجل ليقتله بغير حق أن على المسلمين قتله، فكذلك جائز للمقصود بالقتل قتله وقد قتل علي بن ابي طالب الخوارج حين قصدوا قتل الناس وأصحاب النبي ص - معه موافقون عليه.
وذهب قوم من الحشوية إلى أن على من قصده إنسان بالقتل أن لا يقاتله ولا يدفعه عن نفسه حتى يقتله ، وتأولوا فيه هذه الآية (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)/المائدة.
وقد بينا أنه ليس في الآية دلالة على أنه كف يده عن قتله حين قصده بالقتل وإنما الآية تدل على أنه لا يبدأ بالقتل على ما روي عن ابن عباس.
ولو ثبت حكم الآية على ما ادعوه لكان منسوخا بما ذكرنا من القرآن والسنة واتفاق المسلمين على أن على سائر الناس دفعهم عنه وإن أتى على نفسه.
وتأولت هذه الطائفة التي ذكرنا قولها أحاديث روي عن النبي ص - منها حديث أبي موسى الأشعري عن النبي ص – إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار فقيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه.
فاحتجوا بهذه الآثار ولا دلالة لهم فيها فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم - إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار.
فإنما أراد بذلك إذا قصد كل واحد منهما صاحبه ظلما على نحو ما يفعله أصحاب العصبية والفتنة.
. . . وأما دفع القاتل عن نفسه فلم يمنعه فإن احتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -أنه قال لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير نفس.
فلا يجوز قتله قبل أن يقتل بقضية نفي النبي صلى الله عليه وسلم - قتل المسلم إلا بإحدى ما ذكر وهذا لم يقتل بعد فلا يستحق القتل قيل له هذا القاصد لقتل غيره ظلما داخل في هذا الخبر لأنه أراد قتل غيره فإنما قتلناه بنفس من قصد لقتله لئلا يقتله فأحيينا نفس المقصود بقتلنا إياه.
ولو كان الأمر في ذلك على ما ذهبت إليه هذه الطائفة من حظر قتل من قصد قتل غيره ظلما والإمساك عنه حتى يقتل من يريد قتله لوجب مثله في سائر المحظورات إذا أراد الفاجر ارتكابها من الزنا وأخذ المال أن نمسك عنه حتى يفعلها فيكون في ذلك ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستيلاء الفجار وغلبة الفساق والظلمة ومحو آثار الشريعة.
وما علم مقالة أعظم ضررا على الإسلام والمسلمين من هذه المقالة ولعمري إنها أدت إلى غلبة الفساق على أمور المسلمين واستيلائهم على بلدانهم حتى تحكموا فحكموا فيها بغير حكم الله وقد جر ذلك ذهاب الثغور وغلبة العدو حين ركن الناس إلى هذه المقالة في ترك قتال الفئة الباغية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإنكار على الولاة والجوار والله المستعان.
ويقول الإمام القرطبي في الجامع ( 16/267 ) :في تفسير قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) / سورة الحجرات.
في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين.
وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين واحتج بقوله عليه السلام : ( قتال المؤمن كفر) ولو كان قتال المؤمن الباغي كفرا لكان الله تعالى قد أمر بالكفر تعالى الله عن ذلك.
وقال الامام النووي رحمه الله شرح مسلم ( 2/265 ):وأما أحكام الباب ففيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق سواء كان المال قليلا أو كثيرا لعموم الحديث وهذا قول الجماهير من العلماء وقال بعض أصحاب مالك لا يجوز قتله اذا طلب شيئا يسيرا كالثوب والطعام وهذا ليس بشيء والصواب ما قاله الجماهير.
*أما قول د/برهامي: ونقول: "هذه فتنة من أعظم الفتن فطوبى لمن ربأ بنفسه عنها".
فنقول وبالله التوفيق:
قال الإمام الطبري رحمه الله ( 16/267/ الجامع لأحكام القرآن): لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ولا أبطل باطل ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم بأن يتحزبوا عليهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم.
وقال الإمام النووي رحمه الله / (18 / 10/ شرح صحيح مسلم ) : وقد اختلف العلماء فى قتال الفتنة فقالت طائفة لايقاتل فى فتن المسلمين وان دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله فلا يجوز له المدافعة عن نفسه لأن الطالب متأول وهذا مذهب أبى بكرة الصحابى رضى الله عنه وغيره.
وقال بن عمر وعمران بن الحصين رضى الله عنهم وغيرهما لايدخل فيها لكن ان قصد دفع عن نفسه فهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول فى جميع فتن الاسلام.
وقال معظم الصحابة والتابعين وعامة علماء الاسلام يجب نصر المحق فى الفتن والقيام معه بمقاتلة الباغين كما قال تعالى فقاتلوا التى تبغى الآية وهذا هو الصحيح وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق أو على طائفتين ظالمتين لاتأويل لواحدة منهما ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغى والمبطلون والله أعلم.
*وأما قول د/برهامي: وأما توبة القاتل مِن الطرفين فبالندم، وإن عَلِم أولياءَ المقتول دفع إليهم دية، وصام شهرين متتابعين كفارة.
فقد قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري : ( 6/607 ): بَاب مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ فقتل عن ابْن عَمْرٍو ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِىَّ ( صلى الله عليه وسلم ) يَقُولُ : ( مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ):
إنما أدخل هذا الحديث فى هذه الأبواب ليريك أن للإنسان أن يدفع عن نفسه وماله ، فإذا كان شهيداُ إذا قتل فى ذلك ، كان إذا قتل من أراده فى مدافعته له عن نفسه لا دية عليه فيه ، ولا قود .
قال المهلب : وكذلك كل من قاتل على ما يحل له القتال عليه من أهل أو دين فهو كمن قاتل دون نفسه وماله فلا دية عليه ولا تبعة ، ومن أخذ فى ذلك بالرخصة وأسلم المال أو الأهل أو النفس فأمره إلى الله ، والله يعذره ويأجره ، ومن أخذ فى ذلك بالشدة وقتل كانت له الشهادة بهذا الحديث .
وأما قول أهل العلم فى هذا الباب فذكر ابن المنذر قال : روينا عن جماعة من أهل العلم أنهم رأوا قتال اللصوص ودفعهم عن أنفسهم وأموالهم ، وقد أخذ ابن عمر لصا فى داره فأصلت عليه السيف ، قال سالم : فلولا أنا نهيناه لضربه به .
وقال النخعى : إذا خفت أن يبدأك اللص فابدأه .
وقال الحسن البصرى : إذا طرق اللص بالسلاح فاقتله ، وروينا هذا المعنى عن غير واحد من المتقدمين ، وسئل مالك عن القوم يكونون فى السفر فتلقاهم اللصوص ، قال : يناشدونهم الله ، فإن أبوا وإلا قوتلوا . وعن الثورى وابن المبارك قال : يقاتلونهم ولوعلى دانق . وقال أحمد بن حنبل : إذا كان اللص مقبلا ، وأما موليًا فلا .
وعن إسحاق مثله . وقال أبو حنيفة فى رجل دخل على رجل ليلا فسرقه ثم خرج بالسرقة من الدار ، فاتبعه الرجل فقتله ، قال : لا شىء عليه .
وكان الشافعى يقول : من أريد ماله فى مصر أو صحراء ، أو أريد حريمه فالاختيار له أن يكلمه ويستغيث ، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله ، فإن أبى أن يمتنع من قتله من أراده ، فله أن يدفعه عن نفسه وعن ماله ، وليس له عمد قتله ، فإن أبى ذلك على نفسه فلا عقل عليه ولا قود ولا كفارة .
قال ابن المنذر : والذى عليه عوام أهل العلم أن للرجل أن يقاتل عن نفسه وماله وأهله إذا أريد ظلمًا ، لقوله عليه السلام.
كالمجمعين على أن كل من لم يمكنه أن يدفع عن نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته ألا يفعل للآثار التى جاءت عن النبى - عليه السلام - بالأمر بالصبر على ما يكون منه من الجور والظلم ، وترك القيام عليهم ما أقاموا الصلاة .
وما قلناه من إباحة أن يدفع الرجل عن نفسه وماله قول عوام أهل العلم إلا الأوزاعى ، فإنه كان يفرق بين الحال الذى للناس فيها جماعة وإمام وبين حال الفتنة التى لا جماعة فيها ولا إمام ، فقال فى تفسير قوله : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) إذا أقلعت الفتنة عن الجماعة ، وأمنت السبل ، وحج البيت ، وجوهد العدو ، وقعد اللص لرجل يريد دمه أو ماله قاتله ، وإن كان الناس فى معمعة فتنة وقتال ، فدخل عليه يريد دمه وماله اقتدى بمحمد بن مسلمة .
وفي الختام نرجو الله عزوجل أن يبصرنا بأمر ديننا وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه
وكتبه: حسين بن رياض المصري
مكة المكرمة 14/10/1434هـ
وكتبه: حسين بن رياض المصري
مكة المكرمة 14/10/1434هـ
تعليق